المادة: العقائد
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 018.doc

البراهين على وحدانية الله

  البرهان الأول: وحدة العالم دليل على وحدة صانعه

وهذا البرهان يتألف من اربع مقدمات:

1- العالم يتصف بوحدة واقعية وطبيعية.

2- لا يوجد عالم آخر غير عالمنا.

3- المعلول الواحد لا يصدر إلا من علة واحدة.

4- واجب الوجود بالذات واجب من جميع الجهات والحيثيات.

ولابد من توضيح كل من هذه المقدمات.

أما المقدمة الأولى فيمكن الوصول إليها بعد استعراض النظريات الثلاث في ارتباط أجزاء العالم.

النظرية الأولى: لا يوجد أي ارتباط بين أجزاء الكون. فالعالم عبارة عن مجموعة من الأجزاء والذرات المتناثرة التي لا يربط بينها شيء، كالمخزن الذي وضعت فيه المواد المختلفة. وبعبارة أخرى إذا وجد ارتباط في هذا العالم فهو بين مجموعة من الوقائع المتعاقبة والتي يكون بعضها علّة للأخرى، ولكن أجزاء العالم التي تشاهد بصورة الأجسام الخاصة لا ترابط بينها، وعلى ذلك فإذا فرض انعدام بعض الأجزاء تماماً، أو حصل تغيير في وضعها وموقعها نتيجة لتأثير عامل خارجي فلا يحدث ذلك تغييراً في العالم.

النظرية الثانية: الأجسام مترابطة فيما بينها ولكن من نوع الارتباط الصناعي بين أجزاء معمل أو آلة. إن أجزاء المعمل أو الآلة منسجمة حسب نظام خاص ولكل منها عمل خاص ضروري في الانتاج، وكل تغيير أو زيادة أو نقيصة في الأجزاء يؤثر في الوضع العام وقد يؤسدي إلى الاختلال.

وبناءً على هذا فان انعدام بعض أجزاء العالم (فرضاً) أو أي تغيير صناعي في وضعيتها يؤثر في العالم ككل، وربما أدى إلى الاختلال.

من المقطوع به أن وضعية كوكب في منظومة شمسية مؤثر في المنظومة كلها. ولو انفجرت الشمس التي هي مركز المجموعة الشمسية وتناثرت، فإن المجموعة ستندثر برمتها وربما كان لانفجار هذه المجموعة وتناثرها اثر في انفجار المجرة التي تعتبر جزءاً منها وفي غيرها من المجرات أيضاً. إن قوة الجاذبية العامة لها التأثير العظيم في ربط أجزاء العالم فيما بينها.

النظرية الثالثة: إن الارتباط بين أجزاء العالم أدق، وأعمق من ارتباط أجزاء الآلة والمعمل... إنه من نوع الارتباط الكائن بين أعضاء الجسد الواحد، أي أن حياة واحدة وشخصية واحدة تسود العالم، فالعالم بأسره يعتبر وحدة شخصية، كما أن الإنسان الواحد مع ما عليه من آلاف الملايين من الخلايا، والاجزاء التي تساهم في بناء كل خلية منها، يملك شخصية واحدة وروحاً واحدة لا عدة شخصيات وأرواح.

يميل المحققون من الفلاسفة إلى تأييد النظرية الأخيرة في تفسير الارتباط بين أجزاء العالم، ولهم على ذلك أدلة متقنة.

أما المقدمة الثانية: فنقول في توضيحها: إذا اعتبرنا هذا العالم ذا أبعاد لا متناهية (وكما يقول باسكال: العالم كرة يوجد مركزها في كلّ مكان وليس محيطها في مكان) فلا يتصور وجود عالم آخر غير عالمنا. أما إذا اعتبرنا العالم محدوداً ومتناهياً كما يقول القدماء من الفلاسفة ويؤيدها بعض الفلكيين في عصرنا فإن من الممكن تصور وجود عالم آخر، لكنهم يقيمون الأدلة القاطعة على استحالة وجود عالمين جسمانيين منفصلين عن بعضهما.

وأما المقدمة الثالثة: فهي من المسلّمات الفلسفية.

وأما المقدمة الرابعة: فلأنه لو لم يكن كذلك انقلب من كونه واجب الوجود إلى كونه ممكن الوجود. إن جميع الحيثيات في ممكن الوجود هي التعلّق المحض والانتساب الصرف والاضافة الخالصة إلى واجب الوجود.

ولهذا كان واجب الوجود واجباً من جميع الحيثيات والجهات.