المادة: العقائد
الملف: Microsoft Office document icon 031.doc

الارادة الإلهية

عقد الكليني في (اصول الكافي) باباً سماه (باب الارادة أنها من صفات الفعل) وذكر بعض الروايات التي تؤيد هذا المعنى. ولما كانت صفات الفعل خارجة عن ذاته تعالى، فإرادته تعالى لا تكون عين ذاته على هذا الاساس.

وذكر السيد نعمة الله الجزائري في (شرح التهذيب) في مقام بيان الفروع التي وقع التعارض فيها بين العقل والنقل مسألة الارادة، وقال: إن المتكلمين من أصحابنا أقاموا البراهين العقلية على كونها عين الذات، في حين ورد في الاخبار المستفيضة أنها زائدة عليها، وأنها من صفات الأفعال.(1)

ولكي نسلّط الضوء على هذا البحث نذكر بعض الاخبار التي تشير إليها:

  النصوص الدالة على أن الارادة حادثة:

1- عن عاصم بن حميد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قلت له: لم يزل الله مريداً؟ قال إن المريد لا يكون إلا لمراد معه، بل لم يزل عالماً قادراً، ثم أراد)(2).

هنا نجد الارادة صفة اضافية، ولا معنى لكون الصفات الاضافية عين الذات الإلهية، كما قدمنا، ونجد التصريح بأن العلم والقدرة أزليان، لكن الارادة حادثة.

2- عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (المشّية محدثة)(3).

3- عن سليمان بن جعفر الجعفري قال: قال الرضا (عليه السلام): (المشيئة والارادة من صفات الأفعال، فمن زعم أن الله تعالى لم يزل مريداً شائياً فليس بموحّد)(4).

والتصريح بنفي صفة التوحيد عمن يعتقد أزلية الارادة والمشيئة يؤكد أهمية الموضوع.

  تعلّق الخلق بالمشيئة:

1- عن أبي سعيد القماط، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (خلق الله المشيّة قبل الأشياء، ثم خلق الأشياء بالمشية)(5).

هذا التعبير يعطينا أن المشيئة الإلهية مصدر الخليقة،ومنشأ الإيجاد. فما من شيء في عالم الوجود إلا واكتسب الوجود بعد تعلّق المشيئة الإلهية بوجوده.

أما المشيئة نفسها فهي ليست من صفات الذات، لأن تعلّق الخلق بها يمنع من ذلك.

2- عن عمر بن أذينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (خلق الله المشيئة نفسها، ثم خلق الأشياء بالمشية)(6).

ويصرح الشيخ الصدوق (رحمه الله) بكون الإرادة من صفات الأفعال في قوله: (وليست الإرادة والمشيئة، والرضا والغضب وما يشبه ذلك من صفات الأفعال، بمثابة صفات الذات، لأنه لا يجوز أن يقال: لم يزل الله مريداً شائياً كما يجوز أن يقال: لم يزل الله قادراً عالماً)(7).

  اختلاف العلم والمشيئة

عن بكير بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): (علم الله ومشيئته هما مختلفان أم متفقان؟ فقال: العلم ليس هو المشية، ألا ترى أنك تقول: سأفعل كذا إن شاء الله، ولا تقول: سأفعل كذا إن علم الله. فقولك: إن شاء الله دليل على أنه لم يشأ، فإذا شاء كان الذي شاء كما شاء، وعلم الله سابق للمشية)(8).

ولابد من الاشارة هنا إلى أن المشية والارادة استعملتا كثيراً في الكتاب والسنة على أنهما مترادفتان، لكن يظهر من بعض النصوص أنهما متغايرتان.

فعن معلّى بن محمد، قال: (سئل العالم (عليه السلام): كيف علم الله؟

قال: علم، وشاء، وأراد، وقدّر، وقضى، وأمضى..

فالعلم متقدم على المشية، والمشية ثانية، والارادة ثالثة، والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء)(9).

والذي يقتضيه التحقيق أن الإرادة تطلق على معنيين:

المعنى الأول: ما يقابل الكراهة. وهذا لا يجوز على الله، لأن الذي يفهم من الروايات أنه صفة إضافية، فعن عاصم بن حميد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: لم يزل الله مريداً؟

قال (عليه السلام): إن المريد لا يكون إلاّ لمرادٍ معه. لم يزل الله عالماً قادراً ثم أراد)(10).

واطلاق صفة الفعل على الإرادة بهذا المعنى، يكون بمعناه المفعولي، أي الوجود الفائض منه.

المعنى الثاني: كون ذاته تعالى بحيث تصدر عنه الأشياء لأجل علمه بنظام الخير فيها التابع لعلمه بذاته، وبعبارة أخرى: ارادته تعالى علمه بكون الفعل خيراً. فهي وجه من وجوه علمه تعالى الذي سبق أن عرفنا انه عين ذاته. ولا يتنافى هذا مع حديث بكير بن أعين عن الإمام الصادق (عليه السلام): (العلم ليس هو المشية) وقوله: (علم الله سابق للمشية) فإن العلم بكون الفعل خيراً يكون منشأ للإضافة منه تعالى.

ثم أن الإرادة فينا تتوقف على مقدمات هي تصور الفعل، ثم التصديق بفائدته، ثم الميل نحوه، ثم الجزم، فالعزم، والرغبة الأكيدة (أو القصد). أما بالنسبة إلى الله تعالى فلا معنى لهذه المقدمات أصلاً، بل أن لكل ذات رضىً بذاتها، وهذا الرضى في الله تعالى يسميه البعض بـ(الابتهاج)(11). وحيث كان الله تعالى مبدأ المبادئ فإن رضاه(أو ابتهاجه) بذاته عين ارادته.

وقد صرّح أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديثه مع ذعلب اليماني بأنه: (مريد لا بهمّة).

وفي حديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) مقارنة دقيقة بين الإرادة من الله، والارادة من المخلوقين.

فعن صفوان بن يحيى قال قلت لأبي الحسن (عليه السلام): (أخبرني عن الإرادة من الله ومن المخلوق، قال: فقال:

(الإرادة من المخلوق الضمير، وما يبدو له بعد ذلك من الفعل، وأما من الله عز وجل فإرادته إحداثه لا غير ذلك، لأنه لا يروي ولا يُهِم، ولا يتفكر، وهذه الصفات منفية عنه، وهي صفات الخلق.

فإرادة الله هي الفعل لا غير ذلك، ويقول له: (كن فيكون). بلا لفظٍ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكر، ولا كيف لذلك كما أنه بلا كيف)(12).

ولكي نفهم أن إرادة الله نافذة في كل شيء، ولا يمنع منها شيء مهما بلغ من القوة والقدرة نشير إلى الحديث القدسي الذي رواه الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام):

(أوحى الله عز وجل إلى داود، يا داود، تريد وأريد، ولا يكون إلاّ ما أريد، فإن أسلمت لما أريد أعطيتك ما تريد، وإن لم تسلّم ما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلاّ ما أريد)(13).

ومن الواضح أن هذا هو الإذن التكويني والإرادة التكوينية، أما الإرادة التشريعية فالانسان مخيّر في الإطاعة والمعصية، ولا يوجب ذلك نقضاً لإرادة الله تعالى. وسنزيد المسألة إيضاحاً وتفصيلاً في مبحث (الجبر والتفويض) إن شاء الله.

ــــــــــــ

الهامش

(1)- نقلاً عن (وسيلة الوسائل في شرح الرسائل) للسيد محمد باقر الطباطبائي اليزدي.

(2)- التوحيد للشيخ الصدوق، ص146.

(3)- نفس المصدر، ص147 وص336.

(4)- نفس المصدر، ص338.

(5)- نفس المصدر، ص339.

(6)- نفس المصدر، ص148.

(7)- نفس المصدر، ص148.

(8)- نفس المصدر، ص147.

(9)- التوحيد للصدوق، ص344.

(10)- شرح اصول الكافي للمولى محمد صالح المازندراني، ج3، ص344.

(11)- يلاحظ هذا التعبير عند (صدر المتألهين) و(الحكيم السبزواري) و(الشيخ محمد حسين الاصفهاني) في تعليقته على (كفاية الاصول) عند التعرض لمسألة الطلب والارادة.

(12)- التوحيد للصدوق، ص147.

(13)- نفس المصدر، ص337.