المادة: البلاغة
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 025.doc

الاسلوب اللفظي

يُقصد بالأسلوب: الطريقة التعبيرية للألفاظ المفردة والمركبة، حيث تتمّ وفق نمطين من التعبير هما (السرد) و(الحوار) فيما نعرض لهما ضمن عنوان:

المحاورة والسرد

التعبير عن الحقائق يتم من خلال أسلوبين لا ثالث لهما، أي أنّ التعبير عن الحقائق ينحصر في أسلوبين هما:

السرد: ويُقصد به أنْ يتم عرض الحقائق بأسلوب (إخباري) مثل قوله تعالى عن صاحب الجنّتين: (وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ) حيث (أخبر) عن وجود رجلٍ يملك مزرعتين مثمرتين. وأمّا الأسلوب الآخر، فهو:

الحوار: ويُقصد به أنْ يتم عرض الحقائق على لسان الأشخاص الآخرين مثل قوله تعالى بعد العبارة السردية المذكورة: (فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً...).

ففي الأسلوب الأول رسم لنا النصّ شخصية صاحب الجنتين من خلال مبدع النص، حيث ذكر لنا أنّه يملك مزرعتين مثمرتين. وفي الأسلوب الآخر: رسم لنا النصُ شخصية صاحب الجنتين من خلال لسانه هو (أي صاحب المزرعتين) حيث زعم أنّه أكثر مالاً وولداً من صاحبه...

ولكلٍّ من هذين الأسلوبين بلاغته، فيما ينبغي أن نعرض لهما مفصّلاً، ونبدأ بالحديث أوّلاً عن:

1- السرد

إنّ الأصل في التعبير عن الحقائق هو (السرد) بصفة أنّ الإخبار عن الشيء يتمّ عادة من خلال عرضه على نحو (خَبري) مثل قوله (صلّى الله عليه وآله): (من كثر همّه سقم بدنه) حيث أخبر عن حقيقة هي أنّ الإنسان إذا ما كثر همّه حينئذٍ يمرض بدنه... إلاّ أنّ بعض المواقف تتطلب حديثاً بين شخصين أو مخاطبة لأحد الأشخاص أو تلقياً لإجابة أحد الأشخاص إلى آخره) حيث تفرض مثل هذه المواقف لغة خاصّة هي (المحاورة)...

وبما أنّ السرد هو الأصل في التعبير لذلك لا نعرض له تفصيلاً، بقدر ما نعرض لعنصر (الحوار) بصفته يمثل أسلوباً بلاغياً مهمّاً في التعبير الأدبي... وهذا ما نعرض له ضمن عنوان:

2- الحوار

 تعريف الحوار:

الحوا هو: المحادثة بين طرفين أو أكثر: وهذا كما لو تحدّث شخص مع آخر، أو كما لو تحدّث شخص مع نفسه، ففي الحالتين: هناك طرفان يتم تبادل الحديث بينهما سواء أكان الطرفان شخصين أو شخصاً واحداً. كما أنّ الأطراف الحواريّة قد تكون متعددة بحيث تتحاور الشخصية كما لو كان هناك ثلاثة أشخاص أو أكثر يتحدثون فيما بينهم.

ومن أمثلة الحوار في نمطه الأول (أي: المحادثة بين شخصيتين) محاورة ابني آدم فيما بينهما: عندما تقبل قربان أحدهما ولم يتقبل من الآخر، حيث، قال: لأقتلنك وأجابه أخوه: (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)، على هذا النحو:

(قالَ: لأَقْتُلَنَّكَ).

(قالَ: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

ومن أمثلة الحوار في نمطه الثاني (أي المحادثة بين الشخص ونفسه) محاورة القاتل لأخيه عندما جهل كيفية مواراته، حيث شاهد غراباً يقوم بعملية مواراة، فتحدّث مع نفسه:

(قالَ: يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ...)

ومن أمثلة الحوار في نمطه الثالث: محاورة ابنة شعيب (عليه السلام) مع أبيها، ومحاورة أبيها مع موسى (عليه السلام). ومحاورة موسى مع شعيب في قضية الزواج، حيث صيغت المحاورة على هذا النحو:

(قالَتْ إِحْداهُما: يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ).

(قالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ...إلخ) ـ وهو قول موسى (عليه السلام).

 مسوّغات الحوار:

يعد (الحوار) من أهمّ الأساليب الفنية في التعبير، نظراً لكونه جزءاً لا ينفصل عن شخصية الإنسان، حيث إننا جميعاً لابدّ أنْ (نتكلم) مع الآخرين، ونناقشهم، ونسألهم، ونجيبهم،... إلخ، كما أنّنا طالما (نتحدث مع أنفسنا) أو (نفكّر) فيما بيننا وبين أنفسنا، فنوجّه كلاماً منطوقاً إلى أنفسنا أو كلاماً غير منطوق (وهو التفكير نفسه)،... ففي الحالات جميعاً يظلّ (الكلام مع الآخرين أو مع الذات) جزءاً كبيراً من سلوكنا اليومي الذي نحياه،... ولذلك فإنّ إبراز هذه المواقف في نصّ يظلّ أمراً له مسوّغاته الواضحة، طالما يشكّل الحوار غالبية السلوك الذي نصدر عنه: كما قلنا.

 خصائص الحوار:

إنّ أهمية (الحوار) لا تنحصر في مجرد كونه جزءاً من سلوكنا اليومي فحسب، بل في كونه يتميّز بخصِّيصة لا تتوفر في الأشكال الأخرى من السلوك ألا وهي (حيوية الحوار) أي: كونه تعبيراً (حيّاً) عن السلوك، فالكلام هو مفتاح الشخصية بحيث (يعبّر) عن سماتها وأفكارها ومزاجها و... إلخ، بعكس الأشكال الأخرى من السلوك (مثل: الأكل، النوم، المشي، إلخ) حيث لا تمتلك هذه الحركات نفس (الحيوية) التي يمتلكها (كلام) الإنسان... ولهذا السبب احتلّ (الحوار) في الأعمال الأدبية مساحة كبيرة منها؛ حتى أنّ بعض الأشكال الأدبية مثل (المسرحية) اعتمدت أساساً على عنصر (الحوار) وحده، أي أنّ المسرحية يقوم هيكلها الخارجي على (محاورات) بين الأشخاص... وهذا هو أحد الفوارق الذي يميزها عن (القصة)... فالقصة تعتمد (الحوار) بشكل رئيس أيضاً، أنّها لا تنحصر في ذلك، بل تعتمد (السرد) أيضاً، أي الإخبار عن الشيء أو وصف الشيء، بحيث نجد قصصاً تعتمد (الحوار) وحده، وقصصاً تعتمد (السرد) وحده، وقصصاً تعتمد (الحوار والسرد) كليهما... والمهم، أنّ كلاًّ من المسرحية والقصة تعتمدان (الحوار) عنصراً لها؛ نظراً للحيوية التي يمتلكها هذا العنصر، كما قلنا... والمهم أيضاً، أنّ سائر الأشكال الأدبية تعتمد (الحوار) لنفس السبب، وهذا ما نجده بوضوح في النص القرآني الكريم، حيث أنّ (الحوار) يمثّل مساحة ضخمة من نصوص القرآن، لا تقف عند النصوص القصصية وحدها، بل تتجاوزها إلى مطلق النصوص كما سنرى لاحقاً.

 وظائف الحوار:

هناك وظائف متنوعة للحوار؛ يمكن إجمالها في:

1- الكشف عن الشخصية:

من أهمّ الوظائف الملحوظة للحوار، أن يساهم في الكشف عن نمط (الشخصية) من حيث أفكارها ومزاجها وانفعالاتها... إلخ، فقد عرفنا مثلاً (من خلال الحوار) أنّ أحد ابني آدم يحمل (نزعة الحسد)، ويحمل نزعة (عدوانية) أفضت به إلى أنْ يقتل أخاه،... عرفنا ذلك من خلال قوله (لأَقْتُلَكَ)... كما عرفنا أنّ أخاه يحمل نزعة (المسالمة و(الحب) و(التقوى) بدليل قوله: (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) فبواسطة (الحوار) أمكننا معرفة هذا الشخص وكونه يحمل نزعة التقوى على العكس من أخيه...

2- الكشف عن الأسرار:

هناك من الأسرار الداخلية للشخص لا يمكن التعرف عليها إلا من خلال (الاعترافات) التي تصدر عن الشخص، فمن الممكن أن نتعرف جانباً من سلوك الأشخاص من خلال محاورتهم مع الآخرين (مثل ابني آدم)، إلا أن هناك جوانب أخرى من السلوك لا يمكن التعرف عليها إلا من خلال أحد أشكال الحوار وهو (الحوار الداخلي)، وهذا من نحو الحوار الداخلي الذي أجراه النص القرآني الكريم على لسان علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) في قولهم: (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً...)، فهذا (الكلام) لم يوجه إلى المسكين واليتيم والأسير (ليكون حواراً خارجياً) بل هو: كلام داخلي أو أحاسيس صدرت عنهم (عليهم السلام) لم تتجاوز نطاق التفكير: كما لو ساعد شخص أحد الفقراء وقال مع نفسه: ساعدت هذا المسكين لوجه الله تعالى... وحينئذٍ يكون هذا الحوار داخلي قد كشف عن (أسرار) داخلية لا يمكن معرفتها إلاّ من خلال الحوار المذكور.

3- الكشف عن الحوادث:

من الوظائف المهمة للحوار، هي: الكشف عن الحوادث أو المواقف، من حيث نشأتها وتطورها ونهايتها وتفصيلاتها... فعندما (يتحدّث) موسى (عليه السلام) مع فتاه (في سورة الكهف) (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) نستكشف حادثة السفر إلى مجمع البحرين، وعندما يقول لفتاه: (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) نستكشف بأنّ السفر طويل وبأنّه قد حُفّ بالمتاعب...، وعندما يقول فتاه: (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلأَالشَّيْطانُ) نستكشف أنّ الزاد من هذه الرحلة قد كان (حوتا)... وهكذا بالنسبة إلى حوادث خرق السفينة وقتل الطفل وبناء الجدار، حيث استكشفنا من خلال محاورة الخضر (عليه السلام) أنّ السفينة كانت لمساكين يعملون في البحر (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً)، وأنّ قتل الطفل يرتبط بكون أبويه مؤمنين (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً) وأنّ الجدار كان ليتيمين (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ...)... وهكذا نجد أنّ حوار موسى، وفتاه، والخضر قد كشف عن جملة من الأحداث والوقائع المقترنة بما هو خطير ومهمّ عبادياً.

 أقسامه

1- تقسيم عام:

سبق أن أشرنا إلى أقسام الحوار عابراً، إلاّ أننا نفصل الحديث في هذا الحقل عن شتى أقسامه الرئيسية والثانوية والفرعية، فنقول:

الحوار - بنحو عام - ينشطر إلى قسمين رئيسين هما:

1- الحوار الخارجي: ويُقصد به المحادثة التي تتم بين شخصين أو أكثر مثل محاورة ابني آدم (عليه السلام)، حيث تمت بين شخصين، ومثل محاورات ابنة شعيب وأبيها وموسى (عليهما السلام)، حيث تمّت بين ثلاثة أشخاص.

2- الحوار الداخلي: ويُقصد به المحادثة التي تتم بين الشخص وبين نفسه، مثل محاورة أحد ابني آدم مع نفسه عندما خاطبها بقوله:

(أَعَجَزْتُ...).

الحوار الخارجي ومستوياته

يتحدد الحوار الخارجي عادة في الأنماط التالية:

1- محاورة شخص مع آخر، من نحو محادثة زكريا ومريم :

(قالَ: يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا؟

قالَت:ْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ...).

2- محاورة شخص مع جماعة من نحو محادثة إبراهيم مع أبيه وقومه:

(إِذْ قالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ: ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ؟

قالُوا: وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ).

3- محاورة جماعة مع شخص، من نحو محادثة قوم إبراهيم:

(قالُوا: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ؟

قالَ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا...).

4- محاورة جماعة مع جماعة، من نحو محادثة قوم إبراهيم فيما بينهم:

(قالُوا: مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ؟

قالُوا: سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ).

طبيعياً، أنّ لكل نمط من هذه (المحاورات) مسوّغه الفنّي،...

فالمحاورة بين شخصين: فرضتها طبيعة العلاقة القائمة بين زكريا ومريم فيما تكفل زكريا (عليه السلام) مريم (عليها السلام)، وكان من الطبيعي أن تنفرد المحاورة فيما بينهما على النحو المذكور، من خلال العلاقة القائمة على ظاهرة (الكفالة).

وأمّا المسوّغات الفنية لمحاورة شخص مع جماعة، وهم مع مثلهم، وهم مع شخص (في قصة إبراهيم): فتتوضح من خلال طبيعة المواقف التي استَتْلَتْ أمثلة هذه المحاورات، فإبراهيم (عليه السلام) وحده قد تفرد من بين قومه بتوحيد الله تعالى، وكان من الطبيعي أنْ (يحاور) قومه فيكون طرفاً وحده مقابل جماعة،... وكان من الطبيعي أن (يحاوره) قومه أيضاً لنفس السبب،... وكان من الطبيعي أنْ يتحاور القوم فيما بينهم عندما شاهدوا أصنامهم المحطّمة، نظراً لاشتراكهم جميعاً في خصّيصة الكفر وتصميمهم على إلحاق الأذى بإبراهيم (عليه السلام).

إذن: جاءت الصياغات المتنوعة للحوار الخارجي بأشكاله المشار إليها خاضعة لمسوغات فنية يفرض كل منها شكلاً خاصّاً بالنحو الذي لحظناه.

وهذا كله فيما يتّصل بالحوار الذي تم بين طرفين. أما ما يتمّ بين أكثر من طرفين، فيتّخذ الأشكال المتقدمة ذاتها.

وأمّا ما يتم بين طرف واحد، فيتمثل في أحد أنماط الحوار التي سنعرض لها وهي ما نسمّيه بـ(الحوار الانفرادي) حيث يعني أنّ طرفاً واحداً من الحوار هو الذي يتكفل بإثارة السؤال أو الخطاب دون أن يقترن بجواب من الطرف الآخر، على نحو ما سنوضّحه في حينه.

1- المسوّغات العامة للحوار الداخلي:

قلنا، إنّ كثيراً من الأفكار والأحاسيس والنوايا والنّزعات: لا يمكن معرفتها إلاّ من خلال اعتراف الأشخاص أنفسهم بتوضيح ذلك،... وبما أنّ الإنسان بعامّة لا يسمح بإبراز أسراره الداخلية أمام الآخرين، حينئذٍ فإنّ صياغة الحوار بشكل ذاتي (أو سري) يفرض هذا النمط من الحوار، مضافاً لذلك؛ أنّ طبيعة ردود الأفعال التي تصدر عن الإنسان حيال مواجهته لمختلف المنبّهات تفرض عليه أنْ يفكر بها، وأن يحياها، ويتدارسها أو ينقدها أو يعجب بها... إلخ، وهذا ما يسوّغ صياغة الحوار الداخلي أيضاً... ويمكننا بعامّة أنْ نعرض لمسوّغات الحوار الداخلي، وفق ما يلي:

1- أفكار فاسدة يحياها الشخص دون أنْ يستطيع إبرازها، إمّا خوفاً من الآخرين أو خجلاً منهم، من نحو أفكار المنافقين الذين يخشون الفضيحة (إِذا خَلَوْا إلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) حيث يضطرون إلى أن يتحدثوا مع أنفسهم بمثل هذا الكلام خوفاً من الآخرين. ومن نحو محادثة قوم إبراهيم مع أنفسهم (عندما سألوا إبراهيم عمّن حطّم أصنامهم وإجابته بأنّه قد فعل ذلك كبيرهم) وحينئذ (فَرَجَعُوا إلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) فقولهم لأنفسهم (أنتم الظالمون) هو حوار داخلي فرضه الخجل من إبراهيم الذي كشف تفاهة سلوكهم.

2- أفكار إيجابية يحياها الشخص دون أن يجد ضرورة لإبرازها لأنها تعبير عن أفعال من أجل الله تعالى، مثل محاورتهم (عليهم السلام) أنفسهم (عندما أطعموا مسكيناً ويتيماً وأسيراً): (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً). فبالرغم من أنّ صيغة (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) تبدو كأنها لهؤلاء الأصناف الثلاثة، إلا أنّها ـ كما نحتمل فنيّاً ـ لسان حالهم أي أنها أفكار يحيونها داخلياً وقد تشربوا بها ونطقت بها أفكارهم؛ كما أوضحنا ذلك سابقاً.

3- أفكار خاصة تخطر على ذهن الشخص وهو يواجه حقيقة من حقائق الحياة، مثل قول من مرّ على قرية خاوية، فقال متحدثاً مع نفسه: (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها؟) حيث يمثل هذا النوع من الكلام (خطرات ذهنيّة) وهي بطبيعتها لا تحتاج إلى طرف آخر توجه الكلام إليه سوى الشخص ذاته.

4- أفكار خاصّة تمثّل ردود الفعل التي يواجهها الشخص في موقف معيّن يضطره إلى أن يتحدث عن نفسه، مثل: (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ إلخ) حيث تضطر الشدة التي يكابدها المنحرف حينئذ إلى أن يخاطب نفسه بالكلام السابق.