المادة: العقائد
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 0016.doc

البرهان الثاني: برهان التمانع

لقد وردت الاشارة إلى هذا البرهان في القرآن الكريم بقوله تعالى: ((لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا))(1C:\Users\html\student\shareah\firstyear\s004\016.htm - _ftn1#_ftn1).

ربّما يوضح البرهان بأسلوب ساذج فيقال:

إذا كان الخالق متعدداً حصل التزاحم والتصادم بين إرادة الخالقين، بمعنى أن كلاً منهم يقف عقبة أمام إرادة الآخر، فإما أن تتغلب إرادة أحدهم على ارادات الآخرين، أو تتعادل الارادات فلا يتغلب شيء منها على شيء. أما الفرض الأول فمستحيل لأن المغلوبية تنافي الكمال وكونه واجب الوجود، وأما الفرض الثاني فإنه يؤدي إلى فساد العالم، لأنه لا تؤثر إرادة أحدهم وإذا انتفى تأثير الارادات انفصمت رابطة العالم بالخالق.

لكن هذا الاسلوب من الاستدلال ليس صحيحاً... إذ أي ضرورة لفرض التزاحم والتعارض بين ارادات الخالقين؟ بل لابد من اعتبار التطابق والانسجام بين ارادتهم ورغباتهم، إذ المفروض أن كلاً منهم واجب الوجود، وكلاً منهم عليم وحكيم، وكلهم يسيرون على وفق المصلحة والحكمة.... ولما كانت المصلحة واحدة لا غير فإن إرادات الخالقين مهما ازداد عددهم يجب أن تتوافق.

إن تعارض المصالح وتزاحم الارادات إما أن ينشأ من الأنانية وترجيح المصلحة الشخصية، أو من الجهل وضعف الإدراك وليس شيء من ذلك متصوراً بالنسبة إلى واجب الوجود.

إذن لا يستند برهان التمانع إلى تزاحم الرغبات والإرادات، بل إلى امتناع وجود واقعة ممكنة من ناحية تعدد الإرادات، أي أنه إذا كان واجب الوجود متعدداً فإنه يحصل التمانع حتى مع فرض توافق الإرادات.

ويستند هذا البرهان إلى ثلاث قضايا:

1- واجب الوجود واجب من جميع الجهات والحيثيات. فلا توجد في واجب الوجود حيثية امكانية أو بالقوة أصلاً. فإذا كان عالماً فهو عالم بالوجوب لا بالإمكان، وإذا كان قادراً كان قادراً بالوجوب لا بالامكان... وهكذا. وحيث انه الفيّاض والخالق فهو الفيّاض والخالق بالوجوب أي يستحيل وجود موجود دون أن يفاض الوجود إليه من الله.

2- لا توجد في المعلول حيثيتان إحداهما (الوجود) والأخرى (الانتساب إلى العلة الموجودة) بل وجود المعلول عين الانتساب إلى العلّة. ومن هنا كل الوجود والإيجاد واحداً لا اثنين.

3- استحالة الترجّح بلا مرجّح(2C:\Users\html\student\shareah\firstyear\s004\016.htm - _ftn2#_ftn2) وهذا يعني أن يكون فعل أو اثر في حيّز القوة والامكان ويصل إلى مرحلة الفعلية بنفسه دون دخالة عامل أو علّة، وهو محال، إذ فرغنا من هذه المقدمات نقول:

بحكم المقدمة الأولى: كل موجود ممكن إذا تحققت شرائط وجوده فلابد من حصول إفاضة الوجود نحوه، ومن البديهي أن جميع مصاديق واجب الوجود ـ لو فرض التعدد ـ متساوون في هذه الناحية، وتتعلق اراداتهم جميعاً بوجود ذلك الممكن، فلابد أن تحصل الإفاضة إليه من الجميع.

وبحكم المقدمة الثانية: فإن وجود المعلول وانتسابه إلى علته أمر واحد. فالإيجاد أن يستلزمان الوجودين: ولما كان المعلول المذكور لا يقبل إلا وجوداً واحداً فلا يقبل إلا انتساباً إلى علّة واحدة، وانتساب المعلول إلى أحد الواجبين دون غيره ـ مع أن الجميع متساوون ولا يوجد امتياز لأحدٍ على آخر ـ يستلزم الترجح بلا مرجح.

وبحكم المقدمة الثالثة: الترجح بلا مرجح محال.

إذن ففرض تعدد الآلهة ينتهي إلى أن لا يوجد موجود أصلاً، لأن ذلك يصطدم بالاستحالة ويصدق التمانع على هذا البيان.

البرهان الثالث: برهان الفرجة

إذا فرضنا وجود واجبين فلابد وان يحصل امتياز بينهما، لأن التعدد والتكثر متفرع على أن يكون في أحدهما أو في كليهما ما ليس في الآخر، إذ لو كان في كل منهما ما في الآخر وبالعكس لم يكن معنى للتعدد.

إذن لابد من وجود أمر ثالث بين الواجبين يكون مائزاً بينهما... وهذا الأمر الثالث لابد أن يكون واجب الوجود، لأنه لو كان ممكناً لكان صادراً من ناحية غيره، وهذا يعني أن الواجبين لم يكونا متمايزين في مرحلة الذات، وإنما حصل التعدد فيهما فيما بعد، وذلك بمجيء المائز.

إذن فالأمر الثالث واجب الوجود أيضاً. أي أن وجود واجبين يؤدي إلى وجود ثلاثة واجبات. ولما كان كل من الثلاثة واجباً، ولابد من وجود مائز بين كل واجب وواجب آخر، فلابد من وجود مائز بين هذا الواجب الثالث وكل من الواجبين الأولين، فنحتاج إلى مائزين كل منهما واجب الوجود، فوجود ثلاثة واجبين يقود إلى وجود خمسة واجبين.

ولما كان هذان الواجبان الأخيران متميزين عن الواجبين الثلاثة ـ حسب الفرض ـ فلابد من وجود ثلاثة أمور يحصل بها الامتياز على الأقل، وهذا يستلزم وجود ثمانية واجبين، ووجود ثمانية واجبين يستلزم وجود ثلاثة عشر واجباً، ووجود ثلاثة عشر واجباً يستلزم وجود واحد وعشرين واجباً، ووجود واحد وعشرين واجباً يستلزم وجود أربعة وثلاثين وهكذا إلى ما لا نهاية.

فوجود واجبين مستلزم لما لا نهاية له عن الواجبين. أي انه مستلزم لتركب الواجب الواحد من ما لا نهاية له من الواجبات. ومن الواضح أن التركب ينافي الوجوب.

ويمكن أن يوجّه هذا الدليل بنحو آخر فيقال:

إذا تعددت الآلهة فإما أن يكون مائز بينها، أو لا يكون.

على الفرض الثاني لا يبقى معنى للتعدد، إذ لا تتصور الاثنينية والمغايرة بين امرين ما لم يكن اختلاف وتمايز بينهما.

وعلى الفرض الأول إما أن يكون المائز جهة كمال، أو لا يكون.

الشق الثاني باطل لأنه لا يتصور في ذات الآلة نقص أو انعدام كمال.

وعلى الشق الأول يكون الاله الواجد لجهة الكمال هو الحق، وغيره الباطل.

البرهان الرابع: الوجود الصرف لا يقبل إلا الوحدة

وهذا البرهان يتمشى مع المذهب الفلسفي لصدر المتألهين، وهو واضعه، وملخصه: أن الكثرة من لوازم المحدودية، أما حيث لا محدودية فلا يعقل التعدد والكثرة.

إن الله تبارك وتعالى هو الوجود المطلق واللامتناهي، وبعبارة أخرى فإنه هو الوجود المحض ومحض الوجود. وكما قال شيخ الاشراق: (صرف الشيء لا يتثنى ولا يتكرر).

أما المحدودية والتقيّد فإنهما ينشآن من شوب العدم بالوجود، الحاصل في جميع الممكنات.

البرهان الخامس.

يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في خطاب لابنه الحسن (عليه السلام):

(واعلم يا بنيّ أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد كما وصف نفسه لا يضاده في ملكه أحد).

قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا الكلام دليل اقناعي لا برهاني، ولكن الحق انه برهان منطقي متين، والتالي من نوع القياس الاستثنائي (الذي يكون فيه التلازم بين المقدم) ويستدل من نفي التالي على نفي المقدم.

أما ثبوت الملازمة: فإنه غير الله لبعث أنبياء ورسلاً من قبله، ولأحس الموحى اليهم أنهم يتلقون الوحي من مصدرين مختلفين لما كان ارسال الأنبياء وبعث الرسل لهداية البشر من لوازم الألوهية، يقال لو كان إله آخر ، أو كان في الأنبياء من يدعي انه رسول من قبل أحد الآلهة ومن يدعي أنه رسول من قبل الاله الآخر.

وأما نفي التالي: فمن البديهي أن أحداً من الأنبياء الذين كان معهم ما يؤيد صدق دعواهم ـ من معاجز وتحديات ـ لم يتحدث إلا عن اله واحد، ولم يدّع غيرهم نزول الوحي عليه من جانب اله آخر، بل الكل تحدثوا عن اله واحد لا شريك له.

ـــــــــــــــ

الهامش

C:\Users\html\student\shareah\firstyear\s004\016.htm - _ftnref1#_ftnref1 (1)- سورة الأنبياء، الآية 22.

C:\Users\html\student\shareah\firstyear\s004\016.htm - _ftnref2#_ftnref2 (2)- الترجح بلا مرجح يقال في مورد الآثار، والترجيح بلا مرجح يقال في مورد الفاعل.