المادة: العقائد
الملف: Microsoft Office document icon 032.doc

العدل

(الجبر والاختيار)

  أهمية هذا البحث:

إن مسألة حرية الإرادة الإنسانية من المسائل التي كثر حولها الجدل والنزاع، والأخذ والردّ، حتى أن بعضهم اعتبر الوصول إلى سرّ الطبيعة الإنسانية كامناً في حل مسألة الجبر والاختيار.

يقول (جان جاك روسو) في (العقد الاجتماعي) ليس المائز الأساسي بين الإنسان والحيوان هو الفهم والتفكير، بل الإرادة والاختيار.

على أن هذه المعضلة تقع ضمن دائرتين: الطبيعة وما وراء الطبيعة.

والذي ينسجم مع بحثنا هو الجانب الفلسفي (ما وراء الطبيعة)، وإلا فإن بحث جميع الجوانب والمجالات التي زُجَت فيها نظرية الجبر من الفيزياء والاجتماع والأخلاق وعلم النفس والتاريخ يتطلب وقتاً طويلاً.

إذن فإننا عندما نطرح مسألة الجبر والاختيار في دراستنا هذه، نعني بها الإجابة على السؤال التالي هل الأفعال الصادرة من الإنسان منسوبة إلى إرادته واختياره، أم أنها معلولة لقدرة الله ولا أثر للإرادة الإنسانية فيها؟ فمن يميل إلى الرأي الأول ينسب إلى (المفوضة) ومن يميل إلى الرأي الثاني ينسب إلى (المجبرة).

 الأقوال في المسألة:

لقد تشعبت الأقوال في هذا الموضوع كثيراً حتى أن بعضهم أوصلها إلى (17) قولاً (1)، لكني أرى اختصار أهم الأقوال إلى عشرة.

1-الجبر المطلق: ويرى أصحاب هذا المذهب أن إسناد الفعل إلى الإنسان كإسناده إلى الجمادات والنباتات، وحيث أن الأشياء المذكورة لا تملك أية إرادة في تصرفاتها وحركاتها فكذلك الإنسان، فهو من حيث لا يشعر آلة لا أكثر لإرادة عليا تسير الكون وما فيه.

2- الكسب الأشعري: وينسب هذا الرأي إلى أبي الحسن الأشعري المتوفى سنة 330 هجرية يرى أصحاب هذا المذهب أن الإنسان بالرغم من امتلاكه القدرة والإرادة وتعلقهما بفعله، فإنه لا أثر لقدرته وإرادته في أفعاله، لأن العلة الحقيقية للفعل هو الله والإنسان يكتسب ذلك فقط.

ويفسر (الباقلاني) الكسب، بأن الفعل الصادر من الإنسان يأخذ لوناً معيناً حسب قصده، وعلى هذا اللون المكتسب يدور مدار الحسن والقبح... أما أصل الفعل فهو من الله، غاية ما هناك أن الإنسان يستطيع أن يقصد التأديب عندما يضرب يتيماً فيكون مثاباً، أو يقصد الظلم فيكون عاصياً.

وحيث أن (الكسب الأشعري) يكتنفه الغموض فقد اختلفت الآراء في تفسيره، حتى أن أتباع هذا المذهب لم يستطيعوا تقديم صورة دقيقة كاملة عنه، ولذا فقد عرف أن المحالات ثلاثة عند أهل الكلام:

أ- الحال (حقيقة بين الوجود والعدم).

ب- الطفرة عند النظَّام.

ج- الكسب عند الأشعري.

نعم حاول الأشعري الفرار من مشكلة الجبر بهذا الأسلوب، ولكنه لم ينته في كلامه إلا إلى ما فر منه.

3- مذهب وحدة الوجود: لا يرى هذا المذهب تمايزاً بين الله والموجودات، بل الله في نظرهم هو الصورة الأجمالية للموجودات والموجودات هي الصورة التفصيلية لله. على هذا فلا معنى لبحث مسألة الجبر والاختيار، لأن الله والإنسان متجدان فلا يبقى مجال لنبحث في أن الأفعال هي أفعاله أو أفعال الله.

4- المعتزلة : يصدر الفعل من الإنسان منسوباً لقدرته واختياره. ولا أثر للقدرة الإلهية في الأفعال الإنسانية مطلقاً، ولا حاجة إلى الداعي في تحريك الإرادة غير أن أبا الحسين البصري (المتوفى سنة 436 هجرية) اشترط الداعي.

5- نظرية الزمخشري: يرى جار الله الزمخشري رأي المعتزلة ولكنه يقول أن الداعي للإرادة لا يجعل الفعل ضروري الصدور.

6- أما الفخر الرازي فإنه يقول: صحيح أن الفعل الإنساني مستند إلى قدرته وإرادته وداعيه، لكن هذه العوامل ومعلولها (وهو الفعل الصادر) إنما توجد بقدرة الله ومشيئته.

7- الفلاسفة المشاؤون (المسلمون): عندما تتهيأ جميع عوامل الفعل من القدرة والإرادة وسائر الدوافع، فإنه يستعد للدخول إلى عرصة الوجود، أما أصل الإفاضة الذي يوصل هذا الاستعداد إلى مرحلة الفعلية فهو منوط بإرادة الله.

8- بعض الفلاسفة الاشراقيين والمشّائين: الفياض المطلق لجميع الحوادث هو الله، وجميع العوامل والعلل المؤدية للفعل إنما هي معدّات فقط.

ــــــــــ

الهامش

(1)- انظر الشيخ محمد تقي الجعفري -جبر واختيار ص 190