
الشعائر الحسينية ثقافة وسلوك
ليست الشعائر الحسينية مظاهرَ طقسيةً فارغةً من أيّ محتوى كما يرى البعض، الذين ينظرون إلى الأمور من السطح ويقيّمونها من مظاهرها الخارجية، مدّعين أنّ الشعائر الدينية ما هي إلّا أعمال سطحية دوافعها الرياء والانسياق الاجتماعي. وهذا مجرّد ادّعاء لا يقوم على أساس، لأنّه تفسير ظاهري يأخذ الأمور من مظاهرها الخارجية دون التوغّل في الجذور ومداخل النفوس. فنسأل: هل استطاع أصحاب هذه النظرية أن يستقرئوا ما في قلوب الذين يمارسون هذه الطقوس ليستنتجوا أنّهم يبتغون من وراء ذلك مراءاة الناس؟ فكان الأجدر بهؤلاء أن يعيدوا قراءتهم من خلال الملايين الذين يمارسون هذه الطقوس في زيارة الأربعين، التي يشترك في إحيائها الملايين من المؤمنين كل عام بمناسبة مرور أربعين يومًا على مصرع سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فهذه الزيارة تقدّم لنا تجربة رائدة في سيكولوجية الشعائر الدينية.
لا نشكّ أنّه ربما يوجد من يستغل هذه المناسبة ليرائي نفسه أمام الآخرين، لكن كم هو عدد هؤلاء أمام عشرين مليون إنسان جاؤوا لزيارة أبي عبد الله الحسين بدوافع عقدية، أو حبًّا للحسين عليه السلام كونه حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله، أو تكريمًا لموقفه البطولي أمام الظلم والطغيان؟ فالذي يأتي من مسافات طويلة ماشيًا على الأقدام لزيارة أبي عبد الله، وربما استغرق وصوله إلى كربلاء عدة أيام أو أسابيع، متحمّلًا حرّ الظهيرة وبرد الليل، لا يمكن أن نقول عنه إنّه مراءٍ. والذي يبذل كل ما عنده من مال لضيافة هؤلاء الزائرين ولأمدٍ طويل من أسابيع وأيام، لا يمكن أن نقول عنه مراءٍ.
والذي كان يخرج لزيارة أبي عبد الله الحسين أيّام هارون والمتوكّل وهو على يقينٍ بأنّه سيلاقي الموت في طريق الحسين عليه السلام، وعلى أقل الاحتمالات ستُقطع يده أو إحدى رجليه، لا يمكن أن نقول عنه مراءٍ. وحتى لو كان في نفوس البعض بعض الشوائب، فإنّ هذه الزيارة الإيمانية ستطهّره وتقدّمه للحسين عليه السلام ناصعًا متألّقًا في روحه وقلبه.
من زار الحسين عليه السلام عارفًا بحقّه غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.
فزيارة الحسين عليه السلام هي معرفة وسلوك، وهي ثقافة وأخلاق، وهي فكر وممارسة، وهي لا تختلف عن أيّة شعيرة من الشعائر التي أراد الله منّا أن نعظّمها.
ومن يعظّم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب.