المادة: العقائد
الملف: Microsoft Office document icon 024.doc

المحسوس هو الجسم

إن ما يخضع للحس لا يكون إلا جسماً، والجسم محدود لا محالة، لأنه محصور بالطول والعرض والارتفاع ومحدود بالزمان... ومن البديهي جداً أن الزمان والمكان مخلوقان.

إن الله هو الوجود المطلق، الذي لا يحده شيء، هو الوجود اللامتناهي وعليه فمن الخطأ أن نبحث له عن مكان. وإذا ألغينا المكان اصبح البعد والقرب تافهاً... وإذا انعدم الزمان فلا معنى للسريع والبطيء، كما لا معنى للماضي والمستقبل. فمثلاً لو تسنى للإنسان أن يسير بسرعة الضوء فإنه يصل (أمس) بدلاً من (غد) وهذا قريب إلى المزاح لكنه بحث عميق في الفيزياء الحديثة.(1)

يتضح من ذلك أن المحسوس هو الجسم، والجسم محدود، في حين أن الوجود المطلق غير محدود.

  لكل شيء مقياسه

من الأمور الواضحة والبديهية أن لكل شيء مقياسه، وللوصول إلى كل شيء أدواته واسبابه المناسبة له.

ليس هناك من يسمح بأن يقال لعالم الفلك: اكتشف لنا الميكروب الفلاني بمحاسباتك الفلكية، وليس من المتوقع من المتخصص في معرفة الميكروبات أن يكتشف لنا أقمار (المشتري) بأدواته الخاصة... وانطلاقاً من ذلك لا يصح مطلقاً أن نصل إلى (ما وراء الطبيعة) بالوسائل الطبيعية. ومن الخطأ أن نتوقع رؤية الخالق من وراء المجهر أو التلسكوب أو تحت سكاكين التشريح.

للمسافات مقياس هو الكيلومتر، وللأوزان مقياس هو الكيلوغرام، ولدرجة الحرارة مقياس هو الثرمومتر، وللضغط مقياس هو البارومتر... وهكذا.

  الاستدلال بالآثار

اقتفاء الآثار هو الطريق السليم لمعرفة موجود ما. ولهذا نجد علماء الكلام يهتمون بالبرهان الإنّي (وهو الاستدلال بالآثار على وجود المؤثر) في اثبات وجود الله تعالى. وهو مقتبس من قوله تعالى: ((سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ))(2).

وقد سبق لنا في (دليل النظام) كلام مفصل في هذا الموضوع فلا نعيد.

من استدلالات الأئمة (عليهم السلام):

لعل من أفضل ما ينير الطريق في هذا البحث الاستئناس بما ورد عن أئمة الهدى حين سئلوا عن موضوع الرؤية.

1- سأل ذعلب اليماني من الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام):

هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟

فقال (عليه السلام): أفأعبد ما لا أرى؟

فقال: وكيف تراه؟

قال: لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريب من الاشياء غير ملامس، بعيد عنها غير مباين، متكلم بلا رويّة، مريد لا بهمّة، صانع لا بجارحة، لطيف لا يوصف بالخفاء، كبير لا يوصف بالجفاء، بصير لا يوصف بالحاسّة، رحيم لا يوصف بالرقّة(3).

وإذا كانت الأجسام تُرى بالعين، فإن الله يُرى بالقلب.

2- قيل للإمام الصادق (عليه السلام): يزعم بعض الناس انه يمكن أن يُرى الله. فقال (عليه السلام): (الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزء من نور الحجاب، والحجاب جزء من سبعين جزء من نور الستر فإن كانوا صادقين فليملأوا عيونهم من الشمس ليس دونها سحاب)(4).

وقد كتب الكاتب الروسي الشهير (تولستوي) قصة جميلة بعنوان (أريد أن أرى الله) يتركز استدلاله على مضمون الجملة الأخيرة من هذا الحديث.(5)

3- عن أبي هاشم الجعفري قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار)؟ فقال: (يا أبا هاشم، أوهام القلب أدقّ من إبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند، والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك، وأوهام القلوب لا تدركه فكيف إبصار العيون؟)(6).

ـــــــــــــ

الهامش

(1) - دكتر مجنوب صفا، دين پنجگام، ص46.

 (2)- سورة السجدة: الآية 53.

 (3)- نهج البلاغة، الخطبة 180.

 (4)- الوافي، للفيض الكاشاني، ج1، ص84، نقلاً عن (الكافي).

 (5)- نقلت القصة باختصار في (دفاع عن العقيدة)، ص53.

 (6)- الوافي، ج1، ص85، نقلاً عن (الكافي).