المادة: العقائد 2
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon akeda 04.doc

في حديثنا عن نبوة نبينا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نعيد نفس المقدمتين اللتين أشرنا إليهما في بحث النبوة العامة، حيث قلنا أن طريق إثبات النبوة هو:

1- إن يدعي أحد أنه مرسل من قبل الله تبارك وتعالى لهداية البشر ويدعم ادعاءه هذا بما يثبت صحة دعواه وصدقه في ادعائه النبوة، وبذلك يكون قد أثبت ما يدعيه ببرهان، وما ذلك الإثبات إلا الإتيان بالمعجز الذي يعجز الأفراد العاديون عن الإتيان بمثله.

نفس الكلام ينطبق على النبوة الخاصة، حيث نريد بها إثبات رسالة خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) فنقول:

- المقدمة الأولى: إن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) ادعى النبوة.

- المقدمة الثانية: ظهرت المعجزات على يديه.

النتيجة تكون هذه الجملة الثالثة: ظهور المعجزات دليل على صدق الدعوى (صحة النبوة).

ولنبدأ بالجملتين الأوليين، ثم ننتقل إلى النتيجة.

إن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) ادعى النبوة، وهذا أمر واضح لا يحتاج إلى اثبات، لأنه منذ أن جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قومه، ودعاهم في القصة المعروفة بـ (يوم الدار) جاء ليقول: انه مكلف من قبل الله تبارك وتعالى بأداء الرسالة، وأنه تلقى الوحي حينما نزل عليه الوحي: (اقرأ باسم ربك الذي خلق....).

نزلت عليه الآية الكريمة: (وانذر عشيرتك الأقربين) فبدأ ينذر ويبلغ عشيرته منذ تلك اللحظة، ومنذ رفعه لشعار، (قولوا لا اله إلا الله تفلحوا) فهو كان مستمراً في بيان هذا المعنى:

أيها الناس أنا نبي من قبل الله، أنا مرسل من قبل الله، أنا بشير ونذير بين يدي الساعة..

إذن كل حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت تجسيداً لهذه الكلمة وإبلاغ الناس والجماهير كلها، انه حامل رسالة إلهية.

- المقدمة الثانية: المعجزات التي ظهرت على يديه.

وهذا أيضاً ثابت بالتواتر، لا يستطيع أحد إنكاره، يعني الذي كان يعيش مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيرى أن الحصى تسبح في يديه، ما كان ينكر هذا وحينما دعا علياً (عليه السلام) ليصنع طعاماً ويدعو بني عبد المطلب، والنصوص متفقه على أنهم كانوا أربعين، يزيدون واحداً أو ينقصون واحداً، ثم صنع لهم الطعام، وذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اسم الله تبارك وتعالى ثم دعاهم إلى الطعام، فأكلوا وشبعوا وزاد من الطعام، في حين أن ذاك الطعام ما كان يكفي إلا لإطعام عدد قليل جداً.

إذن ظهور المعجزات على يديه أيضاً مسالة لا تقبل الإنكار، وأعظم شاهد على ذلك لمن عاصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولمن أتى بعده، هو القرآن  الكريم، حيث هو كلام الله تبارك وتعالى، ثم تحدى جميع أبناء البشر، تحدى الإنس والجن على أن يأتوا بمثل ذلك القرآن.

إذن النتيجة مسلمة لوضوح هاتين المقدمتين وهي:

إن محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رسول من قبل الله تبارك وتعالى، يستمد الدعم والإمداد الإلهي من ذلك العطاء المطلق ومن ذلك الكمال المطلق وتظهر المعجزات على يديه ويخبر بكل ما وراء عالم الشهادة الذي هو عالم الغيب.

فإذن من الثابت انه رسول من قبل الله تبارك وتعالى.

إذا أردنا أن نتجاوز هذا اللون من الاستدلال المنطقي وترتيب المقدمات نستطيع أن نقول: بأن رجلاً نهض من بين أمة غاطة في الجهل والظلم والظلمات وأحد درجات الانحراف، فاقدة لكل القيم، وإذا ظهر ليعلن عن السماء رسالات وبشائر وهدايات، لا يمكن أن تحصل لها نظائر في العقل البشري أو في التصور العادي الذي يمكن أن ينشأ بشخص من مجتمع كهذا وبطبيعة الحال آثاره أكبر دليل على أنه حامل رسالة من قبل الله.

وإما بالنسبة للمعجزة، فالمعجزات في الحقيقة تتناسب مع خصائص كل عصر فكان من الحكمة أن يخص الله تبارك وتعالى موسى (عليه السلام) بالعصا واليد البيضاء، لما شاع السحر في زمانه وكثر الساحرون، ولذلك كانت السحرة أسرع الناس إلى تصديق ذلك البرهان أو الإذعان به، حين رأوا العصا تنقلب ثعباناً، وتلقف ما يأفكون، ثم ترجع إلى حالتها الأولى، رأى علماء السحر ذلك فعلموا انه خارج عن حدود السحر وآمنوا به وبأنه معجزة إلهية، وأعلنوا إيمانهم في مجلس فرعون ولم يعبأوا بسخط فرعون ولا بوعيده.

وشاع الطب اليوناني في عصر عيسى (عليه السلام) وأتى الأطباء في زمانه بالعجب العجاب، كان للطب رواج باهر في المنطقة التي بعث فيها عيسى (عليه السلام) وشاءت الحكمة أن تجعل برهانه شيئاً يشبه الطب، فكان من معجزاته أن يحيى الموتى، وان يبرئ الأكمه والأبرص، ليعلم أهل زمانه أن ذلك شيء خارج عن قدرة البشر، وغير مرتبط بمبادئ الطب، وانه ناشئ عما وراء الطبيعة.

وإذا أتينا إلى عصر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) البلاغة والفصاحة كانت في قريش وفي العرب إلى درجة راقية جداً، بحيث أن المعلقات ونماذج الأدب تشير إلى أن درجة عظيمة من الفصاحة ومن البلاغة كانت سائدة في ذلك العصر لدى قريش وأبناء الجزيرة العربية.

قبل أن نأتي إلى المفاضلة أو القياس بين ما أتى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قرآن كدليل على إعجازه وبين البلاغة التي كانت مسيطرة قبل -هذا نشير إلى نقطة أخرى في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي:

انه لما أتى بهذه النماذج، أيضاً أبناء قومه اتهموه بالسحر واتهموه بالشعر قالوا ساحر، قالوا مجنون، وأمثال ذلك، لماذا؟.

لأنهم ما استطاعوا أن يبرروا أو يفسروا هذا اللون من العمل وهذا اللون من الإنتاج الذي يظهر على يد الرسول، النبي الأمي، ما استطاعوا أن يفسروه بشيء، ولذلك اضطروا بان يقولوا، بأنه ساحر وما شاكل ذلك ولذلك نجد في قصة (يوم الدار) انه لما صنع لهم الطعام ولما مدوا أيديهم ورأوا أن هذا الطعام لا يقل منه شيء كلما أكلوا، قام أحدهم وقال سحركم محمد.

وبهذا نجد أن البشر حينما كان يعجز عن مجاراة الأثر الرسالي أو الأثر الإلهي أو الأثر الظاهري على يد النبي المرسل، مكان يتذرع ببعض الحجج وبعض الاتهامات والافتراءات.

- المعجزات:

خالدة: القرآن الكريم

وقتية: تسبيح الحصى، إشباع العدد الكبير، بالطعام القليل.

وجود إعجاز القرآن:

أهم ما في إعجاز القرآن، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر من قبل الله تبارك وتعالى بالتحدي وهذا التحدي على الإتيان بمثل القرآن، جاء على مراحل متعددة، فأنزل الله تبارك وتعالى أكثر من آية قرآنية للإعلان والإعلام بان القرآن الكريم هو المعجزة الدالة على صحة ادعاء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) للنبوة، وهو الحجة المثبتة لذلك. وأهم من ذلك، لم يقصر هذا التحدي على الإنس فقط، وإنما عممه للجن أيضاً، لأن قسماً من البلغاء والفصحاء، وقسماً من الناس الذين كانوا يرون عظمة الشعر والبلاغة والفصاحة عند بعضهم، كانوا يقولون بأن له رفيقاً من الجن يدعمه ولذلك هو عبقري ولذلك كانوا يسمون الجني الذي يمد الشعراء بهذا اللون من النبوغ، كانوا يسمونه ب(عبقر) ولفظة العبقري والعبقرية إنما تعود إلى كلمة عبقر وهو اسم للجني الذي يمد الإنسان. لأنهم لم يستطيعوا أن يفهموا، فالإنسان العادي لا يستطيع أن يقوم بهذا الشيء، فلا بد هناك قوة غيبية والقوة الغيبية عندهم كانت تتركز وتتلخص في الجن، لذلك نجد أن هذا التحدي لم يقتصر على الإنس وإنما الله تبارك وتعالى أمر رسوله بأن يطلب من الجن ومن الإنس، من كل العرب ومن كل إنسان على وجه الأرض أن يجاري. وهذا التحدي كان مقترناً بادعاء النبوة، يعني ليس تحدياً فقط وإنما تحدي مضافاً إلى ادعاء النبوة.

فهل أتوا بمثل القرآن أم لا؟ هل حاولوا، أم لا؟.

كان المفترض بهم، بدلاً من أن يزهقوا أرواحهم وبدلاً من أن يخرجوا إلى حرب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقسم منهم يقتلون، وينتصر المسلمون في كثير من المعارك على المشركين، بدلاً من هذا كله، كان بإمكانهم أن يجتمعوا أو يأتوا بأفخر ما يمكن من الأدب ويجاروا به القرآن، وبهذا التحدي كانوا يقفون بوجه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

- مراحل التحدي:

- المرحلة الأولى: أن يأتوا بكل القرآن أو بمثل كل القرآن.

الإسراء:88: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا).

- المرحلة الثانية: يتنزل التحدي إلى الإتيان بعشر سور فقط.

هود 13-14 100 م (أم يقولون افتراه، قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين، فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا إنما انزل بعلم الله وان لا اله إلا هو، فهل أنتم مسلمون).

- المرحلة الثالثة: خفض الله تبارك وتعالى وخفض القرآن هذا اللون من التحدي إلى سورة واحدة.

البقرة:23-24: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا، فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداء من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة، أعدت للكافرين لماذا قلنا القرآن معجزة خالدة).

لأن هذا التحدي لا يزال مستمراً إلى وجود آخر إنسان على وجه الكرة الأرضية هو مخاطب بهذا التحدي، إن لم يؤمن بالرسالة، على أن يأتي بما يشبه القرآن.

قال البعض بأن إعجاز القرآن إنما هو في مادته وفي بلاغته وفي أسلوبه.

وذهب آخرون إلى أن إعجازه في بيانه ونظمه وهذا اللون من التناسق الموجود.

وهناك خصائص نجدها في القرآن الكريم ولا نجدها في غير القرآن، بحيث لا يمكن أن تمتزج. حتى أمير البلغاء والفصحاء، علي بن أبي طالب (عليه السلام) في نهج البلاغة، حينما يحلق في أجواء البلاغة، لكنه يقتبس آية قرآنية، فمن الواضح جداً، إن هذا كلام الخالق وذاك كلام المخلوق.