تصنیف البحث: الأدب العربي
من صفحة: 174
إلى صفحة: 202
النص الكامل للبحث: PDF icon 4-9.pdf
خلاصة البحث:

الكُميت بن زيد، من بني أسد، ينتهي نسبه إلى مُضر بن نزار (1)، من شعراء الكوفة المقدمين في عصره، يُعَدُّ من أشهر شعراء القرن الأوّل الهجري، أما سنة مولده قد أشار لها الأصفهاني ّ في سفره ((ولد الكُميت مقتل الحسين بن علي سنة ستين ومات سنة ست وعشرين ومائة في خلافة مروان بن محمد)) (2)، نشأ الكُميت في الكوفة، وتزوج من امرأة تدعى (حبى بنت نكيف بن عبد الواحد)(3) ، وقد أشتهر بتشيعه لبني هاشم.

البحث:

 

شيء من سيرته

الكُميت بن زيد، من بني أسد، ينتهي نسبه إلى مُضر بن نزار (1)، من شعراء الكوفة المقدمين في عصره، يُعَدُّ من أشهر شعراء القرن الأوّل الهجري، أما سنة مولده قد أشار لها الأصفهاني ّ في سفره ((ولد الكُميت مقتل الحسين بن علي سنة ستين ومات سنة ست وعشرين ومائة في خلافة مروان بن محمد)) (2)، نشأ الكُميت في الكوفة، وتزوج من امرأة تدعى (حبى بنت نكيف بن عبد الواحد)(3) ، وقد أشتهر بتشيعه لبني هاشم.

قال صاحب الأغاني((شاعر، مقدم، عالم بلغات العرب، خبير بأيامها، من شعراء مضر وألسنها المتعصبين، ومن العلماء بالمثالب المفاخرين بها، كان في أيام بني أمية، ولم يدرك الدولة العباسية، وكان معروفا بالتشيع لبني هاشم مشهوراً بذلك)) (4)، وعد من فقهاء الشيعة(5)، وأشار الجاحظ إلى موهبته الخطابية ((ومن الخطباء الشعراء الكُميت بن زيد الأسدي وكنيته أبو المستهل))(6)، اتخذ الكُميت في مستهل حياته مهنة التعليم، إلاّ أنَّه لم يرتزق منها(7)،أما من الناحية اللغويّة، فقد أثبت مقدرةً تحدث عنها معاصروه وبخاصة رؤبة بن العجاج (8)، كما قال عنه عبده النساب: ((ما عرف النساب أنساب العرب على حقيقته حتى قال الكُميت النزاريات، فأظهر بها علماً كثيراً، ولقد نظرت في شعره فما رأيت أحداً أعلم منه بالعرب وأيامها)) (9)، عاصر في الكوفة شعراء كبار وكانت بينه وبينهم صداقات ومعارضات(10).

كانت وفاته سنة ست وعشرين ومائة في نهاية حكم الخليفة مروان بن محمد، وقد طعن في حضرته بسيوف حراسه المتعصبين لخالد القسري الذي عزل عن حكم العراق بعد أنْ مدح يوسف بن عمر (11).

ثقافته

في بادئ ذي بدء،السؤال الذي يطرح نفسه هنا من أين استقى الكُميت مصادره لبناء تجربته الفنيّة، لقد أتضح أنّ ثقافته الشّعريّة تتأتى من ثلاثة مصادر، وهي عصر ما قبل الإسلام، بمقدرته اللغويّة والشعريّة، والإسلام بما يحمل من قيم وتقاليد جديدة، وتقاطع الحياة الأمويّة بميادينها المختلفة، فالصورة الفنيّة عند الكُميت أفادت من كلِّ ذلك، معتمدة التشبيه والاستعارة والمجاز والكناية، وكذلك الجناس والطباق والمقابلة وسائل فنيّة أخرى لبنائها مبتعدة عن التكلف والتصنع من خلال وسائل طبيعية متأثرة بالسرد القرآني الجميل، فشعر الكُميت يتسم بالوضوح والواقعية. فالصورة الشعريّة حظيت باهتمام الشاعر لأنّها ((أداة أساسيّة.. في تشكيل رؤيته الشعريّة تشكيلاً فنيّاً، والإيحاء بالأبعاد الفنيّة لهذه الرؤية)) (12).

معنى الصورة

لعلَّ من أهم الوسائل التي لجأ إليها الشاعر في عصر ما قبل الإسلام الصورة، لتحقيق مراميه في بناء وصف يشد المتلقي لما يطرح من أفكار، وعند قراءتنا لشعر عصر ما قبل الإسلام تطالعنا تلك الصورة الأثيرة في أذهان الشعراء عند بناء قصائدهم ؛ ألاّ وهي صورة ذلك الصراع الدموي بين ثور الوحش وكلاب الصيد المطاردة، وكذلك صورة الناقة والحصان، ووفق تلك الرؤية لا نعتقد أنَّ الشاعر في عصر ما قبل الإسلام سعى فقط إلى إشاعة مقدرته الشعرية في بناء القصيدة لتطمئن نفسه التواقة بكبرياء الفخر وسط أبناء قبيلته الباحثين عن رمز شعري لهم بين القبائل، بل عمل وبكل مضان لأجل أنْ يعبر من خلالها عن ديمومة حياته، عن صورة الصراع من أجل البقاء وطبيعته ومنهج تلك الحياة.وعلى الرغم من كثرة ورود هذه الصورة في شعر عصر ما قبل الإسلام وكأنها الموضوع الأثير لديهم تعبير عن صور حياتهم ألاَ أنَّها جاءت متعددة ومختلفة في البناء بين شاعر وآخر، وقد أمتد هذا التصور إلى شعراء الصدر الأول من عصر الخلفاء الراشدين (رضي الله عنهم)، ولعلّ مرّد ذلك لقرب الفترة الزمنية وتداخلها والمقاربة بين طبيعة المرحلتين من حيث العقليّة الإسلاميّة لم تزل تحمل إرثاً من الجاهليّة ممّا لم تجد فيه غضاضة وتناقض مع الفكر الإسلامي الجديد، ألاّ أنّ هذا لا يعني أنّ الإسلام لم يتخذ موقفاً من الصورة، فقد وقف محارباً لها لاعتبارات تتعلق بمراسيم الجاهلية في عبادتها من تماثيل وأصنام ورسوم، بُغية إجتثاث تلك التصورات من ذهنية الإنسان العربيّ الذي آمن حديثاً، حارب الإسلام عمق دلالات تلك الرسوم مما انعكس على الشكل الفني لها وأخذ التقرب من ذلك يخيف علماء الإسلام فتجنبوا الخوض في ذلك الصراع مراعاة للنظرة الإسلاميّة في تأويل الرؤية للموروث الجاهلي وما يحمل بين طياته من غبار الوثنية وعبادة الأصنام وهو في حقيقته صراع بين معتقدين ؛ فقد أورد الدارمي في سنن الدارمي حديثاً عن علي(عليه السلام)عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّه قال: ((إنَّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب، ولا صورة، ولا جنب)) (13)، والمقصود بالصورة هنا أولئك الذين يقومون بتصوير أشكال الحيوانات التي كانوا ينهجون عبادتها طريقاً في مراسيمهم فيأخذون برسمها أو تخطيطها على الرغم من حرمة ما يقومون به.(14)

على الرغم من الموقف من الصورة في الأدب العربيّ القديم، وما يحيط بذلك التصور من فهم دال على الاختلاف، ألاَّ أنَّ ذلك لا يمكن الآخذ به لسبب مهم وهو أنَّ الشعر قائم على الصورة الشعريّة (15)، والشاعر لا يمكن أنْ يُعَدُّ شاعراً إذا لم تكن له مقدرة الخوض في هذا المضمار وليعطي المسوغ على مقدرته الشعرية وموهبته، ومما يجب الانتباه له أنَّ استعمال الصورة من قبل الشعراء يختلف من شاعر إلى آخر، ومرّد ذلك إلى عوامل منها، مقدرة الشاعر اللغويّة، وقوة معجمه اللغوي، وكيفية استعماله، وتطويع اللغة بُغية تصوير المعنى الذي يسعى إلى إيصاله إلى المتلقي.

والجانب الثاني والمهم في اختلاف الشاعر، أسلوبه في التعبير عن عواطفه وأفكاره في إطار يتميز به عن أقرانه من الشعراء.

ومن هنا فقد استعملت الصورة ((للدلالة على كل ماله صلة بالتعبير الحسي، وتطلق، أحياناً،مرادفة للاستعمال الاستعاري للكلمات))(16) ؛ لذلك يعدُّ نجاح الشاعر في المعادلة القائمة بمقدار التلاحم بين ذاتيته والموضوع الذي يسعى للتعبير عنه، وفي ضوء ذلك تتجلى أهمية الصورة ، فهي ((ليست زخرفات أو عناصر مضافة إلى الصورة المنطقية العادية وإنما هي صورة تلقائية من صور التعبير))(17).

لابد ونحن نخوض في غمار البحث في الصورة الفنيّة في شعر الكُميت بن زيد الأسدي من الوقوف أمام دلالة المصطلح في عقلية الإنسان العربيّ، مما لاشك فيه أنَّ بداية ملامح الصورة في ذهنية الإنسان العربي تجسدت من خلال الرسومات التي تم العثور عليها في كهوفه والتي كانت تعبيراً عن تعامله الحياتي مع مراسيمه كشعيرة يعبر فيها عن رغبته في الأشياء المحيطة به والتفاعل معها(18).

من هنا فالصورة لم تكن عالماً غريباً عن ذهنيّة الإنسان العربيّ القديم على الرغم من شحة ما بين أيدينا من نصوص للحقبة التي سبقت الإسلام، ولعلّ في قول عمرو بن العلاء (ت 145هـ): ((ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير)) (19)، ما يؤكد ذلك.

الدلالة اللغوية

لقد تطرقتْ كثير من معاجم اللّغة العربيّة إلى دلالات المعنى اللغوي لمفهوم الصورة عند النقاد العرب القدماء ؛ فقد ذكر صاحب تاج العروس: ((الصورة بالضم الشكل)) والهيئة والحقيقة والصفة (ج صُوَر) بضم ففتح ((وصور كعنب))، قال شيخنا وهو قليل كذا ذكره بعضهم. قلت وفي الصحاح والصور بكسر الصاد لغة في الصور جمع صورة وينشد هذا البيت على هذه اللّغة يصف الجواري:

أشبهن من بقر الخلصاء أعينها ... وهن أحسن من صيرنها صورا

(وصور) بضم فسكون (والصير كالكيس الحسنها)

قاله الفراء قال يقال رجل صير شير أي حسن الصورة والشارة (وقد صوّره) صورة حسنه(فتصور) تشكل ((وتستعمل الصورة بمعنى النوع والصفة)) ومنه الحديث أتاني الليلة ربي في أحسن صورة.

قال ابن الأثير الصورة ترد في كلام العرب على ظاهرها وعلى معنى حقيقة الشيء وهيئته وعلى معنى صفته يقال صورة الفعل كذا وكذا أي هيئته وصورة الأمر كذا أي صفته فيكون المراد بما جاء في الحديث أنّه أتاه في أحسن صفة وجوز أنْ يعود المعنى إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أتاني ربيّ وأنا في أحسن صورة وتجري معاني الصورة كلها عليه أنْ شئت ؟ظاهرها أو هيئتها وصفتها (20)وجاء في القاموس المحيط: ((الصُّوَرةُ)) بالضم: الشَّكْلُ ج صُوَرٌ، وَصِوَرٌ كعِنَب، والصَّيَّرُ، - كالكَيِّس -: الحسَنُها. وقد صَوَّرَه. فَتَصَوَّرَ. وتُسْتَعْمَلُ الصورة بمعنى النَّوْعِ والصِّفَةِ)) (21)

وابن منظور في لسان العرب ((مادة صير)) ، قال الأزهري: ((ورجل صير شير أي حسن الصورة والشارة))(22)

ومن هنا فمادة الصاد والعين الجوفاء والراء تحمل في رحمها الفعل الّذي تأصل منه مفهوم الصورة فهو يظهر بشكل ويعبر بشكل آخر.

ومن هذا الأصل يتفرع الفعل الرباعي صير وصور، وقد أتضح أنَّ الفعل صير معناه لملمت الأشياء المتشتتة ومن ثم خلقها على هيئة جديدة متلاحمة تعبير عن مكنون جديد.

أمَّا ابن فارس (ت395هـ) في مقاييس اللّغة فيقول: ((الصاد والواو والراء كلمات كثيرة،متباينة الأصول وليس هذا الباب بباب قياس ولا اشتقاق … ثم يضيف … ومما ينقاس منه ….. من ذلك، الصُّورة صورة كلّ مخلوق، والجمع صُور، وهي هيئةُ خِلْقه، والله تعالى الباري المصور، ويقال: رجل صَيّرٌ إذا كان جميل الصورة)) (23)، بينما ابن سيده (ت 458هـ) فيما خرج فيه بدلالة أنّ الفعل صوّر يحمل دلالة يمكن الركون إليها كمعين للفظة الصورة، بمعناها الشكلي إذ يقول: ((الجمع صُوَر وصِوَر وأنشد …. وهُنَّ أحسنَُ من صِيَرانِها صِوَرا … وصُور كصُوفة وصُوف وعليه وجه قوله تعالى فإذا نُفِخَ في الصُّوِر وقد صَوَّرته فتَصَّور))(24)

وفي ضوء هذا التصور يتبين أنّ ما خرج به ابن سيده، أنَّ اللفظة توحي بظاهر الشيء دون باطنه.

وبعد بيان دلالة المصطلح لغويّاً لابدَّ من تحديد الإطار، إطار الصورة الفنيّة في النقد العربي القديم من خلال منهجهم البلاغي، والذي يُعدّ ميدان دراسة الصورة الفنيّة بمفهومها الحديث، وبغية كشف عمق أبعاد ذلك المدلول وما آل إليه في رسوخ مفهومات في أذهان النقاد القدامى، التي عدّت في نظرهم معايير يتم في ضوئها تقييم النتاج الشعري للشعراء.

ومن هنا فقد انحاز النقد العربي القديم إلى ضرورة التفريق بين مفهومين أساسيين وهما الحقيقة والمجاز.

فالحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما تدل عليه بنفسها دلالة ظاهرة (25)، أمّا المجاز كان في نظرهم: هو الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له بالتحقيق استعمالاً في الغير بالنسبة إلى نوع حقيقتها، مع قرينة مانعة من إرادة معناها في ذلك النوع (26).

أمّا الكناية والتي تعدُّ من أساليب التعبير غير المباشر فقد عرفها: ((كلُّ لفظ دلَّ على معنى يجوز حمله على جانبي الحقيقة والمجاز يوصف جامع بين الحقيقة والمجاز))(27) ولعل عدم التعقيد جلّيٌّ في استعمال تلك المفهومات، إلاّ أنَّ الدراسات اللاحقة التي توسعت بشكل أضفى عليها صبغة التعقيد وبخاصة عند المتأخرين من النقاد، كما يتضح من خلال التعريفات أيضا، أنه لم يتبادر إلى ذهنية الأوائل من النقاد الصورة التي شابتها بل بالعكس كانت أغلب رؤاهم تصب في خانة ((أنْ يروا الأشياء غير حقيقية تنافس ما نرى في الحياة ومانعهده في عالم الواقع))(28).

الصورة في النقد القديم

لعلّ الكُميت لم يخرج عن منهج شعراء ما قبل الإسلام في الاهتمام ببناء القصيدة وفق منهجية العناية باللّغة والبحث عن اللفظ المتين المسبوك من دون أنْ يولي الصورة عناية كبيرة، فقد شغف سلفه من شعراء ما قبل الإسلام وصدره بالعناية بالمعاني، لذا تلبس الشاعر دور الخطيب المفوه الّذي يسعى إلى شدّ جمهوره (29) استجابة لطبيعة السفِر الذي عاشه.

ومن هنا لم يخرج الشاعر عن الأسس النقدية الّتي تعارف عليها النقاد العرب القدماء، ولعلّ القاضي الجرجاني (ت366 هـ) في توصيفه للمعيار النقدي الّذي أخذ به النقاد الشعراء وكيفية إصدار أحكامهم، ما يمكن أنْ يعول عليه في بيان عدم خروج الكُميت عن تلك المنهجية التي حددها صاحب الوساطة في أنّ المفاضلة بين الشعراء تبنى على: ((شرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، وتُسلّم السَّبْق فيه لمن وصف فأصاب، وشبه فقارب، وبده فأغزر لمن كثرت سوائر أمثاله وشوارد أبياته ولم تكن تعبأ بالتجنيس والمطابقة ولا تحِفل بالإبداع والاستعارة)) (30)

وممّا يؤيد ما ذهب إليه القاضي الجرجاني، ابن رشيق ((ت 390هـ)) حيث يؤكد في سِفْره (العمدة في محاسن الشعر وآدابه) عدم اهتمام النقاد العرب القدامى بالجوانب البيانية قدر عنايتهم بالمعنى وصحته وجزالة اللفظ والإصابة في الوصف ((والعرب لا تنظر في أعطاف شعرها بأن تجنس أو تطابق أو تقابل فتترك لفظة للفظة أو معنى لمعنى، كما يفعل المحدثون، ولكن نظرها في فصاحة الكلام وجزالته وبسط المعنى وإبرازه وإتقان بنية الشعر، وإحكام عقد القوافي، وتلاحم الكلام بعضه ببعض))(31)

والمرزباني (ت 384 هـ) في الموشح يبرز بشكل جلّي وقوف النقاد العرب عند التشبيه وتأكيدهم على أهمية الوضوح في المعنى والابتعاد عن الغموض، إذ يقول ((ينبغي للشاعر أنْ يتجنب الإشارات البعيدة، والحكايات الغلقة والإيماء المشكَّل ويتعمد ما خالف ذلك، ويستعمل من المجاز ما يقارب الحقيقة، ولا يبعد عنها، ومن الاستعارات ما يليق بالمعاني التي يأتي بها))(32)

ولعلّ في قول صاحب الصناعتين (ت 395هـ)، تأكيد على أهمية الاستعارة عند النقاد العرب القدماء، فالاستعارة في نظرهم يجب إبرازها في صور توضح المعنى أو إبانته أو تأكيده أو المبالغة فيه كما يجب الإشارة إليه بقليل من اللفظ ؛ فالشاعر في نظرهم حينما يلجأ للاستعارة إنما لـ((شرح المعنى، وفضل الإبانة عنه أو تأكيده والمبالغة فيه، أو الإشارة إليه بالقليل من اللفظ، أو تحسين المعرض الّذي يبرز فيه ؛ وهذه الأوصاف موجودة في الاستعارة المصيبة ؛ ولو أنّض الاستعارة المصيبة تتضمّن ما لا تتضمنه الحقيقة ؛ من زيادة فائدة لكانت الحقيقة أولى منا استعمالاً))(33)

وهكذا يتضح كيف نظر أبو هلال العسكري لأهمية اللفظ في بناء الصورة ودوران البلاغة حول هذا المفهوم بدلالته الاصطلاحية ؛ فيقول: ((إنا جعلنا حسن المعرض وقبول الصورة شرط في البلاغة، لأنَّ الكلام إذا كانت عبارته رثه ومعرضه خلقاً لم يسم بليغاً، وإن كان مفهوم المعنى))(34)

ومن هنا فالنظرية النقدية للقدماء إنْ صح التعبير ترى الصورة قد ولدت في رحم اللفظ والمعنى، وهي مسألة خلافية ولاشك، فقد جعل القدامى ((الجانب اللفظي في الكلام هو صورته، فالصورة هي ما يقابل المعنى، واليها ترجع المزية في صناعة الشعر))(35)

موضوعات الصورة:

المديح

يُعَدُّ المديح من الأغراض المهمة في الشعر العربيّ، فالعرب قد تعودوا منذ أيام جاهليتهم على الأخذ بالمفاخرة في أشعارهم متحدثين عن قيم توارثوها من جود وفروسية ووفاء وحلم، وحينما غطى الإسلام بخيمته العرب مضى الشعراء يغترفون من ماضيهم تلك القيم النبيلة ومما لا يتعارض مع ما جاء به الإسلام، وقد أخذ الشعراء في عصورهم اللاحقة بمديح الخلفاء، وعلية القوم، وقد التفوا حولهم وأصبح لكلِّ واحد منهم ممدوح، ومما لاشك فيه أنَّ هؤلاء الشعراء قد أجادوا فن المديح وتلقوا جوائز سنية واهتم بهم الولاة ؛ لأنَّهم كانوا أيضاً معياراً لكرم الممدوح وعلو شأنه)36( إلاّ أنَّ الكُميت اتخذ له منهجاً نأى فيه عن بناء القصيدة المد حية، أسلوباً ومعنى، ولكن هذا لا يعني أنّ ألفاظه لم تدر أحيانا حول تلك المفردات التي تداولها الشعراء سواء من الذين سبقوه أم ممن عاصروه، ولعلّ لابتعاده أثرٌ في عواطف المتلقين والتسلل إلى أفئدتهم وإيقاد أحاسيسهم وهذا ما سعى إليه، وقد التزم الكُميت منهجه هذا في مديح آل البيت (عليهم السلام) ولم نره كما وجدنا كثيراً من شعراء المديح ممن تحولوا عن ممد وحيهم يكيلون لهم السباب في حال عدم وصول عطاياهم، فلم يتقلب في مدحه ولعلّه ظاهرة يجب أنْ يلتفت إليها عمن أصدق الحب والولاء لممد وحيه، فأهم ما إنمازت به قصائده المد حيّة خلوها من الإسراف والمغالاة في بناء الصورة التي تجسد مناقب ممد وحيّه وأخلاقهم وأعمالهم.

وتتأتى قيمتها لعاملين أولهما: أهميتها التاريخيّة في توصيف مرحلة مهمة من التاريخ الإسلامي عند النشأة والصراع الفكري الذي كان قائماً في حينه، وثانيهما: قيمتها الفنيّة من وجهة نظر النقاد.

إنماز مديح الكُميت بالاعتدال، نراه يقف على مساحة شاسعة عن الغلو والإسراف، ولعلّه يقف قريباً من مدائح الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى، وأنْ اختلفا في بناء الصورة في عرض فضائل ممدو حيهم وكيف رأى كلّ من الشاعرين نفسه في الصورة نفسها، فمديح الكُميت عبارة عن ملحمة يصور فيها القيم العليا لآل البيت (عليهم السلام)، الرجولية والإنسانية والكرم الفياض. ولعلنا لا نذهب بعيداً في الظن إذا قلنا إنَّ مديحه لآل البيت (عليهم السلام) صورة واقعية تجسد دورهم التاريخي في تماسك الأمة بالقيم التي نادى بها النبي الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم)

ومهما يكن من شيء، فقد كان لطبيعة حياته، ومنهجه الفكري، أثراً في بناء قصائد مد حيّة جاءت في بني أميّة، إلاّ أنَّها لا تسمو للعفة والصدق مع النفس في بنائها عندما مدح آل البيت (عليهم السلام) .

فلم يكن تقليديا ؛ لأنّ الغرض الذي نذر نفسه له يختلف عن غرض الشعراء الآخرين الذين مدحوا آل البيت (عليهم السلام)، ولعلّنا لا نبالغ إذا قلنا أنَّه من أوائل المعارضين في بناء الصورة بل حتى أنّه خالف شعراء الجاهلية ومخضرمي الدولة الأمويّة في القصيدة المد حيّة، فهو لم يصدر مدائحه في آل البيت (عليهم السلام) بالوقوف على الدارس من الديار على الرغم من أنَّه قريب من تلك الحقبة، ((فأنّ قصيدة المديح لم تعد تجري على النمط القديم أو الأسلوب القديم، لأنّ الحياة اختلفت وانتقل العرب إلى أقاليم جديدة، وأسَّسوا دولة دينيّة، تعتنق مثاليّة جديدة))(37) فقد حرص الشاعر على أنْ يضفي على صورة ممدو حيه الكمال الإنسانيّ متمثلاً بخصال الجود والعدل، والفضل، والمروءة، والنقاء والطهر وعلو شرفهم بين الناس، إلاَّ أنَّه نأى بشعره بعيداً عن تلك المقدمات التي غدت منهجية بناء القصيدة حتى في عصره، فلم يعمل الشاعر مقدمات قصائده لرضاء رغبات المتلقين ممن كانوا مولعين بالقديم، بل وضع المتلقي في دائرة السؤال، سؤال العارف على أقل تقدير بالنسبة له، انمازت قصائده المد حية وبخاصة في آل البيت (عليهم السلام)، بتلك المقدمات الطللية المشهورة التي أشرنا لها فيما سبق، وكأنَّه أراد بذلك أنْ يؤسس لرؤية جديدة في بناء القصيدة العربيّة في عدم مجاراة الشعراء وبتحدٍ على أنَّهم لا يستطيعون أنْ يجاروه في هذا المديح، إلاّ أنَّ هذا لا يعني أنَّ الشاعر لم يعضد تجربته من ذلك المعين الذي لا ينضب في بناء الصورة، لكنه تخلص من التقليدية على الرغم من استعارته من الأدب القديم فجاءت صوره تحمل من الأصالة ما يمنحها حبَّ المتلقي والالتصاق والاعتراف بجهد الشاعر في بناء الصورة الشعريّة، وهذا التجديد في قصيدة المديح عنده هو تعبير عن خيوط الحياة الجديدة التي بدأت تنسل إلى حياة العرب، على الرغم من أنهَّ كان شاعراً محافظاً من حيث اللغة وصل حد اتهامه بالإغراق في البحث عن الغريب (38) يقول مادحاً آل البيت(عليهم السلام):

طَِربْتُ وما شَوْقًا إلى البيْضِ أَطْرَبُ
ولم يُْلِهِني دارٌ ولا رسمُ منزلٍ
َولاَ أنا مِمَّنْ يَزْجرُ الطَّيْرَ هَمُّهُ
ولا السَّانِحَاتُ البارحاتُ عشيَّةً
ولكنْ إلى أهلِ الفضائلِ والنُّهى
إلى الَّنـفرِ البيضِ الذينَ بِحُبِّهم
بني هـاشمٍٍ رهـــطِ النبيّ فإنني
خَفـضتُ لهُم منّي جناحي مودةً
 

 

وَلَا لَعِبَاً مِنّي أذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ
ولم يَتَطَرَّبني بَنَان ٌ مُخضبُ
أصَاحَ غُرَابٌ أم تَعَرَّضَ ثَعْلبُ
أمرَّ سليمُ القرنِ أم مرَّ أعضبُ
وخيرِ بني حواءَ والخيرُ يطلبُ
إلـــــــى الله فيما نابني أتقربُ
بهم ولهم أرض مِراراً وأعضبُ
إلـــى كنفٍ عِطفاهُ أَهلٌ ومرحبُ (39)
 

يرسم الشاعر في قصيدته صورة مغايرة لما رسم الشعراء ممن سبقوه أو عاصروه في هذا المضمار، ابتداءً بالمقدمة، لم يستعمل تلك الألفاظ، التي ألف استعمالها شعراء الجاهليّة وصدر الإسلام حتى الأموي منهم، فيبدأ برفض تلك الصور في بضعة أبيات لا تتعدى في الغالب البيتين أو ثلاثة، بعدما شد المتلقي في دعوته وتساؤله، ولكن السؤال المهم هنا، ما الدافع وراء دعوة الكُميت النافرة هذه، عند تتبع القصيدة ندرك أنْ هناك جواً نفسياً بين طلليّة القصيدة وبنائها العام، فإلحاحه على ثيمة محددة وهي عدم الطرب للحسان، البيض، ينتقل بعده إلى بيان صوره التي يتألق فيها آل البيت (عليهم السلام)، مختلطا بحبه ووفائه لهم، وقد جسد ذلك عند وفاته حيث ظل يردد وهو على فراش الموت ((اللهم آل محمد اللهم آل محمد اللهم آل محمد)) (40)

فالملاحظ على بناء الصورة الشعريّة غلبت الإثارة، إثارة المتلقي، ملمحاً إلى بعض ما يجول في خاطره من جراء هذا الطرب، إلّا أنّه وبُغية أنْ يظل المتلقي مشدوداً، يؤجل بيانه في الوقت نفسه يوحي له بأنّه لم يطرب لبنان مخضب ولا مشعب الحبِّ أو ذكريات مرت في وقوفه على الأطلال، تتألق الصورة الفنيّة عندما يبدأ الشاعر، باستعمال تشبيهاته ومجازاته وبديعه، وقد جاءت كلها بطريقة واقعية غير متطفلة في بناء الصورة الفنيّة.

الهجاء

من الأغراض المهمة في بناء الصورة عند الكُميت الهجاء، ولم يخرج الشاعر فيه عن منهجه الذي اختطه في بناء القصيدة ، فدارس شعره يدرك جيداً، أنَّ الشاعر لم يكن فاحش القول بل كان ينطلق من قيم أخلاقية تحرم على الإنسان الإساءة للآخرين ؛ فلم يتخذ من الهجاء وسيلة للإساءة أو للتكسب لأجل تخويف الآخرين وابتزازهم، ولكنه وقف بصلابة يعري في صوره الهجائية أولئك الذين أساؤا إلى محبيه من آل البيت(عليهم السلام) حتى أولئك الذين تعرضوا إلى عشيرته بني أسد ، إذ يقول:

وَكنتُ لهُمْ من هَؤُلاكَ وهَؤلا
وأرمي وأرمي بالعداوةِ أهلَها
فَمَا ساء ني قولُ امرىءٍ ذي عداوةٍ
فقُلْ للذي في ظلِّ عمياءَ جونةٍ
 

 

مِجَنّاً عَلَى أنِّي أُذَمُّ وأُقْصبُ
وإنّـــي لأوذي فيهُم وأُؤنَّبُ
بعوراء فيهِم يجتديني فيجدبُ
يرى الجورَ عدلاً أينَ لا أينَ تلهب (41)
 

استمد الشاعر صوره من ذلك الصراع الذي ألفه في عصره بين من منحهم حبه وبين معارضيهم من الخوارج الحروريّة وفرقة المرجئة، لذلك هو يعاديهم ويشتمهم ويعيب عليهم موقفهم هذا المعارض والمتخاذل في آن معاً من تلك الفرقتين اللتين عملتا على إيذاء ممدو حيه؛ فهو حرب عليهم، وفي الوقت نفسه هو مشروع تضحية لآل البيت (عليهم السلام) .

ففي الوقت الذي يظهر في صورته قوة موضوعه مبرزاً مآثر آل البيت (عليهم السلام) الذين يفاخر بحبهم، ويصم المهجو بالجهالة، في صورة توحي بفاعليتها الوصفيّة لابتعاد المهجو عن طريق الرشاد.

وخصومه حينما يهجوهم لا يمنحهم حتى فرصة الرد على هذا الهجاء، فيأتي بصور تحمل دلالات تتعلق بشخوص يضمر لها بنو أمية الحبَّ بينما يغمز من خلالها إلى شخص المهجو ويضعه في حَيرة من أمره، مما جعل من ابنه المستهل يتساءل عن أسلوبه هذا حينما هجا الشاعر حكيم بن عياش الكلبي عُرف بشدة هجائه للإمام علي بن أبي طالب وآل بيته (عليهم السلام)، فما كان من الشاعر إلاّ أنْ يحتال عليه بإثارة القبائل اليمنية ضد المضريّة، ويوغل في إيهام الكلبي حداً يفخر ببني أُميّة، وهذا مثار التساؤل الذي طرحه المستهل، فقال له: ((يابني أنت تعلم انقطاع الكلبي إلى بني أمية وهم أعداء علي (عليهم السلام)، فلو ذكرت علياً لترك ذكري وأقبل على هجائه، فأكون قد عرَّضت عليًّا له، ولا أجد له ناصراً من بني أُميّة، ففخرت عليه ببني أُميّة، وقلت إنْ نقضها عليّ قتلوه، وإنْ أمسك عن ذكرهم قتلته غما وغلبته. فكان كما قال، أمسك الكلبيّ عن جوابه فغلب عليه)) . (42)

ألاّ يا سلم يا تربي
ألاّ يا سلم حييتِ
ألاّ يا سلم غنينــا
عــلى حادثة الأ يــا

 

أفــي أسماء مـن ترب
سلي عني وعن صحبي
وان هيــجتمــا حُبــــي
م لي نصبـا مــن النصــب (43)

عُرف عن الكُميت أنّه نسابه، وقد استعمل ذلك في بناء صورته الهجائيّة، فراح يعيب على قبيلة (جذام) تحولها إلى اليمن ويؤكد عليهم أنّهم أينما ذهبوا فهم معروفون أنّهم من بني أسد ابن خزيمة وأنّ اسمكم جذام والزجر منه الأنجذ وهو الانقطاع. (44)

فــإن جذامـــاً فارقت إذ تباعـــــدت
وكان اسمكم لو يزجر الطير عائف

 

بريش أبي دودان معروفة النسل
لبينــكم طيــــراً مبينـــة الفــــــالِ (45)

كما أنكر على قضاعة انتماءها إلى اليمن وراح يبني صوره مستعيناً من الحكاية التاريخية، أنَّ الأعراب تزعم في الهديل أنّه فرخ كان على عهد نوح(عليهم السلام) فمات ضيعة وعطشاً فيقولون أنّه ليس من حمامة إلاّ وهي تبكي عليه، فالشاعر يرى من تحول قبيلة قضاعة إنما هم مثل ذلك الطائر الذي ضاع، يريد أنْ يقول لهم إنّ عدم ثباتهم وولائهم لانتمائهم إنما مصيركم هو الضياع.

فمهلاّ يا قضاعة لاتكوني
فإنك والتحولَ عن معــد
تغايظ بالتعطل جارتيـها
ومـا من تهتفين له لنصـرٍ
 

 

كِقدح خرًّ بين يدي مُجيلِ
كـــحالية تزين بالعطولِ
وبالا حماء تبدأ والحليلِ
باسرع جابة لك من هديلِ (46)
 

هذه الصورة توحي للمتلقي مدى حنق الشاعر على قبيلة قضاعة جراء عدم ثباتها وتخليها عن انتمائها، ويظهر ذلك في هجائه جلياً في صورة أخرى هاجياً قبيلة قضاعة مشبهاً إياها بفرخ النعام، فقد اعتمد الشاعر التشبيه وسيلة لهجاء قبيلة قضاعة التي ألت الفراق عن حلفها مع قبيلة الشاعر، أنَّ تلك القبيلة أضحت مثل فرخ النعام من الضعف جراء موقفها هذا وقد جاءت صوره الهجائية أشد إيلاماً وتصويراً لقضاعة لابتعادها عن الجماعة فهي مثل النعامة التي استبدلت أبويها بغيرهم من النعام بعد ذلك الآمان الذي كانوا يوفرونه لهم وأنَّهم كانوا لهم مثل الأم الرؤوم، يوفرون لهم ما يحميهم من حر الصيف، ويحمونهم كما تحمي تلك الأم أولادها من الذئاب المفترسة لكنهم ارتضوا أنْ يصيروا رئالاً ويرحلوا ويفرقوا ويأخذون طريقاً غير طريقهم.

كأم البيض تُلحفه غُدافا
فلما قيض عن حَتَك لصوق
كأنّ القيض رعّثه بودع
أوين إلى ملاطفة خضود
تسبع دونهن لكلِّ وحي
فلما استرألت حسبت سواء
فساقطها الفراق بكل غيب
 

 

وتفرشه من الدمث المهيلِ
بأزعر تحت أهداب كالخميل
من التوشيح أو قطع الوذيل
لمأكلهن طفاطف الربول
تعرض مــن ازلَّ لها نسول
مفارقــة الرعيل إلى الرعيل
خــواذل بالمقد وبالــمقيــل (47)
 

الرثاء

ظل موضوع الرثاء أثيراً عند الكُميت، يحض بوساطته المسلمين على الاقتصاص من قتلة الإمام الحسين بن علي(عليهم السلام)، يثير فيهم كوامن المروءة والولاء الذي أبدوه في غابر الأيام للدين وأصحابه، ليطلبوا بثأره، وهي ملامح في الوقت نفسه للصراع السياسي القائم ضد بني أُميّة، إذ يقول:

كــأنًّ حُسَيْنَاً والبـهَالِيْلَ حَوْلــَه
يَخُضْنَ بِهِم من آلِ أحْمَدَ في الوَغَى
وغَابَ نَبِيُ اللـــــهِ عَنْهُــم وفَقْــدُهُ
فلـــَمْ أَرَ مــــَخْذولاً أجـَلَّ مصِيْبَةً

 

لأسْيَافــــــِهـــِم ما يَخْتــــَلِي لمُتَبقــــــِّلِ
دَمـَاً ظَـلَّ مٍنْــهُم كالبَهِيْـمِ المُــحَجَّـلُ
على النَّاسِ رُزْءٌ مــا هُنَــاكَ مُجَــلَّلُ
وأَوْجَبَ منــه نُصْرَةً حيــن يُخْـذَلُ (48)

لجأ الشاعر إلى تشبيه حال الحسين(عليه السلام) وأصحابه بالرطب، فقد استحل الأمويون دماءهم كما يستحل آخذ البقل البقل، في ساحة الوغى تدول عليهم الخيل والدماء تسيل منهم وهم في هذا الحدث الجلل لا يجدون نصيراً ولا معيناً، بل إنّ أعداءهم لم يحفظوا حق النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بأبناء بنته، لقد خذلوا الحسين ولم يقاتلوا ويذبوا عنه.

وكما إنماز الكُميت في صوره المدحيّه الصدق اتجاه ممدو حيه من آل البيت (عليهم السلام)، كذلك احتل بمرثياته البليغة المفعمة بالصدق والوفاء والإخلاص وبخاصة للإمام الحسين بن علي (عليهما السلام)، فما أنفك دائراً في صوره يلح على تلك الصورة الأثيرة التي جاءت تعبيراً عن حزنه الشديد الصادق، وسنقف معه في هذا الموضوع من شعره لما يحمل من عاطفة صادقة اتجاه الفقيد فخلده في شعره، ولعلّ من الطريف أن شعر الكُميت تخلد جراء اختياره الموضوع الذي تندبه الأمة على امتداد السنين، يقول راثيا الإمام الحسين(عليه السلام):

وَقَتِيْلٌ بالطَّفِ غُودِرَ مِنْهُ
تَرْكَبُ الطَّيْرَ كالمَجَاسِدِ منهُ
وَتُطِيْلُ المُرَزَّءاتُ المَقَاِليْـ
يَتَعَرَّفْنَ حُرَّ وجهٍ عليهِ
قتلَ الأدعياءُ إذ قتلوهُ
 

 

بينَ غَوْغَاءِ أُمّةٍ وطَغَامِ
معَ هابِ من التُّرَابِ هيامِ
ــتُ عليهِ القعودَ بعدَ القيامِ
عُِقبةُ السَّرْوِ ظَاهِراً والوسامِ
أكرمَ الشاربين صوبَ الغَمامِ (49)
 

ولعلّ للمكان أهميّة كبيرة في بناء مراثيه، فقد ألح الشاعر عليها كثيراً لبناء صورة الحدث الجلل الذي ألم ببنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعم الحزن في الأرض، الذي قتل عليها الإمام الحسين(عليه السلام)، ويبدأ بالتعريف به في بناء الصورة، حيث المكان (الطف)، أرض تقع على شاطئ الفرات، وتتجلى بؤرة النص في قوله (غودر)، حيث تخلى عنه مناصروه، يحيط به السفلة من الناس، ويمعن في رثائه الحزين بتصوير ذلك الجسد الطاهر الذي أحاط به أخس الناس، ينهبون ثيابه، وقد تألق في تشبيه الطيور الحائمة كأنها الثياب المصبوغة، وقد انهال عليها الساكن من التراب، ويأخذ من الحكاية الموروثة أنَّ المرأة المقلات إذا طافت بقتيل كريم عاش ولدها، ويذهب بعيداً في صورته الرثائية الحزينة، يصور نسوة آل البيت (عليهم السلام) يحف بهن الحزن للمصاب الأليم على الوجه المعفر بالتراب، وعلى الرغم من الجو المغبر، إلاّ أنَّ الوسامة بادية عليه، ثم يصب جام غضبه على الدعي عبيد الله بن زياد في اعتماد البديع لبناء صورته الفنيّة في قوله (أكرم الشاربين صوب الغمام) (50).

يفجر الشاعر في مراثيه، حال التفجع والحزن وشدة المصاب بفيض من اللعنات على أولئك الذين لم تستوقفهم حصانة ابن بنت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فقد تجاوز الكُميت في رثائه صورة الحزين الصابر المحتسب إلى رثاء غاضب يعبر عن مكنونات نفسية ثائرة ؛ فقد جاءت تعبيراً عن عاطفة حزينة صادقة يتلازم معها سخط على قتلتهم.

نَفَى عَنْ عَيْنِكَ الأرقُ الهُجُوْعا
دَخِيْلٌ في الفُؤَادِ يَهِيْجُ سُقْمَــــاً
وَتَوْكَافُ الدُّمــُوعِ على اكْتِئَابٍ
يُرَقْرِقُ أسْجُمَاً دِ رَرَاً وَسَكْبَاً
لِفُقْدَانِ الخَضَارمِ مـن قُريشٍ
 

 

وَهمٌّ يَمْتَرِي مِنْهــا الدُّمُوْعــا
وَحُــزْنَاً كانً من جَذَلٍ مَنُــوْعَــا
أحَلَّ الدَّهْـــرُ مَوُجِعَهُ الضُّلُوعَــا
يُشَبَّهُ سحُّها غَرْباً هَموْ عا
وَخَيرِ الشَّــافِعِينَ مَعَــا شَفِيْعَــا (51)

وقد انماز هذا الرثاء بالبكائية والحزن الشديد على آل البيت (عليهم السلام) بتلك القصة الحزينة التي طرد السهاد فيه النوم عن عين الشاعر وأرقه وهو يحتلب الدمع من عينيه، الذي يهيج المرض ويبعد الفرح ويزيد من الاكتئاب، ويعود للدهر ليصب جام غضبه عليه مثل ما فعل القدامى في مراثيهم، وأنّ الدهر قد أنزل مواجعه بين الضلوع تعبيراً عن شدة الحزن.

ويعتمد التشبيه في البيت الثالث مشبهاً دموعه الرقراقة المنسكبة حزناً من عرق في العين تشبه دلوٍ فيه ماء وقد انسكب، لينتهي في أنّ معاً هذا الحزن هو لؤلئك السادة الذين شبههم بالبحر لكثرة عطائهم ومنافعهم للناس.

أنـــــــواع الصـــــورة

الصورة الواقعية:

أراد الكُميت أنْ يأخذ شعره مساراً آخر في التعبير عن حبه وولائه لآل البيت (عليهم السلام)، من خلال بناء صورة واقعية، تقترب كثيراً من الصورة المثالية التي جاء بها الإسلام، وبخاصة أن الشاعر كان قريب عهد لعصر الرسالة المحمدية والخلافة الراشدة، فضلاً عن أنّ هناك مازال بقية من صحابة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)بين ظهرانيهم، الذين استنجدوا في سلوكهم الحياتي القيم الروحية والمثالية للإسلام ، وحين نقف أمام قصائده وبخاصة المستهل منه نجده قد اعتمد الصورة الحقيقة معياراً فنيّاً متخذاً من ذلك الاستهلال وسيلة للدخول في واقعية الحدث.

من هنا عمل الكُميت في بناء صوره باختصار صفاتٍ تحمل من الواقعية في أذهان المتلقين من محبي آل البيت (عليهم السلام).

طَِربْتُ وما شَوْقًا إلى البيْضِ أَطْرَبُ
ولم يُْلِهِني دارٌ ولا رسمُ منزلٍ
َولاَ أنا مِمَّنْ يَزْجرُ الطَّيْرَ هَمُّهُ
ولا السَّانِحَاتُ البارحاتُ عشيَّةً
ولكنْ إلى أهلِ الفضائلِ والنُّهى
 

 

وَلَا لَعِبَاً مِنّي أذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ
ولم يَتَطَرَّبني بَنَان ٌ مُخضبُ
أصَاحَ غُرَابٌ أم تَعَرَّضَ ثَعْلبُ
أمرَّ سليمُ القرنِ أم مرَّ أعضبُ
وخيرِ بني حواءَ والخيرُ يطلبُ(52)
 

وعلى الخطى نفسها ينهج الشاعر المنهج نفسه في قصيدة أخرى، إذ يقول:

طَربتُ وهلْ بكَ منْ مطربِ
صبابةَ شوقٍ تهيجُ الحليمَ
وما أنتَ إلاّ رسومَ الديار
ولا ظُعنُ الحي إذ أدلجتْ
ولستَ تصبُّ إلى الظَّاعنينَ
فدعْ ذكرَ منْ لستَ من شأنهِ
وهاتِ الثناءَ لأهلِ الثناءِ
بني هاشم فهم الأكرمون

 

ولم تتصابَ ولـمْ تلعبِ
ولاعارَ فيها على الأشيبِ
ولو كنَّ كالخللِ المذهبِ
بـواكرُ كالإجـل ِ والرَّبربِ
إذا ما خليلُكَ لم يَصببِ
ولا هوَ منْ شأنكَ المنصبِ
بــأصوبِ قــولِكَ فالأصوبِ
بني البــاذخ الأفضل الأطيب (53)
 

وفي مكان آخر من هاشميا ته، يقول:

مَنْ لقلبٍ مُتيمٍ مُستهام
طارقاتٍ ولا إدكارغواني
بل هوايَ الذي أجنُُُُّ وأبدي

 

ِغَيرِ ما صَبوةٍٍ ولا أحلامِ
واضحاتِ الخدودِ كالآرامِ
لبنِي هاشمٍ فُروعِ الأنامِ (54)
 

لاشك أن الصورة الحقيقة هي أحد أبرز معالم الواقعية ويتضح أنَّ هذا كان ديدنه في بناء الصورة الحقيقة، فمما يلاحظ على النصوص السابقة أنها في الأعم الأغلب يميل فيها الشاعر إلى جلب اهتمام المتلقي وشده كي يتابع الشاعر الذي تقمص لباس الخطيب من دون أنْ يتحول بنصه إلى الخطابة، فيطرح رؤيته بصيغة المجهول كي يمنح المتلقي فرصة الإصغاء والتفاعل معه، وهو يعبر عن طربه إلى البيض من دون التصريح عمن يقف وراء هذا الطرب، فالشاعر لم تشغله الحسان ولا الحنين ولم يمنعه الحب والشباب أو ذكريات الأطلال الدارسة، الذي كان هم معاصريه من الشعراء ممن كانوا ينشغلون بتلك الأمور الحياتية من معيش وتفاءل وشتائم بما جرى العرف عليه بين الشعراء، أخذ بيد المتلقي لتبدو الصورة جلية أمامه، أنّ هذا الذي يتحدث عنه هنا عدم انشغاله بما انشغل فيه غيره مرّده ذلك الهوى الكامن في قلبه لتلك الفضائل العليا التي تتمثل بآل البيت (عليهم السلام)، وهكذا نجده كيف قارب وجمع بين الحقائق التي يؤمن بها في بناء صوره من خلال اتحادهما ((فالمبدأ الذي ينضم الصورة هو التوافق بين الموضوع والصورة، الصورة تضيء الطريق للموضوع وتساعد على كشفه خطوة خطوة)) (55)

استغل الكُميت الحكاية التاريخيّة في بناء الصورة الحقيقة، والأدب العربي يزخر بالحكايات ولكنه بحث دائما عن تلك الحكايات التي تستطيع أنْ تمنح في ضوء الصورة الحقيقية جمالية البناء الفنيّ لتسلل إلى ذهن المتلقي، ومن تلك الحكايات التي لها ارتباط تأريخي بقيم الأمة المعنوية ومما تفخر به وفاء الشاعر السمؤال لامرئ القيس:

وما كان السمؤال في وفاء
غداة ابتاع مكرمة بشكل
ولا ابن محكم وأبو بجير
 

 

وقد بلغت حفيظته الخطوب
وقد يوفي بذمته الكئيب
وعجب في وفائهما عجب(56)
 

الصورة الانفعالية:

إنّ لتجربة الكُميت الحياتية في تبني موقفاً معارضاً لحكم بني أُميّة أثراً كبيراً في بروز مظاهر الصورة الانفعالية في شعره ؛ فحياته الثرية وتفاعله معها، قد ترك أثراً جلياً في بناء تجربته الفنية، وليس بخافٍ على دارسي أدب العصر الأموي مكانته الشعرية وأثره في عصره وقد كان من التجارب التي مر بها ما هو أشد قسوةً وألماًًًً في نفسه، إذ يقول:

فَقُلْ لبني أُميةَ حيثُ حَلُّوا
ألا أفٍ لدهرٍ كنتُ فيه
أجاعَ اللهُ منْ أشبعتموهُ
ويَلـعَنُ فَذَّ أُمتـهِ جِهــاراًًًً
 

 

وإنْ خفتَ المُهَّندَ والقطيعَا
هِدانــاً طائعاً لــكم مُطيعَاً
وأشبعَ من ْ بجوركمُ أُجيعَا
إذا سَاسَ البريَّةَ والخَليْعَـا (57)
 

هنا يصور الشاعر مدى الحزن الذي آل إليه والخيبة التي ألمت به ؛ فجاءت صوره ملئ بالانفعال الوجداني، وبخاصة في بيته الثاني الذي حمل من التصوير الانفعالي عمقاً ووضوحاً ثم عمد إلى التكرار في البيت الثالث في مداخلة جدلية في لفظ (أجاع) ونلاحظ فكرة الدفق الانفعالي فيها كرد فعل عنيف لمعاناته من بني أميّة، فقد صور الشاعر الانفعال الذي ألم به تعبيراً عن حالة الوجد المحس ، إدراكاً منه لما آلت إليه حاله تحت وطأة حكم بني أمية ، فضلاً عن شعوره الحاد، امتلك الشاعر الأداة الخيالية التي تمكن بها من إيصال إحساسه المرّ، انسجاماً مع عاطفة متأثرةٍ لتجد صدىً لها عند المتلقي، يقول مكليش، ((إنَّ العاطفة إنْ كان ثمة عاطفة في القصيدة تكمن في الصور _ أو إذا لم تكن كاملة في الصور نفسها، فبين هذه الصور)) (58) وقد استعمل الشاعر صوره عبر العلاقة الجدلية القائمة بين عاطفته وخياله وقد جاءت صوره الانفعالية مستعملة على الحقيقة تحمل في الوقت نفسه سعة خياله الدال على ثقافة الشاعر الواسعة.

انصف امرئ من نصف حي يسبني
هنيئا لــكلب إن كــلبا يسبني
لقد بلغت كلب بسبي حظوة

 

لعمري لقد لقيت خطبا من الخطب
وأني لم أردد جوابا على كلب
كفتها قديمات الفضائح والوصب(59)
 

إن الصورة الانفعالية عند الكُميت هي نتاج التجربة الحياتية إحساسا وشعوراً وفكراً، راعه كثيراً ما آلت إليه حياته، فقد جاء الدفق الانفعالي في البيت الأول مصحوباً بحالتي الانفعال والتعجب في آن معا، محاولاً في تلك الصورة الانفعالية أن يستهين بالمقابل قدراً يسلب منه رجولته من خلال ذلك التفاعل الجدلي، ولكنه بعد ذلك وكأنه أخذ نفساً ليهدأ بدلاً من التصاعد الانفعالي، ليفجر بصورته الهادئة التي اكتسبها من الاستعانة بالصورة التاريخية التي يهرب العربي منها لما تحمل بين حناياها من صور المهانة والذل، وجد الشاعر فيها ضالته وتعبيراً عن القهر الذي لحق به، كما نلاحظ سطو التكرار على صورته الانفعالية.

الصورة الوصفية:

عدّ الآمدي في الموازنة الشاعر المبدع ذلك الذي ((يصور لك الأشياء بصورها)) (60)

والكُميت يحتفي بالصورة الوصفية منتقيا لها مفردات يظهر الجمال الفاتن الذي استوحاه من موصفته، إذ يقول:

هيَ شمسُ النَّهارِ في الحُسنَ إلاَّ غَضَّةٌ بَـــضّةٌ رَخيـــمٌ لــعوبٌ زَانَها دُّلــها وثـــغر نــقيٌّ

 

أنَّــها فُضّلَــتْ بِقتلِ الظِّرَفِ
وعثةُ الَمتنِ شختةُ الأطرافِ
وحديثٌ مرتَّلٌ غيرُ جــافِ (61)
 

ومما يدل على إيثار الكُميت هذه الصفات في المرأة، (الشمس، قتول، غضة، بضة، رخيم، لعوب، وعثة المتن، شختة الأطراف، ثغر نقي، حلوة الحديث)، حديثه عن جمالية المرأة مشبها حسنها بالشمس الساطعة المبهرة، التي لا تستطيع أنْ تطالها العيون، ثم يمنح الصورة ألقاً آخر بالإجابة عن سؤال العارف، أنّها لم تتجاوز الشمس بجمالها فقط بل تعدت وحظيت وإنمازت بصفة جمالية أخرى تمثلت في قدرتها على قلب الشاعر، فلم يكتف الشاعر بوصف تلك المرأة بل راح يمعن في وصفها فهي طرية بيضاء رقيقة ممتلئة ومما زاد في جمالية الصورة دقة الوصف فالدلّ، هو جمال الشكل، فضلا عن ثغر عذب، ومما يدل أيضاً على إيثاره لتلك المرأة. أنّها حين تسترسل في حديثها الحبيب إلى قلبه شيقة لا تنثال بالكلام الذي يصم الأذان ويكره السامع

أحبَّ الكُميت المرأة من أعماقه، وكان يرى فيها ملاذاً لاحتواء عواطفه الجياشة، وقد جاءت عنايته في رسم صورة المرأة لتعكس عمق حبه لها الذي كان بريئا غير مادي، فالصور المتعددة لتلك المرأة المثال، برزت بشكلٍ جلي ومتناسق لا تناقض فيما بينهما ؛ فالمرأة هنا متميزة عن غيرها من النساء في صفاتها وثيقة الصلة بالنقاء الذي يريده الشاعر وقد ابتعد عن الوصف الحسي مؤكداً نقاءها.

يَمشينَ مشيَ قَطَا البطَاح تأَوداً
يَرمين بالحدقِ القلوبَ فَما ترى
منْ كُلّ آنسة الحديثِ حَييةٍ
أقصى مَذاهبُها إذا لاقيتهــــا
وإذا أردنَ زيـارةً فكأَنمــا

 

قَبَّ الُبطونِ رَواجح الأكفالِ
إلاَّ صريعَ هَوىً بغيرِ نِبالِ
ليستْ بفاحشةِ ولا متفــال
في الشهربين أسرةٍ وحجــال
يَنقلنَ أرجلهُنَّ مِــن أوحــــالِ(62)
 

أسقط الكُميت صورة حبيبته باستنجاده بالمفردات التي تشع منها عبق الطبيعة، فجعل من صورها معيارا للتماهي مع الطبيعة بإشراقاتها يقابلها ليل فاحم السواد يصور فيه عن شعرها الأسود.

غراءُ تسحبُ من قيامٍ فَرعَها
فكأنَّها فيه نـهارٌ مــــشرقٌ
 

 

جَثْلاً يُزينهُ سوادٌ أسحمُ
وكأنَّهُ ليلٌ عليها مظلمُ (63)
 

وهنا نلاحظ كيف تلتقي صورته الجزئية الإشراق بالسواد في وحدة ضديّة معتمداً الطباق بين مفترق النهار والليل ليخرج بصورته الكلية عن تلك المحبوبة وهو يمزج بين إشراقة وجهها وقد شبهه بالنهار وكيف يدخل عليه الليل بطيئاً ليمنح الصورة مستوىً من الانبهار بجمالية المحبوبة.

الصورة البصرية:

احتلت الصورة البصرية حيزاً واضحاً في شعر الكُميت، فأخذ يستعمل ما يحيط به من أشياء يجلوها ويقف على أبعادها بوساطة البصر، ومن ثم يعيد المعادلات تأثيراً وتأثراً وذلك لأنّ البصر هو المتلقي الأول لما يمتلك من حساسية للأشياء المحيطة به.

وقد أصر الكُميت وبخاصة في هاشمياته على تلمس الألوان في التعبير عن فكره وعشقه لآل البيت (عليهم السلام) متخذاً من اللون الأبيض صورة تشع بالجو العاطفي والولاء والحب والنقاء والطهر ، إذ يقول:

إلى الّنفَرِ البيضِ الذينَ بِحُبِّهم

 

إلى الله فيما نَا بَنِي أتَقَرَّبُ (64)
 

وفي صورة أخرى نجده يتمسك بنقاء الصورة البصرية لممد وحيه، يبصر فيهم البياض، ويلفهم الوقار والرزانة حتى وهم يخوضون غمار الحرب حيث أمست السماء مغبرة كلون التراب

مَسَامِيْحُ بِيْضٌ كِرَامُ الجُدُوْدِ

 

مَرَاجِيْحُ في الرَّهَجِ الأصْهَبِ (65)
 

لقد أخضع هذين اللونين في ابتداع صوره الشعريّة التي تعكس صدق أحاسيسه المرهفة على الرغم من أنّ اللونين متضادين لكنه أشاع من خلالهما مدى إيمانه بممد وحيه.

يسهب الكُميت في استعمال المفردة الدالة على لون النقاء محاولة منه في إضفاء صفة الصفاء على ممد وحيه وعلى موقفهم الذي يتجلى بالدفاع عن الحياة ؛ فليس في صورته الشعريّة ما يوحي بولعه بالحسان فهو لم يطرب شوقا إلى البيض ولكنه يحمل طربا من نوع آخر إلى أهل الفضائل المولع بتمسكهم بالقيم العليا التي أحبها من أعماقه، وقد خلق الشاعر هنا تقاليد فنيّة جديدة على الشعر العربيّ وبخاصة في مقدمته الطللية.

طَرِبْتُ وما شَوقاً إلى البيضِ أَطْرَبُ
 

 

ولا لَعِبَاً مني أذُو الشَّيْبِ يلعبُ (66)
 

فعناية الشاعر باللون الأبيض قد تحمل معنى نفسيا يتصل بأخلاقية العربي وحبه للنقاء، إذ أحتل هذا اللون الريادة في بناء الصورة اللونيّة قياسا إلى الألوان الأخرى، فممد وحيه هم سادة يذودون ويحمون إمائهم الحسان مهما طال أمد الحرب عليهم.

سَادةٍ ذَادةٍ عن الخُرَّدِ البيـ
 

 

ولا لَعِبَاً مني أذُو الشَّيْبِ يلعبُ (66)
 

ومهما يكن من شيء، فعناية الشاعر باللون الأبيض تحمل في أعماقها دلالة رمزية

زُهْرٌ أصحَّاءُ لا حَدِيْثُهم

 

واهٍٍٍٍ ولا في قََََديمِهم عَََََطَبُ (68)
 

فالبعد الرمزي يعكس معاني متقاربة في إيحاءاتها النفسي اتجاه ممدو حيه، وزهر في اللغة هو البياض المشرق (69)، في الوقت نفسه يرمز إلى النور والطهر والصفاء، ((فقد ارتدى المؤمنون المسلمون الأوائل ثيابا بيضاء دلالة على الطهارة والصفاء والإيمان)). (70)ولكننا قد نجد اللون الأبيض يتماهى مع الأسود للتعبير عن حالة الحزن التي تتفاعل في ذهن الشاعر جراء المصاب الذي ألم به، فالشاعر يعتمد على الكناية لتصوير نقاء وصفاء المقتول غدراً.

قَتَلَ الأدعياءُ إذ قَتَلُوهُ
 

 

أكْرَمَ الشَّاربينَ صوبَ الغمامِ (71)
 

فالغمام هو السحاب الأبيض، أمام هذا اللون الأبيض ما الذي يعنيه اللون الأسود في تجربة الكُميت الشعريّة وهل يحتل الصدارة في شعره أيضاً وما يرمز إليه.

لعلّ خيرَ أنموذجٍ للون الأسود في بناء الصورة الشعريّة عند الكُميت ظلمةُ الحكم السائد في عصره، والذي رمز من خلاله إلى السواد الذي حل في حياة الناس حيث تراكم الظلم، تعبيراً عن عمق إحساسه من الظلم السائد في عصره، كان لا يرى بصيص ضوء للخروج من تلك الظلمة إلاّ بالاهتداء بتلك النجوم الزاهرة من آل البيت (عليهم السلام)

إذا اسْتَحْنكَتْ ظَلماءُ أمْرِ نُجُومُها

 

غوامضُ لا يَسْرِي بها النَّاسُ أُفَّلُ (72)
 

وهذه الصورة السوداوية استحدث الشاعر سماتها الفنية من طبيعة الحياة السائدة في مجتمعه وأن هذا السواد لن يزول إلاّ بالاهتداء بآل البيت وبخاصة الحسين بن علي(عليهما السلام)الذي قاد الثورة ضد ظلمة ليل بني أمية.

وَفِيْهم نجومُ النَّاسِ والمُهتدى بِهِم

 

إذا الَّليْلُ أمْسَى وحوب النَّاسِ أليَلُ (73)
 

فالسواد عند الشاعر أرتبط بالظلم الذي ساد في عصره، وقد استعمله الكُميت أيضاً للتعبير عن حالته الشعورية المشبعة بالحزن في دلالته النفسية المحبطة عن طريق اللون الأسود مستعرضا ما آلت إليه حياته وتأكيداً لحالة القلق واليأس التي تسربل بها.

فاستبدلتْ بالسوادِ أبيضَ لا

 

يَكْتُمه بالخِضاب مُخْتَضِبُ (74)
 

فاستبدلت يعني اللمة صارت بيضاء بعدما كانت سوداء، وهنا اعتمد الكُميت التضاد في بناء الصورة فقد صور اللونين الأسود والأبيض في حالة إحلال بعيدًا عن التضادية التي ألفها الذهن بين اللونين، وفي هذا الأسلوب تصوير للبياض المكروه في نظر الشاعر الذي غزا سواد شعره الذي يفاخر بجماله حتى عاد لم ينفع معه الخضاب، أن موضوع الصورة هنا هو الحزن لاشك في ذلك، وقد كونت الصورة ثلاثة عناصر يعد الزمن فيها عامل أساس والذي أختفي وراء الصورة بالرغم من أنَّه مكون أساس لها، وبرز عنصرا السواد والبياض في تفاعل أدى بالشاعر للشكوى من هذا البياض الذي غزاه ولم يعد ينفع العنصر الثالث _ الخضاب _ في معالجة ما استحكم عليه الزمن، والشاعر عارف بذلك مستسلم له.

أعتني الكُميت بالألوان عناية كبيرة لتتناسق لديه صورة معبرة عن عواطف جياشة اتجاه محبيه ؛ فالشاعر ينفي عن نفسه الطرب إلى أي شيءٍ يلهه عن حبه وولائه الذي أستمكن من عواطفه، فلا الحمول التي فارقته ولا الدمن التي آثار الرماد وما سود حالت بينه وبين عواطفه اتجاه آل البيت(عليهم السلام)

ولا حُمولٍ غَدَتْ ولا دِمَنٍ

 

َمَّر لها من بَعْدِ حِقْبَةٍ حِقَبُ (75)
 

ثم يقول:

جُرْدٌ جِلادٌ مُعطَّفَاتٌ على الـ

 

أقرانِ لا رجعةٌ ولا جلبُ (76)
 

فقوله معطفات على القران أي في لونه سواد وبياض، ولم يقتصر الاستعمال على هذين اللونين بل تعدى ذلك إلى اللون الأحمر وأن جاء متأخراً عن اللونين الأبيض والأسود.

إذا امست الآفاق حمراً جنوبها

 

لشيبان أوملحان واليوم أشيب (77)
 

إذ يصف ثوراً في هذه الصورة الأثيرة في الأدب العربي، مستعملاً الألوان الثلاثة ؛ الأبيض الأسود والأحمر وهو في حالة بائسة، مطارداً من قبل الصياد وكلابه.

َوتَحْسِبُه ذَا بُرقِع وكأنَّه

 

بأسمالِ جَيْشَانيّةٍ مُتَنَقِّبُ (78)
 

فالثور قد تبرقع بأسمال حمر في بياض ويقال برد سود، وتعتمد هذه الصورة الأثيرة في استعمال اللون الذي أعطى للصورة دينامية عالية حاول من خلالها الشاعر إبراز ممد وحيه بالبهاء وكثرة العطاء فممدو حيه من آل البيت (عليهم السلام)، بما يمتلكون من العلم حديقة خضراء كثيرة النبت موازنة بقلة العلم عند غيرهم.

وإنْ هَاجَ نبتُ العِلمِ في النَّاسِ تَزَلْ
 

 

لَهُم تَلعَةٌ خضراءُ منهم ومِذْنَبُ (79)
 

الصورة الذهنيّة:

لابد للباحث وهو يستقرئ شعر الكُميت للكشف عن صوره وبيان جمالياتها، بُغية الوقوف عند الغرض الذي يرمي إليه في استعماله ألفاظاً محددة المعنى بعيدة المغزى، ومن أجل الوقوف عند حيثيات النص الذي يغمرنا به ؛ لابد من جهد استثنائي لاستكشاف مغزاه.

إنماز الكميت بمقدرته على استثارة فضول المتلقي من خلال مخاطبة عقلة قبل عاطفته، وكثيراً ما عمد وبخاصة في هاشمياته، أن يثير في صوره الذهنية مخيلة السامع لما تحمل من دلالات نفسيّة وعقليّة خارج ذهنيته تتطلب منه جهدًا لاستنباط معنى الكلمات التي انتقلت من معناها الحسي إلى الذهني.

إنّ الشاعر قد أدرك بحكم ولائه لآل البيت (عليهم السلام)، أنّ القبائل العربية التي ناصرت الحكم الأموي أمعنت في غيها من وجهة نظره على أقل تقدير، كما كانت وراء ما آلت إليه حال الأمة من ابتعاد عن القيم الإسلاميّة التي نادى بها الإسلام كون الحكم قد تحول إلى نظام وراثي على يد بني أميّة بدعاوى وراثة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فأخذ الكُميت يتحدث عن إيمانه الوجداني والفكري متفرداً عن كثيرٍ من شعراء عصره منزهاً نفسه عن الطموحات الدنيويّة من مال وجاه، يثير هذا الموضوع ليؤجج الناس على بني أمية وهذا معيار آخر على أنّ الإسلام أسس لرؤية جديدة فقد أخذ ((المفهوم السياسي يشيع شيئاً فشيئاً في الشعر العربيّ حين استطاعت العقيدة أنْ تعلو على صوت الانتماء القبلي)) (80)

يَقُولونَ: لَمْ يُورثْ، ولولا تَُراثُه
وعكٌّ ولخمٌ والسكونُ وحِمْيَرٌ
ولا انتشلتْ عِضوينِ منها يُحابرٌ
ولا كانت الأنصار فيها أدلــة

 

لَقَدْ شَرِكَتْ فِيْهِ بَكِيْل وأرحبُ
وكِنْدةُ، والحيَّانِ بَكرٌ وتغلبُ
وكان لعبد القيْس عضوٌ مؤربُ
ولا غيباً عنها إذا الناس غيبُ
 

ثم يقول:

هُمُ شَهِدوا بَدراً وخيبرَ بعدهَا
فَإنْ هِيَ لم تَصُلحْ لقومٍ سواهمُ

 

ويومَ حُنَيْن، والَّدماءُ تصبَّبُ
فإنّ ذوي القُربى أحقُّ وأقرَبُ (81)
 

الشاعر يعرف جيداً من هم آل البيت(عليهم السلام)، وهو يريد أنْ يؤسس لفهمه هذا، وقد اعتمد أسلوبا ساخراً في بناء الصورة الذهنية، يتطلب من المتلقي جهدًا، فقد أمعن في ذكر أسماء العديد من القبائل على الرغم من التمايز بينها شأناً وانتماءً، متهما أعداءه أنَّهم يحملون على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فهو يصور عدم مقدرتهم على إثبات ما يقولون وإلاّ لكانت قريش هي أحق بميراث النبيّ الكريم، وقد اختار الكُميت ألفاظاً تحمل دلالات ذات معنى دفين في رؤيته للموضوعات التي يتحدث عنها تاركاً الأمر للمتلقي في استنباط الأحكام من خلال إعمال ذهنيّة والجهد المطلوب للكشف عن ذلك.

من هنا يتبين أنّ الكُميت، قد تبنى موقفاً صعباً يحمل موضوعاً يحتل الأولوية في التفكير الإسلامي، فذهب الشاعر بعيداً في الدفاع عن رؤيته ‘ فاختار أسلوباً مميزاً إنماز به عن غيره من شعراء الشيعة للدفاع عن حقهم المسلوب لتتكامل الصورة لديه في إثبات أحقية هذا الأمر معتمداً الألفاظ التي تتطلب من المتلقي الإمعان والتبصر في مكنونات تلك الألفاظ مما يتطلب جهداً من الشاعر احتاج الكثير من التروي والنظر. وهو أمر يتصل بمقدرته الذهنية في الاستنجاد بالمعنى المعبر وكذلك مقدرته الشعرية في بناء القصيدة فنيا من حيث التصوير والإيقاع الموسيقي ((إنً العواطف والصور يجب أنْ يتزاوجا ليذوب كلاهما في الآخر، ويتمثلا طبيعيا لدى الذهن في نشوة فنيّة))(82)

الأنواع البلاغيّة للصورة

التشبيّه:

إن أهم ما يلاحظ على التشبيه وبخاصة الأصل فيه هو توافق صفة أو أكثر بين المشبه والمشبه به مما يجعل من الصورة التشبيهية ممكنة عند المتلقي ؛ لانّ الشاعر استطاع التوفيق فيها بين شيئين متقاربين في الصفات، والكُميت هو حصيلة واقعة المعيش فقد استطاع استحضار صوره التشبيهية الغارقة بالقيم المعنوية، التي تمثلها الإنسان العربي واحتفى بها الشعراء في ذلك العصر باستعمال ألفاظ من مثل ،(غيوث، حواضن الأيتام، الكفاة، الأساة الشفاة، الروايا، البحور، أسد حرب، أبطحيين، أريحيين، مقاويل)، وتلك الصفات نابعة من طبيعة البناء الفني للبيت الشعري في القصيدة العربية لبناء الصورة التشبيهية، وترد تلك الألفاظ في هاشميته الميمية، إذ يقول:

والغُيُوثِ الذينَ إنْ أمحلَ النَّا
والولاةِ الكُفاةِ للأمرِ أن طرَّ
والأساةِ الشُّفَاةِ للداءِ ذِي الِّرِيْبـ
والَّروايَا التي بها يَحملُ الَّنا
والبحورِ التي بها تُكشفُ الحِرَّ أبطحيين أريحيين كالأنــــــ

 

سُ فمأوَى حَواضنِ الأيتامِ
ق يتناً بِمجهضٍ أو تمامِ
ــة والدركينَ بالأوغـــامِ
سُ وسُوْقَ المُطبعاتِ العِظامِ
ةُ والــــداءُ من غَليلِ الأوامِ
ـجم ذات الرجوم والأعلامِ
 

ثم يقول:

فَهُمُ الأسدُ في الوَغَى لا الَّلواتي
أسدُ حربٍ غُيوثُ جدبٍ بهاليـ

 

بين خِيْسِ العرينِ والأجَامِ
ـلُ مقاويلُ غيرُ ما أفدامِ (83)
 

وهنا يتضح ((إنّ التشبيه يزيد المعنى وضوحاً ويكسبه تأكيداً، ولهذا أطبق عليه جميع المتكلمين من العرب والعجم ولم يستغن أحد منهم عنه)) (84) العسكري، ونجد ذلك عند الكُميت في أغلب تشبيهاته التي استقاها من واقعة المعيش، ونراه يكثر من الصيغ المتشابهة والتي تتوافق مع مكنوناته العاطفية اتجاه ممدو حيه.

لم يجنح الكُميت نحو المبالغة لأنّ صوره التشبيهية جاءت تصويراً لما يدور في ذهن المتلقي سواء أكان ذلك عن ممدوحه أم ما تعرض له في حياته التي غلب عليها عدم الاستقرار جراء تبني موقفاً فكرياً مغايراً للنظام السائد في عصره مما جعل من حياته عرضه للملاحقه وعدم الاستقرار.

فجاءت تشبيهاته تعبيراً عن إحساس الإنسان الخائف الوجل المتحفز في آنٍ معاً، إذ يقول:

عَلَي ثيابِ الغَانِياتِ وتَحْتَهَا

 

عَزِيمَةُ أمْرٍ أشْبَهَتْ سَلَّة الَّنصلِ (85)
 

فقد استعمل التشبيه المفصل، فالمشبه (العزيمة) والمشبه به (سلة النصل)، ووجه الشبه اشتراك الطرفين في القوة، وبهذه الصورة استطاع الكُميت الإفصاح عن تجربته المرّة في صراعه الفكري ما احتمل من اجل ذلك حيث تزيا بزي امرأته التي كانت تأتيه للسجن وخرج ولكنه أبى إلاّ أنْ يحتفظ بتلك الصورة التي عاشت مع العربي معياراً لشجاعته وعدم خوفه وقوته.

شبه الكُميت الهموم التي تعايشت معه بؤلئك العذال الذين يرصدون مواقفه وتحركاته متحينين الفرص لتشديد الخناق عليه:

وقفت على أطلالها وتكاثرت

 

علي همومي فهي تشبه عذالي (86)
 

يمعن الكُميت في صوره التشبيهية لإبراز حالة الحزن الذي ألم به، وهاجس الخوف والاغتراب، فيمنح صوره ألق التحلق في فضاءات الواقع المعيش، فيصور رغاء الإبل عند الرحيل بصور النساء الثكالى الباكيات:

كأنَّ رغاءهن بكل فج

 

إذا ارتحلوا نوائح معولات (87)
 

ومن صوره التشبيهية التي ترتبط بالواقع والتي هي تحمل في آن معاً تصويراً لحال الشاعر المطارد، فشبه الناقة بثور الوحش، تجسيداً لحالته:

كأنَّها الناشط المولع ذوالـ

 

ـعيينة من وحش لينة الشيب (88)
 

الاستعارة:

الاستعارة هي أنْ يذكر المشبه من دون المشبه به كما يقول صاحب المثل السائر(89)، والاستعارات التي لجأ إليها الكُميت تدل على مقدرة شعريّة في اقتناص الصورة الموشاة بالجمال الفني وهي مقدرة على منح صوره قدرة الالتحام بالواقع من خلال اكتشافه وهذا ما يراه ابن رشيق في العمدة ((لا ينبغي للشعر أن يكون مغسولا من الحلي فارغاً)) (90)

واستعارات الكُميت دليل على قوة شاعر يته لأنّها استعارات تحرك المشاعر وتوقظ أحاسيس المتلقي، ومن استعاراته الجميلة قوله:

وفيهم نجوم الناس والمهتدى بهم
 

 

إذ الليل أمسى وهو بالناس أليلُ (91)
 

فقد استعار الشاعر النجوم ليوحي عما يتركه الضياء من أثر في النفوس من أمل أمام المتضاد السرمدي (الظلمة) التي تعني الخوف والجور وفساد الدين.

ومن استعاراته الجميلة التي تصب في ما يحمل من توجهات:

وإنّهم للنّاس فيما ينوبهم

 

عرى ثقة حيث استقللو وحللوا (92)
 

وأصل العروة في اللغة الشجر، تبقى إذا جف الشجر لتكاتفه فيأكله المال إذا تيبس الشجر.، وقد استعارها الشاعر لبني هاشم، لبيان مدى انتفاع الناس بهم، فهم غيوث الناس المسافرين حيث استقلوا وحللوا.

وكذلك من استعاراته الرائعة:

فقل للندى في ظل عمياء جونة

 

يرى الجور عدلاً أين لا أين تذهب (93)
 

والكُميت هنا أخفى المشبه على سبيل الاستعارة واستعمل المشبه به (عمياء جونة)، فقد حكم على خصوم آل البيت بالجهل الذي أخفاه ولكنه جاء بقرينة تدل عليه في قوله (جونه) والتي تعني سوداء مظلمة لا يهتدى بها إلى الرشد.

الكناية:

تحتل الكناية أهمية كبيرة في البلاغة وهي منال لا يستطيعه إلاّ شعراء قد تمكنوا من أدواتهم، والكُميت استطاع بمقدرته الشعرية وأصالته الفنيّة أنْ يستعمل الكناية للتعبير عن ((كل ما يدل على الإيحاء الذي يقوم مقام التصريح لمن يُحسن فهمه واستنباطه)) (94)، وقد انصبت جهوده الفنية في بناء الصورة الشعريّة مستعملاً الكناية في قوله:

طربتُ وما شوقا إلى البيضِ أطربُ

 

ولا لعباً من أذو الشيب يلعبُ (95)
 

(وذو الشيب) ، كناية عن الخبرة والتجربة في الحياة، لذلك استطاع اللفظ أنْ يؤدي معناه، فهو لم يطرب شوقاً على الحسان ولكنه طرب إلى أهل الفضائل والتقى الذين بحبهم من أعماقه.

ولعلّ من كناياته التي تتوافق مع رؤيته الفكريّة وكيف يرى أنَّ الحكم قد تحول إلى ملك فجاء بلفظ (المرزبان) والتي تعني (الملك الفارسي) كناية عن حكم الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، إذ يقول:

أم الوحي منبوذ وشد ظهورنا

 

فيحكم فينا المرزبان المرفل (96)
 

ومن كناياته الجميلة التي نفهم من صورها أبعادًا تحمل مضامين متعددة لخلفية الصراع الدائر في نفس الشاعر التواق لرؤية ممدو حيه على راس السلطة وهذا الفهم لا نستطيع أنْ نقف عليه إلاّ إذا استطاعت ألفاظ الشاعر المنتقاة إيصال المتلقي التي تدور في خلده لذلك، فممدو حيه هم:

مقارىء للضيف تحت الظلام

 

موارى للقادح المثقب (97)
 

فالألفاظ (مقارىء، قادح، مثقب)، كلها استعملت للدلالة على كرم ممدو حيه، مما توحيه خلفية الصورة للضيف القادم في جنح الظلام.

ومهما يكن من شيء، فقد استطاع الكُميت من خلال صوره أنْ يؤدي مهمته التي تحمل وزرها تاريخيا، كما استطاعت صوره في آنٍ معاً أنْ تؤدي مرادها الفنيّ عبر بناءها الذي انماز به عن غيره من الشعراء.

الهوامش

1- ينظر الأصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسن: ((الأغانيّ))، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 1992م، 16/ 328

2- المصدر نفسه: 16/359،360

3- المصدر نفسه: 16/ 330

4- المصدر نفسه: 15/ 127

5- البغدادي، عبد القادر بن عمر: ((خزانة الأدب))، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر، "، 1984م، 10/144

6- الجاحظ، أبو عثمان عمر بن بحر: ((البيان والتبيين))، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت، لبنان، 1/ 45

7- ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم: ((المعارف))، تحقيق ثروت عكاشة، القاهرة، مصر، ط2، 1969م، 547

8- ينظر المرزباني، أبا عبيد الله محمد بن عمران: ((الموشح))، تحقيق محمد علي البجاوي ، نهضة مصر، مصر، 248

9- الحمويّ، الشيخ الإمام شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله: ((معجم الأدباء))، تحقيق إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1963م، 1/ 410

10- ينظر الأصفهاني، الأغاني: 16/ 349، 351، 328، 329، 354، و ينظر للغرض نفسه المرزباني، الموشح: 248

11- ينظر المصدر نفسه: 15/130

12- زايد، علي عشري: ((عن بناء القصيدة العربيّة الحديثة))، دار الفصحى للطباعة والنشر، 1979م، 96

13- الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن: ((سنن الدارمي)، تحقيق فواز أحمد زفرلي وخالد السبع العلمي، دار الكتاب العربيّ، بيروت، لبنان، ط2، 1997م، 2/369، 370

14- ينظر المطلبي، عبد الجبار يوسف: ((مواقف في الأدب والنقد))، دار الرشيد، بغداد، العراق، 1980م، 65، وينظر لغرض نفسه الصائغ، عبد الآله: ((الخطاب الإبداعي الجاهلي والصورة الفنيّة))، المركز الثقافي العربيّ، بيروت، لبنان، 1997م، 13 وما يليها.

15- ينظر عصفور، جابر أحمد: ((الصورة الفنيّة في التراث النقدي والبلاغي))، دار المعارف، القاهرة، مصر، 1977م، 14

16- ناصف، مصطفى: ((الصورة الأدبيّة))، دار الأندلس، ط2، 1981م، 3

17- بنتو، كروتشه: ((المجمل في فلسفة الفن))، ترجمة سامي البارودي، دار الفكر العربيّ، القاهرة، مصر، 1974م، 148

18- ينظر الصائغ، الخطاب الإبداعي الجاهلي والصورة الفنيّة: 14

19- الجمحي، محمد بن سلاّم: ((طبقات فحول الشعراء))، تحقيق محمود محمد شاكر ، مطبعة المدني، القاهرة، مصر، 1974م، 10

20- الزبيدي، السيد محمد مرتضى: ((تاج العروس))، مادة صور

21- آبادي، الفيروزي: ((القاموس المحيط))، مادة صور

22- ابن منظور، محمد بن مكرم: ((لسان العرب))، مادة صير

23- ابن زكريا، أبو الحسن أحمد بن فارس: ((مُعجم مقاييس اللغة))، اعتنى به محمد عوض وفاطمة محمد، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، لبنان، (د: ط) (د: ت)، 557

24- ابن سيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل: ((المخصص))، دار الفكر، (د: ط)، (د: ت)، السفر الأوّل / 53

25- ينظر السكاكي، أبو يعقوب يوسف ابن أبي بكر: ((مفتاح العلوم))،القاهرة مصر، 170، وينظر مطلوب، أحمد: ((معجم المصطلحات البلاغيّة وتطورها))، المجمع العلمي العراقي، 1978م، 2/193، وما يليها، وطبانة، بدوي، (معجم البلاغة العربيّة)، 1/208

26- المصدر نفسه: 2/170

27- المصدر نفسه: 2/777، وينظر ابن الأثير، ضياء الدين: ((المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر))، القاهرة، مصر، 1939م، 2/194

28- التطاوي، عبد الله: ((الصورة الفنيّة في شعر مسلم بن الوليد))، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، 1997م، 1/6

29- ينظر الجاحظ البيان والتبيين:1/45

30- الجر جاني علي بن عبد العزيز: ((الوساطة بين المتنبي وخصومه))، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، علي محمد البجاوي، مطبعة الحلبي، ط2، 1966م، 33،34

31- القيرواني، أبو علي الحسن بن رشيق: ((العمدة في محاسن الشعر، وآدابه ونقده))، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، لبنان، 1981م، 1/129

32- المرزباني، الموشح: 249

33- العسكري، أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل: ((كتاب الصناعتين، الكتابة والشعر))، تحقيق علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل، المكتبة العصرية، بيروت لبنان، 268

34- المصدر نفسه: 16

35- إبراهيم عبد الرحمن، الصورة الفنيّة: 17

36- ينظر ضيف، شوقي: ((العصر الإسلاميّ))، دار المعارف، القاهرة، مصر، ط16، 1995م، 215 ومايليها

37- ضيف، شوقي: ((التطور والتجديد في الشعر الأمويّ))، دار المعارف، القاهرة، مصر، 1978م، 147

38- ينظر المرزباني، الموشح: 284

39- سلوم، داود: ((شرح هاشميات الكُميت بن زيد الأسدي))، بتفسير أبي رياش أحمد بن إبراهيم القيسي، عالم الكتب، 1984م، 43، 44، 45، 46، 47

40- الأصفهاني، الأغاني: وينظر شرح الهاشميات، تحقيق محمد محمود الرافعي،40

41- هاشميات الكُميت: 47،48،49

42- الأصفهاني، الأغاني: 15 / 123

43- سلوم، داود: ((شعر الكُميت بن زيد الأسدي))، مكتبة الأندلس، بغداد، العراق، (د: ط)، 1969م،1/ 125، 126

44- ينظر شعر الكُميت: 2/57،58، وينظر للغرض نفسه المعاني الكبير 1/524، 265

45- المصدر نفسه، الصفحة نفسها

46- المصدر نفسه، الصفحة نفسها: وينظر للغرض نفسه اللسان: مادة: (هدل)، وكذلك التاج: مادة (هدل)

47- المصدر نفسه، الصفحة نفسها

48- داود سلوم، هاشميات الكميت: 167، 168

49- المصدر نفسه: 33، 34

50- المصدر نفسه الصفحة نفسها

51- المصدر نفسه: 165، 166

52- المصدر نفسه: 44، 45

53- المصدر نفسه: 188، 189

54- المصدر نفسه: 11، 12

55- دي لويس، س: ((الصورة الشعريّة))، ترجمة أحمد نصيف الجنابي، مالك ميري، سلمان حسن إبراهيم، مراجعة د. عناد إسماعيل غزوان، دار الرشيد، بغداد، العراق، 1982م، 100

56- داود سلوم، شعر الكميت:1/83

57- هاشميات الكميت: 198، 199

58- مكليش، أرشيبالد: ((الشعر والتجربة))، ترجمة سلمى الخضراء الجيوسي، دار اليقظة العربيّة، بيروت، لبنان، 1963م، 70

59- شعر الكميت: 132، 133

60- العسكري، كتاب الصناعتين: 128

61- الرافعي، شرح الهاشميات: 94

62- داود سلوم، شعر الكميت: 2/53

63- محمود الرافعي، شرح الهاشميات: 94

64- داود سلوم، شرح الهاشميات: 45

65- المصدر نفسه:189

66- المصدر نفسه:43

67- المصدر نفسه:22

68- المصدر نفسه : 121

69- الصحاح: مادة زهر

70- دملجي، إبراهيم: ((الألوان نظرياً وعملياً))، حلب، سوريا، 1983م، 85، 86

71- داود سلوم، شرح الهاشميات:34

72- المصدر نفسه: 175

73- المصدر نفسه، الصفحة نفسها

74- المصدر نفسه: 109

75- المصدر نفسه: 101

76- المصدر نفسه الصفحة نفسها

77- المصدر نفسه : 212

78- المصدر نفسه: 94

79- داود سلوم، شرح الهاشميات:79

80- القط، عبد القادر: ((في الشعر الإسلامي والأموي))، دار النهضة العربيّة، بيروت، لبنان، 1987م، 275

81- داود سلوم، شرح الهاشميات: 62، 63، 64

82- هلال، محمد غنيمي: ((دراسات ونماذج من مذاهب الشعر ونقده))، دار النهضة العربيّة، 1973م، 81

83- داود سلوم، شرح الهاشميات: 13، 14، 18، 20، 21

84- العسكري، الصناعتين: 243

85- داود سلوم، شعر الكميت: 2/50

86- المصدر نفسه: 2/ 69

87- المصدر نفسه: 2/ 146

88- داود سلوم، شرح الهاشميات: 134

89- ابن الأثير، المثل السائر: 314

90- ابن رشيق، العمدة في صناعة الشعر ونقدة: 1/285

91- داود سلوم، شرح الهاشميات: 175

92- المصدر نفسه: 176

93- المصدر نفسه: 49

94- ثعلب، أبو العباس أحمد بن يحيى: ((قواعد الشعر))، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي، القاهرة، مصر، مصطفى بابي، 1928م، 44

95- داود سلوم، شرح الهاشميات:43

96- المصدر نفسه:155

97- المصدر نفسه: 191

المصادر والمراجع

1ـــ آبادي، الفيروزي: ((القاموس المحيط))، مادة صور

2ــــ ابن الأثير، ضياء الدين: ((المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر))، القاهرة، مصر، 1939م

3ـــ الأصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسن: ((الأغانيّ))، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2،1992م

4ـــ البغدادي، عبد القادر بن عمر: ((خزانة الأدب))، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر، "، 1984م

5ــــ بنتو، كروتشه: ((المجمل في فلسفة الفن))، ترجمة سامي البارودي، دار الفكر العربيّ، القاهرة، مصر، 1974م

6 ــــ التطاوي، عبد الله: ((الصورة الفنيّة في شعر مسلم بن الوليد))، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، 1997م

ــــ ثعلب، أبو العباس أحمد بن يحيى: ((قواعد الشعر))، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي، القاهرة، مصر، مصطفى بابي، 1928م

7ــــ الجاحظ، أبو عثمان عمر بن بحر: ((البيان والتبيين))، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت، لبنان

8ــــ الجرجاني علي بن عبد العزيز: ((الوساطة بين المتنبي وخصومه))، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، علي محمد البجاوي، مطبعة الحلبي، ط2، 1966م

9ــــ الجمحي، محمد بن سلاّم: ((طبقات فحول الشعراء))، تحقيق محمود محمد شاكر ، مطبعة المدني، القاهرة، مصر، 1974م

10ــــ الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن: ((سنن الدارمي)، تحقيق فواز أحمد زفرلي وخالد السبع العلمي، دار الكتاب العربيّ، بيروت، لبنان، ط2، 1997م.

11ــــ دملجي، إبراهيم: ((الألوان نظرياً وعملياً))، حلب، سوريا، 1983م.

12ـــ دي لويس، س: ((الصورة الشعريّة))، ترجمة أحمد نصيف الجنابي، مالك ميري، سلمان حسن إبراهيم، مراجعة د. عناد إسماعيل غزوان، دار الرشيد، بغداد، العراق، 1982م.

13ــــ زايد، علي عشري: ((عن بناء القصيدة العربيّة الحديثة))، دار الفصحى للطباعة والنشر، 1979م

14ـــ الزبيدي، السيد محمد مرتضى: ((تاج العروس))، مادة صور.

15ـــ ابن زكريا، أبو الحسن أحمد بن فارس: ((مُعجم مقاييس اللغة))، اعتنى به محمد عوض وفاطمة محمد، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، لبنان، (د: ط) (د: ت) .

16ــــ السكاكي، أبو يعقوب يوسف ابن أبي بكر: ((مفتاح العلوم))،القاهرة، مصر.

17ـــ سلوم، داود: 1_((شرح هاشميات الكُميت بن زيد الأسدي))، بتفسير أبي رياش أحمد بن إبراهيم القيسي، عالم الكتب، 1984م.

: 2_((شعر الكُميت بن زيد الأسدي))، مكتبة الأندلس، بغداد، العراق، (د: ط)، 1969م

18ـــ ابن سيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل: ((المخصص))، دار الفكر، (د: ط)، (د: ت).

19ــــ الصائغ، عبد الآله: ((الخطاب الإبدعي الجاهلي والصورة الفنيّة))، المركز الثقافي العربيّ، بيروت، لبنان، 1997م .

20ــــ ضيف، شوقي: 1ـ((التطور والتجديد في الشعر الأمويّ))، دار المعارف، القاهرة، مصر، 1978م

: 2ـ((العصر الإسلاميّ))، دار المعارف، القاهرة، مصر، ط16، 1995م

21ــــ العسكري، أبو هلال الحسن بن عبدالله بن سهل: ((كتاب الصناعتين، الكتابة والشعر))، تحقيق علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل، المكتبة العصرية، بيروت لبنان.

22ــــ عصفور، جابر أحمد: ((الصورة الفنيّة في التراث النقدي والبلاغي))، دار المعارف، القاهرة، مصر، 1977م.

23ــــ ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم: ((المعارف))،، تحقيق ثروت عكاشة، القاهرة، مصر، ط2، 1969م.

24ـــ القط، عبد القادر: ((في الشعر الإسلامي والأموي))، دار النهضة العربيّة، بيروت، لبنان، 1987م

25ــــ القيرواني، أبو علي الحسن بن رشيق: ((العمدة في محاسن الشعر، وآدابه ونقده))، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، لبنان، 1981م.

26ــــ المرزباني، أبا عبيد الله محمد بن عمران: ((الموشح))، تحقيق محمد علي البجاوي ، نهضة مصر، مصر

27ــــ المرزباني، أبا عبيد الله محمد بن عمران: ((الموشح))، تحقيق محمد علي البجاوي ، مصر.

28ــ مكليش، أرشيبالد: ((الشعر والتجربة))، ترجمة سلمى الخضراء الجيوسي، دار اليقظة العربيّة، بيروت، لبنان، 1963م

29ـ المطلبي، عبد الجبار يوسف: ((مواقف في الأدب والنقد))، دار الرشيد، بغداد، العراق، 1980م

30ـ مطلوب، أحمد: ((معجم المصطلحات البلاغيّة وتطورها))، المجمع العلمي العراقي، 1978،

31ـ ابن منظور، محمد بن مكرم: ((لسان العرب))، مادة صير.

32ـ ناصف، مصطفى: ((الصورة الأدبيّة))، دار الأندلس، ط2، 1981م

33ـ هلال، محمد غنيمي: ((دراسات ونماذج من مذاهب الشعر ونقده))، دار النهضة العربيّة، 1973م.