المادة: علوم القرآن
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 06.doc

انتهينا في محاضرتنا السابقة من الحديث عن الوحي وقضاياه من حيث الكيفية التي تمت من خلالها عملية نزول الوحي ومن حيث الطرائق التي تم من خلالها نزول الوحي وأخيراً من خلال ما يرتبط بنزول القرآن الكريم من حيث الترتيب لآياته الكريمة والترتيب لسوره الكريمة ومن ثم الحديث عن جمع القرآن بنحو عام حيث انتهينا من ذلك كله إلى الحديث عن القراءات وقلنا أن القراءات المرتبطة بالقرآن الكريم يظل الحديث عنها متفاوتاً وأن للقراءات شأناً خاصاً ينبغي أن نفصل الحديث عنه حيث ذكرنا أن اختلاف اللغات من جانب واختلاف اللهجات من جانب آخر جعل القراءة القرآنية خاضعة لمستويات متنوعة تعامل معه المعنيون بالشأن القرآني تعاملاً متفاوتاً وكان لأهل البيت (عليه السلام) نظر خاص لذلك كل ذلك أشرنا إليه عابراً ووعدناكم بأن نحدثكم عن ذلك مفصلاً ولكننا استدركنا ذلك بالقول إلى أن الحديث عن القراءات سوف يصبح للحديث عن جملة من النصوص الواردة عن المعصومين (عليه السلام) من جانب والواردة أيضاً من طرق العامة من جانب آخر هذه الأحاديث تحوم حول دلالة هي أن القرآن نزل على سبعة أحرف حيث تولى المعنيون بالشأن القرآني الكريم تولى هؤلاء الإجابة على هذا السؤال وهو ما المقصود من الحروف السبعة هنا نجد التفاوت الكبير بين طبقات الباحثين قديماً وحديثاً قد فرض ضرورته وأن الحديث عن هذا الجانب بالنسبة لنا نحن الطائفة المحقاة سوف يتصف دلالة أخرى غير متوفر عليها الرأي الآخر.

المهم أننا بدأنا بالحديث في المحاضرة السابقة أو بالأحرى في ختام المحاضرة السابقة بدأنا بالحديث عن الرواية القائلة بأن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف وتسائلنا عن الدلالة التي يتضمنها هذا الحديث حيث أشرنا إلى أن طبقات الباحثين يظلون متفاوتين في تحديد هذه الدلالة وأما التحديد الذي نود أن نوضحه الآن هو ما يرتبط بالنصوص الواردة عن أهل البيت (عليه السلام) بعد أن قلنا في محاضرتنا السابقة بأن البعض من الباحثين ذهب مذاهب شتى بعيدة كل البعد عن دلالة الحديث القائل وأن القرآن نزل على سبعة أحرف حتى فسر هذه الأحرف بما ورد في البحوث العرضية الذاهبة إلى أن القراءات المشهورة هي السبع قراءات مثلاً حيث أن هذا الخلط بين هذه المقولات وبين الرواية الواردة إلا بأن القرآن نزل على سبعة أحرف ما يشير إلى وجود العلاقة المتباينة كل التباين بين الحديث والمقولة المشار إليها.

المهم أن نبدأ الآن فلنحدثكم عن المدلولات التي ينطوي عليها حديث نزل القرآن على سبعة أحرف على أن نتجه بعد ذلك إلى الحديث عن القراءات بشكل مطلق وما يواكبها من الحديث عن ظواهر ترتبط بهذا الموضوع.

إن ما ينبغي أن نشير إليه في البداية هو نفس الحديث الذي ورد بأن القرآن نزل على سبعة أحرف هذا الحديث إذا دققنا النظر في الأحاديث الأخرى التي ترتبط به نجد أن تفسير السبعة أحرف في الروايات يظل متفاوتاً من رواية إلى أخرى كما أن الروايات التي ورد فيها هذا المصطلح أي مصطلح نزول القرآن على سبعة أحرف هذه الروايات بعضها ورد من طريق الطائفة المحقة والبعض الآخر ورد من طريق العامة وفي هذا السياق نجد توافقاً بين الخاصة والعامة في بعض الأحاديث المفسرة ونجد تبايناً فيما بينها من خلال الأحاديث الأخرى التي سنعرض لها الآن.

من الأحاديث التي اشترك فيها كل من الطائفة المحقة والعامة الحديث القائل بما مؤداه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه أتاه آت من الله سبحانه وتعالى وقال له إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسع على أمتي فأمر الله سبحانه وتعالى أن يقرأ ذلك على سبعة أحرف هذا النص ورد كما قلنا في حديثين أحدهما خاص والآخر عام.

ولعل الاستخلاص الذي يمكن أن نتوفر عليه بشكل واضح هو أن المقصود من السبعة أحرف في هذا الحديث المشترك هو اللغات أو اللهجات وذلك بقرينة أن الله سبحانه وتعالى أوضح من خلال سؤال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقرأ القرآن على حرف واحد إلا أنه عندما توسل بالله سبحانه وتعالى بأن يوسع على أمته فأمره بذلك أي أنه يقرأ على سبعة أحرف وما ذلك إلا أن القراءة بحرف واحد يبدو أنها صعبة بينما القراءة بعدة أحرف تبدو متيسرة بحسب اللغات أو اللهجات الطبيعية بيد أن الملاحظ في هذا النطاق أن المعصومين (عليه السلام) أيضاً وقفوا موقفاً مضاداً في تفسير هذا النص حينما ذهبوا إلى القول إلى أن القائلين بأن القرآن نزل على سبعة أحرف إن هذا القول لكاذب هكذا قال المعصومين (عليه السلام) وعلقوا على ذلك قائلين على لسان الإمام الصادق (عليه السلام) ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد.

وفي رواية أخرى عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال : القرآن واحد نزل من عند واحد ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة الآن في ضوء هذا التضارب بين الحديث القائل بأن القرآن نزل على سبعة أحرف هو أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طلب التيسير لأمته من الله سبحانه وتعالى بعد أن كان نزول القرآن على حرف واحد أجابه الله سبحانه وتعالى على ذلك بأنه أمره بأن يقرأ على سبعة أحرف إلى آخر ما ذكرناه نقول أن هذا التضارب بين هاتين الروايتين يظل محكماً دون أدنى شك ولكن بما أن المعصومين (عليه السلام) أشاروا في الرواية الأخيرة إلى أن الرواة قد اختلفوا فيما بينهم بينما القرآن الكريم قد نزل بحرف واحد بالإضافة إلى ما ورد من نصوص أخرى تشير إلى أن القرآن نزل بلغة مضر من قريش أن أمثلة هذه الروايات التي تشير إلى نزول القرآن بلغة قريش وأنها اللغة الواحدة وأن الاختلاف من قبل الرواة جميعاً كما قلنا تتعارض مع الحديث القائل بأن الله سبحانه وتعالى أمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقرأ القرآن على سبعة أحرف بالإضافة إلى ذلك فإن الملاحظ إننا إذا فسرنا الأحرف أو السبعة أحرف باللغات أو اللهجات فإن اللغات أو اللهجات في الواقع تعد العشرات كما كان ذلك واضحاً للزمن المعاصر للرسالة الإسلامية ولذلك فإن حصر ذلك في سبعة أوجه فحسب أو بالأحرى في سبع لغات أو سبع لهجات أمر يظل مقروناً بالتشكيك كما يلاحظ.

إذاً كيف يمكن أن نحل التضارب بين هاتين الطائفتين من الروايات ذهب قسم من الباحثين إلى طرح الرواية القائلة بأن القرآن نزل على سبعة أحرف وأن الله سبحانه وتعالى يسر على الأمة من خلال هذا الجانب ذهب هؤلاء الباحثون إلى أن هذه الرواية مخدوشة سنداً ولذلك تطرح ويحسمها الموقف بيد أن نفراً آخر من الباحثين أي ما يطرح هذه الرواية بل أولها أو بالأحرى ألف بينها وبين روايات أخرى ورد فيها التفسير الحرف بمعنى آخر حينئذ ألف فيما بين تلكم الروايات وهذه الرواية بحمل هذه الرواية على التأويل الذاهب إلى أن المقصود من النص هو القراءة أو اللهجات.

نسوق هذه المستويات من المناقشة لنتجه بعد ذلك إلى ورود الأحاديث الأخرى التي تتحدث عن السبعة أحرف ولكن وفق مستوى آخر من الدلالة فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: (تفسير القرآن على سبعة أحرف منه ما كان ومنه ما لم يكن بعد ذلك تعرفه الأئمة). كما ورد حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: (إن القرآن نزل على سبعة أحرف وأدنى ما للإمام أن يفتي على سبعة وجوه).

لاحظوا أولاً أن الرواية الأولى تقول أن القرآن نزل على سبعة أحرف منه ما كان ومنه ما لم يكن بعد ذلك تعرفه الأئمة إن أي باحث يتأنى أو يدقق في هذا النص سوف يستخلص لا نقول بسهولة ولكن يستخلص بشكل يكاد يطمئن إليه لأن المقصود من ذلك هو الدلالة فحسب أي أن القرآن ينطوي على تعدد في الدلالات وأن هذا التعدد في الدلالات لم يعرفه أي أحد إلا الأئمة (عليه السلام) لأن الله سبحانه وتعالى منحهم علماً خاصاً بهذا الجانب.

كذلك الرواية الأخرى القائلة وأدنى ما للإمام أن يفتي على سبعة وجوه فإن الوجوه هنا تفسر بتعدد التفسير أو التأويل أو الدلالات ومن الواضح أن القرآن الكريم وأي نص شرعي يتسم باللغة الفنية وهذا أمر يلاحظه البلاغيون بشكل يلفت النظر أن النص الفني الخالد في الكثير من مستوياته يظل مرشحاً لأن يحمل معاني متعددة بحسب ما يستطيع المتلقي أن يفسر تلكم المعاني وفق الخبرة أو المرجعية الثقافية أي التي  يمتلكها طبيعياً هذا لا يصعب على أي نص بل هناك من النصوص ما تعمد المشرع الإسلامي على أن يجعلها عرضة أو مرشحة لتعدد الدلالات ومنها ما جعلها تحمل وجهاً واحداً وهو أمر يستطيع المتلقي أن يكتشف ذلك بسهولة عندما يقرأ النص القرآني القديم ولعل الإشارة إلى المحكم والمتشابه وهذا ما نحدثكم عنه إن شاء الله في محاضرات لاحقة.

لعل الإشارة إلى المحكم والمتشابه والمقصود من المتشابه يظل في أحد معانيه هو هذه العبارة التي تحتمل أو التي ترشح بعدة دلالات ومهما يكن من أمر فإن على الحديث الذي يفسر السبعة أحرف في بطون أو بالأحرى بتأويلات متعددة يظل فارضاً مشروعيته بشكل كما قلنا تطمئن النفس إليه، ولكننا نواجه طائفة ثالثة من الأخبار المفسرة للسبعة أحرف أيضاً نجدها تتضارب في الظاهر مع هذا النص الذي يفسر السبعة أحرف بالدلالات والنص الأسبق الذي يفسر السبعة أحرف كما استخلص باللهجات أو اللغات.

النمط الثالث من النصوص يقول وهذا ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلاً أنزل القرآن على سبعة أقسام كل منها شاف كاف وهي آمر وزجر وترغيب وترهيب ومثل وقصص ويلاحظ في هذا النطاق أن الروايات العامة أيضاً أشارت إلى هذا النمط من الحديث وإلى النمط السابق منه أي الحديث القائل بأن القرآن نزل على سبعة أوجه منها الأمر والزجر و...الخ. والحديث القائل أيضاً  بأن للقرآن تأويلات أو بالأحرى إن المقصود من السبعة أحرف هي التعدد في تأويلات النص فمثلاً روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالطرق العامة أنزل القرآن على سبعة أحرف لكل حرف منها ظهر وبطن.

وورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً من طرق العامة قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف زجر وأمر وحلال وعام ومحكم ومتشابه وأمثال). وفي رواية أخرى (أنزل القرآن على سبعة أحرف أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل.. الخ).

لنلاحظ جيداً كيف أن روايات الخاصة والعامة أيضاً تفاوتت في تفسير المقصود من الأحرف السبعة حيث كاد التفسير الأول تفسيراً دلالياً أي أن القرآن الكريم له ظهر وبطن وأن المقصود من السبعة أحرف هو التعدد في المعنى أو التأويل... الخ. وهذا فيما يرتبط بالبعد الدلالي.

أما فيما يرتبط بالبعد الأسلوبي أو الفني فإن كلا الفريقين ورد من طرقه ما يشير إلى أن القرآن الكريم ورد بأساليب سبعة هي الأمر والزجر والترغيب والترهيب والجدل والقصص والمثل.. الخ. والآن في ضوء ذلك كله نستخلص أن الأحاديث الواردة بالنسبة إلى الأحرف السبعة تحد أنها تحوم على ثلاثة مستويات من الدلالة:

المستوى الأول هو الدلالة اللغوية، والمستوى الثاني هو الدلالة الأسلوبية، والمستوى الثالث هو الدلالة المضمونية أو المعنوية.

ولذلك نجد من الباحثين من حاول أن يوفق بين هذه الطرائق الثلاث من الروايات وبين التفسير العام لنزول القرآن على سبعة أحرف استطاع نفر من الباحثين أن يؤلف بين هذه الروايات التي تتضارب في ظاهرها في تفسير الأحرف السبعة ذاهباً أي هذا الفريق من الباحثين ذهب إلى أن لكل رواية دلالتها الخاصة فالرواية القائلة بأن القرآن نزل على سبعة أحرف كانت ناظرة في حينها إلى الدلالة اللغوية والرواية القائلة بأن القران نزل على سبعة أحرف كانت ناظرة إلى الدلالة الأسلوبية والرواية الواردة أو الطائفة الواردة من الروايات المفسرة للأحرف السبعة تعني أو تحمل على البعد المعنوي أي تعدد التأويل أو البطون للنص القرآني الكريم وبهذا التأليف بين النصوص تحسم المشكلة ولذلك يقال وهذا ما نلخصه من جديد يقال أن المقصود بالأحرف السبعة يقصد به حين نزول القرآن بلهجات ولغات متعددة ويقصد حينا به نزول القرآن بأساليب متنوعة ويقصد به الاتجاه الثالث نزول القرآن بدلالات متنوعة أو بطون أو بتأويلات متعددة.

وهذا من حيث التأليف بين الروايات الواردة من طرق أهل البيت (عليه السلام) ومن قبل الباحثين منتسبين إلى الطائفة المحقة ولكننا سنرى عندما نحدثكم عن القراءات في مختلف مستوياتها بعد هذه المحاضرة ستجدون أن للباحثين من العامة نظرات متنوعة في هذا الصدد نعرضها عليكم في حينه ونناقش ذلك إن شاء الله.

أما الآن فنكتفي من الإشارة إلى نزول القرآن على سبعة أحرف ونلخص ذلك بالذهاب إلى أولاً أن الباحثين المنتسبين إلى الطائفة المحقة ذهب بعضهم إلى أن المقصود من السبعة أحرف هي اللغات واللهجات وذهب فريق من هؤلاء الباحثين إلى أن المقصود من ذلك هو الدلالات أي التنوع في التأويل والتفسير وذهبت الطائفة الثالثة من الباحثين إلى التأليف بين هذه الروايات حيث نظر إلى الطائفة الأولى من الروايات من الجانب اللغوي والطائفة الثانية تعنى بالجانب الأسلوبي والثالثة تعنى بالجانب الدلالي وبذلك حسم الموقف ونحن نعقب على ذلك بالقول بأن الرواية الذاهبة إلى أن القرآن نزل على سبعة أحرف ويقصد بها اللهجات أو اللغات نقول إن هذه الرواية التي أسقطها بعض الباحثين من حيث السند في هذا السياق نقول إذا قدر لنا أن نسقط هذه الرواية حينئذٍ فثمة نصوص متضافرة تشير إلى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمعصومين (عليه السلام) أمرونا بأن نقرأ كما علمنا والقراءة بالنحو الذي علمناها تعني في الواقع أن كل واحد من القراء يستطيع أن يقرأ القراءة التي تعلمها وهي قراءة متيسرة له ولسوف نجد عند حديثنا عن القراءات أن القراءة التي علمناها هي في الواقع القراءة الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه أو بالأحرى كما سنوضح ذلك في حينه إن شاء الله سنجد أن القراءة التي أمرنا بها نقلت عن رواة متعددين ينتهون إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا مما ييسر الأمر وتحسم المشكلة من حيث اللهجات أو اللغات التي نزل بها القرآن الكريم ولسوف نلقي مزيداً من الإضاءة على هذا الجانب عندما يحين الموعد للحديث عن القراءات في مختلف مستوياتها.

من هنا يتعين علينا قبل أن نطوي الحديث عن الأحرف السبعة ينبغي أن ننظر إلى ما ورد من طرق العامة من تفسيرات خاصة لها بعضها كما قلنا يشترك مع الروايات الخاصة وبعضها يتضادد وإياها ولكن الحديث عن هذا الجانب ومتابعة المزيد منه ينطوي على الفائدة دون أدنى شك ولذلك نقول ورد عن الروايات العامة ما يلقي الإنارة على شيء  من الغموض الذي يلثأ على بعض الروايات التي قرأناها عليكم من ذلك مثلاً ما ورد من الرواية على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط قال يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف.

لاحظوا كيف أن هذا النص الوارد من طرق العامة يفسر المقصود من نزول القرآن على سبعة أحرف حيث فسرها بشكل واضح لأن ذلك يرتبط بقضية اللغات أو اللهجات بدليل الإشارة إلى الرجل الذي لم يقرأ والعجوز والشيخ الكبير والجارية والغلام وكلهم مستويات من الطبقات البشرية التي لا تحمل ثقافة عالية كما هو واضح.

وهذا ما يتسق مع الذهاب إلى أن قراءتهم للقرآن ينبغي أن تتسق مع مستوياتهم الثقافية في مقدمة ذلك اللغة أو اللهجة التي تعد اللسان العام للقراءة. بيد أن هذا النمط من النصوص التي يمكن أن تحمل دلالة صائبة من حيث إلقاء الإنارة من قبل النصوص بعضها على الآخر فإن نمطاً آخر من النصوص تظل على العكس مما تقدم تماماً ومن هذا مثلاً ما سوف نقرأه عليكم ورد عن أحد الرواة الذين ينتسبون إلى العامة قائلاً: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نزل القرآن على سبعة أحرف عليماً حكيماً غفوراً رحيماً وفي رواية أخرى على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أقرئت القرآن على حرف وحرفين وثلاث حتى بلغت سبعة أحرف ليس منها إلا شاف كاف إن قلت سميعاً عليماً عزيزاً حكيماً ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب.

الواقع أن هاتين الروايتين وسواهما ينبغي أن نطرحهما طرحاً تاماً ولا سبيل إلى القناعة بهما أبداً والسبب في ذلك يعود في الواقع إلى القرآن الكريم من حيث إعجازه إننا نعلم جميعاً أن القرآن الكريم وهذا ما سنتحدث عنه لاحقاً أي إن الذي نعرفه جميعا أن القرآن الكريم نزل معجزة لغوية بالنسبة إلى عصر نزول الرسالة وبالقياس إلى ما هو مألوف ومعروف عند الجميع من أن كل نبي من الأنبياء والرسل يرسل بمعجزة تتناسب والبيئة الاجتماعية التي يحياها حيث أن البيئة الاجتماعية التي كان يحياها موسى عرفت بالسحر فجاءت معجزة العصا متناسبة مع تلكم البيئة وبالنسبة إلى عيسى (عليه السلام) كانت المعجزة التي صاحبت رسالته تتعلق بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص..الخ تناسب أيضاً وما عرفته البيئة الاجتماعية في ذلك الحين.

وأما بالنسبة إلى القرآن الكريم فكلنا يعرف أن القرآن الكريم ظهر في مجتمع برع في اللغة الفنية ولذلك نزل القرآن بلغة فنية معجزة بطبيعة الحال ومن أحد مظاهر هذا الإعجاز هو ما يتصل باستخدام القرآن الكريم للمفردات حيث لا يستخدم البتة أية مفردة مترادفة مع الأخرى بل يستخدم كل مفردة بحسب متطلبات السياق ولعلنا نحدثكم إن شاء الله عن هذا الجانب عندما نتحدث عن ترتيب الآيات القرآنية الكريمة وخضوعها إلى عمارة فنية موحدة يتسق فيها كل عنصر من عناصر السورة القرآنية مع العناصر الأخرى ومن ذلك الاتساق بين المفردات وبين الدلالات التي تحوم عليها السورة ومن ذلك سوف نعرف بأن القرآن الكريم من المستحيل أن يحتفظ بخلوده الفني إذا أردنا أن نبدل كلمة مكان الكلمة الأخرى إن السورة القرآنية الكريمة هي بمثابة عمارة والعمارة إذا قدر لأحد أن يشوه طبيعة الهندسة التي تقوم عليها حينئذٍ فإن العمارة تفقد دون أدنى شك جماليتها فنقل جزء من المبنى الهندسي إذا غير من مكانه فقد وظيفته كما هو واضح والأمر كذلك بالنسبة إلى الجسم الحي حيث أن كل عضو من أعضاء الجسم له وظيفته الخاصة ولا يمكن أن يتغير مكانه إلى مكان آخر لأن ذلك سوف يفقد الجسم عضويته التي تعني ارتباط كل أجزاءه بعضها مع الآخر.

المهم إن التلاعب بالألفاظ القرآنية بهذا الشكل أي إبدال كلمة غفور بكلمة رحيم  لا يمكن أن تحقق ظاهرة بلاغية معجزة أبداً لأن الإعجاز هي أحد الوجوه المهمة جداً هو أنه لا يمكننا أن نبدل كلمة بدلالتها ونضعها أو نضع مكانها كلمة أخرى بحجة الترادف وهذا ما سنوضحه أيضاً كما قلت عندما نحدثكم عن البناء الفني أو التفسير البنائي للقرآن الكريم عندما يحين موعد أو عندما نواجه عنوان التفسير وطبقات المفسرين وأنماط التفسير ومنه التفسير البنائي الذي توفرنا عليه وأوضحنا من خلاله كيف أن النص القرآني الكريم يمثل عمارة فنية خطط لها بشكل دقيق بحيث إذا تغير أي موضع من مواضع هذه العمارة أصبحت مشوهة وهو أمر يتنافى مع الظاهرة الإعجازية الكبيرة وعلى أية حال وقبل أن نختم الحديث عن الأحرف السبعة والمقصود منها نود أن نلفت النظر من جديد إلى أن التفاوت في وجهات نظر الباحثين في هذا الشأن لأنه في الواقع أن يحسم بشكل يتم التوفيق من خلاله بين أكثر من تأويل وليس الاقتصار على تأويل واحد حيث لاحظنا أن البعض من باحثينا ذهب وهو مطمئن كل الاطمئنان إلى أن المقصود من الحروف السبعة هو اللهجات واللغات مع أن الإقرار بهذا الجانب يظل في الواقع مطبوعاً بشيء من عدم اليقين العلمي وذلك لعدم معرفة الاطمئنان إلى أن اللغات أو اللهجات منحصرة في سبعة ولذلك فإن ذهاب البعض من هؤلاء المقتنعين بأن المقصود من نزول القرآن على سبعة أحرف هو سبع لهجات أو سبع لغات يحاول هذا الاتجاه من الباحثين أن يسوغ تفسيره لهذا الجانب من خلال ذهابه إلى أن السبع هي مجرد رقم رمزي يرمز إلى الكثرة كما ورد في القرآن الكريم مثلاً الإشارة إلى السبعين أو إلى المئة أو إلى الألف أو إلى السبع كل ذلك إنما هو رمز للكثرة أي أن المقصود من حضارة نزول القرآن على سبعة أحرف هو المقصود منه نزوله على أحرف متعددة أو متكثرة ولا يقصد بذلك التحديد التام.

هناك من يذهب في هذا السياق إلى أن المقصود من اللهجات السبع اللهجات الأكثر ظهوراً وشيوعاً بالنسبة إلى اللهجات واللغات الأقل انتشارا.. الخ. والأمر نفسه إذا اتجهنا إلى الطائفة من الباحثين الذاهبة إلى أن المقصود من الأحرف السبعة هو البطون والتأويلات وما إلى ذلك وطرح الروايات الأخرى نقول أيضاً أن الاقتصار على هذا  التفسير الذي يحصر المسألة في نطاق تعدد التأويل أيضاً أن في مثل هذا الحصر لا يمكن الاطمئنان إليه لأنه يناهض تماماً ما ورد من الإشارة مثلاً إلى أن في القرآن الكريم سبعة أساليب هي الزجر والأمر والمثل والجدل والقصة ..الخ. ولذلك فإن الموقف العلمي يفرض على الباحث أن يحاول أن يجمع بين النصوص بدلاً من أن يطرحها والجمع بين النصوص تقضي كما قلنا في بداية الحديث يقضي بيد أن كل رواية بسياقها الخاص الذي وردت فيه بذلك نتساءل أليس الأجدر بأن نقول أن القرآن الكريم بصفته نصاً إعجازياً خالداً ينطوي على مستويات متنوعة من الأساليب الفنية لذلك مثلاً القرآن الكريم على أساليب تعبيرية من ذلك الأسلوب المرتبط بالأسلوب القصصي والأسلوب المرتبط بصياغة المثل الفني والأسلوب المرتبط بالأشكال الأخرى التي وردت في الرواية.

كذلك ما هو المانع من أن نقول أن القرآن الكريم أيضاً بصفته نصاً معجزاً فنياً طوي على لغة تقوم على تعدد التأويلات بصفة أن تعدد التأويل هو أحد مظاهر الفن كما هو معروف عند المعنيين بشؤون الأدب والفن نعم من الممكن أن نتريث في الذهاب إلى أن المقصود من حيث القراءة المقصود من الأحرف السبعة هو القراءة المرتبطة باللغات أو اللهجات وعلى التوقف نابع في الواقع من وجود روايات قرأناه عليكم تنفي أن يكون القرآن قد نزل من خلال سبعة حروف وإنما نزل من واحد كما أن ثمة روايات تشير إلى أن القرآن نزل واحدا بلغة قريش أولئك جميعاً تجعلنا نتحفظ في الذهاب إلى إمكان أن نحمل رواية الحروف السبعة على القراءة المرتبطة باللهجة أو اللغة.

حيث أن ما يرتبط من حيث اللغة واللهجة هذا الجانب في الواقع تعرض له نص آخر من الروايات الواردة عن أهل البيت (عليه السلام) وحلت المشكلة من خلال ذلك وهو نزول القرآن الكريم على لغة واحدة إلا أن الاختلاف جاء من قبل الرواة وأننا معنيون أن نقرأ كما علمنا حيث قلنا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام علي (عليه السلام) وسائر المعصومين (عليه السلام)  أمرونا بأن نقرأ كما علمنا وأن ما علمناه هو في الواقع آت من طريق له سلسلته المرتبطة بقراءة الإمام علي (عليه السلام) حيث قرأ عليه أكثر من مقرأ وانتهى ذلك إلى ما هو معروف بعالم القراءة التي يصطلح عليها بقراءة أو برواية حفص عن عاصم وعاصم عن أحد تلامذة الإمام علي (عليه السلام) وهو السلمي والإمام علي (عليه السلام) بطبيعة الحال مرتبط بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والنبي بطبيعة الحال يأخذ الوحي من السماء وهذا يعني أن اللغة الواصلة إلينا وهي لغة المصحف الموجود بين أيدينا حالياً هي المملية برواية حفص  المتقدمة وهذا يعني بوضوح أننا عندما أمرنا بأن نقرأ كما علمنا إنما نقرأ القراءة الصحيحة وهذا يحسم الموقف ولا مشكلة لديه.

هذا إلى أن ثمة تفسيرات أخرى وردت بالنسبة إلى الأحرف السبعة سوف نعود لها إن شاء الله في محاضرات لاحقة ونناقشها وبهذا نكتفي الآن من الحديث عن القراءات وارتباطها بالأحرف السبعة على أن نعيد الكلام في بعض هذه الجوانب في محاضرة لاحقة إن شاء الله عندما نواصل بحثنا عن القراءات والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.