المادة: العقائد 2
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon akeda 01.doc

البحث عن النبوة يتفرع إلى فصلين:

الفصل الأول: النبوة العامة.

الفصل الثاني: النبوة الخاصة.

- النبوة العامة: ونقصد بها كل ما يشترك فيه جميع الأنبياء، بغض النظر عن كون المرسل أو النبي نوحاً أو إبراهيم أو موسى أو عيسى أو نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

فالمواصفات التي يجب أن تتحقق في النبوة بشكل عام والآثار التي تظهر على يد النبي، تدرج في الفصل الأول وهو النبوة العامة. والذي يتناول المواضيع التالية:

1- وجوب البعثة وضرورة إرسال الأنبياء.

2- المعجز.

3- الوحي.

4- العصمة.

تحدثنا سابقاً عن الموضوعات الثلاثة الأولى وعرفنا لماذا يجب إرسال الأنبياء واستندنا إلى قاعدة اللطف والى عجز العقول من الوصول إلى كل الحقائق. وذكرنا كيف أن المصالح تتعارض وإن العقول تتناقض وإن الغرائز قد تتغلب على حكم العقل فتجرده من الموضوعية.

ثم تحدثنا عن المعجز وحقيقته. وهل يا ترى صدور المعجز لوحده كاف أو أنه العمل الخارق للعادة الذي يقترن بادعاء النبوة، يعني شخص يدعي أنه مرسل من قبل الله تعالى ويحمل رسالة ويكلف الناس بجملة من الأمور، فالناس يطلبون منه شاهداً على صدق دعواه. فبطبيعة الحال يكون المعجز، حيث يستند إلى قوة إلهية وليس بمستوى المقدور البشري ثم انتقلنا إلى معرفة حقيقة الوحي واستعمالات الوحي في القرآن الكريم وفي الأدب العربي والنماذج الثلاثة التي يعبر عنها القرآن الكريم، وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً.

وانتهينا إلى الموضوع الرابع وهو العصمة.

- العصمة:

هل معنى العصمة أن يكون النبي مصوناً من ارتكاب المعصية؟

هل لا يقارف الذنب الكبائر والصغائر؟.

الكبائر فقط؟.

ما تصدر المعاصي منه عمداً، أما سهواً فلا مانع؟

اختلفت أقوال علماء المسلمين والمذاهب المختلفة حول هذه المسألة.

والأقوال المعروفة في عصمة الأنبياء كالتالي:

1- العصمة في أداء الرسالة فقط.

2- العصمة عن المعاصي مطلقاً، كبيرة وصغيرة، عمداً وسهواً.

3- عمداً فقط، أما سهواً فلا ينافي.

4- الكبيرة فقط، أما الصغيرة فلا تضر.

- القول الأول: دعاة هذا القول يذهبون إلى أن النبي لابد أن يكون معصوماً في أداء الرسالة فقط ومعناه أنه ليس من الضروري أن يكون النبي معصوماً من الذنب في حياته العادية.

إذن لا يخطئ في أداء الرسالة ولا يتعمد الكذب ولا يغير ما أنزل الله تعالى فهو معصوم في أداء الرسالة فقط، ولكنه في حياته العملية يرتكب المعاصي -والعياذ بالله- ويصدر منه كذب أو فسق أو فجور، بناء على هذا القول لا يضر فيه.

في حين نقول بأن هذا القول لازمه سلب الثقة والاعتماد من أفراد الأمة تجاه النبي، فكيف يثقون بهذا النبي الذي يطمئنون انه يؤدي الرسالة بشكل كامل ولكن هو يقارف الذنوب مثلهم.

- القول الثاني: هو القول الذي يلتزم به الإمامية.

يقولون بأن المراد هو العصمة عن صدور المعصية مطلقاً، كبيرة كانت أم صغيرة، عمداً أو سهواً.

وهناك بحث يتعلق بالتمييز بين الكبائر والصغائر يذكر عادة في الفقه ويتلخص في مجموعة من المعايير منها، أن مسألة الكبائر والصغائر نسبية، أي المعصية إذا قيست إلى ما هي أشد صارت صغيرة وإذا قيست إلى ما هي أدنى فتصير كبيرة.

وهناك قول آخر يقول: كل معصية توعد عليها بالنار في القرآن الكريم فهي كبيرة.

المهم لا فرق بين العصمة في أن تكون عصمة عن المعاصي الكبيرة أو الصغيرة. ولا فرق بين أن تكون عمداً أو سهواً، لأن الملاك واحد.

- القول الثالث: وهو رأي الأشاعرة.

الأشاعرة يذهبون إلى أن المعصية إذا كانت عن عمد فهي تضر وتنافي العصمة، أما إذا كانت سهواً فلا ينافي ذلك. ومعناه أن الإصدار وسبق العلم والعمد أمر أساسية في إخلال المعصية بمقام النبوة.

- القول الرابع: وهو قول المعتزلة.

إن المعصية إذا كانت كبيرة فهي تضر بمقام العصمة. أما إذا كانت صغيرة فلا تضر.

ولنتعرف على حقيقة العصمة أو التعاريف الموجودة بالنسبة للعصمة.

يقول الشيخ المفيد (رضي الله عنه) في كتابه النكت الإعتقادية:

إن العصمة لطف يفعله الله تعالى بالمكلف بحيث يمنع من وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليها.

نلاحظ الدقة في عبارة الشيخ المفيد (رضي الله عنه). ونجد التزام جميع علماء الإمامية بهذا اللون من التعبير.

فصحيح أن عمل النبي نفسه والتزامه بالتقوى والفضيلة والتزامه بالسلوك المهذب له دور، ولكن الأهم من ذلك الذي يعطي سمة بارزة للعصمة، هو أنها لطف من الله تبارك وتعالى.

فكما يجب إرسال الأنبياء لقاعدة اللطف، تجب العصمة كذلك لقاعدة اللطف، حتى لا ينتفي الغرض.

الغرض من الخلقة والغرض من البعثة والغرض من التكليف، كل هذه الأمور لا تتحقق إلا إذا كان النبي المبلغ معصوماً.

س- النبي أو الإمام المعصوم هل يستطيع أن يعصي ولا يعصي، أو لا يستطيع؟

فإذا لم يكن قادراً على المعصية فأي فخر هذا؟.

مثلاً إذا أراد أن يكذب ينعقد لسانه أو إذا أراد أن يضرب أحداً لا تعمل يده أو.. فما قيمة هذا اللون من العصمة، وليس له معنى لأنه لا يستطيع أن يقوم بالمعصية. فلا فائدة إذن.

لكنه إذا كان قادراً على ارتكاب المعصية ولا يفعل، فهنا العظمة والجوهر الصقيل للنفس الإنسانية، وهنا الفخر بالفعل.

يقول المحقق الطوسي في شرح تجريد الاعتقاد:

العصمة هي أن يكون العبد قادراً على المعاصي غير مريد لها مطلقاً كما أن الشخص قادر على فتح علبة القاذورات مثلاً، ولكنه لا يأكل منها. لأنه ليست له رغبة في ذلك، بل يشمئزون من الاقتراب من علبة القاذورات والتناول منها.

وبنفس الترتيب المعصوم له مقدرة على ارتكاب الذنب ولكنه في نفس الوقت يشمئز وينفر.لأن ما عند الله خير وأبقى، وهذا المعنى يتجسد ويتجلى في نفس المعصوم إلى درجة أن هذه الأمور الزائلة وهذا اللون من اللذة الذي يدعو إلى المعصية، منحط وتافه إلى درجة أن له مقدرة على ارتكاب المعاصي ولكنه لا يرتكب، لأنه يشمئز وينفر ويأتي ذلك.

- الأدلة على العصمة:

- الدليل الأول: النبوة عهد من الله تبارك وتعالى.

وقد ورد في قوله تعالى: (لا ينال عهدي الظالمين) البقرة:124.

إذن لا يوجد انسجام بين هاتين الجملتين. فكيف نربط بينهما؟.

فالجملة الثانية واضحة جداً، لأنها آية قرآنية لا تحتاج إلى إثبات.

والشيء الوحيد الذي نحتاج إلى إثباته هو أن المعصية ظلم.

لأن الله تبارك وتعالى يقول: لا ينال عهدي الظالمين.

إذن الذي يرتكب المعصية فهو ظالم. ظالم لنفسه وظالم لربه ولرسالته وظالم لأبناء أمته.

فمن الطبيعي أن عهد الله تعالى لا يصل إلى الشخص الذي يرتكب الذنب والمعصية.

والنبوة عهد من الله تبارك وتعالى. لأن العهد عبارة عن مسؤولية محولة من الله تعالى إلى بشر ما لأداء الرسالة.

إذن النبوة عهد. والعهد لا يناله الظالم.

والذي يرتكب المعاصي ظالم.

إذن النبوة لا تصل إلى مرتكب المعصية.

وبما أن الكلام مطلق لم يقيد بشيء، إذن لا داعي لتقييده بالصغيرة والكبيرة  أو بالسهو أو العمد.

- الدليل الثاني: لو لم يكن الأنبياء معصومين، لانتفت فائدة البعثة.

إن في كل قياس استثنائي لابد من إثبات الملازمة واثبات بطلان التالي.

إما بطلان اللازم وهو انتفاء فائدة البعثة، باطل بلا إشكال.

حيث أقمنا الأدلة سابقاً على ضرورة إرسال الأنبياء واثبات ذلك بقاعدة اللطف وقواعد أخرى، فإذًًًًًًًًًًًا انتفت فائدة البعثة و يكون نقضا للغرض، ونقض الغرض لا يصدر من الحكيم.

إذن عدم عصمة الأنبياء أيضاً باطل، للتلازم بين المقدم والتالي في القضية الشرطية.

ولكن يجب إثبات الملازمة، أي كيف إذا لم يكن الأنبياء معصومين تنتفي فائدة البعثة؟.

نقول: إذا جازت المعصية على الأنبياء، يعني قلنا بأنه يوجد إمكان واحتمال بأن تصدر المعصية من النبي والرسول ويصدر منه الخطأ والسهو ويذنب ويخالف، فحينئذٍ لا يحصل الوثوق بكلامه لجواز الكذب وإذا لم يحصل الوثوق لا يحصل الانقياد لأمرهم ونهيهم، فما الفائدة إذا كان هو يبلغ ولا أحد يستمع إليه ولا يلتزم بتعاليمه.

إذن هذا يؤدي إلى انتفاء الفائدة من البعثة. والله تبارك وتعالى لا يفعل ما ينافي غرضه ولا ينافي الحكمة، لأنه حكيم عادل.

إذن لو لم يكن الأنبياء معصومين لانتفت فائدة البعثة.

إذن لابد أن يكونوا معصومين.

- الدليل الثالث: إننا ملزمون باتباع النبي. فكيف نتبع من قد يعصي؟

نقول: نحن ملزمون بدليل العقل ودليل النقل باتباع النبي.

- دليل العقل:

إن النبي هو المبلغ عن الله تبارك وتعالى وهو المرشد والهادي. فإذا أردنا أن ننجو وان نتمسك بخط الهداية، لابد أن نطبق ما يقول ونتبع ما يأمر به.

- دليل النقل:

قوله تعالى: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر:7.

وقوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) النساء:59. 

هذه الأدلة كلها متقنة من ناحية النقل في لزوم اتباع الأنبياء فلو كانوا غير معصومين لكان الأمر باتباعهم من المحال. لأنه قبيح.

فالله تبارك وتعالى يريد أن يرشد الناس إلى الهداية وطريق الصلاح لا إلى الفساد؟.

فإذا كان النبي - والعياذ بالله - مرتكباً للمعصية ونحن بحكم العقل والنقل مطلوب منا اتباع النبي، معنى ذلك أننا نتبعه في الاتجاه المنحرف - لو كان يعصي ويذنب - وهذا محال على الله تبارك وتعالى.

نقول: إذا جاز أن يرتكب النبي المعصية ويسهو و..

فإما أن يجب اتباعه أو لا يجب اتباعه. إذا وجب اتباعه معنى ذلك أنه يهدي الناس إلى الانحراف بدلاً من أن يهديهم إلى سواء السبيل.

إذا لم يجب اتباعه، صار نقض الغرض.

إذن الاتباع للرسول يتحقق متى ما كان معصوماً من الخطأ.

الدليل الرابع: (وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)

عرفنا بضرورة الشرائع وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا لاحظ فرد من أفراد الأمة، الرسول -والعياذ بالله- وهو يرتكب معصية، فهل يجب على هذا الشخص أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أم لا؟.

بطبيعة الحال هذا الوجوب ليس ساقطاً.

فإذا وجب النهي عن المنكر فمعناه أن ينهى الرسول عن المنكر من قبل أفراد أمته.

وفي هذه الحالة:

أولاً، يسقط احترامه.

ثانياً، تنعكس المسؤولية.

فهو جاء ليرشد الآخرين وإذا به يرشد من قبل الآخرين.

(أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) يونس:35.

إذن وجدنا في هذه الأدلة الأربعة بأن الملاك واحد، يشمل المعصية الكبيرة والصغيرة. يشمل العمد والسهو. وبعبارة أخرى يكون مطلقاً وعاماً لحالات تبليغ الرسالة وغير تبليغ الرسالة.

وما قيده به الأشاعرة والمعتزلة من أنه لا توجد ضرورة للعصمة في الصغائر أو في حالة السهو أو في غير حالات التبليغ، هذا لا مبرر له مطلقاً. وإنما لابد أن يكون النبي والرسول المبلغ عن الله تبارك وتعالى معصوماً في جميع الجهات.

حتى لا تنتفي فائدة البعثة.

وحتى يحصل الوثوق بكلامه

ولكي يتسنى اتباعه.

وحتى يتحقق ذلك اللطف الإلهي بشأنه.

وحتى لا يمس بكرامته ولا يشك في مصداقيته.