المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 025.doc

المبحث الثاني: أقسام الطلاق

وهو نوعان بدعي غير صحيح وسني صحيح كما في غيره من العبادات والمعاملات فإنهما قد تختلف فروعهما فساداَ أو صحة باختلاف مذاهب المسلمين.

والمقصود من الطلاق البدعي غير الجامع للشرائط والظاهر أن التعبير بالبدعي لم يرد في الروايات وإنما هو من اصطلاح الفقهاء.

وكيف كان فكل طلاق فاقد لشرط من شرائط الصحة كما إذا انشأ بقصد ترتب الأثر فهو بدعة محرمة سواء كان ذلك ـ الطلاق ـ في حال حيض المرأة أم في حال نقائها أو طهر المواقعة أو طهر الثلاث مترسلا مع عدم تخلل الرجوع في البين، فالطلاق البدعي هو الطلاق غير الجامع للشرائط التي ذكرها وهو على أقسام:

القسم الأول: فاسدة عندنا، صحيحة عند غيرنا

القسم الثاني: ما جمع الشرائط بمذهبنا وهو قسمان: بائن ورجعي إجماعاَ وضرورة كما تدل عليه النصوص فالطلاق البائن ما ليس للزوج الرجوع إلى الزوجة بعده سواء كانت الزوجة لها عدة أو ليس لها عدا أنحاء تسعة هي:

الأول: الطلاق قبل الدخول بالمرأة.

الثاني: طلاق الصغيرة أي من لم تبلغ تسع سنين وإن دخل بها.

الثالث: طلاق اليائسة.

وهذه الثلاث التي ذكرناها ليس لها عدة.فيكون خروج هذه النساء الثلاثة عن الرجعي تخصصا لأن الرجعة لابد وأن تكون في العدة وقد عرفت أنه لا عدة لهذه الثلاثة.

الرابع والخامس: طلاق الخلع والمباراة مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت وإلا كانت له الرجعة وسيأتي إن شاء الله تفصيل الكلام في طلاق الخلع والمباراة.

السادس: الطلاق الثالث إذا وقع منه رجوعان في البين كما سيأتي تفصيله إن شاء الله.

ويتحقق الرجوع بين الطلاق الأول والطلاق الثاني وبين الطلاق الثاني والطلاق الثالث، وأما إذا وقعت الطلقات الثلاثة متوالية بلا رجعة صحت ووقعت طلاقا ً واحداً كما مرّ تفصيله فيما سبق.

وهنا مسائل: الطلاق الثلاثي

المسألة الأولى: إذا طلقها ثلاثاً مع تخلل رجعتين بينها حرمت عليه ولو بعقد جديد كتاباً وسنة وإجماعاً فلا يصح حينئذ الرجوع إليها حتى تنكح زوجاً غيره، قال سبحانه وتعالى: ((حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ)) (1) وفي خبر أبي بصير يسأل الصادق (عليه السلام) عن الذي يطلق ثم يراجع ثم يطلق ثم يراجع ثم يطلق قال (ع): (لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره فيتزوجها رجل آخر فيطلقها على السنة ثم ترجع إلى زوجها الأول) (2)

ومثله روايات عديدة في هذا المجال وعليه فإذا طلق الزوج زوجته ثلاثة مع تخلل رجعتين حرمت عليه ولو بعقد جديد ولا تحل له الا بعد أن ينكحها زوج آخر فإذا نكحها الزوج الآخر ثم فارقها سواءً فارقها بموت أو طلاق وانقضت عدة الطلاق جاز للأول نكاحها ثانية وذلك لظاهر الكتاب الكريم والإجماع مع إنه مطابق للعمومات حينئذ لوجود مقتضى لنكاح الزوج الأول وفقدان المانع عنه فعن الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير قال: (المرأة لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره التي تطلق ثم تراجع ثم تطلق ثم تراجع ثم تطلق الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره إن الله يقول: ((الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ)) (والتسريح هو التطليقة الثالثة).

وفي خبر عبد الله بن عقيل بن أبي طالب قال: (اختلف رجلان في قضية علي (عليه السلام) وعمر في امرأة طلقها زوجها تطليقه أو اثنتين فتزوجها آخر فطلقها أو مات عنها فلما انقضت عدتها تزوجها الأول فقال عمر: هي على ما بقي من الطلاق فقال علي (عليه السلام): سبحان الله يهدم الثلاث ولا يهدم واحدة).

وكيف كان فإن في التحليل لا بد من مراعاة الشروط الآتية في المحلل التي سنتعرض إليها.

المسألة الثانية: كل امرأة إذا استكملت الطلاق ثلاثاً مع تخلل رجعتين في البين حرمت على المطلق لأطلاق الأدلة الواردة في هذا الشأن حتى تنكح زوجا غيره للأدلة الثلاثة التي تقدمت سواء واقعها بعد كل رجعة وطلقها في طهر آخر غير طهر المواقعة وهذا ما يقال له طلاق العدة إجماعا ونصاً أم لم يواقعها قال أبو جعفر (ع): في صحيح زرارة (وأما طلاق العدة الذي قال عنه الله عز وجل (فطلقوهن لعدتهن و أحصوا العدة) فإذا أراد الرجل منكم أن يطلق امرأته طلاق العدة فلينتظر بها حتى تحيض وتخرج من حيضها ثم يطلقها تطليقة من غير جماع بشهادة شاهدين عد لين ويراجعها من يومها ذلك إن أحب أو بعد ذلك بأيام قبل أن تحيض وليشهد على رجعتها ويواقعها حتى تحيض فإذا حاضت وخرجت من حيضها طلقها تطليقه أخرى من غير جماع وليشهد على ذلك ثم يراجعها متى شاء قبل أن تحيض ويشهد على رجعتها ويواقعها وتكون معه حتى تحيض الحيضة الثالثة فإذا خرجت من حيضتها الثالثة طلقها التطليقة الثالثة بغير جماع وليشهد على ذلك فإذا فعل ذلك فقد بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره،قيل له وإن كانت مما لا تحيض؟ فقال مثل هذه تطلق طلاق السنة).

فهذا الحديث ظاهر في أن طلاق العدة متقدم بأمرين:

الأمر الأول: أن يكون الرجوع لخصوص الرجعة دون العقد.

الأمر الثاني: المواقعة بعد كل رجوع وطلاق السنة أعم من طلاق العدة إذ لا يعتبر فيه المواقعة بعد كل رجوع وكيف كان،فإنه إذا استكملت المرأة الطلاق ثلاثاَ مع تخلل رجعتين في البين حرمت على المطلق حتى تنكح زوجا َغيره سواءً واقعها بعد كل رجعة وطلقها في طهر آخر غير طهر المواقعة وهذا الذي يقال له طلاق العدة أم لم يواقعها سواء وقع كل طلاق في طهر أم وقع الجميع في طهر واحد لا طلاق أدلة طلاق السنة الشامل لكل منهما مضافاً إلى الإجماع.

فلو طلقها الزوج مع الشرائط ثم راجعها ثم طلقها ثم راجعها في مجلس واحد حرمت عليه لما تقدم من قول الصادق (عليه السلام) (لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره)

هذا فضلا ًعما إذا طلقها ثم راجعها ثم طلقها حتى حاضت وطهرت ثم طلقها وراجعها ثم تركها حتى حاضت وطهرت ثم طلقها لما مرّ من الأدلة الشاملة لجميع ذلك.

  • العقد الجديد بحكم الرجوع

المسألة الثالثة: العقد الجديد بحكم الرجوع في الطلاق إجماعا ًونصوصاً منها صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام) (في رجل طلق امرأته ثم تركها حتى انقضت عدتها ثم تزوجها ثم طلقها من غير أن يدخل بها حتى فعل ذلك بها ثلاثا،قال (ع) لا تحل له حتى تنكح زوجا ًغيره ويقتضيه إطلاق قوله تعالى أيضاً: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)).

وكيف كان فلو طلقها ثلاثاً بينها عقدان مستأنفان حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره لا لإطلاق ما تقدم من الكتاب والسنة والإجماع الشامل لذلك سواء ً لم تكن لها عدة كما إذا طلقها قبل الدخول بها ثم عقد عليها ثم طلقها ثم عقد عليها ثم طلقها أم كانت ذات عدة وعقد عليها بعد انقضاء عدتها كل ذلك لما مرً من الإطلاقات السابقة.

  •  يكفي موت المحلل في التحليل للزوج الأول

المسألة الرابعة: المطلقة ثلاثاً إذا نكحت زوجاً آخر و فارقها بموت أو طلاق حلت للزوج الأولوجاز له العقد عليها  بعد إنقضاء العدة من الزوج الثاني فإذا  طلقها ثلاثاً حرمت عليه حتى تنكح زوجاً آخر وإن كان ذلك الزوج الثاني في الثلاثة الأولى  فإذا فارقها حلت للأول فإذا عقد عليها وطلقها ثلاثا  حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره أيضا  وهكذا تحرم عليه بعد كل طلاق ثالث و تحل له أيضا ًلكن بعد نكاح بغيره وإن طلقت بعد ذلك،وتدل عليه النصوص من الكتاب المبين.

فالأقسام المتصورة في المقام ثلاثة وذلك لأن الطلاق الصحيح إما واحد أو متعدد والأول منهما إما بائن أو رجعي وتقدم ما يتعلق بهما.

وأما الثاني: فأقسام ثلاثة، وجميعها يحتاج في حلية الزوجة في الطلاق الثالث إلى محلل.

الأول: إذا طلقها فخرجت من العدة ثم نكحها من جديد بعقد جديد ثم طلقها وتركها حتى انقضت العدة ثم استأنف نكاحها كذلك ثم طلقها ثالثة حرمت منه حتى تنكح زوجاً غيره فإذا فارقها واعتدت جاز للزوج الأول مراجعتها ولا تحرم هذه في التاسعة ولا يهدم تزويجها تحريمها في الثالثة للإجماع وإطلاق الأدلة.

الثاني: أن يكون الطلاق طلاق العدة بأن طلقها ثم راجعها وواقعها ثم طلقها في طهر آخر وهكذا فعل ثلاثا ًحرمت عليه، فإذا حلت للمطلق بنكاح زوج آخر ثم عقد عليها ثم طلقها كالثلاثة الأولى ثم حلت بمحلل آخر ثم عقد عليها ثم طلقها ثلاثاً كالأولين حرمت عليه أبداً فيعتبر فيه أمران تخلل رجعتين ولا يكفي غيرهما كما فعل سابقاَ فيوجب حينئذ الحرمة الأبدية.

الثالثة: أن يطلق ثلاثاً بالشروط المتقدمة فتحرم الزوجة حرمة مؤقتة لا أبدية. بمعنى تحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره كما عرفت تفصيله، نعم لو طلقت تسعاً طلاق العدة بالتفسير الذي أشرنا إليه حرمت أبداً وذلك بأن طلقها ثم راجعها ثم واقعها ثم طلقها في طهر آخر ثم راجعها ثم واقعها ثم طلقها في طهر آخر وهذا هو طلاق العدة فإذا حلت للمطلق بنكاح زوج آخر ثم عقد عليها ثم طلقها كالثلاثة الأولى ثم حلت له بمحلل آخر ثم عقد عليها ثلاثا كالأوليتين حرمت عليه أبدا ًإجماعاً ونصوصاً ومن هذه النصوص قول الرضا (ع): في موثقة محمد بن سنان: (وعلة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحل له أبداً عقوبة لئلا يتلاعب بالطلاق فلا يستضعف المرأة ويكون ناظراً في أموره متيقظاً معتبراً وليكن ذلك مؤيساً لهما عن الاجتماع بعد تسع تطليقات)

وكيف كان فان التحريم بعد الطلاق التاسع فيه نوع تلأديب للأزواج الذين ربما يستفيدون من كون الطلاق بيدهم فيتلاعبون بمصير المرأة و يجعلون زواجها ونكاحها ألعوبة بيديهم فلذا حكم الشارع الحكيم بأن الطلاق إذا وصل إلى التاسعة بعد ذلك تحرم عليه أبدا ًلتكون المرأة حرة من هذا التلاعب.

وبالجملة إنما توجب التسع طلقات الحرمة المؤبدة إذا وقع طلاق العدة ثلاث مرات ويعتبر فيه أمران حسب ما ورد في الإجماع بل والنصوص التي منها خبر أبي بصير (سأل الصادق (عليه السلام) عن الذي يطلق ثم يراجع ثم يطلق ثم يراجع ثم يطلق قال (ع): لا تحل له حتى تنكح زوجا ًغيره فيتزوجها رجل آخر فيطلقها على السنة ثم ترجع إلى زوجها الأول فيطلقها ثلاث تطليقات وتنكح زوجا ًغيره ثم ترجع إلى زوجها الأول فيطلقها ثلاث مرات على السنة ثم تنكح فتلك التي لا تحل له أبداً).

فهذا الخبر ظاهر في اشتراط تخلل رجعتين في البين وفي رواية جميل بن دراج عن الصادق (عليه السلام) (إذا طلق الرجل المرأة فتزوجت ثم طلقها زوجها فتزوجها الأول ثم طلقها فتزوجت رجلاً ثم طلقها فتزوجها الأول ثم طلقها الزوج الأول فإذا طلقها على هذا لم تحل له أبداً).

وفي هذا المعنى روايات متعددة والمستفاد من مجموعها بعد ردّ بعضها إلى بعض بقرينة الإجماع اعتبار أمرين في هذه المسألة هما:

التخلل برجعتين والمواقعة على ما سنبينه ويظهر من هذا عدم الوجه فيما ورد عن صاحب الجواهر (رضوان الله عليه) من أنه لا يستفاد من هذه الأخبار اعتبار المواقعة، إذ أن المجموع من حيث المجموع من حيث الروايات ربما يفيدنا ذلك.

وبالجملة إنما تفيد التسع طلقات الحرمة المؤبدة إذا وقع طلاق العدة ثلاث مرات ولكن يعتبر فيه أمران:

أحدهما: تخلل رجعتين فلا يكفي وقوع عقدين مستأنفين ولا وقوع رجعة وعقد مستأنف في البين.

الثاني: وقوع المواقعة قبلاً كانت أو دبرا ًبعد كل رجعة اثنتان منها رجعية وواحدة منها بائنة كما عرفت من النصوص فإذا وقعت ثلاثة منه حتى كملت تسع طلقات حرمت عليه أبداً هذا والأحوط الاجتناب عن المطلقة تسعاً مطلقاً وإن لم تكن الجميع طلاق العدة وذلك تمسكاً ببعض الإطلاقات وذهاب بعض الفقهاء إليه.

المسألة الخامسة: إنما يوجب التحريم الطلقات الثلاث إذا لم تنكح في البين زوجاً آخر وأما إذا تزوجت بالغير انهدم حكم ما سبق وتكون كأنها غير مطلقة وذلك لقوله تعالى (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا ًغيره) في الثلاثة أما بالنسبة إلى الواحدة فبالفحوى يهدم ويستفاد من  الأخبار الكثيرة منها موثق رفاعة عن الصادق (عليه السلام) (سألته عن رجل طلق امرأته حتى بانت منه وانقضت عدتها ثم تزوجت زوجاً آخر فطلقها أيضاً ثم تزوجها زوجها الأول أيهدم ذلك الطلاق الأول قال (عليه السلام): نعم).

ومنها خبره الآخر عن الصادق (عليه السلام) (سألته عن المطلقة تبين ثم تتزوج زوجاً غيره قال (عليه السلام): انهدم الطلاق).

ومنها خبره الثالث (قلت لأبي عبد الله (ع): رجل طلق امرأته تطليقة واحدة فتبين منه ثم يتزوجها آخر فيطلقها على السنة فتبين منه ثم يتزوجها الأول على كم هي عنده؟ قال: على غير شيء).

بمعنى أن الطلاق السابق لا يحسب شيء.ومن هنا قلنا إن تزوجت بالغير انهدم حكم ما سبق وتكون كأنها غير مطلقة ويتوقف التحريم على إيقاع ثلاث طلقات مستأنفة لا صالة عدم التحريم الذي يحتاج إلى تخلل زوج آخر إلا أن يتحقق سببه.

  • شرائط التحليل

المسألة السادسة: عرفت مما تقدم أن المطلقة ثلاثاً تحرم على المطلق حتى تنكح زوجاً غيره ويعتبر في زوال التحريم به أمور ثلاثة:

الأمر الأول: أن يكون الزوج المحلل بالغاً فلا اعتبار بنكاح غير البالغ وإن كان مراهقا ًوذلك لإستصحاب بقاء الحرمة حينئذ ، للشك في صحة التمسك بالإطلاق والإجماع بل والنص فعن أبي الحسن الرضا (ع) في خبر علي بن الفضل الواسطي قال: (كتبت إلى أبي الحسن الرضا (ع) ، رجل طلق امرأته الطلاق الذي لا تحل له به حتى تنكح زوجاً غيره فتزوجها غلام لم يحتلم قال (ع): لا حتى يبلغ).

الأمر الثاني: أن يطأها قبلاً وطياً موجباً للغسل وذلك لأصالة عدم حصول التحليل إلا بمثل هذا الوطي بعد عدم صحة التمسك بالإطلاقات هذا مضاناً للإجماع والنصوص الدالة على ذوق العسيلة الظاهرة في الدخول في القبل بلا شك وريب،ففي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) في حديث: (فإذا طلقها ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره فإذا تزوجها غيره ولم يدخل بها وطلقها أو مات عنها لم تحل لزوجها الأول حتى يذوق الآخر عسيلتها). وفي خبر سماعة قال) سألته عن رجل طلق امرأته فتزوجها رجل آخر ولم يصل إليها حتى طلقها أتحل للأول، قال (ع): لا حتى يذوق عسيلتها).

والروايات في هذا متظافرة والمقصود من العسيلة إما لذة المواقعة أو إنزال المرأة بعد الالتذاذ على ما بيناه سابقاً، وحينئذ يرد السؤال هنا: هل يتحقق التحليل بوطأ المحلل دبراً أم لا؟

احتمالان في المسالة:

الاحتمال الأول: أن نقول بأن المراد بالإطلاقات التي تقول بأن الدبر أحد المأتيين وأصالة المساواة بين القبل والدبر إلا ما خرج بالدليل أن الوطي دبراً محلل أيضاً 

الاحتمال الثاني: وهو عدم الكفاية في كون الوطي دبرا ًمحللا ًأم لا؟ وحينئذ يستصحب بقاء الحرمة.

ويؤيده التشديد الذي صنعه الشارع على الأزواج الذين يتلاعبون بالطلاق، كما عرفته مما تقدم من الروايات

وربما يمكن التفصيل أيضاً لأنه إن كان المراد بالعسيلة الواردة في الروايات هو لذة المواقعة، وهي تشمل الوطي في الدبر أيضا ًكما تشمل القبل،وإن كان المراد بالعسيلة إنزال المرأة بعد التلذذ فالظاهر أن هذا مختص بالقبل فلا يشمل الدبر على تأمل في البين.

وكيف كان فإن الأمر الثاني الذي يعتبر في التحريم هو أن يطأها الزوج المحلل قبلاً وطياً موجباً للغسل وذلك بغيبوبة الحشفة في فرجها أو مقدار الحشفة من مقطوعها أو مقطوع الذكر أو ما أشبه ذلك للإطلاق الشامل لمقطوعها.

فهل يعتبر الإنزال بعد الوطي ؟ فيه إشكال والأحوط اعتباره وذلك لقول نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله) (في امرأة رفاعة القرطي قالت: كنت عند رفاعة فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنه طلقني قبل أن يمسني وأنا معه مثل هتفة الثوب فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟! : لا ، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك).

وتقدم قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح التعبير بذلك كما عرفت.

وحيث أن ذوق العسيلة مردد بين لذة الجماع وبين الإنزال، والأول معلوم والثاني مشكوك فيرجع فيه إلى الأصل ويحتمل إرادتهما معا ًأيضاً ولهذا الاحتمال قلنا بالاحتياط ، فتأمل

الأمر الثالث: أن يكون العقد دائماً لا متعة ، وذلك للأصل وللإجماع والنصوص التي منها ما عن أحدهما (عليهما السلام) (سألته عن رجل طلق امرأته ثلاثاً ثم تمتع منها رجل آخر هل تحل للأول ؟ قال: لا ).

وفي موثق هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في رجل تزوج امرأة ثم طلقها فبانت ثم تزوجها رجل آخر متعة ،  هل تحل لزوجها الأول ؟ قال : لا حتى تدخل فيما خرجت منه) أي تدخل في زواج دائم إلى غير ذلك من الروايات.

ويمكن دعوى الانسباق من قوله سبحانه وتعالى ((حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ)) وكذا لا يصح التحليل بالعقد الفاسد أو الوطي بالشبهة لعدم صدق الزوج الوارد في الكتاب بقوله تعالى: ((حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ)) مضافاً إلى السنة.

  • الجنون لا يمنع التحليل

المسألة السابعة: لا فرق في المحلل بعد جامعيته للشرائط أن يكون عاقلاً أو يكون مجنوناً فحينئذٍ يصح أن يكون التحليل ولو كان الزوج مجنوناً لإطلاق الأدلة الشامل للمجنون أيضاً إذا كان العقد بإذن وليه أو كان المجنون إدواريا ووقع في حال صحوه، ووقع الدخول في حال الجنون ولكن لو أراد المجنون الطلاق فلا يصح منه إلا بمراجعة الولي أو المراجعة إلى الحاكم الشرعي لأن له السلطة على مثل ذلك.

  • لو لم يقدر المحلل على الدخول

المسألة الثامنة: لو لم يقدر المحلل على الدخول لعنن فيه أو مرض أو نحوه لا يقع به التحليل لما مرّ من اعتبار الدخول وقوله (صلى الله عليه وآله): (حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك).

وكذا إذا كان المحلل ليس له شهوة كالخصي ونحو ذلك وإن كان مع الدخول لظهور الروايات المتقدمة في ذلك لما مرّ من قوله (صلى الله عليه وآله) ويشهد له خبر محمد بن زرارة قال: (سألت الرضا (ع) عن الخصي يحلل؟ قال: لا ).

بناء على أن المراد به من ليس له شهوة أصلاً وأما أن حصل منه شهوة وتحققت سائر الشرائط فالظاهر أنه يحصل به التحليل وحينئذٍ ينبغي حمل الروايات المانعة على محامل أخرى.

هذا ما ذهب إليه بعض الفقهاء منهم السيد السبزواري (رحمه الله) في مهذب الأحكام.

  • لو كان المحلل غير مسلم

المسألة التاسعة: لو كانت المطلقة مسلمة والمحلل غير مسلم لم يقع به التحليل وذلك لأن من شرائط التحليل أن يكون العقد شرعياً وعقد الكافر على المسلمة غير شرعي ولذا لا يقع به التحليل ولو طلقت الزوجة الذمية ثلاثاً ثم تزوجت ذميا ًآخر وبانت منه بعد الوطي يقع التحليل به فيصح حينئذٍ للزوج الأول أن يتزوجها ثانية للعمومات والإطلاقات الشاملة للمقام وغيره من أحكام الكفار.

  • إذا ادعت الزوجة التحليل

المسألة العاشرة: إذا طلقها ثلاثاً وانقضت مدة فادعت المرأة أنها تزوجت وفارقها زوجها الثاني ومضت عدتها واحتمل صدقها،صدقت بكلامها ويقبل قولها بلا يمين وهذا الكلام منسوب إلى المشهور لما عن الصادق (عليه السلام) في الصحيح (في رجل طلق امرأته ثلاثاً فبانت منه فأراد مراجعتها فقال لها: إني أريد مراجعتك فتزوجي زوجاً غيري، فقالت قد تزوجت زوجاً غيرك وحللت لك نفسي أتصدق ويراجعها وكيف يصنع؟ قال: إذا كانت المرأة ثقة صدقت في قولها).

بناءاً على أن المراد بالثقة هنا هو احتمال صدقها أو كيف كان فإن المرأة إذا ادعت بأنها تزوجت من المحلل وقد فارقها المحلل صدقت بقولها بلا يمين فيجوز للزوج الأول أن ينكحها بعقد جديد ولا يجب عليه البحث والتحرّي والأحوط الاقتصار على ما لو كانت المرأة ثقة وأمينة.

  • إذا ادعت المرأة الدخول

المسألة الحادية عشرة: لو ادعت المرأة الدخول ولم يكذبها المحلل صدقت وحلت للزوج الأول للإجماع، ولأن هذا المورد من الموارد التي لا يعلم إلا من قبلها والمفروض أن المحلل هنا لم يكذبها فيقبل قولها وأما إذا كذّبها فلايبعد قبول قولها أيضاً لأنها بمنزلة ذي اليد ولتعذر إقامة البينة في مثل هذه الموارد لكن الأحوط الاقتصار على صورة حصول الاطمئنان بصدقها لكون الاطمئنان من الحجج المقبولة السائرة في الفقه. أما لو ادعت الإصابة ثم رجعت عن قولها فإن كان الرجوع قبل أن يعقد الزوج الأول عليها لم تحل له للاستصحاب وإجماع الأصحاب وإن كان بعد العقد عليها لم يقبل رجوعها لأن هذا الرجوع يصبح في حق الغير إلا مع ثبوته بحجة معتبرة.

  • لا فرق في التحليل بين الوطي الحلال أو الحرام

المسألة الثانية عشر: لا فرق في الوطي المعتبر في المحلل بين الوطي المحرم والوطي المحلل لظهور الإطلاق ولأن المقام من الوضعيات التي لا فرق فيها بين الحلية و الحرمة وعليه فلو وطأها زوجها المحلل وطياً محرما كما لو وطأها في حال الإحرام أو وطأها في الصوم الواجب أو وطأها في حال الحيض ونحو ذلك كفى حصول التحليل للزوج الأول لوجود المقتضي للتزويج وفقد المانع عنه،نعم يكون الزوج المحلل قد ارتكب الحرام بهذا الوطي وهي تكون أيضاً آثمة إذا طاوعت وكان بإرادتها.

  • لو شك في إيقاع الطلاق

المسألة الثالثة عشرة: لو شك الزوج في إيقاع أصل الطلاق على زوجته لم يلزمه الطلاق لأصالة البراءة عن وجوبه ولحصول الإجماع على عدم وجوبه بل يحكم ظاهراً ببقاء علقة النكاح وذلك للاستصحاب في بقاء علقة النكاح والزوال يحتاج على دليل وقطع ولو علم بأصل الطلاق وشك في عدده بنى على الأقل لما أثبتوه في الأصول من أنه عند دوران الأمر بين الأقل والأكثر يؤخذ بالأقل لأنه المتيقن.

والثاني أي الأكثر يحتاج إلى دليل معتبر والمفروض انتفاؤه.

وما نحن فيه من هذا القبيل أيضاً لأنه إذا دار أمره بين أن يكون قد أوقع طلاقاً متعدداً ولنفرض الطلاق الثالث أو أوقع الطلاق الثاني أو الأول فالزيادة مشكوكة فلا يعتني بها سواء كان الطرف الأكثر الثلاث أم التسع ولا يحكم مع الشك بالحرمة غير المؤبدة في الأول والحرمة الأبدية في الثاني وذلك لأن خصوصية هذه الحرمة تكون مشكوكة فيرجع فيها إلى الأصل عند عدم الدليل عليها والأصل هو البراءة، نعم لو شك بين الثلاث والتسع يشكل البناء على الأول بحيث تحل له بالمحلل وذلك لوجود الأصل الموضوعي في البين الحاكم على الأصل الحكمي وهو استصحاب الحرمة وقد فصل هذه المسألة العلماء في الأصول ولا مجال لبيانها هنا.

  • لو ارتد الزوج المحلل

المسألة الرابعة عشرة: لو ارتد المحلل بأن خرج من الإسلام إلى الكفر فإن كان ذلك قبل الوطي فلا يتحقق التحليل وإن كان بعده حصل التحليل أما الأول فلإنفساخ النكاح حينئذٍ وظهور أدلة  التحليل في كون الزوجية باقية حين الوطي وأما إذا كان الارتداد بعد الوطي يتحقق التحليل فلوقوع التحليل جامعاً للشرائط والإنفساخ حصل بعده فتشمله الإطلاقات والعمومات.

  • لو شك في نوع الطلاق

المسألة الخامسة عشرة: لو طلق زوجته ثم شك أن الطلاق الذي أوقعه من الطلاق الرجعي أو البائن،لا يجوز له الرجوع إليها إلا بعقد جديد، وفي النفقة لابد من مراضاتهما عليها وذلك لأن مقتضى الاحتياط في التكليف المردد بين المتباينين مع وجود العلم الإجمالي هذا إذا لم يكن من الطلاق الثالث وإلا ففيه تفصيل.

  • إذا كان الطلاق ضررياً

المسألة السادسة عشرة: إذا كان الطلاق موجباً للضرر نفساً على الزوجة ففي جوازه إشكال وذلك لجهة كونه تسبيباً للإضرار بالغير حينئذٍ فلا يجوز إذ أدلة لا ضرر ولا ضرار تشمله ومن جهة إمكان دعوى شمول أدلة الطلاق وأن الطلاق بيد من أخذ بالساق وولاية الزوج على الطلاق حتى في مثل هذه الصورة لأن الإطلاقات جارية فيجوز له إيقاعه ولو تضررت الزوجة نفساً أو تحرجت من ذلك.

فعلى كل حال إذا كان الطلاق موجباً للضرر للزوجة أو موجباً للحرج، ففيه احتمالان:

قد يقال بالجواز وقد يقال بعدمه، نعم لو كان الإضرار بالزوجة ليس من جهة الطلاق بل من حيث النفقة أو من حيث السكنى أو نحو ذلك، فحينئذٍ لا إشكال في جوازه لأن رفع تلك الأضرار وتداركها يجب أن يكون من بيت المال حينئذٍ وإلا يجب على سائر المسلمين فرض كفاية.

  • لو ادعت وقوع الطلاق حال المرض

المسألة السابعة عشرة: لو ادعت المطلقة أن الطلاق وقع في حال المرض الذي انتهى به إلى الموت وأنكر الوارث ذلك يقدم قول الوارث لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه إلا إذا ثبت بالبينة ونحوها أن الطلاق وقع في حال المرض ولا يلحق بمرض الموت ، الموت  بالحوادث كالغرق والحبس والأسر والدهس والمصادمات وسقوط الطائرة ونحو ذلك للأصل بعد الشك في شمول الدليل له . ولو ادعت المطلقة أن زوجها طلقها وأنكر الزوج الطلاق فالقول قوله مع اليمين لأصالة عدم الطلاق إلا مع البينة عليه والمفروض عدم البينة وأما القول باليمين فلأنه لفصل الخصومة ظاهراً .

  • كراهة طلاق المريض

المسألة الثامنة عشر: تقدم منا كراهة أصل الطلاق وتتأكد الكراهة للمريض على المشهور المدعى عليه الإجماع مضافاً إلى قول الصادق (عليه السلام) في رواية زرارة: (ليس للمريض أن يطلق وله أن يتزوج) لكنه إن طلق صح ويترتب عليه جميع أحكامه لإطلاقات الأدلة وحينئذٍ يرث زوجته ما دامت بالعدة الرجعية وترثه هي سواء كان طلقها بائنا أم رجعياً ما بين الطلاق وسنة ، أما الأول فلأنها كالزوجة في الأحكام إذ في حالة العدة الرجعية متشبثة بالزوجية والعلقة الزوجية باقية ولذلك يجوز له الرجوع إليها وعليه فلأن المرأة المطلقة في حال العدة كالزوجة فتشملها الأحكام ومنها الإرث هذا مضافاً إلى النصوص الخاصة التي منها صحيح زرارة قال (سالت أبا جعفر (ع) عن الرجل يطلق المرأة قال (ع): ترثه ويرثها مادام له عليها رجعة)، والروايات في هذا متظافرة.

وأما الثاني: فللإجماع والنصوص الخاصة أيضاً والتي منها موثق عبيد بن زرارة عن الصادق (عليه السلام) قال :  سألته عن رجل طلق امرأته وهو مريض حتى مضى لذلك سنة  قال (ع): ترثه إذا كان في مرضه الذي طلقها لم يصح بين ذلك ) .

وعن الصادق (عليه السلام) في رواية أبي العباس ( إذا طلق الرجل المرأة في مرضه ورثته مادام في مرضه ذلك وإن انقضت عدتها إلا أن يصحَ منه قلت فإن طال به المرض؟

قال: ما بينه وبين سنة ) .

إلى غير ذلك من الروايات طبعاً ما لم تتزوج ولم يبرأ الرجل من مرضه الذي طلقها فيه لما عرفته من النصوص فلو برأ بعده ثم مرض ثانية ومات لم ترثه إلا في العدة الرجعية.

ــــــــــــــ

الهامش

1ـ البقرة آية 230.

2ـ البحار ج 154، ص 155، رواية 65.