تصنیف البحث: الأدب العربي
من صفحة: 73
إلى صفحة: 92
النص الكامل للبحث: PDF icon 8-5.pdf
خلاصة البحث:

لاريب أن كتابة مقالة عربية في علم الأسلوب هوأمر جديربالإهتمام من  قبل كل من يهتم بهذا العلم، من ثم فالأسلوب في النص هوالأساس في نسج بنيته عبرجميع مستوياتها، اذن يمكننا أن نقول أن الأسلوبية كمنهج نقدي غايته مقاربة النصوص في سياقها اللغوي المتمثل في­النص، و مدى تأثيره في­القرآء، و من هنا فإن­الجانب اللغوي هو مجال الباحث الأسلوبي. فليس سبيل الإحصاء الأسلوبي هي القناعة بالكشف عن التكرارالظاهري الساذج للغات في­النص، بل ينصرف إلى نوع من الإحصاء اللغوي يجريه العلماء لأغراض تعليمية و نفعية مختلفة، كإعداد قوائم المفردات الشائعة و تصنيفها بحسب نوع الخطاب و المساعدة على تأليف المعا جم اللغوية،و الكتب المدرسية، و كتب تعليم ­اللغات لغير أبنائها، و أخيرا الوصول إلى  سبب اختياراللغات في المعجم اللغوي للكاتب بدلا من اللغات الأخرى، و تفضيل تركيب عن تركيب سواه من العمليات التي تساعد على كشف تفرد كاتب عن كاتب آخر و من خلال أسلوبه ­المتمثل في اللغة المعجمية التي انتقاها، و يتخيرالكاتب في­النهاية لغة إبداعية فنية جمالْْية تسهتوي القارئ و ترقع النص إلْْى مصاف الآثار الأدبْْية العالمْْية الخالدة، ثمّ تتناول هذه المقالة الإجابة عن سؤالْْين هامْْين:

الأول: ما الذي يميز نجيب محفوظ عن­الكاتبين الآخرين في خصائصه الأسلوبية؟

الثاني: ماهي الفروق اللغوية بينه و بين مبدع آخر، سواء أ كانت إفرادية أو تركيبية، أم في نسب تكرارالمفردات و الصيغ التي ركزعليها محفوظ دون غيرها؟ و يهدف هذالبحث إلى تقديم عرض نظري لإحدى الطرق المستخدمة في قياس خاصية التنوع في المفردات مع دراسة تطبيقية لنماذج من روايات الطيب صالح و غادة السّمان و نجيب محفوظ. وقد شمل البحث المسائل الآتية:

1)تحديدالعينات التي أجرى عليها البحث و أسباب اختيارها و كيفيته.

2) عرض للمقياس و طرق تطبيقه على العينات.

3) طرق حساب نسبة الكلية للتنوع والنسبة ­الوسيطة و منحنيات التناقص والتراكم.

4) عرض إحصائيات المعجم اللغوي للكتاب الثلاثة والسمات الممتازة للمعجم اللغوي المحفوظي.

5) التكرار و علاقته بالسبك النصي في أسلوب الأعلام الثلاثة.

6) نتائج الإحصاء والقياس.

البحث:

المقدَّمة:

الأسلوب والأسلوبية مصطلحان يكثر ترددهما في الدراسات الأدبية و اللغوية الحديثة و على نحو خالص في علوم النقد الأدبي و البلاغة و علم اللغة، أما الاسلوب (style)فإنه سابق عن الأسلوبية (stylistics) في­الظهور إذ ارتبط بالبلاغة منذ القديم في حين انبثقت الأسلوبية إثر الثورة التي احدثتها لسانيات دي سوسير مطلع القرن العشرين، في مجال الدرس اللغوي و مدى تأثيره فيما بعد في الدراسات النقدية والأدبية، إذ يعد مفهوم­الأسلوبية وليد القرن العشرين،و قد التصق بالدراسات اللغوية. و قد ظل­البحث الأسلوبي في الدراسات القديمة قائما على وصف وجوه الإستخدام اللغوي و ملاحظة وجود المنبهات الأسلوبية إلى أن جاء عبدالقاهرالجرجاني فقدم تصورا دقيقا لمفهوم الأسلوب، فذكر: «إنه­الضرب و الطريقة فيه» (الجرجاني، 7:1969)، إذن  فإن  مفهوم الأسلوب قد تكشف في المباحث العربية على يد عبدالقاهر. أما الزمخشري فقد دقق النظر في الخواص الأسلوبية لبعض سورالقرآن في كتابه (الكشاف)، كما هو الأمر في سورة­الحمد: (الحمدلله رب­العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد و إياك­ نستعين...) فقال: «فإن قلت: لم عدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب قلت : هذا يسمى الالتفات في علم البيان» (الزمخشري،6:1954)، لذلك راودت فكرة الأسلوب و وجوه الأداء الكلامي أذهان المفسرين والبلاغيين والنقاد من أمثال الجاحظ و الجرجاني والزمخشري منذ القرن الثالث الهجري ولم يكن شيئا جديدا في اللغة العربية. أما الأسلوبية بشكل عام فإنها تدرس النص و تقرأه من خلال لغته، وما تعرضه من خيارات أسلوبية على شتى مستوياتها: نحويا ولفظيا و صوتيا و شكليا «وما تفرده من وظائف و مضامين و مدلولات و قراءات أسلوبية لايمت المؤلف بصلبه مباشرة لها على أقل تقدير». (غزالة، 120:2001) و من أهم الأهداف والوظائف التي تركزّ عليها النظرية الأسلوبية دراستها للغة الأديب، و معجمه اللغوي، كما يمثلهما إنتاجه الأدبي، وذلك بإخضاع  اللغة لمناهج من التحليل. ولاشك أن «الدراسة العلمية للأسلوب تضع أسسا موضوعية يمكن الاستناد إليها باطمئنان ومعاييره محددة للحكم على الأسلوب من خلال التحليل الإحصائي مثلا للتراكيب و الألفاظ والنحو». (عناني، 106:1996)، و من هذه الزاوية تعتبرالأسلوبية وسيلة علمية لتوكيد صحة انطباع الناقد.هناك وجوه مختلفة للدراسات الإحصائية الأدبية،منها ما طرحه "بولدريني": « أما الإحصاء في  كل لغة يعد موضوعا للدراسات العلمية ويجلب الخامات اللازمة  لاستخدام الطرق الكمية،  و في الواقع يمكن أن نقول أن الأساليب الإحصائية  تهيئ الوسائل الكمية للدراسات التي نراها اليوم في اللسانيات الحديثة  و النقد الأدبي » (  Herdan , 1956 :6 ).أما التوجه الإحصائي  فإنه يسعى من جهة أخرى إلى رصد تكرار ظاهرة لغوية معينة في أسلوب شخص معين رصدا علميا دقيقا، ينأى عن الملاحظة العابرة، ويرفض تجزئة الإحساس الصادر عن التقاط الظواهر. هنا تتقصي النظرية الأسلوبية تطبيق علم الإحصاء، و استخدام الجداول الإحصائية والأرقام، و هي المهام التي سهلتها الحاسبات الإلكترونية الحديثة. فالتحليل الإحصائي يمكن أن ينهض بتوثيق النصوص الأدبية، عند محاولة نسبة أعمال معينة إلى مؤلّف معين، و يمكن أن يساهم في فهم التطور التاريخي لكتاباته، و رصدالنصوص الأخرى التي دخلت أو تسرّبت إلى نصوصه (التناص)، و دراسة دلالات ورود ظاهرة معينة مرة واحدة، أو خمسين مرة، أو ثلاثمائة مرات في أعماله، والكشف عن مقاييس أومعايير محددة في توزيع العناصر الأسلوبية، عند مؤلّف معين بحيث يمكن أن تفتح آفاقا تفيد في­التفسير الجمالي. و «تنقسم مستويات التحليل الأدبي إلى تحليل للأصوات والألفاظ والتراكيب. ففي مجال الأصوات يتم تحليل الوقف و الوزن و النبر. أما في مجال الألفاظ فتتم دراسة الكلمة و تركيباتها و الصيغ الاشتقاقية و تأثيرها على الفكرة،  و المصاحبات و اللازمات اللغوية في موضوع معين عند مؤلف معين، أما في مجال التراكيب فتجري دراسة طول الجمل وقِصرَها، و أركان التركيب من أمثال المبتدأ والخبر، والفعل والفاعل...» ( راغب، 37:2003). أما هذه المقالة  فإنها تهدف إلى الإسهام في تغطية جانب بسيط  لقصوراللغويين المعاصرين، من خلال الوقوف عند نصوص لغوية تمثل المرحلة التي قيل فيها (النصف الثاني من­القرن العشرين) منطلقة من حقيقة أن اللغة مادة متطورة متجددة، وهذا مايفرضه قانون الحياة، كما أننا نرى أن المعاجم اللغوية للأدباء تختلف في أعمالهم الأدبية الأخيرة، لأن لغتهم الأدبية مازال قيدالتطور منذ البداية إلى النهاية، ولايفرق في أن الأديب كان الطيب صالح من السودان، أو غادة­السمان من سوريا، أم نجيب محفوظ  من مصر، فالمهم أن اللغة معتمدة على أسس لسانية أفرزتها اللسانيات الحديثة، و أهمها التمييز بين الكلام واللغة وفق الفهم السوسوري الذى أراد من وراء ذلك التمييز، إبراز دور المتكلمين الذين يستخدمون اللغة. وقد ركز هذاالبحث في دراسته اللغوية للأدباء الثلاثة على علاقتين مهمتين لسانيا هما:

أولا: العلاقات الجدولية التي تدرس النص على أنه جزء من اللغة، يتكون من اللغات والتراكيب والأصوات. فقمنا بتمييز أساليب ونصوص منشئيها بتفكيك الجملات في الجداول، و توزيعها على معجم لغوي، واستخدمنا تنوع المفردات Vocabulary Diversification للإطلاع على ­الخواص الأسلوبية للناثرين، و حاولنا من خلاله الإجابة عن سؤالين هامين؛الأول: أي هذه­ النصوص يعبر عن­ثراء معجمي نسبي إذا ما قورن بغيره؟

 والثاني:أي هذه النصوص أقوى إذا ما قورن بغيرها في السبك النصي؟

«فالسبك يعني العلاقات أوالدلالات الشكلية والدلالية التي تسهم في الربط بين عناصر النص الداخلية، وبين النص والبيئة المحيطة من ناحية أخرى، و من بين هذه الأدوات المرجعية مثل الضمائر» (1987:32، Carter و الفقي97:2000) و يوجد السبك Cohesion حينما توجد علاقة قضوية بين الجمل و «تتجلّى هذه العلاقة من خلال المرور على مستويين، هما المستوى النحوي والمستوى المعجمي اللذان يؤكدان فعالية الاتساق والسبك و إبراز حدوده» (خطابي، 237:1991). «وينبغي أن نفرق هنا بين الربط الذي يمكن أن يتحقق من خلال أدوات الربط النحوية والتماسك الذي يتحقق من خلال الوسائل الدلالية و اللغوية في المقام الأول، ويمكن تتبع الأول على المستوى السطحي للنص» (البحيري، 18:1998) كما يرى فان دايك «أن التماسك يتم على مستوى الدلالات» (خطابي، 61:1991) واستعمل فان دايك مفهوم الترابط للإشارة إلى علاقة خاصة بين الجمل «ولما كانت الجملة مقولة تركيبة والترابط علاقة دلالية فقد فضل الباحث الحديث عن العلاقة بين قضيتين أو قضايا جملة­ها» (فان دايك، 132:2000). و يتحقق ترابط النص والسبك المعجمي بين المفردات أو الألفاظ عبر ظاهرتين لغوتيين: التكرار Recurrence   و المصاحبة/ التضام([1]) Collocation.

ويهدف هذا البحث إلى تقديم عرض نظري لإحدى الطرق الإحصائية المستخدمة في قياس خاصية تنوع المفردات مع دراسة تطبيقية لنماذج من­الروايات العربية في السودان و سوريا ومصر. و ستعالج الدراسة المسائل التالية على الترتيب إن شاء الله:

1- تحديد العينات التي أجرى عليها البحث.

2- عرض للمقياس و طريقة تطبيقه على العينات بصورة موجزة.

3- طرق حساب نسبة التنوع وما يتضمن من القيمة الوسيطة له وغيره.

4- دراسة مدى السبك النصي في العينات الثلاثة وهذا يشتمل المستوى النحوي و المستوى­المعجمي للأعمال الثلاثة.

5- عرض منحنيات­القياس ونتائجها.

6- العلاقة بين خاصية التنوع و إبداعية الأسلوب.

1- العينات :

يتناول هذا البحث دراسة ثلاثة من أعلام الأدب والرواية في­العصر الحديث هم: الطيب­صالح، و غادة السمان، و نجيب محفوظ وقد آثرنا هؤلاء الأعلام للدراسة لأسباب منها:

أولا: إنّ الثلاثة هم من أبرز الأعلام العرب في كتابة الرواية، و من ثم كان تأثيرهم في مجال الفكر و الثقافة من جهة، و في فن الكتابة والأسلوب من جهة أخرى عظيما. و كان لأدبهم نفوذه القوي، و انتشاره الواسع علي­المستوى العالمي بين قراء­العربية و المعاصرين الأجانب، فالعينة الأولى،الطيب صالح، الكاتب  الشهير السوداني والحائز على جائزة الإبداع العربي في الرواية الذي يتمتع  بقدرة خارقة على الرؤية و الاستبصار والنفاذ إلى أدق الأمور. فقد درس  الثقافة العربية  و تزود منها كل ما وسعته المقدرة على التزود، فقرأ أعمال المعاصرين و تمثلهم و هضم أعمالهم،و غاص في الثرات العربي، و عايش أيضا الثقافة الغربية. فقرأ أعمال الكلاسيكيين و المعاصرين الأروبيين، «كان يذكر المتنبي، وأبا نوأس، و يذكر شكسبير  وييتس، و كانت لديه مقدرة على استخراج اللؤلؤ من أعماق الأدب العربي، و الجوهر من أعماق الآداب الغربية والانكليزية» (صالح، 6:1996)، إنه أديب بارع مبدع لفت أنظارالجميع بأعماله القليلة المبدعة من مثل "موسم الهجرة إلى الشمال" و "عرس الزين" و في­الواقع إنه موهبة عظيمة قد انفجرت في­الوطن العربي، و قد بدأت تنساب رافدا دافقا في نهر الأدب­العربي المعاصر، و إن هذه الموهبة هي  تتويج­الرواية العربية و تصعيد مكانتها في الفن الروائي العالمي.

والعينة الثانية: غادة­السّمان الأديبة السورية المبدعة التي خصصت جزءاكبيرا من أعمالها الإبداعية لمناقشة الواقع الثقافي والاجتماعي الذي تعيشه المرأة، في ظل مجتمع أبوي متسلط، ما أتاح لها قدرا كبيرا من الشهرة والانطلاق. «كانت السمان غاية في الذكاء حين جعلت المرأة تلعب دور البطلة في قصصها و رواياتها على مايشير الناقد السوري مفيد نجم» (يوسف، 11:2007)  وفي الواقع أنها أديبة مبدعة تشحن معجمها اللغوي بمفرداتها المعجونة بالرفض، و من هذا الجانب «تعيش غادة­السمان في اللغة مثل نزار قباني... أو إنها تشبههه بلاغيا في التمرد، و الجملة المارقة، و الحفر في الكلمات». (صويلح، 18:2008) و هي قرأت أعدادا هائلة من الكتب المرتبطة بالأدب و التاريخ و السياسة، من القرآن و الكتب الأدبية والتاريخية و الآثار الكلاسيكية العربية و الفرنسية و الانجليزية فانفتحت أمامها آفاق واسعة، و أصبح بإمكانها أن تقرأ لكتاب و شعراء عالميين كبارمن أمثال شكسبير و ميلتون و دانتي و بودلير و فلوبير و فيرجينيا وولف و غيرهم حيث أثّرت في السيطرة على لغتها و أدواتها الفنية و صارت كتبها من روايات و قصص تشهد  إقبالا منقطع النظير من القراء في كل انحاء العالم العربي... انها في الواقع «شهرزاد الشرق الجديدة تنهض من خرائب الدمار والانحطاط لتطلق من جديد صرخة الحرية في المنفى (بيروت)» (المصباحي، 9:2007).

والعينة الثالثة: نجيب محفوظ، و هو غني عن التعريف، أديب و روائي عربي مصري حصل على جائزة نوبل للآداب. ليس مثل نجيب محفوظ أديب و قاص استطاع أن يعبر عن أجواء الحياة المصرية بكل أشكالها و أسرارها بعمق تاريخي يبدأ من نهايات القرن التاسع عشر إلى مشارف القرن الحادي و العشرين، بحيث يعتبره الدكتور طه بدر«رافد انعكاس الواقع المصري آنذاك، والذي أدرك حياة المصريين بصورة كاملة لم يصل إلى مكانته السامية أحد من الأدباء» (بدر، 1968: 240-239). إذن دراسة معجمه اللغوي من هذاالجانب وظيفة الباحث الإحصائي، غير أن هناك مشكلة وهي «أن نجيب محفوظ يكتب بطريقة غيرالتي يتكلّم بها، و لوكان سرد قصة شفوية، فهو إذن من­الذين يحتشدون للكتابة بطريقة تخالف التي يحتشد بها للحديث» (الأسود، 275:1989) و هنا يطرح سؤال و هو أنه لماذا نقوم بدراسة خاصية تنوع المفردات في أسلوبه، مع أننا ندري أن لغته في الكتابة تختلف عن لغته المنطوقة؟ يمكن الإجابة على هذا السؤال على النحو التالي: هذا أيضا يعتبر من­الفحوص الإحصائية للأعمال الأدبية ذات السياقات المعقدة كالقصة والرواية والمسرحية «بحيث تتناول الفروق بين الرسالة ] اللغة[ المنطوقة والمكتوبة، و بين الفصحى و اللهجة، وبين الذكورة والأنثى، و بين صغر السن و تقدمه». (مصلوح، 1989 : 64-63). كما إن  يتقدم علم­الأسلوب الإحصائي  يتقدم على الفروق من جهة الجنس الأدبي، و نوع الخطاب، وسمات الشخصية بين­الجنسين، لذلك فقد  اخترنا امرأة اديبة في عيناتنا حتى نثبت الفوارق اللغوية في معجمها اللغوي مع­الجنس المخالف. و هذا الرأي يتقاطع مع ما قالته القاصة إملي نصرالله: «للأدب الذي تكتبه المرأة نكهة أخري، و هو ببعض الحالات يعكس تجارب شخصية و أحاسيس عاشتها دون الرجل... إنّما هناك أمور قد تلفت انتباه المرأة وحسها بينما لاتحرك حسا لدى الرجل» (جباره، 7:2005) وَ من الأسلوب الإحصائي يمكن أن نستفيد لتأييد أو نفي الفوارق بين­الجنسين بحيث يجب البحث عن وضعية المرأة داخل بنيتها اللغوية في أعمالها و هذا ما تبحثه نظرية جاكوبسن حول وظائف اللغة حيث يؤكد «بأن الوظيفة التعبيرية أو الانفعالية هي التي تمكن المرسل من اعطاء انطباع عن حالته،  سواء أكانت واقعية أم متخيلة» (نفس­المرجع: 7).

 فالوظيفة التعبيرية حاضرة كشكل ذي دلالة كبري، جعل­الكثير من دارسي الأدب النسائي يؤكدون حضور هذه الذاتية في الكتابة النسائية،  كما نجد شكلا آخرللتعبير عن الوظيفة الانفعالية للغة من خلال استخدام ضميرالمتكلم (أنا) و هذا يجدر دراسته في روايات غادة­السمان لنرى قدرتها اللغوية في التعبير عن الوظيفة الانفعالية للغة.

 ثانيا: أن أدب هؤلاء الأعلام الثلاثة قد حظي في أبعاده الفكرية و الحضارية من­ الدراسين والمختصين بأكبرالاهتمام، على حين ظل­الجانب الأسلوبي الإحصائي مهملا أو شبه مهمل. فلم يقع لنا- في حدود ما قرأنا - دراسة أخلصت نفسها لهذا الجانب لديهم إلا ما نتف مبثوثة هنا وهناك، هي في الغالب أحكام ذاتية صيغت  بصورة مرنة، توهم دون أن تحدد بالجداول والأرقام الإحصائية.

ثالثا: سبب اختيار النثر هنا أن الشعر قد استأثر باهتمام الجمهرة من دارسي الأدب و نقاده، من جانب آخر جنح الأدب إلى الواقعية في تصوير قضايا المجتمع والكشف عن­الحياة النفسية للإنسان المعاصر، وسلوكه، و مشكلاته الحضارية، و غير ذلك من مقومات الحياة العصرية الجديدة، لذلك نجد النثرأسهل تعبيرا عن تلك الموضوعات، وأكثر مرونة و قدرة على الاقتراب من­الحياة اليومية، لكن الشعر يفرض على مؤلفه بعض القيود في رسم المواقف و إجراء الحوار، إذ يحاول أن يحصر مواقفه قدرالطاقة في مجال يصلح للتعبيرالشعري، ولايضطره إلى الهبوط  عن حد أدنى لذلك التعبير، لذلك فلغة النثر والرواية أقرب إلى قضايا المجتمع والمعجم اللغوي عندالناس من الشعر. والذي يستطيع أن يفهم نسبة تنوع الكلمات في النثر والرواية، يستطيع أن يفهم ثمانين أوتسعين بالمائة من لغات الناس، و لغة الكاتب الروائي في تلك المرحلة التاريخية.وقد شملت العينات الثلاث- رواية موسم الهجرة إلي­الشمال للطّيب صالح([2]):وهذه الرواية من أهم آثاره التي حصلت على جائزة نوبل في الإبداع الأدبي. «هذا الأثر يعبر عن العلاقات الموجودة بين­الشرق و الغرب في القالب الرمزي. و مما يلفت النظر، أن الرواية تمتاز بعدة خصائص في مضمونها و أسلوبها المتميز في التعبير». (موحدي، 4:1386) و تستغرق العينة المذكورة ثلاثة آلاف كلمة.

2- «عيناك قدري» لغادة السمان:([3])وهي مجموعة قصصية دلّت على ولادة كاتبة متميزة تتمتع بموهبة مبكرة، و المجموعة تضم قصص قصيرة حملت عنوان: عيناك قدري عليها من باب تسمية الكل بالجزء. و قد نالت حال صدورها عام 1962 إعجاب النقادالذين أحبوا فيها الجرأة، والأسلوب الرائق، و اللغة المتوترة، و نزعة التمرد العنيفة على قيم المجتمع الشرقي التقليدي. وقد اخترنا من قصة "عيناك قدري" ثلاثة الآلاف الأولى من كلماتها.

3- رواية «بين القصرين» لنجيب محفوظ([4]):اخترنا ثلاثة آلالاف الأولى من هذه الرواية، وانها إحدى من ثلاثيته (بين القصرين- قصرالشوق -السكرية)  التي نالت جائزة نوبل للإبداع الأدبي  في كتابة الرواية. «يعتمد محفوظ في هذه الثلاثة على تسجيل دقيق لواقع الحياة المصرية يوما بعد يوم، و ساعة بعد ساعة، و يعتبر كل فصل فيها صورة مستقلة قائمة بذاتها. و قد حرص الكاتب على مستوى لغوي سديد في العرض، و في­الحوار الملائم لتعدد مستويات الشخصيات التي مثلث عصرا بأكمله في القاهرة». (الأسود، 315:1989)، وبذلك بلغ مجموع العينات الثلاث تسعة آلاف كلمة و هي كمية لا بأس بها في مجال دراسة تنوع المفردات، ويلاحظ أن النماذج المختارة تنتمي جميعها إلى الاتجاه الاجتماعي الواقعي الذاتي وفيها نقاط مشتركة كثيرة نذكر بعضها: أولا: الاتجاه الاجتماعي الواقعي المشترك؛ من أبرز خصائص القصص التي ذكرناها تصويرها للمشكلات الاجتماعية والاصلاح الاجتماعي والثقافي. وكان الفقر و التخلف و الجهل، و مشكلة المرأة، و الفروق الإجتماعية على رأس هذه المشكلات. فعلى سبيل­المثال غادة السمان في أثرها تتناول المشكلة الاجتماعية للمرأة في المجتمع العربي، و ظلم العادات و التقاليد الاجتماعية لها، و «هي بذلك رائدة الكاتبات العربيات في اقتحام قاموس الجرأة لإعلان حريتها القصوى في مجتمع ذكوري» (صويلح، 18:2008). كما (يدخل محفوظ في ثلاثيته إلى قلب المجتمع المصري ويكتب عن نظام الأسرة) (المعوش، 356:1999)، و يصور مشاكلها، و يتناول مسألة تعدد الرجال في حب امرأة واحدة (خيانة أحمد عبدالجواد بالنسبة لزوجه أمينة) وغيرها من­الفقر والجهل، و فساد المرأة في المجتمع المصري كما تلونت قصة الطيب صالح باللون الاجتماعي، حيث تصور فيها الفروق الاجتماعية، و أهوال الحرب التي شكلت نوعا من المسح الاجتماعي للمجتمع السوداني. كما تصور هذه الرواية أشياء من الخصائص الواقعية مثل النموذجين الماضيين، «حيث يحكى الطيب صالح عن معاناة الإنسان السوداني، و الإنسان العربي من الإستعمار في أرضه و خارجها،و تشبث هذاالإنسان بالتراب، و محاولته رفع مستوى المجتمع العربي...» (نفس المصدر: 357)

ثانيا: الاتجاه الذاتي المشترك: فـ«القصة الذاتية هي التي يتحدث القاص فيها بطريق المتكلم على لسان البطل أو البطلة، أو على لسان شخصية ثانوية يروي عن نفسه و تجاربه، و موضوعها يتعدى الأدب إلى موضوعات أخرى، سياسية واجتماعية» (نفس المصدر:371). كما نرى أن هؤلاء الثلاث (نجيب محفوظ، غادة السمان و الطيب صالح)، حيث يتحدثون في رواياتهم فإنهم يعبرون عن ذواتهم خاضعين للظروف الإجتماعية و تأثيرها على أدبهم، و أيضا نرى أن هولاء القاصين يتحدثون في أعمالهم إما بطريق المتكلم على لسان البطل كما فعل الطيب صالح: «عُدت الى أهلي...» (صالح، 11:1996) و محفوظ على لسان شخصية ثانوية: «عندمنتصف الليل استيقظت» (محفوظ، 327:1991 ) و  غادة السمان «كعادتها انكبت على بعض الأوراق» (السمان، 8:1993). فنرى الاشتراك في هذاالاتجاه في العينات الثلاث. ومن المتوقع أن تتماثل نسب التنوع في أسلوب الكاتب بقطع النظر عن تغييرالموضوعات التي يتناولها.أما في بيان أهمية اللغة و علاقتها بالأسلوبية نجد أن «الأسلوبية تعود بالضرورة إلى خواص النسيج اللغوي و تنبثق منه، فإن البحث عن بعض هذه الخواص ينبغي أن يتركز في الوحدات المكونة للنص، و كيفية بروزها و علائقها» (فضل، 80:1999) فيعتمد المنهج الأسلوبي اللغة الحاملة للنص قصد سبر أغوارها وكشف مكنوناتها من خلال الألفاظ و التراكيب، سواء من جانبها النحوي أوالصوتي أوالدلالي، سعيا إلى الوقوف عند اللغة الأدبية المميزه للنص عن سواه من النصوص الأخري.

2- القياس:

هناك عدة مقاييس اقترحت لقياس خاصية تنوع المفردات([5]) و من أهمها ما اقترحه جونسون في دراسة بعنوان «اللغة والعادات السليمة في الكلام» و كتابه «الناس في المأزق» و فيهما يرى جونسون  Johnson W.أن في الإمكان إيجاد نسبة لتنوع المفردات في النص، أو في جزء منه، إذا ما حسبنا فيه النسبة بين الكلمات المتنوعة والمجموع الكلي الكلمات المكونة له، و يطلق جونسون علي­الكلمات المتنوعة مصطلح «الأنواع» Types و علي­المجموع الكلي للكلمات مصطلح «الكل» Tokens، و من ثم يطلق على نسبة­ التنوع Type- token ratio (وتختصر عادة إلى T.T.R). و يقتضي هذالمقياس أن ندخل في دائرة الكلمات المتنوعة كل كلمة جديدة ترد في­النص لأول مرة مع احتسابها مرة واحدة في العدد مهما تعددت مرات ورودها في­الجزء الذي نفحصه من­النص. و تعتبر مثل هذه الكلمة «نوعا» Type. و بعد إحصاء عدد الكلمات المتنوعة (الأنواع) يتم إيجاد نسبة التنوع بقسمة عددها على حاصل الجمع الكلي للكلمات «الكل» Tokens.والواضح أن التوصل إلى عددالكلمات المتنوعة في نص ما ليس أمرا بالغ السهولة فقد اقتضانا ذلك بالنسبة لكل عينة أن نقوم بما يلي:

1) عمل نموذج لجدول تكون عدد مربعاته حاصل ضرب 10 × 10 وبذلك يصل مجموع المربعات في الجدول الواحد 100 مربع (انظر النموذج في الجدول رقم 1).   2 ) تفريغ العينة كلها في هذه الجداول بحيث تكتب كل كلمة في مربع مستقل  و بذلك استغرقت العينة الواحدة (والتي تتكون من ثلاثة آلاف كلمة) 30 جدولا.3) حصرالكلمات المتنوعة في كل جدول على حدّة، و ذلك بمراجعة أول كلمة من كلماته على سائر الكلمات الباقية فيه و عددها 99 كلمة، ثم شطب أي تكرار لهذه الكلمة يمكن أن يوجد في حدود الجدول الواحد. ثم نبدأ بعد ذلك بمراجعة الكلمة الثانية فيه بالطريقة السابقة على الكلمات الباقية (وسيصير عددها 98 كلمة) حتى تنتهي جميع الكلمات المائة. ثم نقوم بمثل ذلك في سائر الجداول الأخرى و عددها بالنسبة للعينات الثلاث 90 جدولا). أما الكلمات التي بقيت دون شطب فتمثل ما نعنيه بالكلمات المتنوعة، وهذه يتم حصرها و كتابة عددها أسفل كل جدول.بيد أن الخطوات الأربع السابقة تؤدي إلى حصرالكلمات المتنوعة في كل جدول على حدة وهذا الأمر مطلوب، كما سنرى بعد، و من ثم يتطلب الأمرالقيام بخطوات أخرى لحصرالكلمات المتنوعة على مستوى العينة كلها، و هذه هي:

1) مراجعة كل كلمة لم تشطب في الجداول الأول على جميع الكلمات التي لم تشطب في­الجداول التسعة و العشرين اللاحقة، بحيث يتم شطب جميع تكرارات الكلمة على مستوى النص كله. (ويستحسن أن يتم الشطب في هذه المرة بقلم    ذي لون مخالف أو بإشارة مخالفة حتى يتبين للباحث ماتم شطبه على مستوى الجدول الواحد مماتم شطبه على مستوى العينة كلها).

مصدرالنّص: عيناك قدري، المؤلف: غادة السمّان، رقم الجدول:1

جدول رقم (1)

نموذج جدول التفريغ

مقياس جونسون لاختيار تنوع المفردات في النص

نوافذ

البناء

الواسعة

المضيئة

تنظر

إلي

الشارع

المزدحم

كأنها

عيون

كبيرة

بلهاء

وهي

وراء

إحدي

النوافذ

رصينة

جامدة

كعادتها

انكبت

علي

بعض

الأوراق

حتّي

كادت

تلصق

بها

وجهها

كأنها

تهرب

إلي

أوراقها

من

عالمها

ولماذا

الهرب

لا

شيء

في

حياتي

سوي

عملي

أنا

سعيدة

لا

شيء

ينقصني

أملك

حريتي

وقدري

كأي

رجل

في

هذه

المكاتب

أنا

حرة

سعيدة

سعيدة

لماذا

تظل

تكرر

لنفسها

انها

سعيدة

عماد

قال

لها

ذات

مرّة

عندما

نكون

سعداء

فعلا

لا

يخطر

لنا

أن

نتساءل

إن

كنا

كذلك

أم

لا

السعادة

تصبح

جزءا

منا

إنك

لا

تتسائلين

إذا

كانت

يدك

في

مكانها

أم

لا

نحن

نتحسس

 

     No of types: 78                                                                                      T.T.R: 0/78

     No of tokens: 100

2) مراجعة كل كلمة لم تشطب في­الجدول الثاني على جميع­الكلمات التي لم تشطب في الجداول اللاحقة (وعددها 28 جدولا). وهكذا حتى نفرغ من جميع الجداول الثلاثين التي تتكون منها العينة، وقل مثل ذلك في العينتين الاخريين بجداولهما الستين.

3) لكي تضمن دقة الحصر قمنا بعد إجراء هاتين المجموعتين من الخطوات بتفريغ الكلمات الباقية دون شطب في جداول مماثلة تحمل نفس الأرقام المتسلسلة من 1 إلى 30 في كل عينة من العينات الثلاث. و من المتوقع أن يكون عدد الكلمات المفرغة في الجداول الأخيرة أقل بكثير من عددها  في الجداول الأصلية مما يسهل عملية حصرها بنفس الطريقة السابقة، و بإتباع نفس المراحل، و ذلك حتى نستدرك ماعسى أن يكون قد فلت من نظرنا أثناء الحصرالأول، و حتى يطمئن الباحث تماما إلى دقة مراحل القياس.

4) راجعنا بعد ذلك جداول التصفية على الجداول الأصلية لشطب ما تمّ اكتشافه من تكرارات.

5) تم حصر عدد الكلمات المتنوعة في هذه المرحلة في كل جدول من جداول التصفية مع مراجعة حاصل الجمع على الجدول الأصلي المقابل، فإذا توافق الرقمان كان ذلك قرينة على دقة الإحصاء و إلّا فلابدّ من إعادة التدقيق لاستكشاف أسباب التخالف و استدراكها.

6) يكتب عددالكلمات المستخرج من المرحلة السابقة تحت الجدول الخاص به.

7) تتبع نفس الخطوات السابقة على العينتين الأخريين على حدّة.بهذه المجموعة من الخطوات يمكن التوصل إلى عددالكلمات المتنوعة (الأنواع) على مستويين:الأول: عددها بين كل مائة كلمة من كلمات العينة، والثاني: عددها في العينة المدروسة كلها،وسنرى أهمية هذين المستويين عندالكلام على طرق استخراج النسبة المطلوبة من المعلومات المتوافرة لدينا نتيجة إجراء العمليات السابق ذكرها.

وقد رأينا أن تحقيق قياس أدق لخاصية تنوع المفردات يتطلب الالتزام بما يلي:

 1) يعتبر الفعل The verb كلمة واحدة مهما اختلفت صيغه بين مضي و مضارعة و أمر و مهما اختلفت كذلك جهات إسناده إإلى المفرد والمثنى و الجمع تذكيرا و تأنيثا.

2) لايعتد باختلاف صيغ الأسماء إفرادا و تثنية و جمعا ككلمات متنوعة، إلّا إذا كان المثنى أوالجمع من غير لفظ المفرد.

3) لايعتد باختلاف الاسم تذكيرا و تأنيثا ككلمات متنوعة إلا إذا كان المؤنث من غيرلفظ المذكر.

4) إذا تعددت صيغ الجموع احتسبت «أنواعا» أي كلمات مختلفة.

5) إذا اتصلت بالإسم اللاحقة الدالة على النسب أو لاحقة المصدرالصناعي فإن الصورالثلاث تعتبر «أنواعا». وعلى ذلك فمثل «إنسان- إنساني- إنسانية (مصدرصناعي)» تعتبر ثلاث كلمات مختلفة.

6) إذا دلت الكلمة على أكثر من معنى معجمي على جهة الاشتراك اعتبرت كلمات مختلفة (أي متنوعة).

7) يعتد بالكلمة الرئيسة فقط مهما تعددت السوابق واللواحق، فكلمات مثل: «محمد- لمحمد، هذا، بهذا- لهذا، ما (موصولة)- بما-كما- فيما-له- لنا- لكم »تعتبر كل مجموعة منها كلمة واحدة.

8) إذا اختلفت صيغ الأفعال بين ثلاثية و رباعية و خماسية و سداسية، و كذلك المصادر و المشتقات فإن وحدة الجذر لاتحول دون اعتبارها كلمات متنوعة،هذه هي أهم الشروط التي التزمناها في الإحصاء. والآن نعرض للطرق التي يتم بها حساب نسبة التنوع.

3- طرق حساب النسبة :

اقترح جونسون أربع طرق يمكن حساب نسبة تنوع المفردات باستخدام واحدة منها أو أكثر حسبما يراه الباحث مفيدا و محققا لهدفه من الدراسة. وهذا عرض مع التمثيل للطرق الأربع([6]) قبل تطبيقها علي­العينات الثلاث التي اخترناها للدراسة.

        الطريقة الأولي: إيجادالنسبة الكلية للتنوع:                                                        Over-All T.T.R

و فيها تحتسب نسبة التنوع على مستوى النص أوالعينة بكاملها،  ويتطلب حساب النسبة بهذه الطريقة حصرالكلمات المتنوعة في النص كله، و قسمة عددها على الطول الكلي مقدرا بعدد الكلمات المكونة للنص.

مثال: إذا كان لدينا نص يتكون من 1000 كلمة، وكان عدد الكلمات المتنوعة فيه 250 كلمة، فإن النسبة الكلية للتنوع تحسب بقسمة  250 على 1000 و تساوي بذلك 25/0

الطريقة الثانية: إيجاد القيمة الوسيطة لنسبة التنوع:

The Mean Segmental T.T.R.

و يتطلب استخدام هذه الطريقة اتباع الخطوات الآتية:1) تقسيم النص أو العينة إلى أجزاء متساوية الطول.

2) حساب نسبة الكلمات المتنوعة إلى المجموع الكلي لكلمات كل جزء على حدّة.

3) أخذالقيمة الوسيطة لقيم نسبة التنوع في الأجزاء المختلفة. وذلك بجمع هذه القيم ثم قسمتها على عدد الأجزاء المكونة للنص. مثال:لنفترض أن لدينا نصا يتكون من 300 كلمة، و قسمناه إلى ثلاثة أجزاء حيث يتكون كل جزء من 100 كلمة، فإذا كان عدد الكلمات المتنوعة في الأجزاء الثلاثة على التوالي      60، 50، 40 فإن النسب ستكون على الترتيب على الترتيب 6/0، 5/0، 4/0 كما سيكون مجموعها 5/1 و بقسمة هذا العدد على 3 (وهو الأجزاء) تصير القيمة الوسيطة للتنوع في هذا النص 5/0

الطريقة الثالثة: إيجاد منحني تناقص نسبة التنوع.

The Decremental T.T.R Curve.

ويتطلب ذلك:

1) تقسيم النص إلى أجزاء متساوية الطول.

2) حساب النسبة في الجزء الأول من النص. وذلك بحصرالكلمات المتنوعة و قسمة عددها على المجموع الكلي لكلمات الجزء.

3) حصرالكلمات المتنوعة في الجزء الثاني من­النص دون أن ندخل فيها أي كلمة سبق ورودها  في الجزء الأول.

4) إيجاد النسبة في الجزء الثاني بقسمة عدد الكلمات المتنوعة التي تم حصرها على المجموع الكلي لكلمات الجزء الثاني فقط.

5) تتبع نفس الطريقة مع الجزء الثالث و كذلك سائر الأجزاء إلى أن تنتهي جميع الأجزاء المكونّة للعينة.

مثال:لنفترض أنه عند فحص النص الذي يتكون من 300 كلمة مقسما على ثلاثة أجزاء قد تمّ لنا أن عدد الكلمات المتنوعة في الجزء الأول 60 كلمة و أن عدد هذا النوع من الكلمات في الجزء الثاني و التي      لم تظهرمن قبل في الجزء الأول هو 40 كلمة و عددها في­الجزء الثالث (بشرط عدم ورود أي منها في الجزئين السابقين) 20 كلمة فإن               حساب منحني تناقص النسبة يتم بالطريقة الآتية:

النسبة في الجزء الأول 60  / 100  = 6/0

النسبة في الجزء الثاني 40  / 100 = 4/0

 النسبة في الجزء الثالث 20  /100 =2/0

و معنى ذلك أن خاصية التنوع تتناقص مسجلة في  تناقصها النسب السابقة.

الطريقة الرابعة: إيجاد منحني تراكم نسبة التنوع

The Cumulative T.T.R Curve.

ويتم حسابه على النحو التالي:

1) تقسيم النص إلى أجزاء متساوية الطول.

2) إيجاد النسبة بين الكلمات المتنوعة و المجموع الكلي لكلمات الجزء الأول.

3) بالنسبة للجزء الثاني يتم إيجاد النسبة بين الكلمات المتنوعة والتي لم يسبق لها أن ظهرت في الجزء الأول و بين المجموع الكلي لكلمات هذا الجزء فقط.

4) نقوم بجمع عددالكلمات المتنوعة في الجزء الأول إلى عدد الكلمات المتنوعة في الجزء الثاني ثمّ نحصل على نسبة التراكم بقسمة حاصل جمعهما على المجموع الكلي للكلمات في الجزئين معا.

5) نسبة التراكم في الجزء الثالث تساوي حاصل جمع عددالكلمات المتنوعة في الأجزاء الثلاثة مقسوما على الطول الكلي للنص (مقدرا بعدد الكلمات المكونة للأجزاء الثلاثة). و هكذا حتى تنتهي جميع الأجزاء المكونة للنص أوالعينة،مثال:يمّر ايجاد منحني التراكم للعينة المذكورة في المثال السابق بالخطوات الآتية:

نسبة التنوع في الجزء الأول = 60/100= 6/0،نسبة التنوع في الجزء الثاني = 40/100= 4/0،نسبة تراكم التنوع حتى نهاية الجزء الثاني = 60+ 40/200= 5/0،نسبة التنوع في الجزء الثالث = 20/100= 2/0،نسبة تراكم التنوع حتى نهاية الجزء الثالث = 60+ 40+ 20/300= 4/0

وهكذا يستبين لنا الفرق بين إيجاد منحني التناقص (المبين في الطريقة الثالثة) و إيجاد منحني التراكم (الطريقة الرابعة).تلكم هي الطرق الأربع التي يمكن باستخدامها،  حساب نسبة تنوع المفردات في الأسلوب، ولقد استخدمنا في معالجة العينات الثلاث الطرق الأربع التي أسلفنا شرحها، و ذلك بهدف تمييز أساليب الأعلام الثلاثة.

 

4- نتائج القياس:

نسجل في مجموعة الجداول والرسوم البيانية الآتية النتائج التي توصلنا إليها باستخدام هذا المقياس لفحص النماذج المختارة من روايات الطيب صالح و غادة السمان و نجيب محفوظ.

جداول القياس للعينات الثلاث:

الكاتب

النسبة الكلية للتنوع

الطيب صالح

42.46%

غادة السمان

41.86%

نجيب محفوظ

47.13%

 

 

جدول (2)النسبة الكلية التنوع في العينات الثلاث

 

الكاتب

قيم نسب التنوع في أجزاء النص 

القيمة الوسيطه

1

2

3

4

5

6

الطيب صالح

60

46

42

36

40

28

42

 غادة السّمان

55

52

35

33

41

30

41

نجيب محفوظ

63

52

49

38

41

37

46

 

 

جدول (3) نسبة‌ التنوع باستخدام القيمة الوسيطة في­العينات الثلاث

 ( كل عينة مقسمة إلى 30 جزءا في  6  مجموعات. وتتكون المجموعة من 500  كلمة  )

 

الكاتب

نسبة تناقص التنوع بين الأجزاء

1

2

3

4

5

6

الطيب صالح

60.4

46.4

42.6

36.4

40.6

28.4

 غادة السّمان

55

52

34.6

38

49

36

نجيب محفوظ

63

52.8

49.2

38.4

41.6

37.2

 

 

جدول (4) نسبة تناقص التنوع

 ( كل عينة مقسمة إلى ستة أجزاء  و الجزء‌  يتكون من  500  كلمة )

 

الكاتب

النسبة التراكمية للتنوع بين الأجزاء

1

2

3

4

5

6

الطيب صالح

60

53

49

46

45

42

 غادة السّمان

55

53

47

44

43

41

نجيب محفوظ

63

58

55

51

49

47

 

 

جدول  (5) النسبة  التراكمية  للتنوع في العينات الثلاث

( كل عينة مقسمة إلى ستة أجزاء  و الجزء‌  يتكون من  500  كلمة )

أشكال القياس للعينات الثلاث:

5- السمات الممتازة للمعجم اللغوي المحفوظي :

    نلاحظ ابتداءا أن قياس النسبة الكلية للتنوع يرشدنا إلى أن أكثر الأساليب الثلاثة تنوعا هو أسلوب محفوظ (47%) و أقلها هو أسلوب غادة السمان (41%)، على حين يتوسط أسلوب الطيب صالح بينهما (42%) و إن كان أقرب جداً إلى السمان (ينظر: جدول2).

أما هناك يبرز سؤالا طرحناه في الملخص والمقدمة و هو إنَّ ما الذي يميز نجيب محفوظ عن النموذجين الآخرين في خصائصه الأسلوبية واللغوية؟ و الجواب يأت في مسائل عديدة، منها :

1- استفاد المعجم اللغوي المحفوظي من حقول المعرفة المختلفة و أهمها ما يأتي:

أ: برزت في المتن اللغوي المحفوظي مفردات الدين المستمدّة من الديانتين الإسلامية و المسيحية و من أمثلة ذلك: الله (أربع مّرات : 10/13/18/26/28)،([7]) الصمدية (ثلاث مرّات: 8/10/16)، الأرواح (ثلاث مرات 7 /10/29)، الشراب (ثلاث مرات 24/28/30)، السكر (ثلاث مرات 24/27/29)، الأشباح (7/12)، القرآن (7) الفاتحة (8)، معصية (مرتين: 26)، اللهم (13)، العفاريت (11)، المآذن (6/14)، التعاويذ (9)، عباد (10)، موحدّون (10)، دينية (26) و... مقارنة" معجم" محفوظي مع الطيب صالح في هذا الحقل الدلالي أثبتت أن نسبة التكرار في المعجم المحفوظي تفوق نسبة التكرار (في الحقل المذكور) في المعجم الصالحي بأضعاف، و مفردات الطيب صالح في هذا الصدد محدودة و من أمثله ذلك: السكران (26)، مخلص (16)، المسجد (16) الشراب (21)، صلاة (3) الميسورين (19) و لكن غادة السمان في النص المدروس منها أثبتت أقلّ نسبة للتكرار و التنوع في الحقل المذكور: إله (15/21) و هذا يثبت أن السبك (التماسك) النصي في مفردات الدين في النص المدروس لنجيب محفوظ أكثر بالنسبة للطيب صالح و غادة السمان، و  هذا  يؤكد  منهج  ديفيد  كريستال الذي «قد    جعل  التكرار واحدا  من عوامل التماسك النصي»   (Crystal:  1989: 119)، إذ يوظف التكرار من أجل تحقيق العلاقة المتبادلة بين العناصر المكونة للنصّ. أما هناك مسألة أن الفروق و التباين اللغوي بين النماذج الثلاثة ترجع إلى فكرة الطبقات الأسلوبية المبنية على أساس علم اللغة الأجتماعي و «كثيرا ما يكون للثروة اللفظية لدى فئات اجتماعية معينة في المجتمع ]والشاعر و الكاتب من فئاتها[ خصائص محدودة تبرز عائدية تلك الثروة إلى تلك الفئة، و تميزّها من غيرها، كما في حال إلحاق ألفاظ محدودة  (بلغة الحرفة Jargon) أو اللغة العامية أو (لغة طبقة اجتماعية Slang) علي­الرغم من قدرة هذه المفردات على التداول و تيسير التواصل في الفئة نفسها» (سانديرس، 2002: 176-175)

ب) التوليد الدلالي  في المعجم اللغوي المحفوظي أكثر من النموذجين الأخرين. و التوليد الدلالي «إبداع لدلالات معجمية و تراكيب دلالية جديدة، أي أنه يرتبط بظهور معنى جديد أوقيمة دلالية جديدة لوحدة معجمية موجودة أصلا في معجم اللغة، فيسمح لها ذلك بالظهور في سياقات جديدة لم تتحقق فيها من قبل». (غاليم، 1987: 5).و من طرق التوليد الدلالي في المعجم المحفوظي استقراض اللفظ من اللغات الأخرى مع محافظته على مبناه الأصلي ومثال ذلك: الفونوغراف (phonograph)، الكنبة (Canapé)، طست (من أصل فارسي: تشت)، الكونصول (من الفرنسية Console)، الدهليز (من فارسية: راهرو) و... و لكن في النص المدروس لغادة السمان ما وجدنا ألفاظا تدل على استقراض اللفظ ولكن حينما فحصنا النص الصالحي المدروس، رأينا أنه أقرب إلى نجيب محفوظ في هذا الحقل الدلالي و مثال ذلك من المعجم الصالحي: مَكنة (Machine)، سِروال (من أصل فارسي: شلوار): الأمنيزيا (Amnesia)، ميكانيكي (Mechanical) و...

   ج) السبك النحوي في النص المدروس لنجيب محفوظ أكثر من النموذجين الآخرين. فالسبك كما ذكرنا آنفا «يعني العلاقات أو الأدوات الشكلية والدلالية التي تسهم في الربط بين عناصر النص الداخلية، و بين النص و البيئة المحيطة من ناحية أخري» (Carter, 1987: 32- الفقي، 2000: 96) و «خلافا لدلالة النص و براغماتية النص يقتصر مجال نحو النص على الوسائل اللغوية المتّحققة نصبا و العلاقات بينها» (واوزنياك، 2003: 60)، لأن توالي الجمل يشير إلى مجموعة من الحقائق و على نحو النص أن يكشف عن العلاقة المعنوية بين مجموع هذه الحقائق ذلك أن أدوات الربط تظهر عن طريق الأدوات بين الجمل أكثر وضوحا. و الحقيقة أن الربط النصي يتجاور المستوى السطحي إلى المستوى المعنوي و قد قسم جون كوين الربط إلى صورتين:

«أ- الربط الواضح: يجرى من خلال وسائل تركيبية قوية يمكن أن تكون حرف عطف (الواو، لكن و فاء و...) أوالظرف  أو الموصولات  والمصادر المؤولة وغيرها(مع،  الذي، أن،...)

ب) الربط التضميني: يتم من خلال التجاوز البسيط و من أمثلته: الـشمس زرقاء، الشمس تتلألأ».                      (عفيفي، 2001: 101).ولاحظنا خلال دراستنا للنصوص  المدروسة أن نجيب محفوظ أكثر الأساليب الثلاثة استخداما لأدوات الربط الواضح بين الجمل من أمثال :أو، واو، فاء، ثمّ، أن، حتَّي، كما، كأنَّ و...، لذلك نرى أنه بدل أن يكرر المفردات في نصه ويربط الجملات بعضها ببعض بأسلوب الربط التضميني (الذي يكرر المفردات بين الجملتين و يحذف أدوات الربط الواضحة)، يخرج من التكرار الكثير و يختار أسلوب العطف بين الجمل، غير أن غادة السمان أكثر الأساليب الثلاثة استخداما لمُستوى الربط التضميني في أسلوبها، و هذه إحدى أسباب التكرار في أسلوبها و تناقص تنوعها في مفردات أثرها الأدبية، على سبيل­المثال نلاحظ: أنها كم مرة تكرر كلمتي "سعيدة و أنا" في جملاتها الأولى حتى ترتبط ربطاً تضمينيا بين الجملات: «أنا سعيدة، أنا حّرة سعيدة، إنها سعيدة» (السمان، 1993: 8) أو تكرّر نماذج أخري من أمثال: يريد، أسمي، طلعت:

    «يريد ولدا يسميه طلعت أسماها طلعت  يريد صبيا...» (نفس المصدر: 9). أما في المعجم اللغوي الصالحي نلاحظ أن أسلوب الربط التضميني قليل و كثيرا ما يستخدم أسلوب الربط الواضح في الربط النصي بين الجملات: «أتعلّم في أروبا، تعلمت الكثير...» (صالح، 1996: 11)، و يدغم في بعض الجملات الربط الواضح و التضميني، كما فعله نجيب محفوظ و هذالأسلوب (الادغام) يؤدي أيضا إلى التكرار: (تعلَّمتُ الكثير و غاب عني الكثير» (نفس المصدر: 11). وهناك نرى أن غادة السمان تكرّر كلمات مرتبطة بتمردها على المجتمع العربي و تدعو من خلال تكراراها إلى حرية المرأة و هكذا تريد الكاتبة بالتكرار فيما يلي تثبيت و تبرير دعواها. «كأي رجل، كما يتلهى أي رجل بالفتاة، هي رجل الدار، تريد أن تكون رجلا، كما يفعل الرجال جميعا، أيتها المرأة الرجل، تركض وراء الرجل المجهول- انسدل شعرها، خلعت رداءها، خلعت ثيابها في الظلام- تزوّج- زوجها، زوجين، أنا حّرة، أملك حريتي و...» (السمان، 1993: 20-8). في هذه المفردات المتكررة للنص السماني المدروس نلاحظ روح تمرد غادة السمان خلال مفرداتها، و الخلاصة أن نجيب محفوظ كان من الأدباء و الروايين المحترمين الذي حصل على ملكة لسانية عالية من خلال التعلم و كثرة الحفظ لأعمال الأدباء و الروايين، والممارسة التي تحصل بممارسة كلام العرب، وأما الكفاية الدلالية عند نجيب محفوظ أعلى من النموذجين الآخرين، و هذه ترجع إلى مقدرة الشخص (محفوظ) على استعمال لغته المكتوبة. «فالمعرفة التي تكمن في مقدرة الشخص على استعمال لغته، هي إذن معرفة ضمنية فقط» (العبد، 2005: 23). و ما يلفت النظر أن أسلوب التحليل النصي الذي اعتمدناه في هذه المقالة هو أسلوب هاليدي، رائد لسانيات النص Text linguistics،الذي أشار إلي«أن النص هو مقطع منطوق أو مكتوب و يشكل كلا متحداً، و أن السبك المعجمي الذي يشمل التكرار والترادف و أيضا المصاحبة، و الهدف والربط (الذي يشتمل الربط الواضح والربط التضميني) والاستبدال، كلها من أدوات التماسك تساعد على علاقات الخطاب والتقارب الدلالي بين أجزاء النص» (سجودي، 1387: 103-102)ولكن هذا الرأي ليس بجديد لأن الإمام عبدالقاهر الجرجاني أشار إليه في نظريته المسماة "بنظرية النظم " في كتاب دلائل الإعجاز وأيضا "ابن خلدون" في تحديده للأسلوب على أنه صورة ذهنية منسجمة.

6- نتائج الإحصاء و القياس:

يمكننا من العرض السابق أن نستخلص النتائج الآتية:

1- أثبت الإحصاء أن أسلوب نجيب محفوظ أعلى الأساليب تراكما و تنوعا و تناقصا،  ثم بعد فاصل قليل نسبيا يأتي أسلوب الطيب صالح و بعده نلاحظ أن أسلوب غادة السمان قريب جدا إلى الطيب صالح، و من ثم يمكن القول بأن حجم الثروة اللفظية عند الكتّاب الثلاثة يسير في خطوط موازية غالبا لنفس المنحنيات التي يسجلها قياس خاصية التنوع.

2- التكرار في المعجم السماني لايدل على فقر هذا المعجم، و هنا نشير إلى أن الناحية الكمية في قياس المعجم، ليست القضية الأهم فالقيمة الحقيقية لأية مفردة تأتي من موقعها داخل التشكيلات الدلالية في النص، فالكلمة تأخذ قيمتها من  خلال علاقتها بالكلمات الأخري، السابقة و اللاحقة، فالتكرار سمة معجمية و دلالية و أسلوبية في اللغة العربية منذالعصر الجاهلي و مقارنة غادة السمان مع معجم الطيب صالح أثبت أن نسبة التكرار و التناقص والتنوع في معجمها اللغوي تفوّق المعجم الصالحي أو تقترَب إلى أسلوبه، وهذا ينفي مقولة محدودية المعجم السماني في النص المدروس (ينظر: جداول 2و 3و 4 و أشكال 4و 5و 6).

3- نلاحظ من الإحصاءات السابقة سيادة استعمال مفردات الجسد والشهوة و تمرّد المرأة في النص المدروس لغادة السمان، و من ثم يمكن القول أن لغة السمان تدنو إلى لغة و أسلوب نزار قباني. و من أمثلة هذه المفردات في المعجم اللغوي السماني: كأي رجل، هي رجل الدار، تريد أن يكون رجلا، تركض وراء الرجل المجهول، كما يفعل الرجال جميعا، خلعت رداءها، خلعت نظارتها، خلعت ثيابها في الظلام، تعريها من ألقابها وردائها و...

4- نرى أن الاشتقاق في المعاجم اللغوية للنصوص المدروسة كثيرا جدا، و هذا يدل على التوليد الدلالي في أساليبهم الثلاثة. ولكن يبد و أن نجيب محفوظ في هذا الحقل أعلى من النموذجين الآخرين، ومن أمثلة ذلك في النص المحفوظي: زواج 7، زوج 15([8])، تزوج 16، يتزوّج 16، مزاوجا 16، زواج 25 و في نص غادة السمان: تزوّجت 18، زوجها 18، زوجة 21، زوجين وفي نص الطيب صالح: يتزوّجون 4، تزوّج 6، زوج 5 و... ولكن يمتاز المعجم اللغوي الصالحي بسعة استعمال الحقل الدلالي الدال على الطبيعة الجامدة والمتحركة بالنسبة للآخرين من أمثال: النيل، القرية، النهر، الشمس، ثلج، الضباب، الغرفة، جدران، حيتان، الريح، القمري، النخلة، حقل القمح، جذع­النخلة، الأرض، عروق النخل، الجريد، جذور النخل، أصل­النخل، مزرعة، بيت، الشجرة، الحجارة، السواقي، ثور، حمار، الباخرة، الماء، الضفة، الشاطي، طائر، كلب، المطر، الصحراء، البذرة و... ولاسيما غادة السمان تمتاز بسعة استعمال الحقل الدلالي الدال على الألوان بالنسبة للأسلوبين الآخرين و لاسيما التوليد اللوني دون غيره، و كثيرا ما ترجع هذه السمات إلى جنسها و لغتها الشعرية في الرواية، إنها تحطم كثير من العلاقات التي كانت تربط بين المصاحبات اللغوية المألوفة في اللغة و تولّد تراكيب جديدة، وهذا ما أدركه أدونيس، و عبّر عنه في كتابه «الثابت والمتحول» عندما قال: «اللفظ محدود و المعنى غيرمحدود، فكيف يمكن إقامة الصلة بين المحدود واللامحدود؟ والجواب هو في أن نجعل اللفظ كالمعنى غيرمحدود، لكن ذلك لايعني أن نخترع ألفاظا لايعرفها معجم­اللغة، وإنما يعني أن يستخدم اللغة بطريقة تخلق في كل لفظ بعدا يوحي بأنه يتناسخ في ألفاظ عديدة، بحيث تنشأ لغة ثانية تواكب أو تبطن اللغة الأولي»                   (أدونيس، 1974: 110) و آليات التوليد الدلالي في النص السماني المدروس متنوعة يمكن تصنيفها على النحو الآتي:الأولي: عندما كان الأديب يلوّن غيراللون و مثال ذلك في رواية غادة السمان: نظارتها السوداء و صمت أزرق (8/12/15/22)، والطريقة الثانية: تغييراللون، عندما يسند الأديب اللون إلى شي ء يعرف في الواقع بلون مختلف عما لوّنه الأديب به و مثال قوله في المعجم السماني المدروس: ظلال حُمر (8) و جدرانها  الصفر(29). فالظلال والجدران يعرفان في العرف بلون آخر، وليس باللون الأحمر أو الأصفر.

5- إن السمات الأسلوبية الدالة على تفرد نجيب محفوظ ظهرت بوضوح في النسبة الكلية للتنوع و موضوعات السبك النصي و معرفته على مختلف الحقول الدلالية و غيرها من النسب الأخري. ولكن هنا تؤكد أن قيمة المفردة في الأساليب الثلاثة لاتأتي من عزلها عن سياقها و إنما السياق و التشكيل يعطي المفردة تنوعا دلاليا، فإذا كان عدد المفردات في اللغة عموما محدودا، فإن عدد التشكيلات غيرمحدد.

6- جرت غادة السمان في أسلوبها الروائي على طرائق الشعراء المحترفين الذين ينظمون رواية، مستفيدة من امكانات بلاغية واسعة من أمثال الإستعارات الرائعة، والكنايات، والتشبيهات المبدعة،  و أوصاف جميلة تمتزج بالقيم الفنية العالية، و مثل هذه الأساليب في تراكيبها الدلالية لانراها عند نجيب محفوظ والطيب صالح:

كنت تحاربين الشمس (2) تريدين أن تشرق من الغرب (2)، أفكارها تمزّقها (2)، نوافذ البناء تنظر إلى الشارع (1)، هي تكافح ضدالشمس نتعلق بأذيالها و تشدها لكي تشرق من الغرب (4)، تدق بابهم أحزان مبهمة (4)، ظلال الذعر والعجز في عيني أمها (6)، هي تعاتيه كالعصفور (7)، أنامل المطر التي تدقّ نافذتها، ظلال حمرلكاهنة شهوانية، كعاصفة عطر مثيرة (9)، تدفن رأسها بين يديها (13)، دبيب أنامل المطر على نافذتها (17)، بحر له شمس دامية الغروب (17)، ترقص الأرقام في الصفحات (17)، ريح الشتاء تصفّر في غرف الدار و تلسع طفلها (18)، ساعة ]محطة[ الحجاز كإمرأة مصلوبة في صدرالشارع (21)، دخان النرجيلة يتفجّر في صدرها (22)، أبواق السيارات تقهقه ساخرة الكهل (22)، صمت أرزق مريض يخيم على كل شيء (22)، السيارة الكبيرة تسبح في أنوار المدينة الباهتة (22) و... وهذه الميزه عند غادة السمان هي  نفس العلاقة العضوية بين الأسلوب والبلاغة عند عبدالقاهر، حيث  تبدو لنا من خلال اهتمامه بالمعنى و الدلالة و الغرض و المجاز و من استعارة و كناية و تمثيل و سائر ضروب المجاز التي تعد من  مقتضيات النظم والتراكيب والسياق،كما يقول: «إن الاستعارة والكناية و التمثيل و سائر ضروب المجاز من مقتضيات النظم، وعنها يحدث، و بها يكون،  لأنه يتصور أن يدخل شيء منها في الكلام، وهي أفراد لم يتوافر فيما بينهما حكم من أحكام النحو» (الجرجاني، 1986: 281)،و من جهة أخرى استخدام هذه الأساليب في النص المدروس لغادة السمان تشيرإلى أن مهنتها بصفتها  شاعرة، وجنسها، و الموهبة، و الذكاء عندها تساهم في تحديد دائرة إمكاناتها الأسلوبية و اللغوية بالنسبة للنموذجين الآخرين، و هذا كلام اللسانيين الاجتماعيين الذين يرون «أن الوضع (أو منزلة الشخص في المجتمع) و الدور (أوسلوكه و حالاته النفسية مثل الجنس والموطن الأصلي والمهنة والمرتبة و غيرها) لهما دور بارز في تمييزالأسلوب» (سانديرس، 2003: 185).

7- إن التكرار النمطي الذي برز بقوة في  النص السماني، كان سببه الرئيسي تناولها للشعر  و ميزاته في بنية الرواية، و تطويلها للشعر يدل على ميلها إلى الايقاع  في الرواية أكثر من انحيازها إلى  تجليات  الشاعرية،إذ  التكرار  و الإعادة  قد ينافي لحظات التوهج الشعري  التي  تشتعل عادة في زمن غير متطاول، ولكن  التكرار النمطي المحفوظي أثبت لغة غير شعرية، و قريبا إلى فهم الإنسان العادي، و من خلال معرفة العناصر الإجتماعي في تشكيل العالم الدلالي في رواية نجيب محفوظ، لاحظنا  أنه  يستخدم معجمه الخاص  الذي يمثل العصر الذي عاش فيه، مستعينا بآليات توليدية عديدة : تعريب، اشتقاق، ترجمة و... و قد نجحت هذا الاديب العبقري في  ذلك من التكنولوجيا، والمخترعات، و المكتشفات، و الاقتصاد، و السياسة، و القانون، والتاريخ، والفنون، و الديانة و... و لذلك تمكن   من توسيع  معجمه اللغوي في عمل السرد الروائي  بالنسبة  للنص السماني و الصالحي.  

 

 

المصادر والمراجع العربية و الفارسية:

القرآن الكريم

1- الأسود، فاضل، الرجل والقمة (مقالات في أدب نجيب محفوظ)، الجزء الأول، الهيئة المصرية العامة للكتب، القاهرة، 1989م.

2- البحيري، سعيد حسين، علم لغة النص، المفاهيم والاتجاهات، لبنان، الشركة المصرية العالمية للنشر، 1998م.

3- بدر، عبدالحسين طه، تطورالرواية الحديثة في مصر 1938- 1870، دارالمعارف، مصر، ط 2، 1968

4- جباره، عبدالرضا، الأدب النسائي و سؤال الخصوصية، طريق الشعب، العدد 15، السنة 71، الأحد 4 أيلول 2005 م.

5- الجرجاني، عبدالقاهر، أسرارالبلاغة، القاهرة، 1986م.

6-دلائل الإعجاز، تح: محمد عبدالمنعم خفاجي، القاهرة، 1969م.

7- الخطابي، محمد،لسانيات النص،مدخل إلى انسجام الخطاب، المركز الثقافي العربي، بيروت،الدارالبيضاء، 1991م.

8- راغب، نبيل، موسوعة النظريات الأدبية، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 2003م.

9- الزمخشري، الكشاف، القاهرة، المكتبة التجارية، 1954م.

10- سانديرس، فيلي، نحو نظرية أسلوبية لسانية، تر: خالد محمود جمعة، دارالفكر، سورية، 2003م.

11- سجودي، فرزان، نشانه­شناسى كاربردي، نشر علم، تهران، 1387، هـ.ش.

12- سعيد، على أحمد،الثابت و المتحول، بحث في الإتباع و الإبداع عندالعرب، بيروت، 1974م.

13- السمان، غادة، عيناك قدري، بيروت- لبنان، الطبيعة العاشرة، 1993م.

14- صالح، الطيب، الأعمال الكاملة، دارالعودة، بيروت، 1996م.

15- صويلح، خليج، غادة السمان: المهنة «متمردة»،الأخبار، العدد 634، الثلاثاء، 12 أيلول 2008.

16- العبد، محمد، النص و الخطاب و الاتصال، الأكاديمية الحديثة للكتاب الجامعي، القاهرة، 2005م.

17- عفيفي، أحمد، نحوالنص، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، 2001م.

18- عناني، محمد، المصطلحات الأدبية الحديثة، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 1996م.

19- غاليم، محمد، التوليد الدلالي في البلاغة و المعجم، دارتوبقال للنشر، المغرب، 1987م.

20- غزالة، حسن، لمن النص اليوم، للكاتب، أم للقاري، مجلة علامات، العدد 392، مارس 2001م.

21- فضل، صلاح، شفرات النص: دراسة سيمولوجية في شعرية القصد والقصيد، دارالآداب، بيروت، 1999م.

22- الفقي، صبحي إبراهيم، عالم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق، دار قباء للطباعة و النشر والتوزيع، القاهرة، مج1، 2000م.

23- محفوظ، نجيب، الأعمال الكاملة، المجلد الثاني، مكتبة لبنان،بيروت، 1912م.

24- المصباحي، حسونة، غادة­السمان... شهرزاد الشرق الجديدة، العرب الثقافي، الخميس 9/8/2007.

25- مصلوح، سعد، دراسات في اللسانيات العربية المعاصرة، عالم الكتب، القاهرة، 1989م.

26- موحدي، فاطمة، الطيب، صالح، دراسة اجتماعية في فنه القصصي، رسالة ماجستير في جامعة طهران،، 1386.

27- واوزنياك، زتسيسلاف، مدخل إلى علم النص، مشكلات بناء­النص، تر: سعيد حسن بحيري، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع، 2003م.

28- يوسف، آدم، «النقد النسوي» مفتاح دراسة المرأة و تقصّى حالاتها، توابل، العدد 38، الأحد 15 يوليو 2007م.

ثانيا: المراجع الإنجليزية:

1- Carter, David (1987), Interpreting anaphrsing natural language texts, Eliss Horwood, Limited England, p 32.

2- Crystal, Divid (1989), The Cambridge Encyclopedia of language, Cambridge university press, Cambridge, p 119.

3- Johnson, W (1946), people in Quandaries, new York, Harper, pp 502-505.

4- Helliday and R. Hassan (1976), Cohesion in English, Longman, London, p 286.

5- Herdan.G(1956),Language As Choice And Chance ,NOORDHOF LTD, Groningen  , Holland. P 6.

 

[1]. ينظر: Helliday and R.Hassan. Cohesion in English. Longman. London, 1976.p286

[2]- الطيب صالح، الأعمال الكاملة، دارالعودة، بيروت، 1996، صص 11-27.

[3]- السمان، غادة، عيناك قدري، بيروت- لبنان، ط عاشرة، 1993، صص 8-20.

[4]- نجيب محفوظ، الأعمال الكاملة، المجلدالثاني، صص 327-332.

[5]- من بين هذه المقاييس: مقياس كارول J.B.Carroll وقد عرضه في مقال له بعنوان:

"Diversity of vocabulary and the Harmonic series law of word- Frequency Psych. Rec, 1938, 2,  pp 379-386. و ثمة عرض شامل لهذه المقاييس تجده في كتاب:                                                                                                  

G. Miller: language and Communication, New York, Toronto, London, 1963, pp. 122-126.

[6]. W. Johnson, people in Quandaries . PP. 502-505

[7] -الأعداد تشير إلى  أرقام الجداول  الثلاثين المستخدمة عند تفريغ العينة .

[8] -الأعداد تشيرإلى أرقام  الجداول الثلاثين المستخدمة عند تفريغ العينة.