المادة: البلاغة
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 012.doc

الإجمال والتفصيل

 الإجمال:

هو صياغة (الموضوع) أو (الفكرة) بعبارات مختصرة، غير مبيّنة وغير موضّحة وغير مفصّلة لأجزاء الموضوع ومعالمِهِ وحدوده... وهذا مثل قوله تعالى عن قيام الساعة وما يكتنفها من الأهوال:

(إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شيءٌ عَظِيمٌ)

فقوله (شيء عظيم) هو: عبارة (مجملة) لا توضّح معالم وحدود هذا الشّيء الذي وصفه النّص بأنّه (عظيم)، بقدر ما يدلُّ - في الجملة - بأنّ قيام السّاعة هو شيء خطير... أمّا ما هي تفصيلات هذا الشيء، فأمر قد سكت عنه النّص في هذه الآية...

وأمّا:

التفصيل:

هو صياغة الموضوع أو الفكرة بنحو نتبيّن من خلاله معالم الموضوع أو الفكرة بحيث تتّضح أجزاؤه ومستوياته وحدوده بشكل مفصّل... وهذا من نحو قوله تعالى في الآية الثانية التي تلي الآية المشار إليها، حيث يقول تعالى:

(يَوْمَ تَرَوْنَهَا، تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أرْضَعَتْ، وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها، وَتَرَى النّاسَ سُكارى وَمَا هُمْ بِسُكارَى، وَلَكْنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيْد).

فذهول المرضعة، ووضع الحامل لطفلها، وكون النّاس سكارى وما هم بسكارى... هو (تفصيل) و(تبيين) و(توضيح) لذلك (الشيء العظيم) الذي (أجمله) النّص في الآية الأولى، ثم أوضح هذا الإجمال في الآية الثانية، بحيث كانت الآية الأخيرة (تفصيلاً) للآية الأولى (المجملة)... أي أنّ (الشيء العظيم) الذي كان (مجملاً)، قد (فُصِّل) من خلال كونه قد اقترن بذهول المرضعة، ووضع الحامل وسكارى النّاس؛ بسبب من عذاب الله الشديد...

 مستويات الإجمال والتفصيل:

إنّ كلاًّ من (الإجمال) أو (التفصيل) يأخذ شكلين من الصياغة، فهناك:

1- (إجمال) أو (تفصيل) لموضوع أو فكرة، تتطلّب صياغتها أنْ تكون (مجملة) أو (مفصّلة) بحسب متطلبات السياق... وهذا من نحو قولِهِ تعالى: (في سورة البينة) حيث يعرض لأصحاب اليمين:

 (ثُمَّ كَانَ مِنَ الذينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُولئِكَ أصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَالذينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أصْحَابُ الْمَشْئَمَة).

لكنّ: في سورة أُخرى نجد (تفصيلاً) يقول عن أصحاب الميمنة:

(وَأصْحَابُ الْيَمِيْنِ مَا أصْحَابُ الْيَمِيْنِ فِيْ سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيْرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ...).

فهنا موضوع واحد هو: (أصحاب الميمنة)، إلاّ أنّ النّص (أجمل) أصحاب الميمنة ولم يفصّل فيها (في السورة الأولى: سورة البيّنة)، بينما (فصّل) الحديث عن أصحاب الميمنة في السورة الأخرى: (سورة الواقعة).. وهذا يعني أنّ كُلاًّ من الإجمال والتفصيل قد تمّت صياغته بنحو يتطلّب طرح الموضوع مجملاً وأُخرى مفصّلاً؛ بحسب متطلّبات السِّياق، دون أنْ يكون لأحدهما علاقة بالآخر...

وهذا النّوع من الإجمال والتفصيل يتميّز عن نمط آخر هو:

2- إجمال وتفصيل يجريان على (موضوع واحد) بحيث يرتبط أحدُهما مع الآخر، مثل قوله تعالى:

(يَا أيُّهَا الْمُزَّمِّلْ قُمِ اللَّيْلَ إلاّ قَلِيْلاً).

فهنا نواجه موضوعاً قد (أجمله) النّص، هو: قيام الليل إلاّ قليلاً... إلاّ أنّ هذا الموضوع نفسه قد (فصّله) النّص في الآية التي بعدها وهي: (نصفه أو انْقِص منهُ قلِيلا أوْ زِد عليهِ...)

حيث فصّل النّص هنا قيام الليل بأنْ يكون (نصفه) أو (أقل) منه أو (أكثر)... (فالنصف) و(الأنقص)، و(الأزيد) هو (تفصيل) لما (أجمله) في عبارة (قم اللّيلَ إلاّ قليلاً)... وهذا يعني أنّ الإجمال والتفصيل هنا مرتبطان، لا ينفصل أحدهما عن الآخر...

ويلاحظ، أنّ هذا النمط من الإجمال والتفصيل، يأخذ أشكالاً متنوّعة من الصياغة، منها:

1- الشّكل المباشر:

وهو أن يطرح الموضوع بشكل (مجمل) أوّلاً، ثم (يفصّل) مباشرة... وهذا من نحو ما لحظناه في سورة (الحج) حيث طرح موضوع قيام الساعة وأنّه (شيء عظيم) ثمّ فصّل هذا الشيء مباشرة بأنه يوم تذهل فيه المرضعة، وتضع الحامل... إلخ.

2- الشكل غير المباشر:

وهو أن يطرح الموضوع بشكل (مجمل) ثم يفصّل في جزء لاحق من النّص...

وهذا مثل قوله تعالى في سورة الأعراف، حيث قال موسى لأصحابه: (عَسَى رَبُّكُمْ أنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرْ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)، فهلاك العدوّ، والاستخلاف، والنظر فيما سوف يعمله الإسرائيليّون: عبارات (مجملة) لا تتبيّن فيها معالم وحدود وتفصيلات الهلاك والاستخلاف والنظر في سلوك الإسرائيليّين...

لكن: بعد أنْ يقطع النّص رحلة طويلة يتحدّث فيها عن فرعون وقومه، يجيء (فيفصّل) الحديث عن الهلاك (حادثة غرق فرعون وقومه)، وعن الاستخلاف (وَأوْرَثَنَا الذينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ...) وعن النظر فيما يعمله الإسرائيليّون، حيث فصّل الحديث عن الإسرائيليّين الذين طالبوا (بعد هلاك فرعون وعبورهم النهر) بأنْ يجعل لهم موسى صنماً، وعكوفهم على عبادة العجل،... إلخ.

فالملاحظ هنا، أنّ النّص (فصلّ) ما (أجمله) سابقاً... إلاّ أنّ هذا التفصيل تمّ بعد أنْ طرح النّص موضوعات أُخرى، ثمّ عاد وفصّل الحديث: كما لحظنا.

3- الشكل البنائي:

وهو أنْ يطرح الموضوع في بداية النّص بنحو (مجمل)، ثمّ (يفصّل) الموضوع خلال النّص بأكمله... وهذا مثل سورة نوح التي بدأت بالقول: (إنّا أرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ: أنْ أنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أنْ يأتِيَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ) فهذه البداية (مجملة) تتحدّث عن إرسال نوح، والإنذار، والعذاب، حتّى تنتهي السورة، وهي تنحصر تفصيلاتها لتلكم البداية المجملة بحيث لا تتناول أي موضوع آخر، بل تتحدّث عن تفصيل لما أجملته مقدّمة السورة الكريمة...

4- الشكل المتدرّج:

وهو أن يطرح الموضوع بشكل (مجمل)، ثم (يفصّل) الموضوع على نحو تدريجي بحيث تُراعى من خلاله مراحل الإدارك الذهني للقارئ.. وهذا من نحو قوله تعالى:

(الذي خَلَقَ سَبْعَ سَماوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتْ، فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيْرٌ وَلَقَدْ زَيَّنّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيْحَ...).

فالملاحظ هنا أنّ النّص قد أجمل الحديث عن (السماوات السبع) (الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً) أنّه (لا يتفاوت بين هذه السماوات) (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت)، ثم ذكر ثانياً أنّه: لا شقوق بينها (فارجع البصر هَلْ تَرَى منْ فُطُوْر)، ثم ذكر ثالثاً: أنّ واحدة من هذه السماوات (وهي السّماء الدّنيا) قد زُيِّنت بالكواكب (ولقد زيّنّا السماء الدنيا بمصابيح...)

إنّ الانتقال من المجمل إلى المفصّل في هذا النّص قد تمّ بنحو تدريجي يتناسب مع طبيعة إدراكنا للأشياء، فالإنسان عندما ينظر إلى السماء مثلاً: سوف ينظر (إجمالاً) إلى طبقة السماء الزرقاء، ثم ينظر إلى (تفصيل) منها هو: مجموعة الكواكب أو النجوم، مثل ينظر إلى تفصيل أكثر من السابق، فيركّز نظره على نجمة واحدة... ويكون بذلك قد انتقل تدريجاً من (المجمل) إلى (المفصّل)... كذلك حينما يلفت نظره النّص إلى وجود سماوات سبع، ثم إلى عدم التفاوت بين كل سماء، ثم عدم الشقوق في كل سماء، ثم: النظر إلى سماء واحدة... ويكون بذلك قد انتقل تدريجاً من المجمل إلى المفصّل...

ومن الواضح، أنّ هذا النوع من الإدراك الذهني للمجمل وانتقاله إلى المفصّل، يرتبط بطبيعة التركيبة الذهنيّة للإنسان حيث سنعرض لها عند حديثنا عن (المسوغات الفنّية)؛ للإجمال والتفصيل... وهذا ما نتناوله تحت العنوان الآتي:

 المسوغات الفنية للإجمال والتفصيل:

إنّ المستويات والأشكال التي لحظناها بالنسبة إلى كل من الإجمال والتفصيل: تظلّ مقترنة بمسوغات متنوّعة، منها:

1- عمليّة الإدراك البشري:

من الحقائق المعروفة (في حقل المعرفة النفسيّة) أنّ إدراكنا للأشياء يسير (في حالات خاصّة) من المجمل إلى المفصّل، أي - كما أوضحنا في حقل سابق ـ أنّ إدراكاتنا تستجيب لما هو (مجمل) أوّلاً (مثل مشاهدتنا للسماء من حيث كونها غطاءً شاملاً) ثمّ: لما هو أقل إجمالاً (أو لما هو مقترن بتفصيل محدد) مثل:

مشاهدتنا للنجوم من خلال السماء... ثم لما هو أقل إجمالاً وأشد تفصيلاً مثل مشاهدتنا لكل واحدة من النجوم... إلخ... وحينئذٍ، فإنّ النّص الأدبي حينما يبدأ بـ(المجمل) ويتدرج بالموضوع إلى (المفصل): إنّما يراعي عمليات الإدراك العقلي في هذا الميدان، على نحو ما لحظناه، وهذا واحد من مسوغات الأجمال المقترن بالتفصيل...

أمّا المسوغات التي ترتبط بالإجمال فحسب، أو بالتفصيل فحسب... فيمكننا توضيحها وفقاً لـ:

2-متطلبات الموقف:

إنّ بعض الموضوعات يتطلب درجها بشكل ثانوي وعرضي بالقياس إلى الموضوعات الرئيسّة التي يستهدفها النّص أساساً... فمثلاً في سورة (التكاثر) يظلّ هدف النّص هو: عرض قضيّة التفاخر بالأموال والأولاد وغيرهما من أمتعة الحياة الدنيا، لذلك فصّل الحديث عنها (ألهاكم التكاثر حتّى زرتم المقابر كلاّ سوف تعلمون)... إلخ، ولكنّه (أجمل) الحديث عن كل من (الجحيم) و(النعيم) مكتفياً بالقول: (لَتَرُونَّ الجَحيمَ) وبالقول: (لَتُسئَلُنًّ يَومَئِذٍ عن النَّعيم)... لكن في سورة (الوقعة) أو (الرحمن) يفصّل الحديث عن الجنّة والنّار ويعرض لكل مستوياتهما... والسر في ذلك، أنّ هدف النّص في سورة (الواقعة) أو (الرحمن) هو: عرض بيئة (الجنة) بما تكتنفها من أشكال النعيم: تشوّقاً لممارسة العمل العبادي وانعكاسه على المصير الأُخروي للإنسان... أمّا في سورة (التكاثر) فإنّ الهدف ليس هو عرض مستويات النعيم (لأنّ هذه المستويات تكفّلت بها سور أُخرى كما لحظنا)، بل هدفه عرض السلوك الاجتماعي المنحرف المتمثّل في البحث عن التقدير الاجتماعي والتقدير الذّاتي والسيطرة والقوّة وما إليها من أشكال البحث عن (الذات) وإشباعاتها المريضة... لذلك (فصّل) الحديث عنها، و(أجمل) الحديث عن المعطى الأُخروي، مكتفياً بالقول: بأنّ البحث عن (الذات) يقتاد الشخصيّة إلى الجحيم حيث أنّ الجحيم بصفتها نهاية لمصير الشخصيّة تكفي (مؤشّراً) لحمل الشخصية على التخلي عن متاع الحياة الدنيا، دون أن تكون هناك ضرورة لتفصيلاتها...

إذَنْ: طبيعة الهدف الذي يتضمنه النّص، تفرض حيناً أن (يجمل) الكلام فيها، وتفرض حيناً آخر أنْ (يفصّل) الكلام عنها، بالنحو الذي أوضحناه.

 ملاحظات:

1- يظل الإجمال والتفصيل ـ كما ذُكِرَ في موضوعات التقديم والتأخير (والذكر والحذف) خاضعاً لمستويات العبارة والجملة والمقطع والنص بأكملِه (أي: الموضوع وفكرته)

ويمكننا تقديم نماذج لهذه المستويات:

1- في صعيد المقطع أو النّص: لحظنا النماذج المتنوّعة التي تقدّم الحديث عنها.

2- في صعيد العبارة أو الجملة: يمكننا درج ما اصطلح عليه البلاغيّون والنحويّون بـ(الجملة التفسيريّة) بمثابة (تفصيل) لما (أجملته) بعض العبارات، مثل: (هل أدُلُّكُم على تِجَارةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أليم) حيث (أجملت) التجارة هنا، وحيث (بيّنتها) العبارة التي تلتها وهي (تؤمنون بالله...) يمكن أيضاً درج الجملة التعليلية ضمن هذا النمط الذي (يفصّل) ما هو (مجمل) مثل قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُون)، حيث (فصّل) عمليّة خلق الجن والإنس، من خلال التعليل الذاهب، إلى أنّه من أجل العمل العبادي.

التفصيل والموضوعات:

إنَّ التفصيل للعبارة أو الجملة أو المقطع أو النّص قد يتمّ من خلال كونه موضوعاً (مستقلاً) لا علاقة له بالإجمال.

وحينئذٍ يأخذ التفصيل مستويات متنوّعة في هذا الصدد، منها:

العبارة البيانيّة: وهي ما ذكرها البلاغيّون والنحويّون من الموضوعات المتّصلة بالتوابع: الصفة، عطف البيان، البدل، التوكيد مثل (الله الصمد)، (جعل الله الكعبة: البيت الحرام) (إهدِنا الصِراطَ الْمُسْتَقِيم صِراطَ الذينَ) (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)، حيث تعد هذه المستويات (تفصيلات) للشيء بهدف توضيحها وليس من أجل إجمالها، إذْ لا إجمال لاسمه تعالى، ولا الكعبة، ولا الصراط المستقيم ولا الملائكة، كما هو واضح.

2- التفصيل والتقسيم:

من الأساليب المتّصلة بـ(تفصيل) الموضوعات هو ظاهرة (التقسيم) التي تعني: تصنيف الظواهر إلى أقسام وأجزاء متنوّعة، سواء أكان التقسيم لموضوعات مستقلّة لا علاقة لأحدها بالآخر، أم كانت الموضوعات مرتبطة فيما بينها، أو منقسمة إلى أجزائها التي تتألّف مِنها.

1- فمن النوع الأوّل قوله تعالى: (فَأمّا الْيَتِيْمَ فَلا تَقْهَرْ وَأمّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ وَأمّا بِنِعْمَةِ ربِّكَ فَحَدِّثْ)، فاليتيم والفقير والنعمة موضوعات مستقلّة لا علاقة لأحدها بالآخر إلاّ أنّ النّص (قسّمها) مِنْ خلال الأداة (أمّا) التي تسمّى في لغة البلاغيّين والنحويّين ـ بأمّا التفصيليّة.

2- ومن النمط الآخر، قوله تعالى عن تقسيم الناس إلى أزواج ثلاثة في اليوم الآخر: (وكنتم أزواجاً ثلاثة) حيث (أفصلها) بقوله تعالى: (فَأصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أصْحَابُ الْمَيْمَنَة، وَأصْحَابُ الْمَشْأمَةِ مَا أصْحَابُ الْمَشْأمَةِ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ).

3- التفصيل أو الإجمال المتداخل: وَمن الأنماط البلاغيّة للتقسيم ما أطلقنا عليه مصطلح (التفصيل المتداخل) ويدخل بضمنه التقسيم المتداخل أيضاً فيما يعني (التفصيل داخل التفصيل) أو (الإجمال داخل الإجمال) أم كليهما (الإجمال والتفصيل المتداخلين)، حيث لحظنا في سورة الواقعة أنّها (أجملت) الأزواج الثلاثة ثمّ (فصّلتها) بأصحاب الميمنة والمشأمة والسابقين، ثم (فصّلت) كل واحد من أصحاب الميمنة والمشأمة والسابقين، فتحدّثت عن الجنة في مستوياتهاالخاصّة بالسابقين، وعن الجنّة في مستوياتها الخاصّة بأصحاب اليمين، وعن النّار الخاصّة بأصحاب الشمال، وهذا يكشف عن نمط الإجمال أيضاً، حيث إنّ القسم الآخر (فصّل) ما هو مجمل من القسم الثاني، وهو ما يمكن تسميته بـ(الإجمال داخل الإجمال) أيضاً بالنحو الذي لحظناه.