المادة: العقائد
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 004.doc

طريقة الحكماء الطبيعين

وتستند هذه الطريقة إلى برهان الفيلسوف اليوناني (أرسطو) عن (المحرّك الأول) ويتلخّص هذا البرهان في الخطوات الخمس التالية.

أ-   الحركة تحتاج إلى محرك.

ب- المحرّك والحركة مقترنان في الزمان، أي أنه يستحيل الانفكاك بينهما زماناً، وإن كان تقدم وتأخر فهو رتبي لا زماني.

ت- كل محرّك إما أن يكون متحركاً أو ثابتاً.

ث- كل جسم فهو متغيّر ومتحرّك.

ج- التسلسل في الأمور المترّتبة غير المتناهية مستحيل

النتيجة:

أن سلسلة الحركات تنتهي إلى محرك غير متحرّك(1).

ولقد حاول الشيخ إلهي قمشه أي اختصار هذه المقدمات في عبارة أقصر، فقال: كل شيء كان معدوماً ثم وُجد فهذا تغيير، والتغيير حركة، والحركة لابدّ لها من محرّك.

ننقل الكلام إلى المحرّك فهو إمّا موصوف بالتغيّر أم لا، فإن كان متغيراً احتاج إلى محرّك آخر، وهو إمّا أن يؤدي إلى الدور والتسلسل (وهما باطلان) أو ينتهي إلى محرّك لا يطرأ التغيّر والحركة عليه، ولم يسبق وجوده بعدمٍ، بل وجوده قائم بذاته، وهذا هو واجب الوجود(2).

ونظراً إلى أن هذا البرهان لا يثبت (واجب الوجود) وإنّما يتكفل لإثبات ما وراء الطبيعة فحسب، فيمكن الاعتراض على الشيخ قمشه أي بأن جملة (ولم يسبق وجوده عدم) ليست من صميم الاستدلال، بل أضافها لينسجم الدليل مع مذهب الإلهيين أيضاً.

أما الشيخ محمد تقي الجعفري فقد أورد لوناً آخر من الاستدلال على وجود الله، مزج فيه بين الاستدلال بالحركة ونفي الصدفة فقال:

((ثم أرجع البصر في ظاهرة الحركة العامة للموجودات، إن الحركة لا تنطبق على نفس المادّة لأن خروج المادة عن القوة إلى الفعل لا يدخل في صميم المادّة بتاتاً، فسل نفسك مَن الذي منح الحركة والتطوّر للمادة؟

أكان هناك محرّك أوجد الحركة في المادّة، أو حدثت من تلقائها أو المصادفة هي التي أوجبت أن تتحرك المادة منتظمة؟ فإن كانت تلقائية ديناميكية فلماذا ترجّح أن تظهر الموجودات بحركتها إلى الفعلّية وفي زمان معيّن؟ والى أين ذهبت هذه المصادفة ولا ترى منها أثراً في صفحة الوجود؟ وهل تعود يوماً وتوجب أن يستنتج من إضافة تفاحتين إلى أخريين خمس تفاحات؟ بل لو فرضنا أن الحركة تدخل في صميم المادة وهي مما تقوم به المادّة لكان احتياجها إلى المؤثر أوضح وأشد مما كانت تخرج عن حقيقتها(3).

ويتضح ذلك عندما نتأمّل في حقيقة الحركة...

الحركة هي خروج الشيء من القوّة إلى الفعل، وهذا يستلزم تعاقب الأفعال، وتدرّج الأحداث الخارجة من القوّة فالحركة كون بعد كون، والحركة لما كانت جوهريّة للمادة - على زعمهم - فالمادة بجوهرها كون بعد كون، وكلّ كون سابق يحدّ الكون اللاحق ابتداءً، وكل كون لاحق يحدّ السابق انتهاءً. إذن فالمادّة محدودة ))(4).

والأفضل أن نصوغ هذا الاستدلال بالصياغة الآتية:

الحركة إذا قيست بالمادة فلا تخلو من أربع حالات.

أ- الحركة خارجة عن المادة: فتحتاج إلى محرّك (من يعطيها الحركة).

ب - الحركة هي المادة: الحركة لما كانت عبارة عن الخروج من القوّة إلى الفعل فهي عَرض، والعَرض لا يكون ذاتاً.

ج - الحركة صفة ذاتية للمادة (جوهرية فيها): لما كانت المادة محدودة وتحتاج إلى مُوجد، فإن المُوجد لها يكون مُوجداً لحركتها أيضاً.

د - الحركة تلقائية: إذن لماذا تظهر الموجودات بحركتها إلى الفعلية وفي زمان معين؟

ولسنا بحاجة إلى بذل جهد كبير لبيان مفهوم الحركة والتطوّر، مع ما يمارسه كل منا في حياته اليومية من تطبيق عملي لهذا المفهوم، ذلك أن الرجل الذي يمسك بأنبوب الماء ليرشّ الحديقة مؤمن بهذا التطور والحركة منسجم معها، فهو يعلم أن البذرة بعد هذا الرشّ تتحول إلى نبتة، فزهرة، فثمرة، فبذرة.. وهكذا.

والنطفة تتحول إلى مضغة، فعلقة، فقطعة من اللحم الذي يكسو العظم، فجنين يولد، ثم يكبر.. وهكذا.

واللقمة التي نأكلها تتحوّل إلى عصارة تمتزج بمجموعة من المواد داخل الجسم، ليمتصّها الدم، فتتحوّل إلى سُعرات حرارية تحرك العضلات، ونمارس بذلك نشاطاتنا…

وهذا معنى كون الحركة خروجاً تدريجياً من القوة إلى الفعل، ففي الحالة الأولى بذرة ولكنها تستطيع أن تصبح نبتة، فهي بذرة بالفعل ونبتة بالقوة، وفي الحالة الثانية نبتة بالفعل وزهرة بالقوة.

وفي الحالة الثالثة زهرة بالفعل وثمرة بالقوة. وهكذا.

ــــــــــــ

الهامش

(1) - أصول الفلسفة للعلامة الطباطبائي، تعليق: الشيخ مرتضى المطهري ج5/60.

(2) - حكمت إلهي: للأستاذ مهدي إلهي قمشه أي ج1/225.

(3) - توضيح، إما أن نفرض الحركة خارجة عن حقيقة المادة أو داخله في صميمها (جوهرية)، فعلى الأول تحتاج الحركة إلى محرك، وعلى الثاني تكون حاجتها إلى المحرك أشد لمحدودية المادة.

(4) - تلخيص من تعاون الدين والعلم ص 171 للأستاذ الشيخ محمد تقي الجعفري.