المادة: علوم القرآن
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 40.doc

نواصل حديثنا عن المادة المعرفية في القرآن الكريم حيث كان الحديث منصباً على أحد المحاور المتمثلة في المحور العقائدي وانتهينا من هذا المحور إلى ظاهرة حيث حدثناكم عنها مفصلا من حيث صلة الوضوح بنمط الطرح القرآني الكريم حيالها وانتهينا في نهاية المحاضرة إلى طرح ثلاثة محاور أو بالأحرى إلى طرح ثلاث نقاط هي أولاً هي الترشيد إلى مفهوم العبادة من خلال توظيف رسالة الأنبياء أو بالأحرى من خلال اطلاع الأنبياء (عليهم السلام) توصيل هذا المفهوم بالمجتمع البشري حيث استشهدنا بنصوص قرآنية كريمة تتناول هذا الجانب ووقفنا عند المحور بالنقطة الثانية ألا وهو المحور الذي يتحدث عن خطط إجمالية لمفهوم العبادة متمثلة بالمصطلحات الثلاثة وهي تعليم الكتاب، وتعليم الحكمة، والتزكية حيث قلنا أن التزكية تخص رسالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، ومجتمع محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأما الكتاب والحكمة فقد ورد ذكرهما في اكثر من موقع من مواقع القرآن الكريم وهو ما يرتبط بسائر الأنبياء (عليهم السلام) حيث ورد الحث على تعليم الكتاب والحكمة من خلال الوظيفة التي يضطلع بها الأنبياء، من خلال هذا الجانب، وقلنا في حينه أو بالأحرى تسائلنا في حينه المقصود بكل من الكتاب والحكمة الواردتين في أكثر من آية قرآنية كريمة، وانتهينا من ذلك إلى أن المفسرين لم ينتهوا إلى رأي يحسم هذا الموقف بقدر ما يظل هذا الموضوع محفوفا بالإجمال حيث ذهب مثلا بعضهم إلى أن المقصود من الكتاب هو الكتاب الخاص بهذه الرسالة أو تلك، فالكتاب الخاص برسالة موسى أو الكتاب الخاص برسالة عيسى أو الكتاب الخاص برسالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ولكن في حينه استشهدنا بآية فرآنية كريمة تتحدث عن عيسى (عليه السلام) وتشير إلى تعليمه الكتابة والحكمة والتوراة والإنجيل حيث أن التوراة والإنجيل هما من الكتب، فإذا كان الكتاب المنزل على النبي هو ما يقصد به الرسالة التي جاء بها حينئذ فما معنى أن يجيء الكتاب هنا ويجيء معه كل من الإنجيل والتوراة وما انتهينا إلى أن التفسير المفهوم الكتاب يضاد ما نجده في القرآن الكريم نفسه، والأمر نفسه بالنسبة إلى مفهوم الحكمة حيث تتردد التفسيرات في تحديد ما هو المقصود من مفهوم الحكمة هل هو الفقه والأحكام مثلا أم مطلق المبادئ التي رسمها الله للبشرية أم غير ذلك، هنا أيضاً نجد أقوالا مختلفة لا ترسو على شاطئ معين.

من هنا ينبغي أن نقف أو نتوقف في الواقع أو نتحفظ عن تقيد التفسير النهائي لهذا الجانب ولكن إذا أخضعنا هذه الظاهرة لمجرد الاحتمال قد يكون صائبا وقد كون خاطئا، ولكنه يظل مجرد احتمال ونعني به أنه من الممكن أن نستخلص من مصطلحي الكتاب والحكمة بان المقصود من مصطلح الكتاب هو مطلق التنزيل وما يتضمن هذا التنزيل من حكمة التشريع العام وهذا ما ينسحب على مفهوم الحكمة أي أن كلا من الكتاب والحكمة سواء أكانت هذه الكتب نازلة على الأنبياء السابقين أو كان الكتاب نازلا بالنسبة إلى مجتمع محمد (صلى الله عليه وآله)، في الحالتين تظل هناك معرفة أو بعد معرفي عام يتمثل في الكتاب الذي هو يجسد نزول الرسالات على المجتمع البشري ثم ما تتضمنه هذه الرسالات من حكمة خاصة من حيث التشريع للمبادئ المختلفة والتي نطالب بممارستها عباديا، وهذا يعني أن الكتاب هو مطلق التنزيل وان الحكمة هي المصالح التي رسمها الله سبحانه وتعالى من وراء تشريعه لهذه المبادئ أو تلك، وكما قلنا فإن هذا الاستخلاص قد يكون خاطئا ولكن حتى لا نقع في التناقض، حينئذ سوف نلجأ إلى هذا الاحتمال الصرف وإلا فمن الممكن أيضاً أن نقول حتى مع ملاحظة وجود تضاد بين الأخبار، ولكن من الممكن أن نقول أن المقصود من الكتاب هو كتاب لكل نبي (صلى الله عليه وآله) وأن المقصود من الحكمة هي المادة المعرفية المتمثلة في مطلق الأحكام أو المبادئ وبالنسبة إلى ما نلاحظه مثلا من ورود التوراة والإنجيل في سياق مع مصطلح الكتاب  حينئذ نقول من الممكن أن نقول الكتاب أولا في مصطلح عام، ثم ينص على كل من التوراة والإنجيل كما يوضحه المفسرون لمجرد التوكيد لا أكثر.

على أية حال بغض النظر على ما تقدم يظل هذا النمط من الطرح القرآن الكريم لوظيفة النبوة متمثلا في ما لاحظناه ويبقى النمط الثالث، وهو النمط الخاص بطرح المبادئ التي رسمها الله سبحانه وتعالى  ليس من خلال المفهوم الإجمالي العام وهو العمل العبادي وليس من خلال الخطوط الإجمالية التي تلي ذلك ونعني بها خطوط الحكمة والكتاب والتزكية، بل المقصود بذلك التفصيلات أو المفردات التي تتناول مبادئ الله سبحانه وتعالى سواء أكانت هذه المبادئ تتصل بالأحكام الفقهية كالصلاة والصوم وغير ذلك، اوكانت تتصل بالأحكام والظواهر العقائدية كالتوحيد والنبوة والإمامة وكانت تتصل بالسمة الأخلاقية في العشرات من الموضوعات أو الظواهر أو السمات الأخلاقية التي طرحها النص بالقرآن الكريم في مختلف مواقع النص المشار إليه.

والآن قبل أن نختتم الحديث عن هذا الجانب نود أن نشير إلى ملاحظة وردت عابرة وهي أن الإشارة إلى أن كلا من الكتاب والحكمة يعلمهم النبي (صلى الله عليه وآله) حيث قلنا أن الإشارة أيضاً بالإضافة إلى تعليم الكتاب والحكمة الإشارة إلى التزكية عبر قوله تعالى (ويزكيهم) حيث وردت هذه العبارة بأكثر من موقع، نقول أن هذا الجانب يظل مختصاً كما كررنا برسالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، بصفة أن التزكية هي أعلى النقاء في الطبيعة البشرية التي يستهدفها النص القرآني الكريم أي يستهدف وصولنا إليها من خلال الإشارة إلى أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد اطلع لتحمل أعباء الرسالة ومنها أن يزكينا نحن البشر من خلال الالتزام بالمبادئ التي رسمها الله تعالى إسلامياً وهذا إن دل على شيء إنما يدل بوضوح على أن الرسالة الإسلامية التي ختمت بها النبوات تظل انصع الرسالات النازلة من السماء، ثم يتعين علينا أن نثمن ونقدر ذلك فلنحاول تدريب ذواتنا على التعليم بممارسة مبادئ الله سبحانه وتعالى.

أخيرا ثمة محور رابع أو نقطة رابعة ينبغي أيضاً أن نشير إليها قبل أن نختتم حديثنا عن النبوة وصلة ذلك بالقرآن الكريم أي المادة المعرفية المتمثلة في ظاهرة النبوة، وصلة ذلك بالقرآن الكريم من حيث الطرح الذي استخدمه القرآن الكريم، في التعامل مع مفهوم النبوة حيث ذكرنا أولا أن المفهوم الأول هو اصطلاح الرسل جميعا بتوصيل مبادئ الله سبحانه وتعالى من خلال الطلب إلى أن عبد الله سبحانه وتعالى تجسيدا لقوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وكان المحور الثاني وبيان الخطوط العامة لعملية العبادة متمثلة في الكتاب والحكمة من حيث تعليمهما ومن حيث التزكية أخيرا بالنسبة إلى المجتمع الإسلامي، ثم الأسلوب الثالث أو النمط الثالث من الاطلاع بالرسالة، وهو ما يتمثل بتوصيل هذه المبادئ من خلال المفردات التي ذكرت بالقرآن الكريم على جميع المستويات العقائدية والفقهية والأخلاقية وما إلى ذلك.

رابعا يتعين علينا أن نشير ولو عابرا إلى الأسلوب الذي طرحه القرآن الكريم من خلال العمل بممارسة العبادي وهذا الأسلوب  يتمثل في لغة الرسل والأنبياء التي تزدوج بين أسلوب الترغيب والترهيب متمثلا في قوله تعالى على سبيل المثال (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين)، وهكذا يمكننا أن نجد أمثلة هذا التعبير من قوله تعالى (بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم) فالإشارة  من جانب والإنذار من جانب آخر يظلان أسلوبان يتبعهما النص القرآني الكريم من خلال الرسل الذين يطلعون بتوصيل مبادئه تعالى، والتفسير النفسي الواضح لهذا الأسلوب المزدوج ونعني البشارة والإنذار لا نعتقد انه يحتاج إلى مزيد من التوضيح ما دمنا نعرف أن الترغيب والترهيب هما الوسيلتان اللتان تتبعان في سبيل تحقيق الربط الاجتماعي أو تحقيق الهدف الذي يرفده الرسل والأنبياء ومن وراء كل من هذين الأسلوبين، سواء كان ذلك مفضيا إلى تحقيق القناعة أي الإيمان أو  التمرد أي المعصية والكفر.. الخ.

بهذا ننتهي من الحديث عن المادة المرتبطة بالنبوة وصلة هذه المادة بنمط الطرح القرآني الكريم لها ويبقى في الواقع عند حديثنا عن المحور النبوي في القرآن الكريم يبقى الحديث منصبا على ظاهرة واحدة يجدر بنا أيضا أن نلاحظها قبل أن ننتقل إلى موضوع جديد ونعني بها أن هذه الظاهرة ما يطرحه المفسرون من جانب وما يطرحه علماء البحث القرآني من جانب آخر، ونعني به العصمة المرتبطة بالأنبياء (عليهم السلام) حيث نجد أن موضوع العصمة يحتل مجالا كبيرا من البحوث، قديما وحديثا ولذلك يجدر بنا أيضاً أن  نتحدث عن هذا الجانب ولكننا سنتحدث عنه عابرا، لأن الموضع في الواقع يظل غير منسحبا على ثمرات عملية ذات أهمية كبيرة، لأن المسألة تتصل بسمات الرسل والأنبياء (عليهم السلام) وبالاصطفاء التي طبعهم من قبل الله سبحانه وتعالى، حيث لا ينسحبان ولا ينعكسان على سلوكنا نحن البشر العادي، ولذلك فإن الحديث عن العصمة قد لا ينطوي على أهمية كبيرة إلا من خلال كونه بحثا له إمتاعه الفكري فحسب، أو في أفضل المستويات يمكن أن يقول انه من الممكن في ظل البحث عن مفهوم العصمة أن تتعمق قناعة الشخصية الإسلامية مثلا بمبادئ الله سبحانه وتعالى من خلال قناعتها بمفهوم العصمة.

إن الطرح القرآني الكريم لهذه السمة بالنسبة إلى الأنبياء (عليهم السلام) ينبغي أن نشطره إلى نمطين أحد هذين النمطين يختلط بمطلق الأنبياء (عليهم السلام)، وأما النمط الآخر فيرتبط بنبينا محمد (صلى الله عليه وآله).

بالنسبة للأنبياء بشكل عام  ينبغي أن نقرر فنقول أن الله قد اصطفى الأنبياء اصطفاءا خاصا بحيث ينتخبهم ويمثلون النخبة البشرية التي لا يمكن أن تتحقق إلا لدى شخصيات نادرة الوجود من بين الملايين من البشر الذي يمارسون العمل العبادي في الحياة، لذلك نجد أن مجرد اصطفاء الله سبحانه وتعالى لرسل مجرد اصطفاءه كافل للتدليل على عصمة هؤلاء الأنبياء، إن الله سبحانه وتعالى عندما يقول على سبيل المثل (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين).

هذا يعني أن تفضيل هذه الشخصيات على الآخرين يعني أنهم يمتلكون سمات لا تتوفر لدى الغالبية من البشر، ولذلك فإن الاصطفاء كما قلنا يجسم أو يجسد مفهوما واحدا لعصمة الأنبياء، وأما ما نلاحظه من مصطلحات ترد عبر عبارات كالذنب أو الخطيئة أو المغامرة أو الخوف ونحو ذلك مما يرسل من خلال شخوص الأنبياء (عليهم السلام) عبر شخصيات آدم أو يونس أو موسى (عليه السلام) وغيرهم من الأنبياء، نقول أن بعض السمات التي توسم بالنسبة إلى ملامح هؤلاء الأنبياء والرسل، في الواقع تظل سمات عابرة جدا لا تقاس بالخط العام أو السمات العامة التي تتبع الشخصيات العامة لشخصياتهم (عليهم السلام) أو بكلمة أخرى كما يعبر الباحثون عن ذلك بان هذه السمات البسيطة التي قد يستخلص من خلالها الطابع السلبي عند بعض المتلقين لهذه النصوص يقول عندما يخيل إليهم أنه الطابع السلبي في الواقع لا ينسحب عليه مفهوم المعصية أو الخطأ بالمعنيين اللذين يفهمهما لغويا، إن المعصية هي ممارسة سلوك لا يرتضيه الله سبحانه وتعالى، والخطأ هو ممارسة سلوك يتنافى مع مبادئ العقل البشري ومن المؤكد أن الأنبياء (عليهم السلام) لا يصدرون في ممارساتهم اليومية سواء أكانت ذات طابع تبليغي، أو كانت ممارسات شخصية يظلون في الحالات جميعا صادرين عن سلوك معصوم من الذنب من جانب، ومعصوم من الخطأ من جانب آخر بمعناهما اللغويين والشرعيين والذين يتحدث عنهما الفقهاء أو يتحدث عنهما اللغويون.

من هنا ذهب كثير من الباحثين إلى أن هذه الأنماط من السلوك لا تترتب عليها طوابع سلبية بالقياس إلى ما نلاحظه من الطوابع التي تسم البشر العاديين، وذلك إن هذه الممارسات ما يعبر عنها بترك الأولى، أي أن يعض الأنبياء (عليهم السلام) حينما يصدرون عن هذا السلوك أو ذاك كان الأجدر مثلا أن لا يمارسوه دون أن تترتب على الممارسة آثار العصيان أو الآثار التي تتسبب في غضب الله سبحان وتعالى.

من هنا فإن مفهوم ترك الأولى يظل في تصورنا مفهوماً جيداً لتفسير الخطأ أو الذنب الذي يرد كتعبير في النص القرآني الكريم مع تأكيدنا للمرة الجديدة أن كل من الخطأ والذنب دلالتهما التي نألفهما ذهنياً بقدر ما يحملان دلالة أخرى لا تنتسب إلى ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، وتتأكد هذه الحقيقة بنحو أشد وضوحا بالنسبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وثلاثة عشر معصوما الآخرين، أي أن الأربعة عشر معصوما يظل في الواقع سلوكهم معصوم من كل خطأ من جانب، وكل خطيئة من جانب آخر، وكل ما ورد في القرآن الكريم من الإشارة إلى الذنب وسواه، نجد من النصوص الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) يفسرونها تفسيرا خاصا كالتفسير الذاهب إلى أنه إياك أعني واسمعي يا جارة، والتفسير الذاهب إلى أن المقصود من ذلك هو الأمة أو الجمهور وليس شخصية النبي بالذات.

ويكفي التدليل على ذلك جميعا ما نلاحظه على سبيل المثال من آية التطهير التي أشارت إلى أن الله سبحانه وتعالى أذهب الرجس عن أهل البيت وطهرهم تطهيرا إن عملية التطهير خصوصا وقد جاءت المفعول به طهرهم تطهيرا تظل مفصحة بوضوح عن أن هذه الشخصيات نقية كل النقاء، طاهرة كل الطهر، ومن المستحيل أن يصدر عنها أي سلوك يتنافى مع السلوك ،وكفى بهذا دليلا على عصمة أهل البيت (عليهم السلام) بدءا من محمد (صلى الله عليه وآله) علي، فاطمة، الحسن الحسين، و سائر الأئمة انتهاء إلى الإمام المهدي (عليهم السلام) إذا العصمة تظل فارضة وجودها على الأنبياء بشكل عام وتظل منسحبه على الأربعة عشر معصوما بشكل أشد تأكيدا بالنحو الذي تحدثنا عنه ولا نجدنا بحاجة إلى البحث أو إلقاء الإنارات الأخرى على هذا البحث وإلا فإن من يريد أن يدخل في هذه التفصيلات عليه أن يطالع عشرات الكتب والمجلدات الضخمة التي تحدثت عن صفات الأنبياء (عليهم السلام) وعن الأربعة عشر معصوماً وعن مفهوم العصمة ومستوياتها والتفسيرات المتفاوتة التي تفسر معنى الذنب والخطأ، ليس بمعناهما الشرعيين أو الذهنين بمعنى خاص لا يتنافى مع مفهوم العصمة وهذا مالا مجال للحديث عنه الآن، فقد قلنا بقدر ما استهدفنا الإشارة إلى ذلك ومن يريد أن يطلع على المزيد من هذه البحوث يمكنه الرجوع إلى المصادر المختلفة، ولكنا كما قلنا علينا أن نكتفي بهذا القدر من المعرفة لأن الأربعة عشر معصوما (عليهم السلام)  بالإضافة إلى الأنبياء تظل هذه الشخصيات المصطفاة من قبل الله سبحانه وتعالى شخصيات منتقاة ومصطفاة من البشر، بل يمكن الذهاب بالنسبة إلى المعصومين (عليهم السلام) من خلال رجوعنا إلى مختلف الروايات الواردة في تحديد شخصياتهم بحيث أن الله سبحانه وتعالى كما روي في كثير من الأخبار إنما خلق الحياة أساسا من اجل أمثلة هذه الشخصيات المصطفاة، وحينئذ عندما يهب الله تعالى هذه الشخصيات هذا المستوى من الخطورة ليس من المعقول البتة أن ننسب لهذه الشخصيات الذنب أو الخطأ بمعنيهما المشار إليهما، والحق أن تأكيدنا على هذا الجانب ينصب لأن نفرا من المنحرفين عن خط أهل البيت (عليهم السلام) والذين لا ينهلون من هذا المصدر الضخم بقدر ما ينهلون من مصادر محدودة جدا، حينئذ فإن هذا الموقف يستاقهم إلى أن يقفون من أهل البيت (عليهم السلام) موقفا عدائيا حتى أن هذا الموقف الأدائي ينسحب على الأحكام التي تطال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبل هؤلاء النفر المنحرفين عن خط أهل البيت، والذين يقفون بمنأى عن هذه المصادر التي تدلهم على الطريق الصائب.

ويمكننا أن نضرب بمثال واحدا على هذا الميدان حتى يتبين للطالب كيف أن من يعادي أهل البيت (عليه السلام) ينأى به الموقف ليصل إلى درجة أن يتهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالخطأ، وذلك من خلال عدة مواقف يقفها هؤلاء ومن جملة هذه الواقف ما سنتلوه عليكم حيث ورد في أحد الكتب الحديثة، وهو ما يحمل عنوان مناهل الأفهام نرى في هذه الكتاب وهو يتحدث عن الإعجاز القرآني الكريم ويريد أن يستشهد بان القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى، وليس كلام الرسول حينئذ نجده يقع في مفارقة ضخمة هي أنه ينسب الخطأ إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى درجة أن الأشخاص العاديين كعمر مثلا استطاع أن يصحح أخطاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، انظروا إلى هذا النص القائل (ورد أن كبير المنافقين عبد الله بن أبي لما توفي قام إليه النبي (صلى الله عليه وآله) فكفنه في ثوبه وأراد أن يستغفر له فقال له عمر أتستغفر له وتصلي عليه وقد نهاك ربك قال (صلى الله عليه وآله) إنما خيرني ربي فقال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله له وسأزيده على السبعين ثم أصلي عليه، فأنزل الله تعالى (ولا تصلي على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) فترك الصلاة عليه).

اقرأ الرواية بتمامها في الصحيحين ثم نبأني هل يعقل أن يكون القرآن كلام محمد مع ما ترى من أنه (صلى الله عليه وآله) فهم في الآية غير ما فهم عمر، ثم جاءت الآية الثانية للرسول عن فهمه ومؤيدة لعمر، فما كان الأجدر لو كان القرآن كلامه لكان هو أدرى الناس لمراده منه وأعرفهم بحقية المقصود بكلامه وان يجيء مؤيدا لكلامه ما فهمه هو لا لما فهمه غيره، لكن الواقع غير ذلك لقد سبق إلى فهمه (صلى الله عليه وآله) أن كلمة أو الآية الأولى للتخيير، وفهمها عمر أنها للمساواة، وفهم الرسول أن المراد بكلمة سبعين حقيقة العدد المعروف بالعشرات بين الستين والثمانين، وفهم عمر أنها للمبالغة لا للتحديد، فلا مفهوم لها. ولما كان ما فهمه الرسول جاريا على أصل أو بمعنى سبعين مرة تمسك برأيه خصوصا أن فيه يحمد رجل من الناس وإمكان منافقا وكان مضطلعا على الرحمة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

لاحظوا كيف أن هذا الكاتب وهو ينهى عن مصادر أهل البيت (عليهم السلام) كيف يجرئ على رسول الله إلى درجة انه يتهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه لم يفهم من كلمة أو إلا معناها اللغوي، ولم يفهم كلمة سبعين إلا معناها اللغوي أيضاً، بينما أرشده عمر إلى ما هو صائب حيث أفهمه بأن كلمة أو هي للمساواة وليست للتخير، وأفهمه بان كلمة سبعين هي للمبالغة وليست للتحديد كما فهما (صلى الله عليه وآله)، لننظر جيدا إلى أمثلة هذه التهمة الخطيرة الموجهة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بحيث أن الرسول يقع في الخطأ ولكن أحد الصحابة لا يقع في الخطأ وهو ينبهه على الخطأ نقول أن أمثلة هذه المواقف وهي تزخر في الكتب المعادية لأهل البيت (عليهم السلام) قديما وحديثا، نقول من المؤسف جدا أن أمثلة هذه المفارقات الضخمة التي تسيء إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) أيضاً، وليس إلى أهل البيت فحسب كل ذلك ينجم من ابتعاد هؤلاء عن المصدر الذي ينبغي أن يرجعوا إليه كما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه حينما قال أو حينما قرر أن كلا من كتاب الله  وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) هو وعترته ينبغي أن يتمسك بهما لمن أراد الرشاد وإلا فإن الفصل بين هذين المصدرين يقودالآخرين إلى الوقوع في الضلال كما لاحظنا وقوع هذه الشخصية وسواها ممن لم يتمسك بأهل البيت (عليهم السلام).

على أية حال نكتفي بالحديث عن هذا الجانب بما قدمناه من الإشارات السريعة جدا عن مفهوم النبوة وصلة هذا المفهوم بالقرآن الكريم من حيث مفهوم النبوة وانتيهنا من ذلك إلى الحديث عن العصمة بالشكل الذي تقدمت الإشارة إليه الآن وبهذا نختم حديثنا عن هذا الجانب، لنتجه إلى جانب آخر هو المادة المعرفية المتصلة بالإمامة وما طرحه القرآن الكريم حيال هذا الجانب، وفي هذا الميدان نقول:

إن من الواضح جدا أن المئات من الظواهر المطروحة في القرآن الكريم تطرح بنحو إجمالي وتتكفل أو تضطلع السنة الشريفة بتبيان ذلك وهو أمر لا يختلف فيه اثنان، لأن غالبية مبادئ الرسالة الإسلامية التي نخبرها جميعا ونعمل بها بحسب ما وصلت إلينا كل ذلك يظل صداً للسنة الشريفة من حيث كونها هي التي تضطلع بتبيين أو بتفصيل ما أجمعه القرآن أو ببيان ما لم يذكره القرآن الكريم، كل ذلك يظل من الوضوح بمكان كبير ولعل المفهوم المتصل بالإمامة يظل واحدا من المفهومات التي واكبها النص القرآني الكريم، ولكن من خلال الإجمال تماما وعدم الإشارة الصريحة إلى ذلك، بقدر ما ترك الأمر إلى السنة الشريفة كما قلنا، والسبب في ذلك كما احتملناه هو أن القرآن الكريم وهو يتحدث عن الاختبار الإلهي وعملية الامتحان مما إلى ذلك، سمح لنا أو ترك لنا في الواقع البعد الثقافي لنختبر ولنمتحن ولنبتلى من خلاله أيضاً اي ترك الساحة الثقافية مفتوحة لعملية الاختبار الإلهي ليرى كيف نتعامل مع هذا البعد الثقافي، ومن ذلك ما يرتبط بالسنة الشريفة التي اضطلعت بتوضيح ما في الكتاب فعلى سبيل المثال يمكننا أن نقرأ منذ البداية أو بالأحرى منذ أن نزلت الآيات المتنوعة التي ترهص بالحديث عن مفهوم الإمامة بدءاً من الآية القرآنية الكريمة التي تتحدث عن المباهلة حيث أن المباهلة بإجماع المفسرين كانت من حيث الطرف النبوي متمثلة بالنبي (صلى الله عليه وآله) وفي علي وفاطمة والحسنين (عليهم السلام)، وفي نهاية حياته الى آية إكمال الدين التي نزلت قبل أشهر قليلة من وفاته (صلى الله عليه وآله)، متمثلة في حادثة الغدير التي نقلها العشرات من الرواة، نقول إن هاتين الحادثتين بالإضافة إلى ما ورد من آية التطهير لأهل البيت (عليهم السلام) نقول هذه الإشارات المتنوعة في القرآن الكريم تمثل ارهاصات عامة للحديث عن الإمامة وذلك من خلال الإشارة إلى مفهوم الوصية المتمثلة في حادثة الغدير حيث نصب النبي (صلى الله عليه وآله) الإمام علي (عليه السلام) نصبه وصياً له بالشكل الذي تذكره عشرات المصادر فيما لا حاجة إلى الحديث عنه الآن، نقول بدءاً من الإشارة إلى ذلك حينئذ فإن الإشارات الأخرى التي واكبت هذه الجوانب أي الإشارات المتمثلة ليس في شخصية الإمام علي (عليه السلام)، فحسب وإنما في الإشارة إلى الخمسة الأطهار الذين ضمتهم كل من المباهلة وآية التطهير من جانب آخر نجد أن آيات قرآنية كريمة متفرقة تشير إلى الأئمة (عليهم السلام) من خلال التفسير الوارد والمجمع عليه من قبل غالبية المفسرين، نذكر هذا من نحو ما ورد على سبيل المثال من الآية المعروفة أو الآمرة بإطاعة الله والرسول وأولي الأمر، أو من خلال الآية المشيرة إلى أهل الذكر ونحو ذلك من الآيات التي تبلغ العشرات أو المئات من حيث الإشارة الصريحة الواردة في أسباب النزول أي التي تشير إلى أن هذه الآية نازلة في الإمام علي (عليه السلام) مثلا أو في الأئمة (عليهم السلام) مثلاً، أو في الآيات التي تتحدث عن ظاهرة الجري أو المصداق، أي الآية التي يرد فيها شأن خاص بالنزول ولكنها في الآن ذاته تنسحب على هذا المورد أو ذاك بالشكل الذي ملنا إليه في المحاضرات السابقة لا حاجة أيضاً إلى التكرار أو إلى تكرار ذلك في هذا الميدان.

المهم حسبنا أن نشير إلى أن النص القرآني الكريم ذكر إجمالا في جملة موارد هذا الجانب وترك السنة الشريفة تتطلع بتبيان هذا الجانب من خلال عشرات أو مئات الروايات التي تحدد هذه الموضوعات، فمثلا بالنسبة إلى الآية القرآنية الكريمة القائلة (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) نجد الرواية التفسيرية القائلة بأن المقصود من أولي الأمر منكم هم الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، والأمر نفسه بالنسبة إلى الآية الأخرى التي تشير قائلة فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون حيث سئل رسول (صلى الله عليه وآله) عن هذه الآية فقال (الذكر أنا والأئمة أهل الذكر) إلى آخر ما ورد من روايات أخرى جميعا تصب في هذه الدلالة.

الذي نستهدفه الآن الإشارة إلى هذا الجانب نقول أن القرآن الكريم وهو يطرح جملة مفاهيم أو جملة مواد معرفية، ومن جملة ذلك المادة المعرفية المتصلة بمفهوم الإمامة وذلك من خلال الآيات التي أشرنا إليها الآن ومن خلال الآية المتصلة بالخطورة الأكثر من ذلك هي إكمال الدين التي نزلت في علي  (عليه السلام) من حيث الوصية إليه من حيث الخلافة وما يترتب على هذه الخلافة من الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).

المهم لا نريد أن ندخل في تفصيلات هذا الميدان لأن هناك عشرات الكتب التي ألفت في ميدان الأئمة (عليهم السلام) وكونهم خلفاء للرسول (صلى الله عليه وآله) بعددهم المشار إليه الذي ينتهي بالإمام المهدي (عليه السلام) وهو الإمام الحي الذي ننتظر بإذن الله سبحانه وتعالى قيامه بمهمته التي أوكله الله وهي إنقاذ البشرية في آخر المطاف للحياة الدنيا، والمهم لا نريد الآن أن ندخل في تفصيلات هذه الجوانب بقدر ما استهدفنا الإشارة فحسب إلى أن القرآن الكريم وهو يطرح مواد معرفية متنوعة من جملتها المادة المتصلة بالإمامة ومنها المادة المتصلة باليوم الآخر وهو ما نحدثكم عنه لاحقا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.