المادة: البلاغة
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 006.doc

 أقسامها:

تنشطر الفكرة المعترضة إلى قسمين:

1- مباشرة:

ويُقصد بها أن تجيء الفكرة المعترضة على شكل عبارة خاصّة تقع وسط الجملة أو الجمل وتشطرها إلى قسمين، مثل قوله تعالى على لسان الكافرين: (أوْ تُسقِطَ السَّماءَ ـ كَمَا زَعَمْتَ ـ عَلَيْنَا كِسَفاً) حيث شطرت العبارة المعترضة جملة (أو تسقط السماء علينا كسفاً) إلى قسمين (تسقط السّماء) و(علينا كسفاً).

ومثل قولِه تعالى مخاطباً الشّيطان: (وَعِدْهُمْ ـ وَمَا يَعِدُهُم الشَّيطانُ إلاّ غُرُوراً ـ إنَّ عِبَادي لَيْسَ لكَ عَلَيْهمْ سُلْطَان) حيث شطرت العِبارَة المعترضة جملتين (وعدهم) و(إنَّ عبادي ليس لك عليهم سلطان) إلى قسمين تتوسطها الجملة المعترضة (وما يعدهم الشيطان إلاّ غروراً)...

2- غير مباشرة:

ويُقصد بها أنْ تجيء الفكرة المعترضة على شكل موضوع طارئ لا علاقةَ لَه في الظاهر بموضوع النَّص الأصلي(1) بحيث تقطع هذه الأفكار الطّارئة سلسلة الموضوعات، مثل الفكرة المعترضة القائلة: (إنَّما يُرِيْدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) حيث كان النص يتحدّث عن نساء النَّبي (صلى الله عليه وآله) (وَقَرْن فِي بُيُوْتِكُنَّ...) ثمّ قطع النّص سلسلة حديثه عن نساء النّبيّ (صلى الله عليه وآله)، وأورد العبارة المذكورة، ثم عاد إلى الموضوع الأوّل، وتابع سلسلة الموضوعات بقوله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ...)

وهذا النّمط الآخر من الأفكار المعترضة ينشطر إلى قسمين:

1- فكرة طارئة لا علاقة لها ملحوظة بموضوع النّص: مثل آيتي (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالْصَلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا للهِ    قَانِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أوْ رُكْباناً فإذا أمِنْتُمْ فَاذْكُروا اللهَ كَما عَلّمَكُمْ...) حيث وردت هاتان الآيتان وسط جملة آيات تتحدّث عن الطلاق فيما لا تلحظ أيّة علاقة مباشرة بين الصّلاة والطلاق، إلاّ أنّ النص قطع سلسلة حديثه عن الطّلاق وأوردآيتي الصلاة ثم عاد إلى الموضوع من جديد أو استكمل حديثه عن الطّلاق، ليلفت النّظر إلى أهميّة    الصلاة (2).

2ـ فكرة طارئة ذات علاقة ملحوظة بموضوع النص.

وهي على نمطين أيضاً:

1- علاقة بعيدة:

ومثالها فكرة (التطهير) وعلاقتها بزوجات النّبي (صلى الله عليه وآله). فالحديث عن النّبي (صلى الله عليه وآله) وزوجاته يجسّد حديثاً عن أحد أشكال الأنظمة الاجتماعيّة وهو: (الوحدة الأُسريّة) ويجسّد حديثاً عَنْ (الممارسات العباديّة)... وهذه الوحدة الأُسريّة وممارساتها العباديّة (تتداعى) بالذهن إلى وحدة أُسريّة (أوسع نطاقاً) من حيث البعد النسبي أو العبادي... فسعة النطاق النسبي تتمثل في شموله للبنت والحفيدين والصهر (علي، الزهراء، الحسن، الحسين، عليهم السلام) وسعة النّطاق العبادي تتمثّل في قضيّة (التطهير) بصفتها أرْقى المستويات العباديّة (مفهوم العصمة) بالقياس إلى مجرّد القرار في البيت أو عدم التبرّج أو طاعة الرّسول (صلى الله عليه وآله) أو الصلاة أو الزكاة أو التلاوة إلى آخره...

2- علاقة قريبة:

ومثالها آية (وَإذَا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإنّي قَرِيْبٌ أُجِيْبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ فَليَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤمِنُوا...) حيث وردت هذه الآية وسط آيات تتحدّث عن الصيام. ومن المعلوم أنّ هناك علاقة محكمة بين شهر رمضان وبين خصوصيّة الدعاء فيه بالقياس إلى غيره من الشهور، حيث (يتداعى) الذّهن من ظاهرة شهر رمضان والصوم وما يرتبط به من القدسيّة والأحكام، إلى ظاهرة الدُّعاء وإجابته.

المهم أنّ هذا النمط من التداعي الذّهني (القريب) وكذلك التداعي الذهني (البعيد)، يفسّر لنا جانباً من المسوّغات الفنّية للفكرة المعترضة(3).

ما تقدّم، يتّصل بأقسام الفكرة المعترضة...

وأمّا ما يتّصل بصياغتها، فندرجه ضمن عنوان:

 موقعها:

الموقع الذي تحتلّه الفكرة المعترضة هو (الوسط)، سواء أكان ذلك وسطاً بين الجُملة الواحدة أم الفقرة أم المقاطع، لأنَّ طبيعة الاعتراض تتمثّل في كونها تقطع سلسلة الحديث لتستكمل بعد ذلك، وهذا لا يحدث إلاّ في الوسط.

ولكن من الممكن أنْ تتقدّم أو تتأخّر الفكرة المعترضة في سياقات خاصّة فترد في البداية أو النهاية.

ويحسن بنا أنْ نعرض للمواقع الثلاثة المشار إليها...

1- الوسط:

وهذا من نحو: (وإنّه لَقَسَمٌ ـ لَوْ تَعْلَمُونَ ـ عَظِيْمٌ).

ونحو: (قال فالحقّ ـ والحقّ أقولُ ـ لأملأنّ جهنّم..)

2- البداية:

وهذا من نحو قوله تعالى: (فَوَسْوَسَ إلَيْهِ الشَّيْطَانُ، قَالَ:)

فالجملة أو الفكرة المعترضة هنا هي جملة (فوسوس...) وموقعها الأصلي هو الوسط، أي بعد كلمة (قال) لأنّ الأصل فيها هو مثلاً (قال الشيطان ـ وهو يوسوس له ـ هل أدُلّك...)

إلاّ أنّ النّص (قدّم) هذه الجملة المعترضة لنكتة بلاغيّة هي: التأكيد على الوسوسة الشيطانيّة بصفتها ذات نتائج في غاية الخطورة والأهميّة، حيث ترتّبت على هذه الوسوسة: إخراجهُ (عليه السلام) من الجنّة، ولذلك (قدّم) هذه الجملة المعترضة (وسوسة الشيطان) تعبيراً عن خطورتها المشار إليها... وإلاّ ففي الحالات الأخرى نجد أنّ الجملة المعترضة (في المحاورات بخاصّة)(4) تقع في الوسط مثل قوله تعالى: (فَقَالَ لِصَاحِبِه ـ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ـ أنا أكثَرُ مِنْكَ مالاً).

3- النهاية:

مثل قوله تعالى: (وكذّب به قومك ـ وهو الحق) حيث أنّ الفكرة المعترضة (وهو الحق) قد اعترضت (التكذيب للقرآن)، فيما يكون موقعها الأصلي هو بعد كلمة (به) لأنّ الضمير عائد إلى القرآن والتعليق على القرآن ينبغي أنْ يجيء بعده مباشرة، أي بعد كلمة (به)، إلاّ أنّ النص (أخّره) كما لحظنا لنكتة بلاغية هي أنّ النصّ يستهدف التأكيد على مدى الانحراف الذي يطبع القوم، لذلك نجد في موقع آخر من القرآن ورود الجملة الاعتراضيّة (وهو الحق) مباشرة بعد ذكر القرآن مثل قوله تعالى: (والذين آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ وآمنوا بِمَا نُزّلَ على مُحَمَّدٍ ـ وَهُوَ الحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ـ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ)...

ما تقدّم يتصل بمستويات العنصر الفكري، من حيث الفكرة المعترضة والثّابتة، ومن حيث تعدّد الفكرة وتوحّدها، ومن حيث الفكرة الرئيسة والثانويّة، إلى آخره...

وأمّا ما يرتبط بأسلوب طرحه أي: طرح العنصر الفكري من حيث الأساليب الفنيّة فندرجه ضمن عنوان:

صياغته:

المقصود بالصياغة هو: الأسلوب الذي يتحدّد من خلاله طرح العنصر الفكري في النّص، حيث يمكن أنْ تحدّد له ثلاثة أساليب، هي:

1- الأسلوب المباشر:

ويُقصد به أنّ (فكرة النص) تُطرح بصورة مباشرة من خلال الألفاظ الدّالة عليها مثل قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الذينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الذينَ هُمْ يُراءُون).

فالنص هنا، قد طرح فكرة المحافظة على الصلوات في أوقاتها، وفكرة عدم الرياء فيها: طرحها مباشرة من خلال الألفاظ الدّالة على ذلك، بحيث لا نحتاج إلى أعمال الذهن فيها لنستخلص الفكرة فيها.

وهذا الأسلوب يتمّ على نمطين:

1- أنْ يتمّ من خلال التعليق الذي يصدر عن صاحب النّص، كالنّموذج المتقدّم.

2- أن يتمّ من خلال لسان آخر، وهذا من نحو قولِه على لسان أحد ابني آدم: (لَئِنْ بَسَطْتَ إليَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ لأقْتُلَكَ إنِّي أخافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِيْنَ)، حيث إنّ الفكرة القائلة بوجوب الخوف من اللهِ تعالى، وعدم جواز القتل، قد جاءت من خلال المحاورة التي صدرت من الشخصية المذكورة(5).

وهذا على العكس من أسلوب آخر، هو:

2ـ الأسلوب غير المباشر:

ويُقصد به أنّ (فكرة النص) تُطرح بنحو خفيّ، بحيث لا يدركها القارئ إلاّ بعد إعمال الذّهن فيها، لأنّ التعبير المستخدم فيها لا يُشير مباشرة إلى الفكرة. وهذا من نحو قوله تعالى: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِيْنَةِ امرَأة الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ، قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً، إنّا لَنَراهَا فِي ضَلالٍ مُبِيْنٍ).

فالقارئ ـ مِن حيث النّظر ابتداءً ـ يستخلص فكرة تقول: بشيوع الخبر في المدينة، ولغط النسوة به، وإنكارهنَّ هذا السلوك... إلاّ أنّنا بعد أنْ نمعن النظر إلى هذا الجانب نجد أنّ هناك أكثر من (فكرة يتضمّنها هذا النّص)، منها: الغيرة مثلاً، ومنها: الفضول مثلاً، ومنها: التعجيل في اللّوم، أو على العكس، من الممكن أنْ يستخلص المتلقّي من ذلك نظافة النّسوة وإخلاصهنّ من خلال إنكارهنّ للعمل المذكور، إلاّ أنّ تقطيعهنّ الأيدي عند مرور يوسف عليهنَّ، لا يساعد على هذا الاستنتاج الأخير بقدر ما يعزز الاستنتاج الأوّل وهو الغيرة والفضول ونحو ذلك، أو على الأقل يكشف عن الفكرة القائلة بضعف الإنسان حيال المنبَّهات القويّة وإنّ ما يلوم به الآخرين يقع فيه أيضاً، إلاّ أنّ الاستنتاج الأوّل يظلُّ هو الأكثر صواباً بدليل أنّه تعالى وصفهنّ بالمكر (فَلَمّا سَمِعْتَ بِمَكْرِهِنَّ)...

والمهم في الحالات جميعاً أنّ هذه الفكرة لم يطرحها النّص بصورة مباشرة، بل استخلصها المتلقّي بالنّحو الذي ذكرناه.

3ـ الأسلوب المزدوج:

ويُقصد به أنْ تكون الفكرة المطروحة في النص يُكتشف بعضُ أجزائها بصورة مباشرة، ويُكتشف بعض أجزائها الأخرى بصورة غير مباشرة، ومثال ذلك: قضيّة يوسف (عليه السلام) مع امرأة العزيز في حادثة عدم مطاوعته لها، حيث أنّ القارئ يكتشف فكرتها ـ في جانب منها ـ بوضوح من خلال الألفاظ الدّالة على ذلك مثل: الاستعاذة بالله تعالى (قَالَ مَعَاذَ اللهِ)، عدم فلاح الظّالِمْ (إنّه لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ) إلى آخرهِ، إلاّ أنّ هناك أفكاراً يكتشفها القارئ بصورة غير مباشرة مثل: عدم نظافة امرأة العزيز، إلحاح الدّافع الجنسي عند المرأة، عدم تورعها في إلحاق الأذى بالشخص إرضاءً لشهواتها... إلى آخره.

ـــــــــــــ

الهامش

(1)- سنوضح لاحقاً العلاقة الخفية بين الموضوع الطارئ وبين الموضوع الأصلي للنص، ونكرّر الإشارة إلى أن الهدف ... والم الفكرة الطارئة: هو لفت النظر إلى أهمية الفكرة المشار إليها، وإن هذا الأسلوب قد اهتدت الآداب المعاصرة إلى أهميته مؤخّراً.

(2)- بالرغم من ملاحظة عدم علاقة مباشرة بين الموضوعين (الطلاق والصلاة)، إلآ أن هناك علاقة (عضوية) بينهما تتصل بعمارة السورة الكريمة... ويمكن للقارئ أن يلاحظ هذا الجانب في دراستنا (دراسات: في عمارة السورة القرآنية): سورة البقرة: القسم السادس.

(3)- التداعي الذهني (كما هو ملاحظ في الدراسات النفسية المعاصرة) يتم وفق أشكال متنوعة، إلا أن أشدها لصوقاً بتجارب الشخصية، يتم وفق الشكلين المتقدمين.

(4)- المعروف في صياغة (الحوار) القصصي الذي يخضع للفكرة أو الجملة المعترضة نمطان من التعليق: أن يتقدم التعليق على قول البطل (وهو وصف حالته العقلية والنفسية أو الجسمية مثل: (فوسوس إليه ـ قال:) أو يتأخر عنه، مثل: (قال لصاحبه ـ وهو يحاوره ـ ). والأمر نفسه بالنسبة إلى التعليق على سلوكه مثل: (وجاء إليه قومه يهرعون ـ ومن قبل كانوا يعملون السيئات:) حيث جاء التعليق متأخراً.

(5)- للوقوف على تفصيلات (العنصر الحواري) يلحظ عنوان (المحاورة والسّرد) في الفصل الخاص بـ(العنصر اللّفظي).