المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 059.doc

الأمر السادس من محرمات السلوك الاجتماعي العام هو تولي الولايات والمناصب والأشغال من قبل الظلمة

والجائرين والمستبدين وهذه من المسائل الهامة جداً التي يكثر ابتلاء بها خصوصاً من قبل الكفاءات العالية كالمتخصصين والعلماء والصحفيين الكبار والوزراء والمدراء وما أشبه ذلك ولذا ينبغي تفصيل بعض مسائلها لأهمية هذه المسألة .

والمراد من الولاية هنا الأعم من تولي المنصب أو الوكالة أو الإذن في شيء حتى في مثل الصلاة جماعة في مكان الجائر مثلاً والقيام مقامه برؤية الهلال أو الحكم بثبوت الهلال أو القضاء أو إدارة شيء ما إنساناً أو حيواناً أو جماداً كما إذا ولاه الجائر بأن يراقب السيارات الداخلة والخارجة من البلاد مثلاً أو يراقب المسافرين الداخلين والخارجين أو يراقب السفن كذلك في الميناء أو غير ذلك من العناوين التي ينطبق عليها النيابة عن الجائر أو الولاية من قبله .

وهي من المحرمات بذاتها لكونها من قبل الجائر وإن لم يكن الفعل بنفسه حراماً ولم يأخذ من بيت المال شيئاً وحرمتها من المسلمات بين الأصحاب بل ادعى الإجماع عليها غير واحد منهم بل ذكر أنه من الضروريات المستغنية عن ذكر ما يدل عليه من الكتاب والسنة وكيف كان فيدل على حرمتها الأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تبارك وتعالى (ولا تجعلني مع القوم الظالمين ) ولولا قباحة الجعل مع القوم الظالمين والمحسوبين عليهم لم يطلب هذا الطلب وهو المفهوم أيضاً في مثل قوله سبحانه وتعالى ((فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي)) .

ومن الواضح أن الذي يتبع الظالمين يكون منهم أيضاً وقوله عز وجل ((وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً)) بضميمة صدق أنه مع الظالمين وأنه منهم إذ ما تولى لهم منصباً أو ولاية أو وكالة أو غير ذلك من العناوين التي يرى العرف أنها من عناوين الخدمة والمعاونة للظالمين والجائرين هذا مضافاً إلى آية الركون التي دلت على أن الركون إلى الظالمين عقوبته النار وكذلك الآية التي نهت عن التعاون على الإثم والعدوان كما تقدم تفصيله فيما تقدم من مباحث .

وأما السنة فروايات متواترة دلت على حرمة معونة الظالمين إضافة إلى الروايات الخاصة التي دلت على حرمة التولي للمناصب منها ما يدل بالصراحة ومنها ما يدل بالظهور ومنها ما يدل بالملازمة فعن داود بن زرهي قال أخبرني مولى لعلي بن الحسين (عليه السلام) قال:( كنت بالكوفة فقدم أبو عبد الله (عليه السلامٍ) الحيرة فأتيته فقلت جعلت فداك لو كلفني داود بن علي وبعض هؤلاء فادخل معهم في الولايات فقال (عليه السلام) ما كنت لأفعل ...الى أن قال فقلت جعلت فداك ظننت أنك إنما كرهت ذلك مخافة أن أجور أو أن أظلم وأن كل امرأة لي طالق وإن كل مملوك حر وعلي إن ظلمت أحداً أو جرت عليه أو لم أعدل قال كيف قلت فأعدت عليه الإيمان فرفع رأسه إلى السماء فقال تناول السماء أيسر عليك من ذلك) .

ومنها ما رواه حميد قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) (إني قد وليت عملاً فهل لي من مخرج فقال ما أكثر من طلب المخرج من ذلك فعسر عليه فقلت فما ترى ؟ قال أرى أن تتقي الله عز وجل ولا تعود) ، ومنها ما رواه الحسين عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) في حديث المناهي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (من تولى عرافة قوم أتي به يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه فإن قام فيهم بأمر الله عز وجل أطلقه الله وإن كان ظالماً هوى به في نار جهنم وبئس المصير).

ومنها ما رواه الصدوق في عقاب الأعمال بسنده الى الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) في حديث قال :(من أكرم أخاه فإنما يكرم الله عز وجل ومن تولى عرافة قوم ولم يحسن فيهم حبس على شفير جهنم بكل يوم ألف سنة وحشر ويده مغلولة الى عنقه فإن كان قام فيهم بأمر الله أطلقها الله وإن كان ظالماً هوى به في نار  جهنم سبعين خريفاً ) ومنها مارواه مسعدة بن صدقة قال (سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم من الشيعة يدخلون في أعمال السلطان يعملون لهم ويحبون لهم ويوالونهم قال: ليس هم من الشيعة ولكنهم من أولئك وقرأ أبو عبد الله (عليه السلام) هذه الآية لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ... ولكن كثيراً منهم فاسقون قال الخنازير على لسان داود والقردة على لسان عيسى كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) قال (كانوا يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر ويأتون النساء أيام حيضهن ثم احتج  الله على المؤمنين الموالين للكفار فقال ترى كثيراً منهم فاسقون) ونهى الله عز وجل إن يوالي المؤمن الكافر إلا عند التقية .

ومنها ما رواه العياشي في تفسيره عن سليمان الجعفري قال قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) (ما تقول في أعمال السلطان فقال يا سلمان الدخول في أعمالهم والعون لهم والسعي في حوائجهم عديل الكافر والنظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحق بها النار).

ومنها ما رواه علي بن يقطين قال قلت لأبي الحسن ما تقول في أعمال هؤلاء قال (إن كنت لا بد فاعل فاتق أموال الشيعة) قال فاخبرني أنه كان يجبيها من الشيعة علانية ويردها عليهم في السر.

 ومنها ما رواه زياد بن أبي سلمة قال (دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام) فقال :( لي يا زياد (إنك لتعمل عمل السلطان ؟ قلت : نعم  قال : ولم ؟ قلت أنا رجل لي مروة وعلي عيال وليس وراء أهلي شيء فقال لي يا زياد لئن اسقط من حائط فأتقطع قطعة قطعة أحب إلي من أن أتولى لأحد منهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم إلا لماذا ؟ ، قلت لا أدري جعلت فداك قال إلا لتفريج كربة عن مؤمن أو فك أسره أو قضاء دينه يا زياد إن أهون ما يصنع الله جل وعز لمن يتولى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادقاً من نار إلى أن يفرغ من حساب الخلائق يا زياد فإن وليت شيئاً من أعمالهم فاحسن إلى أخوتك فواحدة بواحدة والله من وراء ذلك يا زياد أيما رجل منكم تولى لأحد منهم عملاً ثم ساوى بينكم وبينه فقولوا له أنت منتحل كذاب يا زياد إذا ذكرت مقدرتك على الناس فاذكر مقدرة الله عليك غداً ونفاد ما أتيت لهم عنهم وبقاء ما أتيت اليهم عليك).

ومنها ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (ذكر عنده رجل من هذه العصابة قد ولي ولاية فقال كيف صنيعه إلى إخوانه قال قلت ليس عنده خير قال أفٍ يدخلون فيما لا ينبغي لهم ولا يصنعون إلى إخوانهم خيراً).

ومنها ما رواه يونس بن عمار( قال وصفت لأبي عبد الله (عليه السلام) من يقول بهذا الأمر ممن يعمل عمل السلطان فقال إذا ولوكم يدخلون عليكم المرفق وينفعونكم في حوائجكم قال قلت من يفعل ذلك ومنهم من لا يفعل قال من لم يفعل ذلك منهم فابرئوا منه برء الله منه).

ومنها ما رواه أبو حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سمعته يقول (من أحللنا له شيئاً أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال وما حرمناه من ذلك فهو له حرام).

ومنها ما رواه محمد بن مسلم قال كنا عند أبي جعفر (عليه السلام) على باب داره بالمدينة فينظر إلى الناس يمرون أفواجاً فقال لبعض من عنده (حدث بالمدينة أمر) فقلت جعلت فداك ولي المدينة وال فوفد الناس يهنئونه فقال (عليه السلام) (إن الرجل ليغدو على الأمر يهنأ به وإنه لباب من أبواب النار).

ومنها ما ورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) (من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام).

ومنها ما ورد من قوله (عليه السلام) (أو باب يوهن به الحق).

ومنها قوله (عليه السلام) (إن في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله وإظهار الباطل كله وإظهار الظلم والجور والفساد وإبطال الكتب وقتل الأنبياء والمؤمنين وهدم المساجد وتبديل سنة الله وشرائعه ولذلك حرم العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم إلا بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة) ولا يخفى أن هذه الروايات في مجموعها منها ما يدل على حرمة الولاية كهذه الأخيرة ومنها ما يدل على حرمة العمل ومنها ما يدل على الحاجة إلى إجازة ولي الأمر (عليه السلام) إلى غير ذلك من التعبيرات الواردة في هذا المجال الجميع يشترك في حرمة تولي الولاية من قبل الجائرين .

وأما دلالة الإجماع فهو واضح في إجماع الإمامية بل ضرورة مذهبهم القائمة على حرمة تولي الولايات من قبل الحاكمين والجائرين.

 أما العقل فهو يحكم بقباحة تولي الولاية من قبل الجائرين من جهات عديدة منها لأنه تشييد للظلم وتقوية له ومنها أنه معونة للظالمين ومنها أنه نوع من الغصب والتصرف من قبل الجائرين فيما ليس له حق به وذلك لأن الحكم والولاية هو حق لله سبحانه وتعالى. ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وللأئمة الميامين من أهل بيته ومن نصبه لذلك كما ثبت في محله من علم الكلام وفي بحث الولايات من الفقه فتصدي غيرهم له حرام محرم بل هو يعد من مصاديق الغاصبين وكذلك كل من كان منصوباً من قبله يكون غاصباً أيضاً أو بحكم الغاصب عرفاً وعقلاً بل إن تولي الجائرين من أجلى مصاديق المنع من إقامة حكم الله سبحانه وتعالى ودفع من نصبهم الله سبحانه وتعالى في هذا المقام عن مقامهم .

فيظهر من هذا إذن أن التصدي للحكومة والإمارة بغير إذن من المعصومين (عليهم السلام) حرام على كل حال ولكن منعهم من الوصول إلى مقامهم محرمة كبرى أخرى فوقها فيستحصل أن تولي ولاية الحكم أو الإدارة أو الوزارة أو ما أشبه ذلك من قبل الجائرين تنطبق عليها عناوين متعددة عقلاً وشرعاً منها الظلم ومنها تقوية الباطل ومنها معونة الظالمين ومنها الغصب خصوصاً إذا كانت الحكومة الجائرة تحكم باسمهم أو تنتسب إلى الإسلام فإن مثل هذه الحكومة كحكومة بني أمية وبني العباس تنتصب وتحكم بعنوان الخلافة عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) فتنطبق عليها عناوين ثلاثة من كبائر الذنوب .

منها منع صاحب الحق عن حقه هو من أعظم المعاصي .

ومنها التصدي لما ليس لهم ولا يجوز إلا بإذن أهله .

ومنها التشريع إذا قصده بهذه النسبة النبي وإلى الإسلام ، بدون إذن الله سبحانه وتعالى كما هو ظاهر العنوان الذي يرفعه الجائرون لأجل إضفاء الشرعية على حكوماتهم الجائرة لخداع الناس بها فإذا قارنتها تصرفات ومظالم وقضاة جور فإنها محرمات أخرى تجتمع فوق هذه المحرمات ومن المجموع يفهم أن تولي الحكام الجائرون لمناصب في الحكومة الظالمة وما أشبه لا ينطبق عليها عنوان محرم واحد بل عناوين محرمة متعددة وكذلك الذي يدخل في هذه الحكومات من قبيل الوزارات والإدارات التي يصدق عليها أنه ولاية من قبل الجائر فإن العناوين فيه أيضاً تنطبق بلا إشكال وبذلك يظهر أيضاً أنه لا وجه لتبرير ذلك من قبل البعض بأن نفس العمل جائز أو هو مباح وما أشبه بل أن الانتساب إلى الحكومة الجائرة وصدق هذه العناوين تحرمه مهما كانت الأعاذير والعلل إلا الموارد التي دل الدليل الخاص على استثنائها كما ستعرفه وهنا مسائل:

المسألة الأولى: هل إن هذه الحرمة ذاتية كحرمة نفس الظلم من حيث هو أو انها غيرية من جهة ترتب المفسدة عليها بمعنى أنه لو فرض عدم ترتب المفسدة تكون مباحة قولان في المسألة :

القول الأول : ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري (رضي الله عنه) وهو الظاهر من كلمات المحقق الإيرواني (رضي الله عنه) والسيد السبزواري (قدس سره) أيضاً في مهذب الأحكام حيث قالوا بأن الحرمة ليست ذاتية وإنما هي ناشئة من المفاسد المترتبة عليها .

ويقابله القول بأنها من المحرمات الذاتية وهو ما ذهب إليه جمع من الفقهاء منهم السيد الخوئي (قدس سره) في مصباح الفقاهة وسماحة السيد الشيرازي (دام ظله) في الفقه بل وهو المحكي عن العلامة الطباطبائي في مصابيحه وإنه مال إلى هذا القول بكون الولاية تتضاعف إثماً باشتمالها على المحرمات كما يظهر من الجواهر ولعل العمدة في إثبات هذا القول ما هو المعلوم بالأدلة من أن الحكومة حق لله ولأوليائه المأمورين من قبله فغيرهم غاصب للولاية وغيرهم غير مستحق لشيء منها فالتغلب عليها حرام وإن عدل فيهم كما أن التعدي للقضاء لمن لم يؤذن له من الشرع حرام وإن حكم بالحق وعدل في الحكم وبالجملة الحكومة والولاية والقضاء والإفتاء أمور محتاجة إلى الإذن منه تعالى أو من أوليائه فالتصدي له من دونه حرام ذاتاً.

وأما التغلب على أمور الناس بدون رضا منهم كما هو الغالب في الحكومات والولايات حتى أن غيره نادر جداً وتصرفهم في أمورهم ودعوتهم إلى التسليم لأمرهم ونهيهم وجعلهم العقوبات على المتخلفين فهي محرمات أخرى كما ستعرفه من ظواهر الأدلة وكيف كان فقد استدل القائلون بأنها مباحة ذاتاً بأن المنصرف من الأدلة الناهية عن تولي الولايات من قبل الجائرين منصرف عن نفس المنصب إلى خوض الولاة والقيام بأعمال الولاية وذلك لرواية تحف العقول المتقدمة التي ورد فيها أن في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله مما يظهر منها أن الملاك هو أن الولاية طريق إلى المفاسد وإلا في نفسها ليست محرمة ولذا قال السيد السبزواري (قدس سره) إنه المنساق من الأدلة التي ورد فيها العمل لهم والخبر الوارد في التحف عدم الحرمة الذاتية حيث أن أخذ المنصب منهم من حيث هو أمر اعتباري من دون أي عمل لهم أصلاً ويظهر من الجواهر إمكان تحصيل الإجماع على عدم الحرمة الذاتية ويشهد له منع الحرمة الذاتية لما جاء ذلك لأجل ترتب غايات راجحة كقضاء حوائج المؤمنين والإحسان إليهم مع أنهم رحمهم الله يدعون تطابق الأدلة على جوازه لهذه الأمور.

وأما الروايات المانعة فحملوها يإطلاقها على صورة انطباق العناوين المحرمة عليها ففي مثل صحيح داود بن زربي ، الذي ورد فيه ( إنه رفع رأسه إلى السماء فقال تناول السماء أيسر عليك من ذلك) يخدش فيه بأن الملازمة الغالبية بين الدخول في مناصبهم وترتب المفسدة تمنع عن التمسك بإطلاقها حتى يستفاد منها بأن الحرمة ذاتية كما هو معلوم فهي منزلة على ما هو الغالب وهو صورة ترتب المفسدة وأما في ما إذا لم يستلزم المفسدة فلا دليل على الحرمة وعلى فرض وجود الإطلاق في مثل هذه الروايات حملوها على الحرمة الذاتية في عهد الدولتين الأموية والعباسية لأن الأمويين والعباسيين بذلوا كل جهودهم وأقصى وسعهم لإزالة الدولة الهاشمية بكل ما أمكنهم وحينئذٍ على إمام الحق المدافعة معهم بكل ما يمكنه فحرمة الولاية لهم والدخول في مناصبهم يتصور لها وجه حينئذٍ حتى وإن لم تترتب عليه مفسدة.

لأنه في هذه الصورة يكون بنفسه مفسدة عرفاً في وقت حدوث دولة الباطل وإقامة دعائمها على الحق وأما بعد أن استقر الظلم والجور واستترت دولة الحق إلى أن يبدو لله ما يشاء وظهرت شوكة الظالمين واستولوا على الأمر بكل أنحاء الاستيلاء بحيث يكون دخول أحد في مناصبهم مع عدم العمل وجوده كعدمه من كل جهة فلا فائدة تتصور في الحرمة الذاتية حينئذٍ خصوصاً مع وجود الروايات الدالة على أن الحرمة الذاتية غير صحيحة .

كما في قول الصادق (عليه السلام) (رجل يحب آل محمد (صلى الله عليه وآله) هو تحت ديوان هؤلاء فيقتل تحت رايتهم فقال (عليه السلام) يحشره الله على نيته) ومثله صحيح الحلبي قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل مسلم وهو في ديوان هؤلاء وهو يحب آل محمد ويخرج مع هؤلاء تحت بعثهم فيقتل تحت رايتهم قال (عليه السلام) (يبعثه الله على نيته) وسألته عن رجل مسكين خدمهم رجاء أن يصيب معهم شيئاً فيعينه الله به فمات في بعثهم قال (عليه السلام) (هو بمنزلة الأجير إنه إنما يعطي الله العباد على نياتهم ) ونحو هذه الأحاديث وغيرها أيضاً فإن لهذه الأخبار نحو حكومة على جميع الأخبار المانعة على ما ذكره السيد السبزواري (قدس سره) في مهذب الأحكام ولا يتصور وجه للمنع والحرمة الذاتية إلا في صورتين.

الصورة الأولى: إن نحمل هذه المفاسد المذكورة في الروايات المترتبة على الولايات على الحكمة لا لعلة إلا أن السيد السبزواري لم يرتض هذا وقال عهدته على مدعيه.

الصورة الثانية: الروايات الواردة على حرمة معونة الظالمين لكن القائلين بالجواز حملوها على أنها أخص من المدعى فلا تدل على الحرمة الذاتية مطلقاً.

وأما المانعون فاستدلوا بوجوه واشكلوا على هذه الأدلة التي ذكرها المجوزون ففي مصباح الفقاهة أن ظاهر جملة من الروايات (هو كون الولاية من قبل الجائر بنفسها محرمة وهي أخذ المنصب منه وتسويد الاسم في ديوانه وإن لم يقم بمعصية عملية أخرى كما ورد عنه (عليه السلام) من سود اسمه في ديوان ولد سابع - مقلوب عباس - حشره الله يوم القيامة خنزيراً).

وغير ذلك من الروايات الدالة على أن تسويد الاسم بمجرده من دون القيام بمعصية عملية أخرى من الظلم وقتل النفوس المحترمة وإصابة أموال الناس وإعراضهم وغيرها من شؤون الولاية المحرمة محرمة ذاتاً فأي وال من ولاة الجور ارتكب شيئاً من تلك العناوين المحرمة يعاقب بعقابين أحدهما من جهة الولاية المحرمة وثانيهما من جهة ما ارتكبه من معاص خارجية وذلك لأن النسبة بين عنوان الولاية من قبل الجائر وبين تحقق هذه الأعمال المحرمة هي العموم من وجه، فقد يكون أحد والياً من قبل الجائر ولكنه لا يعمل شيئاً من الأعمال المحرمة وإن كانت الولاية من قبل الجائر لا تنفك عن المعصية غالباً وقد يرتكب غير الوالي شيئاً من هذه المظالم الراجعة إلى شؤون الولاة تزلفاً إليهم وطلباً للمنزلة عندهم وقد يجتمعان بأن يتصدى الوالي نفسه لأخذ الأموال وقتل النفوس وارتكاب المظالم ..

وأما الانصراف المدعى فقد أشكل عليه سماحة السيد الشيرازي (دام ظله) بأن مناسبة الحكم والموضوع تعطي الإطلاق فلا انصراف في المقام وأما رواية تحف العقول فهي محمولة على الحكمة وليست على العلة حتى تدور الحرمة مدار هذه المفاسد وعدمها ولذا لا يلزم وجود كل المفاسد حتى يحكم بالحرمة.

 وأما الروايات التي استدل بها على الجواز وما أشبه ذلك كما هو لسانها الظاهر منها وعليه يقول السيد دام ظله فالولاية بذاتها محرمة ولو انضم إليها عمل محرم كان له عقابان من غير فرق بين أن يكون الجائر مسلماً أو كافراً مخالفاً أو موالياً للإطلاق إلا إذا انطبق في الكافر والمخالف قانون الإلزام فيكون من الاستثناء حينئذٍ .

هذا وقد عرفت مما تقدم أن الروايات الواردة في هذا المجال على طوائف ثلاثة :

الطائفة الأولى : ما دل على الحرمة مطلقاً .

والثانية ما دل عل الجواز .

والثالثة ما دل على التفصيل .

 ولذا ينبغي الجمع بين هذه الطوائف واستخلاص النتيجة وقد جمع بعض الفقهاء هذه الطوائف بأشكال ثلاثة:

    الأول: ما ذهب إليه المحقق الحلي (قدس سره) في الشرائع من الجواز عند  العمل بما يحرم والاستحباب عند القدرة على الأمر بالمعروف.

الثاني: ما ذهب إليه بعض آخر من اختصاص الحرمة فيما إذا لم يأمن من الحرام وأما إذا أمن من الحرام فيجوز بل قد يستحب فيما إذا كان فيه أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.

الثالث: ما ذهب إليه بعض آخر من أن الحرمة تختص بما إذا كان قبوله لحب الرئاسة لأنه مذموم وقبيح وأما إذا كان من قصده الخير ومساعدة الناس فتجوز وإن كان لخصوص الحق هو راجح لكن الظاهر أن الأقرب إلى الأدلة وإلى الفهم العرفي من مجموع هذه الطوائف هو الجمع بما ذكرناه وهو أن الأصل هو الحرمة للعناوين العقلية من الغصب وتشييد الباطل وما أشبه ذلك من العناوين التي يستقل العقل بقبحها وبحرمتها مضافاً إلى أن ولاية الجائرين من أجلى مصاديق غصب الحكومة من أولياء الله سبحانه وتعالى الذين نصبهم حججاً على العباد وسادة وقادة فلذا لا يجوز بمقتضى الأصل الأولي وإنما إذا جاز ففي موارد الاستثناء ومن أهمها :

هو الاستئذان من أصحاب الولاية الحقة في زمن حضورهم وفي زمن الغيبة يستأذن من نوابهم العامين وهم الفقهاء جامعي الشرائط فحينئذٍ إذا أراد شخص أن يتولى ولاية من قبل الجائر فعليه أن يستأذن من الفقيه الجامع للشرائط في أمثال هذه الأزمنة فإذا جازت قد تنطبق عليها العناوين الراجحة أيضاً من المستحبات وقد تصبح من الواجبات.

وهذا هو الذي عليه السيرة قديماً وحديثاً بل المعروف من مرتكزات المتشرعة فضلاً عن الأدلة الأخرى والعناوين الأولية والثانوية كالأهم والمهم أو دفع الضرر أو نحو ذلك ولهذا اتفقت كلمة الفقهاء على استثناء جملة من هذه الموارد كما ستعرفه، وكيف كان فإنه إذا استفيد من الأدلة هو ما ذكر من الأقوال من وجوه الجمع فهو ،  وإلا فإذا شككنا ففي هذه الصورة المرجع هو البراءة أو المرجع الاحتياط .

 فقد يقال بالبراءة لأنه ما دام لم يستفد دليل على الحرمة بالخصوص فمقتضى الأصل هو البراءة وقد يقال بالاحتياط لأن المسألة من الملاكات الخطيرة جداً والتي قد تترتب عليها مفاسد من القتل ونهب الأموال وسجن الأبرياء وتقوية شوكة الظالم وما أشبه ذلك من عناوين بالغة الأهمية شرعاً وعقلاً ولذا ينبغي عندها مراعاة الاحتياط وعليه فإن مقتضى الأصل الأولي في القواعد الكلية وإن كان هو البراءة لأنه مع الشك في التكليف المرجع إلى أصالة عدم التكليف إلا أنه بالنظر إلى كون المورد خطير جداً في مقام العمل ينبغي مراعاة الاحتياط وعدم الإقدام على قبول الولاية ما لم يحرز دليل على الجواز أو أذن من الفقيه .

ولا يخفى عليك إن المقصود من الحرمة الذاتية ليست الحرمة الذاتية بالمعنى المنطقي أو الفلسفي وإنما المراد منها هو الحرمة المتعلقة بنفس الولاية بمعنى أن الولاية بنفسها محرمة فيكون حكمها حكم شرب الخمر والزنا وما أشبه ذلك من المحرمات التي يكون نفس العمل بذاته محرماً وليس المقصود أن الحرمة من الملازمات الذاتية أو من ذاتيات الشيء ولهذا يصح تقييد المطلقات الظاهرة في حرمة الولاية من قبل الجائر بالأدلة الدالة على الاستثناء كما ستعرفه.

وعلى هذا ينبغي إن يحمل كلام السيد الطباطبائي كما في محكي الجواهر من التعبير بالحرمة الذاتية إذ أن الظاهر لم يدل على المقصود المنطقي منها دليل من العقل والنقل كما لا يخفى.

المسألة الثانية: يستثنى من حرمة الولاية أمور وهي متعددة من ناحية العنوان إلا أن الظاهر يمكن جمعها في عنوانين كليين إذ ذكر غير واحد من الأعلام استثناء صورتين من حرمة الولاية الأولى صورة القيام بمصالح العباد والثانية صورة الإكراه والتقية:

أما الأولى: فقد عرفت آنفاً من بعض الروايات ذلك بل عن فقه الراوندي ورد من أن تقليد الأمر من قبل الجائر جائز إذا تمكن من إيصال الحق إلى مستحقيه ومن ثم استدل له بالإجماع أيضاً بل والسنة الصحيحة وقوله تعالى ((اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الأَرْضِ)) كما ورد عن لسان يوسف (عليه السلام) وبمثله أيضاً عبر في السرائر والنهاية ولكن في القواعد تحرم من قبل الجائر إلا مع التمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو قد عبر الشيخ الأنصاري (رضي الله عنه) في مكاسبه أنه يسوِّغ الولاية المذكورة أمران :

أحدهما : القيام بمصالح العباد وهو ما ورد في كلمات الفقهاء المعاصرين أيضاً كالسيد الخوئي والسيد الشيرازي دام ظله ولعل التعبيرات الثلاثة تعود إلى شيء واحد وإن كان بعضهم أعم من بعض ظاهراً ولذا أدعى الشيخ الأعظم عدم الخلاف فيما عنونه مع وجود الخلاف ظاهراً وذلك نظراً إلى عود الجميع إلى واحد عرفاً ايضاً، ثم أنهم بين من عبر بالجواز كالعلامة في التذكرة والتحرير ومن عبر بالاستحباب كما في النهاية والشرائع والنافع وغيرها وعن السرائر أنها واجبة ومن هنا اقتضى الآخر ضرورة ملاحظة دليل الاستثناء هنا فالحكم بالجواز أو الوجوب أو الاستحباب بعد ذلك فحينئذٍ نقول: ربما يستدل للجواز هنا بأمور:

الأول: قاعدة الأهم والمهم إذا كانت هناك عناوين أهم كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحفاظ على مصالح العباد وحفظ حقوقهم إذا كانت هذه المصالح أهم من مفسدة الدخول في ولاية الجائرين ومن الواضح أن المصالح المتعلقة بالعباد قد تكون بدرجة اللزوم كحفظ دمائهم وأموالهم العظيمة وأعراضهم وأديانهم فحينئذٍ ينطبق عليها عنوان الوجوب بلا إشكال وأحياناً يكون الدخول في ولاية الجائر مفسدته أكبر من المصلحة التي يحفظها الداخل للعباد فحينئذٍ تحرم أيضاً وقد تكون المصلحة غالبة على المفسدة فحينئذٍ تكون من المستحبات وقد تكون المفسدة غالبة لكن لا بدرجة اللزوم فحينئذٍ يكون من المكروهات .

ومن الأدلة ما ورد في قضية يوسف (عليه السلام) من قوله ((اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الأَرْضِ)) حيث أنه طلب الولاية من قبل عزيز مصر مع أنه كان كافراً مما يدل على أن تولية الولاية من قبل الكافرين والجائرين جائزة والإشكال في هذا الاستدلال أنه من الإحكام المتعلقة بالشرائع السابقة يندفع أولاً بالاستصحاب كما قيل فإن استصحاب حجية الشرائع السابقة جار بالنسبة لنا حتى إذا كنا نعلم النسخ.

ثانياً: أيضاً يمكن الاستدلال على حجية الشرائع السابقة من أنه بعد ذكرها في القرآن الكريم من غير إنكار من قبل الشارع يدل على جوازها في شرعنا أيضاً وإلا لنهى عنها الشارع كما عرفته مما تقدم وربما يستفاد أيضاً من تعليله أني حفيظ عليم التعليل في جواز الدخول  لكل من كان أميناً وعليماً بالمصرف وكيفية الصرف وسائر الخصوصيات مع ظهوره من أنه كان بعمده واختياره (عليه السلام) ويؤيده ما ورد في قضية مولانا أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وقبوله لخلافة العهد من المأمون لكنه أجيب عن هذا الاستدلال بعدم تمامية الدلالة فيه وذلك لأن الحق كان ليوسف (عليه السلام) ولمولانا الرضا (عليه السلام) ولكن المأمون وعزيز مصر غصبا حقهما ولذا فإن الإمام الرضا (عليه السلام) ويوسف (عليه السلام) رضيا بإرجاع بعض حقوقهما إليهما بقبول الولاية وتوليها وعليه لأن الاستدلال بهذه الآية غير تام من ناحية إثبات الاستثناء ولذا ينبغي التمسك بالروايات الواردة في هذا المجال وهي متظافرة وكافية في الدلالة على الاستثناء ومثلها ما عرفته مما تقدم من الروايات المفصلة ومنها ما رواه علي بن يقطين قال: قال لي أبو الحسن بن جعفر (عليه السلام) (إن لله تبارك وتعالى مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه).

ومنها ما رواه مهران بن محمد بن أبي نصر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول ما من جبار إلا ومعه مؤمن يدفع الله عز وجل به عن المؤمنين وهو أقلهم خطأ في الآخرة.

ومنها ما رواه محمد بن عيسى بن يقطين قال (كتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن (عليه السلام) في الخروج من عمل السلطان فأجابه إني لا أرى لك الخروج من عمل السلطان فإن لله عز وجل بأبواب الجبابرة من يدفع بهم عن أوليائه وهم عتقاؤه من النار فاتق الله في اخوتك).

ومنها ما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سألته عن عمل السلطان والدخول معهم قال (لا بأس إذا وصلت إخوانك وعضدت أهل ولايتك).

ومنها ما رواه الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي قال كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) استأذنه في أعمال السلطان فقال (لا بأس به ما لم يغير حكماً ولا حداً وكفارته قضاء حوائج إخوانكم).

إلى غير ذلك من الروايات المتظافرة المتعددة في هذا المجال ولا يخفى عليك ان لسان الروايات المختلفة متعدد أيضاً فطائفة منها يدل على جوازها إذا كانت دفاعاً عن أولياء الله وطائفة منها تدل على كفاية مجرد الإحسان إلى الإخوان وتفريج الكرب عنهم وطائفة ثالثة تدل على اشتراط العدالة والنظر في أمور الناس وبعضها ربما يكون مجملاً ولكن استفادة العموم من مجموعها غير بعيد فإن أي شأن من شؤون العباد ما يرتبط بالدفاع عنهم وحظ أموالهم وأعراضهم أو صيانة دمائهم أو إرجاع حقوقهم المغتصبة منهم أو ما أشبه ذلك من عناوين عقلائية تدخل في ضمن المالكات الهامة شرعاً وعقلاً تدخل في القاعدة وهو الجواز .

وهذه الروايات كل طائفة منها إلى جهة من جهات الأهمية أو جهات الجواز.

نعم ينبغي أن يكون أصل الدخول وإن كان لأجل صالح العباد بإذن الفقيه لا الدخول المجرد والاعتماد على النفس فيه لأنه مهما كانت النية يبقى عنوان الغصب والدخول في الغاصبين لحقوق آل محمد (عليهم السلام) موجوداً في المسألة فينبغي الاستئذان كعلي بن يقطين وابن بزيع يستأذنونهم في الدخول في الولايات وأما في عصر الغيبة فينبغي أخذ إذن الفقيه الجامع للشرائط وعليه عمل بعض الفقهاء الأكابر كالشيخ البهائي والمجلسي المحقق الكركي والشيخ جعفر كاشف الغطاء وغيرهم من الفقهاء الأعاظم لكونهم نواباً عن الإمام (عليه السلام) فتحصل مما ذكرنا أمور :

الأول : أن قبول الولاية بنفسه محرم فإذا استلزم تقوية شوكتهم أو كان مظناً لفعل محرم آخر فتشتد فيه الحرمة.

الثاني: إذا لم يكن فيه شيء من ذلك وكان فيه خدمة لمصالح العباد وإرفاقاً بخلقه وكان بإذن الفقيه الجامع للشرائط أو شورى الفقهاء فهو جائز بل قد يكون راجحاً إذا لم يكن فيه نية غير ذلك.

الثالث: قد يكون واجباً إذا توقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو حفظ كيان المسلمين ورد كيد أعدائهم وأعداء أهل البيت (عليهم السلام) على ذلك فيما هومصلحته أقوى مما تلزمه من المحرمات ولا ينافي ذلك كون الحكم لله ولرسوله ولأوليائه من بعده بعد الرجوع إلى إذن الفقيه الذي جعلوه حاكماً على الناس في زمن الغيبة.

الرابع: إن استلزم بعض المحرمات وكانت فيه خدمة للعباد فيرجع حينئذٍ إلى الأهم والمهم فإن كانت المصالح أهم قدمت هذه المصالح فحينئذٍ يجوز التولي وأما إذا كانت مفسدة التولي والولاية أكثر فحينئذٍ لا يجوز وهذا مما يظهر من مجموع كلمات الأعلام في المسألة كالسيد الخوئي قدس سره في مصباح الفقاهة والسيد السبزواري في مهذب الأحكام وسماحة السيد الشيرازي في الفقه وغيرهم من الفقهاء وعلى هذا يحمل ما ورد عن ابن بزيع عن الرضا (عليه السلام) ( إن لله تعالى في أبواب الظالمين من نور الله وجهه بالبرهان ومكن لهم في البلاد ليدفع بهم عن أوليائه ويصلح بهم أمور المسلمين، إليهم يرجع المؤمنون من الضرر إلى أن قال أولئك هم المؤمنون حقاً أولئك أمناء الله في أرضه أولئك نور الله في رعيته إلى يوم القيامة) . إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على هذا الملاك.

الثاني: من موارد الاستثناء عن التولي من قبل الظالمين ما إذا كان المتولي مكرهاً على ذلك وقد عنون البحث بعنوان أعم يشمل كل ضرورة كالتقية والاضطرار والإكراه وليس به بأس لأن مرجع الجميع إلى الضرورة والإكراه منها أيضاً واصل الحكم في الجملة مما لا كلام فيه بينهم بل ادعى في الجواهر عدم الخلاف فيه بل الإجماع بقسميه عليه .

ولا شبهة في أن المسألة من المسائل المهمة جداً التي يبتلى بها الناس خصوصاً في الدول التي يحكمها حكام مستبدون ويتفرع منها فروع كثيرة وهي من صغيرات مخالفة التكليف بالاضطرار والإكراه بحيث يشق على المكره والمضطر أن يتحمل الضرر المتوعد به سواءً كان مادياً أم عرضياً أم نفسياً أم اعتبارياً وسواء تعلق بنفسه أم بأهله أم بعرضه أم بعشيرته الأقربين وهذه الكبرى مما لا خالف فيه بين الفريقين نصاًوفتوى ويدل على صدقها في الجملة قوله تعالى ((إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً)) فهذا استثناء من بعد النفي وكذلك قوله تعالى ((إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمانِ)) وهو أيضاً استثناء بعد النفي وأما الصغرى تدل عليها جملة من الروايات الخاصة مما تقدم وعليه فتجوز الولاية المحرمة مع الإكراه من الجائر بأن يأمره بالولاية ويتوعده على تركها بما يوجب الضرر مالياً أو بدنياً أو عرضياً عليه للأدلة الأربعة .

فمن الكتاب ما عرفته من قوله سبحانه ((إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً)) .

ومن السنة المستفيضة منها قول النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) (رفع عن أمتي ما أكرهوا عليه) وقولهم (عليهم السلام) (التقية في كل شيء) وقوله (عليه السلام) (ما من شيء إلا وقد أحله لمن اضطر إليه) .

ومن الإجماع إجماع الإمامية بل المسلمين عليه، ومن العقل حكمه بتقديم الأهم على المهم في مثل هذه الصور وكذا الكلام إذا توعده على تركها بما يوجب الضرر على من يتعلق به بحيث تكون الإضرار عليه إضراراً به عرفاً كمن يهمه أمره لأنه من الإضرار بنفس المكره حينئذٍ بعد أن عد الإضرار بهم إضراراً عليه بحسب المتعارف فتشمله الأدلة حينئذٍ.

 وبذلك يظهر أنه يباح بالإكراه ما يلزمها من المحرمات الأخر وما يتفق في خلال الولاية مما يصدق الإكراه به من الجائر لعموميات الأدلة المتقدمة وإطلاقاتها الشاملة لها أيضاً ومقتضى إطلاق أدلة الإكراه وعموم نفي الحرج وإطلاق قوله (عليه السلام) (إنما جعلت التقية ليحقن بها الدماء فإذا بلغ الدم فلا تقية) شمولها لما إذا كان الضرر المتوعد به أقل من الضرر المكره عليه عرفاًفضلاً عن صورة التساوي أو اذا كان الضرر المتوعد به أكثر إذ لا دليل من عقل ونقل من تحمل الضرر لدفع الضرر المتوجه إلى الغير .

نعم لو توجه الضرر إلى الشخص أولاً وبالذات لا يجوز دفعه بالأضرار بالغير قطعاً والمقام من الأول دون الأخير ولكن مقتضى الأخوة الإيمانية تحمل الضرر اليسير مع التمكن إن كان الضرر المتوجه إلى الأخ الإيماني كثيراً وفي المساوي وإن أمكن التحمل يكون من الإيثار المطلوب وعليه فإنه يظهر مما تقدم استثناء صورة واحدة من جواز التولي في صورة الإكراه وهي الدماء المحترمة وذلك لقولهم (عليهم السلام) (إنما جعلت التقية لتحقن بها الدماء فإذا بلغ الدم فلا تقية) .

ومنه يفهم أن حد تشريع التقية إنما هو دم ولا تشريع لها في الدم ولا يخفى عليك أن المراد بالتقية هنا التقية بمعناها اللغوي فإنها مصدر من مادة الوقاية فتشمل لك إكراه بل وبعض تعريفاتهم ينطبق عليها أيضاً وما ورد عن شيخنا الشهيد في القواعد مجاملة الناس فيما يعرفون وترك ما ينكرون حذراً من غوائلهم .

 وهنا مسألة وقع الكلام فيها من الأعلام كثيراً وهي أن ظاهر الإطلاقات والكلمات هو أن الإكراه هل يبيح كل محرم مالاً كان أو عرضاً إلا القتل فإنه مستثنى، فحينئذٍ لا ضمان على المكره لأنه كالآلة للمكره وإنما يكون الضمان على المكره أولا فإنه بالإضافة إلى صورة القتل هناك صور تستثنى من الإكراه وذلك لدخول المسألة في مزاحمات الأهم والمهم وفي المسألة قولان:

القول الأول: وهو يظهر من كلمات جمع من الفقهاء ولعله المشهور حيث ذهبوا إلى أن الإكراه يباح به كل محرم إلا صورة القتل للأدلة الخاصة وعليه فلا مجال لملاحظة الموازنة أصلاً بل يباح بالإكراه والاضطرار كل محرم إلا القتل وهو الذي يظهر من كلام صاحب الجواهر (قدس سره) وهو الذي صرح به الشيخ الأنصاري (قدس سره) وتبعه غير واحد ممن تأخر عنه وذكر كاشف الغطاء فيما حكي عنه إن كان كلام المحقق في الشرائع الجواز مطلقاً حيث قال إذا أكرهه الجائر على الولاية جاز له الدخول والعمل بما يأمره مع عدم القدرة على التفصي إلا في الدماء المحرمة فإنه لا تقية فيها كما أن ظاهر العلامة في القواعد وغيره من الأصحاب ذلك وفي مهذب الأحكام قال إن ظاهر الاطلاقات والكلمات إن بالإكراه يباح كل محرم مالاً كان أو عرضاً إلا القتل ولا ضمان على المكره لأنه كالآلة للمكره فيكون الضمان على المكره وأما دفع الضرر عن النفس لأجل الخوف فيحل به كل محرم أيضاً حتى التصرف في مال الغير مع الضمان والظاهر جواز دفعه بهتك عرض الغير إذ لا تعادل نفس المؤمن بشيء وأما دفعه بقتل المؤمن فلا يجوز مطلقاً.

القول الثاني: وهو الذي ذهب إليه جمع من الفقهاء حيث فصلوا المسألة في صغريات الأهم والمهم فإن كان ارتكاب الولاية أهم من ارتكاب المحرمات المترتبة عليها فحينئذٍ يجوز بالإكراه الدخول إلا إذا كانت المفاسد المترتبة عليها أكبر من ضرر الإكراه فحينئذٍ لا يجوز الدخول في هذه الولاية رعاية للمفاسد الكبرى سواءً كانت المفاسد من قبيل القتل أو هتك الأعراض أو نهب الأموال وما أشبه ذلك وهذا ما ربما يظهر من كلمات صاحب مفتاح الكرامة والسيد الخوئي (قدس سره) وكلمات سماحة السيد الشيرازي (دام ظله) في الفقه وغيره من الفقهاء المعاصرين ففي مفتاح الكرامة قال ويجب عليه على احتمال قوي تقديم الأهون فالأهون وقد تلحظ المماثلة والمخالفة فيما يتعلق به أو ببعض المؤمنين من التفاوت في المرتبة الجليلة .

  وهذا الكلام ظاهر في مراعاة المصالح وتقديم الأهم على المهم وفي مصباح الفقاهة قال إن المستفاد من أدلة الإكراه وتشريع ذلك إنه لدفع الضرر ومن الواضح أنه لا يجوز لأحد أن يدفع الضرر عن نفسه بإلحاق الضرر على غيره حتى فيما إذا كان ضرر الغير أقل فضلاً عما إذا كان أعظم والوجه في ذلك أن حديث رفع الإكراه والاضطرار مسوق للامتنان على الأمة ومن المعلوم أن دفع الضرر عن نفسه بالضرر على غيره خلاف الامتنان فلا يكون مشمولاً للحديث وهذا ما يظهر من كلمات سماحة السيد الشيرازي في الفقه أيضاً .

وكيف كان فقد استدل للقول الأول بعموم دليل نفي الإكراه بجميع المحرمات حتى الإضرار بالغير ما لم يبلغ الدم وعموم نفي الحرج فإن ألزم الغير تحمل الضرر ودفع ما أكره عليه حرج وقوله (صلى الله عليه وآله) إنما جعلت التقية ليحقق بها الدم فإذا بلغت الدم فلا تقية حيث دلت على أن حد التقية بلوغ الدم فتشرع لما عداه وأن الضرر أولاً وبالذات متوجه إلى الغير والمباشر ضعيف لا ينسب إليه توجيه الضرر إلى الغير حتى يقال إنه أضر بالغير .

لكن الظاهر أن هذه الوجوه الأربعة التي ذكرت يمكن المناقشة فيها وذلك لأن دليل الإكراه مسوق لبيان الامتنان على الأمة كما عرفت فكيف يجيز الشارع الضرر على الفرد بضرر أكبر على فرد آخر بل وحتى في صورة الضرر المساوي كما إذا قال له آخذ منك دينار إذا لم تأخذ ديناراً من زيد فإنهما بعد التساوي بين الاثنين تبقى حرمة التصرف في حال الغير بلا منازع والحرج كالضرر أيضاً سواء تعارض فردان هذا أو ذاك أو من هذا أوذاك ، وقد ذكر الفقهاء في بعض المباحث أن الحرج والضرر إذا ذكرا فالأول نفسي والثاني مالي وبدني ونحوهما وإن قوله (صلى الله عليه وآله) إنما جعلت التقية ليحقن بها الدماء فالحصر (بـ إنما) فيه إضافي لا حقيقي فلا يكون دليل على الاستثناء في مورد واحد وهو الدم لوضوح أن التقية نصاً وفتوى حتى من الشيخ نفسه (قدس سره) وضعت لحقن المال والعرض والسمعة والحرية وغيرها من الملاكات الهامة عند العقلاء فلا يقول الشيخ (قدس سره) فيما إذا أكرهه المخالف أن يشرب الفقاع وإلا سجنه  بأنه يشرب حفظاً لحريته إلى غير ذلك من الأمثلة إذن فكلمة إنما هنا لقسم مهم من أقسام التقية لا حتى المهم بقول مطلق وما ذكر من  معنى الحديث هو الذي ذكر بمعونة نفس الروايات مضافاً إلى أنه ربما يبلغ الإكراه الدم ويكون مورد التقية أيضاً كما لو خير بين الكفر وبين أن يقتل .

ولذا قال (عليه السلام) إما أحدهما فقد تعجل إلى الجنة وفي الرواية التي رواها الحر العاملي في الوسائل عن عبد الله بن عطاء قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) (رجلان من أهل الكوفة أخذا فقيل لهما ابرءا من أمير المؤمنين (عليه السلام) فبرئ واحد منهما وأبى الآخر فخلي سبيل الذي برئ وقتل الآخر قال أما الذي برئ فرجل فقيه في دينه وأما الذي برئ فرجل تعجل الى الجنة ) مما يدل على إنه إذا بلغت الدم ولم يمارس التقية فإن المكلف يكون مأجوراً أيضاً .

نعم لا شك في جواز ذلك كما في الآية والروايات المتواترة حول الإكراه على سب مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) لذا لم يسبه أفاضل أصحابه حتى انجر بهم إلى القتل لا يقال إنهم أمروا بالبراءة منه وقد قال (عليه السلام) لا تتبرءوا مني فإنه يقال إن المراد بالمنهي عنه البراءة القلبية لا اللفظية إذ البراءة اللفظية هي نوع من السب وقد أجاز لهم السب وإنما الذي منعهم عنه هو البراءة فيحمل حينئذٍ على البراءة في القلب وليست البراءة في اللسان .

ويرد على رابع الوجوه التي استدلوا بها بأن الاكراه لا يوجب سلب الاختيار عن المكره فهو يضر بالغير لدفع الضرر عن نفسه وعليه فإذا توجه الضرر إلى الغير لا يجب توجيهه إلى نفسه إذ ربما نجب التوجيه للأهمية كما نه لو قاتل السبع فإنه بنفسه لا يضره إلا بجرح يده مثلاً أما إذا توجه إلى الغير قتله مثلاً فإن وجوب حفظ النفس المحترمة يوجب عليه توجيهه إلى نفسه وكذلك الحال إذا توجه طفل إلى إحراق دار الجيران أما لو أقدم لم يحترق منه إلا ديناراً واحداً أو أراد الزاني الزنا بامرأة عفيفة مما لو أقدم على نجاتها قبله الزاني قبلة شهوية مثلاً .

وكذلك حال المختلف كالدوران بين المال والعرض والدم والحرية والسمعة وما أشبه ذلك بعضاً مع بعض فهذا أيضاً دائر مدار الأهم والمهم ولذا قال سماحة السيد الشيرازي (دام ظله) ولذا ضحى أصحاب الحسين (عليه السلام) بأنفسهم له لا ليدفعوا عنه القتل ليبقى ساعات فإن كل لحظة من حياة الإمام (عليه السلام) أهم من دم أصحابه .

فتحصل مما تقدم أنه يجوز التولي من قبل الظالم عند الإكراه وترتفع الحرمة حينئذٍ لأدلة الإكراه وإذا استلزمت الولاية بالنفس أو بالعرض أو بالمال لنفس المتولي أو لغيره فحينئذٍ يلاحظ الأهم والمهم وهذا ما جرت عليه سيرة العقلاء وهو الظاهر من مجموع الأدلة .

ويجوز للمكره تحمل الضرر المالي الذي توعد عليه وعدم قبول الولاية عن المكره وذلك لقاعدة السلطنة ولأن دفع مثل هذا الضرر رخصة لا أن يكون عزيمة على ما هو المرتكز في أذهان المتشرعة، بل والعقلاء، ولا يخفى عليك أنه يعتبر في تحقق الإكراه عدم قدرة الشخص على التفصي عن وعيد المكره بما هو سهل له ولا ضرر فيه عليه لانصراف أدلة الإكراه عنه بل الظاهر عدم صدق الإكراه عليه عرفاً خصوصاً في بعض موارده .

كما لا فرق في الدم المحقون الذي لا يجوز سفكه لا إكراهاً ولا اضطراراً بين الصغير والكبير والذكر والأنثى والوضيع والشريف والعالم والجاهل لإطلاق قول الصادقين (عليهم السلام) (إنما جعلت التقية لحقن بها الدماء فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية) .

وهل يشمل مطلق الجرح أو ما فيه قوام الروح وجهان: والمنساق من الحديث هو الأخير أي ما كان فيه زهوق الروح لا الجراحات البسيطة وما أشبه ذلك ولا يبعد أن يكون مثل القتل ما يراه العرف مثله أيضاً كدس السم لشخص يبقى به مريضاً طول عمره ومن ذلك ما يجعله مجنوناً أو مشلولاً وما أشبه ذلك.

وأما مثل الغرق والحرق والهدم عليه وتخويفه بما يوجب موته بدون خروج دمه يكون من مصاديق الاستثناء أيضاً لأن العرف يرى العموم لا خصوصية سفك الدم وهذا هو المفهوم من قوله (صلى الله عليه وآله) (إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغت الدم فلا تقية) ومثلها رواية أخرى (إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقية) فإن هذه الروايات نظرة إلى المرتبة العليا من التقية فلا ظهور فيها لاختصاص الحكم بهذه المرتبة فقط وهنا مسائل:

المسألة الأولى: يجوز تولي الولاية لإصلاح أمور المسلمين ورفع الضرر عنهم كما دلت على ذلك روايات التقية وغيرها مثل ما دل على جوازها بالتبري عنهم بل وإطلاق قوله سبحانه وتعالى ((إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً)) وقوله سبحانه وتعالى ((وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمانِ)) وما دل على تجويزهم عليهم الصلاة والسلام لعلي بن يقطين وغيره إن يقبلوا الولاية تقية لإصلاح أمورهم ولا فرق في ذلك بين العلم بالضرر المتوجه من المكره أو الخوف من الضرر لما ذكروا في بحث لا ضرر من أن احتمال الضرر كاليقين بالضرر في جواز قبول الولاية سواء للرفع أو للدفع كما لو كان الظالم قد سجن جماعة أو يريد سجنهم فإن قبل الولاية أطلق سراحهم أو لم يسجنهم من أول الأمر وأما إذا كان القبول لدفع حرام يفعله الظالم أو لدفع إكراه على حرام فإن المسألة حينئذٍ تصبح من صغريات الأهم والمهم كما إذا قال له الظالم مثلاً سأشرب الخمر إذا لم تقبل الولاية مني أو سأجبر زيداً على شربها فإنه لا يجوز حينئذٍ التولي إذ لا دليل على الجواز .

وما يقال من أن التولي من مصاديق النهي عن المنكر محل تأمل لأن النهي عن المنكر لا يكون بمنكر مشابه وأما إذا كان أهم كان من باب التزاحم كما لو قال له إن لم تشرب أقتل إنساناً محقون الدم أو آمر زيداً أن يقتله ولو باختياره حيث عن المكره يدور أمره بين أحد محرمين الشرب وترك القاتل يقتل ومن المعلوم أن لتأتي أهم من غير فرق بين أن يكون كلاهما فعلاً أو تركاً أو بالاختلاف وبذلك أيضاً يظهر الحال بالنسبة إلى مزاحمة الولاية مع الإضرار بالعرض أو الإضرار بالمال فإنه ينبغي ملاحظة الأهم والمهم.

المسألة الثانية: إذا تزاحمت مصالح الدين مع الإضرار المتوعد عليها إذا لم يقبل الولاية سواء كان دين نفسه أو دين ذويه بمجرد الولاية أو كانت الولاية تنتهي إلى خلاف الدين كما أنه إذا تولى الولاية اعتقد ذووه أو أصحابه أو عموم الناس صحة الولاية التي تولاها أو صحة الحكومة التي فرضت عليه الولاية لمكانته ووجاهته الاجتماعية مثلاً ومقامه الديني مثلاً أو أوجب اعتقاد الناس صحة ما يذهب إليه الحاكم في التجسيم في التوحيد أو الغلو في النبوة أو البغض والمعاداة للإمامة أو ما أشبه ذلك من أفكار ضالة أو سببت الولاية اختلاطه أو ذويه بالمكشفات من النساء الأجنبيات أو الغلمان أو ما أشبه ذلك مما هو مخالف للدين فاللازم حينئذٍ ملاحظة الأهم والمهم فمع أهمية الولاية أو تساويها جاز وإلا حرم ولا يخفى أن المراد بالدين هنا هو الأعم من المذاهب .

المسألة الثالثة: فيما إذا تزاحم قبول الولاية مع السمعة الطيبة بحيث أن توليه من قبل الجائر توجب الخدشة في هذه السمعة بما يكون الإنسان معه في عسر أو حرج أو ضرر حيث أن الناس يتفرقون عنه بعد ذلك فالظاهر أيضاً ملاحظة الأهم والمهم فيها إذ لا حق للإنسان أن يخدش سمعته ويجلب الاتهام على نفسه وعليه ينبغي أن يلاحظ الأهم والمهم.

 

المسألة الرابعة: إذا أكره على قبول الولاية وقبلها دفعاً للضرر ثم استوجب هذا التولي بعض التصرفات الموجبة لضرر للآخرين فهل يجب عليه الضمان مثلاً إذا أكره الجائر رجلاً وأمره على الزنا فهل المهر عليه أو على المكره أو لا مهر أصلاً أو إنه يكون من بيت المال وكذا لو قطع بأمر الجائر يد الإنسان المحقون العضو أو جلده فعلى من تكون الدية إن كانت أو يقال لا دية في هذه الصورة، وكذا لو سبب قضاؤه بحسب نظام الجائر جعل امرأة لإنسان آخر فهل يضمن للزوج مهرها أو نقل مال شخص لآخر فهل يضمن للمالك إلى غير ذلك من الأمثلة والنماذج التي تقع يومياً في الحكومات الجائرة لعدم عملها بالقوانين الإلهية بما يوجب الفساد وتضييع الحقوق كثيراً احتمالات في المسألة.

ففي المثال الأول مثلاً المهر عليه لأنه الواطئ أو على المكره لأن السبب أقوى من المباشر أو على بيت المال لأنه المعد لمصالح المسلمين وهذه منها أو نقول أنه لا مهر أصلاً لأنه ليس على أي الثلاثة إذ أن الشارع أمره بالوطئ حفظاً على نفسه فهو محسن والشارع يقول (ما على المحسنين من سبيل) وإن المكره لم يطأ فالأصل عدم كونه عليه وبيت المال ليس من شأنه مهر الزناة فلا شيء ولعل الأقرب أنه يكون على الواطئ وحينئذٍ يرجع به إلى المكره والجائر يعرف من ذلك حال الأمثلة الأخرى على بعض التفاوت في المسألة .

 فلا مجال للقول بعدم الضمان مطلقاً لأنه تضييع وإضرار مضاعف للغير وإنما مقتضى القواعد هو أن الذي باشر الإضرار عليه الضمان وحيث أنه كان مكرهاً يجوز له الرجوع إلى المكره.

المسألة الخامسة: ذكر سماحة السيد الشيرازي (دام ظله) في الفقه أن الشيخ الأنصاري وغيره من الفقهاء ذكروا باباً فيما يجب أو ما ينبغي للوالي العمل به فعلاً أو تركاً سواء كان هذا الوالي من الولاة الكبار أو من الموظفين الصغار الذين لهم دور وسلطنة.

وزاد على ما ذكره الشيخ بما هذا نصه وجوب أن يكون في البلد تجمعات حرة يكون التنافس السلمي نحو البناء والتقدم قائماً بينهم جميعاً وتكون كل وسائل الإعلام بينهم جميعاً حتى لا تطغى الهيئة الحاكمة أو الحزب الحاكم على الناس لوضوح أن مع تمركز القدرة في نقطة واحدة يكون الطغيان طبعاً في غير الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) والأولياء أما إذا كان تجمع آخر في مستواه فإنه يكبح من جماحه هذا بالإضافة إلى أنه بدون التنافس لا يكون التقدم .

قال سبحانه وتعالى ((وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ)) وتتضمن هذه المسألة الإشارات إلى الذين يتولون الولايات من قبل الجائرين بضرورة العمل على مثل هذه الموارد من باب الإصلاح ودفع الإضرار وتطبيق العدالة التي هي من الواجبات وحيث أن الولاية في ذاتها من المحرمات إذا كان الداخل بها لأجل هذه الأغراض والعمل لأجل تطبيقها فحينئذٍ تصبح من الملاكات الهامة وإذا كان احتمالاً عقلائياً بأنه قادر على تطبيقها فتصبح من الواجبات حينئذٍ على تفصيل لا يسعنا المجال لبيانه.

 هذا ولا يخفى أن هناك جملة من المحرمات السلوكية الأخرى بالغة الأهمية كالزنا واللواط وشرب الخمر والقتل ونحوها بحثها الفقهاء في كتاب الحدود والتعزيرات وحيث أنه لا يسعنا المجال لتفصيلها نرجئها إلى تلك الأبواب الخاصة.