أستاذ المادة: عبدالهادي الفضلي
المادة: المنطق
الملف: ملف m002.rm

مقــدمة عــلم المنطق

 

ألمحت إلى أن علم المنطق يقوم بدور أو وظيفة تنظيم التفكير الإنساني وفق قواعده المنطقية التي يقدمها لنا . . فكما تعنى قواعده بتنظيم ما لدينا من معلومات لنتوصل عن طريقها إلى مجهولات وتصبح بعد ذلك معلومات جديدة تضاف إلى معلوماتنا - أو بتعبير آخر فكما تعرفنا قواعده كيفية تنظيم خطوات البحث ، كذلك تعرفنا كيفية تدوين البحث ليأتي منظماً تنظيماً عضوياً مترتباً ومتسلسلاً ، فيعلّمنا أن نبدأ عندما نريد تدوين علم من العلوم كمقرر دراسي وتأليف تعليمي بتقديم مقدمة له ، تشتمل على الأمور التالية :

- تعريف العلم .

- بيان موضوع العلم الذي يبحث فيه وتدور دراساته داخل إطاره .

-ذكر غاية العلم أو بيان الفائدة المتوخاة من تعليمه وتعلمه . وفي ضوء هذا لا بد أن يبدأ المنطق بنفسه فيطبق ما يدعو إليه على مقرراته الدراسية ومدوناته العلمية . ومن هنا نقول : إن مقدمة علم المنطق تبحث في تعريفه وبيان موضوعه والغاية من دراسته ، اخذا بما قرره ، ومماثلة للعلوم الأخرى .  

 

تعريف علم المنطق

 

إن أقدم وأشهر تعريف لعلم المنطق هو التعريف القائل بأنه آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر. ويوضح القطب الرازي في
(شرح الرسالة الشمسية) عبارة (آلة قانونية) من التعريف المذكور
 بقوله : والقانون : أمر كلي ينطبق على جميع جزئياته ليتعرف أحكامها
منه . . . وإنما كان المنطق آلة لأنه واسطة بين القوة العاقلة وبين المطالب الكسبية في الاكتساب وإنما كان قانوناً لأن مسائله قوانين كلية منطبقة على سائر جزئياتها . وهو بهذا يعني أن المناطقة الذين عرّفوا المنطق بهذا التعريف كانوا يهدفون إلى بيان أن المنطق من العلوم الآلية التي لا تدرس كغاية ولذاتها وإنما يتعلمها المتعلم كوسيلة إلى علم آخر أو معرفة أخرى .

فآلة - هنا - تعني وسيلة ، وذلك لأن الإنسان يتوسل به ويتخذ منه واسطة يحصل عن طريقها بتنظيم ما لديه من معلومات وفق قوانينها أو قواعدها على معلومات أخرى . كما أنهم يريدون من القانون القاعدة العامة كما هو واضح من تعريفه له .  وفي ضوء شرحه هذا يمكننا أن نقول : إن علم المنطق : مجموعة من القواعد العامة التي متى ما التزمها الإنسان حالة التفكير للحصول على معلومات جديدة يضيفها إلى ما لديه من معلومات تعصم ذهنه عن الوقوع في الخطأ . غير أن التعريف هذا - كما تراه - فيه شيء غير قليل من الضغط في التعبير . . ومن المظنون قوياً أن هذا جاء من المترجم ومحاولته الاختصار .

 ولهذا عدل بعضهم عنه فعّرف علم المنطق بأنه علم بقوانين تفيد معرفة طرق الانتقال من المعلومات إلى المجهولات وشرائطها ، بحيث لا يعرض الغلط في الفكر وكان القائل بهذا التعريف حاول أن يعدّل في عبارة التعريف السابق وإزالة ما طرأ عليه من غموض بسبب محاولة
الاختصار .

 ومن التعريف الأصل والتعريف المصحح له من حيث التعبير نخلص إلى التعريف الذي خلصنا إليه قبل هذا في كتابنا (خلاصة المنطق) وهو :

علم المنطق : هو علم يبحث فيه عن القواعد العامة للتفكير الصحيح .
 أو قل مختصراً :

 المنطق : دراسة قواعد التفكير الصحيح .

موضوع علم المنطق

 

 حـدد الشيـخ الــرئيس موضـوع علـم المنـطق في كتــابـه (منـطق المشرقيين) بقوله : وموضوعه : المعاني من حيث هي موضوعة للتأليف الذي تصير به موصلة إلى تحصيـل شيء في أذهاننـا ليس في أذهاننـا لا من حيث هي أشيـاء موجـودة في الأعيان كجـواهـر أو كميـات أو كيفيـات أو غير ذلك .  وحدده النجم القزويني  في  (الرسالة  الشمسية)  بقوله  : المبحـث الثاني في موضوع المنطق : موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه التي تلحقه لما هــو هو ، أي لـذاته أو لمـا يساويـه  أو لجزئه فموضـوع المنـطق : المعلومات التصورية  والتصديقية . وحـدده السعد التفتـازاني  في متن (التهذيب) بقـوله  ومـوضوعـه : المعلوم التصوري والتصديقي من حيث أنه يوصل إلى مطلوب تصوري فيسمى معَّرفاً أو تصديقي فيسمى حجة . وفي حـاشية المـلا عبد الله اليـزدي على متن التهذيب المـذكـور يحـدد الملا موضوع علم المنطق بقـوله : المـوصل إلى تصـور (الإنسـان) . إعلم : إن موضوع المنطق هو : المعرَّف والحجة . ثم يعرف المعرف والحجة بقوله : أما المعرف : فهـو عبارة عـن المعلوم التصـوري ، ولكن لا مطلقـاً بل من حيث أنه يوصـل إلى المجهول التصـوري كـ (الحيوان النـاطق) الموصـل إلى تصـور (الإنسـان) . وأمـا المعلوم التصـوري الـذي لا يوصـل إلى المجهول التصـوري فلا يسـمى معرفاً ، والمنـطقي لا يبحـث عنه كـالأمور الجـزئية المعلومـة نحو زيـد وعمرو . وأما الحجة : فهي عبارة عن المعلوم التصـديقي ، ولكن لا مطلقاً أيضـاً بل من حيث أنه يوصـل إلى المجهول التصديقي كقولنا : (العالم متغير + وكل متغير حـادث) الموصـل إلى التصديق بقولنا : (العالم حادث) .  وأمـا مـا لا يوصـل كقولنـا : (النـار حـارة) - مثــلاً - فليس بحجة ،

والمنـطقي لا ينظر فيـه ، بل المنـطقي يبحث عن المعرف والحجة من حيث أنهما كيف ينبغي أن يترتبا حتى يوصـلا إلى المجهول .  وبإلقاء نظرة تحليلية على هذه النصـوص المنقـولة ننتهي إلى النتـائـج التالية :

1- ان ابن  سينـا  حـدد مجـال بحث علم المنطق في المعـاني الكـلية ،  ونفهـم   هذا من قوله : (لا من حيث هي أشياء موجودة في الأعيان) القيد الـذي احترز به لإخراج الجزئيات عـن حريم موضـوع المنطق .

2- إن المعـاني الكـلية المـوجودة المخزونة في أذهاننا لا تعتـد موضـوعاً لبـحث  المنطقي على نحو الإطلاق ، بل بشرط أن توصـلنا إلى مجهولات .

3- إن النجم القزويني عبّر عن المعاني الكـلية بالمعـلومات لأنها موجودة في   الذهن الذي هـو موطن العـلم فتكـون معـلومات ، ثم نوّعها إلى تصـورية  وتصديقية . 

4- أما السعد التفتـازاني فاشترط للمعـلوم التصـوري ليكـون موضـوعاً لبحـث  المنطقي أن يوصـلنا إلى مطلوب تصـوري كان مجهولاَ لدينا ، وكذلـك في  المعـلوم التصديقي لا يكـون موضـوعاً لبحـث المنطقي إلا بشرط الإيصـال إلى مطلوب تصـديقي كان مجهولاً لدينا .

5- وأشـار إلى أن المعـلوم التصـوري الموصـل إلى المـطلوب التصـوري يسمى  (معرَّفاً) - بصيغة اسم الفاعل.

وإلى أن المعـلوم التصـديقي الموصـل إلى المـطلوب التصـديقي يسمى ( الحجة) .  وأوضح الملا اليـزدي هـذا بمـا لا يحتـاج إلى تـوضيح لا شـرحاً ولا تمثيلاً . ونـخلص من هـذا إلى : أن المنطق يبحـث في أمرين هما : المعرَّف والحجة .  فـموضـوعه - إذن - هو : المعرَّف والحجة .  ويريد المناطقة بالمعرَّف : التعريف ، وبعبارة أدق : طريقة التعريف ، وبالحجة : الدليل ، وبتعبير أكثر تحديداً : طريقةالاستدلال .  بمعنى أن المنطق يدرس طرق تعريف الأشياء وطرق الاستدلال لإثبات صحة أو بطلان الأفكار .  وإذا عـلمنا أن علم المنطق كما يدرس طـرق التعريف وطـرق الاستدلال يدرس في خاتمتـه أيضـاً كيفيـة تنظيم البحـث وتـدوين العلم نعرف أنه يبحـث أيضاً في مناهج البحـث العلـمي ، ومن هنا حـددت موضوعه في ( الخـلاصة) بالأمور الثلاثة التالية :

  التعريف والاستدلال ومناهج البحـث .

 وقلت في توضيحه : يهيىء لنا علم المنطق : قواعد التعريف وقواعـد الاستـدلال وقواعـد المنهج أو طـريقة البحـث العلـمي ، فيعلمنـا : كيف نعّرف الأشياء تعريفاً يبين حقيقتها أو يوضـح معناها . . . ويعلمنا : كيف نستدل على صحة الفكرة أو خطأها . . ويعلّّمنا : كيف نبحث المعلومات بحثاً منظماً يبعّد البحث عن العقم أو الوقوع في الخطأ .