أستاذ المادة: عبدالهادي الفضلي
المادة: المنطق
الملف: Microsoft Office document icon 001.doc

نبذة في تاريخ علم المنطق

يأتي علم المنطق في طليعة العلوم العقلية التي أفرزتها الحضارة الإغريقية ، وفي طليعة العلوم التي انتشرت انتشاراً واسعاً لدى الحضاراتالأخرى . .
كما أنه - مع قدمه - لايزال في طليعة العلوم التي ما فتأت تنال حظاً وافراً في عالم التعليم والبحث .

 ويرجع هذا لما له من أهمية علمية تتمثل في افتقار العلوم كافة إليه - كما سنتبين هذا فيما يأتي .

 وكان (أرسطو) الفليسوف الإغريقي (384 - 322 ق . م)  (أول من هذب علم المنطق ورتب مسائله وفصوله) ، وأول من ألف فيه , وتعرف مجموعة مؤلفاته بـ (الأورغانون  organon) ، وتضم الكتب التالية .

- كتاب المقولات .

-كتاب العبارة .

- كتاب التحليلات الأولى .

- كتاب التحليلات الثانية .

- كتاب الجدل .

-كتاب السفسطة .

((وقد يضاف إليها :

- كتاب الخطابة .

- كتاب الشعر)) .

 ولما قام أرسطو من إهتمامات في خدمة هذا العلم لقب بـ (المعلم الأول) .

  وبعده ألف فرفوريوس الصوري (233 - 304 ق . م) كتابه الموسوم بـ (ايساغوجي lsagoge) وهي كلمة يونانية معناها (المدخل) وهو الاسم الثاني لهذا الكتاب ، لأنه يبحث في الكليات الخمسة ، ونقله إلى العربية أبو عثمان الدمشقي وكان ذلك في القرن التاسع الميلادي واختصره أثير الدين المفضل بن عمر الأبهري المتوفي سنة 663 هـ = 1264 م .

وقبله كانت كتب أرسطو في المنطق قد ترجمت إلى العربية في القرن الثاني الهجري ، وقيل في القرن الأول ، من قبل النقلة السريان وأشهرهم إسحاق بن حنين ( ت 911 م) الذي ترجم كتاب (المقولات) .

 وأشهر من أوْلَى المنطق العناية الفائقة من فلاسفة العرب وأعلامهم أبونصر الفارابي (ت 950 م) ، قال عنه القاضي صاعد الأندلسي في كتابه (طبقات الأمم) : انه (بذ ّجميع الفلاسفة  في صنعة المنطق وأربى عليهم في التحقيق بها ، فشرح فامضها ، وكشف سرها وقرب تناولها ، وجمع  ما يحتاج إليه منها في كتب صحيحة العبارة ، لطيفة الإشارة ، منبهة على ما أغفله الكندي وغيره من صناعة التحليل وأنحاء التعليم ، وأوضح القول فيها عن مواد المنطق الخمس ، وأفاد وجوه الإنتفاع بها ، وعرف طرق استعمالها ، وكيف تعرف صورة القياس في كل مادة ، فجاءت كتبه في ذلك الغاية الكافية ، والنهاية الفاصلة) .

ولقب الفارابي لذلك بـ (المعلم الثاني) وسمى أرسطو هذا العلم بـ (علم التحليل) ، وبقي على هذا الاسم حتى أطلق عليه شرّاح  كتب أرسطو اسم (علم المنطق) ، وعرف عند العرب بهذا الاسم ، كما أنه عرف عندهم أيضاً بـ (علم الميزان) .

 وأطلق عليه أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ = 1111 م) عنوان (معيار العلم) ، وعنون كتابه في فن المنطق به . وسمي عند فلاسفة بور رويال بـ (فن التفكير) .

وتقدم أن مجموعة كتب أرسطو في المنطق عرفت بـ (الأوركَانون) ، وهي كلمة يونانية معناها آلة العلوم ، لأن المنطق يقوم بوظيفة المنهج العلمي العام لكل العلوم ، فهو آلة ووسيلة يعتمدها العالم في تنظيم بحثه ليصل إلى نتائج علمية سليمة .

وتبعه في ذلك الشيخ الرئيس ابن سينا (980 ــ7 103 م) فوصفه بأنه (خادم العلوم لأنه آله لها ووسيلة إليها ) ونعته أبو نصر الفارابي بـ (رئيس العلوم) لأنه الجذر الأساسي لشجرة المعرفة ، من حيث أنه المنهج العام في البحث عن تحصيل المعرفة .

 وأطلق عليه الشيخ الرئيس في كتابه (منطق المشرقيين) اسم : العلم الآلي ، لأنه آلة العلوم أي منهجها العام في كل بحث .

ولكنه اشتهر وعرف من بين هذه الأسماء بـ (علم المنطق) ، ولفظ (المنطق) مأخوذ من ( النطق ) ، والنطق كما يطلق في اللغة العربية على التكلم يطلق كذلك على الفهم وإدراك الكليات ، ومنه عبّر الفلاسفة القدماء عن النفس الإنسانية بالنفس الناطقة أي المدركة للمعقولات .

فعبارة (علم المنطق) تعني (علم التفكير) أو (فن التفكير) كما سماه به فلاسفة بور رويال استخلاصاً للتسمية من واقعه وطبيعته .

ويقسم (المعجم الفلسفي) المنطق إلى
 قسمين :

- المنطق الصوري .

- والمنطق العام .

ويعرف المنطق الصوري بأنه(( النظر في التصورات والقضايا والقياسات من حيث صورتها لا من حيث مادتها ))، ويقول عنه بأنه (( يطلق - في العادة - على منطق أرسطو ، أو على المنطق القياسي بوجه عام )).

أما المنطق العام فهو البحث عن طرق الانتقال الفكري لمعرفة أي طريق منها يوصل إلى الحقيقة وأيّها يوصل إلى الخطأ، وهو لا يقتصر على دراسة الصور التي تتألف منها البراهين ، بل يدرس المواد التي يتم بها تأليفها ، وأوضح طرق هذا المنطق المادي طرق الملاحظة والفرضية والتجربة والاستقراء ، وغيرها من طرق البحث العلمي.

 إلا انه قد يلاحظ على هذا التقسيم بأن المنطق الصوري أيضاً يدرس مواد القضايا وذلك في ما يعرف بـ (مبحث الصناعات) وكذلك يدرس الاستقراء ، ويعتبره طريقاً من طرقالاستدلال .

 نعم الملاحظة والتجربة قد لا نجد لهما - بمعناهما المعروف حديثاً - ذكراً في المنطق الصوري القديم لأنهما من مواليد الفكر الحديث .

ومع هذا أدخلا في الدراسات المنطقية الحديثة للمنطق الصوري في أكثر من مؤلَف .

 وعليه : لا أرى وجهاً مهماً لهذا التقسيم .

 ووصف هذا المنطق بـ (الصوري) نسبة إلى الصورة في مقابلة المادة لأنه يُعنى بصور وأشكال وقوالب نظم التفكير الإنساني فيما اشتهر منه وهو مبحث التصورات ومبحث التصديقات .

ولأنه-كما ألمحت - يبحث أيضاً في مواد القضايا ، فيما يسمى بمبحث الصناعات يكون وصفه بالصوري من باب التغليب .

 وبعد هذه الإلمامة بشيء من تاريخ وبعض شؤون هذا العلم ننتقل إلى دراسة وبحث مقدمته العلمية .