المادة: علوم القرآن
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 13.doc

 تحريف القرآن

نواصل حديثنا عن القرآن الكريم من حيث علومه وتاريخه حيث حدثناكم عن جملة موضوعات من القرآن الكريم ونبدأ الآن فنحدثكم عن موضوع جديد من الموضوعات المرتبطة بهذا الشان ألا وهو موضوع التحريف والقرآن الكريم.

والتحريف عنوان يعني من حيث الدلالة وجود زيادة أو نقيصة أو تلاعب بالنص القرآني الكريم ومع علمنا أن القرآن الكريم بهذا الشكل الذي وصل إلى أيدينا يشكل حجة شرعية علينا بالنحو الذي كررناه في محاضراتنا السابقة حيث قلنا أن الإمام علي (عليه السلام) وهو الحجة في هذا المجال أوضح بأن القرآن الكريم الذي بين أيدينا أوضح بأنه يمثل الحجة الشرعية كما أن المعصومين (عليه السلام) ومنهم الإمام الصادق (عليه السلام) قد أشار إلى هذا الجانب من حيث قراءتنا للقرآن الكريم كما علمناها وأخيراً إن الزمن الذي استغرق حياة المعصومين (عليه السلام) وهو أكثر من قرنين كل ذلك يحملنا على أن نطمئن كل لاطمئنان إلى أن القرآن الواصل بأيدينا هو حجة شرعية وإلا لكان للمعصومين (عليه السلام) إشارات إلى التحريف أو إلى الزيادة أو النقصان أو التلاعب بالقرآن الكريم الذي هو بين أيدينا ولو وصل إلينا جيلاً بعد جيل مثل هذا التأشير أو التلميح إلى وجود تلاعب بالقرآن الكريم.

 لكن بغض النظر عن ذلك جميعاً فإن ثمة شبهة بالتحريف زيادة أو نقصاناً نقول أن هذه الشبهة تظل شبهة مطروحة على بساط البحوث المرتبطة بالقرآن الكريم قديماً وربما حديثاً أيضاً ولذلك يستدعي الحديث عن هذا الجانب القائل إنارات عليه وأن كان في تصورنا لا يحمل أهمية كبيرة ما دام الأمر الواصل إلينا وهو أن القرآن الذي نقرأه الآن يجسد الحجة كما قلنا وحينئذ لا ضرورة كبيرة في إلقاء الإنارة على هذا الجانب ولكننا سياقاً مع الباحثين الذين تحدثوا عن علوم القرآن وعن تأريخه نقول انطلاقاً مع هؤلاء نتحدث عن هذا الجانب خاصة وأننا سوف نطرح بعض الموضوعات الجديدة وكل ذلك قد يشكل لنا مسوغاً في الحديث عن هذا الجانب أي جانب التحريف ولذلك نبدأ حديثنا عن هذا الجانب فنقول:

 قبل أن نحدثكم في الواقع عن هذا الجانب نود أن نمهد عنه بحديث له أهميته في ميدان التحقيق بشكل عام بغض النظر عن صلة هذا التحقيق بالقرآن الكريم ولكنه من حيث الصلة بالسنة بشكل عام يكتسب أهمية الشك نقول في هذا الميدان إن المعروف لدى الباحثين في ميدان البحوث التاريخية بخاصة أن ثمة مصطلح يطلق عليه اسم تحقيق النص وتصحيح نسبته إلى قائله هذا النمط من الطرح يظل متصلاً بخاصة بما يرتبط بالتراث أو الموروث الذي يستغرق أو الذي يمتد أجيالاً أو قروناً طويلة وحينئذٍ بمناسبة هذا الامتداد وهذا الطول يظل النص الواصل للباحث المعاصر يظل هذا النص مشكوكاً فيه من حيث كونه إما أن قد يكون قد تلف جانب منه وإما أن يكون قد تلاعب بعضها لغرضين فيه وإما أن يقع على سبيل المثال لأسباب تتصل بالنسخ مثلاً في زمن النسخ أو تتصل بالطبع في زمن المطبعة.. الخ. مما نحتمل وقوع التحريف في هذا الكتاب أو ذاك.

وفي هذا الميدان نجد الباحثين يطلعون بمهمات متنوعة لإثبات أن هذا النص صائب أو أنه خال من التحريف أو انه محرف فعلاً.. الخ. ومن هنا يكتشف البحث التاريخي الذي يندرج ضمن تحقيق النص يصبح مثل هذا البحث له أهميته الكبيرة بخاصة في ميدان الفقه أو بالأحرى في ميدان التعامل معه النصوص الواردة عن المشرع الإسلامي حيث أن المغرضين كما نعلم ذلك جميعاً تلقوا عشرات من النصوص التي تتناسب ومذاهبهم المنحرفة وهو أمر لا نعتقد أننا بحاجة إلى أن نطرحه ونستشهد به بخاصة أن ما طرحناه في المحاضرات السابقة من إشارات خاصة إلى المعادين لخط أهل البيت (عليه السلام) كيف أنهم على سبيل المثال في ميدان أسباب النزول أو فضاء النزول ربطوا بين آية قرآنية كريمة وبين سبب نزولها لينتهوا من ذلك إلى الطعن بمذهب أهل البيت (عليه السلام) أو بشخصياتهم (عليه السلام).

المهم إذا تجاوزنا ذلك كله وانتهينا إلى الحديث عن تحقيق النص نتساءل حينئذٍ قائلين هل أن الحديث عن القرآن الكريم أيضاً بحاجة إلى أن يمارس حياله تحقيق النص أم لا من الواضح أن القرون الماضية بدءاً من صدور أول رسالة في تحقيق النص القرآني الكريم انتهاءً إلى الحياة المعاصرة نقول اثبت المعنيون بالبحث القرآني الكريم أثبت هؤلاء جميعاً أن النص القرآني الكريم ظل محتفظاً بما هو عليه الآن دون أدنى شك بالشكل الذي فصلنا الحديث عنه بالمحاضرات السابقة ولكن يلاحظ أن قسماً من الباحثين وهذا القسم من الباحثين ينتسب قسم منه إلى المذاهب العامة وينتسب قسم آخر منه إلى المذهب الخاص ولكن فيما يبدو أن كلاً من هذين النمطين يجسد نسبة ضئيلة جداً بالقياس إلى النسبة الضخمة أو الغالبية التي تذهب إلى عدم وجود تعرض القرآن لأي تحريف في هذا الميدان ومع ذلك تمت الإشارة إلى أن الذاهبين إلى التحريف إنما ينتسبون إلى خلفيات مذهبية خاصة تستهدف الطعن أكثر مما أنها تستهدف الحقيقة كما هو طابع التحقيق في النص الذي يطبع غالبية الثقافة العامة حيث أن تحقيق النص إنما يستهدف من ذلك الرد أو تصحيح ما وقع من تحريف فعلي يبحث عن الحقيقة إما في ميدان حديث التحريف عن القرآن الكريم فالملاحظ أن هناك ثلاثة أنماط من الباحثين يطرحون مسألة التحريف أولهم أعداء الإسلام بشكل عام. الثاني من ذلك المذاهب العامة التي تحاول أن تلصق بعض التهم بالمذهب الخاص. وثالثاً بعض أفراد المذهب الخاص حيث تعاملهم مع النص الوارد عن المشرع الإسلامي حيث أن التعامل مع النص يحتاج دون أدنى شك إلى ذكاء خاص من حيث استخلاص الدلالة المستهدفة في هذا النص أو ذاك وهو أمر سنعرض له خلال حديثنا عن ظاهرة التحريف طبيعياً.

الآن نريد أن نتحدث عن النمط أو الطائفة الأولى القائم بالتحريف وهم أعداء الإسلام مطلقاً بقدر ما نريد أن نتحدث عن التحريف لإطلاق ما هو مألوف في المجتمع الإسلامي الذي طرح ظاهرة التحريف بشكل عام وهذا يقتادنا أولاً إلى أن نتحدث عن معنى التحريف في دلالته اللغوية فنقول:

التحريف يعني ذلك الانحراف عن الشيء وهذا الانحراف قد يتمثل حيناً في زيادة قرآنية ويتمثل حيناً في نقيصة قرآنية ويتمثل ثالثاً تلاعب دلالي أي الذي يتعامل مع الدلالة القرآنية الكريمة يفسرها ويطالعها ويستنبط منها دلالة خاصة يستهدف منها ملائمة هذه الدلالة لمذهبه الخاص وهذا يعني أن التحريف هنا هو تفسير أو تأويل للدلالة بغير ما يحتملها واقع النص القرآني وهذا ما أشارت إليه الآية القرآنية الكريمة المعروفة ونعني بها النص القائل من الذين هادوا يحرفون الكلمة عن مواضعها.

فالتحريف هنا يرتبط بالدلالة التي يحاول المتعامل مع النص القرآني الكريم أن يحولها من واقعها إلى واقع يتلاءم مع انحراف المذهب الذي يحمله صاحب هذا التعامل مع النص القرآني الكريم وهم اليهود الذين أشار النص القرآني الكريم إليه على أية حال سوف نثبت على أي رواية وردت عن المشرع الإسلامي وتشير إلى تحريف ما فإن المقصود من هذا التحريف هو التفسير أو التأويل للدلالة وليس التحريف بمعنى الزيادة أو لنقصان النص القرآني الكريم ولكن بغض النظر عن ذلك ما دمنا نود أن نتحدث أولا عن القائلين بالتحريف نود أن نشير إلى أن المذاهب العامة وهي تتهم المذهب الخاص بإمكان وجود تحريف في النص القرآني الكريم نقول أن قادة المذاهب العامة بدءوا بالحديث عن وجود تحريف في نص القرآني الكريم قبل سيرة طائفة أخرى ويمكننا أن نستشهد بهذا الميدان بجملة نصوص تتناول الجانب المشار إليها.

ولعلكم تتذكرون في محاضرة سابقة تحدثنا فيها عن فضاء النزول تتذكرون جيداً الرواية الواردة عن عمر عن عائشة بأن ثمة آيات قرآنية كريمة كانت تتلى بزمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنها ذهبت أو تلفت بعد وفاته ومن ذلك الإشارة إلى أن ثمة آية تتحدث عن عشر قراءات معلومات يحاولون.. الخ. ونسخ ذلك بنهاية خمس أضعاف.. الخ. وان هذا كان مكتوباً في صحيفة وأن ذلك كان قد وضع تحت سرير عائشة وان ذلك جاء فأكل ذلك الخ. كما تتذكرون في حديثنا عن ظاهرة جمع القرآن الكريم والنسخ وما إلى ذلك تتذكرون جيداً كيف أن النصوص تشير إلى أن عمر جاء بآية قرآنية كريمة وهي تتصل بآية الرجم التي تقول الشيخ والشيخة فارجموهما البتة الخ. كيف أنه أتى بهذه الآية إلى أن الذي جمع القرآن لم يثبتوها في ذلك العهد نظراً لأن الجمع كان يرتكن إلى وجود شاهدين وكان هو الشاهد ولذلك لم تثبت هذه الآية المزعومة بالقرآن الكريم.

هنا نود أن نلفت النظر أيضاً إلى أن هذه الآية المزعومة ورد فيها اختلاف لدى الرواة بعضهم يقول أن الرواية أو أن النص جاء بهذا الشكل إذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم بينما جاءت في نسخة أن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وفي نص ثالث الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قرر من اللذة الخ. إن هذا التفاوت في النص المزعوم كاف وحده إلى إلغاءه من الحساب.

المهم لو تابعنا الآن أمثلة هذا الكلام لوجدناه أن نصاً آخر يروى عن عمر أيضاً يقول بالإضافة إلى آية الرجم كنا نقرأ لا ترغبوا عن أدائكم فإنه كفر بكم أو أن كفراً بكم أن ترغبوا عن أدائكم كما جاء عن أحد الرواة قال ليقولن أحدكم قد أخذوا القرآن كله وما يدريني ما كله قد ذهب منه قرآن كثير هذه النصوص الواردة عن عمر تشير إلى أن ثمة نصوص قرآنية كريمة لا وجود لها الآن في النص القرآني الحالي مما يعني أن في القرآن الكريم نقيصة وأما بالنسبة إلى عائشة فقد لاحظتم كيف أشارت إلى آية الرضاعة أيضاً ومن ثم فقد ورد عنها أيضاً أكثر من نص تذهب به مذهب عمر ومن ذلك قولها كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف منها ما هو الآن وهنا نص يروى عن أبي موسى الأشعري حيث يقول كنا نقرأ سورة كنا نشبهها بالطول والشدة ببراءة فنسيتها غير أني قد حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واد ثالثة ولا يملأ جوف ابن آدم غير التراب وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها إني حفظت منها يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة. وقال راوٍ آخر سورة الأحزاب إنها كانت تقارب سورة البقرة أو هي أطول من سورة البقرة وورد عن آخر أن الذين آمنوا وهاجروا جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما كتب لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون روي أنها أيضاً كانت من القرآن الكريم وأما السورتان المشهورتان اللتان تمثلان إحدى الأساطير التي يتحدث عنها الرواة ونعني بهما سورتي الخل والحفد حيث يشير المؤرخون إلى وجودهما في مصحف ابن عباس وأبي اللهم إننا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكبرك ونخلع ونترك من يهجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحنث نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق ..الخ.

إن هذه النصوص يرويها العامة كما هو واضح وكلها تشير إلى أن نظر هؤلاء في القرآن الكريم أنه يشتمل على نقيصة أو على تحريف يتمثل في النقيصة المشار إلى بعض نماذجها قبل قليل أما الآن مع ملاحظتنا لهذا الجانب حينئذٍ نتساءل لماذا يتجاهل الباحثون هذه النماذج التي تقول بتحريف القرآن من قبل المذاهب العامة وقبالة ذلك نجد أن المنتسبين لهذه المذاهب يتهمون المذهب الخاص بأنه هو القائل بالتحريف ونعتقد بأن الإجابة على هذا السؤال تتضح بجلاء تام إذا أخذنا بنظر الاعتبار إحدى الظواهر النفسية التي يطلق عليها حسب مصطلح علماء النفس ظاهرة الإسقاط بمعنى أن الشخص لا شعورياً إذا كان يتحسس في وجود التواء في أعماقه أو انحراف في سلوكه حينئذٍ لا شعورياً يخلع هذه السمة على الآخرين حتى يتحرر من وطئة هذا الإحساس الكريه بالنقص المشار إليه أي أن هذه التهمة تظل قناعاً يتستر به المريض يتحرر من مكبوتاته النفسية على أية حال لحسن الحظ أن كثيراً من الباحثين المنتسبين للمذاهب المشار إليها لحسن الحظ انهم قد انتبهوا على هذا الجانب أيضاً وقالوا بعدم التحريف وأسقطوا تلكم الروايات التي أشرنا إليها. وأما بالنسبة إلى بعض الشخصيات التي تحدثت عن جانب التحريف أيضاً وقلنا أن هذه الشخصيات نادرة جداً لا تتجاوز بعض الأشخاص أو أن الروايات التي استندت إليها لا تتجاوز بعض الروايات العابرة نقول أن هذا النمط من التعامل مع النص القائل بوجود تحريف ما هذا الواقع إنما صدر عن خطأ فتعامله في الدلالة التي تشير إليها بعض الروايات القائلة بوجود تحريف في النص القرآني الكريم بمعنى أن هؤلاء فسروا النص بما لا يتلاءم وطبيعته إذا أخذنا بنظر الاعتبار الأسلوب المتبع في بداية عصر الرسالة الإسلامية في جمع القرآن الكريم وحفظه وتدوينه إن الباحث من الطائفة المحقة بدءاً مع ألمع شخصياتهم المتمثلة بشخصية الشيخ المفيد والطوسي.. الى أحدث باحث معاصر أولئك جميعاً يمنكرون التحريف عن القرآن الكريم وهذه كتبهم ومصنفاتهم تشير إلى ذلك بوضوح حيث طبعت مرات متعددة ما لا يخفى ذلك على أحد من هنا يجدر بنا أن نقف عند النصوص التي تتحدث عن ظاهرة التحريف متمثلا في الإشارة إلى أن القوم حرفوا كتاب الله سبحانه وتعالى من جانب وفي الإشارة من جانب آخر إلى أن القرآن الكريم كان يشتمل على أسماء المعصومين (عليه السلام).

هذا بالإضافة إلى ما سمعته في محاضرة سابقة تشير إلى أن الإمام علي (عليه السلام) عندما جمع القرآن الكريم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعرضه على القوم ولكن القوم رفضوه مما يعني أن الرفض كان بسبب وجود انحرافات دون أدنى شك والحق أن الإجابة عن هذه الأسئلة من الممكن أن تتضح بجلاء إذا أخذنا بنظر الاعتبار جملة من الحقائق التي أشرنا إليها سابقاً والتي أشار الباحثون الإسلاميون أيضاً إليها بشكل أو بآخر متمثلة أولاً في الإجابة عن الروايات القائلة لأن في النص القرآني الكريم أسماء أو عبارات لا وجود لها الآن في النص القرآني الواصل بأيدينا وفي هذا السياق يشار إلى نمطين من هذه النقيصة:

النمط الأول الإشارة إلى الآيات المزعومة التي ذكرناها قبل قليل ويكفي في الرد على هذا أن العشرات أو المئات من القراء والحفاظ للقرآن الكريم لا يعقل أنهم جميعاً قد أرسلوا هذا الجانب واحتفظ شخص أو شخصان بهذه السورة أو تلك أو بهذه الآية أو تلك مما قرأناه عليكم كآية الرضعات أو سورتي الخل أو الحرب الخ.

وأما النمط الثاني وهو في تصورنا ما جعل بعض الباحثين يذهبون إلى وقوع التحريف في القرآن الكريم متمثلاً فيما لاحظوه أولاً من وجود مصطلح التحريف في بعض الروايات ثم ما لاحظوه ثانياً من وجود عبارات شارحة أو معلقة من جانب آخر ومن المعروف جداً أن الصحابة كان لكل واحد منهم بخاصة ممن هو مشهور كان لكل واحد منهم مصحف يحتفظ به بحسب ما يراه من جمع خاص للسور القرآنية الكريمة وبحسب ما كان يحتاج إليه من إيضاح وشرح للنصوص القرآنية الكريمة من جانب آخر ومن المعلوم أن الكتابة حينئذٍ لم تكن ككتابتنا المعاصرة حيث أن الأقواس أو الفوارز أو النقاط الشارحة ..الخ. لم يكن لها وجود حينئذٍ ولذلك عندما كان الباحث القديم عندما يستشهد بنص لم يضعه بين قوسين وإنما يشير إليه بكلام انتهى حتى كان القارئ أن هذا النص الذي نقله عن مصدر آخر إنما هو ليس للمؤلف نقول أن الصحابة حينئذٍ عندما كانوا يكتبون القرآن الكريم كانوا يضعون الكلمة الشارحة أو المعلقة إلى جانب النص القرآني وهو أمر نشاهده في جملة من المصاحف وإليكم على سبيل المثال بعض نماذجها في مصحف ابن مسعود جاء في أحدها كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.. الخ.

في سياق هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت زيادة فاختلفوا فكان النص كما هو الآن أن الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين الخ. فهنا جاءت كلمة فاختلفوا شارحة للمقصود من أن الأمة الواحدة كيف كانت سابقاً وكيف انتهت فيما بعد ذلك كذلك ورد النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم أزواجهم وأمهاتهم ورد خلال هذا النص القرآني الكريم مصطلح شارح وهو العبارة القائلة وهو أب لهم كذلك ورد عن ابن مسعود انه قال كنا نقرأ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك إن علياً مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلغت رسالتك والله يعصمك من الناس واضح من هذه النصوص التي استشهدنا بها من مصحف ابن مسعود واضح أن هذه النصوص قد ذيلت بعبارات شارحة أو معقبة كعبارة فاختلفوا وعبارة وهو أب لهم وعبارة أن علي (عليه السلام) مولى المسلمين واضح جداً أن ابن مسعود وسواه عندما أثبتوا هذه الكلمات ولم تكن الأقواس حينئذٍ بينهم معروفة إنما وضعوها بمثابة كلمة شارحة ومعقبة ليس إلا يدلنا على ذلك على سبيل المثال ما ورد بالنسبة إلى الكلمة الشارحة أو المعقبة الأخيرة ونعني بها أن الإمام علي (عليه السلام) ورد ذكره في الآية المشار إليها يكفينا في ذلك أن نشير إلى الرواية المعبرة الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام) عبر النص الآتي وهو يعقب على آية وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم قائلاً نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليه السلام) فقلت له أي الراوي يخاطب الإمام الصادق (عليه السلام) إن الناس يقولون فما له لم يسمي علياً وأهل بيته في كتاب الله قال (عليه السلام) فقولوا لهم أن رسول الله نزلت عليه الصلاة ولم يسم لهم ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي فسر لهم ذلك.. الخ.

لاحظوا كيف أن الإمام الصادق (عليه السلام) يفسر هذا النص القرآني الكريم بوضوح عندما قال وهو يعقل على أولي الأمر منكم وضرورة الإطاعة لهم نقول كيف أشار بوضوح إلى عدم ذكر القرآن الكريم لاسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم معللاً ذلك لأن كثيراً من النصوص القرآنية الكريمة لم يرد فيها أو لم تسمى بصراحة بقدر ما تكفلت السنة الشريفة بذلك وهذا يدلنا على أن ابن مسعود عندما وضع اسم الإمام علي (عليه السلام) في مصحفه كان هذا الوضع بمثابة كلمة شارحة أو معقبة ليس إلا والنص الذي ذكرناه عن الإمام الصادق (عليه السلام) دليل واضح على ما ذهبنا إليه.

في هذا الجانب يشير المعنيون في البحث القرآني الكريم يشير إليه القدماء أيضاً بنحو واضح وأن ذلك ما ورد مثلاً أنهم لم يكونوا يعرفوا معنى الزخرف حتى وجدوا في مصحف ابن مسعود العبارة الشارحة لها ويقصد بها البيت من الذهب كذلك كانوا لم يفهموا المقصود من الآية القرآنية الكريمة السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما كانوا لم يعرفوا حد القطع حتى قرأوا في المصحف المذكور بأن القطع باليمين حيث وردت هذه العبارة شارحة ضمن نفس الآية القرآنية الكريمة إذا نستطيع أن نستخلص من ذلك بالنسبة إلى الإجابة على الأسئلة الأخرى وفي مقدمتها الحديث عن مصحف الإمام علي (عليه السلام) حيث جمعه وعرضه على القوم حيث جاء رفض مستنداً إلى ما ورد فيه من الكلمات الشارحة والمعقبة ليس إلا ولذلك فإن الباحثين عندما يتحدثون عن مصطلحي التنزيل والتأويل قل ما يشيرون إلى أن معنى التنزيل آنئذ كان يعني الوحي ولكن ليس من خلال القرآن بل من خلال السنة وأما التأويل فيعني التفسير الوارد عن السنة بطبيعة الحال وهذان المصطلحان التنزيل والتأويل يظلان هما المقصود بهما بكلمتين أو عبارتين اللتين قلنا أنهما إما أن تكون شارحة وإما أن تكون معقبة بالنحو الذي عرفناه.

أخيراً نود لفت النظر إلى أن بعض الدراسات الحديثة التي تناولت القرآن الكريم ليس من حيث البناء الفني للسور فحسب حيث أثبتنا ما سنلاحظ ذلك إن شاء الله في محاضراتنا اللاحقة عند حديثنا عن التفسير البنائي للقرآن الكريم حيث نلاحظ أن نفس البناء الهندسي من حيث ترتيب موضوعاتها وعناصرها وانسجام ذلك بعضها مع الآخر وانسياق ذلك للموضوعات الفكرية نقول كل ذلك يشكل جواباً لأية اعتراضات تقول بأن القرآن الكريم قد دخله التحريف من خلال ما هو قرآن وليس من خلال ما هو كلمة معقبة أو شارحة نقول فضلاً عن ذلك فإن بعض الدراسات الحديثة التي تحدثت عن جوانب متعددة وموضوعة عن القرآن الكريم عن إعجازه وهو أمر سنعرض له إن شاء الله في حينه عندما نتحدث عن إعجاز القرآن الكريم بلاغياً وما ينتظم هذا الإعجاز من عناصر بلاغية ممتعة ومنها على سبيل المثال العنصر الإيقاعي حيث أن بعض الدراسات الحديثة تناولت هذا الجانب وأثبتت من خلال ذلك كيف أن أوائل السور التي تبدأ بعبارة معينة وبإيقاع صوتي خاص في هذا الحرف أو ذاك كيف أن هذه الإيقاعات لانتظامها في نمط خاص من الصياغة كل ذلك يشكل دليلاً واضحاً على أن الآيات الكريمة التي انتظمت في هذه السورة أو تلك إنما وضعت ضمن تخطيط خاص بحيث إذا زيد عليها أو نقص منها اختل النظام الإيقاعي المشار إليه وبغض النظر عن ذلك أي سواء أكانت هذه الدراسات تخضع ليقين علمي أو ليست كذلك ولكنها تشكل ولو إشارة سريعة إلى أن القرآن الكريم لم يتعرض إلى التحريف بالمعنى الذي قلناه لا زيادة ولا نقصان أما الزيادة فقد رأينا أن النصوص التي استشهدنا بها من خلال الإشارة إلى ما ورد عن عمر وعائشة وسواهما من وجود آيات أو سور كانت تتلى زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أثبتنا كيف أن هذا الزعم يتنافى تماماً مع وجود العشرات أو المئات الذين عاصروا زمن الرسالة أي زمن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وما بعد ذلك أيضاً حيث أن هؤلاء المئات لا يعقل أن يكونوا جميعاً لم يسمعوا بآية أو سورة كان قد سمعها فلان أو فلان فحسب.

وأما النقيصة فقد أثبتنا أيضاً كيف أن ما خيل للبعض أن القرآن قد نقص منه العبارة أو هذه الإشارة إلى موضوع ما نقول أن هذه النقيصة أو تلك إنما خيل للباحثين أو خيل لبعض الباحثين من أن النقيصة هي بالواقع ليست من القرآن أساساً حتى تصبح نقيصة وإنما كانت منذ الأول كانت بإشارة مفسرة أو شارحة أو معقبة حتى يحتفظ كل واحد بالإحاطة الكاملة لموضوع السورة الكريمة أو الخاصة فيما يتصل بشخصية الإمام علي (عليه السلام) وبمصحفه الذي طالما أشار هو بنفسه أنه يحتوي على كل شيء على الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والى آخره مما يعرفه هو من خلال ما أملاه عليه النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

وذلك بالنسبة إلى الأصحاب الذين عاصروا زمن الرسالة حيث كان البعض منهم كابن عباس وابن مسعود وسواهما من المقربين لشخصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحينئذٍ إن ما استفاده من الرسول ومن جانب وما استفادوا أيضاً من خلال أن الإمام علي (عليه السلام) من تفصيلات لم ترد في النص القرآني النازل على النبي وحياً وإنما وصلت عن طريق الشرح أو طريق التعقيب بالنحو الذي أوضحناه كل أولئك يفسر لنا جانبا من المشكلة التي أثارها الباحثون قديماً وحديثاً من قضية التحريف بالشك الذي تقدم الحديث عنه.

على أية حال نكتفي الآن بالحديث عن ظاهرة التحريف الذي تقدمت الإشارة إليه وسنوافيكم إن شاء الله تعالى في محاضراتنا اللاحقة بموضوعات جديدة تتصل بالقرآن الكريم من حيث علومه وتاريخه ونتناول ذلك وفقاً لما تناولناه سابقاً من حيث عدم التفصيل من جانب ومن حيث عدم التركيز على الموضوعات التي لا تشكل أو لا تظهر لها ثمرة عملية مهمة وإنما ننتخب من الموضوعات ما نجده تسم بأهمية ما ومن ثم من الأهمية المذكورة على أسلوب التعامل مع القرآن الكريم من حيث التفسير يظل هو المستهدف أساساً من وراء علوم القرآن الكريم وتاريخه بصفة أن المطلوب هو أن ندرك ونتبين ونرى التعبير القرآني الكريم وما ينطوي عليه من أسرار فنية وعلمية من مستوى الإعجاز على النحو الذي سنحدثكم عنه إن شاء الله تعالى في محاضراتنا اللاحقة وحتى ذلك الحين نستودعكم الله سبحانه وتعالى ونتمنى لكم مزيداً من التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.