المادة: أصول الفقه 2
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon asol 13.doc

النواهي

النواهي: جمع، مفردة نهي، وهو خلاف الأمر.

تعريف النهي:

لا يختلف اللغويون في أنّ النهي ضدّ الأمر أو خلاف الأمر، وإنّما اختلفوا في معناه على أقوال، هي:

1- طلب الكفّ عن الإتيان بالفعل.

قال الجوهري في (الصحاح):النهي خلاف الأمر، ونهيته عن كذا فانتهى عنه، وتناهى، أي كفّ.

وعبّر عنه في (المعجم الوسيط) بـ(طلب الامتناع)  فقد جاء فيه: النهي: طلب الامتناع عن الشي‏ء.

والامتناع عن الشي‏ء يعني الكفّ عنه، ذلك أنّ كلا منهما يرادف الآخر.

2- طلب ترك الفعل:

قال الكرمي في (الهادي): النهي ضدّ الأمر، أو هو ترك العمل المراد.

وهو التعريف النحوي للنهي إلا أنّ النحّاة قيدوه بأن يكون بأداة النهي وهي (لا) أو أداة التحذير وهي (إيّاك) وفروعها.

وعبّر عنه (أعني طلب الترك) قدامى الاُصوليين - لا سيّما المعتزلة منهم – بـ(أن لا تفعل).

ففي محصول الرازي: المطلوب بالنهي عندنا فعل ضدّ المنهي عنه، وعند أبي هاشم(1): نفس أن لا يفعل المنهي عنه.

(أن لا يفعل) من الألفاظ الاُصولية، وعن الاُصوليين أخذه الشريف الجرجاني في تعريفاته حيث قال: النهي ضدّ الأمر وهو قول القائل لمن دونه لاتفعل.

وقد سرب هذا التعبير الاُصولي إلى المتأخّرين من أصحابنا، ففي (معالم الدين):وقال (يعني العلامة الحلّي) في (النهاية): المطلوب بالنهي نفس أن لا تفعل، وحكي أنّه قول جماعة كثيرة.

3- الزجر عن الشي‏ء:

ففي (معجم ألفاظ القرآن الكريم) - لمجمع اللغة العربية بالقاهرة المعاصر -:  نهاه عن الشي‏ء ينهاه فهو ناه، وهم ناهون: زجره عنه بالقول والفعل.

وهو - فيما يبدو لي - مستعار من التعريف الاُصولي المعاصر الذي انتهت إليه مدرسة النجف الاُصولية الحديثة - كما سيأتي.

والفرق بين الزجر عن الشي‏ء على نحو الكفّ أو الترك هو أنّ طلب الكفّ وكذلك طلب الترك من لوازم الزجر، لأنّ الانزجار الذي هو نتيجة الزجر يتحقّق بالكفّ عن الفعل أو تركه، فالكفّ والترك هما مطلوب الزاجر.

وكذلك لم يختلف الاُصوليون في أنّ النهي ضدّ الأمر أو خلاف الأمر.

وأيضا لم يختلفوا في أنّه اُسلوب إنشائي.

وإنّما اختلفوا في مدلوله، على أساس من الاختلاف اللغوي في معناه، فقالوا:

1- هو دالّ على الزجر.

2- هو دالّ على الطلب.

واختلفوا في المطلوب على قولين هما:

أ- أنّه دالّ على طلب الكفّ عن الفعل.

ب- أنّه دالّ على طلب ترك الفعل.

وهم على اشتراط العلو أو الاستعلاء أو كليهما - كما تقدّم في مبحث الأمر - ومن هنا قال الشوكاني في (إرشاد الفحول ):وهو (يعني النهي) في الاصطلاح: القول الإنشائي الدالّ على طلب كفّ عن فعل على جهة الإستعلاء.

مادّته:

ويراد بها كلمة (نهي) أي (ن ه’ ي)، وهي تفيد معنى الزجر، أو معنى طلب الامتناع عن الفعل.

والزجر يعني المنع.

والمنع من فعل الشي‏ء قد يكون على نحو الإلزام مع عدم الترخيص بالإتيان بالفعل، وقد يكون مع الترخيص بالإتيان بالفعل، والأوّل هو معنى الحرمة، والثاني هو معنى الكراهة.

ويفرّق بينهما بقرينة الجزاء، فما توعّد فاعله بالعقوبة فهو الحرمة وإلا فهو الكراهة.

وذهب الجمهور إلى دلالة مادّة النهي على التحريم.

صيغته:

المراد من صيغة النهي كلّ هيئة تفيد الزجر عن الفعل أو طلب الكفّ عن الفعل أو طلب ترك الفعل - على الاختلاف في تعريفه.

وللنهي في اللغة العربية ثلاث صيغ، هي:

1- الفعل المضارع المقترن بـ(لا) الناهية، كقوله تعالى: (لا تقربوا الزنى).

2- اُسلوب التحذير، نحو قوله(صلى الله عليه وآله وسلم):(إيّاكم وخضراء الدِّمن).

3- الجملة الخبرية، مثل قوله سبحانه: (ويلٌ للمطفّفين).

معاني الصيغة:

للنهي - كالأمر - معنى لغوي صرفي ومعانٍ اُخرى بلاغية، والمعنى الصرفي أو النحوي هو التحريم، وهو المعنى الحقيقي له لظهوره فيه، والمعاني البلاغية هي المعاني المجازية له، وبلغ بها ابن النجار الحنبلي في (شرح الكوكب المنير) خمسة عشر معنى، منها:

1- الإلتماس، كقولك لنظيرك: (لا تذهب إلى ساحل البحر).

2- الدعاء، كقوله تعالى: (ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا).

3- التمنّي، كقول الشاعر:

ياليل طل يانوم زل***** ياصبح قف لا تطلع

4- التيئيس، كقوله تعالى: (لا تعتذروا اليوم).

5- التهديد، كقولك لابنك الصغير: (لا تمتثل أمري).

6- الإرشاد، كقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم).

دلالة الصيغة:

ويراد بالدلالة - هنا - الدلالة الظهورية.

ذهب الجمهور إلى أنّ صيغة النهي ظاهرة في التحريم، واستدلّوا لذلك بالفهم العرفي والنصوص الشرعيّة وإدراك العقل.

قال في (معالم الدين):اختلف الناس في مدلول صيغة النهي حقيقة، على نحو اختلافهم في الأمر.

والحقّ: إنّها حقيقة في التحريم مجاز في غيره:

- لأنّه المتبادر منها في العرف العامّ عند الإطلاق، ولهذا يذمّ العبد على فعل مانهاه المولى عنه بقوله (لا تفعله)، والأصل عدم النقل.

- ولقوله تعالى: (وما نهاكم عنه فانتهوا)، أوجب سبحانه الانتهاء عمّا نهى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) عنه، لما ثبت من أنّ الأمر حقيقة في الوجوب، وما وجب الانتهاء عنه، فقد حرم فعله.

والذين قالوا بأنّ صيغة افعل ظاهرة في الوجوب لأنّ العقل يحكم بذلك قضاء لحقّ العبوديّة والمولوية قالوا هنا إنّ صيغة النهي ظاهرة في التحريم لأنّ العقل يحكم بذلك قضاء لحقّ العبودية والمولوية.

وقلنا في مبحث دلالة صيغة افعل إنّ الطريق السوي الذي يوصل إلى معرفة مدلول الصيغة هو استقراء الاستعمالات الشرعيّة للصيغة.

وكذلك نقول هنا إنّ الطريق السوي هو الاستقراء، والاستقراء أوقفنا على انّ صيغة النهي كما تستعمل في التحريم تستعمل في الكراهة، فهي لكلّ منهما.

والجزاء هو القرينة المعينة للمراد منها، فإن كان في البين وعيد على الفعل فالمراد منها الحرمة، وإن لم يكن فالمراد منها هو الكراهة.

المطلوب بالنهي:

من المسائل التي اُثيرت في البحث الاُصولي التساؤل عن المراد من النهي. ويبدو من ذكر أسماء بعض المعتزلة التي تردّد ذكرها عند عرض الأقوال في المسألة كاسم أبي هاشم الجبائي - كما تقدّم - أنّها استوردت من كتبهم الاُصولية التي نهجوا فيها المنهج الكلامي.

وبقيت تثار منذ العهود الاُصوليّة المبكّرة وحتّى عهدنا هذا، كما استمرت تعالج وفق المنهج الكلامي.

وهي من أوضح القضايا التي تكشف عن تأثّر علم اُصول الفقه بعلم الكلام.

ومن أقدم من حرّرها من علمائنا الإمامية الشيخ العاملي في (المعالم)، قال: وقد اختلفوا في أنّ المطلوب بالنهي ما هو؟

- فذهب الأكثرون إلى أنّه هو الكفّ عن الفعل المنهي عنه، منهم العلّامة ؛ في تهذيبه.

- وقال (يعني العلّامة) في النهاية: المطلوب بالنهي: نفس أن لا تفعل، وحكي أنّه قول جماعة كثيرة.

ويريدون من عبارتهم (نفس أن لا تفعل): ترك الفعل - كما مرّ -.

فالمسألة فيها قولان:

1- طلب الكفّ عن الفعل.

2- طلب ترك الفعل.

والفرق بين الكفّ والترك في المنظور الكلامي هو:

- أنّ الكفّ - ويراد به كفّ النفس عن الفعل - شي‏ء وجودي، لأنّ النفس موجودة، وصاحبها قادر على كفّها ومنعها من الأقدام على الفعل. فإذا قيل (لا تشرب الخمر) فإنّ الإنسان يستطيع بإرادته أن يكفّ نفسه عن أن تقدم على شرب الخمر.

- أمّا الترك فهو شي‏ء عدمي محض لا تطاله قدرة الإنسان لأنّه حاصل، وتحصيل الحاصل غير مقدور.

وعلى أساس من هذا الفرق أثار القائلون إنّ النهي هو طلب الكفّ ردّا على القائلين إنّه الترك الإشكال التالي:

إنّ الطلب الذي هو تكليف شرعي أمر وجودي، والتكليف لا يتعلّق إلا بالشي‏ء المقدور للمكلّف، فإذا قلنا: إنّ الطلب هو الترك يكون قد تعلّق الطلب وهو شي‏ء وجودي بالترك وهو شي‏ء عدمي غير مقدور للمكلّف تحصيله، لأنّ التكليف - بناءً على هذا - يطلب من المكلّف تحصيل عدم الفعل وهو (أعني عدم الفعل) حاصل منذ الأزل، وتحصيل الحاصل محال.

واُجيب عن هذا الإشكال بأنّ المطلوب من المكلّف هو بقاء العدم مستمرا، أي على المكلّف أن لا يفعل المنهي عنه فيقطع استمراريته.

يقول الرازي في (المحصول) (2) انّه (يعني المكلّف) كما يمكنه فعل الزنى (مثلا) فكذلك يمكنه أن يترك الفعل على عدمه الأصلي وأن لا يغيّره، فعدم التغيير أمر مقدور له فيتناوله التكليف.

وقال الميرزا القمّي في (القوانين) بعد اختياره أنّ المطلوب بالنهي هو الترك مستدلا على مختاره ورادّا على الإشكال المذكور: لنا: صدق الامتثال عرفا بمجرد ترك العبد ما نهاه المولى عنه، مع قطع النظر عن ملاحظة أنّه كان مشتاقا إلى الفعل فكفّ نفسه عنه.

فإن قلت: العدم الأزلي سابق، ويمتنع التأثير فيه، للزوم تحصيل الحاصل، مع أنّ أثر القدرة متأخّر عنه.

قلت: الممتنع هو إيجاد العدم السابق لا استمراره، وأثر القدرة يظهر في الاستمرار، فإذا ثبت إمكان رفعه باتيان الفعل فيثبت إمكان إبقائه باستمرار الترك إذ القدرة بالنسبة إلى طرفي النقيض متساوية وإلا لكان وجوبا وامتناعا.

وتخلّصا من الإيراد والردّ المذكورين عدل متأخّرو المتأخّرين والمعاصرون من أصحابنا الإماميّة إلى القول بأنّ معنى النهي هو الزجر عن الفعل، كما انّ معنى الأمر هو البعث إلى الفعل.

ومن البديهي أنّ الزجر عن الفعل يلزمه طلب ترك الفعل كما أنّ البعث إلى الفعل يلزمه طلب الإتيان بالفعل.

ولكن تبقى الملاحظة المنهجيّة قائمة، وهي أنّ أمثال هذه المسائل لا يرجع فيها إلى النظريات الفلسفيّة أو الاُخرى الكلامية لأنّها خطابات شرعيّة سلك فيها الشارع المقدّس طريقة الناس في خطاباتهم وحواراتهم، فكان المطلوب منهجيا أن يرجع فيها إلى الفهم العرفي.

فما الذي يفهمه العرف الاجتماعي من النهي؟

عندما يقال: (لا تشرب الخمر) فإنّ الذي يفهمه العرف الاجتماعي من هذا الخطاب هو أنّ المخاطب ممنوع من شرب الخمر، أي مطلوب منه الامتناع عن شرب الخمر.

وهذا يكفينا في فهم البلاغات الشرعيّة.

أمّا ما رأيناه من الأخذ بمعطيات علم الكلام لا مبرّر له هنا لأنّه ينأى بالفكرة عن الواقع، ويربك ارتباط النصّ بالسلوك الفردي والاجتماعي.

وهذه إحدى المسائل التي وعدت بالوقوف عند بعضها لنتبيّن عمق تأثّر اُصول الفقه بطريقة المتكلّمين التي نحن في غنىً عنها إذا ما أخذنا بالمنهج الاُصولي - اللغوي، أو المنهج الاُصولي - الاجتماعي.

 

 

المفاهيم

تمهيد:

من الظواهر اللغوية وجود تراكيب لفظيّة ذات دلالتين في آن واحد، تستفاد إحداهما من نصّ عبارة التركيب وبشكل مباشر، والاُخرى من إشارة التركيب إليها، أي انّها تستفاد من التركيب اللفظي، ولكن بشكل غير مباشر.

ومن أقدم من تناول هذه الظاهرة اللغوية بالبحث المنطقيون الإغريق. ففي المنطق الارسطي قسّموا الدلالة الوضعيّة اللفظيّة(الدلالة اللغوية) إلى ثلاثة أقسام: دلالة التطابق ودلالة التضمّن ودلالة الإلتزام.

ونصّوا على انّ الدلالتين الأوّليين (التطابق والتضمّن) تدلّ عليها العبارة، ويستفادان منها بشكل مباشر.

أمّا الدلالة الثالثة (الإلتزام) فلا تستفاد من حاقّ العبارة، وإنّما تشير إليها العبارة إشارة واضحة بواسطة العلاقة (اللزوم) بينها وبين دلالة العبارة، وقد تقدّم هذا على نحو التفصيل في مبحث الدلالة.

ويوقفنا هذا على أنّ هذه الظاهرة من الظواهر اللغوية الاجتماعية العامّة.

وبتعبير علمي: انّ دلالة الألفاظ تتنوّع إلى ظاهرتين:

اُولاهما: وهي الأكثر عددا وشيوعا أن يحمل التركيب دلالة واحدة، قد تكون حقيقيّة وقد تكون مجازية.

وثانيتهما: وهي الأقل رقما وانتشارا أن يحمل التركيب دلالتين، تستفاد إحداهما من عبارته، وتستفاد الاُخرى من إشارته إليها.

وعلى هذا ربّما استطعنا أن نسمّي الاُولى دلالة العبارة، والثانية دلالة الإشارة.

والاُولى في المصطلح المنطقي هي التطابق والتضمّن والثانية هي الإلتزام.

وقد لحظ الاُصوليون وجود هذا التنويع لدلالة الألفاظ في النصوص الشرعيّة من القرآن الكريم والحديث الشريف، ذلك لأنّ المشرّع الإسلامي سار في أساليب ووسائل خطاباته وحواراته سيرة مجتمع الناس في أساليبهم في التعبير ووسائلهم في نقل المعاني.

ولم يشأ الاُصوليون أن يستعيروا من علم المنطق مصطلحاته في هذا التنويع، فوضعوا له مصطلحي (المنطوق) و (المفهوم)، وعنوا بالمنطوق دلالة العبارة، وبالمفهوم دلالة الإشارة، أو قل: رادفوا بين المنطوق اُصوليا والتطابق والتضمّن منطقيّا، وبين المفهوم اُصوليا والإلتزام منطقيّا.

فالمنطوق والمفهوم مصطلحان اُصوليان خالصان في نسبهما الاُصولي، إذ لم يعهد لهما ذكر في المعاجم اللغوية بمعناهما الإصطلاحي الاُصولي، ذلك أنّ النطق في اللغة: التكلّم بالألفاظ (التلفّظ)، والمنطوق: الكلام الملفوظ، أي المؤلّف من الألفاظ.

ولكن لم يقصد منه ذلك في علم الاُصول، وإنّما اُريد به المعنى الذي يحمله الكلام، أي اُريد به المدلول لا الدالّ، وقال بعضهم إنّهما وصفان للدلالة، وله وجه لما سيأتي في التقسيم.

فالمنطوق في اللغة هو اللفظ، وفي الاُصول هو المعنى.

أمّا الفهم فهو في اللغة: الإدراك، والمعنى الذي يفهم من اللفظ بشكل مباشر أو غير مباشر.

وعلميّا: عرف في صحاح المرعشليين بما نصّه  فهم: standing

أ- بوجه عامّ: القدرة على الإدراك والتفكير.

ب- وبوجه خاصّ عند ليبتنز(3): الإدراك العقلي في مقابل الإدراك الحسّي.

وبغية أن نستوضح معنى المنطوق ومعنى المفهوم عند الاُصوليين نقول: إنّ بعض النصوص الشرعيّة - كما قدّمت - ذات دلالتين، إحداهما تفهم من اللفظ مباشرةً والاُخرى تفهم منه أيضا ولكن بشكل غير مباشر، بمعنى أنّها تكون ملازمة للدلالة الاُولى ينتقل إلى معرفتها من معرفة الدلالة الاُولى.

وفي ضوء ما ألمحت إليه لابدّ من الاستعانة بعلم المنطق فيما قرّره في موضوع الدلالة الوضعيّة اللفظية (الدلالة اللغوية) من تقسيمها إلى ثلاثة أقسام: التطابق والتضمّن والإلتزام، ذلك أنّ المعنى المطابقي للفظ، وكذلك المعنى التضمنّي نستفيدهما من حاقّ اللفظ مباشرة، أمّا المعنى الإلتزامي فلا نستفيده من حاقّ اللفظ مباشرةً وإنّما بواسطة معرفة اللزوم أو العلاقة بين المعنى الإلتزامي الذي هو خارج إطار اللفظ (اللازم) والمعنى المطابقي الذي هو مفاد دلالة اللفظ (الملزوم).

ويتمّ هذا بانتقال الذهن من تصوّر الملزوم إلى تصوّر اللازم تصورا بيّنا بالمعنى الأخص ودون أن يحتاج الذهن بعد إدراكه للملازمة أو العلاقة بين المعنيين التطابقي والإلتزامي إلى توسّط مقدّمة عقليّة.

وعلى هدي هذا نعود فنقول:

إنّ ما اصطلح عليه في علم المنطق بالمعنى المطابقي والمعنى التضمنّي هو (المنطوق) في المصطلح الاُصولي.

وما اصطلح عليه منطقيّا بالمعنى الإلتزامي هو (المفهوم) عند الاُصوليين.

وقد اصطلح عليهما بعض الاُصوليين المعاصرين بـ:

-(عبارة النصّ).

- و(إشارة النصّ).

وعرّف الاُولى بقوله: المراد بما يفهم من عبارة النصّ: المعنى الذي يتبادر فهمه من صيغته، ويكون هو المقصود من سياقه.

وعرّف الثانية بقوله: فدلالة الإشارة: هي دلالة النصّ على معنى لازم لما يفهم من عبارته غير مقصود من سياقه  - الشيخ خلاف(4).

 

الهوامش:

(1)- أبو هاشم: هو عبد  السلام ين محمد بن عبد الوهاب الجبائي(ت321هـ)، من رؤشاء المعتزلة وكبار المتكلمين، له كتاب (العدة) في أصول الفقه.

(2)- 2/304.

(3)- لايبنتز leibniz أعظم فيلسوف ألماني قبل كائط، توفي سنة 1716م وحرف التاء في أسم لايبنتز حرف طفيلي جاء من الترجمة اللاتينية لايبنتيوس.اُنظر:معجم الفلاسفة ط 1 ص 534.

(4)-144-145.