المادة: أصول الفقه 2
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon asol 22.doc

وسجّل هذا الاحتجاج أيضا - أعني احتجاج فاطمة - معاصر ابن الحاجب: أبو منصور محمّد بن علي بن أبي طالب الطبرسي المتوفّى حدود سنة 620هـ في كتابه الموسوم بـ(الاحتجاج) فمن خطبة السيّدة فاطمة الزهراء الكبيرة التي رواها عن عبداللَّه بن الحسن المعروف بالمحض بن الحسن المثنّى بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) باسناده عن آبائه.

ومورد الاحتجاج من الخطبة المشار إليها هو قولها(عليها السلام): أيّها المسلمون، أأُغلب على إرثي؟!

يابن أبي قحافة، أفي كتاب اللَّه ترث أباك ولا أرث أبي؟! لقد جئت شيئا فريّا، أفعلى عمد تركتم كتاب اللَّه ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول: (وورث سليمان داود)، وقال فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا إذ قال: (فهب لي من لدنك وليّا يرثني ويرث من آل يعقوب)، وقال: (واُولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللَّه)، وقال: (يوصيكم اللَّه في أولادكم للذكر مثل حظّ الاُنثيين) وقال: (إن ترك خيرا الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقّا على المتّقين).

وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا، أفخصّكم اللَّه بآية أخرج أبي منها؟!، أم تقولون: إنّا أهل ملّتين لا يتوارثان؟!، أولست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟

أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟....(1).

وان اختلف في وثاقة عبداللَّه المحض، والأكثر على عدم وثاقته، فالخطبة مصحّحة بالمتن وبالشهرة عند القبيلين أهل السنّة والشيعة، ولا أقل من الإتّفاق على مورد الاحتجاج.

نقلت هذا المقطع من الخطبة الشريفة لأؤيّد صحّة إستدلال ابن الحاجب بالتطبيق الشرعي على دلالة الجمع المعرّف بالإضافة إلى المعرفة على العموم وظهوره فيه.

إذ لو لم يكن الأمر كذلك لما استدلّت السيّدة الزهراء بعمومات الميراث في القرآن الكريم، ومنها آية (يوصيكم اللَّه في أولادكم للذكر مثل حظّ الاُنثيين)، ولما جاز لأبي بكر أن يدّعي تخصيص عموم الآية المتمثّل بعبارة (أولادكم) بما تفرّد به من قوله: (نحن معاشر الأنبياء لا نورّث).

كما لاُشير إلى أنّ السيّدة الزهراء(عليها السلام) إن لم تكن هي أوّل من استعمل كلمتي (العموم) و (الخصوص) كمصطلحين علميين، فهي من أوائل من استعملهما بما لهما من مدلول علمي.

و (التبادر العرفي) وكذلك (التطبيق الشرعي) اللذان استدلّ بهما ابن الحاجب ناهضان في إثبات المطلوب الذي هو دلالة الجمع المعرّف بالإضافة إلى المعرفة على العموم وظهوره فيه.

وتناول المحقّق المسألة ولكن باختصار وتركيز، قال: الجمع المضاف كقولك (عبيدي) و (عبيد زيد) للاستغراق.

والحجّة عليه: جواز الاستثناء، وتقريره ما مرّ ، ويريد به بيانه له - في ماتقدّمه - وهو قوله: إنّ ألفاظ العموم يصحّ الاستثناء فيها، والاستثناء دلالة التناول لوجهين:

أحدهما: النقل.

والثاني: أنّه مشتق من (الثني) وهو المنع والصرف.

وإذا كان للإخراج فلو لم يتناول اللفظ الأوّل ذلك المخرج لما كان إخراجا.

ونخلص من كلّ ما تقدّم إلى أنّ الجمع المعرّف بالإضافة إلى المعرفة يفيد العموم.

والضابطة لمعرفة ذلك هي:

- صحّة إضافة كلمة (كلّ) أو كلمة (جميع) إلى الجمع المضاف.

- وصحّة الاستثناء من الجمع المضاف.

ج- الجمع المنكّر:

ومن الشواهد التي ذكرت له:

(وما لنا لا نرى رجالا كنّا نعدهم من الأشرار).

(يسبّح له فيها بالغدو والآصال × رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللَّه).

وقد اختلف في دلالته على العموم:

- فعند المحقّقين من الاُصوليين ليس هو من صيغ العموم، كما يقول ابن الحاجب في (المنتهى).

وأكثر العلماء على أنّه لا يفيد العموم كما يقول العاملي في (المعالم).

-  وذهب بعضهم إلى إفادته ذلك، وحكاه المحقّق عن الشيخ بالنظر إلى الحكمة  كما جاء في (المعالم) أيضا.

والمذكور في (معارج المحقّق) - بعد نفيه دلالة الجمع المنكّر على الاستغراق - هو قوله: وحمله الشيخ – (رحمه الله - على الاستغراق من جهة الحكمة، وهو اختيار الجبائي.

ثمّ ذكر دليل الشيخ على ما ذهب إليه، فقال: واحتجّ الشيخ(رحمه الله) بأنّ هذه اللفظة (يعني الجمع المنكّر) إذا دلّت على القلّة والكثرة، وصدرت من حكيم، فلو أراد القلّة لبيّنها، وحيث لا قرينة وجب حمله على الكلّ.

وفي (المعالم) - بعد أن نقل نصّ ما ذكره المحقّق من احتجاج الشيخ - عقبه بقوله: وزاد من وافقه (يعني الشيخ) من العامّة (يعني أهل السنّة) أنّه ثبت إطلاق اللفظ على كلّ مرتبة من مراتب الجموع، فإذا حملناه على الجميع فقد حملناه على جميع حقائقه، فكان أولى.

وهو توضيح لاحتجاج الجبائي على رأيه في المسألة.

(وناقش المحقّق احتجاج الجبائي بأنّ لفظ الجمع المنكّر في شموله لأقل مراتب الجمع، وأكثرها، ليس لأنّه موضوع لكلّ منهما فيكون حقيقة في كلّ منهما، أي مشترك لفظي بينهما، وإنّما هو لأنّه موضوع لمطلق الجمع الذي يصدق على القلّة والكثرة، أي هو مشترك معنوي بينهما.

وناقش احتجاج الشيخ الطوسي بما أوضحه صاحب المعالم بقوله:

والجواب عن احتجاج الشيخ:

امّا أوّلا: فبالمعارضة بأنّه لو أراد (الحكيم) الكلّ لبيّنه أيضا.

وأمّا ثانيا: فلأنّا لا نمنع عدم القرينة إذ يكفي فيها كون أقلّ المراتب مرادا قطعا  لأنّه القدر المتيقّن.

ويلخّص ابن الحاجب دليل النفاة بقياس الجمع على المفرد، وبتفسير الجمع بأقلّ مراتبه فيقول: لنا: القطع بأنّ (رجالا ( للجمع - أي جمع - كرجل للواحد - أي واحد كان -.

و (هذا) يلزم أن لا يكون (رجال) ظاهرا في العموم، كما انّ (رجلا) ليس ظاهرا في زيد وعمرو (يعني الخصوص).

وأيضا فانّه لو قال له: (عندي عبيد) صحّ تفسيره بأقل الجمع، ولو كان ظاهرا في العموم لم يصحّ(2).

والأمر - كما تراه - التزام من المثبتين والنافين بالمنهج الكلامي في الإستدلال.

ولأنّنا - هنا - نتعامل مع نصوص لغوية اجتماعيّة فطريقنا الطبيعي إليها هو العرف الاجتماعي: كيف يتعامل، وكيف يَفْهَم وكيف يُفْهِم.

ولم يعهد في الحوار العرفي استخدام الجمع المنكر للدلالة على العموم.

والآيتان الكريمتان المستشهد بهما تعربان عن ذلك حيث اُريد بكلمة (رجال) فيهما رجال مخصوصون لتقييدهما بالوصف (كنّا نعدهم من الأشرار) و (لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللَّه).

والنتيجة:

هي أنّ الجمع المنكر لا دلالة فيه على العموم:

3- اسم الجنس المعرّف:

عنونه بعضهم بالعنوان بالمذكور، وعنونه آخرون بـ(المفرد المعرّف باللام) وبـ(الواحد المعرّف باللام) و (المفرد المحلّى)، و  المراد بالمفرد هنا اسم الجنس  - كما يوضّح صاحب القوانين -، وكما انّ المراد بالتعريف هنا التعريف بأل الجنسيّة.

إلا أنّهم اختلفوا في المراد باسم الجنس على قولين، هما:

1- المراد به الجنس نفسه الذي هو الماهيّة المطلقة (لا بشرط شي‏ء)، أو قل: الجنس مطلقا.

2- المراد به الجنس ضمن فرد من أفراده غير معيّن، المعبّر عنه بـ(الفرد المنتشر)، أو قل: الجنس المقيّد بإرادة فرد من أفراده غير معيّن.

قال القمّي في (القوانين): لكنّهم اختلفوا في أنّ المراد باسم الجنس:

- (هل) هو الماهيّة المطلقة لا بشرط شي‏ء فيكون مطابقا للمسمّى (ويعني به الجنس الذي هو الطبيعة الكليّة المقرّرة في نفس الأمر مع قطع النظر عن وضع لفظ له).

- أو (هو) الماهيّة مع وحدة لا بعينها، ويسمّى فردا منتشرا.

ونحن إذا رجعنا إلى النحو العربي باعتبار اسم الجنس مصطلحا من مصطلحاته، ومفهوما من مفاهيمه، فسنراه يعرف اسم الجنس بأنّه  الذي لايختص بواحد دون غيره من أفراد جنسه، نحو: طالب، كتاب، رجل.

ومنه: الضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة وأسماء الشرط وأسماء الاستفهام، لأنّها لا تختص بفرد واحد دون غيره.

ويقابله العَلَم (الذي يختصّ بفرد واحد) لا المعرفة، فالضمائر - مثلا - معارف وهي أسماء: أجناس(3).

ويقسّم النحّاة العرب اسم الجنس باعتبار مدلوله إلى قسمين، هما:

1- اسم الجنس الإفرادي.

و هو ما دلّ على الجنس لا على إثنين، ولا على أكثر من إثنين، وإنّما هو صالح للقليل والكثير، نحو: خل، زيت، تراب، لبن(4).

اسم الجنس الجمعي:

ووهو ما تضمّن معنى الجمع، ودلّ على الجنس، وله مفرد من لفظه ومعناه، مميّز منه بالتاء أو ياء النسبة نحو (ثمر) ومفرده (ثمرة) و (لوز) ومفرده (لوزة) و(عرب) ومفرده (عربي) و (روم) ومفرده (رومي)...(5).

ونلمس الفرق بين النظرتين الاُصولية والنحوية في التالي:

1- انّ المقسم في التقسيم النحوي هو لفظ اسم الجنس، أي انّ التقسيم لما يصطلح عليه نحويا باسم الجنس باعتباره لفظا له هيئة خاصّة أو تركيب خاص مستعمل في معنى معيّن.

2- بينما الترديد في تحديد اسم الجنس هو بين معنييه، أي أنّ نظرة الاُصولي انصبت على معنى اسم الجنس.

3- في الترديد الاُصولي تردّد المعنى بين الماهية المطلقة والماهية المقيدة.

4- وفي التقسيم النحوي تنوّع اللفظ إلى ما له مفرد من مادّته (حروفه)، وما ليس له مفرد من مادّته (حروفه).

وكما ترى لم يلحظ في كلّ من النظرتين الشموليّة التي هي عنصر مقوّم للعموم.

وذلك لأنّ القبيلين - اُصوليين ونحويين - تعاملوا مع اسم الجنس، ولم يتعاملوا مع أل الجنسيّة التي منها نلتمس الدلالة على العموم.

وتتمّ محاولة معرفة هذا بتماميّة أمرين، هما:

1- صحّة حلول (كل) محل (أل) وإفادتها الشموليّة.

2- وصحّة الاستثناء من مدخول أل.

ولنطبّق هذا على الأمثلة أو الشواهد التالية:

(أحلّ اللَّه البيع وحرّم الربا).

(إنّ الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا).

(إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شي‏ء).

فإنّنا نستطيع أن نقول: (أحلّ اللَّه كلّ بيع إلا بيع الغرر، وحرّم كلّ ربا إلا الربا بين الابن وأبيه).

(وكلّ ماء بلغ قدر كر لا ينجسه شي‏ء إلا إذا تغيّر وصفه بالنجاسة).

ومع هذا اختلفت رؤيتهم في المسألة على قولين:

1- قول بإفادة اسم الجنس المعرّف تعريف جنس للعموم.

وممّن قاله الشيخ الطوسي في القديم، والشيخ المظفّر في الحديث.

2- قول بعدم إفادته العموم.

واختاره المحقّق والعلّامة واستقربه صاحب المعالم.

قال العاملي في (المعالم): وأمّا المفرد المعرّف فذهب جمع من الناس إلى أنّه يفيد العموم، وعزاه المحقّق إلى الشيخ.

وقال قوم بعدم إفادته، واختاره المحقّق والعلامة، وهو الأقرب.

واستدلّ النافون بوجهين لخّصهما المحقّق في (المعارج) بقوله:

الأوّل: لو دلّ (اسم الجنس) على الاستغراق، لأكّد بمؤاكدات الاستغراق، نحو (كل) و (جميع)، وذلك باطل، لأنّك لا تقول: (رأيت الإنسان كلّهم ) ولا (جاءني في الكريم أجمعون).

الثاني: لو استغرق لصحّ الاستثناء منه مطردا، وإلا فلا.

أمّا الملازمة فظاهرة، وأمّا بطلان اللازم فلأنّك لا تقول:

(جاءني الرجل إلا الطوال) ولا (رأيت العالم إلا النحاة)...

واستدلّ المثبتون بوجهين لخّصهما المحقّق أيضا بقوله: احتجّ الخصم بوجهين:

أحدهما: أنّه يجوز وصفه بالجمع، كما يقال: (أهلك الناس الدرهم البيض والدينار الصفر).

الثاني: يصحّ الاستثناء منه كقوله تعالى: (إنّ الإنسان لفي خُسر إلا الذين آمنوا)....

وقد بان لنا في تعاملنا مع الأمثلة المتقدّمة بتطبيق ما رأينا أنّه يكشف عن دلالة أل الجنسية - هنا - على العموم، أنّ اسم الجنس المعرّف بأل الجنسيّة يدلّ على العموم.

والضابط هو:

- صحّة حلول (كل) محل (أل) وإفادتها الشمول.

- وصحّة الاستثناء من مدخول أل.

4- النكرة:

أ- النكرة في سياق النفي:

مثل: (لا إله إلا اللَّه).

(لا عتق إلا في ملك).

ولابدّ لمعرفة المقصود بهذا العنوان من شرح مفرداته وبيان المراد منها، ثمّ الانتقال إلى معرفة العنوان كاملا.

(النكرة):

عرّفت النكرة في النحو العربي بأنّها: الاسم الذي يدلّ على شي‏ء غير معيّن.

ويرجع عدم التعيين إلى شيوع الاسم الذي هو النكرة بين أفراد كثيرة من نوعه تشابهه في حقيقته، وصدقه على كلّ منها صدقا حقيقيّا، نحو: رجل، امرأة، كتاب، بحر، هواء.

 

الهوامش:

(1)- الاحتجاج 1/102.

(2)- المنتهى 105.

(3)- موسوعة النحو والصرف والإعراب، للدكتور اميل بديع يعقوب ط1 49.

(4)- م. ن.

(5)- م. ن.