المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 056.doc

تحصل مما تقدم أن حرمة إهانة المقدسات الإسلامية عنوان مستقل ووجوب تعظيم الشعائر الإلهية عنوان آخر فأحدهما سلبي وهو حرمة الإهانة والثاني إيجابي وهو وجوب التعظيم فهما حكمان لا حكم واحد وقد عرفت بعض الموارد والمصاديق التي هي من قبيل إهانة المحترمات الإسلامية وأما تعظيم الشعائر الإلهية فله مظاهر وأساليب نتعرض لها من خلال عنوانين:

العنوان الأول: وجوب حفظ المظاهر الإسلامية.

العنوان الثاني: إحياء أمر الدين ومن يرتبط به من شخصيات قدسها الله سبحانه وتعالى وطهرها ونزهها كرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار.

أما الأول ففيه مسائل:

المسألة الأولى: يحب الحفاظ على كيان الدين وصيانة حرمته وإبقاء نوره وهاجاً في العقول عبر الالتزام بعقائده الصحيحة الحقة وفي القلوب والأرواح عبر التخلي عن رذائل الأخلاق والصفات والتحلي بمكارم أخلاقه وبسجاياه الشريفة وفي الجوارح والأعمال عبر الالتزام بأحكامه وآدابه وفضائله بالسلوك الشخصي الخاص والسلوك الاجتماعي العام كما يحرم إطفاء أنوار الدين فإن الدين له نور يهتدي الإنسان بسببه إلى المقاصد الصحيحة وذلك من باب تشبيه المعنويات بالماديات .

ولا يخفى أن أعمال الإنسان لا تخلو من حالتين في الغالب فإنها إما تطابق شريعة الله عز وجل وفيها تعظيم للشريعة وتعظيم واحترام لذات الإنسان أيضاً وفيها وصول إلى الأهداف الدنيوية والأخروية للإنسان أو تفارق أحكام الشريعة ولا تتوازن مع قوانينها فهي خروج عن الحدود الإلهية وفيها تنقيص من الحق والمعتقدات الحقة والمعتقدات الإلهية ولذا فإن المعرض عن ذلك له معيشة ضنكا كما قال سبحانه وتعالى: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى، قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً، قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى)).

فالأعراض عن ذكر الله والالتزام بشريعته وبأحكامه وبالآداب والفضائل التي سنها للبشر في الحياة الدنيا لا يؤدي إلى خسارة الإنسان في الدنيا فقط بل حتى في الآخرة والظاهر أنه لا توجد حالة ثالثة للإنسان بين أن يكون ملتزماً ببعض الشريعة ومتخلياً عن بعضها الآخر فإن الالتزام النفسي بالشريعة نتيجة يكون محسوباً على غير الالتزام وهو انتقاص منها وتهاون في أمرها وقد يستلزم انتهاك حرمتها أيضاً.

وكيف كان فإن التزام الإنسان بالشريعة المقدسة وبأحكامها وبآدابها هو إعلاء للحق وتعظيم له وتعظيم لمقدساته فضلاً لما فيها من احترام لنفس الإنسان ومن سعادة له في الدارين وما يلتزم به الإنسان من مبادئ ومن أعمال ومن آداب لا تخلو إما أن تكون آداب إلهية أو أحكام إلهية وهي الحقة وفيها تعظيم للمقدسات واحترام للشعائر الإلهية وأما التزام بغير ما أنزله الله عز وجل من افكار ومن مبادئ جاء بها البشر على خلاف ما جاء به الإسلام والقرآن والرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) فحينئذٍ تكون جاهلية بهذا اللحاظ أي آداب ومبادئ لم يرتضها الله عز وجل ولم يشرعها، كمبادئ وسنن للبشر فحينئذٍ الالتزام بالأول هو تعظيم للشعائر والتخلي عنه هو انتهاك لها.

فالأول واجب والثاني حرام.

المسألة الثانية: يستحب بيان شعائر الدين ومناهجه ومقدساته فإن للدين مناهج يهتدي الإنسان بسببها إلى طرق المعاش والمعاد في الاجتماع والاقتصاد والسياسة وغيرها من شؤون الحياة كما أن للدين مظاهر وهذه المظاهر تتجسد في معالم خاصة كالكعبة المشرفة والمصحف الشريف والمساجد المعظمة ونحو ذلك .

وقد تتجسد في كلمات وأشخاص وأحداث وأعمال فالكلام كالقرآن الكريم وأقوال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطيبين الطاهرين (عليهم السلام) فهو (صلى الله عليه وآله) لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

وهم الذين طهرهم الله من الرجس وجعلهم حجة على العباد فكلامهم نور وأمرهم رشد ووصيتهم التقوى والأشخاص كالمعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) وحواريهم من أصحابهم الأبرار والعلماء الذين ساروا على نهجهم واقتدوا بسنتهم والأحداث كحادثة الغدير والمباهلة والمؤاخاة ورد الشمس ويوم بدر ونحو ذلك من أحداث عظيمة في تاريخ المسلمين.

والأعمال كصلاة الجماعة وصلاة الليل والتوجه لزيارة مراقد الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وأولياء الله الصالحين وإقامة الشعائر الحسينية التي فيها الوعظ والإرشاد والتذكير بمناقب العترة الطاهرة ، والمذكرة بالسنن النبوية والداعية إلى الفضيلة وإلى التقوى وإلى مكارم الأخلاق وقد حاول الأعداء والمغرضون طمس كل هذه الأنوار والقرآن عبر تحريف أسباب النزول والتأويل المناقض لحقائق التنزيل وإدعاء التحريف والتنقيص في القرآن ونحو ذلك من الإدعاءات الباطلة وكلمات المعصومين عبر احراقها وتمزيقها والقائها في الأنهار أو المنع من تدوينها كما لا يخفى على من راجع التاريخ.

أو التصرف فيها زيادة او نقصاناً اوتغييرها تأويلاً وتحويلاً كما ثبت ذلك في متواتر التاريخ والأشخاص عبر قتلهم وتشريدهم وسجنهم ومحاصرتهم وتشويه سمعتهم وتلفيق التهم ضدهم كما قال قائلهم (عليه السلام) ما منا إلا مقتول أو مسموم.

والأحداث عبر اسدال ستار التجاهل عليها وطمرها أو التشويش عليها أو تغيير تواريخها وما أشبه ذلك.

والأعمال عبر صرف الناس عنها تارة باسم أنها بدعة وأخرى باسم أنها أفيون وأخرى باسم أنها أهم ومهم وثالثة بعنوان أنها مضيعة للوقت ورابعة أنها تعيق من التقدم وخامسة أنها خالية من الغرض وسادسة عبر توفير البدائل الأخرى التي تصرف الإنسان إليها عن العبادة .

وبعض هذه الأنواع وإن كان مستحباً في نفسه كما لا يخفى إلا أن محاولة إطفائه كلياً والقضاء عليها كظاهرة خصوصاً إذا كانت منظمة يعد محرماً وإحياؤه بهذا اللحاظ بعد واجباً كما لا يخفى كما قال عز وجل: ((يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)) وعن أبي الحسن الثاني (عليه السلام) قال: (لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) جهد الناس على اطفاء نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين (عليه السلام)). وغير ذلك من الآيات والروايات الدالة على ذلك.

المسألة الثالثة: يجب اتخاذ القدوة في الدين لأنها من معالم الدين ومن الشعائر الإلهية التي نصبها الله سبحانه وتعالى للعباد والقدوة هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وله (صلى الله عليه وآله) سيرة وسنناً ، وسنن الرسول (صلى الله عليه وآله) بين واجبة ومستحبة فالواجبة يحرم تركها، أما المستحبة فتركها غير محرم بما هو ترك لكن لو انطبق عليه عنوان الإهمال فربما امكن القول بالحرمة لأن الإهمال فيه تنقيص وانتهاك لكن في مجموع ما ورد في الواجبات والمستحبات فإنه يجب الإقتداء برسول الله (صلى الله عليه وآله) كما قال عز وجل: ((لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سبعة لعنهم الله وكل نبي مجاب المغيِّر لكتاب الله والمكذِّب بقدر الله والمبدِّل سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمستحل من عترتي ما حرم الله.

واللعنة منصرفة إلى الحرمة كما لا يخفى وقد تقدم الكلام فيها والمقصود من العترة هم أهل البيت الأطهار من بيت علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام).

وعن زرارة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) (عن الحلال والحرام فقال حلال محمد حلال أبداً إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة لا يكون غيره ولا يجيء غيره) .

وقال: قال علي (عليه السلام)(ما أحد ابتدع بدعة إلا ترك بها سنة).

وعن جعفر بن محمد (عليه السلام) ( قال: هذه شرائع الدين لمن أراد أن يتمسك بها وأراد الله هداه وحب أولياء الله والولاية لهم واجبة والبراءة من أعدائهم واجبة ومن الذين ظلموا آل محمد وهتكوا حجابه فأخذوا من فاطمة (عليها السلام) فدك ومنعوها ميراثها وغصبوها وزوجها حقوقهما وهموا باحراق بيتها وأسسوا الظلم وغيروا سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله))

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (عليه السلام) قال: (إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نور فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف سنة (رسول الله فاتركوه) ومن هنا يعلم أيضاً عدم صحة قول بعضهم حسبنا كتاب الله لأن سنته المتمثلة فيه (صلى الله عليه وآله) وبأهل بيته (عليه السلام) لا يجوز تغييرها أو إهمالها أو الانتقاص منها وما أشبه ذلك ومن الواضح أن الاستغناء عنها فيه اهمال وترك وهجر.

المسألة الرابعة: يجب على الناس حفظ المظاهر الإسلامية والشعائر الإلهية فلو امتنعوا عن ذلك أو أهملوا ذلك كان الحاكم اجبارهم عليها لأن بحفظ المظاهر الإسلامية تحفظ الشريعة وتصان الحرمات والمقدسات.

وفها احترام الحقوق الإلهية وأداء حق الطاعات والاجتناب عن المعاصي ولذا قالوا بوجوب اجبار الحاكم الناس للكون في مكة المكرمة وزيارة النبي (صلى الله عليه وآله) والسيدة الطاهرة وقبور الأئمة (عليهم السلام) في المدينة كما في الجواهر والفقه والجامع المدارك بل ذكر الشهيد قدس سره الاتفاق على اجبار أهل البلد على الأذان بل على قتالهم إذا اطبقوا على تركه كما في الجواهر وجامع المدارك لأن الأذان من أجلى المظاهر الإسلامية في كل بلد وناحية وقرية .

 واستدل له في الشرائع والنافع والتذكرة والمنتهى بالنصوص الخاصة الدالة على أن من اتى مكة حاجاً ولم يزرني إلى المدينة جفاني كما يدل على الاجبار في صورة الترك قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حفص:  ( لو أن الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده ولو تركوا زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده فإن لم يكن عندهم أموال انفق عليهم من بيت مال المسلمين ) .

ويستظهر من الرواية أمور:

الأول: وجوب الاجبار على الوالي.

الثاني: وجوب الاستجابة على الحاج وعلى عموم الناس على الذهاب والمقام في الحرمين على نحو الوجوب الكفائي .

الثالث: لزوم الانفاق من بيت المال إن عدموا المال وإلا كان عليهم الذهاب من أموالهم الخاصة.

الرابع: إن الاجبار على الذهاب والمقامة يشمل الحج الواجب والمندوب ويشمل الزيارة الواجبة والمندوبة فلا تخصيص له بالواجبات وهو ما عرفت من الاتفاق الذي ادعاه الشهيد على اجبار الحاكم الناس على الأذان لو تركوه مع أن الأذان من المستحبات هذا فضلاً عن الزيارة التي هي أيضاً من المستحبات وكيف كان فإنه يظهر مما تقدم أن حفظ المظاهر الإسلامية واحترام الشعائر الإلهية هي من الواجبات بحيث إذا تخلف الناس عنها أو أهملوها كان على الحاكم اجبارهم عليها.

ويتفرع على هذا استحباب التذكير بمنزلة الأنبياء والمؤمنين في الآخرة لأنها من المظاهر والشعائر أيضاً كاستحباب ذكر كيفية قبضة (صلى الله عليه وآله) وانتقاله إلى الرفيق الأعلى فإنه يستحب أيضاً ذكر منزلته في الآخرة وأنه قد حف بالملائكة الأبرار إلى غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك وكذا يستحب ذكر منزلة الأنبياء والأوصياء في الجنة ويستحب أيضاً ذكر مكانة المؤمن فيها وما أعد الله من النعيم فإن التذكير بذلك يوجب مزيداً من رغبة الناس في الإيمان بالله سبحانه واليوم الآخر والمزيد من الالتزام بأوامره والاجتناب عن معاصيه جل وعلا.

فيكون من المستحبات بل يكون من التعظيم للشعائر والعلائم الإلهية بل قد يجب إذا توقف إيمان الناس على ذلك والآيات والروايات التي تتعرض لوصف نعيم أهل الجنة كثيرة كما لا يخفى على من راجع البحار وغيره من كتب الرواية في هذا المجال.

هذه بعض المسائل المتعلقة بالعنوان الأول في لزوم حفظ المظاهر الإسلامية.

وأما العنوان الثاني وهو إحياء أمر الدين والتذكير به وقد عرفت أن الدين له مظاهر فاحياؤها إحياء له ومن أجل ما يمكن أن يقال هنا هو احياء ذكر النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار ومحبتهم وتكريهم وتقديسهم والإقتداء بهم في شؤون الحياة وهذا أمر جرت عليه سيرة العقلاء على اختلاف أديانهم ومذاهبهم  في تعظيم كبرائهم وزعمائهم والاحتفال بذكرياتهم والتذكير بسيرهم وسننهم لأنهم مظاهر عزتهم وكرامتهم مما يكشف عن أن هذا أمر عقلائي فكيف برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأهل بيته الأطهار الذين هم اسمى من خلق الله وأشرف وأعلى درجة ومرتبة حيث جعلهم تبارك وتعالى مظاهر رحمته ومنابع حكمته والدلائل على توحيده وآياته وهذبهم وعلمهم وجعلهم قادة البشر وقدواتهم وأمر بإتباعهم حيث قال سبحانه وتعالى: ((لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)).

وقال عز وجل: ((ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)).

وقال تبارك وتعالى: ((إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)).

وقد اتفقت الكلمة بين الفريقين على أنها نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) في قضية التصدق بالخاتم وولي الأمر هو الأولى بالتصرف فيهم فيجب إتباعه والإقتداء  به إذن ، وكذلك قول سبحانه وتعالى: ((إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)). ومن الواضح بحكم العقل والنقل بأن الذي طهره الله وعصمه من الذنوب والخطايا ومن الرذائل وما أشبه ذلك من النواقص الإنسانية هو الذي يجب إتباعه والإقتداء به وهو الذي يدل على الآداب الإلهية والشرائع الإلهية والكمالات الرحمانية.

 وكيف كان فرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار هم القدوة الحسنة للمسلمين، وإظهار محبتهم وتقديسهم والإقتداء بهم من الواجبات.

وقد اتفقت كلمة الفريقين على وجوب محبة أهل البيت (عليهم السلام).

ومن الواضح أن المقصود من المحبة ليس مجرد الحب القلبي والشعور الخاص كما قد يتصوره البعض لأن هذا ما ينبغي أن يكنه الإنسان المسلم لكل إنسان فضلاً عن كل مؤمن فلو كان المقصود من محبتهم القلبية لكان تخصيصه بالذكر في الآية الشريفة في قوله سبحانه وتعالى: ((قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)).

لكان هذا التخصيص من اللغو الذي لا فائدة فيه وتأبى حكمة الله سبحانه وتعالى وتتنزه عن اللغوية كما لا يخفى وذلك لأن المسلم يجب أن يكن الحب للمسلمين وللمؤمنين لا خصوصية لأهل البيت (عليهم السلام) في ذلك وإنما المقصود من المحبة هو المحبة في القلب وفي العمل بالإقتداء والإتباع لأن التذكير بهم تذكير بسنتهم والتعريف لغير العارفين بهم ليقتدوا أيضاً بهم فيتعرفوا على حقيقة الدين وجوهرهم الإنساني الرفيع الذي لا يعكسه بشكله التام النزيه المجرد عن النواقص والأغراض إلا هم ولذا حصر تبارك وتعالى أجر الرسول (صلى الله عليه وآله) في تبليغه الدين والرسالة بمحبتهم قال تبارك وتعالى: ((قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي لْقُرْبى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً إن الله غفور شكور )).                                                         

وقد اتفقت كلمة الفريقين الشيعة والسنة أن المقصود ومن القربى في الآية الشريفة هم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وإن الحسنة في الآية إنما هي مودتهم وإن الله غفور شكور لأهل ولايتهم وهذا عندنا من الضروريات المفروغ عنها وفيه صحاح متواترة عن أئمة العترة الطاهرة كما في المصادر المختلفة .

ولا يخفى عليك أن مودة القربى في الآية الشريفة وقعت في حيز الطلب، كما أنها وقعت موقع الإثبات بعد النفي مما يؤكد الوجوب .

كما أن الآية الشريفة نصت على المودة ولم تنص على الحب مما يكشف عن أن محبة أهل البيت الواجبة هي المودة وليس الحب وحده، بمعنى أن الذي يجب على سائر الناس من محبة القربى مودتهم وهو إظهاره وإبرازه على الجوارح والمواقف والأفعال وذلك له صور وأساليب منها مدحهم والثناء عليهم والتذكير بهم وإتباعهم في مناهج العمل والآداب والسنن ومنها الدفاع عنهم ونصرتهم أحياءً وأمواتاً ومنها احترامهم وإجلالهم أحياءً وأمواتاً أيضاً .

وحيث جعل الله  رسوله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطيبين الأطهار (عليهم السلام) قدوة للناس يتأسون بهم في الدين والدنيا وجعل الأمر بمودتهم طريقاً إلى الإقتداء والتأسي بهم لأن دعوة الناس إلى محبتهم وولائهم تكون سبباً للفحص عن موجبات هذه الدعوة وفلسفتها وفي نهاية المطاف يكون هذا الأمر سبباً إلى التفات الناس إلى سجاياهم وأخلاقهم التي تخلق المحبة في قلوب الناس لهم لأنها سجايا كاملة والإنسان بطبعه الأولي ميّال إلى حب الكامل وعشق الكمال وبذلك يتضح أن دفع الناس إلى التعرف على عظمة الشخص يحصل بأحد أمرين:

الأول: رفع الستار عن سجاياه الأخلاقية وملكاته الفاضلة ببيان فضائله وهو عمل يوجه الناس إلى القائد بصورة مباشرة .

الثاني: الأمر بمحبته ومودته وموالاته ويكون سبباً لإقبال الناس عليه والتعرف بالتدريج على مؤهلاته وصفاته وسجاياه وعلى هذا الأساس يعتبر الأمر بمودتهم (عليهم السلام) منطلقاً للتعريف وأساساً للإتباع ولعل من هنا قال سبحانه وتعالى في آية أخرى وما سألتكم من أجر فهو لكم.

إذن الظاهر أن المقصود من المودة في الآية هو الارتباط وبالنتيجة التعرف على المعارف والأصول وفي مرحلة أخرى الإتباع والإقتداء العملي فيصير طلب المودة نوعاً من طلب الإتباع للرسول ولأهل البيت (عليهم السلام) كما قال عز وجل: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)). مما يكشف عن أن الحب وحده ناقص ما لم يقترن به الإتباع والمتابعة.

ويتحصل مما تقدم أن مودة أهل البيت (عليهم السلام) واجبة والمقصود من المودة هو الحب الظاهر على الجوارح وعلى الأفعال والمواقف وبما أن إظهار الحب والموالاة يختلف من إنسان لآخر ومن مظهر لآخر يصبح وجوب الإظهار عينياً تخييرياً ، أما عينياً لأن الجميع مكلف بمودتهم (عليهم السلام)، وأما تخييرياً فلأن كل واحد يظهر هذا الولاء والحب بطريقته الخاصة فبعضهم بواسطة المدح والثناء وبعضهم بواسطة الدفاع والنصرة وبعضهم بواسطة احياء مواليدهم وأفراحهم والمشاركة في أحزانهم كالشعائر الحسينية والمراسم التي تقام للتذكير بهم (عليهم السلام)، والتعرض إلى المظلومية والآلام التي تعرضوا إليها وبعضهم بكتابة الكتب والنشر العلمي والفكري في هذا المجال.

وبعضهم بالمشاركة في الندوات الفكرية وبعضهم بعقد الندوات في ذلك وبعضهم بفتح القنوات الفضائية أو التلفزيونية أو بفتح الإذاعة وما أشبه ذلك من وسائل الإعلام والترويج الفكري والعاطفي وما أشبه ذلك من وسائل تؤدي إلى احياء ذكرهم وإظهار محبتهم ودعوة الناس إلى الاقتداء بهم وتكريمهم واحترامهم.

فكل مكلف يجب عليه اظهار حبه وولائه لأهل البيت (عليهم السلام) ولكن عليه انتخاب الطريقة التي يريدها والتي تتسع مع قدراته ومع امكانياته وذلك لأن من شروط المحبة والموالاة هو الإظهار والإبراز والاتباع والاقتداء وقد قلنا لكم أن هذا ما جرت عليه سيرة العقلاء بالقياس إلى قادتهم وسادتهم فكيف بالمسلمين وقادتهم رسول الله وأهل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام.

 ويدل على ذلك إضافة إلى ما تقدم الروايات المعتبرة الواردة في التأكيد على إحياء أمر أهل البيت (عليه السلام) والتذكير به بل بعض الروايات تضمنت حث الموالين وتحريكهم نحو هذا العمل فقد ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) يخاطب خيثمة ومن جملة ما يقول (يا خيثمة ابلغ من ترى من موالينا السلام وأوصهم بتقوى الله العظيم وإن يتلاقوا في بيوتهم فإن لقيا بعضهم بعضاً حياة لأمرنا رحم الله عبداً أحيا أمرنا).

وفي قرب الاسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قائلاً لفضيل (تجلسون وتتحدثون قال نعم جعلت فداك قال أن تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا فرحم الله من أحيا أمرنا يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذبابة غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر.

وفي امالي الطوسي عن العقرقوفي قال ( سمعت أبا عبد الله يقول لأصحابه وأنا حاضر اتقوا الله وكونوا أخوة بررة متحابين في الله متواصلين متراحمين تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا وأحيوا أمرنا ) .

وفي الخصال عن خيثمة قال: ( قال لي أبو جعفر (عليه السلام) تزاوروا في بيوتكم فإن ذلك حياة لأمرنا رحم الله عبداً أحيا أمرنا ) .

وفي بشارة المصطفى عن معقب مولى أبي عبد الله (عليه السلام) قال ( سمعته يقول لداود بن سرحان: يا داود ابلغ موالي مني السلام وإني أقول رحم الله عبداً اجتمع مع آخر فتذاكرا أمرنا فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما وما اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءً لأمرنا وخير الناس من بعدنا من ذاكر بأمرنا وعاد إلى ذكرنا ) .

وغير ذلك من متظافر الروايات الدالة على هذا، والظاهر أن هذه الروايات وأمثالها مطلقة فتشمل على معاني الاحياء ومصاديقه إذ أنها تؤكد على ضرورة احياء أمرهم وتدعو إلى الإقامة بالاحياء بالرحمة ولم تحدد بالخصوص الأساليب والسبل التي يتم بها الاحياء المندوب ومن الواضح أن من مصاديق احياء أمرهم (عليهم السلام) هي مجالس العلم والتثقيف ومنها الشعائر الحسينية بما لها من مجالس وعظ ومراسم عزاء، وإقامة ندوات وسيرة وتاريخ والتداول في شؤون المجتمع وبناء المستقبل ومعالجة الأزمات الاجتماعية والفكرية والدعوة إلى الدين وإلى التزام الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وقد دلت الروايات على عظمة الثواب الذي يحصله الإنسان من جراء هذه الأعمال التي فيها الدعوة إلى الخير خصوصاً إذا كانت في البلدان التي ضاعت بها الحقيقة من بلاد اليهود والنصارى وبلاد المشركين في العالم ففي رواية عن حماد السندي ( قال : قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) أني ادخل إلى بلاد الشرك وإن من عندنا ليقولون أن مت ثم هناك حشرت معهم قال لي حماد إذا كنت ثم تذكر أمرنا وتدعو إليه ؟ قلت : نعم  قال فإذا كنت في هذه المدن مدن الإسلام تذكر أمرنا وتدعو إليه ؟ ، قلت : لا فقال لي انك إن مت ثم هناك تحشر أمة وحدك ويسعى نورك بين يديك ) . رواها الحر العاملي رضوان الله عليه في كتابه الوسائل.

ولهذه الرواية وغيرها من الروايات والأدلة الشرعية افتى الفقهاء باستحسان سفرالمؤمن إلى البلدان غير الإسلامية إذا كان الغرض منه نشر الدين وأحكامه والتبليغ بها فعن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ( أن رجلاً قال له أوصني فقال له أوصيك أن لا تشرك بالله شيئاً وادع الناس إلى الإسلام وأعلم أن لك بكل من اجابك عتق رقبة من ولد يعقوب) .

وكيف كان فإن الاستدلال بالروايات المتقدمة على الندب في احياء الشعائر المرتبطة بأهل البيت (عليهم السلام) يتم عبر أمور:

أولاً: قولهم (عليهم السلام) أحيوا أمرنا صيغة أمر وقد ثبت أن الأمر ظاهر في الوجوب إلا إذا كانت قرينة على الندب والاستحباب فحينئذٍ يحمل على الندب والروايات المتقدمة لا يخلو أمرها من هاتين الحالتين إذ هي إما مجردة عن القرائن فتحمل على الوجوب كما هو الأصل أو هي كما قال البعض تحمل على الاستحباب لوجود قرائن صارفة عن الوجوب التي منها ظهور الجمل الواردة في الروايات يعطي معنى الاستحباب لا الوجوب ومنها قولهم (عليهم السلام) رحم الله من أحيا أمرنا فإنه إما بمعنى الدعاء لمن يحيي أمرهم (عليهم السلام) أو أنه انشاء إيجاد وتنزيل للرحمة الإلهية بالفعل لمن يقيم أمرهم ويحييه من باب الولاية التكوينية والتشريعية التي منحها الله سبحانه لهم إذ جعل الله سبحانه وتعالى أزمة الاعطاء والمنع بأيديهم حتى صاروا (عليهم السلام) أوعية المشيئة الربانية في الأشياء فهم (عليهم السلام) ينزلون الرحمة إلى من يحيي أمرهم أو هو إنشاء بلسان الأخبار أو يخبرون عن واقع متحقق وحقيقة موجودة في الكون وهي ان من يحي أمرهم (عليهم السلام) تتنزل عليه الرحمة إيجاداً وعلى أي معنى من هذه المعاني الثلاثة حملنا كلام الإمام (عليه السلام) (رحم الله من أحيا أمرنا).

فإنه يصلح أن يكون قرينة على الاستحباب لا الوجوب والمسألة قابلة لمزيد من التأمل .

وعلى أي حال فبأي القولين أخذنا أخذناه بمعنى التجرد عن القرينة فنحمله على الوجوب  وعدمه فنحمله على الندب  فإن إحياء ذكرهم وترويج فكرهم والتعريف بهم لا يخلو من الوجوب والندب كما وضحنا .

ثانياً: ما هو المراد من أمرنا فيه احتمالات أهمها إثنان:

الأول: أن يكون المراد من أمرنا أي حكمنا فالمراد من الأمر هو الحكم وما بمعناه كالدين والشريعة ونحوه ويؤيده أن بعض الروايات جاءت في مجالس الذكر والحديث عنهم والتفقه بآدابهم وسننهم وهذا المعنى هو الذي احتمله العلامة المجلسي رضوان الله عليه في كتابه البحار حيث قال لدى شرح هذه الرواية القائلة أن لقيا بعضهم لبعض حياة لأمرنا قال حياة لأمرنا أي سبب لإحياء ديننا ورواياتنا والقول بإمامتنا.

وهذا الحمل ظاهر في مجالس الفقه والحديث وأصول الدين وفروعه ونحو ذلك لأن بها إحياء الدين.

الثاني: أن يكون المراد من أمرنا هو شأننا وذلك لأنها مرة معاني الأمر الشأن لغة فيكون قولهم (عليهم السلام) أحيوا أمرنا أي أحيوا شأننا ومن الواضح أن شأنهم (عليه السلام) عام فيشمل كل ما يرتبط بهم من قريب أو بعيد سواء كان في أصول الدين أو في فروعه أو في شعائره ومظاهره ونحو ذلك فيكون هذا المعنى أعم من الأول .

وبأي الاحتمالين تمسكنا فإنه يشمل الشعائر الحسينية بأي نحو من انحائها لأن أحياء أمرنا أن كان بالمعنى الأول ـ أي إحياء دينهم ـ كما احتمله المجلسي فإن إحياء الدين يتم بأمور واجبة كالصلاة والصيام والحج ونحوها كما يتم بأمور مندوبة مثل بناء المساجد والحسينيات وزيارة المراقد المطهرة وإقامة شعائر أهل البيت وبالخصوص الشعائر الحسينية نعم ربما هناك تفاوت وتفاضل في الرتبة إذ أن إقامة الدين وإحياءه يتم بالواجبات أولاً ثم بالمندوبات ولكن تفاضل الرتب لا يضر بالرجحان .

وأما إذا قلنا بأن المراد بأمرنا هو المعنى الثاني فشموله للشعائر الحسينية يكون في غاية الوضوح ودلادلته على المطلوب أتم.

ولا يخفى عليك أن هناك احتمال ثالث في معنى أمرنا وهو أمر الفرج وظهور مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف كما في بعض الأخبار إلا انه أن الظاهر بيان المصداق لوضوح أن أمرهم أعم من الفرج والظهور واطلاق أمرنا يشير إلى احياء أمرهم مطلقاً كما لا يخفى وربما يمكن أن يقال بأنه كما ثبت في الأدلة المتظافرة وجوب إقامة الدين وإحياء معالمه كما في قوله تعالى: ((أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ)) ثبت أيضاً بالدلالة العقلية والنقلية إن أهل البيت (عليهم السلام) هم عين الدين وجوهره الزكي إذ لولاهم لما كان الدين باقياً ومن هذا وذاك يمكن أن نسفيد أن إحياء أمرهم الذي هو الآخر إحياء لنفس الدين وإحياء في بعض مراتبه وذلك لأن إحياء الدين في بعض مصاديقه واجب ومنه بيان العقائد والأحكام ونشرها بين الناس وبعضها مستحب مثل المناقب والأخلاق والفضائل وبما أن إقامة الدين وإحياءه يتوقف في بعض مصاديقه على الشعائر في الجملة أصبحت هي الواجبات من الجملة أيضاً ويبقى الباقي حينئذٍ تحت عنوان المستحب ومن هنا أفتى بعض الفقهاء الراحلين والمعاصرين بوجوب إقامة الشعائر في الجملة وهنا تنبيهات

التنبيه الأول: صحيح أن بعض الروايات قالت تزاوروا ،  في بيوتكم وتجلسون وتتحدثون مما قد يفهم البعض منها أنها وردت في خصوص المجالس البيتية التي اعتاد عليها الناس منذ سالف الزمان إلا أن الظاهر أنه لا خصوصية للمجالس البيتية وإنما الأئمة (عليهم السلام) ذكروا ذلك من باب أجلى المصاديق وأظهرها وقد ثبت في الأصول أن بيان المصداق لا يقيد الاطلاق كما لا يخصص  العموم خاصة وإن الناس كانوا في ظروف تقية لا تسمح لهم بإعلان ذلك في الأسواق والطرقات والمحافل العامة فاضطراراً كانوا يعقدونها في البيوت والمحلات الخاصة حفاظاً على أنفسهم ودمائهم وإذا راجعت التاريخ وكتب الرجال تتلمس ذلك بوضوح مما بينهم.

إن إحياء الأمر مطلوب ومندوب عند أهل البيت (عليهم السلام) بأي صيغة وبأي اسلوب كان استفادة من الروايات خصوصاً مجالس العزاء التي تقام لذكرى عاشوراء ومصاب سيد الشهداء ففي أمالي الصدوق عن الرضا (عليه السلام) من ذكر بمصابنا فبكى وأبكى، لم تبك عينه يوم تعمى العيون.

والروايات في هذا المجال متظافرة جداً وهي إلى نظائرها الكثير تحث بعمومها إلى كل وسيلة يتذكر بها مصاب الحسين (عليه السلام) أو مصاب أهل البيت (عليهم السلام) سواء في ذلك عقد المآتم وبذل المال لأجله أو نظم الشعر أو كتابة تلك الفوادح أو تدوينها أو انشاء ما جرى عليهم أو تصوير تلك الفاجعة أمام الناس بكل مظهر من مظاهره كالتمثيل والعزاء ونحوها أو إقامة الندوات أو إصدار الصحف والمجلات وغير ذلك من وسائل إعلامية وثقافية فإن الجامع لهذه الانحاء قوله (عليه السلام) من ذكر بمصابنا كما أن في الجميع تعظيم للشعائر الإلهية لما يدور في تلك المجالس من ذكر الله عز وجل والنصيحة للناس وتعليم الأحكام الشرعية وتفسير القرآن وما أشبه ذلك.

الثاني: في قوله (عليه السلام) من ذكرنا مطلق أيضاً وهو يشمل كل أنواع الذكر والتذكير ومما لاشك فيه أن إقامة الشعائر الحسينية بما لها من مراسم ومجالس من أجلى مصاديق ذكرهم والتذكير بهم (عليهم السلام) فيكون مندوباً ويعد صاحبه من خير الناس من بعد الأئمة (عليهم السلام) حيث قالوا وخير الناس من بعدنا من ذكر بأمرنا.

الثالث: في قوله (عليه السلام) فإن لقيا بعضهم بعضاً حياة لأمرنا. وقوله (عليه السلام) فإن في إجتماعكم ومذاكرتكم إحياء لأمرنا احتمالان :

الأول: إنه ظاهر في العلية المعدة أي له ظهور في المقدمية والطريقية أي طريقية الجلوس والتحدث والمذاكرة إحياء أمرهم (عليهم السلام) بمعنى أنه لما كان الجلوس والتحدث والمذاكرة طريقاً إلى إحياء أمرهم (عليهم السلام) حث إليه الإمام وحببه للناس أو أنه ظاهر في العلية التامة بمعنى أن الجلوس والتحدث والمذاكرة علة تامة مبقية لإحياء أمرهم في مقام العمل ونشر الفقه والأحكام وإظهار أمرهم والمودة والتبصرة ونحو ذلك إذ لولا هذه المجالس لمحى الطغاة آثارهم (عليهم السلام) كما يظهر هذا الاحتمال من عبارة العلامة المجلسي من تفسيره معنى أمرنا وهناك احتمالات أخرى لا مجال لتفصيلها هنا.

الرابع: مواساة الحسين (عليه السلام) عمل مستحب لأنه من أجل مظاهر الشعائر الإلهية وقد قامت الأدلة الشرعية على إستحباب المواساة بين المؤمنين في المصائب والآلام وخاصة مواساة أهل البيت (عليهم السلام) حيث ورد عنهم (شيعتنا منا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا كما ورد عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) إن الله إطلع إلى أرضه فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أنفسهم وأموالهم فينا أولئك منا وإلينا) كما ورد عنهم (عليهم السلام) كما جاء في كامل الزيارة إن ذلك أي البكاء على الحسين وإقامة الشعائر صلة منكم لنا وإحسان وإسعاد وصلة لرسول الله أيضاً فيه وأداء لحقه (صلى الله عليه وآله) وحقوق الأئمة ففي الرواية (إن الباكي قد أدى حقنا) .

وكذلك في البكاء نصرة للحسين وإسوة بالأنبياء والعلماء والملائكة وفي هذا قال علماؤنا الأعاظم وعملوا به أيضاً إن الله عز وجل أحب مواساة الحسين (عليه السلام) في مصائبه بل ساق سبحانه وتعالى ركب أنبيائه وأوليائه إلى كربلاء ليواسوه في مصائبه ويذكروا مادهاه في آلامه بالدماء والدموع لأجل الدين ولأجل الحرمات الإلهية قبل أن ينتهي إليه ركب الحسين بمئات الأعوام والسنين فأشرك الله سبحانه وتعالى أنبياءه في أهوال هذه الأرض مع السبط الشهيد لبيان أهمية الدين ووجوب حفظه وتعظيم شؤونه وتعظيم من أحيى الدين وضحى بدمه وماله وأهله وأولاده لأجل نصرة دين الله وإبقائه حياً وهاجاً في القلوب والأرواح فضلاً عن إبقاء مظاهره العظيمة في المآذن والمساجد والحرمين الشريفين .

وذكر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وتعظيمه وتقديسه  من مظاهر وآيات ودلالات وهذا بعض ما ورد عن النبي الأعظم في تفسير قوله (صلى الله عليه وآله) حسين مني وأنا من حسين وهناك روايات عديدة في هذا الشأن تركناها للإختصار فمن أراد التفصيل فليرجع إلى كتاب البحار للعلامة المجلسي كما عقد هو (قدس سره) فصلاً خاصاً بالآيات المؤولة بشهادة الحسين (عليه السلام) وإنه يطلب الله بثاره كما بينه في الجزء الرابع والأربعين من موسوعة البحار واستعرض في ذلك آراء جملة من المفسرين وحملة الحديث كتفسير علي بن إبراهيم القمي والعياشي والصافي ونور الثقلين والخصائص وغير ذلك من كتب هامة في هذا المجال وهنا مسائل:

المسألة الأولى: تجب محبة أهل البيت (عليهم السلام) إجماعاً ونصوصاً تحصيلاً لحب النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) (أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم ومحب لمن أحبهم) كما يلزم حبهم أيضاً لذواتهم فأحدى المحبتين طريقية والأخرى موضوعية ذاتية وربما يوضح ذلك ما قاله الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بالنسبة إلى عقيل بن أبي طالب (إني أحب عقيلاً حبين حباً له وحباً لحب أبي طالب له) ولا يخفى أنه لا يصح الإكتفاء بمحبتهم (عليهم السلام) عن الإمتثال لأوامرهم والتي هي أوامر الله سبحانه وتعالى فإن المحب الحقيقي هو الذي يتوخى رضا المحبوب يلتزم بمنهجه ويقتدي به ولا ينفع حبهم بدون الإطاعة والعمل إلا نفعاً في الجملة كما ذكر في الروايات ففي الحديث (إن ولي محمد (صلى الله عليه وآله) من أطاع الله وإن بعدت لحمته وإن عدو محمد (صلى الله عليه وآله) من عصى الله ولو قربت قرابته) فلا يكفي للمسلم في قوله بمحبة النبي (صلى الله عليه وآله) ما لم يقرن المحبة بالإقتداء والإتباع.

المسألة الثانية: يستحب وقد يجب تكوين وإنماء المحبة السليمة المشروعة فإن المحبة هي المحرك الأكبر نحو الفضائل فمحبة الله سبحانه وتعالى هي التي تبعث على إطاعة أوامره كما قال سبحانه ((وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ)) وكذلك محبة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ومحبة أهل بيته (عليهم السلام) وكذلك الصالحين من العباد المؤمنين ومحبة الدخول بالجنة ومحبة الذكر الحسن كما قال سبحانه وتعالى ((وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ)) وقال سبحانه وتعالى ((وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي)) ولذا ورد في الحديث الشريف (الدين الحب وهل الدين إلا الحب ) وغير ذلك من الروايات هذا إضافة إلى أن الحب تدور عليه رحى الحياة فالأم والأب يعتنيان بالأولاد وتربيتهم نتيجة المحبة وكذلك الزارع حين يزرع الأرض والطالب حينما يطلب العلم إلى غير ذلك كله فإن كل ذلك عن منطلق الحب ولولاه لانهدم العالم لتوقفت عجلة الحياة الإنسانية في الماديات وفي المعنويات فالازم أن يكون الإنسان الحب وينميه حتى يكون في خط الكون الذي خلقه الله سبحانه وتعالى للحب وبالحب وحتى يكون عمل الإنسان في خط الدين متطابقاً ليحقق أغراضه الدنيوية والأخروية .

ولا يخفى عليك إن ما ورد في الروايات الشريفة من كون الدين هو الحب باعتبار أن محبة الله سبحانه وتعالى وأولياءه (عليهم السلام) هي النواة المركزية للدين حيث إن العلة الغائية للدين ذلك وحيث قال تعالى ((وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ)) وقال عز وجل ((قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)) وهي العلة الأساسية للتمسك بالدين ولولاهم لإنحرف الدين وغيره الظالمون والطغاة ومن هنا يجب الإقتداء بهم والاحتفاف بهم وإحياء أمرهم وذكراهم كما بينا ويتفرع على هذه المسألة حرمة معاداة أهل البيت (عليهم السلام) كما يجب أن يكون الإنسان سلماً لمن سالم أهل البيت (عليهم السلام) كما كان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وقال (أنا سلم لمن سالمهم) كما تجب محاربة من حارب أهل البيت (عليهم السلام) كما يستفاد ذلك من قوله (صلى الله عليه وآله) أنا حرب لمن حاربهم حيث إن من حارب علياً أو فاطمة أو الحسن أو الحسين (عليهم السلام) فقد حارب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقوله (صلى الله عليه وآله) أنا حرب لمن حاربهم ومن الواضح أن حكم محاربة الرسول وقد قال (صلى الله عليه وآله) (فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله) فإن في محاربة الرسول وأهل بيته محاربة لله عز وجل ولا يخفى عليك إنه كما تجب محاربة من حارب أهل البيت (عيهم السلام) بأجسادهم تجب محاربة من حاربهم بأفكارهم ومناهجهم كما هو واضح.

المسألة الثالثة: يستحب بل يجب بحسب إختلاف الموارد أن يسعى الإنسان لأن يكون قريباً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل شؤونه بالفكر والعمل والقلب والقالب في مأكله ومشربه وملبسه ومنكحه ويقظته ومنامه وغير ذلك كما كان مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث وصفته السيدة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها (قريباً من رسول الله (صلى الله عليه وآله)) وهي إحدى أهم فضائله هذا إذا أريد من قولها (عليها السلام) قريباً بمعنى القرب العملي ـ أي قريباً في أعماله ـ أو من حيث العمل منه (صلى الله عليه وآله) وأما إذا أريد بقولها قريباً القرب النسبي ـ أي ذو القرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ فهو أيضاً بيان لإحدى فضائله (عليه السلام) حيث إن القريب يرث بالمعنى الأعم والأخص أيضاً والمقصود من الإرث بالمعنى الأخص الأموال وبالمعنى الأعم إرث العلم والمسؤولية والإعتبار وما أشبه ذلك ..

كما قال (صلى الله عليه وآله) (علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي) إلى غير ذلك من الروايات وقد ورد في الحديث (لن تشذ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحمته) ويمكن أن يكون المراد بكلمة قريباً الجامع لكلا المعنيين فهما مصداقان لذلك الكلي وبهذا البيان ينطبق أيضاً هذا المعنى من كونه أقرب أقرباء الرسول (صلى الله عليه وآله) لأنه ابن عمه وزوج ابنته بينما العباس الذي كان من أقاربه أيضاً لم يكن كذلك لأن علياً (عليه السلام) أبويني والعباس لأبيه فقط وهذا ما اتفقت عليه الصحابة أيضاً كما ورد في الفصول المختارة (مر علي بن أبي طالب (عليه السلام) على أبي بكر ومعه أصحابه فقال أبو بكر من سَره إن ينظر إلى أول الناس بالإسلام سبقاً وأقرب الناس لرسول الله (صلى الله عليه وآله) قرابة فلينظر إلى علي ابن أبي طالب (عليه السلام)) .

وفي حديث إحتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على أبي بكر بثلاث وأربعين خصلة قال (عليه السلام) فانشدك بالله أنت الذي سبقت له القرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم أنا.) وعن الحسين (عليه السلام) ريحانة النبي قال (وإن القرابة التي أمر الله بصلتها وعظم من حقها وجعل الخير فيها قرابتنا أهل البيت الذين أوجب الله حقنا على كل مسلم) إلى غير ذلك من الروايات ومنه يعلم إستحباب طلب القرابة السببية والنسبية من رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال (كل حسب ونسب منقطع يوم القيامة إلا حسبي ونسبي).

المسألة الرابعة: كما يجب طاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجب إطاعة أهل البيت (عليهم السلام) وأعلام الناس بذلك كما قال الله عز وجل ((ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)) فإن الله سبحانه وتعالى جعلهم (عليهم السلام) هداة للخلق بعد النبي كما جعل الأنبياء والمرسلين هداة للناس وكذلك الأمر في أوصياء الأنبياء (عليهم السلام) وفي الأحاديث أنه كان لكل نبي وصي .

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ( أيها الناس إن علياً إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم فهو وصيي ووزيري وناصري وزوج ابنتي وأبو ولدي وصاحب شفاعتي وحوضي ولوائي من أنكره فقد أنكرني ومن أنكرني فقد أنكر الله ومن أقر بإمامته فقد أقر بنبوتي ومن أقر بنبوتي فقد أقر بوحدانية الله عز وجل ، إيها الناس من عصى علياً فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى الله ) .

ولا يخفى أن الإيمان بوجوب إطاعة أهل البيت (عليهم السلام) إنما يكون بعد الإعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى نصبهم حججاً على خلقه وأدلة لعباده ولا يخفى إن إطاعتهم (عليهم السلام) هي التي توجب إيجاد وحفظ وإستقرار النظام ودعوة الناس إلى ذلك فإن الملة والشريعة تحتاج إلى النظام بكلا معنييه وطاعتهم (عليهم السلام) توجب جلب الملة وتأليفها وصونها عن التشتت والتناثر كما توجب إقامة الملة ومن المحتم بالبرهان أن نظام ملة الإسلام وشريعته هو أفضل الأنظمة على الإطلاق بل لا قياس بينه وبين غيره.

وأما ما يكون بإطاعة غيرهم من النظام فإنما هو ظاهري محدود وموقت بل قد يكون الأكثر إضراراً في الكتب المقررة وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما تمسكتم بهما وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وهي من الروايات المتواترة بين القريقين وقد ورد في تفسيرقوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) أي ولاية علي وذريته (عليه السلام) وقال (صلى الله عليه وآله) وطاعتنا طاعة الله ومعصيتنا معصية الله .

ومن هنا يجب إيجاد الشروط والظروف الموضوعية التي توفر الحماية والدعم لمن هم في أقوالهم وأفعالهم السبب في نظام الشريعة فإن حمايتهم حماية للشريعة نفسها كما قال تعالى ((وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى)) ومن الواضح أن ملة الإسلام تنتظم أمورها الاقتصادية والسياسية والإجتماعية والتربوية والأخلاقية والعسكرية والعائلية والعملية إذا مشت على نظام واحد وطريقة واحدة مأخوذة من منبع الوحي والتشريع وذلك لا يكون إلا بطاعة المعصومين (عليهم السلام) وذلك لأن التشريعات الإلهية والأحكام النبوية التي يتولونها توجب النظم وعدم الفوضى والخلل والاضمحلال ومن هنا يجب الاعتقاد بإمامتهم أيضاً وذلك ما دلت عليه متظافر الأخبار والنصوص فضلاً عن الآيات الشريفة فضلاً عن الإجماع والعقل.

 كما يجب إرشاد الناس لذلك على ما يستفاد من الأدلة الكثيرة المذكورة في مظانها إذ لا يخفى أن إمامتهم (عليهم السلام) أماناً من الأخطار وتجنباً للخرافة والإمامة غير الطاعة كما لا يخفى فالإمامة مقدمة على الطاعة رتبة كتقدم السبب على المسبب فإن الإمامة علة وجوب الإطاعة فإذا لم يعتقد الإنسان بإمامتهم اتخذ لنفسه إماماً آخر لأن الإنسان لا يخلو أمره من الإقتداء والإتباع فإذا لم يتبع الصالح اتبع المنحرف كما لا يخفى وهذا يوجب الفرقة وقد حصل بالفعل بعد أن اتخذ الكثير من الناس أئمة غيرهم (عليهم السلام).

 وربما إعتقد شخص بالإمامة ولم يطع وربما أطاع ولم يعتقد وربما كانت الإمامة ولم توجد الإطاعة وبالعكس فالنسبة بين الإمامة وبين الإطاعة عموم من وجه والذي يحقق السعادة في الدارين هو العمل بطاعتهم بعد الإعتقاد بإمامتهم (عليهم السلام) .

المسألة الرابعة: يستحب تنبيه الناس إلى تعظيم فضل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن سعادتهم طوال قرون وقرون كانت ببركة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وقد يجب ذلك في بعض الأمور قال سبحانه وتعالى ((وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) كما قال عز وجل ((لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) وقال عز وجل ((وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ)) ومن المعلوم إن سعادة البشرية والجوانب الإيجابية في عالم اليوم كالتطور العلمي والتكنولوجيا وبعض التوجه والإلتزام بحقوق الإنسان وغير ذلك هذه كلها ببركة النهضة الإنسانية التي قادها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) ضد رذائل الأخلاق والمحرمات والإبعاد عن الجهل والمرض والفقر ووأد البنات وغير ذلك من العادات الجاهلية كما اعترف بذلك الغربيون أنفسهم حيث صرحوا بأن المسلمين هم آباء العلم كما لا يخفى على من راجع الكتب التي ألفوها.

حيث تلمذ الغرب على أيديهم إبان القرون الوسطى وقبلها في الأندلس وغيرها كما يستحب ذكر الإمام علي (عليه السلام) كلما ذكر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وقد دلت النصوص على ذلك وهي متواترة في هذا المجال منها ما ورد عن الصادق (عليه السلام) (من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين) وعنه قال (الكلم الطيب قول المؤمن لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله وخليفة رسول الله) وعنه (عليه السلام) (من صاغ خاتماً من عقيق ونقش فيه محمد رسول الله علي ولي الله وقاه الله ميتة السوء ولم يمت إلا على الفطرة) وعن ابن عباس قال (حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لما عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله والحسن والحسين سبطا رسول الله وفاطمة الزهراء صفوة الله على ناكرهم وباغضهم لعنة الله تعالى).

 وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما في مصادر الخاصة والعامة (والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً ما استقر الكرسي والعرش ولا دار الفلك ولا قامت السماوات والأرضون إلا كتب الله عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله) ونظراً لهذا الكلي ولروايات عديدة إلتزم جمع من الفقهاء منهم صاحب الحدائق وصاحب المستند والعلامة المجلسي قدست أسرارهم بجزئية الشهادة الثالثة في الآذان ويظهر من صاحب الجواهر قدس سره الميل إليها كما يظهر من العلامة الطباطبائي ذلك أيضاً وممن قال بالإستحباب ولو من باب العموميات الفقيه الهمداني في مصباح الفقيه والسيد الحكيم في المستمسك ومن المعاصرين ذهب عديد إلى ذلك منهم السيد المستنبط وسماحة السيد الشيرازي دام ظله كما في الفقه حيث قالوا باستحباب الشهادة الثالثة ـ أي أشهد ان علياً ولي الله ـ في الأذان والإقامة بل وجزئيتها أيضاً وقد ذهب البعض إلى وجوبها من باب الشعارية كما لا يخفى.

 وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (إنا أول بيت نوه الله باسمائنا أنه لما خلق الله السماوات والأرض أمر منادياً فنادى أشهد أن لا إله إلا الله ثلاثاً، أشهد أن محمداً رسول الله ثلاثاً، أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً ثلاثاً) وفي بعض الأخبار أن سلمان الفارسي رضوان الله عليه أذن مع الشهادة الثالثة فلما شكى بعض الصحابة للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ذلك جابههم (صلى الله عليه وآله) بالتوبيخ والتأنيب وأقر لسلمان بهذه الشهادة ومنها ما ورد أن أبا ذر الغفاري رضوان الله عليه هتف بها في الأذان أيضاً بعد بيعة الغدير فرفعوا ذلك للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) فقال (أما وعيتم خطبتي في يوم الغدير لعلي بالولاية أما سمعتم قولي في أبي ذر ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ) وقد روى هذه الروايات وغيرها سماحة السيد الشيرازي دام ظله في موسوعة الفقه في الجزء التاسع عشر مع تفصيل الأقوال والمناقشات في المسألة.

المسألة الخامسة: يستحب التأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل الأمور حتى في كيفية المشي وقد يجب التأسي في موارد الوجوب كما لا يخفى ولذا قال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) فتأسى بالنبي (صلى الله عليه وآله) واقتص أثره وأولج مولجه وإلا فلا يأمن الهلكة وأما قوله (عليه السلام) فلا يأمن الهلكة فيستظهر منه أن ذلك بالنسبة إلى الواجبات وترك المحرمات لكنه لا ينافى مع الإستحباب المطلق حيث يفهم في سائر أعماله بالملاك بالإضافة إلى الإطلاقات كقوله سبحانه وتعالى (فبهداهم اقتده) وقال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) أحب العباد إلى الله تعالى المتأسي بنبيه (صلى الله عليه وآله) وهل يدل ذلك على إستحباب التكلف بالإقتداء بحركات العظماء من الصالحين ، احتمالان في المسألة:

الأول: نعم لأنه من التشبه ولو جزئياً وهو من أسباب تقوية مكانة العظيم في الناس ما يسبب تجذر الخير فيهم وسوقهم نحوه أكثر فأكثر وما إلى ذلك من فوائد ومنافع.

الثاني: العدم لأن المنصرف من الإقتداء ما كان بحسب السليقة والطبع الأول لا مع التكلف والإجهاد إلا أن الظاهر المتفق مع أدلة وجوب الإقتداء وما أشبه ذلك هو الأول كما لا يخفى.

المسألة السادسة: يستحب الصلاة على النبي وآله مطلقاً وفي إفتتاح الكلام خاصة ويدل على الإستحباب بالإضافة إلى قوله سبحانه وتعالى ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) ما ورد في بعض الروايات في كيفية الصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو أن يقال اللهم صلِ على محمد وآل محمد فإن الصلاة على الرسول وحده من دون ذكر أهل بيته يكون من مصاديق الصلاة البتراء وقد روى الخاصة والعامة أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) قال لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء وهي الصلاة عليه دون ذكر أهل البيت (عليهم السلام) والمسائل المتفرعة على هذا الموضوع كثيرة جداً إكتفينا بهذا القدر ونوكل التفاصيل إلى الكتب المفصلة