المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 009.doc

المبحث الآخر من مباحث النكاح في أولياء العقد وهم:

الأب والجد من طرف الأب بمعنى أب الأب فصاعداً هؤلاء هم أولياء العقد وقد انعقد الإجماع بل قامت ضرورة الفقه وأيضاً ضرورة المذهب الحق على ذلك مضافاً إلى النصوص وتوارت الأخبار منها صحيح ابن الصلت: (في الجارية الصغيرة يزوجها أبوها لها أمر إذا بلغت قال (عليه السلام) ليس لها مع أبيها أمر، قال وسألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء لها مع أبيها أمر؟ قال (عليه السلام) ليس لها مع أبيها أمر ما لم تكبر).

ومن النصوص صحيح ابن بزيع قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام)  عن الصبية يزوجها أبوها ثم يموت وهي صغيرة قبل ان يدخل بها زوجها يجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال (عليه السلام) يجوز عليها تزويج أبيها).

ومن الواضح ان المراد من الجواز في قوله (عليه السلام) (يجوز عليها) الجواز الوضعي أي بمعنى المضاء أي يمضي عليها الزواج الذي أجراه الأب.

ومنها صحيح الفضل: (قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يزوج أبنه وهو صغير قال (عليه السلام) لا بأس قلت. يجوز طلاق الأب؟ قال: لا). وهي الرواية صريحة في مضي النكاح من طرف الأب وعدم مضي الطلاق ومنها صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما الباقر والصادق (عليهم السلام): (إذا زوج الرجل ابنة أبيه فهو جائز على إبنه).

والمراد من الجواز أي الإمضاء كما قدمنا.

ومنها صحيح هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام): (إذا زوج الأب والجد كان التزويج للأول فان كانا جميعاً في حال واحدة – أي كلاهما زوجاه أو زوجاها – فالجد أولى).

إلى غير ذلك من الأخبار، وعليه فإن أولياء العقد شرعاً هم الأب والجد من طرف الأب بمعنى أب الأب فصاعداً فلا يندرج فيه أب أم الأب مثلاً وهذا ما تسالم عليه الفقهاء بل قام عليه الإجماع.

وأيضاً لا تثبت الولاية للأم ولا لأبيها وان نسب ذلك الكلام بعض إلى ابن الجنيد رحمه الله ولعل وجه قول ابن الجنيد رحمه الله ما ورد مستنداً إلى نببينا الأعظم (ص) في شأن نعيم بن الفحام ان يستأمر أم أبنته في أمرها و قال (ص): (وأتمروهن في بناتهن).

كما روى هذا الخبر في السنن الكبرى البهيقي إلا ان فقهاءنا حملوه على نحو من المجاملة والأدب لا إثبات الولاية للأم في النكاح كما ثبتت الولاية للأب.

وأيضاً ان قول الأمام الصادق (عليه السلام) في الموثق: (إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر).

وكلمة أبويها وان كان ربما يفهم منها الأم أيضاً إلا أنها محمولة على الولاية من طرف الأب والمجاملة للأم كما لا يخفى.

فتحصل ان لا ولاية للأم ولا للجد من قبلها ولو من قبل أم الأب وكذا لا ولاية للأخ كل ذلك لأصالة عدم ولاية أحد على أحد خرج من هذا الأصل من يثبت له الولاية بالدليل المعتبر، والدليل بالنسبة للأم والأخ مفقود نعم توجد رواية على خلاف ذلك.

وهي صحيح أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): (سألته عن الذي بيده عقد النكاح قال هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه). وغير ذلك من الروايات إلا ان هذه الروايات محمولة على الآداب أو هي مطروحة لأعراض الأصحاب عنها وقد ثبت في محله من الأصول ان أعراض الأصحاب عن الرواية الصحيحة موجب لوهنها كما ان عمل الأصحاب بالرواية الضعيفة موجب لقوتها.

وأيضاً يظهر من هذا عدم ولاية العم والخال وأولادهم أيضاً.

أما العم وأولاده فلما تقدم من الروايات ورواية محمد بن الأشعري قال: (كتب بعض بني عمي إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ما تقول في صبية زوجها عمها فلما كبرت أبت التزويج؟ قال فكتب (عليه السلام) إليه لا تكره على ذلك و الأمر أمرها)

وكذلك صحيح محمد بن مسلم أيضاً في هذا المجال، وأما عدم ولاية الخال وأولاده فأيضاً للأصل الذي ذكرناه ولعموم الوارد في صحيح محمد بن مسلم: (عن الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ فقال إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم).

وهذه الرواية ظاهرة في حصر الولاية بالأب وأب الأب لأنه الأب عرفاً وأما غيرهما فلا.

ويضاف إلى الأب وأب الأب، الحاكم الشرعي فان للحاكم تزويج من ولا ولي له من الأب والجد والوصي بشترط الحاجة إليه أو قضاء المصلحة اللازم مراعاتها.

للمولى عليه ويضاف إلى ذلك وكيل الحاكم العام أو الخاص في شؤون التزويج وذلك للاطلاقات الدالة على عموم ولاية الحاكم وذلك لعموم اطلاقات قوله عليه السلام: (أني جعلته عليكم حاكماً).

وكذا النبوي المجبور بالشهرة المحققة (السلطان ولي من لا ولي له) والمقصود من السلطان هو الحاكم الشرعي لما لا يخفى .

وعليه فما نسب إلى المشهور من انه ليس للحاكم ولاية النكاح على الصبي مما لا يظهر له وجه.لقول الصادق (عليه السلام) في الصحيح عن ابن سنان: (الذي بيده عقد النكاح هو ولي أمرها) وهذا الصحيح منطبق على الحاكم في صورة فقدان الأب والجد كما ان ولاية الحاكم يمكن ان تكون من باب الحسبة على تفصيل ذكر الفقهاء في ولاية الحسبة والأمور الحسبية.

فتحصل مما تقدم ان الولاية تثبت للأب والجد من طرف الأب فصاعداً وكذلك الوصي لأحدهما مع فقدان الآخر وكذا الحاكم الشرعي.

ولا تثبت للأم وابائها و لا للأخ و الأعمام والأخوال. وهنا تفريعات

التفريع الأول: ولاية الأب والجد إنما تثبت على الصغيرين والمجنون المتصل جنونه بالبلوغ و المنفصل على الأقوى أما البالغ الرشيد والبالغة الرشيدة إذا كانت ثيبة فلا ولاية للأب والجد عليها وذلك لقاعدة السلطنة التي مفادها (الناس مسلطون مع أموالهم وأنفسهم) مضافاً إلى الإجماع والأخبار التي منها ما ورد عن مولانا الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي: (المرأة الثيب تخطب إلى نفسها؟ قال (عليه السلام) هي أملك بنفسها تولي نفسها من شاءت ان كانت قد نكحت رجلاً غيره).

وكذا في صحيح عبد الرحمن بن عبد الله قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الثيب تخطب إلى نفسها؟ قال نعم هي أملك بنفسها تولي أمرها من شاءت إذا كانت تزوجت زوجاً قبله).

والأخبار في ذلك كثيرة.

أما البكر الرشيدة فهل تثبت عليها الولاية أم لا؟ فيها أقوال: منشأ تعدد الأقوال اختلاف الأخبار ومجمل الأقوال خمسة:

الأول: ما حكي عن جمع منهم الشيخ والصدوق وغيرهم (قدست أسرارهم) باستقلال الولي بالنكاح وذلك بجملة من الأخبار التي ربما تبلغ ثلاثة وعشرين خبر والتي تدل على ولاية الأب على البالغة الرشيدة ومنها قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي: (سألت عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ألها مع أبيها أمر؟ فقال ليس لها مع أبيها أمر ما لم تتثيب).

وكذا في صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): (لا تستأجر الجارية إذا كانت بين أبويها ليس لها مع الأب أمر) وقال (عليه السلام): (يستأمرها كل أحد عدا الأب). وكذا في خبر على بن جعفر عن أخيه الكاظم (عليه السلام): (القول الثاني وهو المنسوب إلى المشهور من الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين بل وأختاره أيضاً المحقق الحلبي (قده) في الشرائع لصحيح الفضلاء وهم زرارة ويزيد بن معاوية العجلي ومحمد بن مسلم وفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام): (المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولى عليها تزويجها بغير ولي جائز).

وقد قال السيد السبزواري (قدس) في مهذب الأحكام (ان هذه الرواية من محكمات الأخبار سنداً ومتناً.

ولكنها صريحة في نفي السفه عن المرأة بجميع مراتب السفه ونفي الولاية مطلقاً بحيث تصح لإنجاز مثل أمر الزواج بجهاته المعتبرة فيه عرفاً وشرعاً).

ومن الواضح ان مثل هذه المرأة لا ولاية عليها منهما لأن الولاية لمراعاة الجهات اللازمة في الزواج والمفروض هنا تحققها في نظر المرأة لأنها بالغة ورشيدة ويؤيد ذلك صحيح ابن حازم عن الأمام الصادق (عليه السلام): (تستأمر البنت البكر ولا تنكح إلا بأمرها). والروايات في هذا المجال كثيرة نكتفي بما ذكرناه.

القول الثالث: هو التفصيل بين الدوام والانقطاع بأن تكون البكر البالغة الرشيدة مستقلة في نكاح الدوام وغير مستقلة في نكاح الانقطاع ونسبوا هذا القول إلى بعض لكنه لم يعرف قائله لكن اذا كان منشأ هذا القول الانصراف فالظاهر عدمه وان كان قول مولانا الرضا (عليه السلام)  في صحيح البزنطي: (البكر لا تتزوج متعة إلا بأذن أبيها) وقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة أبي مريم: (العذراء التي لها أب لا تتزوج متعة إلا بأذن أبيها) فهما معارضان بغيرهما من الروايات مثل ما ورد عن الحلبي: (قال سألته عن التمتع مع البكر إذا كانت بين أبويها بلا أذن أبويها قال لا بأس).

وفي خبر محمد بن سنان عن أبي سعيد قال: (سئل أبو عبد الله عن التمتع من البواكر اللواتي بين الأبوين؟ فقال لا بأس).

ومثلهما غيرهما من الأخبار ومع وقوع هذا التعارض فيمكن حمل ما دل على عدم الجواز على الكراهة فتأمل.

القول الرابع: عكس الثالث وهو التفصيل بين الدوام فيقال بعدم استقلال البنت بالولاية على نفسها والانقطاع فيقال باستقلالها ونسب هذا القول إلى الشيخ في كتابي الأخبار – أي التهذيب و الاستبصار – لما دل على استقلال الولي بعد التقييد بالدوام وخروج المتعة عن ذلك.

القول الخامس: هو التشريك بينهما بمعنى اعتبار إذنهما معاً.

لأنه مقتضى الجمع بين الأخبار وقد نسب هذا القول إلى الشيخ المفيد (قدس) وفيه روايات منها صحيح ابن أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام): (لا تتزوج ذوات الآباء من الأبكار إلا بأذن آبائهن) ويمكن قراءة هذه الرواية بصيغة المبني للمجهول أيضاً ومنها موثق صفوان قال: (استشار عبد الرحمن موسى ابن جعفر (عليهما السلام) في تزويج ابنته لأبن أخيه فقال فعل ويكون ذلك برضاها فان لها في نفسها نصيباً).

ولا يخفي ان القراءة بصيغة فعل أي (بالتحريك) للدلالة على تأكد الوقوع. وصحة هذا الوقوع.

واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر (عليهما السلام) في تزويج أبنته فقال: (افعل ويكون ذلك برضاها فان لها في نفسها حظاً) وعن صاحب المستند رضوان الله عليه ثبوت الأذن لكل منهما مستقلاً كولاية الأب والجد للجمع بين الأخبار.

وتحقيق المسألة أن مجموع ما وصل إلينا من الأخبار على أقسام خمسة:

الأول: الروايات الدالة على استقلال الوالي.

الثاني: الروايات الدالة على استقلالها في الأذن.

الثالث: ما دل على اعتبار إذن الولي ورضاه.

الرابع: ما دل على اعتبار إذنها ورضاها.

الخامس: ما دل على ان الولي له فسخ النكاح. مثل قوله (عليه السلام). (لا ينقض النكاح إلا الأب).

 هل البكر مستقلة في إذن الزواج:

 (والمتأمل في مجموع هذه الأخبار ربما يتوصل إلى ان الاستقلالية للولي ليس من الحكم الإلزامي وإنما هو حكم أدبي أخلاقي خصوصاً مع وجود دليل: (الناس مسلطون على أنفسهم) فان مثل هذه الضابطة العامة تدل على ان الإنسان مادامت تصرفاته عقلانية له سلطة على نفسه ولا سلطة للغير عليه وليس لأحد ان ينظر إلى قسم من الأخبار ويغض الطرف عن الآخر منها ويفتي بمضمون ما نظر إليه فقط ما دام الكل معتبراً.

والآ فان ملاحظة مجموع هذه الأقسام مع بعضها و الإفتاء طبق بعضها دون البعض الآخر موجب لاختلال الأحكام خصوصاً مع تعارض الأخبار الذي لأجله اختلفت الأقوال بين الفقهاء.

فإذن اللازم ان يجعل الفقيه جميع الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض كخبر واحد ثم ينظر إليها بشكل تام وحينئذ يلاحظ هل الأذن لوحظ بنحو التعبد المحض مطلقاً في هذه الروايات؟

وهذا ما ترتضيه الفطرة السليمة الحاكمة بان لا تعبد ولا موضوعية في الأذن من حيث هو طريق محض لإحراز أهلية الزواج شرعاً وعرفاً بالنسبة إلى الزوجة خصوصاً مع إعتضاد ذلك بقانون السلطنة نعم في البين جهة مجاملية أخلاقية وهي مراعاة الصغير لحق الكبير و مراعاة البنت لحق الوالد فانه أمر عرفي عادي خصوصاً في الأمور المهمة التي تمس كل شؤون العائلة بل وشؤون الوالد بالدرجة الأولى فان النسبة إلى العائلة ومصاهرتها مما تتعلق بشؤون الوالد وتتعلق بشؤون الأسرة بشكل عام، فحينئذ فإذا اختار الأب زوجاً لابنته وكان هذا الزوج جامعاً للشرائط الشرعية والعرفية المتعارفة فالبنت ترتضيه عادة وليس لها حق عرفي في رده.

وإذا اختار زوجة لابنه فكذلك وأيضاً إذا اختارت البنت زوجاً كذلك بنفسها لنفسها بلا استئذان من الأب. لها ذلك ما دامت الشرائط الشرعية والعرفية متوفرة فيه، وليس حق منعها عرفاً بيد الأب بل يستنكر ذلك عند المتعارف غالباً.

إذن المدار كله على جهة أهلية الزوج شرعاً وعرفاً وإلغاء جهة الغرائز الجنسية و المعاشقة التي لا تدوم بدوام الزواج الذي يرتبط بالحياة مدى العمر بل ويؤثر على حياة الإنسان في الآخرة كما يؤثر على أولاده وعلى مستقبلهم فلابد له إذن من ملاحظة تمام الجهات والخصوصيات التي لها مدخلية في ذلك فقد شرط الشارع صحة عقد البنت العاقلة الرشيدة بإذن الأب حتى ولو كان الأب فاسقاً لا يرتدع عن شيء ولا ينتهي عن كل نهي ويأذن لكل فاجر وكانت البنت مؤمنة ملازمة ومواظبة على تكاليفها الشرعية وكذا العكس إذن لابد من ملاحظة الجهات والخصوصيات والملاحظ اعتبار الخصوصيات العرفية والشرعية فإذا رأت البنت وهي بالغة عاقلة ورشيدة مصلحتها بما يتوافق مع العرف ومع الشرع في النكاح من زوج هو أهل لها كان لها الاستقلال بذلك.

فإذا توافقا. على تحقيق الأهلية شرعاً وعرافاً فهو واذا ثبتت الأهلية كذلك عند البنت دون الأب وأما إذا اختلفا وكان منشأ الاختلاف أمور صحيحة شرعية وعرفية معتبرة فلابد من الأذن حينئذ من الولي بل يشكل صحة أصل النكاح في بعض البنود حتى مع الأذن وان كان لمجرد أمور افتراضية وهمية فيصح العقد بلا إذن من الأب، فكم من بكر رشيدة أرادت التزويج لشخص معين لم يأذن أبوها فيه ثم ندم الأب وكم من أراد تزويج أبنته الباكر الرشيدة لشخص ولم ترض البنت بذلك فندمت بعد ذلك فيتحصل من ذلك ان إذن الأب معتبر في الجملة وفي قوله (عليه السلام): (لا ينقض النكاح إلا الأب).

أي فيما إذا لم تتمكن البنت من تشخيص الأهلية العرفية والشرعية.

ولعل هذا مراد سماحة السيد الأستاذ الشيرازي (دام ظله) في الفقه حيث قال باستقلال البنت في الولاية على نفسها تبعاً للمشهور بين القدماء والمتأخرين، ونستفيد ذلك من جملة الأقوال ان بعضها منافي للأدلة العامة مثل: (الناس مسلطون على أنفسهم) وبعض الروايات التي تقول بلزوم أخذ إذن الأب على نحو التأديب ولذا علل سماحته(دام ظله) ان الروايات التي تقول بأخذ الأذن علل حملها على الأدب بقوله (ولا يمكن القول باستقلال الأب فقط لمعارضة لأخبار استقلالها هي ولا يمكن القول باشتراط رضاهما معاً إذ النصوص تأبى ذلك كيف وفي بعضها زوجها سراً ولا يمكن القول بمقالة المستند أيضاً إذ نص صحيح منصور إنها كغيرها في إنها لا تنكح إلا بأمرها والصحيح وان كان معارضاً صريحاً لأدلة قول استقلاله إلا ان الجمع العرفي بينهما ولو بالقرائن الخارجية يقتضي حمل أدلة استقلاله على الأدب ولعل هذا هو المستفاد من أدلة المجموع من أنه إذا اختلف التشخيص بين البنت وبين الولد وكانت البنت قد شخصت عن أمور وهمية غير دقيقة لا يساعد عليها الفهم العرفي والشرعي فمقتضى القاعدة ان نقول بلزوم أخذ أذن الأب إلا انه بنحو عام مقتضى القاعدة إذا كانت بالغة ورشيدة وعاقلة و تتمكن من التشخيص الشرعي والعرفي للأهلية كفاية ولايتها.

لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالاستئذان منها فلو تزوجت من دون إذن الأب أو زوجها الأب من دون أذنها وجب إما إجازة الآخر أو السعي لأخذ رضاه.

نعم إذا عضلها الوالي أي منعها من التزويج بالكفؤ مع ميلها سقط اعتبار إذنه إما إذا منعها من التزويج بغير الكفؤ شرعاً فحينئذ لا يسمى ذلك عضلاً عرفاً وشرعاً وكذا لو منعها من التزويج بغير الكفؤ عرفاً ممن في تزويجه غضاضة وعار عليهم وان كان كفؤ شرعيا ً فانه مقتضى القاعدة جواز ذلك لعدم موضوع النكاح الصحيح في نفسه حتى يتحقق فيكون كما إذا منعها عن الزنا ويستفاد جواز المنع في التزويج لمن يكون في تزويجه عار وغضاضة عليهم من إطلاق أدلة اعتبار الكفوية إضافة إلى أدلة نفي الحرج والضرر في بعض الفروض وقد تقدم منا ان النسبة والمصاهرة مما تعود إلى كل شؤون العائلة وسمعتها، وكذا لو منعها من التزويج لكفؤ معين مع وجود كفؤ آخر فالظاهر ان في هذه الصورة أيضاً لا يتحقق العضل موضوعاً وكذا يسقط اعتبار إذنه إذا كان غائباً لا يمكن الاستئذان منه مع حاجة البنت إلى التزويج وذلك لظهور الإجماع على سقوط إذنه حينئذ مضافاً إلى أدلة نفي الحرج ونفي الضرر.

  في اشتراط نفوذ الولاية بعدم المصلحة:

التفريع الآخر: ان بعض الفقهاء ذكروا اشتراط صحة تزويج الأب والجد ونفوذ هذا التزويج عدم المفسدة للبنت سواء في جهة المال أو في جهة الجسم والروح كأن يكون الزوج فقيراً مثلاً يأكل مال البنت أو يضربها ويؤذيها أو يسيء التعامل معها مثلاً إلى غير ذلك من الأمثلة والظاهر ان الكلام في المقام يمكن ان يكون من جهات ثلاث:

الأولى: في صحة النكاح حتى مع وجود المفسدة.

الثانية: في صحة النكاح بشرط وجود المصلحة.

الثالثة: في صحة النكاح مع كفاية عدم المفسدة وان لم تكن هناك مصلحة.

ويدل على الأول إطلاق الأدلة فكما ان للبالغ ان ينكح نفسه مع المفسدة كذلك يجوز ذلك للولي لكن الظاهر إمكان المناقشة في هذا وذلك لانصراف الأدلة إلى وجود المصلحة في البين ولأدلة لا ضرر ومن الأولوية بالتصرف بالمال الذي قال سبحانه وتعالى: ((وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)).

ومن الواضح إن مقاربة مال اليتيم يشترط ان تكون بالتي هي أحسن فيكون مقاربة نفس اليتيم مشروطة بالتي هي أحسن بشكل أولى بناءً على عدم الفرق بين اليتيم وبين غيره ممن له ولي ولعله ما يظهر من محكي المسالك من الاتفاق على اشتراط عدم المفسدة وكذا ما في المستند قال: (لا إشكال في اشتراط التزويج بانتفاء المفسدة له يعضدان ما ذكرناه.

أما الجهة الثانية: فيدل عليها فحوى الآية المباركة ودعوى الإجماع على اعتبار المصلحة في التصرف في حال الصغير فالتصرف بعرضه في النكاح يكون الشرط فيه أولى ولذا كان المحكي عن التذكرة والمحقق الثاني (قدس) اعتبار المصلحة.

وأما الجهة الثالثة: فيدل عليها إطلاق الأدلة ولا وجه لدعوى الانصراف إلى ما فيه المصلحة للصغير فقد يكون له فيه مصلحة وإنما تكون للكبير كما إذا زوج بنته للصغير ليكون محرماً لزوجته كما يتعارف الآن بين بعض الأقرباء ومريدي السفر وما أشبه ذلك.

وهذا القول هو الأقرب الذي اختاره المستند وغيره ونسبه إلى إطلاق الأكثر بل ودلالة الآية والإجماع لو تما لا تمنعان من أدلة المقام وقد أورد مثل هذه الفتوى صاحب العروة (رضوان الله عليه) في العروة وسكت عنها جمع من الفقهاء والمحققين منهم السيد عبد الهادي الشيرازي والسيد البرجودي وغيرهم (قدس سرهم) وتبعهم في ذلك أيضاً سماحة السيد الأستاذ (دام ظله) في الفقه أيضاً واستدل على كفاية عدم المفسدة بروايات دلت على ذلك

  ما المراد بالمفسدة؟

ثم ان الظاهر ان المراد بعدم المفسدة هنا وفي باب الماليات أيضاً إنما هو المصلحة والمفسدة بحسب الظاهر وان كان في الواقع مفسدة كما إذا زوجها بصبي ظهر فيما بعد انه عقيم أو فسد الولد حينما كبر بشرب الخمر وارتكاب الموبقات أو ما أشبه ذلك وكذا إذا باع دار الصغير بالقيمة السوقية العادلة ثم بعد مدة ارتفع سعر الدار لأمر مفاجئ فانه لو كان يعلم الغيب لم يكن له النكاح والبيع لان كليهما مفسدة أما انه بحسب الظاهر حيث لا يعلم لا يكون النكاح والبيع ذا مفسدة عرفاً ولذا يصحان ولا خيار للطفل في الفسخ إذا كبر من هذه الجهة حينئذ وكذا الكلام يجري في ولاية الحاكم الوصي فانه يعتبر في نكاحهما للصغير عدم المفسدة ولا يحق للموصي ان يعطي لوصيه الصلاحية ولو بالمفسدة إذ لا صلاحية للموصي بذلك.

نعم: يصح للبالغ الرشيد الذي وكل في النكاح ان يعطي الصلاحية للوكيل في زواجه له ولو مع وجود المفسدة لسلطة الإنسان على نفسه في ذلك ولو كان له أب و جد يرى أحدهما المفسدة ولا يرى الآخر المفسدة فلكل منهما ان يعمل حسب نظره لأنه الولي ونظره حجة إلا في صورة ماأسقط الشارع اعتباره بقيام بينة ونحوها على خطأه  كأن كان في العقد مفسدة فيكون العقد فضولياً حينئذ كنكاح الأجنبي للصغير وذلك لإطلاق أدلة الفضولية فتكون إجازة الصغير في حال بلوغه شرطاً في الصحة أو إجازة الولي في حال انقلاب المفسدة إلى المصلحة أو في حال انتفاء المفسدة كافية في صحة النكاح، كما لو زوج أبنته لشخص غير كفؤ ثم تحققت عنده الكفاءة وما أشبه ذلك وإنما قلنا به ان يقع فضولياً لقاعدة (ان كل عقد يقع فيما يتعلق بالغير وهو فاقد لشرط من الشرائط المنوطة برضاه فهو فضولي ويتوقف على الإجازة).

لهذه القاعدة الجارية في أبواب الفقه المنتشرة و المختلفة على ما فصل في أحكام الفضولي.

  استقلال الأب والجد في الولاية:

التفريع الثاني: كل من الأب والجد مستقل في الولاية لإطلاق الأدلة الظاهرة في الاستقلال فلا يلزم الاشتراط ولا الاستئذان من الآخر فأيهما سبق من مراعاة ما يجب مراعاته لم يبق مجال للآخر نصاً وإجماعاً بل وعقلاً ومن الروايات صحيح هشام بن سالم يدل على ذلك أيضاً.

ومنها ما ورد عن مولانا الصادق (عليه السلام) في موثق عبيد بن زرارة: (قلت لأبي عبد الله الجارية يريد أبوها ان يزوجها من رجل ويريد جدها ان يزوجها من رجل آخر قال الجد أولى بذلك ما لم يكن مضاراً. ان لم يكن الأب زوجها قبله ويجوز عليها تزويج الأب والجد). وأما العقل فلعدم بقاء الموضوع لصحة نكاح الآخر فيكون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.

  ولاية الحاكم على التزويج واستحباب استئذان البنت أهلها في الزواج:

ومن التفريعات أيضاً: للحاكم الشرعي تزويج من لا ولي له من الأب والجد والوصي بشرط الحاجة إليه أو قضاء المصلحة اللازمة المراعاة كما يستحب للمرأة المالكة أمرها ان تستأذن أباها أو جدها وان لم يكن فتوكل أخاها وان تعدد الأخوة اختارت الاكبر وذلك لوجود الأخبار في ذلك كله كما مرّ في الأخبار الدالة على ولاية الأب والجد وكذا ما تقدم من الأخبار الدالة على ان الأخ بيده عقدة النكاح المحمولة على الاستحباب جمعاً بين الأخبار مع ان ذلك من محاسن الآداب شرعاً وعرفاً بل وجرت عليه سيرة المتشرعة.

هل سكوت البكر إذنها:

ومن التفريعات أيضاً. ما ورد من الأخبار ان أذن البكر سكوتها عند العرض عليها بل وأفتى به العلماء أما الأخبار فمنها قول نبينا الأعظم (ص): (سكوتها إقرارها).

وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح داود بن سرحان (في رجل يريد ان يزوج أخته قال: يؤامرها فان سكتت فهو إقرارها وان أبت لم يزوجها).

والروايات في هذا المجال متظافرة .

منها صحيح البيزنطي (قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام)  في المرأة البكر أذنها صمتها والثيب أمرها إليها).

وأما من حيث الفتوى فهو المشهور بل والمجمع عليه بينهم إلا من نادر لا يعمل بخبر الواحد فيتحصل كما تقدم أذن البكر سكوتها لحيائها بالنطق بذلك لأن هذا هو المنساق من النص عرفاً وفي غير هذه الصورة يرجع إلى أصالة عدم ترتيب الأثر بعد عدم صحة التمسك بإطلاق النص قطعاً حتى إذا لم يكن هناك قرائن دالة على الرضا فضلاً عما إذا كانت هناك قرائن دالة على الكراهة. فإذن ليس مطلق السكوت كاشفاً عن الرضا وإنما السكوت الكاشف عن الرضا عرفاً هو المعتبر وليس كل سكوت.

وعليه فالمعيار ظهور السكوت في الرضا ولا اعتبار بالظن الخاص برضاها ولا بالظن الخاص بعدم رضاها بل هو مثل ظواهر الألفاظ حيث ان استفادة العرف كافية في الدلالة فلم يحتج إلى الظن بالوفاق ولا الظن بالخلاف.

ويؤيد ذلك ظهور سكوت الصدّيقة فاطمة (عليها السلام). حيث ان في بعض الروايات إنها قالت (عليها السلام): (رضيت بعلي (عليه السلام) ولكن المهر قليل). كما رواه في البحار والظاهر ان قولها (عليها السلام): (المهر قليل) إنما كان لإظهار النبي (ص) فضلها في جعل المهور المذكورة كالمياه الخمسة وغيرها مهراً لها مما يبين عظمتها الموجبة لالتفاف الناس حولها وجعلها أسوة لتصلح دنياهم و آخرتهم ببركتها سلام الله عليها.

وكيف كان فحيث ان المعيار هو الظهور العرفي فإذا ظهر الرضا من شيء آخر كالبقاء والضحك أو من شخص آخر كما في الثيب الكثيرة الحياء والزوج الحيي كان الحكم ما ذكرنا أيضاً إذ لا موضوعية للبكر وإنما النص والفتوى فيها جرت على وفق القاعدة.

ثم إنها إذا سكتت سكوتاً ظاهراً في الرضا تزوجت ثم. قالت: (لم اكن راضية) فهل يسمع كلامها؟ لأن ذلك مما لا يعرف إلا من قبلها والقول أبلغ دلالة من الفعل أو قالت لم أسمع الكلام لطريان صم في أذني أو ذهول أو ما أشبه ذلك؟

أو لا يسمع كلامها لصالة الصحة التي لا يرفعها الإقرار بعد العقد ولذا إذا قالت: (لم أكن راضية حين العقد وإنما الخجل أو الخوف أورث القبول اللفظي) لم يسمع قولها؟

فيه احتمالان:

وان كان الاحتمال الثاني أقرب لقوله (عليه السلام): (ضع أمر أخيك على أحسنه) والسكوت في مثل المقام أمر فهو مثل أن يستأذن إنسان في التصرف بما له فيسكت فيما سكوته دليل عرفي ثم بعد التصرف يطالبه المالك بالأجرة أو البدل فإنه لا حق له بعدما كان سكوته دليلاً عرفياً.

ويمكن القول بأن المسالة بحاجة إلى مزيد من التأمل ولا يبعد كفاية العلم برضاها ولو من دون أي مظهر كما لو قالت قبل خطبة الرجل منها يا ليت فلاناً خطبني وعلمنا إنها لم ترجع عن تمنيها إلى غير ذلك من الدلائل والكواشف.