المادة: العقائد
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 013.doc

10- الذرّة: كل قسمٍ فهو قابل للانقسام إلى أجزاء صغيرة، وكلّ جزء صغير قابل للانقسام أيضا... وهكذا حتى نصل إلى أصغر جزء غير قابل للانقسام.

لقد أتعب الفلاسفة أنفسهم قديماً في إثبات الجزء الذي لا يتجزأ، ونفيه، ولكن جاء العلم الحديث ليطلق على هذا الجزء الصغير من المادّة اسم (الذرة)... ولكن سرعان ما اكتشف أن الذرّة بالرغم من صغرها ودقّتها تتألف من أجزاء عديدة أهّمها الأقسام الثلاثة الآتية:

أ - البروتون: وهو ذو شحنة كهربائية موجبة.

ب - النيوترون: وهو ذو شحنة كهربائية متعادلة.

ج - الإلكترون: وهو ذو شحنة كهربائية سالبة.

هذه الأجزاء المتناهية في الصغر تشكّل بنيان الذرة بصورة عجيبة، حيث البروتون والنيوترون في المركز يشكّلان (النواة)، وذرات الإلكترون تدور حول النواة بسرعة فائقة في أبعاد متناسبة.

هذا ويوجد تناسب في الحالات الاعتيادية بين الوزن الذري وعدد البروتونات والإلكترونات، وذلك كما يأتي:

عدد الإلكترونات = عدد البروتونات.

الوزن الذري = عدد النيوترونات + عدد البروتونات.

أما قطر الذرّة فإنه يبلغ في المتوسّط (0,0000001ملم) أي جزء واحد من عشرة ملايين جزء من المليمتر.

ولكن ليست الذرّة متراصّة، بل يوجد فضاء رحب في بطنها، ذلك أن حجم الذرة الواحدة يزيد على حجم البروتون الواحد بعشرات الآلاف من المرات، ولكي ندرك الفراغ الهائل الواقع بين الإلكترونات والنواة يكفينا أن نعلم أنه لو كان قطر الذرة الواحدة يساوي كيلومتراً واحداً لكان متر واحد منها تشغله النواة، وتبقى الإلكترونات دائرة حولها على بعد كيلو متر واحد.. والباقي من الحجم يكّون الفراغ.

وعلى هذا فلا غرابة في كلام (جوليه) حيث يقول: أنه لو قدّر لنا أن نقضي على الفراغ الذي بين ذرات بدن الإنسان، بالضغط الشديد مثلاً، فإنه حجمه سيتضاءل إلى درجة يصعب معها رؤيته، والأعجب من ذلك أن الجسم في حالته الأخيرة لا يفقد وزنه الأول بل يبقى 80 كيلو غرام مثلاً.

سرعة حركة الإلكترونات:

ذرة الهيدروجين أبسط الذرات لأنها تحتوي على إلكترون واحد، ومع ذلك فتبلغ سرعة الإلكترونات فيها 3000كيلو متر في الثانية.

إنها سرعة مدهشة، ومع ذلك فلا نحسّ بها.

  القوة المركزية والقوة الطاردة من المركز:

لما كانت الإلكترونات ذات شحنة سالبة والبروتونات ذات شحنة موجبة كان من المتوقّع أن يحصل الاصطدام العنيف بين هاتين الشحنتين، ولكن هناك قوّتين تعملان على التعادل، إحداهما القوة المركزية وهي التي تجذب الإلكترونات نحو النواة، والأخرى القّوة العمركزية وهي التي تطرد الأجسام من المركز إلى المدار، وبتعادل هاتين القوّتين يحصل التوافق والانسجام بين أجزاء الذرة.

  القانون الدوري:

منذ مائة سنة تقريباً رتب العالم الروسي (ماندليف) العناصر الكيماوية تبعاً لتزايد أوزانها الذرية ترتيباً دورياً، قد وجد أن العناصر التي تقع في قسم واحد تؤلف فصيلة واحدة ويكون لها خواص متشابهة، وبفضل هذا الترتيب استطاع العلماء أن يتنبأوا بوجود عناصر لم يكن البشر قد توصّلوا إليها بعد، بل أمكن التنبؤ بخواص هذه العناصر المجهولة وتحديدها تحديداً دقيقاً، ثم صدقت تنبوءاتهم في جميع الحالات، فاكتشفت العناصر المجهولة وجاءت صفاتها مطابقة كلّ المطابقة للصفات التي توّقعوها،

ونستطيع أن نبسّط الأمر فنقول: إن الفرق بين ذرة عنصر معين وعنصر آخر يرجع إلى الفرق في عدد البروتونات والنيوترونات التي بالنواة، والى عدد وطريقة تنظيم الإلكترونات التي في خارج النواة(1).

11- النملة: النملة حشرة ضعيفة ولكنها تقوم بأعمال جبّارة وعظيمة، وفي الأمثال أن القائد المنكسر تعمل من النملة درس الثبات والعزيمة، واستطاع بذلك أن ينتصر بعد الفشل.

ومن عجائب النملة أنها عندما تريد خزن حبة القمح فإنها تقطع الحبة نصفين لكي لا تنبت..

لكن حيث كانت الكزبرة تنبت حتى مع قطعها إلى نصفين، فالنملة تقطعها إلى أربع قطع.. أما بالنسبة إلى الشعير والباقلاء والعدس فإنها تكتفي بتقشيرها.

فيا ترى من الذي علّمها تلك الحكمة الدقيقة؟

ومن عجائبها أيضاً أن تخرج الحبوب المخزونة وتنشرها في أيام الصحو عندما تصيبها الرطوبة أيام المطر، وغالباً ما يكون ذلك في الليل حيث الهدوء يستولي على عالم البشر(2).

وما قصة النمل مع (سليمان) ببعيدة عنّا، حيث يحكي القرآن الكريم ذلك بقوله:

(حتى إذا أتَوا عَلى وَادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، فتبسم ضاحكاً من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه (3).

وهذا يحكي عن وعي وإدراك، وقيادة وتنظيم في حياة النمل... وهي محتقرة في أعين الناس.

12- النحل: والنحلة هي الأخرى ذكّية، يسود حياتها تنظيم دقيق وأول ما يلفت الانتباه بناؤها الخلايا التي تصنعها لإيواء صغارها على شكل سداسي منتظم ليس فيه أي قصور.

إنك لا تجد نحلة في أي نقطة من نقاط العالم عدلت عن هذا الأسلوب في بناء خلاياها، مما يدل على أنها مجبرة على ذلك ولا تملك تخطيطاً من نفسها.

وجانب آخر من جوانب الإبداع في هذه الحشرة الصغيرة، هو تمييزها بين الأزهار الطيبة والأزهار التي لا شهد فيها، لتمتص الغذاء الطيب وتحوله إلى العسل ثم تخزنه في الخلايا أملاً في أن يكون غذاءً لصغارها حين تفقس، وتمتدّ يد الإنسان إلى الغذاء المخزون لتجعل منه أطيب الحلوى على الموائد... وكم فيه من فوائد صحيّة عجيبة!!

ثم ذلك التنظيم السياسي الدقيق، حيث الملكة والرعايا، والانقياد التام للملكة، وتقسيم العمل بين مجموعات النحل، والفرق بين الذكور منها والإناث... إلى غير ذلك من مشاهد النظام والإبداع في حياة النحل.

قال تعالى:

(وأَوحَى رَبك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً، ومن الشجر، ومما يعرشون، ثم كلي من الثمرات، فاسلكي سبل ربك ذللاً، يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه، فيه شفاء للناس، إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) (4).

13- الصقور والفئران: أخذ المزارعون في مقاطعة من إحدى الولايات المتحدة الأميركية الشرقية يشكون منذ زمن ليس بالبعيد من الصقور، التي كانت تخطف دجاجهم، فتسمع ولاويل النساء، وتصفيق الرجال، وصراخ الأطفال، وكان الأمر يتكرر في اليوم الواحد أكثر من مرة، وكان المسؤولون يتغافلون عن مثل تلك الشكاوى لاشتغالهم بقضايا أخرى ذات أهمية قد تكون خطيرة.

إلا أن المزارعين ألحّوا على الحكومة بمساعدتهم للقضاء على الصقور من بلادهم نهائياً، وإزاء ذلك الإلحاح الشديد قرر المسؤولون في تلك المقاطعة أن يضعوا حدّاً لشكواهم، فأعلنوا عن استعدادهم لمنح كل من يقتل صقراً مكافأة مالية ممتازة.

وسرعان ما جند الشباب أنفسهم لخوض حرب الصقور، كما شارك في ذلك الشيوخ ولربما النساء في بعض الأماكن، وهكذا دامت الحرب قائمة قرابة شهرين، أو أكثر حتى كادت الصقور أن تنتهي من تلك المقاطعة.

وأمن المزارعون على دجاجهم، ولكنهم ما لبثوا إلا أن ألحّوا على الدولة بشكوى جديدة، ولكنها شكوى جديرة بالاهتمام، إنها تهدّد حياة السكان جميعاً بالجوع الذي لا يطاق، لقد كانت الشكوى هذه المرة أن فئران الحقول قد قضت على مزارعهم وكادت تأكل جميع حبوبهم، ولم يتريث أحد من المسؤولين هنيهة إلا وأعلن أن الصقور هي التي كانت تأكل فئران الحقول، بل أنها كانت تأكل من تلك الحيوانات أضعاف ما تأكله من الدجاج.

فلما قلّ عدد الصقور خلا الجو لفئران الحقول فكثر عددها كثرة هائلة، ومعنى ذلك أن قتل الصقور قد أخلّ بما يسميه العلماء الطبيعيون بـ (توازن الطبيعة) ويعنون بتوازن الطبيعة أن لكلّ منطقة من المناطق نباتاتها وحيواناتها الخاصة بها، فإذا لم يتدخل الإنسان فيها، أو يحدث حدثاً غير عادي ظلّ عدد كل نوع من تلك النباتات والحيوانات ثابتاً تقريباً(5).

14- بصمات الأصابع: حينما كانت جريمة قتل أو اغتصاب أو سرقة، ويعلن عنها كانت تسارع الشرطة لإلقاء القبض على المجرمين والمشبوهين المسجّل لديها أسماؤهم للتحقيق معهم، وكانت تقوم براءة المجرم، أو إدانته على شهادة الشهود ممن رآه بعينه، ولربما وقعت أغلاط كثيرة بالإفراج عن المجرم نفسه، وإقامة الحدّ على البريء أو حبسه.

وقد وقعت أحداث كثيرة من هذا النوع، فمن ذلك أن رجلاً اسمه (أدلف بك) من مواليد لندن، شهدت عليه النساء بأنه احتال عليهن، واستلبهن مالاً وغير مال، وقبضت الشرطة عليه وحكم عليه بالسجن مدة خمس سنوات، ثم أطلق سراحه، وبعد سنوات طويلة يجري لبعض النساء مثل ذلك الذي جرى أول مرة، ويتعرفن على نفس (أدلف بك) في الطريق ويُسجن هذه المرة سبع سنوات.

ثم وهو في السجن تقع الجريمة على نفس الأسلوب، ثم اتضح أن الرجل المسجون بريء وأن المجرم غيره، ويقبض على المجرم الحقيقي ويتعذر للبريء، وعلى أثر هذا الحادث قامت الصحف بتوبيخ الشرطة ولعن الحكومة، وتقول: أفي عصر العلم يحدث هذا؟!!

ومن ذلك اليوم قامت الحكومة بتشكيل لجنة من العلماء والخبراء لوضع قواعد يمكن بها الكشف عن المجرمين الحقيقيين، وكان اقتراح رئيس قسم سجل المجرمين (واسمه بريتون) في باريس أخذ مقاييس دقيقة لأجسام المذنبين في سجونهم، حتى إذا عادوا إلى الإجرام أمكن التعرف عليهم بغير خطأ، وقد أوصت اللجنة باتخاذ هذا النظام.

ومنذ عام 1884 أخذت كل السجون تقيس من السجناء ما يلي:

1- طول الرأس.

2- عرض الرأس.

3- طول الإصبع في اليد اليسرى.

4- طول القدم اليمنى.

5- طول الذراع اليسرى.

ثم أضيف إليها مقاييس أخرى هي:-

1- طول جذع الرجل وهو قاعد.

2- طول الأذن اليمنى.

3- عرض الوجه.

4- لون العين.

وقد وجدوا صعوبات جمّة في تطبيق هذا النظام بالتعرّف على المجرمين، كما أنها لم تكن دقيقة مائة بالمائة، لذا أنشأت الحكومة لجنة ثانية في عام 1889 وقررت أن طريقة (بريتون) لها قيمتها ولكنها لا تنفع في الظروف القائمة في بريطانيا.

وأخيراً اهتدت اللجنة على التعرّف على الأشخاص بواسطة بصمة أصابعهم، وكان أول من لاحظ أنه يوجد على جلد الأصابع بروزات ذات أشكال معينة ومختلفة تماماً هو (بركنجي) أستاذ تشريح وعلم وظائف الأعضاء بجامعة برسلاو في بولندة، وفي عام 1895 أثبت السير وليم هرشل أن الشكل المرسوم على باطن الإصبع يدل على صاحبه ويثبت فرديته.

وفي عام 1877 ابتدع الدكتور هنري فولدز طريقة وضع البصمة على الورق باستخدام حبر المطابع.

وفي عام 1892 أثبت السير فرنسيس جالتون أن صورة البصمة لأي إصبع تعيش مع صاحبها طوال حياته فلا تتغير، وقد أثبتت البصمات جدارتها بالكشف عن المجرمين وأصبحت لدى الناس قناعة تامة بذلك(6).

ومن العجائب اختلاف التوأمين في بويضة واحدة في خطوط الأصابع، وهذا الاكتشاف لا ينفع في الكشف عن الجرائم فقط، بل يستفاد في التعرف على المواليد في المستشفيات حتى لا يختلط بعضهم ببعض، وكذلك بصمات الجنود عند إصابتهم بجراح أو قتلهم في المعارك.

ومن معاجز القرآن الكريم إخباره عن هذه الحقيقة بقوله عزّ من قائل:

(أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه، بلى قادرين على أن نسوي بنانه) (7).

فالله تعالى يردّ في هاتين الآيتين استغراب الإنسان من جمع عظامه يوم القيامة بعدما تناثرت، ويثبت قدرته ليس على جمع العظام وردّها إلى هيكلها العظمي المتماسك فحسب، بل على تسوية البنان (رؤوس الأصابع) وردّ خطوطها أيضاً.

هذه نماذج بسيطة تشهد على أن هذا العالم بما فيه من مجرّات وسُدُم، وكواكب وسيّارات، وشموس وأقمار، وجبال وبحار ومحيطات، وحيوانات ونباتات وجمادات، يسوده النظام المتقن.

وقد سبق أن أثبتنا أن كل ما يسوده النظام المتقن فهو من صنع منظم قدير، وما ذلك المنظم القدير إلا الله جلّت أسماؤه.

وفي كل شيء له آية***تدل على أنه واحد(8).

وكما قال الآخر:

فانظرَ في شجر، وانظر في حجرَ***وانظره في كل شيء، إنه الله.

ـــــــــــــــ

الهامش

(1)- من مقال للأستاذ جون كليفلاند كورثران. راجع (الله يتجلى في عصر العلم)، ص120.

(2)- تفسير الجواهر: تأليف الشيخ طنطاوي جوهري، ج13، ص128.

(3)- سورة النمل، الآيتان 18 و19.

(4)- سورة النحل، الآية 68.

(5)- سبعون برهاناً علمياً على وجود الذات الإلهية، تأليف ابن خليفة عليوي، ص206.

(6)- للتفصيل انظر: الموسوعة العلمية ص92، وسبعون برهاناً علمياً، ص387.

(7)- سورة القيامة، الآيتان 3 و4.

(8)- البيت مع جملة ابيات أخرى لأبي العتاهية.