المادة: أصول الفقه 2
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon asol 23.doc

(النفي):

النفي في اللغة: الجحد والإنكار.

وفي النحو: هو ضدّ الإثبات، والإثبات - نحويا - هو الحكم بوجود أمر.

فجملة: (الهواء ندي) إثبات، وجملة: (الهواء غير ندي) نفي.

وبسبب تأثّر البحث النحوي العربي بالمنطق اليوناني استخدم في مجال الدرس إلى جنب النفي والإثبات كمصطلحين، مصطلحي الإيجاب للإثبات، والسلب للنفي.

ويعرّف الإيجاب -   Affirmationمنطقيّا - ب إثبات أمر لأمر آخر.

والسلب -  Negationكما يعرّفه ابن سينا في (النجاة) - هو  رفع النسبة الوجوديّة بين شيئين.

أدوات النفي:

وجملة النفي في اللغة العربية لا تعتبر جملة نفي إلا باشتمالها على إحدى أدواته.

وأدواته هي: ليس، غير، ما، لا، لات، إن، لن، لم، لمّا.

وقد يدلّ سياق الجملة أو اُسلوبها على النفي من دون الاعتماد على إحدى أدواته.

فإنّ مثل هذه الجملة لا تعدّ - نحويا - منفية، ولكنّها تعدّ في الرأي الاُصولي نفيا.

(السياق):

ويراد به سياق الجملة، وهو اُسلوبها الذي جرت عليه، أو قل: سياق الكلام هو اُسلوب الكلام.

وبعد: فمن تعرّفنا لمفردات العنوان نعرف أنّ المراد بالعنوان المذكور: الجملة المنفيّة أو القضيّة السالبة المشتملة على نكرة.

مع العلم أنّه لا يفرّق في وقوع النكرة في الجملة أن يكون بعد أداة النفي مباشرةً مثل: (لا عتق إلا في ملك)، أو بعد العامل المباشر لأداة النفي مثل: (لم أر حيوانا في هذه الفلاة).

وتعبيرهم بـ(النكرة في سياق النفي) بدل أن يقولوا (النكرة بعد النفي) يريدون به هذا.

يقول الأسنوي في (الكوكب)(1): النكرة في سياق النفي تعمّ، سواء باشرها النافي نحو (ما أحد قائما) أو باشرها عاملها نحو (ما أقام أحد).

دلالتها:

يتفق الفريقان - النحويون والاُصوليون - على أنّ جملة النكرة في سياق النفي تفيد العموم.

ولكن هناك اختلاف لدى النحاة في نوعية الدلالة:

- هل هي نصّ.

- أو ظهور.

- أو منها نصّ ومنها ظهور.

واختلف الاُصوليون:

- هل هي بالوضع، بمعنى أنّ هذا الاُسلوب (أعني جملة النكرة في سياق النفي) موضوع في اللغة العربية للدلالة على العموم.

- أو أنّها بالعقل، أي بالإطلاق المستند إلى مقدّمات الحكمة.

وخلاف آخر يرجع إلى الفرق بين دلالة النكرة في حالة الإثبات ودلالتها في حالة النفي، أشار إليه المحقّق الحلّي.

وفي بيان الاختلاف النحوي يقول الأسنوي في (الكوكب الدرّي)(2): ثمّ إن كانت النكرة صادقة على القليل والكثير كشي‏ء، أو ملازمة للنفي نحو (أحد)، أو داخلا عليها (من) نحو (ما جاءني من رجل)، أو واقعة بعد (لا) العاملة عمل إن، وهي لا التي لنفي الجنس، فواضح كونها للعموم.

وما عدا ذلك نحو: (لا رجل قائما) بنصب الخبر و (ما في الدار رجل) فالصحيح أنّها للعموم أيضا.

ونقله شيخنا أبو حيّان في (الإرتشاف) في الكلام على حروف الجر عن سيبويه، لكنّها ظاهرة في العموم لا نصّ فيه، ولهذا نصّ سيبويه على جواز مخالفته، فتقول: (ما فيها رجل بل رجلان) و (لا رجل فيها بل رجلان) أي يرفع (رجل)، كما يُعدل عن الظاهر فتقول: (جاء الرجال إلا زيدا).

وذهب المبرد إلى أنّها ليست للعموم، وتبعه عليه الجرجاني في أوّل (شرح الإيضاح)، والزمخشري في تفسير قوله تعالى: (ما لكم من إله غيره) وقوله: (ما تأتيهم من آية).

كذا أطلق النحّاة المسألة، ولابدّ من استثناء شي‏ء قد ذكرته في كتاب (التمهيد)، وهو سلب الحكم على العموم، كقولنا: (ما كلّ عدد زوجا) فإنّ ذلك ليس من باب عموم السلب، أي ليس حكما بالسلب على كلّ فرد، وإلا لم يكن في العدد زوج، وذلك باطل، بل المقصود بهذا الكلام إبطال قول من قال: أنّ كلّ عدد زوج.

ولإيضاح الإختلاف الاُصولي يقول اُستاذنا المظفّر: لا شكّ في دلالتها على عموم السلب لجميع أفراد النكرة عقلا - لا وضعا - لأنّ عدم الطبيعة إنّما يكون بعدم جميع أفرادها.

وهذا الذي ذكره لا يتنافى مع وضع الاُسلوب المذكور في اللغة له.

واستعمال الاُسلوب فيه عند أهل لغتنا شاهد ذلك.

واستدلّ العلّامة الحلّي - تبعا لخاله المحقّق الحلّي - على دلالتها على العموم بالدليل الكلامي التالي:

قال في (المبادي‏ء): وأمّا النكرة المنفيّة فإنّها نقيض المثبتة، وهي (يعني النكرة) غير عاملة في الإثبات، فتعمّ في النفي.

وهذا الذي استدلّ به العلامة الحلّي ينطبق على مسألتنا هذه في جميع اللغات، ومنها اللغة العربية.

وفي خصوص اللغة العربية - بالإضافة إلى ما ذكره - فدليل عموم النكرة في سياق النفي يستفاد من الاُسلوب كما ألمحت.

وفي تبيان الفرق بين دلالة النكرة في الإثبات ودلالتها في النفي يقول المحقّق في (المعارج): النكرة في سياق النفي تعمّ جمعا، - وفي الإثبات بدلا - لوجهين:

أحدهما: أنّ قولك: (أكلت شيئا) يناقضه (ما أكلت شيئا)، فلو لم تكن الثانية عامّة لم تحصل المناقضة.

الثاني: لو لم تكن (يعني النكرة في سياق النفي) للعموم لما كان قولنا (لا إله إلا اللَّه توحيدا).

ب- النكرة في سياق النهي:

ما قيل في مسألة النكرة في سياق النفي يقال في اُختها الشقيقة النكرة في سياق النهي، مع فارقين فقط، هما:

1- وضع النهي موضع النفي.

2- والأمثلة.

أمّا الأمثلة، فمنها:

(لا يسخر قوم من قوم).

(ولا يبخس منه شيئا).

(لا تتّخذوا بطانة من دونكم).

(اتّبعوا ما اُنزل إليكم من ربّكم ولا تتبعوا من دونه أولياء).

ويعرّف النحويون النهي بأنه: طلب الكفّ عن الفعل أو الإمتناع عنه على وجه الإستعلاء والإلزام.

وله صيغة واحدة هي الفعل المضارع المقرون بـ(لا) الناهية الجازمة نحو: لا تهمل واجبك(3).

ج- النكرة في سياق الشرط:

وهي كاُختيها المتقدّمتين عليها، لا تفترق عنهما إلا في وضع الشرط موضع النفي أو النهي.

وكما أنّ للنهي صيغة واحدة، للشرط - هنا - أداة واحدة، هي (إن).

وعرّفوا الشرط بأنّه: تعليق شي‏ء على آخر، بواسطة الأداة، بحيث لا يتحقّق الثاني إلا بتحقّق الأوّل.

ويسمّى الأوّل فعل الشرط، والثاني جزاءه، ومن هنا قد يطلق على جملة الشرط اسم (المجازاة).

ومن أمثلة هذا الاُسلوب:

(إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا).

(وإن أحد من المشركين استجارك فأجره).

يقول الدكتور عبدالكريم مجاهد في كتابه (الدلالة اللغوية عند العرب)(4) وهو في معرض تعداد ألفاظ العموم: النكرة في سياق نفي أو شرط أو نهي كقوله تعالى:

(ما أنزل اللَّه على بشر من شي‏ء).

(إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبيّنوا).

(لا يسخر قوم من قوم).

فالألفاظ: (بشر) و (فاسق) و (قوم) نكرات دلّت على العموم في سياقها(5).

ويبدو من الشواهد التي استشهدوا بها، وإن لم ينصّوا على ذلك - أنّ المراد من الشرط - هنا جملة إنّ الشرطيّة.

أو قل: يشترط في الشرط - هنا - أن يكون بحرف الشرط الذي هو (إن)، وذلك لأنّ البحث في دلالة أسماء الشرط على العموم له موضوعه الخاصّ به، والذي سيأتي بعد هذا.

كما انّه لابدّ من الإشارة إلى الفرق بين البحث في الشرط في موضوع المفاهيم والبحث عنه هنا، وهو انّ البحث عنه هناك يتوخّى منه معرفة ظهور جملة المفهوم في ما يخالف ظهور جملة المنطوق من حيث الحكم والدلالة، والبحث هنا يهدف منه إلى معرفة دلالة اُسلوب النكرة بعد الشرط بـ(إن) الشرطيّة على العموم وظهوره فيه.

وظاهر استقراء الاستعمالات العرفيّة له في مجالي الفهم والإفهام أنّه يفيد العموم.

د- النكرة الموصوفة بوصف عام:

وهي مثل: (ولعبد مؤمن خير من مشرك).

ذكرها الدكتور مجاهد في كتابه (الدلالة اللغوية عند العرب)(6) ضمن قائمة ألفاظ العموم الدالّة عليه.

وله وجه لاستفادة العرف منه ذلك.

5- أسماء الشرط:

مرّ بنا تعريف الشرط في ما سبقه، وتقدّم ما يلمح إلى أنّ أدوات الشرط تنقسم إلى قسمين: حروف وأسماء.

- والحروف المقصودة هنا - أي في موضوع العموم - حرف واحد، هو (إن) - كما سبق.

- أمّا الأسماء المرادة هنا فهي: أي، من، ما، متى، أين.

(أي) - بفتح الهمزة وتشديد الياء -، وتزاد عليها (ما) توكيدا (أيّما). ولها ثلاثة أساليب في استعمالها أداة شرط، هي:

1- ان تضاف إلى النكرة، فتكون بمعنى (كل)، فتفيد العموم لذلك.

نحو: (أيّما إهاب دبغ فقد طهر)، أي (كلّ جلد دبغ فقد طهر).

2- أن تضاف إلى المعرفة، فتكون بمعنى (بعض)، وهذه لا عموم فيها، نحو: (أيّما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ)، أي (إن قضيت أحد الأجلين (وهو بعضهما فلا عدوان عليّ).

3- ان تقطع عن الإضافة لفظا وتقدر معنى، فإن قدرت بـ(كل) فهي للعموم، وان قدرت بمعنى (بعض) فلا عموم فيها.

نحو: (أيّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى)، وتقدر - هنا – بـ(كل) بدلالة سياقها، وذلك لأنّها جاءت بعد قوله تعالى (قل ادعوا اللَّه أو ادعوا الرحمن أيّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى): أي: كلّ اسم تدعون به من الاسمين المذكورين - وهما اللَّه - الرحمن - فهو من أسمائه الحسنى.

وتقول: (أي صائم أكل في نهار شهر رمضان عامدا فعليه الكفّارة: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكينا، فأيّا كفّر به فقد امتثل)، أي: أيّة واحدة من هذه الخصال الثلاث (وهو بعضها) كفّر به فقد امتثل.

(من) - بفتح الميم وسكون النون -.

مثل:

(فمن شهد منكم الشهر فليصمه).

(من أحيا أرضا فهي له).

(من ألقى سلاحه فهو آمن).

(ما):

مثل:

(وما تنفقوا من خير يوف إليكم).

(وما تفعلوا من خير يعلمه اللَّه).

(متى):

كقول الشاعر:

ولست بحلال التلاع مخافة

ولكن متى يسترفد القوم أرفد

(أين):

وقد تزاد عليها (ما) توكيدا فتصبح (أينما):

مثل:

(وللَّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّم وجه اللَّه).

(أينما تكونوا يدرككم الموت).

(أينما تكونوا يأت بكم اللَّه جميعا).

والضابط في معرفة دلالة هذه الأساليب على العموم هو:

1- صحّة تقدير (كل) أو (أي).

2- وصحّة الاستثناء من مدخول الأداة.

نحو: كلّ من شهد الشهر فليصمه إلا المريض.

وكلّ ما تنفقون من خير يوف إليكم إلا إذا كان رياءً.

وفي أي وقت يسترفد القوم أرفد.

وفي أي مكان تكونون يدرككم الموت.

 

الهوامش:

(1)- ص 228.

(2)- ص 288، 289.

(3)- موسوعة النحو والصرف والإعراب: مادة النهي.

(4)- ص 33.

(5)- واُنظر أيضاً: دراسة المعنى عند الاُصوليين للدكتور طاهر سليمان حمودة ص 24.

(6)- ص 34.