المادة: البلاغة
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 039.doc

بسم الله الرحمن الرحيم

لا نزال نحدثكم في محاضرتنا الحالية عن السورة القرآنية الكريمة بصفتها أحد الأشكال الأدبية التي نواصل حديثنا عن التعريف بمستويات السورة من حيث الهيكل الخارجي والداخلي لها من الزاوية الفنية، وقد سبق أن حدثناكم عن السورة القصصية الكريمة وبعد ذلك حدثناكم عن السورة من حيث العنصر الصوري منها حيث أوضحنا أن كلاً من العنصر القصصي والصوري يوظف كل واحد من هذين العنصرين لإنارة الدلالة التي تستهدفها السورة الكريمة وها نحن نواصل الآن حديثنا عن الجانب الصوري، حيث حدثناكم في محاضرة سابقة عن العنصر الصوري وبدأنا الحديث عن ذلك بتعريف الصورة أولاً وبتحديد أهميتها ثم استشهدنا ببعض النماذج منها ووقفنا عند الصورة المفردة والمكثفة وفصلنا الحديث عن الصورة المكثفة ومستوياتها وأنماطها حيث حدثناكم عن كل من الصورة التوضيحية والصورة التفريعية وأما الآن فنحدثكم عن باقي الصور و في مقدمتها الصورة المتداخلة ثم الصورة التمثيلية...الخ، على أية حال نبدأ الآن فنتحدث عن الصورة المتداخلة، إن هذا النمط من التركيب الصوري ألمحنا إلى جانب منه بشكل عابر جداً عند حديثنا عن التركيب الصوري ولكننا نتحدث الآن بشيء من التفصيل عنه ما دمنا نتحدث عن الصورة في النص القرآني الكريم متمثلاً في السورة الكريمة، إن الصورة المتداخلة تعني أنها متميزة بطابع خاص له إثارته ودهشته الفنية الملحوظة، وهذا النمط من التركيب كما ستلاحظون يعتمد التركيب الصوري فيه على تركيب بداخله أيضاً وذلك في صياغة الصورة بنحو عام بحيث تصبح الصورة إزدواجية في تركيبتها ويمكننا أن نقدم لكم مثالاً قرآنياً واضحاً في هذا الميدان وهو قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: يا أيها الذي آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شيء...الخ، هنا نلاحظ أن الطرف الآخر من الصورة التي تتركب من ظاهرتين هما الصدقة المشفوعة بالمن، لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ثم الإنفاق على نحو الرياء، كالذي ينفق ماله رئاء الناس، وهذا الطرف الأخير أي المشبه به في المثال المتقدم يعتمد بدوره على طرف آخر أي مشبه به آخر في تركيب الصورة  ألا وهو قوله تعالى بعد ذلك فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً، لاحظوا كيف أن هذا الطرف الأخير أي الطرف القائل كالذي ينفق ماله رئاء الناس، هذا الطرف يعتمد بدوره على طرف آخر أي مشبه به آخر في تركيب الصورة وهي العبارة القائلة فمثله كمثل صفوان عليه تراب...، بحيث تلاحظون كما قلنا أن هذا الطرف الآخر يكون ازدواجي التركيب فالمألوف في صورة أن تكون المقارنة ذاتها موضع مقارنة أخرى أيضاً وهذا من الدهشة الفنية بمكان وهو ما نلحظه في الصورة المركبة المشار إليها فالآية المذكورة كما لاحظتم تقول لا تبطلوا هذا الإنفاق منكم بالمن كالشخص الذي أو كالمرائي الذي يبطل إنفاقه من خلال الرياء، ثم تقول الآية إن المن والرياء كليهما يشبه الحجر الأملس الذي يعلوه التراب فيصيبه المطر فيجعله صلداً قد أزيح التراب عنه حيث لا يمكن إعادة التراب إليه بعد الإزاحة المذكورة، ترى ماذا هذا يعني إن هذا يعني أن التشبيه قد اعتمد على تشبيه مثله في صياغة الظاهرة وهو أمر ملفت للنظر بما ينطوي عليه مثل هذا التركيب من دهشة وطرافة وإثارة فنية بالغة الدلالة هنا لعلكم تتسائلون عن المسوغ الفني لهذا النمط من التركيب وحينئذٍ نجيب عن السؤال المتقدم فنقول إن المسوغ الفني لهذا النمط من التركيب عائد لطبيعة السياق الذي ترد الصورة خلاله، نؤكد ونلفت نظركم دائماً إلى أننا عندما تحدثنا عن العنصر القصصي تحدثنا عن كونه يرد في سياق السورة الكريمة التي تستهدف دلالة خاصة وهكذا بالنسبة إلى حديثنا عن العنصر القصصي،  نظل قائلين أبداً ودواماً إن أية صورة إنما تجيء في سياق الدلالة التي تستهدفها السورة وتكون الصورة موظفة للدلالة المذكورة، وهذا ما يمكنكم أن تلاحظوه بالنسبة إلى الصورة التي نحن بصددها حيث وردت في سياق مقطع كبير في سورة البقرة حيث خصص هذا المقطع للحديث عن الإنفاق ومستوياته عبر آيات تحوم على هذا الجانب مشددة في أن يكون الإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى فحسب دون أن تشوبه أية رائحة من الذات حتى أنها قضت بأن عدم الإنفاق مصحوباً بالكلام الحسن أفضل من الإنفاق مصحوباً بالمن والأذى، حينئذٍ فإن مثل هذا الموقف يستدعي الركون ليس إلى تركيب صوري يقارن بين المن والرياء فحسب بل إلى   تركيب يزاوج بين المن و الرياء من جانب وبين عملية الحجر الذي أصابه وابل من جانب آخر بحيث تتأدى جملة من الوظائف الفنية من خلال مثل هذا التركيب ومن جملة ذلك أن الرياء وهو أشد الممارسات مفارقة وبطلاناً للعمل العبادي حينما يقارن بالإنفاق المصحوب بالمن إنما يعمق من قناعة المتلقي بخطورة هذه المفارقة بصفة أن المقارنة أو تشبيه شيء بآخر إنما يتم من خلال كون الشيء الآخر أكثر مفارقة أو مماثلاً له، ولذلك ما أن أتم التركيب الأول هذه الصياغة المفصحة عن خطورة الإنفاق المصحوب بالمن حتى أردفها بصياغة صورة تضع كلاً منهما أي الإنفاق المصحوب بالمن ثم الرياء تضعهما في عرض أو صعيد واحد أو مماثل حينما قارنت بينهما وبين الحجر الأملس الذي يعلوه التراب فيصيبه وابل فيترك ذلك صلداً، إذا أمكننا أن ندرك أهمية الصورة الإزدواجية أو المتداخلة من حيث المسوغ الفني لها وتميز ذلك عن التراكيب الصورية الأخرى التي تقدم الحديث عنها ومن ذلك نكون قد انتهينا من حديثنا عن هذه الصورة، نتقدم الآن ونحدثكم عن الصورة الأخرى ألا وهي ما أسميناها الصورة التمثيلية، طبيعياً الصورة التمثيلية هنا تختلف في مصطلحها عن الصورة التمثيلية التي حدثناكم عنها عبر حديثنا عن العنصر الصوري فالصورة التمثيلية هناك قلنا فيها أن تجسد أحداث علاقة بين طرفين بحيث يكون أحدهما تجسيماً للطرف الآخر أما الصورة التمثيلية التي بقصدها الآن، نقصد بها الصورة المركبة القائمة على حكاية ذات طابع قصصي ويمكننا في الواقع أن نسميها بالصورة الحكائية أو الصورة القصصية فنقول المقصود بالصورة الحكائية هي الصورة المركبة القائمة على حكاية ذات طابع قصصي واقعي أو مفترض لا تتجاوز نطاق البطل الواحد أو الحادثة المفردة العابرة وهذا من نحو قوله تعالى عبر السورة الآتية التي تفترض حادثة وتفترض بطلاً بهذا النحو، بسم الله الرحمن الرحيم: أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت...الخ، إن هذه الصورة وردت في سياق الحديث عن الإنفاق أيضاً وبدلاً من أن تتصدر الطرف الآخر أداة تشبيه أو تمثيل، بدلاً من ذلك جاءت الحكاية مباشرة لتشير إلى الطرف المذكور، الحكاية هنا من الوضوح بمكان كما تلاحظون ذلك فهذه الحكاية تفترض وجود بطل يمتلك مزرعة من نخيل وأعناب، هذه المزرعة ذات أنهار جارية إنها ذات ثمر من جميع الأنواع وأصاب البطل الكبر وهو ذو ذرية ضعفاء فجأة نشاهد أن المزرعة وقد اكتسحها الإعصار والإعصار فيه نار فتحترق المزرعة، هنا من البين أن هذه الحادثة الحكائية يسمها طابع الأقصوصة بما ينتظمها من بطل رئيسي هو صاحب المزرعة وبما ينتظمها من أبطال ثانويين هم الذرية وبما ينظمها من وجود حادثة وهي الإعصار ووجود بيئة وهي المزرعة وبما تواكبها من أداة الصياغة القصصية مثل عنصر المفاجأة وعملية احتراق المزرعة، وهذا يعني أن عنصر المقارنة تشبيهاً واستعارةً أو رمزاً أو مطلق الصورة الفنية قد اعتمد الحكاية أو الأقصوصة بدلاً من أداة التشبيه أو الاستعارة أو الرمز...الخ، هنا بطبيعة الحال يمكنكم أن تتسائلوا عن المسوغ الفني لإيراد مثل هذه الحكاية بدلاً من الصورة التشبيهية أو الاستعارية...الخ، نقول ثمة مسوغ فني لأن تصاغ الصورة حكاية بدلاً من مجرد التركيب لظواهر عامة، ففضلاً عن جمالية هذا النمط من التركيب الصوري الذي يعتمد الحكاية عنصر مقارنة أو مزاوجة نجد أن الأقصوصة أو الحكاية لها وظيفتها المتميزة في التعبير عن الظاهرة المبحوث عنها، فسواء أكان الهدف منها إبراز الندم الذي يصدر عن المرائي مثلاً أم المنغمس في متاع الحياة الدنيا أو غيرهما فإن المهم إبراز المفهوم المشار إليه أي الندم، طالما نعرف بأن من الندم ما ينحصر في اشباعات غير ضرورية ومنه ما يتلافى مثلاً ولكن من الظواهر ما لا يحتمل الندم عليها بل يضل التمزق والانسحاق والانشطار النفسي يلاحق الشخص كالحكاية التي افترضتها الصورة الفنية التي نحن بصددها، إن المزرعة كما تلاحظون هي المصدر الوحيد للشخص المشار إليه بحيث يتوقف عليها تأمين جميع حاجاته الرئيسة كالمطعم والملبس والمسكن، وحاجاته الثانوية في مختلف مستوياتها، من الممكن مثلاً لذريته لو كانوا كباراً أن يتولوا نفقته ونفقتهم، ولكن بما أنه قد كبر دون أن يستطيع أن يعمل شيئاً ما كما أنه مسؤول عن ذرية ضعفاء لا حيلة لهم في العمل، حينئذ فإن تأمين حاجته من جانب وتأمين حجة الذرية من جانب آخر يضل من الأمور التي لا يمكن أن تتلافى وهذا مما يستدعي وقوع الشخص في صراع وتمزق لا حدود لهما، طالما لا يسعفه التحسر أو الندم على ما أصاب مزرعته من الاحتراق، إذاً سرد مثل هذه الحكاية أو الأقصوصة ينطوي على مهمة فنية في غاية الخطورة حينما تصاغ في تركيب صوري يستهدف لفت النظر إلى الندم والحسرات التي تلحق الشخصية في اليوم الآخر عندما يجد أن المتاع الدنيوي الذي غرق فيه قد ا نحسر تماماً حيث لا ينفعه الندم على ما فاته من التقصير العبادي، هنا نلفت نظركم إلى أنه من الواضح ن تعميق مثل هذا المفهوم من الممكن أن يتم وفق صورة تركيبية بنحو الصور السابقة التي حدثناكم عنها، ولكن كما تلاحظون نجد أن العنصر القصصي بصفته أشد إثارة من سواه بما يتضمنه من عناصر حيوية أبطال، حوادث، بيئات...الخ، وبما يواكب ذلك من تحليل وتعقيب وبما تنتظمها من عناصر تشويق مختلفة حينئذ تشد المتلقي إلى الحكاية أكثر من غيرها، بخاصة إذا أخذتم بنظر الاعتبار أن صياغة مثل هذه الصورة الحكائية جاءت بعد صورة حققت هدفها الفني ألا وهي صورة الحجر الذي أصابه وابل فيما تحدثنا مفصلاً عنها كما أنها جاءت في صياغة تساؤل يستهدف تأكيد الحقيقة المشار إليها وهي أيود أحدكم أن تكون له جنة...الخ أولئك جميعاً تشكل مسوغاً لأن تصاغ الصورة بنحوها الحكائي محققة بذلك عنصر التنوع في التركيب الصوري من جانب تحقيقاً لمزيد من الإمتاع الفني مضافاً إلى أن العنصر القصصي ذاته ينطوي على إمتاع آخر ثم عنصر التعميق لهدف خطير هو حمل الشخصية على تعديل سلوكها قبل أن يمتنع عليها ذلك علماً بأن نفس هذه الصورة تتضمن الهدف الذي أشرنا إليه، بهذا ينتهي حديثنا عن العنصر الصوري في القرآن الكريم حدثناكم عنه بنحو لا تطويل فيه على أن نحيلكم كما أشرنا أكثر من مرة إلى الكتب المخصصة لتوضيح هذا الجانب ومنها كتاب (التاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي) وكتاب (الإسلام والفن) وكتاب (القواعد البلاغية في ضوء المنهج الإسلامي) وبهذا نكون قد حدثناكم عن السورة القرآنية الكريمة من حيث العنصر الصوري فيها ومن حيث العنصر القصصي فيها ومن حيث البناء العام لها حيث حدثناكم عن أبنية السورة الكريمة ليس في هذا الحقل الذي نتحدث عنه الآن حاجة لأن نقدم نماذج جديدة لهذا الجانب والأمر نفسه بالنسبة إلى سائر العناصر البلاغية حيث قدمنا خلال محاضراتنا نماذج منه عند حديثنا عن العنصر البنائي فيما لا نجد الآن حاجة لأن نقدم نماذج جديدة لهذا الجانب والأمر نفسه بالنسبة إلى سائر العناصر البلاغية حيث قدمنا خلال محاضراتنا نماذج متنوعة من النص القرآني الكريم في هذا الميدان ولكننا نستهدف في الواقع في نهاية المطاف أن نقدم نموذجاً  ولو سريعاً (على الرغم مما قدمناه سابقاً) لسورة قرآنية كريمة تتضمن جميع العناصر التي أشرنا إليها أي العناصر السبعة المتمثلة في العنصر الفكري والموضوعي والمعنوي واللفظي والإيقاعي والبنائي والصوري والشكلي الذي هو السورة القرآنية الكريمة بالذات ونتقدم في هذا الميدان بصورة سبق أن  استشهدنا بها أيضاً كما استشهدنا بعناصرها القصصية والإيقاعية أيضاً ولكن من أجل أن نضع الطالب في سياق متكامل من النظرة الفنية إلى هيكل السورة القرآنية الكريمة خارجياً وداخلياً لا مانع ولو من التكرار إلى تقدم سورة تتكفل بالإضاءة لهذه الجوانب التي أشرنا إليها، السورة هي سورة القمر حيث تحوم على موضوع واحد هو قيام الساعة ولا بد أن نقدم لكم سورة أخرى ولكنها تحوم على موضوعات متعددة حتى نصبح على اطلاع كافي بالنسبة إلى نمط السورة القرآنية الكريمة من حيث استشهادهما بالعناصر البلاغية جميعاً، أولاً بالنسبة إلى سورة القمر فقد قلنا بأن هذه السورة تتميز بكونها ذات موضوع واحد تتناول قيام الساعة وإذا تركنا المقدمة التي تتحدث عن هذا الجانب وتقول: اقتربت الساعة وانشق القمر..، وتشير إلى أن المجتمع المنحرف قد أعرض عن هذا الجانب وكذب واتبع هواه...الخ حيث جاءته من الأنباء ما هو مزدجر ولكن كل ذلك لم يغنه أي النذر المتقدمة لم تجد نفعاً في هداية هذا النفر المنحرف، لاحظوا أن هذه المقدمة التي تتحدث عن الساعة وتطرح في ذلك وجود مجتمع منحرف لا يعنى بهذا الجانب، حينئذ فماذا نتوقع من منحرف لا يعنى بالممارسة العبادية المطلوبة منه، ماذا نتوقع من ذلك، النص القرآني الكريم يشير إلى أن الناس عند قيام الساعة ماذا سيواجهون، إنها أولاً تخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتقول: فتولى عنهم، ثم تذكر بأن قيام الساعة هو الذي سوف يضطلع بحسم الموقف فتولى عنهم، يوم يدعوا الداعي إلى شيء نكر خُشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر، إذاً عندما تحدثت مقدمة السورة عن اليوم الآخر ثم تحدثت عن المكذب بهذا اليوم والمكذب بالدين مطلقاً، أشارت إلى أن هؤلاء لم تغنهم النذر وبعد ذلك ربطت بين هؤلاء الذين لم تغنهم النذر، ربطت بينهم وين قيام الساعة التي ستترتب عليها مسؤولية سلوكهم المشار إليه حيث أوضحت كيف أنهم سيواجهون الموقف من خلال كونهم خشع الأبصار يخرجون من الأجداث كأنهم الجراد ومهطعين إلى الداع حيث يقولون هذا يوم عسر إن قولهم هذا يوم عسر يتناسب تماماً مع ما حذرته المقدمة من اقتراب الساعة وما عرضته من الانحراف أو الالتواء الذي أمعنوا فيه بحيث لم تغنهم النذر وهذا ما يقضي بطبيعة الحال إلى أن يقولوا جزاء لسلوكهم المنحرف، هذا يوم عسر، إلى هنا يكون النص قد طرح موضوع قيام الساعة ثم طرح وضع مجتمع منحرف يرتبط بقيام الساعة من حيث كونه مكذباً بهذا اليوم من جانب ومن حيث كونه أساساً قد انحرف في سلوكه ولم يعن بالنذر التي جاءت، ربطت بين ذلك وبين ما يترتب على هذا السلوك في اليوم الآخر، بعد ذلك تقدمت السورة بعرض قصص لمجموعة من المجتمعات المنحرفة أيضاً إلا أن هذه المجتمعات عاشت قبل قرون وبهذا يكون النص القرآني قد استعان أو قد وظف العنصر القصصي المتمثل في عرضه لمجتمعات نوح وعاد وثمود ولوط وأخيراً مجتمع آل فرعون، عرضت السورة الكريمة لهذه القصص ووظفتها لإلقاء الإثارة على النتائج المترتبة بالنسبة إلى المكذبين بالدين، بقيام الساعة...الخ، هنا نلاحظ أن القصص قد أشارت في كل قصة إلى مقطع يتكرر في هذه القصص ومقاطع تتجانس فيما بينها متكررة أيضاً، لاحظوا كيف تقول القصص المشار إليها، يعقب النص بالنسبة إلى قوم نوح فيقول: ولقد تركناها آية فهل من مذَكر فيكف كان عذابي ونذر، لاحظ أنها تشير متسائلة: هل من مذَكر ثم تشير إلى العذاب والإنذار إن الإشارة إلى العذاب والإنذار والإذكار تقدمت كما لاحظتم في مقدمة هذه السورة التي قالت لم تغن النذر وقالت أنهم كذبوا وأشارت إلى النتائج أو إلى المصائر التي سوف ينتهون إليها عبر قولهم هذا يوم عسر، إذاً الإشارات التي تقدمت في قصة نوح قد تجانست مع الإشارات التي تقدمت بالنسبة إلى استهلال النص و مقدمتها التي أعقبها العنصر القصصي المشار إليه متمثلاً كما قلنا في مجتمع قوم نوح وهكذا بالنسبة إلى المجتمعات الأخرى التي تكرر الحديث فيها عبر مقطع يتكرر مثل قوله تعالى بالنسبة إلى تعقيبه على قوم عاد: ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذَكر، لاحظوا كما أنها قالت قبل  ذلك فكيف كان عذابي ونذر، إن الإشارة إلى العذاب والنذر من جانب والإدكار من جانب آخر يضل على صلة أيضاً بقصة نوح وأيضاً على صلة بمقدمة السورة وهكذا بالنسبة إلى الأقوام الأخرى، طبيعياً إن هذا النمط من البناء الفني أسميناه عندما حدثناكم عن العنصر البنائي أسميناه بالبناء المقطعي أي أن السورة تطرح موضوعاً ما ثم تختمه بموضوع مشترك يتكرر في كل مقطع والهدف الفني أو المسوغ الفني في مثل هذا النمط من البناء يتمثل كما هو واضح في تفكير المتلقي بالهدف الذي يريد النص القرآني الكرم لفت نظرنا إليه، بغض النظر عن هذا الجانب إذا أردنا أن نتابع العنصر القصصي نجد أن القصص المشار إليها قد وظفت إذاً للدلالة التي استهدفتها السورة في مقدمتها وخلال هذه القصص بل أيضاً خلال الحديث عن اليوم الآخر نجد أن السورة القرآنية الكريمة قد وظفت العنصر الصوري أيضاً لإلقاء الإنارة على هذا الجانب، إنها وقد حدثتنا عن قيام الساعة وأن المنحرفين المعاصرين للنبي صلى عليه وآله سوف يدعهم الداعي إلى شيء نكر خشع أبصرهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر، هذه الصورة قد وظفها النص بطبيعة الحال لتلقي بإنارتها إلى الأهوال التي تواكب قيام الساعة التي يكذب بها هؤلاء القوم، والأمر ذاته ستجدونه في صور أخرى وردت في العرض القصصي لهذا الجانب حيث تضمن أكثر من صورة فنية من ذلك الصورة التي تقول تنزع  الناس بالنسبة إلى الريح الصرصر التي حدثنا عنها في سياق الحديث عن قصة قوم لوط حيث قال: فطمسنا أعينهم، إن طمس الأعين من جانب وفناء أو إهلاك قوم عاد من جانب آخر من خلال التشبيه الذي يقول أنهم أصبحوا كأعجاز النحل المنقعر، هذه الصورة لا نريد الآن أن نحدثكم عنها تحليلاً لأنها سوف تستغرق مجالاً لا نعتزم الخوض فيه لأن الحديث هو ليس عن الصورة بل عن توظيفها كعنصر يلقي بإنارته على الموقف فالملاحظ أن جعل القوم كأعجاز النحل المنقعر يمثل ولا شك صورة نترك لخيالكم أن نوضحه من خلال البيان بقدر ما يستطيع الذهن أن يتصور بشاعته والأمر ذاته يمكنكم أن تلاحظوه بالنسبة إلى صورة (فطمسنا أعينهم) أن طمس الأعين من المصائر التي انتهى إليها القوم المنحرفون يضل في الواقع متجانساً مع طبيعة القوم وهم قوم لوط في سلوكهم الشاذ حيث يمكن أن تضبطوا بين العبارة القائلة: ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم إن مسألة المراودة عائدة إلى جهاز أو حاسة العين التي تبحث عن الشيء الشاذ والسلوك الجنسي ولذلك يضل طمس الأعين متجانساً مع العملية المشار إليها إذاً يظل الحديث عن العنصر الصوري أيضاً واضح الصلة بتوظيفه للجانب الدلالي الذي تستهدفه الصورة وهي أن تذكر المنحرفين بالمصائر التي انتهى إليها الأقوام السابقون من على هذا المجتمع المعاصر لرسالة محمد (صلى الله عليه وآله) على أية حال بعد أن تنتهي السورة من توظيف كل من العنصر القصصي والصوري تجيء فتحدثنا عن الساعة ذاتها حيث أنها مهدت للحديث عن الساعة في مقدمة السورة ثم ختمت ذلك بالحديث عن الساعة أيضاً وقد سبق القول أن هذا النمط من البناء أطق عليه مصطلح البناء الأفقي لأنه يبدأ بالحدث من نقطة معينة وينتهي بالحدث ذاته وهذا بالمقارنة إلى البناء الطولي الذي يبدأ بالحدث وينتهي بنهايته مقابل أيضاً البناء المقطعي الذي يبدأ بحدث وينتهي منه ثم يستأنف حدث جديد وحدث ثالث وهكذا على أن يكون الرابط بين هذه الأحداث موقع أو محطة مشتركة من خلال وجود آيات تتكرر بين مقطع وآخر لتجسد الرابط البنائي بينها، على أية حال نكرر أن النص القرآني الكريم قد وظف كلاً من عنصري القصة والصورة في هذه السورة وبقي أن يوظف العنصر الإيقاعي فيها وهذا ما تجسد في العبارات أو في الآيات القرآنية الكريمة التالية، السورة الكريمة تعقب بعد أن تنتهي من توظيف القصة الكريمة تقول: أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر بهذا تكون السورة الكريمة قد ربطت بين مجتمع الانحراف المعاصر لرسالة الإسلام وبين المجتمعات السابقة التي صيغت قصصها من أجل إنارة الهدف الذي تريده السورة الكريمة وهو الإشارة إلى المصائر التي تنتظر هؤلاء القوم، نكتفي بهذا القدر والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.