المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 044.doc

الفصل الثاني في أحكام الجيران

وقد نصت الآيات والروايات على حقوق الجار واستفاد الفقهاء من جملة النصوص جملة من الأحكام الشرعية التي تتعلق بالجار وسنبحثها في مباحث:

 المبحث الأول: في معنى الجار في أصنافه والروايات الدالة على حسن الجوار قال تبارك وتعالى ((وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً)) ونلاحظ في هذه الآية الشريفة أن الجار قرن في سياق العبادة لله عز وجل وعدم الاشراك به كما قرن بالإحسان إلى الوالدين

ومن الواضح بأن عبادة الله سبحانه وتعالى من الواجبات والاشراك به من أشد المحرمات كما أن الإحسان إلى الوالدين والبر بهما أيضاً من الواجبات فيستفاد من قرينة السياق وجوب الإحسان إلى الأرحام واليتامى والمساكين والجار أيضاً الذي سيق في الآية مع هؤلاء والجار لغة أصله من العدول يقال جاوره يجاوره وجوار فهو مجاور له وجار له لعدوله إلى ناحيته في مسكنه من قولهم جار في الطريق وجار السهم إذا عدل عن القصد واستجار بالله لأنه يسأله العدول به عن النار وهو من المعاني العرفية أيضاً التي يفهمها العرف فليس من الحقائق الشرعية التي أسسها الشارع كالعبادات مثل الصيام والصلاة والزكاة بل هو مثل الأرحام ونحو ذلك على ما بيناه سابقاً .

والجار في الآية الشريفة ورد في أصناف الجار ذو القربى وهو القريب والجار الجنب وهو الغريب ويفهم من الآية الشريفة أنها لم تقيد الإحسان بالإيمان أو بالعقيدة وبالدين كما لم تقيد الإحسان للوالدين بالإيمان والعقيدة كذا الكلام بالنسبة للأرحام فيفهم منها لزوم الإحسان إلى الجيران على أي مبدأ وعقيدة كانوا وعلى أي مذهب كانوا وإن كانوا من الكفار كما قلنا ذلك بالنسبة إلى الوالدين والأرحام وعلى كل حال الجار ذو القربى والجار الجنب، يعني الجار القريب بالنسب والجار الأجنبي الذي ليس بينك وبينه قرابة كما فسره ابن عباس وفسر أيضاً بأن المراد من الجار ذي القربى منك بالإسلام والجار الجنب هو المشرك البعيد في الدين وقال الزجاج كما في مجمع البيان والجار ذو القربى الذي يقاربك وتقاربه ويعرفك وتعرفه والجار الجنب هو البعيد .

وروي أن حد الجوار أربعين داراً ويروى إلى أربعين ذراعاً أما الصاحب بالجنب فقيل في معناه أربعة أقوال: أحدهما أنه الرفيق في السفر كما فسره ابن عباس إذ يستحب الإحسان إليه بالمواساة وحسن العشرة.

والثاني: هو الزوجة كما فسره ابن مسعود.

والثالث: أنه المنقطع إليك يرجو نفعك.

والرابع: هو الخادم الذي يخدمك.

إلا أن العلامة الطبرسي رضوان الله عليه قال الأولى حمله على الجميع وهو الحق لعدم التنافي وظهور الآية يشمل هذه الموارد وغيرها أيضاً وكيف كان فإن الآية الشريفة سواء حملت على الجار ذي القربى بالتفسير الأول أي حملنا الجار القريب النسبي أو حملناه على الأجنبي أو حملنا على الجار القريب من ناحية المكان والجار الجنب حملناه على البعيد من ناحية المكان فإن الآية تشمل هذه المعاني أجمع وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال الجيران ثلاثة جار له ثلاثة حقوق حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام وجار له حقان حق الجوار وحق الإسلام، وجار له حق الجوار وهو المشرك من أهل الكتاب.

إذ بين الجار ذي القربى والجار الجنب عموم من وجه كما لا يخفى منطقياً فبناءً على هذا قد يكون الجار قريب ومسلم وقد يكون الجار بعيد ومسلم وقد يكون الجار قريب وليس بمسلم أو بعيد وليس بمسلم ولا منافاة بين هذه فإنه إذا كان الجار من القرابة و من المسلمين فإنه يكون له في ذمة الجار الآخر ثلاثة من الحقوق حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام فاللازم مراعاتها يكون أولى وأكد وكذا إذا كان له حق الجوار وحق الإسلام أو له حق الجوار فقط فإن ذلك يتأكد شدة وضعفاً كما لا يخفى وقد ورد في الروايات الشريفة وجوب مراعاة حق الجوار فعن الإمام الصادق (عليه السلام) عليكم بحسن الجوار فإن الله سبحانه وتعالى أمر بذلك.

وعنه (عليه السلام) حسن الجواريزيد في الرزق.

وعنه (عليه السلام) حسن الجوار يعمر الديار ويزيد في الأعمار.

وقد تقدم منا سابقاً في صلة الرحم والفوائد التي تترتب على ذلك وقلنا أن زيادة الرزق وتعمير الديار المترتبة على هذه الأعمال أما من باب الأسباب الغيبية الماوراءية التي تدير شؤون العالم وأما من جهة الأسباب الطبيعة باعتبار أن الإنسان كلما يراعي حقوق جاره يتماسك المجتمع أكثر فتزداد فيه الخيرات والتعاطف والبركة كما أن الديار المتعاطفة والمتحابة تعمر أيضاً بمزيد من الراحة والرفاه على ما بيناه سابقاً وعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من حسن الجوار تفقد الجار وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مازال جبرائيل (عليه السلام) يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.

وعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عند وفاته (الله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم مازال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم).

وعنه (عليه السلام) ما تأكدت الحرمة بمثل المصاحبة والمجاورة وعن الإمام الصادق (عليه السلام) (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه رجل من الأنصار فقال إني اشتريت داراً من بني فلان وإن أقرب جيراني مني جواراً من لا أرجو خيره ولا أمن شره قال فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً وسلمان وأبا ذر أن ينادوا في المسجد بأعلى أصواتهم بأنه لا إيمان لمن يأمن جاره بوائقه) فنادوا بها ثلاثاً.

وعنه (صلى الله عليه وآله) (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره) إلى غير ذلك من الروايات المستفيضة في هذا المجال. وسنتعرف إليها من خلال البحث لها إن شاء الله تعالى وقد عرفت من الاطلاق والعموم في  هذه الروايات اللزوم في إكرام الجار والإحسان إليه بغض النظر عن أن يكون مسلماً أو يكون مؤمناً أو يكون فاسقاً أو يكون كافراً فلا خصوصية في ذلك للدين والمذهب أو العقيدة.

المبحث الثاني: في الآداب الاجتماعية التي تتعلق في ذمة الإنسان وينبغي مراعاتها للجار ودلت على ذلك الروايات دلالة كبيرة في وجوب الإحسان إلى الجار وكف الأذى عنه فمضافاً إلى ما عرفته مما تقدم فإنه قد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرمة الجار على الإنسان كحرمة أمه فكما ينبغي على الإنسان احترام الأم والبر بها والإحسان إليها وحرمة إيذائها بل وتفقد أحوالها وقضاء حوائجها ينبغي أن يراعي ذلك للجار وإن كان حرمة الأم أشد وأولى بلا اشكال إلا أن التنزيل هنا في قوله (صلى الله عليه وآله) حرمة الجار كحرمة أمه تنزيل للأهمية وللإشارة إلى أهمية الملاك فينبغي للإنسان أن يحسن إلى جاره يحترمه ويكف الأذى عنه كما ينبغي أن يتفقد أحواله ويقضي حوائجه ويشاطره في الأفراح وفي الأحزان وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) ليس حسن الجوار كف الأذى ولكن الجوار الصبر على الأذى وفي هذه الرواية دلالة صريحة على أن من صفات المؤمن ليس فقط ألا يؤذي الجار بل أولاً لا يؤذي الجار ثانياً إذا أذاه الجار على فرض فإنه ينبغي أن يصبر على هذا الأذى لشدة احترام الجار ولأهمية حقوقه على الإنسان وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله إني أردت شراء دار أين تأمرني أن اشتري في جهينة أهم في مدينة أم في ثقيف أم في قريش فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) الجار ثم الدار الرفيق ثم السفر.

وعنه (عليه السلام) سل عن الجار قبل الدار. وذلك لأهمية الجار ولأثر الجار على دنيا الإنسان وعلى آخرته أيضاً كما لا يخفى لأن جار الخير يسوق الإنسان ويؤدي بحياة الإنسان إلى الخير أيضاً بخلاف جار السوء فقد ورد عن لقمان الحكيم لم أحمل شيئاً أثقل من جار السوء.

وعن رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله) أعوذ بالله من جار السوء في دار إقامة تراك عيناه ويرعاك قلبه أن رآك بخير ساءه وإن رآك بشر سرّه.

وعنه (صلى الله عليه وآله) ثلاثة هن أم الفواقر وجار عينه ترعاك وقلبه ينعاك أن رأى حسنة دفنها ولم يفشها وإن رأى سيئة افشاها وأذاعها وعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) جار السوء أعظم الضرائب وأشد البلاء.

وعليه فإن عن الواجبات على المؤمن أن لا يتسم بهذه السمات فيبادل الجار بهذا الشعور فإن هذا من أشد القبائح بل وفي بعض مراتبه من المحرمات كما أنه لو أراد أن يقطن في بلد أو في حي أو في زقاق عليه أن يرى الجار الصالح ثم يعاشره ويؤاخيه لأن الجار له أثر كبير في حياة الإنسان وعليه فإن الروايات ذكرت أيضاً جملة من الصفات التي ينبغي أن يتسم بها الجار الخير منها ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما أقر بي من بات شبعاناً وجاره المسلم جائع.

وعنه (صلى الله عليه وآله) ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعان وجاره جائع إلى جنبه.

وعنه (صلى الله عليه وآله) (ما آمن بي من بات شبعان وجاره طاوٍ ما آمن بي من بات كاسياً وجاره عارٍ.

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما آمن بي من بات وجاره جائع قال ما من أهل قرية يبيتوا وفيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة.

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لأصحابه ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعاناً وجاره جائع فقلنا هلكنا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله): فقال من فضل طعامكم ومن فضل تمركم وورقكم وخلقكم تطفئون بها غضب الرب ومن الواضح أن هذه أدنى الحقوق التي ينبغي أن يقوم بها الإنسان تجاه جاره من الآداب والحقوق والآداب الاجتماعية فما ذكر في هذه الروايات من الطعام ومن الكسوة هذه الضروريات الأولية لمعيشة كل إنسان ولمؤاخاة كل جار وكل رحم وصديق وهناك حقوق أبعد من ذلك أيضاً ذكرها الإمام زين العابدين (عليه السلام) في جملة من كلماته حيث يقول أما حق جارك فحفظه غائباً وإكرامه شاهداً ونصرته إذا كان مظلوماً فلا تتبع له عورة فإن علمت من سوء سترته عليه وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه ولا تسلمه عند شديدة وتقبل عدته وتغفر ذنبه وتعاشره معاشرة كريمة.

ومن الواضح أن هذه الحقوق ما يلزم أن يراعيها الإنسان لنفسه ولأولاده ولزوجته فإذا ورد في الروايات لزوم مراعاتها للجار يستكشف منا بأن حق الجار كحق النفس وحق الأولاد ولو بالجملة وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حقوق الجار أن استغاثك اغثته وإن استقرضك أقرضته وإن افتقر عدت عليه وإن أصابته مصيبة عزيته وإن أصابه خير هنأته وإن مرض عدته وإن مات اتبعت جنازته ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه وإن اشتريت فاكهة فاهد له فإن لم تفعل فأدخلها سراً ولا تخرج بها ولدك تغيض بها  ولده ولا تؤذه بريح قدرك إلا أن تغرف له.

ونحن نرى في مجموع هذه الخصوصيات كم للجار من الحقوق العظيمة من ناحية المعنويات ومن ناحية الماديات التي ينبغي على الناس أن يراعيها بعضهم للبعض الآخر وليس من حق الجار أن تحترمه فقط أو لا تؤذيه فقط.

هذه الموارد التي وردت في الروايات تدل على أن الجار يشارك الإنسان حتى في طعامه وشرابه ويشارك الجار حتى في الريح وفي الشم وفي نور النهار وفي ظلمة الليل بل ويشارك الإنسان في خيره وفي شره بأفراحه وفي أحزانه ولاشك في أن الجار كلما قرب من الجار تتأكد ويشتد لزوم مراعاة هذه الحقوق فإن الأقرب أولى كما هو واضح إلى مكان الحريم فإن في الروايات أن حريم المسجد أربعون ذراعاً والجوار أربعون داراً من أربعة جوانبها فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعون داراً جار.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) حريم المسجد أربعون ذراعاً والجوار أربعون داراً من أربعة جوانبها إلى غير ذلك من الروايات فليس الجار هو اللصيق بدار الإنسان الجار إلى أربعين دار من أربعة جوانب فللنظر إذن كم للجار من الحقوق العظيمة التي ينبغي على المجتمع المسلم إن يحفظ هذه الحقوق ويراعيها من أجل مجتمع حقيقي قوي ومتماسك في معنوياته وفي مادياته كما أن هذه الحقوق كم لها من الأثر العظيم على سعادة الإنسان وعلى رفاهه وعلى زيادة المحبة والتماسك والتناصر بين الناس ولعل البؤس والشقاء الذي تعانيه الإنسانية اليوم في مختلف المجتمعات والشعوب ناشئة من عدم مراعاة هذه الحقوق. سواء كانت الحقوق الأسرية أو حقوق الأرحام أو حقوق الجيران على ما فصله علماء الاجتماع والنفس في مضانه ويتحقق مما تقدم فروع ومسائل.

المسألة الأولى: يجب كف الأذى عن الجار فعن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه قال: وجدت في كتاب علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كتب بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهم يثرب أن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وحرمة الجار على الجار كحرمة أمه، وغير مضار معناه لا يجوز الإضرار به ولا آثم أي لا يجوز عدّه آثماً فهو من باب سلب الموضوع لسلب الحكم كما يقولون كما إذا قيل زيد ليس بعالم مع أنه في الواقع عالم ولكن يراد بالنفي ليس له أحكام العلماء من الاحترام والاتباع وما أشبه ذلك.

فهذا من باب الحكومة التنزيلية التي تنفي الحكم بنفي الموضوع أو تثبت الحكم بإثبات الموضوع كما لو قال المتكلم عن الإنسان الجاهل بأنه عالم أو قال على العالم الذي هو من ناحية العلم عالم إلا أنه رأى منه بعض التصرفات الشائنة التي لا تليق بالعلماء يقول ليس بعالم ومراده ليس بعالم تنزيلاً وعليه فإن الجار هو الذي يعتبر جاره كنفسه كذلك ينبغي أن لا يضر بجاره ولا يعده آثماً أيضاً بمعنى أن الجار إذا آذاه لا يعده آثماً بهذا الأذى بل يتحمله ولا يقابله بالمثل ولا يقتص منه وما أشبه ذلك من الطرق والأساليب التي تؤدي إلى تفكيك الأواصر وتفكيك المجتمع بل أكدت الرواية أن حرمة الجار على الجار كحرمة الأم فكما يحرم على الإنسان أن يؤذي أمه أو يكشف سوءتها أو يتعدى عليها أو ينتهك حرمتها أو ما أشبه ذلك كذلك بالنسبة إلى الجار وعن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفر يقول المؤمن من أمن جاره بوائقه قلت ما بوائقه قال ظلمه وغشه.

وعن الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث المناهي قال من آذى جاره حرم الله عليه ريح الجنة ومأواه جهنم وبئس المصير ومن ضيع حق جاره فليس منا مازال جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.

وهذا الظن ناشيء من كثرة التأكيدات كما هو واضح وكيف كان فإنه بناءً على رأي المشهور من الفقهاء بأن الذنوب الكبيرة هي التي وعد الله سبحانه وتعالى عليها النار فإن أذى الجار في مثل هذه الروايات موعود صاحبه بالنار مما يكشف أن أذى الجار من المعاصي الكبيرة والعياذ بالله وعن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول من كف أذاه عن جاره اقاله الله عثرته يوم القيامة ومن عف بطنه وفرجه كان في الجنة ملكاً محبوراً، ومن اعتق نسمة بنى الله له بيتاً في الجنة.

ولا يخفى عليك بأن علماء الكلام قد بينوا في محله من علم الكلام والعقائد بأن الإنسان في يوم القيامة يكون ملكاً كل في دائرته وفي مقامه ويجعل الله سبحانه وتعالى من الرعية ما  شاء  له على تفصيلات ذكرها العلماء في محلها وعليه فإن هذه الرواية تصرح أن من كف أذاه عن جاره كان من أهل الجنة بل ومن ملوك أهل الجنة وهو يكشف عن العكس أيضاً أي من أذى جاره يكون في أشد العذاب في الآخرة وأما محبوراً فمعناه مسروراً. وروى الشيخ الصدوق رضوان الله عليه في عقاب الأعمال بسنده في عيادة المريض عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال من كان مؤذياً لجاره من غير حق حرمه الله ريح الجنة ومأواه النار إلا وأن أول ما يسأل الرجل عن حق جاره ومن ضيّع حق جاره فليس منا ومن منع الماعون من جاره إذا احتاج إليه منعه الله من فضله يوم القيامة ووكله إلى نفسه.

ومن وكله الله إلى نفسه هلك، لا يقبل الله له عذراً والماعون كل شيء فيه منفعة وهو يصدق على كل معونة أو عون يمكن أن يقدمه الجار لجاره من أثاث أو طعام أو غير ذلك ولا يخفى عليك بأن المنع إذا كان من دون حق كما هو صريح الرواية يكون غير مشروع وفيه تضيع لمحقوق الجار أما إذا كان العذر في المنع مشروعاً فالله عز وجل أولى بالعذر وقد ورد في الروايات أن الجار إذا كان يفسد ما يعيره جاره فإنه يجوز له أن يمنعه من هذا النفع فقد روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في تفسير الماعون هو القرض تقرضه والمعروف تصنعه وأثاث البيت تعيره ومنه الزكاة قال فقلت له إن لنا جيراناً إذا أعرناهم متاعاً كسروه وأفسدوه، فعلينا جناح أن نمنعهم فقال لا ليس عليك جناح أن تمنعهم إذا كانوا كذلك، فعليه كما أن على الجار أن يعير جاره وينفعه فإنه ينبغي على الجار الآخر المستعير أن يرعى هذا الحق له ولا يفسد متاعه وما أشبه ذلك وإذا كان لا يراعي هذا الحق فحينئذٍ يجوز منعه ولا يعد حينئذٍ تضييعاً لحقه.

المسألة الثانية: في حرمة إيذاء الجار إذ يحرم أذى الجار كما يحرم أذى غير الجار من أقسام المسلمين والمحترمين، والظاهر أنه لا فرق بين أن يكون الجار مسلماً أو كافراً كما أنه لا فرق في أصل حرمة الأذى بين أن يكون المؤذي مسلماً أو كافراً محترماً وأما بالنسبة إلى الجار آكد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ما روي عنه من كان يؤمن بالله فلا يؤذين جاره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ملعون معلون من أذى جاره واللعنة ظاهرة في الحرمة عرفاً كما لا يخفى ومن الواضح أن المقصود من الجار ليس الجار في السكن وفي البيت بل يشمل حتى الجار في محل العمل وفي محلات السوق وما أشبه ذلك...

كما أن المراد بالأذى، الأذى المحرم أما الأذى الجائز كان يدخل الإنسان في مكان مزدحم أو يفتح دكاناً في مقابل دكانه لأجل معيشته وإن تأذى بذلك الطرف المقابل لحسد أو غيض أو ما أشبه فليس ممن المحرم ذلك بلا اشكال وقد جرت بذلك السيرة منذ زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى زماننا هذا عند المتشرعة كما أن الأذى كما يصدق على الأذى اللساني كذلك يصدق على الأذى بالكتابة كأن يكتب فيؤذي الطرف المقابل أو بالإشارة وكذا يحرم أذية الكافر المحترم أيضاً سواءً باللسان أو بالقلم أو بالإشارة ونحو ذلك وسواء كان هذا الكافر معاهداً أو ذمياً أو محايداً.

نعم بالنسبة إلى الكافر الحربي لا بأس بإيذاءه إذا لم يكن نفس العمل حراماً فلا يجوز للمسلم مثلاً أن يؤذي الكافرين بالزنا ببناتهم أو اللواط بأولادهم حتى وإن كانوا هم يستحلون ذلك ولو كانوا لا يتأذون من ذلك أيضاً ولو كان في ساحة الحرب أيضاً فإن هذا لا يجوز فعله للمسلم أبداً أما في غير ذلك من الموارد التي قطعنا بحرمتها مطلقاً أو قام به الدليل الخاص على حرمتها مطلقاً ففي هذه الصورة يجوز أذى الكافر الحربي لأنه يؤذي المسلمين أيضاً فيجوز من باب رد المنكر أو من باب المقابلة بالمثل.

المسألة الثالثة: لا يجوز الدخول في بيت الجار من دون إذنه قال سبحانه وتعالى: ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)). ومن الواضح أن دخول بيت الغير بلا إذن منه لا يجوز مطلقاً من غير فرق بين أن يكون البيت ملكاً للغير أو كان في إيجاره أو أن يكون وقفاً بيده أو ما أشبه ذلك وقد ذكرنا هذه المسألة في باب أنها محل الابتلاء غالباً بين الجيران، وكيف كان فإن الجار إذا أراد أن يدخل في دار جاره ولم يؤذن له لا يجوز له الدخول فالدخول حينئذٍ يكون محرماً ولا خصوصية للبيت كما لا يخفى ،  بل يجري هذا في صورة المحل أو في صورة الحديقة أو الساحة أو العقار أو البستان وسائر ما يتعلق به حق الغير أو يكون مملوكاً للغير فإنه لا يجوز الدخول فيه ما لم يأذن صاحبه ويجري ذلك في مثل الأعراس والولائم وما أشبه ذلك إذا دعي الإنسان هناك للضيافة أو للمساهمة في الطعام وما أشبه ذلك فإنه إذا انتهى الاحتفال أو انتهى الطعام وكان صاحب البيت يكره البقاء فيه فإنه يجب على الحضور الانتشار كما قال سبحانه وتعالى: ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ)) والانتشار بالخروج عن بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بل كل إنسان يكره بقاء الإنسان في داره أو في محله يكون من الواجبات. وإنما ذكر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أما من باب المورد أو من باب الأهمية وكذا الكلام يجري بالنسبة إلى الديوان أو بالنسبة إلى المجالس العامة.

المسألة الرابعة: إذا أقيمت مجالس في مجمع سكني أو في نيابة أو في بيت كبير يجتمع فيه الجيران وكانت هذه المجالس يرتكب فيها المحرمات من لعب القمار ومجالسة أهل البدع فإن المشاركة في أمثال هذه من المحرمات وقد ورد النهي عن مجالسة جملة من الظالمين أو الكافرين والمستهزئين بالقرآن الكريم قال سبحانه وتعالى: ((وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)) وغيرها من الآيات وعن المسعودي في إثبات الوصية عن العالم (عليه السلام) أنه قال لا تجالس المفتونين فيتنزل عليهم العذاب فيصيبكم معهم وعن المفضل بن يزيد قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) وذكر أصحاب أبي الخطاب والغلاة فقال لي يا مفضل لا تقاعدوهم ولا تواكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا توارثوهم، لأن الغلو كفر وخروج عن الإسلام وفيه ضلالة وخوف على أبناء العوائل والأسر في أن يعقدوا مجالس يجتمع فيها الأسر ويكون فيها المحرمات كما يحرم الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر سواء كانت بين الجيران أو كانت بين الأصحاب فإن المشهور حرمة ذلك لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) ملعون ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها الخمر وكذا الكلام بالنسبة إلى مجالس لعب الشطرنج وما أشبه ذلك من المحرمات كما يحرم صنعه أيضاً لأنه آلة القمار فيدخل في عموم الأدلة المانعة عن صنع آلات القمار فضلاً عن النصوص الخاصة بالنسبة إلى الشطرنج بالخصوص ففي صحيح ابن أبي عمير عن هشام عن الصادق (عليه السلام) في قول الله تعالى: ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثانِ)) الشطرنج والظاهر أن الإمام (عليه السلام) أراد بذلك الملاك ونحوه أو أراد بطناً من بطون الآية المباركة وإلا فالظاهر أن الرجس من الأوثان هي الأصنام وفي صحيح مسعدة بن زياد عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن الشطرنج فقال دعوا المجوسية لأهلها لعنها الله.

وهل حضور مجلس يلعب فيه الشطرنج حرام أم لا احتمالان. من ظاهر حضور مجلس المنكر محرم كما في جملة من الروايات التي يفهم منها الملاك بل وبعض الآيات أيضاً كما عرفت ولصحيح عباد قال دخل رجل من البصريين على أبي الحسن الأول (عليه السلام) فقال له جعلت فداك أبي أقعد مع قوم يلعبون بالشطرنج ولست ألعب بها ولكن انظر قال مالك ولمجلس لا ينظر الله إلى أهله.

الاحتمال الثاني: أن نقول بالجواز لأصالة الاباحة بعد عدم قوة الدليل لكن الأحوط إن لم يكن الأقوى هو الأول والظاهر أن الشطرنج وغيره من آلات القمار يجب افناؤها أيضاً وإن تضرر من ذلك أصحابها بأن كانت قيمتها مجتمعة مثلاً ديناراً وقيمتها مفككة وما أشبه ربع دينار وكذلك بالنسبة إلى سائر المحرمات من هذا القبيل كالأصنام وآلات اللهو ونحو ذلك فبناءً على هذا فاجتماع الجيران مع بعضهم في مجالس يقام فيها اللهو واللعب والمخالطة أو اللعب الشطرنج أو ما أشبه يعد ذلك من المحرمات الشرعية.

المسألة الخامسة: قد عرفت مما تقدم من الروايات استحباب حسن الجوار واستحباب إطعام الجيران وكراهة مجاورة جار السوء وإن حد الجوار أربعون دارا من كل جانب كما بيناه ونقلناه لك من الروايات، بقيت هنا جملة من الأدب والاستحبابات التي ينبغي مراعاتها في التعامل مع الجيران.

ومنها استحباب تشييع الجار ولو كان ذمياً والمشي معه هنيئة عند المفارقة فعن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه أن أمير المؤمنين (عليه السلام) صاحب رجلاً ذمياً فقال له الذمي أين تريد يا عبد الله قال أريد الكوفة فلما عدل الطريق بالذمي عدل معه أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أن قال فقال له الذمي لم عدلت معي فقال له أمير المؤمنين هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه كذا أمرنا نبينا.

وهذه الأخلاق والآداب تتأكد بالنسبة إلى الجار خصوصاً إذا كان الجار من الأرحام أو من المسلمين ولذا كانت هذه الأخلاق التي تعامل بها أمير المؤمنين كانت سبباً لإسلام هذا الذمي كما في الروايات، ومنها استحباب سؤال الجار عنه والجلوس معه والسؤال عن اسمه وكنيته والتعرف على اوضاعه وبشرط أن لا يكون نوعاً من الفضول أو نوعاً من الإساءة اليه ويكون التعرف دائماً  لأجل التعرف والمعاونة والمناصرة فعن علي بن الحسين (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً لجلسائه اتدرون ما العجز قالوا الله ورسوله أعلم فقال العجز ثلاثة أن يبدر أحدكم بطعام يصنعه لصاحبه فيخلفه ولا يأتيه والثانية أن يصحب الرجل منكم الرجل ويجالسه يحب أن يعلم من هو ومن أين هو فيفارقه قبل أن يعلم ذلك والثالثة أمر النساء يدنوا أحدكم من أهله فيقضي حاجته وهي لم تقض حاجتها فقال عبد الله بن عمر بن العاص فكيف ذلك يا رسول الله قال يتحرك ويمكث حتى يأتي ذلك منهما جميعاً وعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أحب أحدكم أخاه المسلم فليسأله عن اسمه واسم أبيه واسم قبيلته وعشيرته فإن من حقه الواجب وصدق الأخاء أن يسأله عن ذلك وإلا فإنها معرفة حمق.

وعن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثة من الجفاء أن يصحب الرجل الرجل فلا يسأله عن اسمه وكنيته وإن يدعى الرجل إلى طعام فلا يجيب أو يجيب فلا يأكل ومواقعة الرجل أهله قبل الملاعبة.

ومن الواضح أن هذه الآداب والحقوق إذا كانت للمصاحب وللجليس فإنها تتأكد بالنسبة إلى الجار لأن حق الجار أولى بالمراعاة في مثل هذه الموارد ومنها استحباب حسن الخلق مع الجار وإن كان الحسن الخلق من المستحبات الأكيدة مع جميع الناس إلا أنه يتأكد مع الجار لحقوق الجوار، فعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال أن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً.

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال البر وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار وقد تقدم هنا أن هذه الفوائد من تعمير الديار وزيادة الأعمار أما بلحاظ الآثار الغيبية وأما لأنهما يوجبان جمع الناس بعضهم حول بعض وبذلك تقل المشاكل وتكثر الأموال وقلة المشاكل توجب راحة النفس الموجبة لزيادة العمر وكثرة الأموال توجب عمارة الديار كما هو واضح وعن إبراهيم بن عبد الحميد قال قال أبو عبد الله (عليه السلام)، أكمل الناس عقلاً أحسنهم خلقاً.

وعن عنبسة العابد قال قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) ما يقدم المؤمن على الله عز وجل من شيء بعد الفرائض أحب إلى الله من أن يسع الناس بخلقه.

وعن علي بن أبي علي اللهبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أن الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدو عليه ويروح ولعل المقصود من قوله (عليه السلام) يغدو عليه ويروح أي المجاهد المستمر في جهاده في كل غداة ورواح إلى غير ذلك من الروايات المستفيضة في هذا المجال ولا يخفى أن حسن الخلق يتأكد مع الجار لحق الجوار خصوصاً إذا كان الجار قريباً أو كان ملاصقاً فإن حسن الأخلاق من شأنها أن تعود على الجيران بالسعادة وبالراحة والاستقرار فعن أحمد بن عبد الله رفعه قال قال لقمان لابنه يا بني صاحب مائة ولا تعادي واحداً يا بني إنما هو خلاقك وخلقك فخلاقك دينك وخلقك بيتك وبين الناس ولا تعترض إليهم وتعلم محاسن الأخلاق يا بني كن عبداً للأخيار ولا تكن ولداً للأشرار يا بني أد الأمانة تسلم لك دنياك وآخرتك وكن أميناً تكن غنياً أو المقصود من الخلاق هو النصيب وهو من الخلق لأن نصيب الإنسان إنما يأتي من باب خلقه فهو من باب علاقة السبب والمسبب ولعل قوله عبداً أي لأن تكون عبداً لسيد خير أفضل من أن تكون ولداً لوالد شرير وعليه فالزم الأخيار وإن كان بالخدمة لهم ولا تقترب من الأشرار وإن كنت تعدلهم بالنسبة بمنزلة ولدهم وأخواتهم وأما قوله دنياك لأن الخائن مهان عند الناس وأما قوله غنياً ؟؟؟ فلأن الأمين على أموال الناس وأعراضهم وأديانهم يلتف الناس حوله ويحترمونه ويجلبونه ويجعلونه إماماً لهم ومن الواضح أن هذا من مقتضيات الغنى ومن دواعيه، وكيف كان فإن مراعاة حقوق الجيرة لإمثال هذه الأخلاق الحسنة من شأنها أن تعود بالخير على دين الإنسان وعلى دنياه.

ومن المستحبات: استحباب التأليف المؤالفة بين الجيران خصوصاً حياة الجيرة التي ربما توجد بعض الدواعي المسببة لبعض المشاحنات والمباغضات بين الأولاد أو بين الأهل فيستحب ويتأكد هذا الاستحباب في المؤالفة بينهم ففي حديث الخثعمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضلكم أحسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون وتوطأ رحالهم.

والمقصود من قوله أكنافاً أي أطرافهم موطأة وهي كناية عن أن الناس يعيشون من حولهم ومعهم بحرية وأمان كما أن من لا يهتم بوطي الناس من فراشه وبساطه لا يبتعد الناس عنه بخلاف من يفعل العكس.

وعن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال المؤمن مألوف ولا خير فيمن لا يؤلف و لايألف.

ولا يستحب أيضاً أن يعامل الجار جاره باللين وبالتسهيل وبطلاقة الوجه وحسن البشر فعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار غداً قالوا بلى يا رسول الله قال الهين القريب اللين السهل.

والظاهر أن المراد من الهين هو الخفيف المؤنة ومن اللين الهين في معاشرته مع الناس وعن الفضيل قال قال صنايع المعروف وحسن البشر يكسبان المحبة ويدخلان الجنة والبخل وعبوس الوجه يبعدان من اللين ويدخلان النار.

فعن ابن محبوب عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت ما حد حسن الخلق قال تلين جناحك وتطيب كلامك وتلقى أخاك ببشر حسن.

ولا يخفى أنه قد يكون الإنسان طيب الكلام إلا أنه يدفع الناس عنه ويبعده عنه بسبب بخله أو لسبب تدقيقه في الأمور أو بسبب تتبع عثرات الناس أو مراقبة جيرانه أو أصحابه وأقرانه وما أشبه ذلك وبذلك يتصف بأنه ليس لين الجناح، ولين الجناح هو السهل الهين الذي لا يتتبع عثرات وأخطاء الآخرين ولا يراقب سوءاتهم ونحو ذلك بل يلاقيهم بطلاقة الوجه وحسن البشر فعن الحسن بن الحسين قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا بني عبد المطلب إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر.

ومن الواضح أن بني عبد المطلب ذكروا في الرواية من باب المصداق أو من باب أهم المصاديق وإلا فكل مؤمن يلزم أن يكون كذلك خصوصاً إذا كان من الجيران فإن حياة الجيرة تتأكد الحاجة بينها وتشتد في مثل هذا الخلق الرفيع فعن سماعة عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسن البشر يذهب بالسخيمة والقصود من السخيمة الحقد الدفين في القلوب ومن أجلى مصاديق إزالة الحقد هو حسن البشر وطلاقة الوجه ويتأكد ذلك في جملة من الأعمال والسلوكيات الاجتماعية التي ينبغي أن يراعيها الجيران مع بعضهم من التحية والسلام والمباركة في الأعياد والمناسبات والتهاني عند القدوم من السفر أو الحج أو ما أشبه ذلك، وكذلك المعاونة في المعروف وقضاء الحوائج والعيادة عند الأمراض والمباركات عند الولادات وعند الأعراس والمشاركة في الأحزان إلى غير ذلك من مصاديق متعددة يعيشها المجتمع في كل يوم وتحتاج         الجيران بعضهم إلى البعض في مثلها  .