mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 25.doc

بسم الله الرحمن الرحيم

نواصل حديثنا عن أحد الدوافع الحيوية المركبة في الإنسان ألا وهو الدافع الجنسي لملاحظة العمليات التربوية التي رسمها الإسلام في تنظيم هذا الدافع مقارناً بالتصور الأرضي له، وقد بدأنا بالحديث عن هذا الجانب فذكرنا أولاً المهمة الموضوعية للجنس متمثلة في كونها مجرّد وسيلة لاستمرارية التناسل البشري من حيث ؟؟؟ ذلك بالمهمة العبادية للكائن الآدمي، بعد ذلك أوضحنا طبيعة التصور الأرضي أو العلماني في هذا الجانب وقلنا أن التصور الأرضي لم يقف عند نقطة يتفق عليها بقدر ما خلط في هذه الاتجاهات المتنوعة لتفسير مهمة الجنس، وتقدمنا ببعض الأمثلة لهذا التفسير وكان الحديث ينصب على نمطين من السلوك الجنسي، أحد هذين النمطين يعد وكأنه سلوك عادي جداً كالمحادثة والنظر والعلاقة والصداقة وو.. الخ. وأما النمط الآخر فيتمثل في الممارسة الجنسية بنمطيها المشروع وغير المشروع.

المهم تحدثنا بالنسبة إلى النمط الأول ووقفنا عند بعض الأمثلة وكان المثال الأول الذي تحدثنا عنه هو المحادثة بين الجنسين، ويهمنا أن علماء النفس والتربية والاجتماع والطب العقلية يقرون بأن ؟؟؟ في علاقة الفرد بالآخرين تعد واحداً؟؟؟ وأن الذاتية أو الأنانية تعد مظهراً مرضياً، ؟؟؟ علاقتنا مع الآخرين تأخذ سمتها السوية بقدر ما نتعامل بموضوعية مع الظاهرة لا بقدر ما تجر إلينا من نفع، وقلنا إن كلاً من الجنسين منبه حيال استجابة الآخر كما أنه لا ينفصل صوت المرأة مثلاً عن شكلها أو حركتها أي أن المرأة مثير جنسي تشكل ؟؟؟؟ أو شكلاً موحداً في مجمل سلوكها الشخصي، وقلنا أن انطلاق كل من الرجل والمرأة في سلوكهما من منبه جنسي حيال الآخر سوف يجعل دلالة الإنسان وكأنها تغيب تماماً من أعماقه لأن التعامل هنا لن يكون موضوعياً بقدر ما يكون جنسياً، وضربنا أمثلة عادية من حياتنا اليومية وقلنا مثلاً إن الموظف أو المدرس أو البائع قد لا تستحثه أية ضرورة على أن يحادث المرأة في دائرته أو قاعته أو محله أو قد يتطلب الموقف جملة كلمات لا أكثر، إلا أن كلاً من هؤلاء يفتعل أكثر من حديث ويطيل الكلام تحت تأثير المنبه الجنسي، في حين ينطفأ لديه مثل هذا المنبه عندما يواجه رجلاً أو امرأة قبيحة على سبيل المثال، كل ذلك يتم من خلال غياب عام لدلالة الإنسان في أمثلة هذا التعامل الذي يستجر نفعاً للذات متجسداً في أكثر من مفارقة واحدة في ميدان السلوك. ومنها ما ينسحب على الآخرين ومنها ما ينسحب على المتحدث نفسه، فالآخرون وهم يجدون إهمالاً من الموظف أو المدرس أو البائع قبالة اهتمام ذلك المدرس أو الموظف أو البائع الذي يخلعه على المرأة سيترك لديهم استجابة مؤلمة تغيب من خلال ذلك دلالة الإنسانية التي يتوقعونها من تعامل المدرس أو البائع أو الموظف، مما ينسحب على استجابتهم حيال القيم التي يؤمنون بها في الحياة، حيث تشكل القيم المعنى الوحيد لدلالة الإنسان الذي ؟؟؟ عن ؟؟؟ الأخرى.

وأما ما ينسحب على الشخصية ذاتها فيكفي أنها تسل الشخصية من دائرة إنسانيتها إلى مجرد مخلوق يحوم على ذاته وإشباعها طليقة من أية قيمة بشرية، فضلاً عما يستتبع الانصياع إلى الحاجة الجنسية من تمزق وتوتر سنتحدث عنها بعد قليل.

المهم أن التصور الإسلامي لهذه الظاهرة يتجه إلى معالجتها وفقاً لمحددات السوية التي يحرص الإسلام على أن تتوفر لدى الكائن الآدمي، حيث يمنع كل أنماط المحادثة بين الجنسين مما لا ضرورة موضوعية له، فنجد أن النبي (ص) مثلاً يحذرنا من نتائج المحادثة الصرفة وانعكاسها على ميدان الصحة النفسية مشيراً إلى أن المحادثة بين الجنسين تميت القلب، بمعنى أنها تمسح من أعماق الشخص دلالته الإنسانية وتحيله إلى كائن بلا مضمون، كما أن إشارة النصوص الإسلامية إلى أن المرأة ؟؟ وعورة تفصح عن وحدة المنبه الجنسي الذي تجيء المحادثة واحدة من إفرازات هذا المنبه، وإن مجرد الاستماع إلى الصوت كافٍ في تفجير الإثارة الجنسية، ولستم ببعيدين عن القرآن الكريم وهو يشير بوضوح إلى طابع المرض النفسي الذي يسم المستمع إلى صوت المرأة عبر هذه الآية التي تطالب المرأة بعدم ؟؟؟ صوتها حتى لا يستجيب لها الشخص استجابة مرضية شاذة، يقول الله سبحانه وتعالى: (فلا ؟؟ بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) هذا إلى أن ثمة نصاً إسلامياً لا يشجع الشخصية حتى على مجرد التحية أو السلام حتى لا يتدخل الجواب، أي حتى لا يتدخل صوت المرأة بصفته منبهاً جنسياً في استجابة الشخص حيال ؟؟؟ أي قد يتأثر بالصوت جنسياً فيجيب أو يرد السلام استجابة غير انسانية وإنما استجابة خاضعة لمنبه جنسي، وفي هذا غيمومة لدلالة الإنسان كما قلنا.

وهذا وسواه يدلنا على أن التوصيات الإسلامية عبر حرصها على أن تصوغ الشخصية سالمة من كل الأعراض المرضية بحيث لا تسمح بأي تحامل ذاتي بين الجنسين، حتى لو كان مجرد محادثة بينهما، ما دامت المحادثة تسلخ الشخص من دائرته الإنسانية في هذا النمط من التعامل، من هنا طالبت التوصيات الإسلامية حرصاً على التمييز بين ما هو موضوعي من الكلام وبين ما هو ذاتي، طالبت الذاتي بأن لا ؟؟؟ نحو الرجل أكثر من خمس كلمات لابد منها، نستكشف من هذه التوصية جملة من الحقائق النفسية والتربوية منها أن كلاً من الجنسين يشكل منبهاً للآخر فلا ؟؟ الرجل دون المرأة أو المرأة دون الرجل وإنما الضرورة أو الموضوعية في التعامل مع الجنسين لا محظور فيهما بقدر ما ينحصر ذلك في التعامل الذاتي، وإلا لا مانع من التحادث بين الجنسين إذا كان الأمر متصلاً بما هو ضروري في مجالات الطب والشهادة وو.. الخ.

وبنحو عام يجدر بنا أن نتابع سائر أنماط التعامل المحظور إسلامياً بين الجنسين فيما نجد أن أمثلة هذا الحظر أو المنع غائبة تماماً عن بحوث الأرض وكأنها كما قلنا تمثل أنماطاً من السلوك العادي اجتماعياً، بينما نجد أن التصور الإسلامي على العكس تماماً من التصورات الأرضية حرصاً منه على ؟؟؟ الشخصية الإسلامية ؟؟ خالية من أية شائبة حينئذٍ سنجد أن التصورات الإسلامية لها فاعليتها التي نبدأ فنتحدث عنها الآن ونقول:

بالنسبة إلى مختلف أنماط التعامل المحظور وفي مقدمة ذلك بعد أن حدثناكم عن المحادثة نتحدث إليكم عن النظر وهو يطبع سلوك الأرضيين مع الأسف بنحو يتطلب الآن الوقوف عنده.

إذن لندرك العنوان الآتي وهو (النظر بين الجنسين) نقول:

لعل التصورات الأرضية متجاهلة تماماً ظاهرة النظر المتبادل بين الجنسين؛ بخاصة أن الاختلاط بين الجنسين قد تجاوزته المجتمعات الحديثة إلى الدرجة التي لا يبدو أي استعداد لديها في مناقشة هذه الظاهرة، بيد أن تجاهل هذه الظاهرة لا يمثل في واقعه إلا عملية هروب من مواجهة الواقع، وإذا كان الطب النفسي والتربوي يعد الهروب من الواقع إحدى سمات الشخصية المضطربة فإن السمة المذكورة ستنسحب على الباحث التربوي أيضاً في حالة كونه يتجاهل أثر الرؤية أو النظر المتبادل بين الجنسين وانعكاس ذلك على سلوكهما، إن إقرارنا أن كلاً من الجنسين يمثل وحدة بنائية أي ؟؟؟ بحسب مصطلح علماء النفس، من حيث عدم انفصام أجزائها ومن حيث عدهما مثيراً جنسياً لكل من الرجل والمرأة، حينئذ فإن الرؤية بصفتها أبرز مظاهر الوحدة البدائية لتعد منبهاً جنسياً يستتلي استجابة لفعالية أشد حدة من سائر الاستجابات التي تفرزها منبهات كالصوت مثلاً.

والمهم ان الاستجابة الجمالية المتصلة بالشكل أمر لا ينفيه أي باحث بقدر ما ينفي انعكاسها على الصحة النفسية بعامة وبقدر ما يحصل ذلك عند الشواذ الذين يعانون انحرافات جنسية أو لدى غير الناضجين انفعالياً، أما الأسوياء فلا ينعكس ذلك عليهم كما يزعم هؤلاء الأرضيين.

والحق أن الانحراف وعدم النضج الانفعالي يحتل موقعاً أكبر حجماً من الاستجابة الشاذة بالقياس إلى استجابة الأسوياء، لا أن الأسوياء تمر خبرتهم الانفعالية بسلام دون أن تترك أثرها السلبي في بناء الشخصية، فما دام المنبه الجنسي عاماً لدى الأرضيين وما دام المنبه الأقوى في ؟؟؟ يستتبع بالضرورة استجابة انفعالية أشد حينئذٍ فإن ؟؟؟ جميعاً أسوياءهم ومرضاهم مرشحون للاستجابة التي ألمحت النصوص الإسلامية إلى أنها أقوى أسلحة الشيطان، وألمحت بعض التصورات الأرضية إلى أنها أحد شطري التحرك البشري.

إن دافعاً يحمل مثل هذه السمة من الإلحاح لا يمكن أن نتجاهل انعكاساته التي يضئل حجمها بطبيعة الحال عند الأسوياء بالقياس إلى المرضى، لكن دون أن يفقد فاعليته لدى النمط السوي، هذا فضلاً عن أن الأسوياء سيكونون مرشحين للسقوط في المرض إذا أتيح لهم أن يتعرضوا لمنبهات جنسية تستتبع بطبيعتها عرضاً مرضياً وهذا أمر مألوف في تجاربنا اليومية التي نحياها.

أما لماذا تستجيب عرضاً مرضياً؟ فلأن الإلحاح في هذا الدافع سوف ؟؟ أن يرتبط بعادة ما بقدر ما يحاول الشخص تصريف شحنته الانفعالية من خلال ذلك، وحتى مع تشكل الرؤية وسواها عرف مقبول اجتماعياً فإن إلحاح هذا الدافع يتطلب إشباعاً كاملاً لا تحققه الرؤية المجردة نظراً لارتباط الرؤية الجمالية بكل من دافعي الجنس والعاطفة، فضلاً عن الرؤية ذاتها تتسم بكونها عابرة لا أنها ؟؟؟ اللذات التي تحققها رباط واحد هو الاتحاد بين الجنسين متمثلاً في الزواج.

إذن الرؤية تحقق شطراً من الإشباع ويبقى كل من الدوافع الأخرى المتشابكة مع الحاسة الجمالية شرطاً غير مشبع مما يستدعي توتراً نفسياً يقود الشخصية بالضرورة بوعي منها أو بغير وعي إلى أن تسقط في هاوية المرض النفسي بصفة أن التوتر الجنسي الناجم من عدم الإشباع يشكل أساساً ثالثاً لغالبية الأمراض كما هو بين.

ويلاحظ أن التوصيات الإسلامية قد ألمحت إلى سمة التوتر بعامة عبر ممارسة النظر المتبادل بين الجنسين؛ فقد أشارت إحدى التوصيات إلى أن النظر مثلاً يفتعل حسرة طويلة، وتوصية أخرى أنه يزرع في القلب الشهوة، وتوصية ثالثة أنه فتنة. فإشارة هذه النصوص إلى كل من الحسرة الطويلة والشهوة والفتنة تأكيد بالغ الدلالة على سمة التوتر النفسي لدى الناظر، وبالمقابل فإن ممارسة التأجيل حيال الظاهرة المذكورة تدفع الشخصية إلى الاحتفاظ بتوازنها الداخلي وبتماسك أشد، أشارت التوصيات الإسلامية إليه عبر ذهابها إلى أن من ترك الرؤية أو النظرة الجنسية فإن الله سبحانه وتعالى عقبه أمناً وإيماناً يجد طعمه، فالأمن الذي لوحت به التوصية المذكورة يجسد توازناً داخلياً، كما أن الإيمان بصفته تجسيداً للالتزام بمبادئ الشريعة يحقق توازناً داخلياً بعامة.

والحق إن التجارب اليومية التي نحياها كافية في تعزيز التوصيات المذكورة، فإن نظرة واحدة لامرأة جميلة مثلاً تكفي بعض الشخصيات لأن تنقلهم من توازنهم وموضوعيتهم إلى تمزق داخلي يحمل صاحب هذه النظرة على أن يتخيل موقفه من تلك المرأة واستحضار تلك النظرة أو الشكل وامتلاك هذا مساحة كبيرة من ذهنه وإشغاله عن ممارسة سلوكه الاعتيادي في الحياة وهو أمر مألوف يحياه العاشقان بنحو لا ضرورة لتأكيد الكلام عليه.

أخيراً لا نغفل من الإشارة إلى أن الحظر الإسلامي لا يخص أحد الجنسين بل كليهما، وكلنا على معرفة بموقف النبي (ص) من أم سلمة وميمونة عندما أمرهما أن يحتجبا عن ؟؟؟ وهو أعمى قائلاً لهما إن لم يركما فإنكما تريانه.

طبيعياً ثمة موافق تستتلي نمطاً من الحرج فيما يتصل بظاهرة الرؤية وسواها فقد نحدثكم عن ذلك لاحقاً ولكننا بعامة نستهدف من عرضنا لهذا التصور الإسلامي تحديد انعكاس النظرة أو المحادثة على اختلال الشخصية بغض النظر عن الاستثناءات التي يتطلبها موقف موضوعي نحدثكم عنه في حينه إنشاء الله تعالى.

على أية حال إن كلاً من المحادثة والرؤية يجسد كل واحد منهما تعبيراً عن إشباع جنسي محظور في التصور الإسلامي نظراً لما لاحظناه من استتباع أحدهما إفراغ القلب من نبضه الإنساني وجعله متمحوراً حول الذات واستتباع الآخر توتراً داخلياً ناجماً من النقص في الإشباع، مع ملاحظة أن كلاً من الذاتية والتوتر يتسابقان في العمليتين المذكورتين لتشكلان في مجموعهما وحدة سببية لا تنفصل إحداهما عن الأخرى بقدر ما يتضخم حجم أحدهما قبالة الآخر.

والآن حين نتابع سائر العلاقات التي اعتاد البحث الأرضي ومجتمعات الأرض بطبيعة الحال على ممارسة هذين الجنسين، وعدّ ذلك سلوكاً طبيعياً نلحظ أن التصور الإسلامي لها محكوم بنفس ؟؟؟ ما دامت خاضعة لسمة التمركز الذاتي وما يترتب ؟؟ من توترات داخلية يحياها الشخص، من ذلك مثلاً الاختلاء بين الجنسين؛ أي التواجد حتى بدون محادثة أو رؤية، حتى أننا لنرى أحد النصوص الإسلامية يواجهنا بهذا التحذير الحاد فتقول التوصية: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبت في موضع يسمع نفس امرأة ليست له بمحرم) كما ورد أن النبي (ص) أخذ البيعة على الجنس الآخر أن لا يقعدن مع الرجال في الخلاء. من الممكن أن ؟؟؟ من أمثلة هذه التوصيات التي قد يصعب على الجنسين تجاوزها نظراً لما يفرضه من مناخ اجتماعي بعامة من علاقات ؟؟؟ مقابل الانفرادية حيناً بين الجنسين أو أن يتقابلا في مكان خاص بعيد عن الرؤية الاجتماعية.

لكن نجد أن أدنى تأمل لهذه الظاهرة يقتادنا إلى أن ندرك مدى حرص المشرّع الإسلامي على تنقية الشخصية من أية عوارض تتصل بالتوتر أو التمركز الذاتي وتحرص بدلاً من ذلك على أن تصوغ الشخصية سالمة من أية شائبة من شوائب المرض أياً كانت درجة هذه الشائبة.

هذا إلى أن الاختلاء بين الجنسين حتى في دائرة رسمية مثلاً أو شارع أو حتى في مسجد يتسبب كما هو مألوف في خبراتنا اليومية التي نحياها في إيقاظ المنبه الجنسي، و؟؟؟؟ كل منهما من خلال غياب الرقيب الاجتماعي، وهو أمر لا يسهل ؟؟؟ التوصية الإسلامية التي تحرص على عدم إيقاظ المنبه الجنسي، يقود الجنسين إلى التمركز حول ذاتهما ومعايشة التوتر وما يستجره من صراع في هذا الصدد، بل يحرص المشرع على ؟؟؟ كل من ؟؟ الجنسية يتجاوز في الواقع ظاهرة الاختلاء بينهما إلى مطلق الملاقاة التي من الممكن أن تستثير المنبه الجنسي لأحدهما أو كليهما، ومن ذلك مثلاً التوصية التي تمنع المرأة حتى من المشي في قارعة الطريق ومطالبة ذلك بالمشي في جانبي الطريق، بل إن فاطمة الزهراء (عليها السلام) تقرر بوضوح: (خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال).

إن أمثلة هذا ؟؟؟ تدلنا على أن المشرع الإسلامي يستهدف وأد كل المنبهات الجنسية على اختلاف درجات المنبه بغية صياغة الشخصية الإسلامية سويةً تخلو من المرض حتى في أبسط مستوياته التي قد لا ينتبه الملاحظ العابر إليها، وفي مقدمة ذلك مثلاً جملة ظواهر منها ظاهرة حلم اليقظة، إن هذا العنوان (حلم اليقظة) يظل واحداً من الأشكال المتقدمة من السلوك المحظور إسلامياً، إلا أن الأشكال المتقدمة تعد عاملاً واقعياً يحياه الجنسان، فيما يقابل ذلك تعامل وهمي وهو ما يطلق عليه مصطلح (حلم اليقظة)، وحلم اليقظة بشكل عام يعد في التصورات الأرضية إحدى سمات الشخصية المضطربة في حالة ما إذا تجاوز حداً محدوداً. ولا يكاد يختلف الباحثون في تقريرهم بهذه الحقيقة إلا بقدر حجم التعامل مع الأحلام بحيث يرى البعض مثلاً أن ممارستها بشكل عابر لا يصبح ؟؟؟ للمرض النفسي، لكنه بعامة أسلوب غير صائب من حيث السلوك السوي.

إن الحالم في اليقظة يكتسب سمة المرض في التصورات الأرضية كما قلنا بصفة أن الشخصية تلجأ إلى الوهم بدلاً من مواجهة الواقع في إشباع حاجاتها، فالشخصية التي تحرم مثلاً من إشباع جنسي محدد حينئذٍ ستلجأ إلى حلم اليقظة والخيال فترسم إشباعاً لحاجتها المذكورة من خلال الوهم الذي يحياه الخيال، والمشرع الإسلامي ألمح إلى هذه الظاهرة موصياً بعدم ممارستها اتساقاً منه مع سائر الممارسات التي تحدثنا عنها، بصفة أنها جميعاً تعبير عن مظهر جنسي غير مشروع، من حيث عمليات الإشباع، وقد قدم المعصوم (عليه السلام) صورة فنية تنتسب إلى التشبيه، قدم هذا التشبيه بالنسبة إلى حلم اليقظة الجنسي بحيث شبهه بقوله (عليه السلام): (إن حال اليقظة كمن ؟؟؟ في بيت مزوّق ؟؟؟ تزاويق أفسد التزاويق الدخان وإن لم يحترق البيت) إن الصورة الفنية المتقدمة تشير بوضوح إلى دلالة المرض النفسي الذي تفرزه أحلام اليقظة الجنسية، فالزواج هو المظهر الوحيد لما هو مشروع من الممارسات، أما ممارسة العمليات الجنسية غير المشروعة ومنها التخيل لممارسة الجنسية فتشكل إفساداً لتزاويق البيت أي العمليات الجنسية المشروعة، أو دخاناً يفسد التزاويق المذكورة، لأنه من جانب إشباع غير مشروع ومن جانب آخر إشباع وهمي وكل منهما، أي الإشباع غير المنضبط لمعايير الشخصية السوية والإشباع الوهمي الذي يتجه إلى الخيال بدلاً من الواقع يعد عرضاً يفسد على الشخصية طابعها السوي أو يعد دخاناً يفسد على البيت تزاويقه.

هذا بالإضافة إلى أن التوصيات الإسلامية تحذر أيضاً من ممارسة العملية الجنسية المشروعة ولكن ؟؟؟؟ وهذا مما يشكل أيضاً تأكيداً آخر على مرضية السلوك المتخيل في هذا الميدان، فالممارسة المشروعة مع الزوجة مثلاً ولكن بشهوة امرأة غيرها لا تختلف في مظهرها عن حلم اليقظة من حيث محتواه التخيلي المنفصم عن أرض الواقع.

إذن من خلال الصورة التشبيهية التي قدمها المعصوم (عليه السلام) وهي الدخان الذي يفسد تزاويق البيت والممارسة بشهوة الخير نستخلص تصوراً إسلامياً محدداً (حلم اليقظة الجنسي) يعد ذلك امتداداً لسائر أشكال الممارسات التي تقدم الحديث عنها، كل ما في الأمر أن أحلام اليقظة بعامة قد انتبه البحث الأرضي إلى دلالتها المرضية في حين تغافل البحث الأرضي عن دلالات المرض التي تفرزها أشكال أخرى كالنظر والمحادثة والخلو والملاقاة بين الجنسين.. الخ.

والآن بعد أن حدثناكم عن جملة من مظاهر السلوك الجنسي الشاذ من خلال التصور الإسلامي نتحدث عن مظهر آخر شاذ بدوره وهو مألوف تماماً في المجتمعات الأرضية ولكنه مع ذلك قد ووفق على تقبله اجتماعياً، بيد أننا نلحظ لحسن الحظ جملة من المعاصرين قد انتبهوا إلى هذا الجانب وأشاروا إلى عدم مشروعية هذا السلوك، وحكموا ؟؟؟؟ ألا وهو السلوك بمرتبة ما يسمى الصداقة.

الصداقة عنوان نتحدث فيه عن أحد مظاهر السلوك الجنسي غير المشروع، وفي هذا الميدان نقول: تألف المجتمعات الأرضية نمطين من العلاقة بين الجنسين، أحد هذين النمطين عام لا يرتبط بالعلاقة الزوجية والآخر يشكل مقدمة لها، أما النمط الأول فإن أي شكل من أشكال الحب المتبادل بين الجنسين لا يمكن أن يجد له مشروعية في السلوك الإسلامي ما دمنا قد لاحظنا أن مجرد المحادثة والنظر والملاقاة ونحو ذلك تعد انحرافاً في السلوك بما يستتبع أمثلة هذه المواقف من وأد للجهاز القيمي و؟؟؟ لكيان الشخصية، وإذا كان التعامل العادل بين الجنسين يستتبع الجذب للقيم وتوفير النفس فإن التعامل الحاد وهو الصداقة بين الجنسين سيقترن بمفارقة أشد حجماً كما هو واضح، ومن ثم نتوقع سلفاً درجة المنع أو العرض التي سيجعلها الإسلام حيال الصداقة بين الجنسين.

إن أبرز ما يحكم جماعة الأصدقاء هو صدق العاطفة وخلوها من أية شائبة تحكم سائر العروف الاجتماعية التي تتدخل في علاقاتها مصالح ومواقف حاذرة أو دائمية إلا أنها تتمركز حول الذات بنحو رئيس، بخلاف الصداقة التي تنتمي إلى الموضوعية، موضوعية القيم الإنسانية في أبسط تحديد لها، إن الجنسين ما دام أساساً يتحركان من خلال جاذبية ذاتية حينئذٍ فإن أي انتفاء لأحد المثيرات الجنسية كاف في هدم العلاقة بينهما، وحتى في نطاق استمرارية الجاذبية الجنسية لأمد طويل أو قصير، فإنما تستتبعه وفقاً لطبيعة الدافع الجنسي من جذب للقيم و؟؟؟؟ للنفس كاف للحكم على عدم مشروعية ذلك، وقد حدد الإسلام من هذه الظاهرة موقفه بشكل حاد حينما قرر النبي (ص) وقد سئل عن العشق والعشاق قائلاً عنهم بأنهم ذوو قلوب خلت من محبة الله أغفلها بحب غيره.

وهذا التقرير من النبي (ص) إدانة واضحة لمفهوم الصداقة بين الجنسين من حيث إشارته (ص) إلى الجدب الإنساني الذي يتبع أفئدة هذا النمط من الآدميين، طبيعياً قد لا تصل درجة الانحراف بين المتصادقين إلى العشق الذي تفرز منعكساته الاجتماعية آداب الأمم المختلفة من شعر وقصة ومسرحية وو.. الخ، إلا أنها في أبسط درجاتها تشكل انحرافاً بعامة من حيث منعكساتها التي كررنا الإشارة إليها ونعني بها التوتر في النفس والجدب في القيم.

والحق أن الاهتمام بالجنس بنحو عام حتى في نطاق العلاقات المشروعة التي تحددها مبادئ الزواج يظل إفصاحاً عن نظر الشخصية إلى تجاوز الحد، فما دام الدافع الجنسي موسوماً بطابع الإلحاح بالنحو الذي لاحظناه، فإن عدم ممارسة هذا التأجيل حيال إشباعه يسل الشخصية من دائرة آدميتها التي تنفرد عن سواها بكونها خاضعة لقواعد الربط أي لكونها تمارس عملية التأجيل لشهواتها وهو مبدأ لحسن الحظ تقيم التصورات الأرضية أيضاً، ونظراً لاتسامها بالدافع الإلحاحي ؟؟ حينئذ فإن درجة انحراف الشخص وعدم ذلك تتحدد بمقدار ما يمارسه الشخص من عمليات التأجيل أو عدم ممارسته، وقد ألمح الإسلام إلى جملة من الحقائق التي تحياها تجارب الأرض في حياتها اليومية المتصلة بظاهرة الاهتمام الجنسي ومنعكسات ذلك في هذا الصدد حيث قرر في إحدى توصياته قائلاً أي المعصوم (عليه السلام) بأن من أحب النساء لم ينتفع بعيشه، وقال في توصية أخرى بأن ذلك يقتاد إلى أحد أمرين إما أن يمتلكنه أو يملّهن.

إن هاتين التوصيتين تلخصان كل ما قدمته بحوث الأرض وتجاربها من معرفة تتصل بحقول التشخيص والعلاج للظاهرة الجنسية.

إن الحقيقة النفسية التي أشار الإمام علي (عليه السلام) في التوصية الأخيرة وهي امتلاك الرجل للمرأة أو الضجر منها تلقي الإضاءة الكاملة على التوصية الأولى وهي عدم انتفاع المرء بالعيش إذا كان مشغولاً بحب المرأة، ويمكن تحديد هاتين الحقيقتين في ضوء ما يلي:

إن الضوء الرجل المعني للنساء إما أن يحقق إشباعاً في ذلك أو لا، فإذا حقق الإشباع أي إذا مارس المرأة العمليات الجنسية بنحوٍ حقق جميع إشباعه حينئذٍ سيستولي السأم عليه، والسأم يشكل في معجم علم النفس المرضي أحد أبرز المسببات أو النتائج لأكثر من عصاب أو مرض نفسي، وكيف يتحقق السأم؟

السأم بطبيعة الحال إما أن يتحقق من حالة الإحباط أساساً أو من العجز عن إدراك المعنى لإحدى ظواهر الحياة أياً كان نمطها، أو من الإشباع لأحد الدوافع التي ؟؟؟ إلى حد التخمة، فيما تفرغ الدافع من جاذبيته، بخاصة إذا كان على قدر كبير من الإلحاح كما هو شأن الدافع الجنسي. إن إلحاحية الدافع الجنسي تدفع المريض إلى إلحاح في عملية البحث عن الإشباع أيضاً، وعندما يتوفر مثل هذا الإشباع المضطرد مع إلحاح الدافع يبدأ المثير الجنسي بالانطفاء تبعاً للتخمة في الإشباع، وعندها يتحسس المريض بعبثية ؟؟؟ الجنسي ولا معناه، إلى الدرجة التي يدب الملل إليه فيفقده بذلك ليس متعة الدافع الجنسي فحسب، بل ينسحب على مجمل استجابته لدوافع الحياة المختلفة، وبمقدور القارئ أن يلحظ منعكسات ذلك في الآثار الأدبية المعروفة التي تناولت أدب الجنسي في إفرازاته المتصلة بظاهرة السأم من الإشباع الجنسي في المجتمعات المنحرفة التي لا يحدها قيد ولا إشباع.

وأما في حالة عدم الإشباع فإن التوتر النفسي سيظل ملازماً لشخصية المريض بحيث يسيطر الدافع الجنسي على مساحة تفكيره إلى الدرجة التي قد تشله عن ممارسة نشاطه الاعتيادي نظراً لإلحاحية هذا الدافع لديه، وهذا ما أوضحه الإمام علي (عليه السلام) في إشارته إلى تملكهن إياه، أي سيطرة النساء على عواطف الشخصية وعلى بناءه النفسي العام.

إذن السأم أو السيطرة الجنسية هما الخياران اللذان سيطبعان شخصية المريض الذي أحب النساء حباً لا إسلامياً وكلاهما عرض مرضي يفقد الشخصية توازنها الداخلي حيث ؟؟؟ الاتجاهات النفسية إلى توفير هذا التوازن ولكنه توازن من المؤسف جداً لا يمكن أن يتحقق ما دامت أمثلة هذه المبادئ الجنسية الأرضية ؟؟؟ تنظيماً يتوافق وطبيعة التركيبة الآدمية التي رسم لها الإسلام مبادئ خاصة.

وهذا كله فيما يتصل بالصداقة العامة بين الجنسين، أما فيما يتصل بالصداقة التي تشكل مقدمة للزواج فتظل محكومة بنمط آخر من مفردات، أي أننا نواجه هنا نمطين من أسلوب الصداقة التي تحكم سلوك الأرضيين، النمط الأول هو الصداقة العامة في العلاقة بين امرأة ورجل خارجاً عن الحياة الزوجية، وأما النمط الثاني من العلاقة وهو علاقة صداقة أيضاً ولكنها علاقة تمهيدية لزواج، إذن ثمة فارق بين هذين النمطين من العلاقات، أما وقد تحدثنا عن المفارقات المترتبة عن العلاقات العامة والصداقة بين الرجل والمرأة بشكل عام، حينئذ سنتحدث عن نمط آخر وهو العلاقة الخاصة التي تجسد علاقة تمهيدية للزواج، أي الصداقة من أجل الزواج وهذا ما يمكن أن نمنحه ولو بشكل عابر على أن نفصل الحديث عنه في محاضرتنا اللاحقة إنشاء الله.

وفي هذا الميدان نقول إن هذا النمط من التجارب اليومية التي تحياها المجتمعات في مختلف ثقافاتها، أي المجتمعات التي تكثر أمثلة هذه الصداقة التمهيدية المفضية إلى الزواج حيث تطلق على مثل هذه العلاقة أسماء من نحو (الحب الرومانسي) وما إلى ذلك، حيث يعنى للحب أو الرومانسية في الواقع أساساً أسلوب عاطفي أو انفعالي حاد تمارسه الشخصيات غير الناضجة انفعالياً أي الشخصيات التي تغالي في سلوكها الانفعالي لدرجة ابتعادها بعض الحين عن الأرض والتحليق إلى الأجواء الخيالية التي لا واقعية لها، لذلك نجد أن علماء النفس الأرضيين يختلفون فيما بينهم من حيث التقويم لهذا النمط من العلاقة حيث يشجب البعض هذه العلاقة ويعدها أسلوباً رومانسياً لا يمت إلى الواقع بصلة والآخر على العكس منه يرى أنها علاقة جيدة مع كونها رومانسية إلا أنها تفضي إلى توافق وتكيف بين الزوجين لأن هذه الصداقة التمهيدية سوف تجعل كل واحد من الطرفين قد اطلع على الطرف الآخر حيث يفضي به إما إلى أن يتوافقا من حيث السلوك أو أن يفترقا قبل أن يتورطا في عملية الزواج الاستمراري.

على أية حال مثل هذا الانشطار في التصور الأرضي سوف يحسم الموقف الإسلامي الذي يرفض أساساً أمثلة هذه العلاقة لأسباب نوضحها لكم في محاضرة أخرى بخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن نفس المسوغات التي يقدمها هؤلاء المعنيون بهذا الشأن مسوغات واهية بل متناقضة حيث تفضي إلى نتائج عكسية على الضد تماماً مما يتوقعه هؤلاء.

على أية حال إن التصور الإسلامي لهذه الظاهرة سوف نتحدث عنه بشكل مفصل إنشاء الله في محاضرتنا اللاحقة ونكتفي الآن بهذا المقدار ونستودعكم الله..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..