المادة: فقه الدولة
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon fekeh_dawla 30.doc

الكلام في السلطة التشريعية ونعني بها فريق الشورى الذين تنتخبهم الأمة كأعضاء لهذه السلطة تحت شروط ومواصفات خاصة وتقع عليهم مهمة التصديق على لوائح الحكومة ومقترحات الوزراء وبرامج الدولة بعد تبادل الرأي فيها ودراستها لتقديمها بعد ذلك إلى الحكومة للتنفيذ والتطبيق وهذه السلطة هي التي يصطلح عليها في العلوم السياسية الحديثة بالبرلمان أو المجلس النيابي ولعل التعبير المطابق للآيات والروايات في الحكومة الإسلامية أن يقال مجلس الشورى أو مجلس شورى الأمة وتقتصر مهمة السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس الشورى في التخطيط للبلاد عن طريق التشاور وتبادل وجهات النظر ومدارسة المقترحات والآراء ثم إبلاغ ما يتم التصديق عليه من البرامج إلى السلطة التنفيذية لغرض تطبيقها لكن بشرط أن يكون كل ذلك ضمن إطار الشريعة والقوانين الإسلامية في جميع المجالات.

وقد عرفت مما تقدم أن الحكم والقانون له مراحل ثلاثة مرحلة التشريع والتأسيس وهي مختصة بالباري عز وجل بالأصالة وربما تتفرع إلى الرسول والإمام بالعرض ومرحلة التشخيص وهي للفقهاء العدول ومرحلة التخطيط وهي ترجع إلى المجلس النيابي وهذا الأخير هو الذي يجتمع فيه جماعة من ذوي الاطلاع والاختصاص من ذوي الخبرة ممن يحملون الأهلية والكفاءة للتخطيط لبرامج البلاد بحسب الضوابط الشرعية وهذا هو المستفاد من الآيات والروايات الواردة في مسألة الشورى.

وحيث أن هذا المجلس تتوقف عليه رسم سياسة الدولة والمجتمع وقيادة البلد فإن أصح الطرق وأفضلها إلى إيجاد هذا المجلس هو انتخابه من جانب الأمة إذ أن عمومية حق السيادة لجميع أفراد الأمة تقتضي أن يشترك جميع أبناء الأمة في مثل هذا الانتخاب لتكون السلطة التشريعية منبثقة عن إرادة الأمة بصورة حقيقية وموافقة لرضاها بشكل عام وإنما يجب أن يكون فريق الشورى مختاراً من قبل الأمة جمعاً بين الأدلة وذلك لأن قاعدة سلطنة الناس على أموالهم وأنفسهم تقتضي أن لا يقيم أحد أو جماعة أنفسهم نواب عن الناس دون أن يكون للناس دور في انتخابهم واختيارهم خصوصاً على مبنى النيابة أو الوكالة فإن الوكيل إنما يصح له التصرف في شؤون المتوكل بعد صدور الوكالة عنه والانتخاب نوع توكيل عرفاً وحتى يكون الانتخاب مطابقاً للموازين الشرعية ينبغي ملاحظة المعايير والمواصفات الإسلامية التي يجب توفرها في الانتخاب وفي الناخب إذ ليس للناس في ظل النظام الإسلامي أن ينتخبوا نوابهم ومندوبيهم في طريق الشورى دون مراعاة الشروط والمواصفات الشرعية فانتخابهم وفق الاعتبارات التافهة كالروابط العائلية والعشائرية أو التحالفات السياسية أو المعايير العنصرية أو تحت تأثير المؤثرات الدعائية والإعلامية أو تأثير الأطماع والترغيب المادي ونحو ذلك هذه كلها ليست بمعتبرة شرعاً فإن أهمية فريق الشورى ومدى دورها في تعيين مصير البلاد والشعب يقتضي أن ينتخب الناس نوابهم ومندوبيهم إلى هذا المجلس وفق أسس دقيقة جداً ذكرها الدين الحنيف في نصوصه وحتم على الأمة مراعاتها وعدم التفريط بها ولعل من أهمها أن يكون النائب صالحاً منزها طاهراً عارفاً بأوضاع البلاد ومطلعاً على حاجات الأمة غير جاهل بما يحيط بأمته من أخطار وأوضاع وإلا للزم منه الوقوع في الفساد وارتكاب الظلم والخروج عن الدين في جملة من الموارد وهذا بنفسه من العناوين المحرمة جداً.

وعليه فالقوة التشريعية عبارة عن المجلس الذي تنتخبه الأمة في انتخابات حرة ونزيهة ليمثلوها في جعل القوانين الصالحة المسببة لتطبيق العدالة والمرفهة للناس والحافظة لحقوقهم وبذلك تكون الأمة مسيطرة على مقدرات نفسها بواسطة نوابها إذ أن الأمة غالباً لا تقدر على التشريع المباشر إما للقصور الذاتي في ذلك لعدم قدرتها التامة على تشخيص المصلحة العليا أو الأولويات أو لعدم القدرة على إجراء انتخابات عامة وشاملة في كل قانون من القوانين أو كل لائحة من اللوائح فلذا اقتضى الأمر انتخاب مجلس لوضع هذه القوانين والخطط على رأي المشهور من الساسة في هذا المجال وهناك قول آخر يقابل هذا القول ينتهي إلى إمكان إجراء انتخابات عامة وشاملة في كل القوانين وما أشبه ذلك وذلك لإمكان تشريع الأمة مباشرة بلحاظ أن القوانين المهمة ليست كثيرة فكلما رأت الدولة الصلاح أو رأى المنتخبون الصلاح في سن قانون دعوا الناس إلى الحضور والتجمهر في كل محلة محلة أو كل بلد وبلد خصوصاً في البلاد الصغيرة وأدلوا بآرائهم حول القانون وحينئذ ترفع الآراء إلى مجلس في للأمة ويقرر الأكثر صوتاً وهذا الرأي هو أقرب إلى الإستشارية وأجمع بين الحقوق والأدلة في تسلط الناس على أنفسهم ولكنه من المتعذر إجراءه غالباً إلا في البلدان الصغيرة وكيف كان فإن الكلام في القوة المقننة يستدعي التعرض إلى أمور:

- الأمر الأول: في وحدة مجلس القوة المقننة

أو في تعدده وفيه آراء ثلاثة:

- الرأي الأول: يذهب إلى لزوم وحدة القوة المقننة وذلك لعدم المقتضي من التعدد لعدم الحاجة إليه بعد كفاية المجلس الواحد فإن مجلس الأمة هم نواب للأمة انتخبوا عن إرادتها فقولهم قولها وتشريعهم تشريعها وبعدها لا تبقى حاجة إلى مجلس ثاني وعلى فرض القول بوجود المقتضي فإنه لا مجال للقول بتعدد القوة المقننة لجهة وجود المانع ولذلك لأن تعدد القوة المقننة يوجب التضارب مضافاً إلى استلزامه التسلسل وذلك لأن القول بالحاجة إلى مجلس ثاني للدواعي المذكورة ربما يقال بوجود الدواعي نفسها في مجلس ثالث ورابع وهكذا.

- الرأي الثاني: يذهب إلى لزوم تعدد القوة المقننة وذلك لأن التعدد أضمن للحقوق وأقوى في تطبيق العدالة وأبعد عن الخطأ فيحكم العقل بلزومه ولم يمنع منه الشرع بل يمضيه إذا اختاره الناس لتسلطهم على أنفسهم وعليه فتنتخب الأمة المجلس العام من أهل الشورى والرأي وأما المجلس الثاني فلانتخابه طرق متعددة:

- الطريق الأول: الانتخاب في كلا المجلسين من قبل الأمة لمزيد النضج في التخطيط وفي التشريع حيث يشرف المجلس الثاني على المجلس الأول وإذا خرج من المجلس الأول حكم غير ملائم أوقفه المجلس الثاني وحيث تكون هناك رقابة بين المجلسين تنتهي هذه الرقابة إلى نضج الحكم وبلورته ودراسته بالقدر الكافي كما أن التعدد يمنع من طغيان أحد المجلسين.

- الطريق الثاني: انتخاب المجلس الثاني من قبل السلطة التنفيذية أو من قبل الملك وهو ما ربما يقال عنه بمجلس الأعيان مثلاً وذلك حيث ينتخب أحدهما جماعة من عقلاء القوم وأهل الوجاهة والاعتبار والخبرة ويكون هذا المجلس كالمجلس الاستشاري للسلطة التنفيذية أو الملك أو الحاكم وقد ينتخب بعض هذا المجلس الأمة أيضاً وبعض هذا المجلس السلطة التنفيذية أو الملك بحسب المقرر بينهما وقد يكون بعض أعضاء هذا المجلس بالوراثة لاعتبار مالي أو أسري ونحو ذلك وفي الفقه السياسة قال السيد الشيرازي طاب ثراه قد كان مثل هذا المجلس في العراق قبل حكم الجمهورية فيها كما في بريطانيا وغيرها.

- الطريق الثالث: انتخاب الأمة أو السلطة التنفيذية هذا المجلس الثاني من جماعة من المثقفين أو الحرفيين أو النقابات فمثلاً في يوغوسلافيا مثلاً كان المجلس مركباً من المنتجين وفي إيطاليا كان مركباً من الحرفيين إلى غير ذلك.

- الرأي الثالث: هو التفصيل في المجلس الثاني بين الحكومات المتعددة والتي يحكمها نظام يصطلح عليه بالنظام الفدرالي وبين الحكومات الواحدة ففي الأولى يحتاج الأمر إلى المجلس الثاني إذ لكل حكومة مجلسها النيابي وللكل مجلس آخر يجمع الجميع قد يكون الممثلون فيه حسب أفراد الأمة وقد يكون الممثلون فيه بحسب الحكومات وتعددها فمثلاً في أمريكا خمسون ولاية أو أكثر بقليل ولكل ولاية مجلس برلمان ثم يكون للكل مجلس برلمان مشترك قد يكون لكل ولاية عشرة نواب بالتساوي وقد يكون لكل ولاية بحسب أفرادها فللولاية التي نفوسها عشرة ملايين عدد النواب ضعف الولاية التي نفوسها خمسة ملايين وهكذا.

والظاهر أن الأقرب كما هو مقتضى الجمع بين الأدلة في الدولة الإسلامية هو وجود مجلسين مجلس للأمة ومجلس للفقهاء والخبراء حيث تنتخب الأمة كليهما بأسلوب ملائم لمصالح الإسلام ومصالح المسلمين وهذا ما اختاره السيد الشيرازي طاب ثراه أيضاً في الفقه السياسة وغيره من الفقهاء المعاصرين.

وأما مجلس الأعيان فلا مبرر له وكذا مجلس الحرف ونحوه فإنها جميعاً تتبع مجلس الأمة ويؤخذ الرأي فيهما من الأمة فما قررته يقرر وإلا عد باطلاً.

- الأمر الثاني: لا بد من فصل التقنين عن التنفيذ وإلا استبدت القوة التنفيذية بالتقنين ووضعت القوانين على حسب مشتهياتها ورغباتها وقادت البلد إلى الاستبداد والظلم والتعسف أو ضعفت قوة التقنين وأصبحت هامشاً في الحياة والدولة والمجتمع في أحسن الفروض وهو من شأنه أن يعود بالبلاد إلى الضعف وبالدولة إلى الظلم والاستبداد وذلك لأمور:

- أحدها: قيام التجارب العديدة على أن الاستبداد إنما ينشأ من سيطرة التنفيذ على التقنين أو من جمع القوتين بيد واحدة وفي الحديث الشريف من ملك استأثر وهذا هو الملحوظ في الحكومات الوراثية أو الانقلابات العسكرية أو الجمهورية ذات الحزب الواحد فإن الدكتاتور لا يكون دكتاتوراً إلا إذا جمع التشريع والتنفيذ إذ يصبح مجلس التشريع والتقنين والتخطيط بيده يتصرف فيه كيف يشاء.

- الثاني: شل السلطة التقنينية وذلك لأنّه لو اجتمعت القوتان بيد واحدة أو وقعت تحت تأثير قوة واحدة يكون أمر السلطة التشريعية بيد الحاكم في الغالب في مزاولة نشاطه أو فتحه أو إغلاقه فتشل فاعلية التقنين كلما شرع أو خطط ما لا يصب في خدمة الحاكم فكل تشريع ينتهي إلى مضرة الحاكم أو لا يصب في خدمته أو مصالحه يدعوه إلى إغلاق المجلس أو تعطيله كما فعل ذلك محمد علي شاه والفهلوي الأول بمجلس الأمة في إيران وكذلك كان يفعله أتاتورك في مجلس تركيا وإلى غير ذلك من الأمثلة القديمة والمعاصرة.

- الثالث: تعريض المقننين للخوف والإرهاب من قبل السلطة التنفيذية وذلك إذا لم تكن حصانة للقوة المشرعة التي تعطيها نوعاً من الاستقلال تتمكن القوة التنفيذية من عقوبة كل عضو ينتقد الدولة أو يصر على وضع قانون لصالح الأمة وللحد من نشاطات المستبدين والأمثلة كثيرة في معاقبة الدولة الدكتاتورية للأعضاء أو تهديديهم بالفصل من الوظائف والأعمال حيث تجعل ذلك سيفاً مسلطاً على العضو التشريعي والعضو خوفاً من قطع راتبه أو فقدان عمله لا يجرؤ على التشريع أو الاقتراح الذي لا ترضى به الدولة ولذا جاءت بعض نصوص القانون على حظر الجمع بين الوظيفتين لأعضاء البرلمان حيث يهدد ذلك استقلاله في إبداء الرأي وتشريع القانون كما قررت بعض القوانين استقلال المجلس التشريعي في نشر أخباره بمختلف وسائل الإعلام حيث لا حق في السلطة التنفيذية في الوقوف دون ذلك كما قررت بعض القوانين لمزيد الاستقلال والإنتاج مجانبة أعضاء البرلمان لكل نوع من أنواع العمل لأن ذلك قد وجب نقص الاستقلال حيث أن طرف العمل يمكنه الضغط على العضو فيكون ذلك من وسائل الدولة على الأعضاء كما قررت للنائب راتباً من بيت المال لإعطاء الفقراء فرصهم للترشيح في النيابة بعد أن كان الفقر يمنعهم من ذلك وللوقوف أيضاً أمام استبداد الأغنياء وأهل الثروة بمجالس التشريع.

ويدل على استقلال المجلس أدلة الوكالة والسلطنة نعم الظاهر أنه لا مانع من جمع العضو بين العضوية والوظيفة ولا حق للدولة في إقالته إلا بسبب مشروع يقبله المجلس وأما إذا كان عمله الآخر ينافي نيابته عن الأمة فاللازم أن يترك أحدهما لأنه حر في انتخابه لأي العملين كما أن الأمة حرة في إبقاءه أو إقالته أما الراتب من بيت المال فيصح له ذلك لأنه من مصاديق سبيل الله وما ورد أيضاً في ارتزاق القاضي من بيت المال لوحدة الملاك بينهما أو فهماً لعدم الخصوصية أو لعدم فهم الخصوصية كما فصله الفقهاء في كتاب القضاء.

- الأمر الثالث: في شؤون الأقليات إذ قد يضم مجلس الشورى الأقليات وهي على قسمين الأقلية الدينية أو العرقية ونحوهما والأقلية السياسية.

والمراد من الأقلية الدينية من دخل في حماية الإسلام والمسلمين من غير المسلمين من أهل الذمة وهو ما يصطلح عليه بالأقلية أو بالذمي وهؤلاء لهم الحرية في دينهم وفي معتقداتهم إذ لا إكراه في الدين ولكم دينكم ولي ديني ولهم الحرية في ممارسة شعائرهم وطقوسهم إذا لم يظهروا المناكير في البلد الإسلامي ويخرق العفة العامة ويحق لهم أن يراجعوا قضاتهم أو قضاتنا وأحوالهم الشخصية تجري بحسب ما عندهم في دينهم من قوانين ومن التزامات فلا يجبرون على اتباع فقهنا وينطبق عليهم قانون ألزموهم بما التزموا به كما ولهم الحق في انتخاب نوابهم في مجلس الأمة لكن ليس لهم إلا حق التصرف أو التخطيط في شؤون موكليهم من غير المسلمين كما لهم المطالبة بما هو حقهم في الدولة الإسلامية من حفظ النفوس والأموال والأعراض وما جعل الإسلام لهم من حقوق في قبال ما يؤخذ منهم من الأموال وأما الأقلية العرقية ونحوها فإن كانت من المسلمين فلهم ما للمسلمين من الحقوق والواجبات بلا تفاوت بين الألوان واللغات والقوميات ونحوها وأما الأقلية السياسية فهي في مقابل الأكثرية التي قد تختلف في الرأي أو في رسم الخطط أو تعيين الأهداف مع أنهم جميعاً من المسلمين فهي ما يصطلح عليه بتجمع الأقلية سواء كانت كتل برلمانية أو أحزاب ونحوها فلهم حق النقد والاجتهاد والمعارضة ما دامت في إطار موازين العقل والشرع بل إذا قصدوا في ذلك رضا الله عز وجل ومصالح المسلمين نالوا بذلكم الأجر والثواب كما قال (عليه السلام) الدين النصيحة وربما يكون من الواجبات عليهم إذا دخل في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو إرشاد الجاهل وتنبيه الغافل وغيرها من عناوين الوجوب وربما يكون من المستحبات إذا انطبق عليه المعاونة على البر والتقوى والمشورة وما أشبه ذلك وفي الحديث الشريف عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أيها الناس أشيروا علي وفي الحديث الشريف عنهم (عليهم السلام) خير الأخوان من أهدى إلي عيوبي إلى غير ذلك من الأدلة ولا يخفى أن الحقوق المذكورة هي ثابتة للأفراد أيضاً إذ يحق لهم النقد وإبداء النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ لا تختص هذه الحقوق بالأقليات السياسية لإطلاق الأدلة.

- الأمر الرابع: ربما يقال بوجوب أن يكون في داخل مجلس الأمة تجمعات وكتل في مختلف الشؤون والمجالات وذلك لوجوب حفظ المصالح وتطبيق العدالة وضمان الحرية وعدم الاستبداد وتنقسم التجمعات في تصنيفها الأولي إلى قسمين:

- القسم الأول: تجمعات دائمة أمثال الكتلة الاقتصادية والكتلة الثقافية والكتلة السياسية وما أشبه ذلك.

- الثاني: تجمعات غير دائمة وتلك تنشأ في ظروف الأحداث الصعبة أو الكوارث أو الحروب أو الأزمات.

والواجب على المجلس أن يجمع حول نفسه المثقفين وذوي الاختصاص والخبرة لأن ذلك من مقدمات الواجب الذي لا يقوم إلا به كما أنه مقتضى الأمانة وحفظها بعد ثقة الأمة وانتخابها لأعضائها وممثليها في مثل هذه المجالس وعليه فإنه إذا توقف حفظ حرية البلد وحفظ أمانة الأمة وتقديمها إلى الأمام إذا توقف على التكتلات والتجمعات المختلفة واستشارة أهل الرأي والاختصاص وجب ذلك لهذه الملاكات الشرعية والعقلية.

- الأمر الخامس: المرجع في مناقشة الآراء إلى أهل الخبرة والترجيح في مقام العمل عند الاختلاف يتم عبر طرق:

- الأول: الإقناع والاقتناع بينهما والتوافق على رأي واحد.

- الثاني: تنازل أحد الطرفين أو بعض الأطراف وانسحابه عن رأيه.

- الثالث: إمكان الجمع بين القولين إما بالأخذ بكلا القولين بلا تعارض أو تنافي أو أضرار بالغة الأهمية أو راجحة على مصلحة الجمع خذ به لأن الجمع مهما أمكن أولى من الطرح.

- الرابع: الأخذ بالقول الذي رجحته الأكثرية.

­- الخامس: الأخذ بالقول الذي رجحته الأقلية.

­- السادس: الإعراض نكلا القولين والأخذ برأي ثالث أو عدم الأخذ برأي المطلقة ولا إشكال في لزوم العمل بالتوافق لو تحقق لأنه من صغريات المجمع عليه وكذا في صورة إمكان الجمع بين الأقوال لأنه مقتضى الجمع بين الحقين كما لا إشكال في لزوم الأخذ بالأكثرية ما دام الجمع غير ممكن للابدية العقلية في الترجيح ومنافاة الترجيح للأقلية على الأكثرية للحكمة واستلزامها نقض الغرض وأما الإعراض عن كلا القولين فهو واضح البطلان لأنه استبداد وخلاف مقتضى الشورى وبه يعرف وجه البطلان في عدم الأخذ برأي المطلقة. وأما الطريق الثاني فإن كان الانسحاب للأقلية ترجحت الأكثرية لوجود المقتضي وانعدام المانع وأما إذا انسحبت الأكثرية فلا مجال لتقديم الأقلية عليها لأنه ترجيح للمرجوح على الراجح هذا في صورة الانسحاب القهري وأما في صورة الانسحاب عن قناعة فلا إشكال في جواز تقديم الأقلية حينئذ مطلقة لانتهائه إلى التوافق والإجماع ولا يخفى أن الضرورة والوجدان الاستقرائي يشهدان لوقوع الاختلاف بين الآراء في موارد الشورى وبينها على نحو الأكثرية والأقلية غالباً وقل ما يقع التساوي ومع ذلك ففي هذه الصورة يمكن الأخذ بمقام العمل بأحد المرجحات:

 الأول التخيير، الثاني القرعة لأنها لكل أمر مشكل الثالث جعل نصاب المجلس فردياً من حيث عدد الأعضاء لترتفع حالة المساواة دائماً والطريق الأول عقلي والثاني شرعي بناء على إطلاق حجية القرعة حتى في غير موارد عمل الأصحاب والثالث عقلائية إلا أن الأقوى هو الثالث لأنه يرفع الإشكال في موضوع القرعة كما يرفع التساوي في حكم العقل فلا يبقى معه موضوع بحكم العقل أو الشرع وعليه فالطريق العقلائي وارد على الطريق العقلي والشرعي بالورود الأصولي أي أنه رافع لموضوعهما وهذا مما لا إشكال فيه وإنما الإشكال في جهة ترجيح الأقلية على الأكثرية شرعاً أو عقلاً فإن الذي يتتبع الآيات والروايات يجب ورود الذنب كثيراً للأكثرية الأمر الذي يسقطها عن الاعتبار فكيف تتخذ حجة في ترجيح الأصوات والآراء في المجالس ونحوها والجواب عن ذلك يستدعي البحث في أمرين:

- أحدهما: مناقشة ما ورد في القرآن الكريم من آيات في ذم الأكثرية.

- ثانيهما: في جواز اتباع نظام الأكثرية في إقرار القرارات والتوصيات والتصويبات في اللوائح القانونية أما الأول فالذي يستقرأ الآيات الشريفة يجد أن ما ورد منها في ذم الأكثرية على أصناف مختلفة سنتعرض إليها في البحث القادم إن شاء الله تبارك وتعالى.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين..