المادة: العقائد
الملف: Microsoft Office document icon 0039.doc

الطائفة الخامسة: الآيات التي تربط الغفران والعقاب بمشيئة الله، كقوله تعالى: (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير).

لما كان الله تعالى قد قرّر الثواب للمطيعين والعقاب على العاصين، أرادت هذه الآية ومثيلاتها أن تقول: أن رحمة الله وسعت كل شيء، فلا يتصورنّ أحد أن العصاة معاقبون ومعذّبون لا محالة بل يغفر الله لمن يشاء ويعذب من يشاء، لأن قدرة الله عامّة شاملة ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

فهذا النوع من الآيات لا دلالة فيه على الجبر أيضاً.

الطائفة السادسة: الآيات التي تربط الأضلال والهداية بمشيئة الله كقوله تعالى:

(قل الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب).

(والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم).

(فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء, ولا تذهب نفسك عليهم حسرات).

(يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين).

(يضل الله الظالمين).

أما الآية الأولى فإنها تعلق الهداية على مشيئة الله... وإذا صح ما يدعيه الجبريون من دلالة هذه الآيات على حصول الهداية للفرد بصورة جبرّية لم يكن مجال لتعليق الهداية على الأنابة (التي هي فعل اختياري للإنسان). وإذا ضممنا هذا المعنى إلى ما يستفاد من قوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا) نستطيع الخروج بالنتيجة التالية:

أن الهداية تتوقف على مقدمات اختيارية تصدر من الإنسان، ولكن تقرير المصير الجازم بيد الله تعالى.

أما الآيتان الأخيرتان فقد ذكر فيهما الاضلال لجماعة خاصة هم الفاسقون، والظالمون... وإذا كان الله أراد لهم الضلال بمعنى أنهم كانوا مجبرين على الفسق والظلم والانحراف فلماذا يعيب الله عليهم ذلك؟!

وإذا كان الفسق والظلم مستنداً إلى سوء اختيارهم فلماذا ينسب الله الأضلال إلى نفسه؟

للإجابة على هذا السؤال نقول:

من المألوف في الأدب العربي أن الصائغ إذا وضع الذهب أو الفضة في النار ليختبرهما وخرجت فاسدة، فإنه يُقال له: (أفسد ذهبه أو فضته) في حين أنه لم يفسدهما، بل كان أمرهما مشتبهاً على الناس فأختبرهما وأظهر فسادهما بالاختبار.

وكذلك إسناد الاضلال إلى الله تعالى يحتمل أن يكون اظهاراً لضلال الفاسقين والمجرمين والظالمين بتعريضهم للاختبارات والامتحانات.

كما قال تعالى: (ألم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا: آمنّا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين).

الطائفة السابعة: الآيات التي تربط مشيئة الناس بمشيئة الله كقوله تعالى: (إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً، وما تشاؤون إلا أن يشاء الله، إن الله كان عليماً حكيماً).

(إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم، وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين).

هاتان الآيتان تعتبران أوضح أدلة الجبريين، ويجيب الأستاذ الجعفري عن الاستدلال بهما إن مفاد الآيتين أن الأفراد يستطيعون سلوك طريق الهداية بواسطة القرآن، ولكنهم لا يختارون ولا يشاؤون الهداية بإرادتهم، إلا أن يشاء الله إجبارهم على الهداية. ومن الواضح أن هذا الإجبار لا يحصل من الله، لأن الدنيا دار الابتلاء والامتحان، وإن كل ما يقع في هذه الحياة منوط بإرادة الإنسان واختياره.

لكني أرى أن الأفضل هو أن نقول:

أننا نجد فرقاً بيّناً بين هاتين العبارتين:

أ- وما تشاؤون إلا أن يشاء الله.

ب- وما تشاؤون إلا ما يشاء الله.

والقرآن الكريم لم يستعمل العبارة الثانية حتى يكون مفادها الجبر، وعدم تأثير مشيئة الإنسان في شيء، وإنما استعمل العبارة الأولى، وهذا المقدار كافٍ في عدم الأدلة الآية على الجبر.

ــــــــــــ

الهامش

- سورة البقرة، الآية 284

- سورة الرعد، الآية 27

- سورة البقرة، الآية 213

- سورة فاطر، الآية 8

- سورة البقرة، الآية 26

- سورة إبراهيم، الآية 27

- سورة العنكبوت، الآية 1-2-3

- سورة الدهر، الآية 29-30

- سورة التكوير، الآية 27-28-29

- الشيخ محمد تقي الجعفري ص 222