المادة: العقائد
الملف: Microsoft Office document icon 022.doc

ثالثاً: كيف السبيل إلى معرفة صفاته تعالى؟

إن المفهوم الحاصل في أذهاننا عن الصفات إنما هو صفات المخلوقين لا الخالق. لأننا أخذنا هذه الصفات عن المخلوقين. إن الكمال الذي نتصوّره هو ما شاهدناه في إنسان مثلاً، وإذا أردنا وصف الله تعالى بهذه الصفة أيضاً لزم الاشتراك بينه وبين المخلوقات في حين أن القرآن يصرح: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ))(1).

كما ورد في الحديث: (كلما ما ميزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه فهو مصنوع لكم مردود إليكم، ولعلّ النمل الصغار تزعم أن لله زبانيتين).

هذا الامر قد يدعو البعض لأن يتصور أنه لا سبيل لنا إلى معرفة صفات الله، وحتى الصفات الواردة عن طريق الشارع يجب تجريدها من معانيها أو تأويلها إلى الصفات السلبية دائماً.

لكن قليلاً من الدقة يرفع لنا الغموض في المسألة. ذلك أننا لا ننكر أنه لا شيء يشبه الله تعالى، كما لا ننسى ما قدّمناه سابقاً من عدم إمكان الوصول إلى كنه ذات الله... غير أن هذا لا يوجب أن ننفي كل صفة تثبت للمخلوق عن الخالق. أن الإختلاف العظيم بين الخالق والمخلوق هو في الوجوب والامكان، والقدم والحدوث، وعدم التناهي والتناهي، والاستناد إلى الذات وإلى الغير.

فمثلاً: الله تعالى عالم، والانسان أيضاً عالم. وليس العلم إلا الإحاطة بالشيء، وانكشافه لكن الله عالم بالوجوب، والانسان عالم بالامكان.

الله علمه قديم، والانسان علمه حادث.

الله عالم بالكليات والجزئيات، وبالماضي والحاضر والمستقبل (لا يعزبُ عنه مثقال ذرة)، بينما علم الإنسان محدود.

الله علمه لا نهاية له، والانسان علمه متناهٍ.

الله عالم بالذات، والانسان عالم بالغير.

هذا المقدار من الاختلاف كافٍ في نفي المثلية والندية عن الله ولا يستلزم نفي المثلية إثبات الضدية.

إن الشبهة السابقة ناشئة من الخلط بين المفهوم والمصداق. ذلك أن الوجود الخارجي للمخلوق يختلف عن وجود الخالق - وهذا لا شك فيه - لكن لا يقتضي ذلك أن يكون المفهوم الصادق على المخلوق غير صادق على الخالق.

رابعاً: ما معنى الصفات السلبية؟

لما كان الله تعالى مبدأ كل كمال، فلا يجوز سلب كمال من الكمالات منه تعالى، فصفاته السلبية ما دلّ على سلب النقص والحاجة. ومن هنا قال الحكيم السبزواري: (إذا اعتقد المكلف أن الله ليس ناقصاً كفى ذلك في الصفات السلبية ولا حاجة لأن يعرف الصفات السبع بالتفصيل، لأنها راجعة إلى صفة واحدة)(2).

هذا ولا ضرورة لأن تبدأ الصفة السلبية بأداة السلب من قبيل (لا) و(ليس) بل ذلك أعمّ فمفهوم (القدوسية) و(التجرّد) لا يحتوي على أداة السلب ومع ذلك فهو يفيد نفي النقص والحاجة عن الله تعالى.

ثم انه حاول بعضهم أن يجد في القرآن الكريم اشارةً إلى تقسيم الصفات إلى ثبوتية وسلبية فاستشهد بقوله تعالى: ((تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرامِ))(3) باعتبار أن الصفات السلبية يطلق عليها صفات الجلال، أما الصفات الثبوتية فيطلق عليها صفات الجمال التي عبّر عنها في الآية بالإكرام.(4)

خامساً: تقسيم الصفات

التقسيم المشهور هو الذي يقسم الصفات إلى ثبوتية وسلبية. ولكن العلامة الطباطبائي له بيان آخر في أساس التقسيم فيقول: تنقسم صفات الله إلى أقسام ثلاثة:

1- الصفات الذاتية الثبوتية: وهي الصفات والكمالات التي ترجع عند التحليل إلى الوجود، وهي ثابتة للخالق، كالعلم والقدرة والحياة، وحيث كان الإحتياج والتقيد منفياً عن ذات الله، فلابد أن تكون كل صفة كمالية عين ذاته، لأنه لا يتحقق الكمال في خارج الذات المنزهة عن الحد والقيد والحاجة.

2- الصفات السلبية وهي الصفات التي ترجع عند التحليل إلى العدم، كالجهل والعجز والفناء والحاجة والمعلولية والاضطرار، وهذه منفية عن الله.

3- الصفات النسبية: وهي الصفات الخارجة عن ذات الله، كالخلق والصنع والاحياء والإماتة والرزق.(5)

وتنقسم الصفات الثبوتية إلى:

أ) اضافية محضة: كالقادرية.

ب) حقيقية محضة: كالحياة.

ج) حقيقية ذات إضافة: كالعلم بالغير.(6)

***

وهناك تقسيم ثنائي يكتفي بتقسيم الصفات إلى: صفات الذات، وصفات الفعل.

1- أما صفات الذات: فهي التي يستحيل أن يتصف سبحانه بنقيضها أبداً، ولا يصح سلبها عنه في حال. ومثال ذلك: العلم والقدرة والحياة.

2- أما صفاته الفعلية: فهي التي يمكن أن يتصف بها في حال وبنقيضها في حال آخر. ومثال ذلك: الخلق والرزق. فيقال: إن الله خلق كذا ولم يخلق كذا.(7)

***

وللعرفاء تقسيمان ثنائيان آخران. أحدهما تقسمي الصفات إلى: لطفية وقهرية، والآخر تقسيمها إلى: تنزيهية وتشبيهية.

ويمثلون للصفات اللطفية بالرحمة واللطف والاحسان والمغفرة ونحوها.

كما يمثلون للصفات القهريه بالغضب والانتقام والعقاب.

أما مثال الصفات التنزيهية (وهي التي لا نظير لها في غيره) فهو القدوسية(8) والصمدية والبساطة المحضة والقدم الذاتي.

وأما مثال الصفات التشبيهية (وهي التي يوجد نظيرها في المخلوقات أيضاً) فهو السمع والبصر.(9)

سادساً: هل الصفات عين الذات؟

وهذا مبحث مفصّل كان مجالاً للأخذ والرد بين علماء الفرق الإسلامية. وتركّز الخلاف بشكل رئيسي حول موضوع كلام الله ولكنني أرى أن ألخّص البحث في النقاط الآتية بعد أن مهدنا في المقدمات الخمس الماضية لذلك.

1- الصفات ا لسلبية ترجع إلى الثبوتية الحقيقية (لأنها تعود إلى سلب النقص، وسلب النقص عبارة عن ايجاب المال) فتأخذ حكمها.

2- الصفات الاضافية لا ريب في زيادتها على الذات المتعالية، لأنها معانٍ اعتبارية ويستحيل أن تكون ذات الله مصداقاً لأمر اعتباري. وقد مثّلنا للصفة الاضافية بالقادرية.

3- الصفات الحقيقية (أعم من المحضة وذات الاضافة) اختلفت فيها الأقوال.

القول الأول: إنها عين الذات، وكلّ منها عين الأخرى(10)، وهو المختار لنا.

القول الثاني: إنها زائدة على الذات لازمة لها، فهي قديمة بقدمها. وهو المنسوب إلى الأشاعرة.

القول الثالث: إنها زائدة على الذات حادثة. وهو منسوب إلى الكرامية.

القول الرابع: إن الذات نائبة مناب الصفات. وهو منسوب إلى المعتزلة.

4- الصفات النسبية أو صفات الفعل، خارجة عن الذات أيضاً.

وإذا انتهينا من هذه المقدمات ندخل في توضيح بعض الصفات دون نظر إلى التقسيمات المذكورة.

ـــــــــــــــ

الهامش

 (1) - سورة الشورى، الآية 11.

 (2) - أسرار الحكم، ص46.

 (3) - سورة الرحمن، الآية 78.

 (4) - أسرار الحكم، ص48.

 (5) - راجع اصول فلسفة وروش رئاليسم، ج5، ص138-143.

 (6) - محاضرات العلامة الطباطبائي لطلاب المدرسة المنتظرية في قم، ص87.

 (7) - تفسير البيان لآيةالله العظمى الخوئي، ص432، الطبعة الثانية.

 (8) - بمعنى تجرّده عن الماهيّة، إذ كلّ ما سواه محدود بالماهية ومحصور بها.

 (9) - أشار إلى هذين التقسيمين: الحكيم السبزواري في (أسرار الحكم) ص48-49.

 (10) - ولا تمايز بينها إلا بحسب المفهوم. راجع تفسير الميزان، ج8، ص368.