المادة: فقه الدولة
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon fekeh_dawla 08.doc

انتهينا في البحث المتقدم الي جملة من المسائل المتعلقة بأهداف الدولة وختمنا البحث بالمسألة السادسة بقيت هنا جملة من المسائل الأخرى التي ينبغي التعرض إليها ونبدأ مما انتهينا إليه في البحث المتقدم.

- المسألة السابعة: يجب على الدولة أن تتوخى أهداف الإسلام وأحكامه في تشريعاتها وتطبيقاتها فإن كانت الموارد مما قام عليها الدليل من الكتاب والسنة والإجماع والعقل وجد الأخذ بها في الحكم والعمل وإلا كانت أحكامها وأهدافها باطلة وذلك لأن حكمها سيكون حينئذ مصداقاً للحكم بغير ما أنزل الله سبحانه وتعالى وقد دل الكتاب العزيز على أن الذي يحكم بغير ما أنزل الله عز وجل يكون من الكافرين ومن المشركين ومن الفاسقين بحسب موارد الآيات المختلفة ومن الواضح أن الأحكام والأهداف والمبادئ والقيم التي دل عليها الإسلام في الآيات والروايات والإجماع والعقل هي أمور ثابتة ولا تقبل التغيير أو التبديل بحسب الأهواء وبحسب الآراء الخاصة ومن هنا يظهر بطلان قول من زعم ممن لا خبرة له بالدين بأن حكم الله متطور قصد بذلك إمكان تغيره بحسب الزمان والمكان إذ ذهب إلى أن الدين متطور وعليه فلا ينبغي أن تخضع الدولة لأحكام وقوانين خاصة وثابتة بل يمكنها تغيير الأحكام والقوانين بحسب متطلبات الزمان أو المكان أو الحاجات بزعم أن دين الإسلام متطور والتطور يجيز سن القانون مع الاحتفاظ بروح الشريعة مثلاً قال بأن الربا كان حراماً لأنه كان ضاراً أما حيث رفع ضرره وتوقف الاقتصاد عليه وقام عليه نظام الدولة في تنشيط الأمور الاقتصادية جاز وحل ذلك والبنت كانت تبلغ وعمرها عشر سنوات حين كان الناس بدائيين أما حيث تحضر الناس فبلوغها يكون في السادسة عشر مثلاً وإنما جاز النكاح بأربع نساء لكثرة النساء أما حيث دلت الإحصاءات على التساوي تقريباً بينهما فلا يجوز إلا امرأة واحدة وكذا لحم الخنزير كان محرماً لشموله على الديدان المسببة لجملة من الأمراض أما إذا عقم وطهر منها حل أيضاً وهكذا من المزاعم التي تصورها هذا الزاعم بأنها علل للتحريمات الخاصة فإذا زالت هذه العلل بحسب تطور الزمان والمكان أو الحاجات ينبغي جوازها لأن اللازم بحسب ما يراه ملاحظة روح الدين لا شكلياته فالدين مثاله مثال الطين الذي يبقى طيناً وإن تبدل أشكالاً من لبنة إلى كوس إلى كأس إلى كوب إلى غير ذلك هذا أولاً.

وثانياً: ما ذكره بعض الكتاب الذين نسبوا أنفسهم إلى الإسلام من أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم لا نبي بعده إلا أنه خاتم أي لا يأتي بعده نبي لا أنه يأتي العقل بقانون أفضل من قانون النبي وأكثر انطباقاً على الزمان وشروع الحاجات.

لا يحتاج البشر إلى رسول من بعده بمعنى أنه كمل العقل بتفجير الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إياه ووصوله إلى كماله وبهدى هذا العقل يتمكن الإنسان أن يسير في الحياة ويضع القوانين الملائمة لكل زمان ومكان وإن كان مخالفاً للقوانين التي وضعها الإسلام لأنها كانت لزمان الرسول ومكانه فقط ولا تجري في سائر الأمكنة والأزمنة هذا ما زعموه لكن يرد عليه الإشكال من جهات عدة في الكبرى وفي الصغرى مضافاً إلى مخالفة هذه المزاعم للإجماع وضرورة المسلمين.

أما الكبرى فإن الأدلة المتواترة دلت على أن حكم الله عز وجل لا يتغير وأن حلال محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة أيضاً والمراد من الحلال ما يقابل الحرام من الأحكام الثلاثة أي المندوب والمكروه والمباح لأن كلها حلال مع ترجيح في الفعل أو الترك أو من دون ترجيح الذي يطلق عليه بالمباح كما أن الحرام شامل للواجب الحرام تركه والمحرم الحرام فعله ويشمل الحلال الثلاث الأخر هذا أولاً.

وثانياً لإمكاننا أن نسأل عن المقصود من التطور فإن أرادوا من التطور أي تطور في العقيدة بمعنى تجدد العقيدة وتغيير ثوابتها ونحوها فهذا ما لا يعقل لأن العقيدة قائمة على الأحكام العقلية والأحكام العقلية ثابتة فلا يعقل التطور في التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد فإن هذه أمور لا تقبل التطوير لرجوعها إلى حكم العقل وحكم العقل ثابت في البشر قديماً وحديثاً وإن أرادوا من التطور في الفضيلة والتحسين والتقبيح أو المدح والذم الذي يقتضيه العقل النظري أو العملي فهذا بديهي البطلان أيضاً إذ لا يعقل أن يتبدل الصدق رذيلة والكذب فضيلة أو يتبدل الكرم رذيلة والبخل فضيلة إلى آخر ذلك من المحسنات والمقبحات العقلية أو الأخلاقية وإن كان المقصود من التطور هو التطور في الحكم كتطور الحلال إلى الحرام أو بالعكس وهذا باطل أيضاً لتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد الواقعية وبالتالي فهي ثابتة أيضاً ولا تقبل التغيير أو التطور فإن من الواضح أن الحلال والحرام وضع لحسب النفع والضرر أو المصلحة والمفسدة فالخمر ضارة والماء نافع مهما تبدلت الأزمنة والأمكنة أو الحاجات وكذا في المعاملات والعبادات والأحوال الشخصية كالنكاح والطلاق وكذا الحدود والتعزيرات وغيرها فإن هذه جميعاً وضعت بحسب حكمة دقيقة قد يصل العقل إلى بعضها وقد لا يصل العقل إلى بعضها الآخر لكون العقل لا يحيط بملاكات الشرع تماماً نعم إذا أريد من تطور الأحكام بمعنى تغير الحكم لتبدل الموضوع أو تطور الحكم لظروف استثنائية بمعنى أن الحكم ينطبق من موضوع لموضوع فهذا لا بأس به إلا أن هذا من قبيل الانتقال من موضوع لموضوع في الشريعة الواحدة لا تطوير لذات الشريعة نفسها أو حكمها فمثلاً الخمر في ذاته وفي حكمه الأولي حرام وفيه مفسدة إلا أنه ربما يجوز هذا الخمر للمضطر لانطباق عنوان جديد في المسألة وكذا في حرمة بعض المباحات لمن يضره ذلك كالمريض مثلاً ومثل حرمة الصدق الضار وجواز الكذب لدى الاضطرار لكن التطور المزعوم في الشريعة شيء وهذه الحالات الاستثنائية التي يعبر عنها بالأحكام الثانوية أو باب الأهم والمهم شيء آخر ومن هنا قال السيد الشيرازي (قدس سره الشريف) في كتاب الحكم في الإسلام في ص36 قال: يدخل التطور في مصاديق القواعد العامة فإذا تبدل مصداق بمصداق أو دخل مصداق لم يكن سابقاً شملته القاعدة العامة مثلاً الصحافة لم تكن في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) ثم حدثت فالحرية الإسلامية المبينة في قاعدة الناس مسلطون على أنفسهم تشملها وكذلك القنبلة الذرية لم تكن في زمانهم (عليهم السلام) فلما تطور السلاح شملته أيضاً آية: (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) إلى غير ذلك من الأدلة.

هذا مضافاً إلى أن قولهم بأن المهم هو الحفاظ على الروح فإنه لو جرى هذا الكلام وقيل بعدم أهمية الشكل لكان بالإمكان تغيير كل حكم وعندها لا يبقى حجر على حجر وهذا مما يكذبه الوجدان والضرورة والإجماع بل وبديهة العقل عليه فإن ما ذكر مخدوش من ناحية كبرى هذا أولاً.

وثانياً مخدوش من ناحية الصغرى أيضاً بداهة أن الربا ضار إلى الأبد وقد ثبت في العلم الحديث ضرره الآن على الفقراء كما كان ضاراً من قبل وسيبقى ضاراً إلى الأبد وكذا البنت تبلغ في هذا الزمان كما كانت تبلغ قبل ذلك ولذا تظهر مواهبها عند الرشد كما قال تبارك وتعالى: ( فإن آنستم منهن رشداً فادفعوا إليهن أموالهم) والنساء كثيرات إلى اليوم لأنهن أطول أعماراً وأكثر أفراداً ولأن الرجل تحصده الرجل تحصده الحرب وقساوة العلم والظروف الصعبة ونحوها وكذا لحم الخنزير قذر في نفسه وإن عقمته الأدوية بحسب الظاهر إلا أنه بحسب الذات لا يقبل التطهير والتعقيم وكل هذه الأمور مذكورة في كتب الطب الشرعي.

وأما ما قيل بالاكتفاء بحكم العقل عن تشريع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيرد عليه أن الأدلة دلت على دوام حكم الإسلام وأنه أكمل الأديان وأنه يقود الإنسان خطوةً خطوة إلى الاستقامة والى مصالحه إلا أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فجر الطاقة والطاقة الإنسانية تكون هادية له في طريقه الطويل وكيف كان فما يقال في مثل هذا هو شبهة في مقابل البديهة وقد قامت الضرورة على خلافها.

مضافاً إلى الأخبار ففي صحيح أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) بقول من حكم في درهمين بغير ما أنزل الله عز وجل فهو كافر بالله العظيم إلى غير ذلك من الروايات والمراد من الكفر هنا لمن أنكر حكم الله إما الإنكار للضروري بمعنى أن يكون الكافر كافر اعتقادي أيضاً أو المراد من الكفر الكفر العملي ففي جملة من الأحاديث بل بعض الآيات إطلاق الكفر وإرادة الكفر العملي.

ولعله المراد في هذه الرواية هذا مضافاً إلى دلالة العقل على لزوم اتباع أحكام الشريعة بضميمة أن الله سبحانه وتعالى أعلم بمصالح العباد وحكمه خال عن الأهواء والميول فهو أحق الأحكام لصلاح البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة هذا مضافاً إلى عدم إمكان الاعتماد على الحكم العقلي مطلقاً لاختلاف آراء البشر واختلاف تفسيراتهم في الأمور فلو تركنا أحكام الشريعة والتزمنا بما يحكم به العقل فقط في كل زمان ومكان لزم اختلال النظام والفوضى والهرج والمرج إلى غير ذلك من التوالي الفاسدة.

- المسألة الثامنة: يجب على الدولة السعي لتطبيق القوانين الإسلامية وخصوصاً تلك الموجبة لعلو المسلمين ونفي سبيل الكفار عنهم كما هو مقتضى قاعدتي العلو ونفي السبيل الشاملتين للعقدين الإيجابي والسلبي من هذه القوانين من ما ياتي:

- 1- الاخوة الإسلامية حيث يقول سبحانه وتعالى: (إنما المؤمنون أخوة) فالمؤمن أخو المؤمن لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى والمسلم في أي بلد حل هو بلده كما أنه في أي بلد أراد الزراعة أو الصناعة أو التجارة أو غير ذلك كان له ذلك ولا يجوز أن يعد المسلم في بلد من بلاد الإسلام أجنبياً فإن هذا من المحرمات الشرعية بداهة مخالفته للنص في الآيات والروايات كما أن منع المسلم عن دخول أي بلد إسلامي شاء أو منع المسلم عن الإقامة فيه أو منعه عن مزاولة أي محلل فيه محرم في الشريعة أيضاً وحكام الدول الإسلامية إذا كانوا صادقين في أنهم يلتزمون بالإسلام يلزم عليهم الالتزام بالقوانين الإسلامية التي أعطت الحرية للمسلم وجعلت بلاد المسلمين جميعاً مباحة إلى سائر المسلمين وإلا كان الادعاء بالإسلام غير صادق قال سبحانه وتعالى: (فوربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) ومن الواضح بأن الذي لا يسلم بما جاء به النبي ولا يعمل بما جاء به الكتاب والسنة فيما ذكرناه تنص الآية على أنه ليس من المؤمنين والمحاذير التي تدعيها بعض الدول لتقييد حركة المسلمين أو حريتهم أو ما أشبه ذلك في بلادها فيمكن حله ذلك بواسطة المؤتمرات أو الندوات وتهيئة الوسائل والسبل.

- الثالث: الحرية فالإنسان في حكم الإسلام حر في إبداء رأيه وفي كتابته وفي تجارته وزراعته وعمارته وفي كل شيء إلا ما استثني من الأقوال والأعمال المحرمة وهي نادرة قال سبحانه وتعالى في وصف رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، كما أن الحرية هي مفاد قاعدة السلطنة الدالة على أن الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم وعليه فإن كل قانون أو قرار أو إجراء تتخذه الدولة يكبت حرية الإنسان هو قانون باطل بحسب الشريعة كما أن كل حاكم يكبت حرية الإنسان فهو حاكم يعد متجاوزاً فتجب إزالته وإطلاق حريات الناس لأن الحرية هي الأصل والحاكم إنما نصب لحماية الحرية فإذا أصبح الحاكم معتدياً ومتجاوزاً عن الحرية تسقط وكالته عن الناس وتبطل شرعية حكمه أيضاً.

- الرابع: السلام فإن الإسلام دين السلام وشعاره السلام ومن أوصاف الخالق تبارك وتعالى هو السلام ومن أجزاء صلاته السلام بل تحية الناس مع بعضهم هو السلام وفي قوله سبحانه وتعالى في معاملة الكفار أيضاً بل والأعداء المعاملة معهم بالسلام أيضاً حيث يقول سبحانه وتعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) بل الإسلام يدعو كل الناس إلى الدخول في السلام حيث يقول سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان).

- الخامس: إنقاذ المستضعفين قال سبحانه وتعالى: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين) سواء كان المستضعفون من المسلمين أو من غير المسلمين لأن الملاك في شرعية الجهاد في الإسلام مضاف إلى أنه من سبيل الله سبحانه وتعالى أن يكون لرفع الظلامة ولأجل حفظ السلام ولأجل إنقاذ المستضعفين يأمر الإسلام بإعداد أكبر قوة ممكنة من باب الحماية ومن باب الدفاع حيث يقول سبحانه وتعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم).

- السادس: الأخذ بموازين العلم والأخلاق والعقل وذلك لأن ذلك سبيل العزة والكرامة والعلو ونفي السبيل وغيرها من العناوين الواجبة قال سبحانه وتعالى: )هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وقال النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وفي الحديث الشريف إن لله حجتين حجة باطنة هي العقل وحجة ظاهرة هم الأنبياء.

السابع: التعاون لأنه من أسباب القوة والمنعة والعزة والرفاه ونشر البر وبسط العدل ودفع الباطل وردع المنكر وغير ذلك من مفاسد قال سبحانه وتعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وعليه فإن التعاون واجب في طريق البر والتقوى لأنه طريق إلى ما ذكرناه من أسباب التقدم والرفاه إلى غير ذلك من الأصول الكثيرة التي تعتمد عليها الدولة في بناء الإنسان والحياة والمجتمع والتي من اللازم السعي لإشاعتها في المجتمع الإنساني فضلاً عن الإسلام لأنها هي الأصول الإنسانية التي تحت ظلها يعيش الإنسان في غاية السعادة فإن الله عز وجل خلق الإنسان وأراد تكريمه وكرمه ومنع عن إهانته أي لون من ألوان الإهانة.

- المسألة التاسعة: يجب على الدولة الإسلامية العمل لأجل إنقاذ المظلومين وخصوصاً المسلمين الواقعين تحت ظل الظلم والاستضعاف سواء كانوا تحت حكومة ظالمة أو حكومة كافرة أو ما أشبه ذلك ويدل على ذلك جملة من الأدلة أما الكتاب فقوله سبحانه وتعالى: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين) ووجه الاستدلال أنه إذا وجب القتال لأجل إنقاذ المستضعفين والقتال فيه قتل وسفك للدم وما أشبه ذلك فإنه وجب ما دونه أيضاً وهو الإنقاذ بطريق الأولوية وكذا قوله سبحانه وتعالى في وصف المؤمنين: (أشداء على الكفار رحماء بينهم) فإنه كما تجب الشدة على الكافر تجب الرحمة بالمؤمن بقرينة المقابلة في غير ما علم استحبابه طبعاً وقوله سبحانه: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض( ومن الواضح أن الآية في مقام الإنشاء والتشريع فتدل على أن هذا هو شرع الله عز وجل وليست هي في مقام الإخبار والكشف عن واقع تعاملات الناس إلى غير ذلك من الآيات الشريفة.

وأما من السنة فما دل على وجوب إنقاذ المسلم كما روى الكليني (رضوان الله عليه) عن فرات بن أحنف عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أيما مؤمن منع مؤمناً شيئاً مما يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره أقامه الله يوم القيامة مسوداً وجهه مزرقة عيناه مغلولة يداه إلى عنقه فيقال هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ثم يأمر به إلى النار إلى غير ذلك من الروايات المذكورة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن الواضح أن من هذه الرواية تدل على أن عدم نصرة المظلوم خصوصاً إذا كان من المؤمنين والمسلمين يعد من الذنوب الكبيرة لأن الرواية وعدت المتخلف عن ذلك وعدته بالنار وقد ذهب المشهور من الفقهاء إلى أن الذنب الكبير هو ما وعد صاحبه عليه بالنار ولا يخفى أن المسلمين يمكن إنقاذهم بأمرين أساسيين:

- الأول داخلي وهو تقويتهم في الداخل وتوفير وسائل النهوض والقيام لردع الظلم ورفعه وذلك في الأبعاد التالية:

- الأول: تنظيمهم سياسياً حتى يمكنهم الدخول في مختلف مرافق الدولة سواء كانت الدولة انتخابية أو دولة مستبدة فإن التنظيم السياسي لكل أمة بدء إحيائها ومن الواضح أنه بدون السياسة لا يمكن للأمة الحصول على وسائل القوة والدفاع وإعلان الصوت وإيصال الكلمة.

- الثاني: تنظيمهم اقتصادياً فإن الكرامة الاقتصادية توجب الكرامة الاجتماعية والعكس بالعكس وفي الأخبار الشريفة الفقر سواد الوجه في الدارين وخصوصاً في مثل هذه الأزمنة التي يحتاج الإنهاض فيها إلى دعم مالي في الإعلام والثقافة والفكر وإيصال الصوت وما أشبه ذلك وهذا مما يتوقف على الاقتصاد والاقتصاد يتوقف على التنظيم.

- الثالث: تنظيمهم ثقافياً بكلا شقي الثقافة الدينية والدنيوية فإن الثقافة الدينية أساس السعادة الروحية والجسدية الدنيوية والأخروية والثقافة الأكاديمية المسماة بالدنيوي توجب الأخذ بأسباب القوة والعلو على الغير فكراً وعملاً وفي الحديث الشريف من لا معاش له لا معاد له ولذا قدم الله سبحانه وتعالى المعاش على المعاد هنا وفي وقوله سبحانه: (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا).

- الرابع: تنظيمهم اجتماعياً فإن تقوية المجتمع بالتكتلات والهيئات والجمعيات والنقابات والنوادي وما أشبه ذلك توجب قوة الأمة والقوة توجب التقدم وفي الحديث الشريف يد الله مع الجماعة إلى غير ذلك من الأسباب والوسائل ومن المعلوم أن لكل واحد من هذه النقاط فروع وشؤون لا يسعنا المجال للتعرض إليه.

- خامساً: تنظيمهم سلاحياً فإن الخير كل الخير تحت ظلال السيوف وفي الآية الشريفة واعدوا لهم ما استطعتم من قوة وإن كان استعمال السلاح لا يكون إلا للأغراض الدفاعية كما لا يخفى كما يتوقف أيضاً على شروط شرعية خاصة ذكرها الفقهاء في باب الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن الواضح أن هذه الوسائل والأسباب إن أمكن العمل بها بالصورة العلنية وجب القيام بها علناً وإن لم يتمكن من القيام بها بالصورة العلنية فإنه ينبغي العمل على تهيئتها ولو في صورة التقية وقد قال سبحانه: )لا يتخذ المؤمنون الكافرون أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة) وذلك واضح لأن الإنسان هو الهدف ورفع الظلم هو الغاية والوسائل المذكورة هذه طرق وأسباب وقد ورد في الحديث التقية ديني ودين آبائي وهو أمر العقلاء أيضاً بالعمل بمقتضى التقية ، كل عاقل في تمرير مبادئه والإبقاء على نفسه والدفاع عن حقوقه في قبال الأعداء الذين يريدون الهزيمة بالمسلمين واجتثاث جذورهم وقد فعل بمقتضى التقية النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في بداية الدعوة الإسلامية حيث أخفى دينه عن المعادين كما نزل في عمار قوله سبحانه وتعالى: (إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان) وكيف كان فإن التقية لها دوران دور إيجابي ودور سلبي فلا يراد بالتقية المعنى السلبي فقط بمعنى السكون والهزيمة في مقابل الضغوطات بل التقية أدلتها تشمل العمل الإيجابي أيضاً بمعنى ينبغي العمل مع اخفاء الطريقة بأن يخفي الإنسان طريقه لأجل تمشية أموره والوصول إلى أهدافه وهذا هو معناه الحرب خدعة كما يفعله المجاهدون في كل زمان ومكان وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخفي بعض حروبه حتى ينجح وحتى لا يكثر القتلى بين الناس وكيف كان فاللازم على المسلمين في كل بلد كابت للحريات أن يعملوا بالبنود السابقة في سرية واختفاء أو في علنية وظهور بحسب الظروف المتوفرة وينبغي على المسلمين أن يساعدوهم من الخارج أيضاً دولة كانوا أو أفراد وجماعات وإن كان هذا من مهمات الدولة الإسلامية بالشكل الأولي هذا كله بالنسبة إلى الداخل.

- الأمر الثاني: هو توفير الدعم لهم من الخارج بمعنى المساعدة على إنقاذ المظلومين ولو من الخارج فاللازم على الدولة الإسلامية أن تنظم مسلمي خارج البلاد المعنية لمساعدة مسلمي الداخل مالياً وإعلامياً وكذا سائر الخدمات فتجعل لهم صناديق خيرية مثلاً لمساعدتهم كما تنشر الدولة أحوالهم في مختلف وسائل الإعلام سواءً كانت ملكاً للدولة الإسلامية أو كان النشر تبرعاً أو بإيجار أو ما أشبه لأن الإنقاذ هو الغاية والدعم وسيلة وكذلك توجد الدولة الإسلامية الضغط الكافي دبلوماسياً على الدولة الكابتة للحريات بسبب المجتمعات الدولية والمنظمات الحقوقية والجمعيات المدافعة عن حقوق البشر وغير ذلك من أسباب الضغط أما إذا لم ينفع كل ذلك في إطلاق حريات المسلمين وإنقاذ المستضعفين فاللازم أن تهيئ الدولة وسائل إسقاط دولة الديكتاتور بما تراه الدولة الإسلامية صلاحاً وكل ما ذكرناه من الأمرين طبعاً بحاجة إلى الخبراء والمستشارين والفقهاء الذين يرشدون الهيئات العاملة إلى الطريق الصحيح المطابق للشريعة الإسلامية ولموازين العقل والعقلاء في العالم المعاصر لعدم الوقوع في التجاوز والعدوان أو الخروج من الهدف إلى ضده.

- المسألة العاشرة: يجب على الدولة الإسلامية إخراج المسلمين وإنقاذهم من هيمنة الفكر الغربي أو الشرقي الذي ساد بلاد الإسلام في هذا القرن فإن هذه الهيمنة جاءت إلى البلاد مع الاستعمار العسكري أولاً ثم غذاها الاستعمار الفكري وساندتها في مثل هذا الأزمنة العولمة أيضاً حتى أصبح المسلمون بأنفسهم حماة لهذا الطراز من الفكر الغربي المنحرف عن قيم الإنسان والمبادئ الشرعية وهذا التغيير وان كان عملاً شاقاً إلا أنه لا بد منه فإنه بدون ذلك تقع البلاد ألعوبة بأيدي المستعمرين مما يوجب تضعيف البلاد وسلب الحقوق وانتهاك الحرمات وسفك الدماء وما أشبه ذلك.

ولا يخفى أن انفصال الفكر الإسلامي عن الفكر الغربي يقع في ثلاث نقاط جوهرية:

 

- الأولى: في أن الله عز وجل موجود بينما نتاج الفكر الغربي ينتهي إلى أنه ليس بموجود والعياذ بالله فإن رد فعل الكنيسة باق إلى الآن في أذهان الغربيين ثم أخذ هذا في طراز الفكر الشرقي الذي نفى الله عز وجل نفياً قاطعاً والعياذ بالله.

- الثانية: أن الله له الحكم كما أن الله عز وجل له التكوين أيضاً بينما يرى الفكر الغربي والشرقي أن البشر له الحكم وهذا الأمر الثاني انبثق من الأمر الأول كما هو واضح.

- الثالثة: أن الإنسان هو أهم شيء في الكون وهو محور الأهداف والسياسات في الإسلام قال سبحانه وتعالى: )ولقد كرمنا بني آدم) وفي الحديث القدسي خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي ولا يخفى أن معنى لأجلي أي تعرفني وتعبدني فتصل إلى الكمال الممكن الكامن فيك لأن البشر كلما ازداد لله معرفة ازداد له عبادة وفي الآية الشريفة (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) إذ العبادة أصبحت غاية للخلقة فالعبادة تظهر معدن الإنسان النير أكثر فأكثر كالمعدن المخلوط بالتراب إذا وضع في البوتقة هذا بينما الفكر الغربي يرى أن المادة هي الأصل لا الإنسان ولذا نرى الإسلام يضحي بالمادة لأجل الإنسان بينما الغرب يضحي بالإنسان لأجل المادة كما تعكس هذه النظرة السياسات العالمية للغرب المنتشرة في كل أرجاء العالم حيث تزهق الأرواح وتسفك الدماء وتصادر الحقوق لأجل المصالح الغربية خصوصاً في الدول الضعيفة وهذه البنود الثلاثة هي جوهر الصراع بين الإسلام وبين الغرب ثم إنه من الواضح أن البشرية في طوال هذه القرون تقدمت إلى الأمام وأنجزت إنجازات مدهشة في ميادين العلم والصناعة وهذا ما لا يمكن التفريط به بأي حال لذلك فإن مقتضى التوازن العقلي تقتضي الفصل بين الإنجازات الإنسانية وبين الرواسب العالقة بهذه الإنجازات ليأخذ المسلمون الجيد منها ويتركون الرديء.

وهذا مما يتطلب في كلا جانبيه إلى أكبر قدر من العلماء الدينيين والعلماء الأكاديميين الزمنيين ويكون كلا الجانبين قد ألم بما عند الثاني من معرفة في الجملة ليمكن التفاهم بينهما وإنتاج وليد شرعي لكلتا المصدرين بما يلائم الشريعة ويلائم العصر وهذا بحاجة إلى توفير كلا القسمين من العلماء ولا يخفى أن النقص في الجانب الهائل من ناحية الكم ومن ناحية الكيف كما لا يخفى النقص الهائل في الجانب الثاني من ناحية الكيف وكيف كان فلكي تحقق الدولة المشروعة ذلك عليها أن تحتضن كفاءاتها وتهيئ لهم الأجواء الصالحة للتفكير والتخطيط والتنفيذ الصحيح في مختلف مجالات الحياة لتوقف من هجرة عقول المسلمين وكفاءاتهم إلى الغرب وذلك لأنهم يهاجرون عادة لأحد سببين:

- الأول: لأجل ما يشاهدونه هناك من عوامل احتضان وتنشئة كالحرية والاحترام غير المتوفرة في بلاد المسلمين المحكومة بالجور والاستبداد عادة.

الثانية: لأجل الرفاه الذي يعطيه الغرب عادة إلى الكفاءات دونه في البلاد الإسلامية ومن الواضح أن بالهجرة تفتقر بلاد الإسلام لتعمر بلاد الشرق والغرب فاللازم على الدولة أن تعالج الأمر علاجاً عملياً لإيقاف الهجرة.

- الثالث: جمع علماء الدين والدنيا في مؤتمرات وندوات ومؤسسات لتلاحم جهودهم في ذلك ويمكن تطبيق هذه الخطط عبر مراحل تبتدئ من قطر إلى قطر فإذا نجحت في قطر عممت التجربة إلى سائر الأقطار الأخرى وبذلك تتساقط الحكومات الغاصبة أو المستبدة التي تمشي على طراز الفكر الغربي والشرقي وتهيمنهما على بلاد المسلمين لتخلي مكانها إلى حكومات تفكر على طراز الإسلام وفي الحديث إذا تغير السلطان تغير الزمان ومن بدء هذا التاريخ يأخذ المسلمون يستردون أنفاسهم ليعيدوا الكرة ويكونوا أسياد أنفسهم وثم أسياد العالم لينقذوا البشرية من ظلمات القرن العشرين إلى نور الإسلام حيث قال سبحانه: (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويهديهم من الظلمات إلى النور) وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.