المادة: البلاغة
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 035.doc

في لقاءات متقدمة حدثناكم عن السورة القرآنية الكريمة بصفتها واحداً من الأشكال الأدبية الخاصة بالأدب الشرعي وحدثناكم خلال ذلك عن الهيكل الخارجي الذي يميز السورة الكريمة بحيث تتوحد وتتفرد من دون الأشكال الفنية الأخرى التي يتوفر عليها الآخرون وما ذاك إلا بسبب  كونها رسالة متفردة أو تعبيراً عن الرسالة المتفردة دون أدنى شك على أية حال حدثناكم عن الهيكل الذي تندرج ضمنه السورة الكريمة المتفردة كما حدثناكم عن أحد الأشكال السورية متمثلاً بالسورة القصصية حيث قلنا أن السورة القصصية بالقياس إلى سواها تتمثل في كونها تتمحض للعنصر القصصي قبالة السور الأخرى التي تجمع إما بين النثر القصصي والنثر غير القصصي أو تتمحض للنثر غير القصصي وقد قدمنا لكم في لقاءاتنا المتقدمة نموذجين من القصص أحدهما القصة القصيرة أو الحكاية والثانية القصة المتوسطة أو القصة القصيرة الطويلة حيث قلنا أن هذه المصطلحات التي توفر عليها الأدب الأرضي سوف لن يلتزم بها بقدر ما نريد أن نعني بالجوهر والجوهر هنا هو أننا أمام ثلاثة أنماط من الحجم القصصي أحدها الحجم القصير جداً متمثلاً في سورة الفيل حيث حدثناكم عنها والحجم المتوسط متمثلاً في سورة نوح القصصية والحجم الثالث يعبر أو يتمثل أو يفصح عن القصة الطويلة متمثلاً بقصة يوسف عليه السلام وهذا ما حان الآن أن نحدثكم عنه أي نحدثكم عن السورة القصصية الطويلة متجسدة في سورة يوسف عليه السلام طبيعياً ينبغي أن نذكركم بأن حديثنا عن قصة يوسف ليس من حيث كونها قصة وحسب، وإلا فإن الحديث عن القصة له مجال مستقل وإنما حديثنا عن السورة القرآنية الكريمة ومستوياتها حيث أن أحد أشكال السورة هو ما أسميناه بالسورة القصصية أي التي تتمحض للعنصر القصصي، ولذلك حدثناكم في لقاءاتنا السابقة عن نمطين من السورة القصصية هما: السورة القصصية القصيرة متمثلة في سورة الفيل والسورة القصصية المتوسطة متمثلة بسورة نوح والسورة القصصية الطويلة متمثلة في قصة يوسف عليه السلام كما نذكركم من جديد بأننا لن نتقيد بالتقنيات أو بالمصطلحات التي يتوفر عليها القصص الارضي في مبادئ القصة إلا بما يتناسب مع جوهر الشريعة الإسلامية وإلا بما يتناسب وما لدينا من نماذج القصص القرآني الكريم ولذلك مثلاً عندما نحدثكم الآن عن السورة القصصية وهي سورة يوسف عليه السلام ونعتبرها سورة قصصية متمحضة مع أن هذه القصة كما أشرنا إلى ذلك في لقاء سابق أن هذه القصة قد ختمت بمجموعة من الآيات التي تتعرض لبعض المفهومات فيما قد يثير التساؤل بأنه إذا كانت هذه السورة متمحضة للعنصر القصصي فلماذا إذاً يتم التعقب عليها بجملة آيات، ونجيب الآن بأننا لن نتقيد كما قلنا بالمصطلح القصصي ومن ذلك على سبيل المثال ما تقرره مبادئ القصة الأرضية من أن السارد لا يتدخل في شؤون رسم شخصياته بل يختفي وراء الرسم، مثل هذا الكلام لا نؤيده البتة ولا يضر في الواقع بالهيكل الفني للقصة لأن مسألة التدخل وعدمها لن تكون دائماً هي الطريقة المثلى في توصيل المبادئ، نعم ثمة وسائل متنوعة لتوصيل الأهداف والنص القرآني الكريم والنص الشرعي الشريف نفسهما يسلكان هذه الطرائق عندما يقتضي الموقف ذلك، بذلك فإن النصوص الشرعية قرآناً وسنة نجدها عندما تتوكأ على نص أدبي إنما توصل أهدافها حيناً بنحو غير مباشر وحيناً آخر بنحو مباشر ولعلكم لاحظتم في محاضراتنا السابقة أمثلة متنوعة في هذا الميدان أي الأمثلة التي تفصح عن أن النص الشرعي قد سلك في توصيل مبادئه إلى الآخرين طريقين أحدهما الطريق غير المباشر والثاني الطريق المباشر، وكل من هذين النمطين له مسوغاته دون أدنى شك وهنا ما دمنا نتحدث عن السورة القصصية القرآنية الكريمة حينئذ فلا نعتبر التمهيد للقصة ولا نعتبر التعقب للقصة لا نعتبرهما نمطاً من التدخل بل نعتبرهما من صميم القصة حيث أننا نرى حتى في ميدان القصة الأرضية ثمة من يتمرد على هذا التقنيات ويدخل من خلال الهوامش معلومات متنوعة تشير إلى الحدث أو الموقف أو الشخصية أو البيئة وهذا مما قد نلاحظه كما قلنا حتى في القصة الأرضية التي سنذكر أمثلة هذه الأنماط، ولكن كما قلنا أننا ننطلق من التصور الإسلامي للشيء وحينئذ ما هو المانع من الوجهة الشرعية التي تستهدف توصيل مبادئها إلى الآخرين من خلال الفن؟ ما هو المانع أن تكون القصة وهي الأسلوب الفني الذي يوصل مبادئ الله سبحانه وتعالى إلى الآخرين عن طريق هذا العنصر أو عن طريق هذا الشكل العلمي ما المانع أن يمهد للقضية بحيث أن نختم القصة بحديث أو بموضوع آخر قصير يلقى الإنارة على هذه الجوانب حيث يمكننا أن نقول أن أية قصة في الواقع، إنما يتقدمها أو يتعقبها من الكلام إنما يضل سياق القصة ذاتها يلقى الإنارة عليها فكما أن القصة ذاتها عندما لا تستقل وترد في نصوص سورية غير متمحضة للنثر القصصي كما هو الملاحظ في كثير من السور القرآنية الكريمة التي تتضمن عنصراً قصصياً، نقول كما أن هذا العنصر القصصي يوظف من أجل إنارة الأهداف التي تستهدفها السورة الكريمة، كذلك فإن التعليقات من تقديم ومن تعقيب أيضاً تظل في السورة القصصية أو في الفن القصصي أو الشكل القصصي أيضاً له مسوغاته في هذا الميدان، إذاً نحن نكرر هذا الكلام لن نتقيد البتة بتعليمات التقنية الأرضية للفن القصصي وسواه إلا بمقدار ما يتناسب وجو التشريع الإسلامي الذي يهدف دائماً إلى أن يوصل مبادئه إلى الآخرين وهذا هو الهدف في الأصل لديه وأما الفن وأما الأشكال الأدبية فتعتبر مجرد وسائل فنية يستهدف منها تعميق الحقائق وتقريبها إلى الأذهان وهذا هو ما يجز التصور الإسلامي عن سواه من التصورات الأرضية التي ينبغي أن نكرر الإشارة إليها وأن نحذر الكتاب الإسلاميين من أن ينجرفوا في تيار العلمنة وينسوا التعاليم الشرعية التي تستهدف وتشدد في موضوع الهدف العبادي الذي خلقنا من أجله ومن ثم توظيف العمل الثقافي ومتنه العمل الأدبي وتوظيف ذلك من أجل ممارسة العمل العبادي بالنحو الذي يريده منا الله سبحانه وتعالى على أية حال نعود إلى الحديث عن قصة يوسف أو بالأحرى نعود للحديث عن السورة القصصية ممثلة بسورة يوسف عليه السلام حيث تمثل هذه السورة القصة الطويلة مقابل السورة المتوسطة والسورة القصيرة في قصصهما، إذاً لنتحدث عن سورة يوسف عليه السلام، وهذا ما نبدأ به على النحو الآتي، لقد لاحظتم بالنسبة إلى اللغة التي توسدت بها القصتان الماضيتان اللتان استشهدنا بهما، لاحظنا أن لغة القصة الأولى كانت لغة سردية صرفة أي السورة القصصية المتمثلة في سورة الفيل حيث لاحظناها وقد تمحضت للسرد القصصي دون أن يتخلل هذا السرد أي عنصر من الحوار قبالة ذلك لاحظتم كيف أن القصة الثانية التي استشهدنا بها ألا وهي قصة نوح عليه السلام حيث تخللت القصة المباركة عناصر حوارية أربعة كما تتذكرون ذلك بالنحو الذي لاحظتموه في المحاضرات السابقة وأوضحنا في حينه أهمية هذا الحوار الذي أسميناه بالحوار المنقول وتقنياته التي لا نريد الآن إعادة الكلام فيها بقدر ما نستهدف الإشارة إلى أننا قدمنا نمطين أحدهما من حيث اللغة القصصية قد اعتمد السرد والآخر قد اعتمد السرد والحوار الخاص المنقول أما الآن نحن نواجه قصة يوسف عليه السلام من حيث لغتها نجد أن عنصر الحوار يكاد يطغى على هذه القصة بشكل ملحوظ والأمر نفسه من حيث البعد الزمني للقصة فقد لاحظنا أن القصة القصيرة المتمثلة في قصة الفيل قد تم فيها تقطيع زمني بحيث قدمت النتيجة التي انتهت إليها المعركة قبل أن تقدم المقدمات المفضية إلى المعركة وبالنسبة إلى قصة نوح لاحظنا كيف أن التسلسل الزمني أخذ ترتيبه في هذه القصة ولكن خلا نقطة واحدة تقدم فيها الزمن لأسباب فنية أوضحناها لكم في حينه أما ونحن نواجه الآن قصة يوسف نجد في الواقع أن التسلسل الزمني يطبع هذه القصة مع وجود تمهيد وهذا التمهيد في الواقع لا يجسد جزءاً من القصة بقدر ما يجسد مقدمة لها كما هو ملاحظ ليس في مقام السورة القصصية بل في موقف السور غير القصصية أيضاً، المهم لندع هذا الجانب ولنتحدث عن قصة في لغتها التي يغلب عليها الحوار، والحق إن هذه القصة يمكننا أن نتناولها من زوايا متنوعة وقد تناولناها من زاوية خاصة في كتابنا الخاص بالصص القرآني والذي يحمل عنوان ( دراسات فنية في قصص القرآن) كما عرضنا لهذه القصة في دراساتنا الأخرى ولكن من زوايا متنوعة أيضاً، أما الآن فلا نريد أن نتحدث عن السورة من حيث تقنيتها الفنية المتنوعة بقدر ما نريد أن نشير فحسب إلى بعض جوانبها في مقدمة ذلك لغة القصة باعتبارنا قد قدمنا أشكال اللغة السردية والحوارية في القصتين الماضيتين والقصة الحالية التي نتحدث عنها المهم ما نريد أن نؤكد عليه أن جمالية هذه السورة متنوعة لا مجال للحديث عنها الآن إلا أن أحد الأشكال الجمالية التي تتميز بها تتمثل كما قلنا في طغيان العنصر الحواري الذي اضطلع بكشف الكثير من الأحداث والمواقف المثيرة، ليس هذا فحسب بل إن الحوار نفسه إذا كنا قد لاحظنا أحد أنماطه في سورة نوح وهو الحوار المنقول نجد الآن بعض أنماطه الأخرى تتجسد في هذه السورة ومن ذلك على سبيل المثال الحوار الثنائي المتمثل في قول  الشاهد الذي شهد قصة يوسف مع المرأة حيث قال يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إن هذا الحوار الثنائي الذي يتوجه به هذا الشاهد ليوسف وللمرأة في آن واحد يضل في الواقع من اجمل أشكال الحوار الملحوظ في هذا الجانب ولذلك نطالبكم بأن تدققوا النظر فيه حتى تتحسسوا جمالية مثل هذه المحاورات من جانب وحتى تقفوا على التنوع الذي نلاحظه في القصص القرآني الكريم ليس في جانب الحوار فحسب بل في جوانب متعددة من ذلك. على أية حال المهم كما قلنا أن الحوار هنا يكشف عن قضايا لها أهميتها ولها حيويتها على سبيل المثال عندما نواجه هذا الحوار القائل وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها .. الخ. لاحظوا كيف يحمل هذا الحوار حيوية كبيرة حيث يكشف من جانب عن أن هناك نسوة مثرثرات يلفظن بحديث لا يعنيهن وكيف أن هذه النسوة في الواقع يفصحن عن الغيرة التي يمتلأ قلب كل واحدة منها وعن المكر الذي يرقد في أعماق هذه النسوة بدليل أن النص نفسه قد ذكر على لسان المرأة فلما سمعت بمكرهن، فهذا الحوار في الواقع يكشف عن جملة محاور تتصل بتركيبة المرأة وبغيرتها وبشهوتها الحادة.

حيث أن نفس النص بعد ذلك يوضح لنا كيف أنهن قطعن أيديهن.. الخ القصة ثم الإجابة الصادرة عن المرأة حيث قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم، لاحظوا كيف أن هذا الحوار قد استلّ ظواهر خطيرة من السلوك في مقدمتها أن هذه المرأة في سبيل إشباع شهواتها من جانب وفي سبيل ردها على مكر النسوة من جانب آخر كيف أنها فعلت منكراً كبيراً حيث قالت لأن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين وبالفعل دخل يوسف عليه السلام السجن، على أية حال إن أمثلة هذا الحوار كما قلنا يكشف عن كثير من القضايا بلغة حيوية ليس هذا فحسب بل إن هذه القصة كما سنعقب على ذلك في حديث لاحق، هذه القصة في الواقع طرحت كثير من المفهومات الأخلاقية أو بالأحرى كثيراً من أنماط السلوك المتصل بالغيرة وبالحسد وبالشهوة وبتحمل الشدائد.. الخ حيث اضطلع الحوار بالكشف عن ذلك كله، فالحوار قد اضطلع في الكشف عن شخصية يعقوب عليه السلام وكيفية استجابته لحادثة يوسف كما كشف ذلك عن عمق الحسد والغيرة اللذين طبعا سلوك أخوة يوسف كما كشف ذلك عن الحدة الجنسية لدى امرأة العزيز وعن المكر لدى نسوة المدينة.. الخ مما لا مجال للحديث عنه الآن المهم وددنا فحسب أن نشير إلى أن لغة هذه القصة بالقياس إلى لغة القصتين السابقتين اللتين تمثل إحداهما السورة القصصية القصيرة والثانية السورة القصصية المتوسطة والثالثة التي تتحدث عنها السورة القصصية الطويلة المهم أن كل واحدة من هذه القصص قد سلكت منحى خاصاً في لغتها كما سلكت مناحي أخرى في الجوانب الفنية الأخرى أيضاً وهذا كله من حيث اللغة القصصية التي طبعت هذه القصص الثلاث وإذا انتقلنا من اللغة القصصية إلى حجم القصص ذاتها بصفة أن حجم القصة هو السمة التي حملتنا على أن نحدثكم عن أنماط ثلاثة منها هي القصة القصيرة والمتوسطة والطويلة وإذا أردنا أن نأخذ بمعايير البحث الأرضي للقصة فسنجد أن المعنيين بشؤون القصة يقولون القصة الطويلة أو الرواية تتناول الحياة الطولية للشخصية وأن القصة القصيرة تتناول الحياة العرضية وأن القصة الطويلة القصيرة تتناول الحياة المتأرجحة بين هذه النمطين هذا من حيث الحجم وإذا ما أردنا أن نسحب هذه المفهومات على ما نحن بصدده من القصص يمكننا أن نقول بالفعل أن السورة القصصية الطويلة المتجسدة في سورة يوسف عليه السلام تناولت الحياة الطولية لهذا الشخص دون أدنى شك وجاء الأبطال الثانويون جميعاً بمثابة شخصيات تلقيٍ الإنارة على الشخصية الرئيسية وبالنسبة إلى سورة نوح نجد أن الواقع تناول أيضاً الحياة الطولية لشخصية نوح عليه السلام، بل أن الحياة الطولية لحياة نوح قد استغرقت ما يقارب الألف سنة وهو بالقياس إلى يوسف يجسد عمراً طويلاً وحينئذ يثار السؤال الآتي وهو إذا كانت المبادئ القصصية في التصور الأرضي تذهب إلى أن القصة الطويلة أو الرواية تتعلق بالحياة الطولية للبطل حينئذ فكيف نوفق بين ذهابنا إلى أن قصة نوح وهي أيضاً تتناول الحياة الطولية لشخصية نوح، كيف نوفق بين هذا وبين قولنا أن الرواية أو القصة الطويلة هي التي تضطلع بمثل هذه الحياة مع أن حياة نوح أيضاً حياة طولية فلماذا احتوتها قصة متوسطة المدى، هنا نجيب عن السؤال المتقدم ما سبق أن ما قلناه وهو أننا في الواقع لا نتقيد بالمبادئ التي يرسمها الأرضيون ومع ذلك فإننا يمكننا أن نشير إلى أن حياة يوسف الطولية التي تضمنها الرواية، إنما تناولت أحداثاً ومواقف متشابكة جداً بحيث لا تسمح بعرض هذه الأحداث والمواقف إلا كون الرواية ذات حجم مطول وهذا بعكس قصة نوح عليه السلام صحيح أن نوح تناول قصة حياته جمعاء ولكن لننظر إلى الفارق بين الحياة من زاوية المواقف والأحداث التي تعرض لها القصة ففي قصة نوح عليه السلام نلاحظ أن الأحداث والمواقف قد طواها نوح عليه السلام من خلال الحوار الذي نقله إلى الله سبحانه وتعالى وهذا يعني أن المعيار ليس هو طول الحياة بل المعيار هو نفس الموضوع الذي تثيره وتستهدفه القصة ففي موضوع نوح عليه السلام، القصة تستهدف الإشارة أن ثمة قوم قد ركبوا رؤوسهم وبلغوا غاية الالتواء وكان نتيجة ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد أبادهم جميعاً أما في سورة يوسف فإن الموضوع ليختلف تماماً عن الموضوع السابق، الموضوع السابق كان يتناول موقفاً عرضياًَ وهذا ما يتناسب مع تعريف القصصيين  بأن القصة القصيرة هي التي تتناول موقفاً عرضياً مقابل الموقف الطولي للقصة أو الرواية فالموقف العرضي في قصة نوح وهو مسألة الانحراف والنتائج المترتبة عليه تمثل في الواقع موقفاً عرضياً بينما نجد في قصة يوسف أن الأحداث والمواقف تتشابك فقد سبقت الإشارة إلى أن هذه القصة تتناول كثيراً من المواقف التي كشفت عنها الشخصيات في حواراتها كالحديث عن الغيرة والحسد والصبر وما إلى ذلك من مفهومات متنوعة طرحتها السورة الكريمة المهم أن الحياة الطولية لشخصية يوسف في الواقع تمثلت في كونه بدأ طفلاً ويرى حلماً ما، ثم يقص الحلم على أبيه وحينئذ يتعرض لحادثة الخطف وإلقاءه في البئر.. ثم يقطع رحلة طويلة في سلوكه مع المرأة ثم الرحلة الطويلة جداً وهي رحلة السجن حيث قطع سنوات متعددة في السجن ولبث في السجن ضعف المدة التي كان مقررا أن يسجن بها ثم انتهت القصة كما هو ملاحظ كونه أخذ يتبوأ موقعاً اجتماعياً كبيراً هي وزارة المالية التي اضطلع بها وترتب على اضطلاعه بهذه الوظيفة مصير أمة أو مصير بلد مصر من الزاوية الاقتصادية وسواها إذا هذه الحياة الطولية ليوسف عليه السلام تتناسب تماماً مع مفهوم الرواية التي تعني الحياة الطولية للشخصية وأما فيما يرتبط بالاستهلال أو بالتعقيب الذي واكب هذه القصة وقلنا أننا لا نتقيد بما يقوله الأرضيون من مبادئ إلا بما يتناسب مع الموقف الإسلامي حيث ذكرنا قبل قليل كيف أن مبدأ القصة الطويلة وتناولها للحياة الطولية للشخصية قد تجانس مع المفهوم أو تجانس مع القصة التي لاحظنا، أي أن التصور الشرعي والأرضي قد تجانس موقفهما حيال هذا الجانب ولكن من زاوية أخرى نجد أننا نخالف كثيراً  المبادئ الأرضية للقصة ومن ذلك التدخل من صاحب القصة حيث نجد أنه يحمل مسوغاته بصورة واضحة فمثلاً إلى التعقب شبه المطول الذي تضمنته سورة يوسف عليه السلام نلاحظ كما قررنا في بداية هذه المحاورة أن هذا التمهيد والتعقيب والحديث نركزه على التعقيب قد ألقى إنارة على القصة فكما أن السورة الكريمة عندما تتوكأ على القصة تكون القصة قد ألقت إنارتها على المفهوم الذي  طرحته السورة كذلك فإن القصة عندما يُعقب عليها فإن هذا التعقيب يلقى بإنارته على مفهوم القصة لقد لاحظتم مثلاً أن القصة انتهت بالآية القائلة: لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب فهذا وحده كاف لأن يبين لنا العبرة من قصة يوسف بالشكل الذي تناولناه عابراً ومن ذلك مثلاً الآية الكريمة التي تقول حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا.. لاحظوا كيف أن هذه الآية تلقى بإنارتها على قصة يوسف ذاتها حيث أن يوسف بلغت به الشدة درجة أنه ظل في السجن سنين متنوعة ولكنه وهو قد صبر على إيذاء اخوته وصبر على أذى السجن وصبر على كبت الشهوة الجنسية.. الخ كيف كانت نتيجة هذا الصبر وهو أن نصر الله سبحانه وتعالى قد جاء فاصبح يحتل موقعاً كبيراً بحيث أنه رفع أبويه أيضاً  بالشكل الذي حدثتنا القصة عنه مفصلاً ، إذاً التعقيب الذي تناولته القصة وكذلك الاستهلال لم يكن تعقيباً طارئاً أو غريباً عن القصة من حيث مواقفها وأحداثها وشخصياتها بقدر ما كانت هذه  التعقيبات تلقى بإنارتها على القصة بالشكل الذي حدثناكم عنها بهذا نكتفي بالحديث عن السورة القصصية في أنماطها التي حدثناكم عنها ونؤجل الحديث عن السورة القرآنية الكريمة إلى محاضرة لاحقة إنشاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.