المادة: العقائد
الملف: Microsoft Office document icon 023.doc

الله لا يُرى

  تمهيد

جرت طريقة علماء الكلام على ذكر هذا البحث بعد الانتهاء من ذكر الصفات الثبوتية، ولكني أرى أن الأوفق ذكره بعد مبحث التوحيد مباشرة.

إذ أن المنكر لوجود الله تعالى يسأل عن دليل لاثباته، فإذا اقتنع بالادلة انتقل إلى السؤال عن كيفية معرفته للخالق، وإذا تمّ اراءته الطريق إلى معرفة الله، لزم أن يعتقد بوحدانيته وأنه لا شريك له، وهذا ما انتهينا منه في بحوثنا السابقة. واذ كان المألوف للانسان أن يرى الشيء أو يلمسه أو يحسبه بأي طريق معتبر لديه جاء دور السؤال:

(إذا كان الله موجوداً فلماذا لا أراه؟)

وبعبارة أخرى: (كيف نؤمن بإله لا نراه؟)

ويتشرك مع هذا السؤال في الاساس، الأسئلة التالية:

إذا كان الله موجوداً فأين يسكن؟

وإذا كان الله موجوداً فمتى وجد؟

وإذا كان الله موجوداً فلماذا لا نسمع صوته؟

للإجابة على هذا السؤال نقول ليست الرؤية ملاكاً للوجود، فهناك اشياء كثيرة موجودة ولا تُرى، وهناك اشياء تُرى في حين أنها لا واقع لها.

فمثلاً: يقول علماء الفيزياء بوجود الذرة والالكترون والبروتون، في حين لا نراها.

وبصورة عامة فإن الحس (إما عن طريق الرؤية، أو السمع، أو اللمس) لا يعطينا الكشف الصحيح عن الواقع لوحده. واليك شواهد أخرى على ذلك.

1- الصورة تشاهد في المرآة في حين أن لا وجود خارجي لها.

2- حينما يسير القطار يشاهد الإنسان الأشجار والجبال تمرّ من أمامه بسرعة، والواقع يكذب ذلك.

3- تبدو سكتا الحديد ملتقيتين من بعيد، في حين أنهما متوازيتان، والمتوازيان لا يلتقيان مهما مددناهما.

4- يبدو السراب للمشاهد ماء في حين أنه لا يوجد ماء.

5- يقال: إن للفضاء بعداً رابعاً ولكنه غير محسوس.

6- في الشتاء حيث الباب الخشبي وباب الحديد يكونان في درجة حرارة واحدة يحس اللامس أن باب الحديد أكثر برودة.

7- في جميع التجارب العلمية لو لم تساعدنا الأدوات والآلات فإن حواسنا الظاهرية عاجزة عن درك كثير من الاشياء.

ثم إن ما كلّ غير محسوس معدوم.

1- الألم في الجسم لو لم تدل عليه علّة ظاهرية غير محسوس للأخرين في حين أنه موجود.

2- في المساء يحكم الإنسان بوجود النهار في الجانب الآخر من الكرة الأرضية في حين إنه غير محسوس.

3- الأرض كروية ولكن الإنسان يحسها مسطحة.

4- أمواج الراديو موجودة في الفضاء، ولكنها ليست محسوسة.

5- إن الأمواج الصوتية التي تكون درجة ذبذبتها بين 20 و20000 مرة في الثانية هي التي يمكننا إدراكها، وأما الأمواج التي تكون درجة الذبذبة فيها دون هذا الحد أو فوقه فهي غير قابلة للسماع لنا.

6- وما ندركه من الأمواج الضوئية هي التي يكون درجة اهتزازها بين 458 مليون مليون، و727 مليون مليون في الثانية، أما الأمواج الضوئيةالتي دون ذلك أو فوقه في الفضاء فهي لا ترى.

7- الطاقة موجودة ولكنها لا تُحس، ولا يعرف أحد حقيقتها.

8- الجاذبية موجودة في جميع الأجسام بينما لا تخضع للحس.

هذه جملة من الحقائق العلمية المتفق عليها، مع أنها لا تخضع للحس. ولذلك فلا يصح مطلقاً أن نجعل الحس ملاكاً لتشخيص الواقع.