المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 014.doc

نفقات الزوجية

إن نفقة الزوجة المعقودة بالعقد الدائم واجبة على الزوج كتاباً وسنة وإجماعاً بل وعقلاً في الجملة فمن الكتاب قوله سبحانه وتعالى ((الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ))، والآية ظاهرة في أن قيمومة الرجل بعض أسبابها النفقة ومنها قوله سبحانه وتعالى ((وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) وقوله سبحانه وتعالى ((لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ)) ومنها قوله سبحانه وتعالى ((وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)).

وهذه الآية صريحة أيضاً في وجوب الإنفاق على المرأة الحامل وعلى ولدها أيضاً.

ومن السنة روايات كثيرة تجاوزت حد التواتر فمنها معتبرة فضيل بن يسار (في قوله تعالى ((وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ)) قال إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة وإلا فرق بينهما).

وعن أبي بصير (قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقاً على الإمام أن يفرق بينهما).

وفي رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: قلت: من الذي أجبر على نفقته؟ قال: الوالدان والولد والزوجة).

وعن أبي القاسم الفارسي (قال: قلت للرضا عليه السلام جعلت فداك إن الله يقول في كتابه فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فما يعني ذلك؟ فقال: أما الإمساك بالمعروف كف الأذى وإحباء النفقة وأما التسريح بإحسان فالطلاق على ما أنزل به الكتاب).

وروي أن هنداً امرأة أبي سفيان جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذ منه سراً وهو لا يعلم فهل عليّ في ذلك من شيء؟ فقال صلى الله عليه وآله: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف).

وقد استفاد الشهيد الثاني رضوان الله عليه في المسالك من هذه الرواية عدة أحكام ولعلها بلغت العشرة:

منها وجوب الإنفاق على الزوج وأضاف سماحة الأستاذ دام ظله في الفقه عشرة أحكام أخرى أيضاً استقاها من الرواية نفسها.

ومن هذه الأحكام أنه يجوز للمرأة الخروج من بيتها لتستفتي في أحكامها الشرعية.

كما أنه يجوز لمن له حق على غيره وهو يمتنع أن يأخذ من ماله بغير علمه.

ومنها أن المرجع في نفقة الزوجة والأولاد إلى المعروف ولا تقدير له شرعاً.

وكيف كان فإن في وجوب النفقة شروط منها أن يكون العقد دائماً فلا نفقة للزوجة ذات العقد المنقطع بالإجماع إلا إذا اشترطت ذلك في العقد.

الشرط الثاني: التمكين الكامل وهو التخلية بينها وبين الزوج على وجه يتحقق به عدم نشوزها الذي لا خلاف في اعتباره في وجوب الانفاق بل الإجماع بقسميه عليه فمتى مكنت الزوجة من نفسها للزوج حيث لا تخص موضعاً ولا وقتاً مما يحل للزوج الاستمتاع بها وجب عليه الانفاق عليها وإلا فلا.

ويدل على ذلك الإجماع والروايات ومنها رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال: رسول الله صلى الله عليه وآله: أيما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع).

وعن النبي الاعظم صلى الله عليه وآله أنه قال في خطبة الوداع (أن لنساءكم عليكم حقاً ولكم عليهن حقاً حقكم عليهن أن لا يوطأن فرشكم ولا يدخلن بيوتكم أحداً تكرهونه إلا بإذنكم وأن لا يأتين بفاحشة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح فإذا انتهين وأطعنكن فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف).

والروايات في هذا المضمون متظافرة.

وهنا سؤال قد يتفرع على ما تقدم وهو أن نفقة الزوجة هل تجب على الزوج بمجرد العقد عليها أم لا تجب إلا بالتمكين؟

وفي المسألة قولان:

إلا أن جمعاً من الفقهاء المتأخرين وبعضهم من المعاصرين كسماحة السيد الشيرازي دام ظله في الفقه ذهبوا إلى أنها تجب بمجرد العقد وإنما يكون النشوز مسقطاً لوجوب الإنفاق وذلك لعموم الأدلة الدالة على وجوب نفقة الزوجة.

وفي مناهج المتقين قال العلامة رضوان الله عليه أن النفقة تثبت بالعقد وأن شرطها دوام العقد فلا نفقة للمتعة إلا مع الاشتراط فثبت بمقدار ما اشترط كماً وكيفاً وزاد جمع شرطاً آخر وهو التمكين التام.

والحق أن النشوز مانع لأن التمكين شرط.

وتظهر الثمرة في المرأة المعقودة ولم يحن وقت زفافها بعد وتكون عند أهلها مثلاً فإنه على القول الذي ذهب إلى أن النفقة انما تجب بالعقد فمقتضى القاعدة فيها وجوب الانفاق عليها وهي في بيت أهلها والنشوز يكون مسقطاً لوجوب الانفاق فإذا لم تكن ناشز وهي في بيت أهلها فانها تستحق الانفاق.

وأما على القول الآخر هو الذي يقول بأن النفقة تجب بالتمكين فإن المرأة التي لا زالت في بيت أهلها ولم يدخل بها الزوج بعد لا تستحق النفقة وذلك لعدم تحقق التمكين والظاهرة بالسيرة المستمرة بين المسلمين تؤيد الثاني حيث أنهم يعقدون النساء بعقد النكاح وهن عند أهلهن من غير أن ينفقوا عليهن حتى يحين وقت الزفاف والدخول بهن لكن قد يناقش في مثل هذه السيرة من ناحية الصغرى أو من ناحية اتصالها بزمان المعصومين عليهم السلام.

ويتفرع على ما ذكرنا جملة مسائل:

المسألة الأولى لا تسقط نفقة الزوجة في صورة عدم تمكينها للزوج إذا كان ذلك لعذر شرعي أو عقلي كحيض مثلاً أو احرام بالحج مثلاً أو في اعتكاف واجب أو مرض أو غير ذلك وذلك لأن التمكين مشروط بالتمكّن عرفاً والمفروض أنها لم تتمكن منه هنا للمانع الشرعي أو العقلي مضافاً إلى قيام الإجماع على ذلك وكذا الحكم فيما إذا سافرت المرأة بإذن زوجها فانه لا تسقط نفقتها سواء كان السفر في واجب كصلة الأرحام مثلاً أو مندوب كالزيارة مثلاً أو مباحاً كالتنزه والترفيه وذلك لظهور الإجماع وأن أذن الزوج اسقاط لحقه منها.

وكذا الكلام لو سافرت في واجب مضيق كالحج الواجب بغير اذنه ولو مع منعه ونهيه وذلك لأنه لا حق عليها حينئذ بل في كل واجب مضيق لأن حق الشارع مقدم بل في مثل هذه الموارد لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق نعم لو سافرت بغير اذن الزوج سفر مندوب أو مباح فإنه تسقط نفقتها اجماعاً ونصاً كالنص الذي تقدم عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله (أيما امرأة خرجت من بيتها بغير أذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع).

بل الأمر كذلك لو خرجت من بيته بغير اذنه ولو من غير سفر فضلاً عما كان السفر مصداقا للنشوز.

المسألة الثانية لو تركت التمكين لبعض ما رأته من زوجها من مساوئ الأخلاق أو سوء المعاملة فعلت حراماً وسقطت نفقتها أيضاً.

أما الحرمة فلما فرض اطلاق نصوص وجوب التمكين عليها مطلقاً إلا ما خرج بالدليل والمقام ليس منه مضافاً إلى الأصل والاجماع.

أو ما سقوط النفقة فلما تقدم أيضاً من أنها تدور مدار التمكين إلا ما خرج بالدليل وهذا ليس منه.

وهل للمرأة ترك التمكين لتأخذ حقاً لها عليه من صداق أو نحو ذلك أو ليس لها ذلك؟

وجهان: الأقوى الجواز وذلك لما ذكرناه في رواية هند زوجة أبي سفيان وأنه يجوز لمن له حق على غيره وهو متمنع أن يأخذ من ماله بغير علمه أو مع علمه مقاصة.

ويتفرع على هذه المسألة أنها لو خافت من تمكينها من نفسها خوفاً عقلائياً من حدوث ما تخشاه كما لو خافت من الحمل لانها لا تتحمل الحمل والولادة كما شخصه الاطباء لها أو كان من علمها أو اطمئنانها أو خوفها العقلائي من ذلك فإنه يجوز لها المنع من امنائه داخل الرحم ولا يعد ذلك نشوزاً حينئذ إلا إذا كانت تتمكن منع الحمل بعد الجماع سواء بالوسائل الطبية أو بالوسائل العادية كالقفز والوثب وما نحو ذلك فإنها إذا تمكنت من المنع بهذه الطرق فمقتضى الجمع بين الحقين هو عدم جواز منعها للزوج حينئذ لامكان اعطاء الزوج حقه مع الحؤول دون وقوع المحذور.

ولو قال لها الزوج اسقطي لأنه يكره الأولاد مثلاً ولم تسقط مما يضطر الزوج الىالافراغ خارج الرحم أو باستعمال العوازل الطبية لم يكن ذلك نشوزاً منها لعدم وجوب الاسقاط عليها حينئذ.

المسألة الثالثة ان النفقة والسكنى تثبت لذات العدة الرجعية ما دامت العدة باقية اجماعاً ونصوصاً منها قول أبي جعفر عليه السلام في معتبرة زرارة (انما هي ـ أي النفقة ـ للتي لزوجها عليها رجعة).

وعن أبي الحسن موسى عليه السلام في المطلقة الرجعية (ولها النفقة والسكنى حتى تنقضي عدتها).

وسيأتي مزيد بيان لذلك ان شاء الله تعالى.

وأيضاً تثبت النفقة للزوجة سواء كانت حاملاً أو غير حامل وذلك لاطلاقات الادلة والاجماع ولو كانت ناشزة ثم طلقت في حال نشوزها لم تثبت لها النفقة كالزوجة الناشزة وارجاع ذلك للأصل واطلاقات الادلة والاتفاق.

ولو رجعت إلى التمكين ثبتت النفقة حينئذ كما في الزوجة.

ومما ارسل ارسال المسلمات أن المطلقة الرجعية زوجة فيجب الانفاق عليها ما دامت في العدة نعم المطلقة البائنة لا يجب نفقتها وسكناها اجماعاً ونصوصاً منها قول أبي الحسن موسى عليه السلام من صحيح سعد (إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلقها وملكت نفسها ولا سبيل له عليها وتعتد حيث شاءت ولا نفقة لها).

والروايات في هذا المضمون متظافرة سواء كانت البينونة عن طلاق أو عن فسخ.

أما الطلاق فلما عرفت من النصوص وأما الفسخ فلانهم بين جازم في الحاقه بالطلاق وبين جازم بالعدم والظاهر بأن العرف والاعتبار يساعد على الأول واشتمال النصوص على الطلاق لا يوجب التخصيص به بل المراد التفرقة ويؤيده الإجماع يستثنى من ذلك ما إذا كانت حاملاً فإنها تستحق النفقة والسكنى حينئذ حتى تضع حملها اجماعاً ونصوصاً منها ماعن الصادق عليه السلام في معتبرة أبي الصباح الكناني (إذا طلق الرجل المرأة وهي حبلى أنفق عليها حتى تضع حملها) والروايات ايضاً في هذا المضمون متظافرة.

وأما الحامل المتوفى عنها زوجها فالظاهر انه لا نفقة لها في مدة حملها لا من تركة زوجها ولا من نصيب ولدها على الأقوى بل وهو المشهور وذلك لاطلاق جملة من الأخبار التي منها قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (في الحبلى المتوفى عنها زوجها أنه لا نفقة لها).

وانما قلنا على الأقوى لوجود قول أخر في المقام يذهب إلى أن المرأة المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من مال الحمل أو من تمام المال الذي تركه الزوج ويدل على الأول معتبرة أبي الصباح الكناني عن الصادق عليه السلام (المرأة الحبلى المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من مال ولدها الذي في بطنها).

ويدل على الثاني خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام: (قال نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها من جميع المال حتى تضع).

إلا أن بعض الفقهاء كالسيد السبزواري (قده) في مهذب الاحكام حمل الرواية الأولى على ما إذا رأى الولي أو الوصي مصلحة فيه بحيث يتوقف حياة الحمل عليه ورضي الورثة بذلك أيضاً فحينئذ ينفق عليها من مال الولد كما حمل الرواية الثانية على ما إذا رضي جميع الورثة بذلك وأقدموا عليه وتوقف حياة الولد عليه.

ومما ذكرنا يظهر الحال في صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: (المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من ماله).

ومن الواضح أنه بعد ذهاب المشهور إلى غير ذلك كاشف عن اعراضهم عن مثل هذه الروايات وهو كاف في اضعافها لما ثبت في محله من الأصول من أن الشهرة جابرة وكاسرة.

 

  • نفقة الحامل والحمل

هذا ويتفرع على هذه المسألة مسألة نفقة الحامل هل هي للحمل أم هي للحامل؟

اختلفوا في ذلك ونسب إلى الأكثر أنها نفقة للحمل وأيدوا ذلك بالمساعدة العرفية فإن العرف يساعد على أن كون النفقة للحمل والانتساب إلى الحامل بالعناية لأنها الوعاء والحافظ للولد وقد انقطعت علاقة الزوجية بالموت مع أن العلاقة ثابتة بين الميت وبين الحمل وهي علاقة النسب والقرابة فالنفقة عرفاً لأجل القرابة أولاً وبالذات وللحامل ثانياً وبالعرض.

ولعل بهذه الصورة يمكن أن يجمع بين كلماتهم التي اختلفت في المقام وبهذا يظهر أيضاً أن المنقطعة الحامل أو المنقضية مدتها لا تلحق بها في وجوب النفقة لما ذكرنا من أن النفقة إنما تجب بالعقد الدائم لا بالعقد المنقطع.

نعم بالنسبة إلى المنقطعة الحامل تجب على الزوج النفقة على الحمل لأنه ولده.

  • إذا اختلف الزوج والزوجة في المذهب أو التقليد:

المسألة الرابعة فيما إذا اختلف المذهب بين الزوجين أو إذا اختلف التقليد في المذهب الواحد كما إذا كانت الزوجة في مذهبها أو في تقليدها مثلاً ترى جواز الامتناع وكان الزوج لا يرى ذلك مذهباً أو تقليداً أيضا لم يحق للزوجة الامتناع وإلا كان نشوزاً.

كما لو أراد الزوج الشيعي الصائم صوماً واجباً وطي زوجته العامية بعد الغروب وقبل المغرب عصياناً منه بحكم مذهبه أو جهلاً أو نسياناً فامتنعت عنه لم تكن ناشزة وذلك لأن الحرمة عليه تسمح للزوجة بالامتناع وإن كانت ترى هي الجواز.

ومثله إذا رأت المرأة عدم الحرمة في أيام الاستظهار تقليداً أو اجتهاداً  ويرى الزوج الحرمة ويريد الوطي عصياناً أو جهلاً بالحكم أو نسياناً منه فإن امتناعها لا يسبب نشوزها إلى غير ذلك من الأمثلة.

ويتفرع على ذلك أنه لو كان الأمر حرام على الزوج أو على الزوجة أو عليهما معاً وأراد الزوج الوطي وكان بإمكان الزوجة تبديل هذا الوطي إلى الحلال فهل يجب عليها ذلك حتى إذا لم تفعل كانت ناشزة أم لا ؟ كما إذا أراد وطيها قبل التقصير في الحج وكان بإمكانها قطع شيء من شعرها أو أظفارها بأسنانها ولم تفعل؟ احتمالان:

الأول: الوجوب والثاني: العدم.

إلا أن في رواية الحلبي وغيرها ما يدل على الوجوب ففيها ورد أنه قال (قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك أني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم أقصّر؟ قال عليك بدنة قال لما أردت ذلك منها ولم تكن قصّرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها فقال رحمها الله كانت أفقه منك عليك بدنة وليس عليها شيء).

وهناك أكثر من رواية في هذا المضمون.

وأما إذا تزوج المسلم كافرة فهل يقدم دينها في التمكين والامتناع كما لو كانت ترى حرمة الوطي في الدبر كما هو دينها مثلاً بينما في دين الرجل حليته؟

احتمالان أيضاً:

الاحتمال الأول: يقدم دين المسلم لأن (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه).

الاحتمال الثاني: يقدم دينها لقاعدة (الإلزام).

والظاهر أن جمعاً من الفقهاء ذهبوا إلى الثاني لحكومة قاعدة الإلزام على مثل هذه الأحكام.

أما لو انعكس الأمر بحيث كان دين الزوجة يبيح الوطي في الدبر أو الوطي للحائض ويحرم ذلك على الزوج  حسب مذهبه أو شريعته فإنه لا يصح للمسلم ذلك لأنه لا يتمكن أن يعمل بالحرام لإباحة طرفه لذا لا يجوز للمسلم أن يتزوج بنته المجوسية اعتماداً على قانون الإلزام.

كما لو كانا مجوسيين فأسلم الأب مثلاً وبقيت البنت على المجوسية أو يجمع بين الأختين أو الأم والبنت اعتماداً على قانون الإلزام فإن قانون الإلزام لا يجري في الموارد التي قام الإجماع أو الضرورة في الدين على عدم جوازها.

ومنه يعلم باقي صور الاختلاف في المذهب والدين.

 

  • في المقدار الواجب من النفقة

والظاهر انه لا تقدير للنفقة شرعاً وانما هي منوطة بنظر العرف وقيام المنفق بحوائج المنفق عليه بمقتضى (المعاشرة بالمعروف).

 

  • طعام الزوجة وأنواعه

ولذا قال الفقهاء أن الضابط في النفقة القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام وادام كاللحم مثلاً وكسوة وفراش وغطاء واسكان واخدام وآلات تحتاج اليها لشريها وطبخها وتنظيفها وغير ذلك وذلك لقوله تعالى: ((وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) الشامل باطلاقه لجميع الجهات والخصوصيات والأزمنة والأمكنة والحالات وسائر الأمور وللاجماع ولسيرة المتشرعة بل والعقلاء بل وظاهر النصوص كقول الصادق عليه السلام في موثق اسحاق بن عمار (يشبعها ويكسيها).

وفي معتبرة شهاب بن عبد ربه عنه عليه السلام أيضاً: (يسد جوعها ويستر عورتها).

فأما الطعام فكميته بمقدار ما يكفيها لشبعها وفي جنسه يرجع إلى ما هو متعارف في امثالها ومن بلدها والمنسجم مع مزاجها وما تعودت عليه بحيث تتضرر بتركه وذلك لاطلاق الآية المباركة والمتفاهم العرفي والعقلائي.

وأما الادام فقدره وجنسه كالطعام أيضاً تمسكاً بإطلاق الآية يراعى فيها ما هو المتعارف لأمثالها ولما هو المتعارف في بلدها وما يوائم مزاجها وما هو معتاد لها حتى أنه لو كانت عادة أمثالها أو الذي يوائم مزاجها دوام اللحم مثلاً وجب على الزوج ذلك.

وكذا لو اعتادت على شيء خاص من الأدام وتتضرر بتركه فإنه يجب على الزوج مراعاة ذلك بل الظاهر مراعاة ما تعارف اعتياده لامثالها مما لا يعد طعاماً ولا أداماً كالشاي والقهوة والحلويات والمخللات ونحوها ويدخل في وجوب الاطعام المقدار اللازم من الفواكه الصيفية في الصيف وكذا الفواكه الشتوية في الشتاء كل ذلك لانه من مصاديق (من العشرة بالمعروف) التي أمر الله تعالى بها في الآية المباركة ورغب اليها نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله في السنن المأثورة عنه المضبوطة والمعتبرة في كتب احاديث المسلمين ومن العرف العادة الشايعة في كل عرف وزمان.

  • في إكساء الزوجة ونوعه

وكذلك الحال في الكسوة التي تنزّل على العرف والعادة أيضاً لاطلاق قوله تعالى ((وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) فيلاحظ في قدرها وجنسها عادة أمثالها وبلد سكناها والفصول التي تحتاج اليها شتاء أو صيفاً وذلك للأختلاف في الكم والكيف والجنس من عرف لعرف ومن مجتمع لآخر.

 

  • في أدوات التجميل

وكذا لو كانت المرأة من ذوات التجمل والتزيين وجب لها على الزوج زيادة على ثياب البدن والكسوة ثياب للزينة لها على حسب امثالها.

وكذلك الفراش والغطاء بأن لها ما تفرشها على الأرض وما تحتاج إليه للنوم من لحاف ومخدة وبطانية مثلاً.

ويرجع في قدرها وجنسها ووصفها إلى ما ذكرناه لأن المناط في الجميع هو المتعارف المتوسط بين حد الافراط والتفريط فيشمله الضابط الذي مر في قوله تعالى ((وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) هذا من ناحية الكسوة.

 

  • في سكنى الزوجة وخصوصياته

وأما السكنى فتستحق الزوجة على زوجها الاسكان فيسكنها داراً تليق بها بحسب عادة أمثالها وذلك لإطلاق قوله تعالى: ((أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ)).

وهو أيضاً منزّل على المتعارف المعتاد وبحسب أمثالها.

ويشترط في المسكن أن يكون مشتملاً على جميع المنافع اللازمة من دورة مياه ومطبخ ومنشر تنشر عليه غسيلها ونحو ذلك كما يجب على الزوج أن يحضر في المسكن من الأدوات اللازمة له بحسب الحالة من فقر أو غنى فعليه أن يستحضر الفرش والغطاء وكل ما يلزم من شؤون البيت المناسب لشأنها وحاجتها حسب العرف كالصابون وادوات التنظيف والتجميل ونحوه ما تزيل به الأوساخ وما يستعمل عادة في النظافة ومن ذلك أيضاً الروائح العطرية التي تقطع روائح العرق والصنام فإنها تجب عليه لأن جميعها من مصاديق (المعاشرة بالمعروف) كما عليه أن يسكنها محلاً يليق بها سواء كان داراً أو غيرها من آجر أو خشب أو طين أو ما أشبه وحتى مثل الكهف والكوخ والخيمة والقصب وغير ذلك كله بحسب شأنه وشأنها عرفاً.

ولا فرق في المسكن وسائر الآلات والملابس وغيرها بين أن يكون ملكاً أو وقفاً أو عارية أو تجارة أو نحو ذلك بعد صدق الشأنية أو العرفية فيها.

مثلاً بعض الناس يترفعون عن سكن الأوقاف والخانات وما أشبه ذلك لانه ليس من شأنهم عرفاً فلا يحق للزوج اسكانها فيما لا يليق بشأنها لأنه خلاف (المعاشرة بالمعروف).

كما للزوجة أن تطالب الزوج بالتفرد في المسكن لأن ذلك من المعاشرة بالمعروف التي أمر بها الله تعالى كما يشمله أيضاً قوله تعالى ((وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)) فإن الحق لها في جميع ما ذكر فلها أن تطالب بحقها ما لم يكن ضرر في البين.

نعم إذا طالبت الزوجة بشيء اقتراحاً وبغير استحقاق لأنه من غير شأنها مثلاً كالدار الوسيعة أو الدار المجللة وأرادت الاستبدال بها من دون أن يكون ذلك معروفاً بين أمثالها ففي وجوب الاجابة هنا منع وذلك لأصالة البراءة من غير دليل حاكم عليها.

  • في توفير الخدمة للزوجة

ومما يجب على الزوج الاخدام أيضاً إذا كان من عادتها أن تكون ذات حشمة وشأن ومن ذوات الخدم لكون ذلك أيضاً من مصاديق (المعاشرة بالمعروف) وإذا لم تكن من أهلها خدمت نفسها لان المعاشرة بالمعروف واجبة عليها ايضاً فلا يحق لها المطالبة بالاكثر من حقها أو شأنها.

وكيف كان فإن المرأة إذا كانت من أهل بيت كبير ولها شرف وثروة لا تخدم بنفسها فعلى الزوج اخدامها وإذا لم تكتفي عرفاً بالواحدة يجب اخدامها بالمتعدد.

وكذا فيما إذا كانت مريضة تحتاج إلى اخدام واحد أو اخدام متعدد وكذا إذا لم تكن من ذوات الحشم والخدم وكان العرف جارياً على مثل ذلك.

ثم إذا تعارف ما يلزم الحرام كإخدام الرجل غير المحرم لها لم تجب على الزوج تهيئة ذلك كما هو واضح لأنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).

ولا فرق بين الاخدام لها أو لسيارتها أو صديقتها أو بيتها أو غير ذلك بحسب العرف.

نعم إذا كانت هي من ذوات الشأن وتحتاج إلى الخادم لكنها تتواضع في خدمة نفسها عن رضا أو طلباً لمزيد الرضا الألهي أو المزيد القربة إليه أو لنيل رضا الزوج فلا يلزم على الزوج الاخدام في هذه الصورة لأنها قد اسقطت حقها بنفسها.

وعليه يظهر أن قول الجواهر بأنها ان كانت من أهل بيت كبير ولها شرف وثروة لا تخدم بنفسها فعليه اخدامها وان تواضعت في خدمة نفسها محل تأمل.

ولا يخفى أن العبرة في الشأن بما يسمي (عشرة بالمعروف) هو الزمن الحال لا الماضي لذلك لا فرق بين أن تكون الزوجة صاحبة الشأن الآن لكنها في دار أبيها كانت بنحو أنزل أو هي الآن بنحو أنزل ولكي كانت في دار أبيها أرفع فإن اللازم مراعاة حالها الآن لا حالها ما كانت عليه في الماضي.

لأن هذا الالزام في ذمة الزوج وهو انما يتعلق بذمة الزوج بعد دخولها حجرة الزوجية فيلاحظ فيه الوقت الحالي.

  • في اختيار بلد السكنى

ثم انه لو أرادت الزوجة بلداً وأراد الزوج آخر أو أرادت هي مدينة فاراد هو القرية أو بالعكس إذا ارادت محلة وأراد غيرها قدم أختيار الزوج إلا أن يكون ما يريده الزوج في غير شأنها لعدم تحقق العشرة بالمعروف حينئذ.

أما تقديم اختيار الزوج فلعمومات الأدلة التي تقول أن للزوج اختيار السكن.

  • في وجوب توفير لوازم الضيافة والمصحة البدنية

كما يعرف أيضاً الحال مما يعتاد به عرفاً من تقديم الأشربة والاطعمة والفواكه في شؤون الضيافة إذا كان من شأنها يشملها الوجوب أيضاً اللوازم الشخصية الخاصة بالمرأة التي تعتاد عليها بحسب العرف سواء كانت هذه اللوازم طبية كالسماعة للصّماء والنظّارة لضعيفة النظر والاسنان الاصطناعية لساقطة الاسنان مثلاً والعكازة للتي لا تقدر على السير إلا بها أو يكون السير حرجاً عليها بدونها وكذا سائر المسائل الطبية والشخصية الخاصة كالسواك للأسنان مثلاً والمقص والابرة والمنديل ويلاحظ في ذلك أيضاً أدوات التجميل والعطور والأدوية وغير ذلك بحسب المتعارف وحسب العادة المستمرة من قبل البعثة إلى زماننا وتشملها أيضاً اطلاقات الكتاب والسنة والمعاشرة بالمعروف ولا يخفى أن المعتبر في ذلك حالهما معاً لا حال الزوجة وحدها ولا حال الزوج وحده لان مراعاة أحدهما فقط خلاف المعاشرة بالمعروف ولذا إذا تزوج ثري ببنت ريفية مثلاً وجاء بها إلى المدينة لم يحق أن يضرب لها كوخاً على قارعة الطريق مثلاً لسكناها فإن العرف يرى ذلك خلاف العشرة بالمعروف ومنه يعرف ملاحظة حال الزوجة دون الزوج وبالعكس أيضاً نعم إذا أعسر الزوج لم يكلف فوق طاقته كما قال الله سبحانه وتعالى ((لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها)).

وقال تبارك الله وتعالى ((لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها)).

  • في وجوب معالجة الزوجة من الأمراض:

ومن الواجب على الزوج أيضاً النفقة للدواء بل ولإجراء العمليات الجراحية وإن كانت غالية الثمن ولكن كانت في شأن الزوج وقدرته مثلاً خلافاً لجمع من الفقهاء حيث ذهبوا إلى أن الواجب على الزوج هو الأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها بسبب الأمراض والآلام التي قلّ ما يخلو منها الشخص في الشهور الأعوام ولكن استثنوا من ذلك الدواء الذي يصرف في المعالجات الصعبة التي يكون الاحتياج إليها من باب الاتفاق خصوصاً فيما إذا احتاج لبذل مال كثير.

ذلك للشك في شمول الأدلة لمثله فيتمسك فيه بالبراءة.

لكن الظاهر أن المسألة ترجع إلى الصدق العرفي في أن أمثال هذه الموارد هل هي من قبيل المعاشرة بالمعروف أو لا ؟ وفي صورة الشك فالظاهر لزوم المراضاة بينهما بما أمكن.

  •  هل يحق للزوج منع الزوجة عما ينفره من اللباس والطعام؟

والظاهر أن للزوج أن يمنع الزوجة من كل ما يؤذيه وينفره فيجوز له منعها من لبس بعض الملابس التي تؤذيه أو أكل الثوم والبصل ونحوهما لأنه من حقه عليها أان لا تؤذيه ولا تنفره نعم إذا كان عمله يطول من الصباح إلى الليل مثلاً فإذا لبست الملابس المنفرة أو أكلت الأطعمة المنفرة ظهراً  بحيث لا يؤذيه بعد رجوعه من عمله وكذاك إذا استعملت بعد أكلها ما يزيل الرائحة من المزيلات والمضامض ونحوها أو كان هو استعمله أيضاً مما لا يتأذى من رائحته فحينئذ يجوز لها ذلك جمعاً بين الحقين.     

  • النفقة اليومية

ثم أن الزوجة تمللك على الزوج نفقة كل يوم إجماعاً ونصاً سواء كانت النفقة من الطعام أو الإدام أو غيرهما مما يصرف ولا يبقى عينه في صبيحته لأنها أول زمان صرف في الحوائج المتعارفة وأول زمان وجوب الإنفاق فلها أن تطالبه بها إذ لا معنى لوجوب البذل والإنفاق إلا جواز مطالبة المنفق عليه  لما يبذل وينفق في أول زمان حدوث الوجوب ولذلك لو منعها من النفقة وانقضى اليوم بقيت في ذمته وكانت ديناً عليه أيضاً لاستصحاب بقاء اشتغال الذمة مضافاً إلى الإجماع.

نعم ليس لها مطالبة نفقة الأيام الآتية لأصالة عدم حق لها عليه فيما لا يتحقق موضوعه بعد ولو امتنع الزوج من الإنفاق أجبره الحاكم الشرعي عليه فإن امتنع أيضاً فرق بينهما وذلك لأنه من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن الأمور الحسبية التي للحاكم الشرعي ولاية عليها مضاماً إلى نصوص خاصة في المقام كموثق أبي بصير قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقاً على الإمام أن يفرق بينهما)

والروايات في هذا المقام متظافرة نعم لا نفقة في كل ما هو غير مشروع فيحرم على الرجل الانفاق عليها حينئذ كما يحرم على المرأة قبول ذلك لو أراد الزوج ذلك وذلك لاطلاق أدلة الحرمات الشاملة للمقام ولأن الصرف يكون حينئذ إعانة على الاثم.

  • في نفقة المستقبل

ولو دفع إليها نفقة أيام كأسبوع أو شهر أو سنة مثلاً  ثم انقضت المدة ولم تصرفها على نفسها أما بأن أنفقت من غيرها أو أنفق عليها أحد بقيت ملكاً لها للإجماع على أنها تملك ما أخذته للنفقة ويصير ذلك ملكاً لها بقبض وليس للزوج استردادها حينئذ لأنه أكل للمال بالباطل أن كان بغير رضائها ولقاعدة (الناس مسلطون على أموالهم)

مضافاَ إلى الإجماع مادامت الزوجة تمكن من نفسها.

وكذا لو استفضلت من النفقة شيئاً بالتقير على نفسها كانت الزيادة ملكاً لها أيضاً لأنها تملكها بمجرد القبض ولا تزول ملكيتها عنها إلا بدليل يدل عليه وهو مفقود هنا وعليه فليس للزوج استرداد النفقة المتبقية عند الزوجة.

نعم لو خرجت عن الاستحقاق قبل انقضاء المدة بموت أحدهما أو بنشوز الزوجة أو طلاقها بائنا يوزع المدفوع حينئذ على الأيام الماضية والآتية ويسترد منها حصة ما بقي من المدة.

  •  

والظاهر أن كيفية الإنفاق سواء بالطعام أو الإدام مثلاً إما بمؤاكلتها مع الزوج في بيته على العادة كسائر عياله وإما بتسليم النفقة لها وليس للزوج إلزامها بالنحو الأول فلها أن تمتنع من المؤاكلة معه وتطالبه بأن تكون نفقتها بيدها تفعل بها ما تشاء إلا أنه إذا أكلت وشربت معه على العادة سقط ما على الزوج من النفقة فليس لها حينئذ أن تطالبه بها وذلك لإطلاق قوله تعالى ((وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) فإنه لا يفرق في الإنفاق الواجب يبين الكيفيتين مضافاً إلى الإجماع والمنساق من سائر الأدلة إلا إذا كان هناك عرف خاص على الخلاف فحينئذ لابد من اتباعه.

  • هل يجوز اسقاط النفقة ؟

ثم إنه لو اسقطت الزوجة نفقتها برضى منها فالظاهر عدم جواز الرجوع له بالنسبة إلى ما مضى وذلك لفرض سقوط ذمة الزوج وبراءتها عن النفقة فلا يبقى موضوع للرجوع حينئذ أما بالنسبة الى ما يأتي فلا يبعد صحة الرجوع بذلك لأنه يستكشف من رجوعها أن إسقاطها لم يكن دائمياً بل كان مؤقتاً فيمكن أن يستدل بإطلاقات أدلة وجوب الانفاق على الزوج إلا إذا استفيد من القرائن المعتبرة أن السقوط كان مطلقاً أي دائمياً حتى بالنسبة إلى ما يأتي.

إلى أن الظاهر أنه أمر مشكل فينبغي مراعاة الإحتياط فيه.

  • هل يجوز الإنفاق على الزوجة من الحقوق الشرعية ؟

لا يجوز للزوج أن يعطي نفقة الزوجة من الحقوق الواجبة عليه كالزكاة والخمس مثلاً نعم لو سلم الحقوق إلى الحاكم الشرعي ثم رأى الحاكم الشرعي المصلحة في صرفها على الزوجة التي تجب نفقتها على الرجل المعطي جاز له ذلك هذا في أصل النفقة الواجبة وأما في النفقة المستحبة المراد بها التوسعة على العيال من الحقوق الواجبة فالظاهر أنه يجوز ذلك إذا تحققت الشرائط ولو اشترطت في عقد النكاح الزيادة في النفقة من المتعارف لزم الشرط لعموم أدلة الوفاء بالشروط خصوصاً إذا كان في ضمن عقد لازم لعموم (المؤمنون عند شروطهم).

  • وهل يكون كذلك لو اشترطا سقوط النفقة من أصلها؟

فيه إشكال من جهة أنها من الحقوق الدائرة بينهما فيجوز الشرط فيها ويجب الوفاء بها حينئذ فتسقط بمقتضاه.

ومن احتمال أنها من قبيل الحكم والأحكام لا تسقط بالإسقاط والظاهر أن طريقة الإحتياط فيها أن تأخذها منه ثم تهبها له لو أرادت.

ولو شرطا أن تكون نفقة الزوج على الزوجة فإنه يلزم الوفاء به وذلك لعموم أدلة وجوب الوفاء بالشرط.

إن قلت: إن هذا الشرط مخالف لما جاء في الكتاب والسنة لما فرض وجوب الإنفاق على الزوج لا الزوجة ؟

فإنه يقال: إن ما ورد في الكتاب والسنة كان من باب الإرفاق وأن الغالب هو أن الأزواج هم الذين ينفقون على الزوجات وليس من باب أصل الجعل والتشريع للحكم بنحو القاعدة الكلية بحيث يمنع من غيره وعليه فإن الزوجة إذا اشترطت على الزوج أن يوسع في نفقتها أو اشترط الزوج أن تنفق عليه هي فمقتضى القاعدة وجوب الالتزام بهذا الشرط.

  • إذا أعسر الزوج عن الإنفاق؟

لو أعسرالزوج

 لو صار الزوج معسراً ولم يتمكن من النفقة أصلاً فليس للزوجة حق فسخ النكاح كما هو المشهور بين الفقهاء وذلك للأصل ولو تضررت في بقائها في عهدته في صورة عدم القدرة على الإنفاق فحينئذ ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي فيرى فيه رأيه وإذا طالبته بالإنفاق وادعى الإعسار وعدم الاقتدار ولم تصدقه بل ادعت عليه اليسار فالقول قوله بيمينه إذا لم يكن لها بينة أما تقديم قوله فلأصالة عدم اليسار لكونه مسبوقاً بالعدم وأما اليمين فلقطع المنازعة والخصومة.

وأما اعتبار عدم البينة فلأنه مع وجودها لا تصل النوبة إلى اليمين.

نعم إذا كان الزوج مسبوقاً باليسار وادعى تلف أمواله فصار معسراً وأنكرته الزوجة فحينئذ يكون القول قولها مع يمينها إذا لم يكن بينة له وذلك لنفس الملاكات والأدلة المتقدمة مضافاً إلى الاستصحاب الدال على بقاء القدرة.

  • لا تشترط النفقة بفقر الزوجة:

هذا ولا يشترط في استحقاق الزوجة النفقة فقرها واحتياجها فلها على زوجها الإنفاق وبذل مقدار النفقة وإن كانت من أغنى الناس لإطلاق الأدلة المتقدمة وإجماع الفرقة الحقة وأصالة عدم الاشتراط.

  • في مراتب الإنفاق:

 ثم أنه إذا لم يكن للزوج مال يفي بنفقة نفسه وزوجته وأقاربه الواجبي النفقة فهو مقدم على زوجته للإجماع وأهمية حفظ النفس عن حفظ الغير عقلاً وشرعاً والزوجة مقدمة على أقاربه لأن نفقة الزوجة وضعية وتكليفية بخلاف نفقة الأقارب فإنها تكليفية محضة فما فضل من قوته صرفه على الزوجة ولا ينفق على الأقارب إلا ما يفضل من نفقتهما.