المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 057.doc

المحرمات الإجتماعية في البعد الإداري والسياسي

المبحث الثالث في المحرمات الإجتماعية في البعد الإداري والسياسي أي ما يعود ضرره على الإدارة الإجتماعية والسياسية العامة في المجتمع والبحث فيه في أمور:

الأول: الرشوة والرشوة لغةً (ما يعطيه الشخص الحاكم وغير الحاكم ليحكم له أو يحله على ما يريد وقلما تستعمل إلا ما يتوصل به إلى إبطال حق أو تمشية باطل) هذا ما ورد في تعريفها في مجمع البحرين والمصباح أيضاً وقد وسع بعض الفقهاء أيضاً في معناها فقالوا هي عبارة عن إعطاء مال ونحوه لإبطال حق أو إحقاق باطل من غير فرق بين أن يكون لكسب المال أو تحصيل المرأة بلا فرق بين أن يكون الراشي هو نفس من يفعل ذلك أو من له تأثير فيه كزوجة وولده ومن أشبه ذلك .

وفي المستندات مقتضى كلام الأكثر والمتفاهم في العرف أن الرشوة عامة لكل ما يدفع من المال للحاكم سواءً كان لحق أم كان لباطل وحكي ذلك عن تصريح والده أيضاً وهو ما قد عرفته من ظاهر مجمع البحرين ويدل عليه إستعمالها فيما أعطي للحق في الصحيح (عن رجل يرشد الرجل حتى يتحول عن منزله فيسكنه غيره قال لا بأس) . فإن الأصل في الإستعمال إذا لم يعلم الإستعمال في غيره الحقيقة كما حقق في موضعه.

وفي مصباح الفقاهة المتحصل من كلمات الفقهاء ومن أهل العرف واللغة مع ضم بعضها إلى بعض أن الرشوة ما يعطيه أحد الشخصين للآخر من إحقاق حق وتمشية باطل والتملق أو الوصلة للحاجة بالمصانعة أو في عمل لا يقابل بالأجرة والجعل عند العرف والعقلاء وإن كان محطاً لغرضهم ومورداً لنظرهم بل يفعلون ذلك العمل للتعاون والتعاضد بينهم كإحقاق الحق وإبطال الباطل وترك الظلم والإيذاء ودفعهما وتسليم الأوقاف من المدارس والمساجد والمعابد ونحوها إلى غيره كأن يرشو الرجل على أن يتحول عن منزله فيسكنه غيره أو يتحول عن مكان في المساجد فيجلس فيه غيره إلى غير ذلك من الموارد التي لم يتعارف أخذ الأجرة عليها  وقريب منه ما ذكره سماحة السيد الشيرازي دام ظله في الفقه أيضاً .

 ومنه يظهر أمران:

الأول: حرمة إحقاق الباطل وإبطال الحق بأي وجه كان ذلك بإجماع المسلمين بل بضرورة من الدين ودلت عليه الأدلة الأربعة.

الثاني: يحرم أخذ العوض عليه أيضاً وذلك للإجماع ولأنه أكل للمال بالباطل لقوله (عليه السلام) (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) والمراد به مطلق العوض بالإجماع ، والرشوة من قبيل الثاني ويدل على حرمته جملة من الآيات والروايات فضلاً عن العقل والإجماع .

 أما الآيات فقوله عز وجل ((وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ)) ووجه الدلالة أن الله عز وجل نهى عن إدلاء المال إلى الحكام لإبطال الحق أوإقامة الباطل حتى يأكلوا بذلك فريقاً من أموال الناس بالإثم والعدوان وهذا هو المنصرف من معنى الرشوة عرفاً وإذا حرم الإعطاء حرم الأخذ أيضاً للملازمة بينهما كما عرفت .

ولا يخفى أن هذه الآية نزلت في خصوص أموال اليتامى والوديعة والمال المتنازع عليه وقد فسرت بذلك أيضاً ففي تفسير التبيان في معنى قوله تعالى ((وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ)) وقيل في معناه قولان أحدهما لابن عباس والحسن وقتادة :أنه الوديعة وما تقوم به بينة .

الثاني :عن الجبائي في مال اليتيم الذي بيد الأوصياء .

 وهذه التفاسير من قبيل المصداق والقرآن لا يختص بطائفة ولا بمصداق بل يجري كجري الشمس والقمر وينطبق على مصاديقه في كل مورد تحققت كما دلت على ذلك الروايات ولذا قال سماحة السيد الشيرازي دام ظله في الآية : وإن جاء ذكر المال وذكر الحكام إلا أن المستفاد عرفاً منهما هو الأعم في كلا الموردين كما أن مورد النزول على ما ذكره المفسرون لا يخصص لأن المورد لا يخصص الوارد كما ثبت في محله من الأصول .

كما أنه يدل على ذلك أيضاً قوله سبحانه ((لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ)) فإن الرشوة من أظهر مصاديق أكل المال بالباطل وأما الروايات فهي متواترة منها قوله (عليه السلام) (لعن الراشي والمرتشي والرائش) والرائش هو الساعي بينهما يزيد لهذا وينقص لهذا ليتم التوافق ولا يخفى أن اللعن منصرف إلى الحرمة عرفاً وفي صحيح عمار قال أبو عبد الله (عليه السلام) (فأما الرشا يا عمار في الأحكام فإن ذلك الكفر بالله العظيم وبرسوله) وعن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) (إن السحت هو الرشوة في الحكم ) وفي رواية عن الصادق (عليه السلام) (وأما الرشا بالحكم فهو الكفر بالله) إلى غير ذلك من الروايات .

وظاهرها أن الرشوة نوع من الكفر مما يدل على أنها من الكبائر ولا يخفى أن المراد بالكفر هنا هو الكفر العملي لا العقيدي وهو واضح وبيناه فيما تقدم من مباحث لكن تعبيرهم (عليهم السلام) بذلك لا ينطبق إلا في المحرمات الشديدة ولذا كان ملعوناً كما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (رجلاً إحتاج الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة) وعن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) (أيما وال إحتجب عن حوائج الناس احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه وإن أخذ هدية كان غلولاً وإن أخذ الرشوة فهو مشرك) ونلاحظ في أمثال هذه الروايات أن اللسان لسان التشديد مما يدل على أنها من كبائر الذنوب وليست من صغارها وأما الإجماع فهو ظاهر من كلمات الفقهاء وتصريح جمع ، بل عدها بعضهم من ضروريات الدين بما يغني من الإستدلال عليه .

وأما العقل فلحكمه أن إبطال الحق إيجاباً أو سلباً من أقبح الأشياء فما يؤخذ في قباله أيضاً قبيح وما يحكم به العقل يحكم به الشرع في مثل هذه الموارد فإنه يستفاد منه الحرمة .

 هذا مضافاً إلى أن حكم العقل بقبحها لأنها ظلم والظلم قبيح بلا إشكال وعليه فإن الرشوة من المحرمات التي دلت عليها الأدلة الأربعة بل قد يقال بأن حرمتها مما قام عليه إجماع المسلمين لإطباق الروايات الواردة من الفريقين على حرمة الرشا في الحكم خاصة فقد عرفت بعض ماورد من طرقنا في ذلك .

أما ما ورد من طرق العامة فهو كثير أيضاً كما نقل جملة منها في سنن البيهقي أن الرشا في الحكم هو الكفر ولا يخفى عليك أن الرشوة هي من المفاهيم العرفية وهي غير الجعل والأجرة عرفاً وإن حرما على الحاكم الشرعي أيضاً على ما فصله الفقهاء في كتاب القضاء وعليه فإنه في أي مورد صدق عليه أنه من الرشوة تنطبق عليه أدلة الحرمة وعليه فإن الإطلاق أحياناً عليها باسم الهدية أو الهبة وما أشبه ذلك من عناوين إذا كانت موضوعاً من الرشوة فإنه لا يضر في الحرمة شيئاً ولذا ذكر في مفتاح الكرامة قولين في المسألة بدون تسمية قائلهما :

الأول: هو حرمة أخذ الهدايا

والثاني: جوازه

ثم فصل بين ما له مظنة في الحكومة فتحرم لأنها تعود إلى الرشوة وبين ما كان الغرض التودد والتوصل إلى حاجة أخرى فتلك هدية ، إلا أن الظاهر إمكان القول بتقسيم الهدية إلى أقسام

منها: ما يقصد بها إبطال حق أو الوصول إلى مراده في الحكم كيف ما كان فهي الرشوة وإن سميت بعنوان الهدية

ومنها: ما يكون في مقابل عمل القاضي والموظف أو الحاكم وما أشبه ذلك وهي بحكم الأجرة

ومنها: مايكون لجذب قلبه في الحاضر والمستقبل وبتعبير آخر يكون الدافع لمقام حكمه وقضائه أو لإنجاز العمل فلو لم يكن في هذا المقام لم يعطه شيئاً.

ومنها: ما يكون شكراً في مقام عمله ويكون بعد إنجاز العمل

 ومنها: ما يكون لصلة بينه وبينه من دون ربط له بمقامه الوظيفي أو الحكومي أو القضائي وما أشبه ذلك.

 والظاهر شمول الروايات والأدلة للصور الثلاثة الأولى أما الصورتان الأخيرتان خصوصاً الأخيرة لا ينبغي تركه فيما قبله فالحكم بالحرمة في الصورة الأولى والثانية والثالثة قريب وأما الرابعة والخامسة فاذا إنطبق عليها عنوان الرشوة فتكون من المحرمات أيضاً وأما إذا شككنا فإن الأصل وإن كان هو البراءة إلا أن الإحتياط في مثلها لا ينبغي تركه لما يظهر من الشارع المقدس من بناءه على الإحتياط في أمثال هذه الموارد.

وبذلك يعرف أن موظف الدولة الإسلامية إذا كان من واجبه الحكومي أن ينجز بعض الأعمال والوظائف لكنه لا يفعل ذلك إلا إذا أعطي المال وما أشبه ذلك كان من مصاديق الرشوة كما أن الزوج إذا كان من واجبه مراعاة شؤون الزوجية كالوطئ مثلاً ولم يفعل وبالعكس فأعطته الزوجة أو أعطاها الزوج ليقوم صاحب الواجب بذلك الواجب كان من الرشوة أيضاً وكذا الكلام بالأخذ ببعض الحقوق أو التنازل عن بعض الحقوق كان يعطي ذو الحق بنته للطرف أو أخته مثلاً أو يأخذ بنته أو يأخذ أخته للنكاح أو يطلق المرتشي بنته أو يطلق الراشي بنته فإن العقد والإيقاع هنا صحيحان إلا أن كونه رشوة لوصول الراشي إلى حقه يكون محرماً حينئذٍ على المرتشي وكذا الحال فيما إذا أعطى شيئاً للسجان فيما كان السجن بالحق ليسمح له بالهرب إلى غير ذلك من موارد فإنه أيضاً من مصاديق الرشوة .

وإذا أعطاه ليقدمه على الغير فيما كان الحق له فهو محرم أيضاً وإذا أعطاه ليرفع يده عن حبسه لم يكن من الرشوة كما لو أعطت الزوجة زوجها حتى لا ينكح غيرها لأنه ليس من حقها ذلك فيجوز أن تدفع هذا المبلغ في مقابل أن لا يأخذ الزوج بحق تعدد الزوجية وما أشبه ذلك من موارد .

والجامع لذلك كله بأن الحرمة تدور مدار صدق الرشوة موضوعاً والذي يحدد انها رشوة أم لا هو العرف فهي من المواضيع المعروفة لدى العرف وهو قادر على تمييز العطاء بين ما أن يكون للرشوة أو للهدية وما أشبه ذلك وهنا مسائل:

المسألة الأولى: كما يكون من الرشوة إعطاء القاضي على أصل الحكم يكون منها أيضاً إعطاء القاضي على تخفيف الحكم أو على تشديده مما بيده ذلك فمثلاً بيد القاضي أن يجعل التعزير سوطاً واحداً أو ثلاثة فيعطي المجرم شيئاً من المال حتى يخفف القاضي عليه الحكم أو طرفه يعطيه المال حتى يشدد على المجرم الحكم كل ذلك حرام للصدق العرفي أنه رشوة .

ومثله في الصدق المعاملة المحاباتية بيعاً أو إجارة أو غيرها كأن يبيع للقاضي ونحوه أو كالموظف بأقل أو يشتري منه بأكثر وكذا في مهر ابنته للقاضي ونحوه أو بالعكس وكذا من الحق لموظف الدولة أن يقرع بين الأطراف فأعطاه المال حتى يقسم بدون القرعة كان من الرشوة أيضاً كما إذا كان عليه أن يقدم المتقدم طلباً في التوظيف أو يقرع إعتبار آخر في المسألة كمثل تقديم الأكثر شباباً أو الأكثر كفاءة أو بترتيب حروف الهجاء أو ما أشبه ذلك فخالف الموظف لأجل ما أعطي من المال كان من الرشوة أيضاً وعليه يظهر أن إطلاق كلام الفقهاء بالقاضي لا ينحصر بباب القضاء بل يجري حتى في الدوائر الحكومية والإعمال الإجتماعية العامة فان المدار على إحقاق الباطل وإبطال الحق وتضييع فرصته أو حق على شخص وإعطائها إلى آخر سبب المال ونحو ذلك.

المسألة الثانية: عمل الموظف لو كان واجباً عليه لم يجزله أخذ شيء في قباله لأن ذلك من الرشوة إما إذا لم يكن العمل واجباً على شخص موظفاً كان أو غير موظف فقد يأخذ المال على أمر مباح وهذا جائز لأنه ليس من مصاديق الرشوة فإن الفعل أو الترك من الإنسان عمل محترم وبما أنه محترم يجوز أخذ شيء عليه وإنما خرجت الرشوة للأدلة الخاصة كما عرفت .

ويدل على ذلك صحيح مسلم عن الصادق (عليه السلام) (عن الرجل يرشو الرجل الرشوة على أن يتحول عن منزله فيسكنه غيره قال (عليه السلام) لا بأس به) ولا يخفى أن تسميته رشوة هنا من باب التشبيه ولعل لفظ  المنزل يشمل المشترك كالمزرعة والمسجد والمستأجر وكذا المنزل المباح كما لو كان في منتزه أو على حافة نهر أو مزرعة أو ما أشبه ذلك، ومثله في الدلالة قوله (عليه السلام) لا بأس في خبر الصيرفي قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وسألته حفص الأعور فقال إن عمال السلطان يشترون من القرب والأرواء فيوكلون الوكيل ليستوفيه منا فنرشيه حتى لا يظلمنا فقال (عليه السلام) لا بأس ما تصلح به مالك وسكت ساعة ثم قال (أرأيت إذا أنت رشوته يأخذ أقل من الشرط قلت نعم، قال فسدت رشوتك) ومن المعلوم أن الثاني لإبطال الحق ولذا كان من الرشوة كما أن الأول يشمل بالملاك ما يصلح الإنسان به حاله أو حال أهله أو ماله أو مال أهله ، الى غير ذلك من الموارد.

المسألة الثالثة: الهدية التي تهدى للوالي والقاضي والموظف والمدير وما أشبههما لا ينبغي الإشكال في حليتها عطاءً من جهة الدافع وأخذاً من جهة القاضي إذا لم تكن مربوطة بالحكم كأقرباء وأصدقاء يهدي بعضهم لبعض قبل التولية للمناصب أو المراكز الرسمية والحكومية ومعها وبعدها أيضاً ومثلها مثل إطعام الإمام الحسين (عليه السلام) ونحوه لكل من كان عالماً أو في محلته أو ما أشبه أو الهدية لمن لا يعرف من هو أما إذا كانت الهدية مربوطة بالحكم فالظاهر الحرمة كما ذهب إليه غير واحد من الفقهاء كصاحب الجواهر وصاحب المكاسب قدس سرهما وصاحب الفقه دام ظله .

ويدل على ذلك من الكتاب قوله تعالى ((لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ)) فإن إعطاء الهدية المرتبطة بالحكم من مصداق أكل المال بالباطل عرفاً وكذا قوله تعالى ((أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)) بعد أن عرفت أن أخذ الرشوة على الحكم من السحت وقوله تعالى ((وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوانِ)) ولا أشكال أن دفع المال وما أشبه ذلك على الحكم من المعاونة عل الإثم والعدوان عرفاً .

ومن السنة ما دل على حرمة الرشوة ، وهي رشوة وإن كانت لو قوبل بينهما كانت الرشوة للحكم ونحوه على نحو أولي والرشوة للحكم على نحو ثانوي أو الغرض من الأولى جلب قلب الطرف ليحكم على نفعه ولذا يقول العرف في الهدية أنه إرشاء والمناط موجود فيها حيث أنها للصرف عن الحق كما لا يخفى ولذا قلنا أن المدار والمعيار على الصدق العرفي .

وما تقدم من خبر الأصبغ عن علي (عليه السلام) وأن أخذ هدية كان غلولاً بعد وحدة الملاك والقاضي ومن شابههما من الموظفين والمدراء الكبار والصغار في الدوائر الرسمية وأيضاً يدل على ذلك روايات متعددة من طرق الخاصة والعامة من أن هدايا العمال غلول أو سحت أو ما شابه ذلك بالإضافة إلى أن العقل يحكم في مثلها بالقباحة كما تقدم في مثلها بقباحة الرشوة وبدليل الملازمة بين ما يحكم به العقل وما يحكم به الشرع يتم المطلوب في الدلالة على الحرمة.

نعم إذا جازت الرشوة في بعض الموارد جازت الهدية في تلك الموارد أيضاً.

المسألة الرابعة: ما تقدم من الحكم فيما لو علم الحاكم أنه أهداه الهدية أو دفع إليه المال لأجل الحكم أما إذا دفع له الهدية أو المال ولم يعلم الحاكم الوجه الذي دفعه لأجله فهل يجوز له أخذها أم لا ؟ احتمالان في المسألة:

الاحتمال الأول: الصحة لحمل فعل المسلم على الصحة ولقاعدة (كل شيء فيه حلال وحرام هو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه) وهنا لا يعلم الحاكم الحرمة عيناً.

والاحتمال الثاني: أن نقول بالحرمة أيضاً لما بيناه سابقاً من أن موارد الإحتياط وقوفاً إمام الفساد الإداري وما أشبه ذلك خصوصاً وأن مثل هذه التصرفات غالباً تدفع لأجل المصالح في الحكم ولا تدفع لأي وجه كان.

المسألة الخامسة: الهدية إذا أعطيت للحاكم أو القاضي بعد الحكم وكذا لو أعطيت للموظف أو المدير بعد إنجاز العمل فالظاهر كراهتها إذ إطلاق الأدلة لا يشمله وأما ما ورد عن مولانا الرضا (عليه السلام) عن علي (عليه إسلام) في تفسير قوله سبحانه وتعالى ((أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)) (قال هو الرجل يقضي لأخيه الحاجة ثم يقبل هديته ) فالمنصرف منه خصوصاً بقرينة قوله ( يقضي لأخيه) هو التنزه وليس الحرمة وقد تقدم أنه يطلق على الكراهة والحرمة وإن كان إطلاقه بلا قرينة ينصرف إلى الحرمة .

نعم إذا أحرزنا أن الدافع وأن دفع بعد إنجاز العمل إلا أنه كان لأجل الحكم الذي أصدره والعمل الذي أنجزه وما أشبه ذلك كان للحرمة فيه مجال.

المسألة السادسة: الغالب هو الملازمة في حرمة الرشوة بين الأخذ والعطاء فإذا حرم دفع الرشوة حرم أخذها وإذا حرم أخذها حرم دفعها أيضاً إذ أن الرشوة حرام أخذاً وعطاءً وتسبيباً لإطلاقات الأدلة وومعاقد الإجماعات بالإضافة إلى التلازم العرفي بين حرمة طرف والطرف الآخر .

نعم هنالك موارد إستثنائية تحرم فيها الرشوة على طرف وتجوز على طرف آخر منه ما لو إضطر الراشي بأن كان محقاً في دعواه ولا يتمكن من الوصول إلى حقه إلا بها كما هو السائد غالباً في الدول التي تعاني من الفساد الإداري أو ما أشبه ذلك فإن في هذه الصورة يجوز للراشي الدفع من باب الإضطرار وإن كان يحرم على الآخذ الأخذ كما إستحسنه المستند     وفي الفقه أيضاً كذلك وكذا الكلام فيما إذا تضرر الراشي وإذا لم يصل إلى حقه ضرراً     عرفياً فأن أدلة نفي الضرر حاكمة على أدلة الأحكام بعناوينها الأولية وأن كان الضرر مما يجوز تحمله.

 وعليه فإنه إذا أصيب بالضرر أو خاف من الضرر إذا لم يدفع الرشوة  جاز للدافع أن يدفع وإن حرم على الآخذ أن يأخذ فمثلاً لو أراد أن يتزوج إمرأة أو يزوج ابنته لرجل ونازعه شخص يرتبط بالحكومة الظالمة أو شخص قوي مبطل فإنه يصح أن يرشي الجائر حتى يسمح له بما بريد وكذا الكلام في سائر المعاملات الرسمية التي تضيع فيها الحقوق بسبب الفساد الإداري وما أشبه ذلك فإنه يجوز للدافع أن يدفع أضطراراً أو دفعاً للضرر وإن كان يحرم على الآخذ الأخذ من الرشوة مثل الربا والزنا .

وليست من قبيل النظر واللمس للأجنبية فإنه إذا جاز للمريض مراجعة طبيبة أو جاز للمريضة مراجعة الطبيب جاز للطبيب والطبيبة النظر واللمس وما أشبه ذلك لعدم إمكان الإنفكاك والا لم يحصل الغرض، وعليه فإن الموضوعات تختلف عن بعضها وإن كانت بينها ملازمة عرفية إلا أن التفكيك الشرعي واقع وبعضها لا كما عرفت من المثالين .

المسألة السابعة: كلما تحققت الرشوة المحرمة للدافع والآخذ أو للآخذ وجب ردها إلى المالك وإن أعطاها إياه باختياره فإنه من قبيل إختيار إعطاء المرابي والمقامر وما أشبه ذلك وأما إذا تلفت فهل يجب الضمان أم لا ؟ احتمالان في المسألة

الأول: وجوب الضمان لصدق اليد عليها.

الثاني: عدم الضمان وذلك لأن الدافع إنما دفعها بإختياره فيكون التسليط من قبله للآخذ مجانياً فلا ضمان له حينئذٍ وربما يعضد ذلك انه ما يشبه المعاملة الباطلة (وكل ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

المسألة الثامنة: لو اختلف اجتهاد الدافع مع الآخذ أو اختلف تقليدهما فلكل منهما أن يعمل بحكمه فمثلاً لو أعطاها الدافع كان له التقاص من الآخذ إذا كان يرى أن الرشوة حرام لأنه يعلم بأن العطاء كان إضطراراً على وجه الحرام على الآخذ فليس المعيار نظر المرتشي بل الراشي وأما إذا أعطاه حلالاً لم يجز له التقاص حينئذ وإن كان المرتشي يرى الحرمة وفي عكسه يجوز وحيث يجوز للراشي الإعطاء لا يجب عيه الفرار منها إلى وجه حلال فليس المقام فيما لو دار بين الكذب والتورية، بل من قبيل ما لو دار أمر طبيب الأجنبية بين أن ينكح المرأة أو يلمسها بدونه إذ يجوز اللمس ما دام مضطراً لذلك.

المسألة التاسعة: الظاهر أن القاضي إذا كان جامعاً لشرائط القضاء يجوز له أخذ الأجر من بيت المال أو أخذه من المتخاصمين أو من طرف ثالث إذا لم يكن له أجر من بيت المال وليس له طريق للإرتزاق أيضاً وذلك لأن ليس شيئاً منها من الرشوة عرفاً وعمله محترم فيجوز له أخذ المال حتى إذا كان واجباً عليه عيناً بل وحتى إذا كان غنياً إذا قالوا بأن الصناعات الواجبة كالطب والهندسة وما أشبه ذلك يجوز فيها أخذ الأجرة لإطلاق أدلة الإجارة.

ومنه يعلم عدم الفرق بين الفني وغيره ولا يخفى عليك أن الإختلاف في التعبير عن الأجرة والإرتزاق نشأ من الفرق بينهم فإن الأجرة تحتاج إلى تقدير الموظفين وضبط المدة وما أشبه ذلك بخلاف الإرتزاق فإنه إعطاءه بدون الحاجة إلى شرائط الإجارة .

ويدل على جواز أخذه للمال أرتزاقاً أو أجرة بالإضافة إلى ما عرفت بعض الروايات الخاصة كخبر ابن حمران ( قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول من استأكل بعلمه إفتقر قلت إن في شيعتكم قوماً يتحملون علومكم ويبثونها في شيعتكم فلا يعدمون منهم البر والصلة والإكرام فقال (عليه السلام) ليس أولئك من المستأكلين وإنما ذلك الذي يفتي بغير علم ولا هدى يبطل به الحقوق طمعاً في حطام الدنيا ) وفي كتاب مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الأشتر بعد ذكر صفات القاضي ( وأفسح له في البذل ما يزيح علته وتقل معه حاجته للناس).

 وفي رواية حماد ( ويأخذ الباقي فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين الله وفي مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد وغير ذلك مما فيه مصلحة عامة ).

وفي الدعائم عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه قال (لا بد من قاض ورزق للقاضي وكره أن يكون رزق القاضي على الناس الذين يقضي لهم ولكن من بيت المال) إلى غير ذلك من الروايات .

ويدل على ذلك الإعتبار إيضاً فإن القاضي إذا لم تقض حوائجه ولم يكتف مالياً أمكن أن يقع في حطبات الرشوة كما هو الغالب في الأنظمة الإدارية الفاسدة فإن قلة الرواتب أو فقر الموظفين هو الذي يكون مزلقاً من مزالق الشيطان في الوقوع في أمثال الرشوة وأمثال ذلك وبذلك يظهر وجه النظر في الأقوال الأخرى فإن بعض الفقهاء حرم على القاضي الإرتزاق مطلقاً وبعضهم فصل بين الغني فلا يجوز والفقير فيجوز إلا أن الظاهر أن ما ذكر من وجوه لهذين القولين غير ظاهرة القوة .

وأما ما ورد في رواية ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) حيث سئل عن قاضي بين قريتين يأخذ من السلطات على القضاء الرزق فقال (عليه السلام) (ذلك السحت) فإن المنصرف منها ولو بقرينة ورودها في أزمنة القضاة المنصوبين من الخلفاء الجائرين فإن المراد منها قاضي السلطان لا القاضي الجامع للشرائط في ذلك والذي إرتضاه الناس.

المسألة العاشرة: لا بأس ببذل المال لقضاء الحاجة سواء كانت لنفسه أو لغيره ما لم تكن من تحليل الحرام وتحريم الحلال، ولم تكن في البين مفسدة أخرى وإطلاق دليل السلطنة إطلاق أدلة الهدية والعطية وغيرها ويدل عليه ما ورد في صحيح محمد بن مسلم قال سألت عن الرجل يرشوا الرجل الرشوة على أن يتحول من منزله فيسكنه قال (عليه السلام) لا بأس به.

وأما قول الرضا (عليه السلام) عن علي (عليه السلام) في خبر إسباغ الوضوء في قوله تعالى ((أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)) قال (عليه السلام) قال (عليه السلام) هو الرجل يقضي لأخيه الحاجة ثم يقبل هديته). فلا بد فيه من حمل السحت على بعض مراتبه التي لا تبلغ درجة الحرمة أو حمل الحاجة على الحكم فيكون حينئذ من الرشوة المحرمة.

المسألة الحادية عشرة: لو شك في مورد أنه من الرشوة المحرمة أو المحللة فتحمل على الحلية لإصالة الحلية بعد عدم وجود إمارة على أنه من القسم المحرم الموعود عليه العذاب ولو إدعى الدافع أن الإعطاء فاسد إما لأجل أنه من الرشوة أو الهبة الفاسدة وإدعى القابض أنه هبة أو عطية أو هدية فيكون صحيحاً فالمتبع أصالة الصحة ومع بقاء العين للمالك الرجوع فيها لعدم موجب للزوم حينئذٍ، وأما في صورة تلفه فهل المرجع البراءة عن الضمان أم المرجع وجوبه احتمالان في المسألة كما عرفته مما تقدم.

المسألة الثانية عشرة: لا يعتبر الحد الفاصل فيما يأخذه القاضي من بيت المال وإن كان التعبير بالإرتزاق ربما يشعر به وذلك لما عرفت من أن المعيار فيه رعاية مصالح المسلمين فقد تقتضي المصلحة إعطائه وإن كان غنياً ليهتم بأمر القضاء ويدل على ذلك السيرة المستمرة من لدن زمن النبي (صلى الله عليه وآله) إلى يومنا هذا فإن القضاة يستمدون من بيت المال ظاهراً ولم ينكر عليهم أحد وعليه فإن ما دل على عدم جواز الرزق من السلطان ونحو ذلك محمول على قضاة الجور لا على قضاة الحق كما عرفت.

 وبالجملة ما يؤخذ من بيت المال قد يكون مشروطاً بالفقر كالزكاة بالنية إلى سهم الفقراء والمساكين وقد لا يكون كذلك كالخراج والزكاة إلى سهم العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم أو في سبيل الله وكذا بالنسبة إلى سهم الله ورسوله والأئمة (عليهم السلام) في الخمس دون سهام الفقراء وما أشبه ذلك وحينئذ فتتبع المصالح في كل مقام فلا يكون الفقر شرطاً عاماً بحيث نشترط فيه أن يكون القاضي فقيراً حتى يصح فيه أخذ القاضي المال من بيت المال.

المسألة الثالثة عشرة: هل تجوز الرشوة في غير الأحكام كأخذها لإصلاح أمره عند السلطان أو لنجاة المظلوم من سجن الظالم أو أخذ حقوقه ممن عليه الحق أو إصلاح ذات البين أو الشفاعة عند من يحتاج إليه في بعض الأمور أو غير ذلك من أشباهه كإجراء المعاملات بالدوائر الرسمية وما أشبه، في المسألة احتمالان

الأول: أن يقال أن إطلاقات الرشوة تشمل جميع موارد الأحكام وغيرها لإنطباق عنوان الرشوة عليها لأن من عناوين الرشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة فكل مصانعة يتوصل بها إلى حاجة داخلة بها وقد يقال بعدم كونها من الرشوة لأنها منصرفة إلى باب الأحكام للتصريح بها في كثير منها وأضيف إليها ما إذا كان فيه تحريم للحلال أو تحليل للحرام وأما الأعمال الأخرى مما لا ينطبق عليها عنوان الرشوة ولا إبطال الحق وإحقاق الباطل فمقتضى القاعدة الجواز كما عرفت.

 وربما يمكن تفصيل المسألة ولكل فصل من هذا التفصيل حكم لأن أخذ الرشوة على غير الأحكام يكون على أنحاء:

الأول: يكون في مقابل أمر حرام سواءً لتضييع حق أو أخذ ما ليس له بحق أو نجاة ظالم أو إضطهاد مظلوم فلا شك في أنه حرام وأن لم يكن في دائرة القضاء.

 الثاني: يكون في مقابل أمر واجب عليه بمقتضى الشرع فيجب عليه فعله مجاناً حينئذٍ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو أيضاً حرام على مبنى من يرى عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات العينية مطلقاً وأما على ما ذكرناه سابقاً فمقتضى القاعدة الجواز.

 الثالث: أن يكون في مقابل ما وجب عليه بمقتضى كونه أجيراً على عمل كموظفي الإدارات وعمال الحكومة المشروعة الذين يأخذون من الحكومة في مقابل ما عليهم من الأعمال أجوراً فلو أخذوا رشوة كان حراماً وقد لا يؤدون ما عليهم من الواجب طمعاً في الرشوة فيكون من المحرمات لأنه أكل للمال بالباطل.

الرابع: أن تكون الرشوة لإصلاح أمر لا يكون واجباً عليهم عرفاً وشرعاً ولا بمقتضى الإجارة للحكومة وغيرها وإنما يأخذ على إصلاح الأمر حقاً أو باطلاً شيئاً من المال أو نحوه ولا شك في حرمته أيضاً لأنه في هذه الصورة أكل للمال بالباطل ومن الواضح أن الله عز وجل إذا حرم شيئاً حرم ثمنه أيضاً.

 الخامسة: كالصورة المتقدمة ولكن كان الجعل مأخوذاً بقصد إصلاح أمره بطريق لا يجب عليه شرعاً وهذا لا مانع منه شرعاً لأنه أخذ جعل أو أجرة أو هدية على أمر محلل في الشرع كما لو لم يكن صاحب الأمر عالماً بطريق ذلك وأخذ منه الجعل لإراءة الطريق وشبهها لما عرفت من أن عمل المؤمن محترم والظاهر أن ما ورد في حديث محمد بن مسلم الذي يدل على جواز أخذ الرشوة لينتقل من منزله ناظر إلى أمثال ذلك كما أن ما ورد عن الصيرفي عن أبي الحسن (عليه السلام) من جواز إعطاء الرشوة لعدم ظلم وكيل السلطان ناظر إلى ما سبق وللمسألة تفاصيل لا يسعنا المجال لبيانها فنوكلها إلى الكتب المفصلة في هذا المجال.

الأمر الثاني: من المحرمات هو التعاون مع الظالمين

ولا إشكال في حرمة معونة الظالم في ظلمه بل في كل عمل محرم وذلك للأدلة الأربعة بل وهو من الكبائر ولتفصيل المسألة نقول أن هنا ثلاثة عناوين:

 الأول: في حكم معونة الظالمين.

 والثاني: في حكم أعوان الظلمة.

 والثالث: في حكم إعانتهم في غير جهة الظلم من الأمور السائغة كالبناء والنجارة والخياطة وما أشبه ذلك.

أما الأول: فلا إشكال في حرمة معونة الظالمين في ظلمهم بلا خلاف بين المسلمين قاطبة بل بين العقلاء عموماً بل إلتزم جمع كثير من فقهاء الخاصة والعامة بحرمة الإعانة على حرمة الحرام وحرمة مقدماته لأن الإعانة على الحرام حرام بلا إشكال وقد حكى الحكم بحرمة المعونة غير واحد من أصحابنا الأقدمين كصاحب المقنعة والمكاسب كما حكى ذلك أكثر الفقهاء وقد تقدم منا البحث مفصلاً في حرمة الإعانة على الإثم ولا إشكال بأن معونة الظالمين من أجلى مصاديقه إلا أن الفقهاء أفردوه في البحث ونحن تبعاً لهم أفردناه في هذا البحث المستقل لأهميته وخطورته في المجتمعات ولأنه في الغالب يقع فيه الناس خصوصاً في البلدان التي يحكمها الظالمون والجائرون مضافا إلى الإرشاد وإلى أن المراد من الروايات الكثيرة المستفيضة أو المتواترة الدالة على حرمة إعانة الظالمين هو خصوص إعانتهم على مظالمهم لا مطلقاً كما ذكره صاحب الجواهر رضوان الله عليه في بحث المكاسب المحرمة .

وعليه فإنه يدل على الحرمة من الأدلة الأربعة أما الإجماع فهو إجماع المسلمين بل الضرورة من الدين وأما العقل فلحكمه القطعي بقبح إبقاء مادة الفساد وجزمه بوجوب إزالتها مهما أمكن بل يستقل أيضاً بقبح الظلم وبقبح إعانته على ظلمه .

وأما الكتاب فقوله عز وجل ((وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)) فإن الركون المحرم هو الميل إلى الظالمين فيدل على حرمة إعانتهم بطريق الأولوية لأن الركون هو الدخول معهم في ظلمهم وليس مجرد الميل وعليه فإن الآية حيث نهت عن مجرد الميل فتشمل ما كان دخولاً معهم ومعاونة لهم واستدلوا أيضاً على حرمة ذلك بقوله تعالى ((وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوانِ)) كما في المستند وغيره من كتب الفقه .

وفي الإستدلال بالآية على ما نحن فيه.

 فيه قولان: الأول: ماذهب إليه بعض الفقهاء وهو صريح السيد الخوئي (قدس سره) في مصباح الفقاهة حيث قال بعدم دلالة هذه الآية على ما نحن فيه وذلك لأن الآية حرمت التعاون والتعاون غير الإعانة فإنه من باب الأفعال والثاني من باب التفاعل وحرمة أحدهما لا تسري إلى الآخر ويقابل هذا القول قول المشهور قديماً وحديثاً وهو دلالة الآية على الحرمة وهو الظاهر من ذلك عرفاً لأن التعاون على أمر أعم من أشتراك الجميع في المباشرة أو إشتراك بعضهم ف إعداد المقدمات كالجماعة التي تشترك في البناء فبعضهم يطرح الخريطة وبعضهم يمول بالمال والآخر بالمصالح والرابع بالبناء وإن أبيت عن ذلك فلا أقل من إلغاء الخصوصية في كونها من باب الأفعال أو من باب التفاعل فإن هؤلاء جميعاً يشتركون عرفاً في المعاونة على الإثم ولذا فهم الأصحاب من الآية حرمة التعاون على الإثم كما فهموا حرمة الإعانة عليه إذ لا فرق بينهما عرفاً.

وأما السنة: فهو متواتر الروايات منها رواية طلحة بن زيد عن الصادق (عليه السلام) (العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم) ومنها رواية أبي حمزة عن السجاد (عليه السلام) قال (إياكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين إحذروا فتنتهم وتباعدوا عن ساحتهم) إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة المذكورة في المصادر المختلفة.

وأما العنوان الثاني: وهو الدخول في أعوان الظلمة ولا إشكال في حرمته أيضاً ويدل على ذلك جميع ما دل على حرمة معونة الظالمين في ظلمهم منها رواية طلحة بن زيد عن الصادق التي تقدمت ومنها: ما رواه محمد بن عذافرعن أبيه قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) (يا عذافر إنك تعامل أبا أيوب والربيع فما حالك إذا نودي في أعوان الظلمة قال فوجم أبي فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) لما رأى ما أصابه - أي عذافر - إني خوفتك بما خوفني الله عز وجل به قال محمد فقدم أبي فما زال مهموماً مكروباً حتى مات) .

ومنها ما رواه يونس بن يعقوب قال، قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) (لا تعنهم على بناء المسجد) مما يدل على أن الباني للمسجد لهم يدخل في أعوانهم ومنها ما ورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ( إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الظلمة وأعوان الظلمة وأشباه الظلمة حتى من يبري لهم قلماً أو لاق لهم دواة قال فيجتمعون في تابوت من حديد فيرمى بهم في جهنم) ومنها ما رواه صفوان بن مهران الجمال ( قال دخلت على أبي الحسن الأول (عليه السلام) فقال لي يا صفوان كل شيء منك حسن وجميل ما خلا شيئاً واحداً قلت جعلت فداك أي شيء قال إكراؤك جمالك من هذا الرجل يعني هارون العباسي قال والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو ولكني أكريته لهذا الطريق ـ يعني طريق مكة ـ ولا أتولاه أتولاه بنفسي ولكن أبعث معه غلماني فقال لي يا صفوان أيقع كراؤك عليهم قلت نعم قال، فقال لي أتحب بقاؤهم حتى يخرج كراؤك قلت نعم قال من أحب بقاءهم فهو منهم ومن كان منهم ورد النار قال صفوان فذهب فبعت جمالي عن آخرها فبلغ ذلك إلى هارون فدعاني فقال لي يا صفوان بلغني إنك بعت جمالك قلت نعم قال ولم قلت أنا شيخ كبير وإن الغلمان لا يفون بالأعمال فقال هيهات هيهات إني أعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر قلت مالي ولموسى بن جعفر فقال دع هذا عنك فوالله لولا حسن صحبتك لقتلتك) .

ومنها خبر ابن أبي يعفور قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له جعلت فداك إنه ربما أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها فقال أبو عبد الله (عليه السلام) ما أجد أني عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاءً وإن لي ما بين لا بتيها لا ولا مدة بقلم أن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد).

ومنها خبر سليمان الجعفري قال قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) ما تقول في أعمال السلطان فقال (عليه السلام) يا سليمان الدخول في أعمالهم والعون لهم والسعي في حوائجهم عديل الكفر والنظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحق بها النار)

 وأما العنوان الثالث: فهو إعانتهم في غير جهة الظلم كترميم دارهم وجراء عقد زواجهم وما أشبه ذلك فالظاهر أنه بما هو هو ليس من المحرم لأن الأدلة منصرفة عنه بالإضافة إلى قيام السيرة القطعية بل وجود الملاك في أفعالهم (عليهم السلام) في إنجاز بعض الأعمال لهم من غير جهة الظلم كسقي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي والحسين صلوات الله عليهم أجمعين الماء للكفار ومن حاربوهم لكنه إذا إنطبق على هذا العمل عنوان إعوان الظلمة عرفاً أو كانت من الإعانة على الحرام عرفاً فإنما تكون محرمة للأدلة التي تقدمت وأما في غير ذلك العنوان فالظاهر الجواز .

والروايات التي دلت على الحرمة الظاهر أنها لا تشمل ما نحن فيه فرواية عذافر التي ورد فيها نبئت أنك تعامل أبا أيوب والربيع ظاهرة في استمرار المعاملة حتى يعد من أعوانهم عرفاً لا معاملة واحدة وعمل واحد لا يدخل في جهة الحرمة عرفاً كما إن رواية ابن أبي يعفور فهي بقرينة أن أعوان الظلمة وما أشبه ذلك ظاهرة في أن المراد ما كان من الأعوان عرفاً لا ما لا يصدق عليه ذلك العنوان وأما رواية يونس التي نهت عن بناء المسجد لهم فهي ظاهرة في تعظيم الشوكة فإن بناء المسجد للظالمين تعظيم لهم وتحصين لشأن من شؤون الولاية كما هو ملحوظ في مثل هذه الأيام بالنسبة للمباني والعمارات والمساجد والحسينيات وغيرها التي يبنيها الظالمون لأجل السمعة والرياء والخداع الإعلامي للناس وأما بناء المسجد وغير ذلك من غير هذه الجهة فلا إشكال في ذلك .ز

وكذلك الكلام في رواية السكوني فإن المراد به العون في الظلم لكن من القسم الضعيف فإن أعوان الظلمة له مصاديق متعددة منهم من هو في رتبة ضعيفة كالذي يعمل عندهم كاتباً أو منفذاً لقراراتهم وما أشبه ذلك ويبقى مستمراً على هذا العمل منفذاً ومطيعاً لهم في مظالمهم ومنها ما هو في مرتبة شديدة كالوزراء والسفراء والجند والمدراء والكبار وما أشبه ذلك وهناك ما هو متوسط بينهم والمراد من حرمة إعانة الظلم ما يصدق عليه إنه معين للظلمة لا في غير هذا العنوان إذ ما دام لا ينطبق عليه عنوان الظلم والإعانة عليه فإن مقتضى القاعدة هي الجواز خصوصاً مع قيام السيرة القطعية القائمة على جواز إعانة الظالمين في الأمور المباحة في غير جهة ظلمهم فتكون هذه السيرة قرينة لحمل تلك الروايات الدالة على الحرمة على تلك الصور التي ذكرناها، ويتحصل مما تقدم أن المحرم من العمل للظلمة على قسمين:

 الأول: هو إعانتهم على الظلم.

 الثاني: هو دخول الأنسان في أعوانهم بحيث يعد في العرف من المنسوبين إليهم فيقال هذا كاتب الظالم وهذا معماره وذاك خزانه وهذا وزيره وما أشبه ذلك .

ويمكن أن نضيف قسماً ثالثاً وهو ما يوجب قوة شوكتهم الملازم عادة إعانة على ظلمهم فإن هذا أيضاً من المحرمات لصدق الإعانة على الحرام فيه وأما إذا ما إذا لم يكن العمل فيه شيء من هذه العناوين الثلاثة وكان المراد فيه مجرد الإصلاح في الأمور المباحة أو الأمور الراجحة بحيث لم يعد من الإعانة عرفاً ولا من الدخول في أعوانهم ولا من تقوية شوكتهم فإن الظاهر جوازه، ولعل لهذه الجهة أفتى المشهور فيما حكي عنهم بحرمة المعونة للظالمين في ظلمهم أو في مطلق الحرام وهنا مسائل:

المسألة الأولى: الظالم في المقام يحتمل وجوهاً.

الأول مطلق العاصي لأنه ظالم لنفسه .

والثاني: الظالم لغير سواءً في نفسه أوعرضه أو ماله كمن يكون الظلم عملاً له كالسارق والمرابي ومن يؤذي الناس دائماً ونحوهم.

 الثالث: السلطان الجائر .

والظاهر من الأدلة هو حرمة معاونة الثاني والثالث منهما لإنصراف الأدلة عن الأول بل الظاهر جملة من الروايات التي نقلنا بعضها ينطبق أولاً على الظالمين من السلاطين والحكام ومن أشبههم ويشمل غيرهم من الظالمين والمعتدين على الغير كالسراق واللص وغيرهم في الرتبة الثانية وأما الظالم لنفسه والعاصي والمذنب فالظاهر أن الأدلة منصرفة عنه لإنطباق عنوان آخر عليه حينئذٍ فإن إعانة العاصي على العصيان يعد من المعاونة على الإثم وليس من الإعانة على الظلم كما بيناه سابقاً ويشهد لذلك المقابلة بينهما في خبر أبي حمزة عن السجاد (عليه السلام)( إياكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ) فإن العطف إمارة المغايرة بينهما فيحمل العصيان والمعاونة عليه على الإثم كما بيناه سابقاً وأما معونة الظالمين فيشمل أولاً معاونة السلاطين ويشمل من بعدهم ظلمة الناس والمعتدين عليهم.

المسألة الثانية: المعاونة لها مراتب :

الأولى إعداد المقدمات القريبة التي تنحصر فائدتها في الظلم عاجلاً كمنن يعطيهم داره فيجعلونها سجناً أو يعطيهم سيارته فيطاردون بها الأبرياء أو يدفع لهم مالاً فيشترون به وسائل التعذيب والأذى أو يعاونهم في سجن إنسان بريء أو ينقل أخباراً عن الناس ويوشي بهم فيعرضهم إلى الأذى .

بالمرتبة الثانية إعداد المقدمات البعيدة كمن يعطيهم القوت والطعام والشراب الذي يوجب قوتهم على الظلم.

الثالثة: إعداد المقدمات المشتركة بين الظلم وغيره كمن يبيعهم السلاح في غير حالة الحرب ويمكنهم من الإنتفاع به لدفع الأعداء عن الإسلام أو لدفع المظالم أو لتطبيق النظام أو ما أشبه ذلك وفي كل هذه الأمور إذا إنطبق عليها عرفاً أنها من الإعانة من جهة الظلم فإنها من المحرمات للأدلة المتقدمة ، وأما إذا لم ينطبق عليها هذا العنوان فمقتضى القاعدة هو الجواز فالمدار فيها على الصدق العرفي.

المسألة الثالثة: كل ما كان الظالم أشد ظلماً كانت معونته أكثر عقوبة مثل إعانة الظالم في أمر بسيط لا يضاهى من أعان قطاع الطرق وأشد منه من يعين حكام الجور على ظلم الناس وأشد من الجميع من يعين غاصبي الولاية الحقة الإلهية من أهلها الذين نصبهم الله سبحانه وتعالى حججاً على العباد وكما أنه إذا أعان الظالم في فعل حرام تشتد فيه الحرمة لأنه يكون مجمعاً للحرمتين حرمة الإعانة وحرمة نفس الفعل كمن يعينه في تنفيذ حكم يخالف حكم الله سبحانه وتعالى أو يعينه على شرب الخمر مثلاً وأما إذا أعانه على فعل مباح وكان يستلزم من هذا الفعل المباح إعانة للظالم من جهة ظلمه فالحرمة من جهة الإعانة ولا إشكال في كون الإعانة من الكبائر كما عرفته من الروايات التي تقدمت.

المسألة الرابعة: تعظيم شوكة الظالمين ومحبتهم في جهة الظلم أيضاً من المحرمات فإن حب الظلمة وزيادة شوكتهم تارة تكون من جهة الظلم فقط وأخرى تكون من جهة أخرى كالرحمية بين الظالم وبين المعين كالوالد والولد والأخ وأخيه والعم وابن أخيه ونحو ذلك أو من جهة اتصافه ببعض الصفات الحسنة والخصال الحميدة وثالثة تكون مركبة منهما ولا ريب في حرمة الأول ومقتضى الأصول إباحة الثاني بعد قصور الأدلة عن شموله وأما الثالثة فإن المنساق من الأدلة أن المحرم ما كانت حيثية الظالم علة تامة ومنحصرة فيه وأما في غيرها فيرجع إلى اصالة البراءة إلا أن الحكم به مشكل جداً لأن استفادة العلية التامة المنحصرة بحيثية الظلم  مجرد دعوى ، فالإطلاقات شاملة لمطلق المدخلية ولو بنحو جزء العلة فلا يترك الإحتياط فيه كما لا يبعد صدق الإعانة عليه حينئذٍ فإذا صدق عليه أنه من مصاديق الإعانة فيكون من المحرمات بلا إشكال.

وأما إذا شككنا في الصدق فالمرجع هو الإحتياط ويدل على الحرمة جملة من الروايات المتقدمة مضافاً إلى بعض الروايات الدالة على المنع من ذلك ففي الخبر (المرء مع من أحب) وفي آخر (لو أن أحداً أحب حجراً حشره الله معه) وفي خبر صفوان الجمال (من أحب بقاءهم فهو منهم) وخبر العياشي (النظر إليهم على عمد من الكبائر التي يستحق بها النار) ومن المعلوم أن النظر هنا على وجه المحبة والتعظيم لا على وجه السخط أو النهي عن المنكر أو مجرد النظر فإن النظر الذي يكون لغرض تعظيم الشوكة أو تعظيم السلطان وما أشبه ذلك فهذا هو الذي ينطبق عليه عنوان الكبيرة.

المسألة الخامسة: هل يستثنى من ذلك ما كان في مذهبهم أو دينهم العمل حلالاً لقاعدة الإلزام أم لا ؟ الظاهر الجواز كما إذا كانت القريبة مثلاً حلالاً عندهم فذهب وأخذها ممن عليه لشمول قانون الإلزام لمثله نعم يخرج من ذلك ما دل الدليل القطعي على حرمته حتى وإن كان حلالاً في دينه ومذهبه إذ لاتشمل قاعدة الإلزام ما كان قد نهى الشارع عنه مطلقاً كالقتل المحرم والإغتصاب للبنات وغصب الدار وما أشبه ذلك لإنصراف قاعدة الإلزام عن مثله من غير فرق في الإستثناء بين ما إذا كان الظالم كافراً أو مخالفاً.

المسألة السادسة: الزواج فيهم أو إليهم إذا كان مما يسبب تعظيم شوكتهم يكون حراماً ايضاً كما أن العقد بينه وبينهم في تلك الجهات باطل ولا يجوز طلاق نسائهم إذا كان يعد بذلك من أعوانهم أو إجراء عقد النكاح لهم فإن كثيراً من الظالمين لهم رجال دين يعتمدون عليهم في مثل هذه الأمور وكذا الحال في إقامة صلاة الجمعة تحت لوائهم أو الصلاة جماعة في مساجدهم إماماً أو مأموماً أو الخطبة لهم أو الموعظة لهم كما كان حال ابن ابي سماك وأبي يوسف لهارون العباسي وإذا عقد مع غير الظالم عقداً فانقلب ظالماً مما يكون التنفيذ موجباً لعده من أعوان الظلمة بطل ذلك العقد لأنه بذلك يكون مصداقاً لكونه من أعوان الظلمة وهكذا تبطل صلاته التي يصليها بهم أو معهم ويحرم الأجر الذي يأخذه للخطابة أو الموعظة لهم لأن هذا فيه تعظيم شوكتهم والإعانة لهم فينطبق عليه عنوان الحرام ويكون العقد فيه باطلاً أيضاً ولا يجوز أن يكون أيضاً شاهد الطلاق إذا كان بذلك يعد من معظمي شوكتهم وإذا شهد عالماً بطل الطلاق لأنه ليس بعالم حينئذٍ.

المسألة السابعة: لا يجوز أن يتوسط لهم أو عندهم إذا كان يصدق على الوساطة التعاون أو كان يصدق عليه أنه موجب لعظم شوكتهم وقوتها نعم لو كان هناك ما هو اهم كحفظ النفس والعرض وإنقاذ مظلوم مثلاً وكفضح الظالم والتشهير بظلمه وما أشبه ذلك فإنه يجوز حينئذٍ ليس للعنوان الثانوي وهو الأهم والمهم ولعل منه إسداء النصح والمشورة من مولانا أمير المؤمنين إلى بعض الخلفاء أحياناً وهكذا الكلام في وساطة الأئمة الطاهرين عليهم السلام لبعض أصحابهم كوساطة الإمام الصادق (عليه السلام) للشنقري وأمثاله كما ورد في التاريخ ولعل منه أيضاً قبول الإمام الرضا (عليه السلام) ولاية العهد والإمام الجواد (عليه السلام) الزواج من ابنة المأمون العباسي وغير ذلك ولعل منه مراودة الخاجة نصير الدين الطوسي ملوك التتر والمغول وإرشادهم إلى الإسلام وإلى غير ذلك من الأمثلة المشابهة لما نحن فيه فإن ذلك كان من باب الأهم والمهم وليس للعنوان الأولي.

المسألة الثامنة: لو كانت في البين تقية أو ضرورة للإعانة أو إظهار المحبة المحرمة تزول الحرمة حينئذٍ وذلك لعمومات أدلة التقية ولعمومات الأدلة الأخرى التي تدل على الجواز في صورة الإضطرار فإنه ما من شيء حرمه الله إلا وقد أحله إلى من اضطر إليه.

المسألة التاسعة: لو شك في صدق عنوان التعاون أو عنوان تعظيم الشوكة أو المحبة أو غير ذلك من العناوين المحرمة لم يبعد وجوب الإحتياط لما ذكروه في باب احتمال الضرر ولأهمية الملاك في حرمة معاونة الظالمين ولأنطباق عنوان الظلم عليه أحياناً وما في رواية صفوان الجمال أيضاً من أحب بقاءهم  ينتفي إذا أخذ الكراء قبل ذلك ولكن يبقى هل انه من تعظيم الشوكة أم لا فإذا صدق عليه ذلك فإنه يكون من المحرمات ولا يجوز أخذ المال حينئذٍ.

المسألة العاشرة: لو تاب المعين للظالم وقد حصل المال منه وجب عليه الخروج منه لأنه من المظالم.

المسألة الحادية عشرة: لو اضطر الشخص إلى المعاونة وتمكن من المعاونة بالأخف كماً أو كيفاً قدمه على غيره لأنه من باب الضرورات وهي تقدر بقدرها فلو إضطر مثلاً إلى حضور جماعتهم أو سجن الأبرياء قدَّم حضور جماعتهم وإن كان كلاهما حراماً قال مولانا الصادق (عليه السلام) (لولا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم ويجبى لهم الفيء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا) وعليه فحتى إذا جاز حضور الجماعة من باب الإضطرار فإنه يكتفي في الحضور بقدر الضرورة الذي يندفع به الضرر وإلا فإن الحضور الدائم أيضاً لا يجوز.

المسألة الثانية عشرة: الظالم على قسمين منهم من يظلم الدين ومنهم من يظلم الدنيا وإذا دار الأمر بينهما قدم الأول لأن حق الناس مقدم على حق الله سبحانه وتعالى كما يستفاد ذلك من الروايات ولذا قال أحد الفقهاء كما في الفقه دينه لنفسه وظلمه على الناس بخلاف الكافر غير الظالم للناس كفره لنفسه ويأمن الناس من شره.

نعم لا تجوز حكومة الكفار على المسلمين لقاعدة نفي السبيل والعلو على ما بينها الفقهاء في محالها ومنه يعلم ما إذا إضطر الإنسان انتخاب الحاكم الظالم في الإنتخابات المزيفة وغيرها فاللازم أن ينتخب الأقل ظلماً وإذا دار الأمر بين الإستبداد والإستشارية قدم الثاني لأنه مصداق ذلك فإن المستبد يهلك ويهلك على ما ذكره سماحة السيد الشيرازي دام ظله في الفقه كما إذا دار الأمر بين ظلمة الكفار وظلمة المسلمين قدم الثاني أيضاً كما يدل عليه حديث الرضا (عليه السلام) في الحرب تحت لوائهم وكذلك الحال في الدوران بين المخالف والمؤالف.

المسألة الثالثة عشرة: سلطنة الجور وظلم الجائرين على أقسام:

الأول: ما إذا أزال الجائر الحق والعدل عن مقره وأقام مقامه الظلم والعدوان مع أنه يمكن للناس عادة إقامة الحق وإحقاقه وإزالة الجور والفساد ولا ريب في شمول الأدلة لهذا القسم من أنواع الجور.

الثاني: ما إذا لم يمكن إقامة الحق مكان الباطل عادة لغلبة الجور والفساد ومقتضى الإطلاقات شمولها أيضاً فيكون من المحرمات.

 الثالث: لو فرض قيام الحق مقام الجور لا يمكن عادة إدارة الشعب إلا بما سنه الجور لقصور الظروف والأشخاص عن إقامة الحق وإحقاقه وعدم تمكنه بحسب المتعارف في العادة فهل تشمل أدلة الحرمة هذا القسم أيضاً أولا ؟ الشك في الشمول يكفي في عدم الشمول فيرجع حينئذٍ إلى الأصل وهو البراءة على قول ويقابله قول آخر وهو الإحتياط لأن المسألة تعود إلى الملاك الأهم شرعاً وعقلائياً من المفاسد التي يمكن أن تترتب على الظلم فيكون مقتضى الأصل العمل بالإحتياط لا البراءة في مثله لما عرفته سابقاً.

المسألة الرابعة عشرة: التكليف بعدم الإعانة تارة يكون متعلقاً بكل فرد من الأفراد كالغيبة والكذب ونحوها وتارة يكون متعلقاً بالمجموع من الهيئة المديرة للجور والظلم وجهاز الظالم وجهاته وموظفيه ومعاونيه وأزلامه وما أشبه ذلك وتارة يكون بنحو الإطلاق ورابعة يكون بنحو لو اجتمع جمع يحرم على البقية تتميم العلة فهل الحرمة في المقام من القسم الثاني أو الأول أو الآخر مقتضى الإطلاقات هو الأول بمعنى أن حرمة الإعانة للظالمين تنطبق على كل مكلف فلا يجوز لإنسان أن يقول بأن المقصود هو الهيئة الجماعية أو الجهاز أو ما أشبه ذلك فلا خصوصية هنا للجماعة بل كل فرد كما يحرم عليه الكذب والغيبة والزنا واللواط يحرم عليه معاونة الظالم فالحرمة فيهم أشد لأن بهم تعظم شوكته ويزداد قدرة على ظلم الناس .

وكيف كان فإن ظاهر الأدلة المتقدمة هو توجه التكليف إلى كل إنسان بلا خصوصية للجماعة إلا بنحو تشديد الحرمة ففي رواية السكوني قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (ما تقرب عبد من سلطان جائر إلا تباعد من الله ولا كثر ماله إلا اشتد حسابه ولا كثر تبعه إلا كثرت شياطينه) ومنها ما رواه ورام بن أبي فراس في كتابه قال: قال (عليه السلام): (من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام) .

ومنها ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أعمالهم فقال لي: (يا أبا محمد لا ولا مسكة قلم إن أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينه مثله) ودلالته على خطر المفاسد المترتبة على الدخول مع الظالمين ولو بعمل بسيط واضحة وظاهرة وفي المسألة تفاصيل كثيرة ذكرها الفقهاء في أبواب متفرقة من الفقه لا يسعنا المجال لبيانها.