المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 060.doc

الخاتمة

ونبحث فيها أمرين

الأمر الأول: في مظاهر المجتمع الصالح وآدابه العامة

الثاني: في عوامل بناء المجتمع المتقدم السعيد

أما الأول فقد عرفت مما تقدم من مباحث الأحوال الشخصية والاجتماعية أن بعض هذه المباحث كان يرتبط بالأحكام وبعضها بالحقوق وبعضها بالآداب العامة وقد انقسمت في مجموعها الى الأحكام الخمسة فكان بعضها واجباً وبعضها حراماً وبعضها مكروهاً وبعضها الآخر مستحبا والخامس منها مباحاً .

ولكن بقيت بعض الأمور الجوهرية من فقه المجتمع لما لها من مدخلية كبيرة في تشكيل مظاهر المجتمع وصوره العامة والخاصة والتي ينبغي التعرف إليها بنحو موجز قبل خاتمة المرحلة الدراسية هذه إذ لا أشكال بأن المجتمع المسلم له مظاهر وعلامات تميزه عن سائر المجتمعات و من أبرزها مراعاة أفراد المجتمع الحقوق والآداب العامة والفضائل الشرعية لبعضهم البعض ابتداءً من الطهارة والنجاسة إلى النوم والمضجع وانتهاءً بالأكل والشرب ومعاملة الزوجة والأولاد والأقارب والأصدقاء ونحو ذلك .

وقد عرفت بعضها في الواجبات والمحرمات المتقدمة وبقيت هناك بعض المباحث المرتبطة بالآداب والسنن الاجتماعية التي وردت فيها النصوص الخاصة عن المعصومين (عليهم السلام) وقد تعرض الفقهاء وعلماء الحديث لها في جملة من المصادر كالبحار والمستدرك والآداب والسنن وكتب الأخلاق وسنتعرف نحن أيضاً إلى بعض ما ورد عنهم (عليهم السلام) في هذا المجال على قدر هذا الوقت المختصر ولعل الجامع المشترك الذي يضم هذه الروايات هو ما اصطلح عليه علماؤنا القدامى رضوان الله عليهم بأحكام العشرة وقد خصص العلامة المجلسي (رض) وصاحب الوسائل وصاحب المستدرك أبواباً خاصة تحت هذا العنوان ذكروا فيها الآداب الاجتماعية العامة وهي في مجملها تشكل التعرف العام لكل إنسان مسلم في تعامله الاجتماعي مع الناس .

ولا يخفى أن بعضها ربما ينطبق عليه عنوان الوجوب وبعضها عنوان المستحب كما أن في بعض المنهي عنها هنا ينطبق عليها عنوان المحرمات وبعضها ينطبق عليها عنوان المكروهات إلاّّ إننا نتعرض إلي المسألة بنحو عام في ضمن مسائل.

  •   المسألة الأولى  

في كيفية المعاشرة مع الناس

وقد وردت فيها روايات متظافرة تبين للمسلم طريق السلوك الاجتماعي العام وآداب المعاشرة  

فمنها : ما ورد عن أبي أسامة زيد الشحام قال :( قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) اقرأ على من ترى انه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام وأوصيكم بتقوى الله عز وجل والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة و طول الجود و حسن الجوار ففي هذا جاء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و أدوا الأمانة على من ائتمنكم عليها براً أو فاجراً فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط ، صلوا عشائركم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدوا حقوتهم فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل هذا جعفري فيسرني ذلك ويدخل عليّ منه السرور وقيل هذا أدب جعفر وإذا كان على غير ذلك دخل علي بلاؤه وعاره وقيل هذا أدب جعفر والله لحدثني أبي (عليه السلام) أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي (عليه السلام) فيكون زينها آداهم للأمانة واقضاهم للحقوق واصدقهم للحديث إليه وصاياهم وودائعهم تسأل العشيرة عنه فتقول من مثل فلان انه آدانا للأمانة واصدقنا للحديث) .

وعن حبيب الخثعمي قال سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول عليكم بالورع والاجتهاد وأشهدوا الجنائز وعودوا المرضى واحضروا مع قومكم مساجدكم واحبوا للناس ما تحبون لأنفسكم أما يستحي الرجل منكم أن يعرف جاره حقه ولا يعرف حق جاره ) وعن مرا زم قال  ( قال أبو عبد الله (عليه السلام) عليكم بالصلاة في المساجد وحسن الجوار للناس وإقامة الشهادة وحضور الجنائز انه لابد لكم من الناس أن أحداً لا يستغني عن الناس حياته والناس لا بد لبعضهم من بعض ) ولا يخفى ما لهذه الرواية الشريفة من دلالة على الكثير من الحقائق الاجتماعية الهامة التي يقوم بها المجتمع ، وعن خيثمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ( أبلغ موالينا السلام وأوصهم بتقوى الله والعمل الصالح وان يعود صحيحهم مريضهم وأن يعود غنيهم على فقيرهم وان يشهد حيهم جنازة ميتهم وان يتلاقوا في بيوتهم وان يتفاوضوا علم الدين فإن ذلك حياة لا مرنا رحم الله عبداً أحيا امرنا وأعلمهم يا خيثمة أنَّا لا نغني عنهم شيئاً إلاّّ بالعمل الصالح فإن ولايتنا لا تنال إلاّّ بالورع وان اشد الناس عذاباً يوم القيامة من وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره ) .

ولعل السبب في اشدية عذاب الواصف للعدل والآمر به والمخالف له أن مخالفته أمره مع نفسه يوجب ابتعاد الناس عن الدين لأنهم يقولون أن كان الدين خيراً فلماذا لا يعمل به هو فيحمل حينئذ وزر تركه ووزر تبعيد الناس عن الحق كالطبيب الذي يخالف طبه فانه يوجب سوء ظن الناس بصحة ما يقول وبصحة الحقيقة الطبية وعن يحيى بن عمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول ليجتمع في قلبك الإفتقار إلى الناس والاستغناء عنهم يكون افتقارك إليهم في لين كلامك وحسن سيرتك ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزك .

وعن معاوية بن عمار قال ( قال أبو عبد الله (عليه السلام) وطن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبته وحسن خلقك وكف لسانك واكظم غيظك وأقل لغوك وتغرس عفوك وتسخو نفسك وعن أبي الربيع الشامي ( قال دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) والبيت خاص بأهله فقال يا شيعة آل محمد اعلموا انه ليس منا من لم يملك نفسه عند غضبه ومن لم يحسن صحبة من صحبه وخلقة من خالقه ومرافقة من رافقه ومجاورة من جاوره و ممالحة من مالحه، إلى آخر الحديث .

  •   المسألة الثانية

في أصناف الأصدقاء والأخوان

عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) عن أبيه عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسي عن بعض أصحابه عن يونس بن عبد الرحمن عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) قال: ( قام إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) رجل بالبصرة فقال اخبرني عن الأخوان قال الإخوان صنفان أخوان الثقة ، و أخوان المكاشرة ، فأما أخوان الثقة فهم كالكف والجناح والأهل والمال فإذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك ويدك وصاف من صافاه وعاد من عاداه واكتم سره وأعنه واظهر منه الحسن واعلم أيها السائل انهم أعز من الكبريت الأحمر وأما أخوان المكاشرة فانك تصيب منهم لذتك فلا تقطعنّ ذلك منهم ولا تطلبن وراء ذلك من ضميرهم وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان) .

 ومن الواضح أن هذا النوع من الخلق والتعامل يحبب الأصدقاء أكثر ويقربهم إليك كما انه في نفس الوقت يحيد الخصوم وينتزع عداوة الأعداء ، وفي المجالس عن أبيه قال : ( قال لقمان لابنه يا بني اتخذ ألف صديق وألف قليل ولا تتخذ عدوا واحداً والواحد كثير ) ولعل المقصود أن العدو الواحد كثير لأنه كالجراحة الضعيفة في الجسم فإنها تؤلم الإنسان وان كانت ألوف المواضع من بدنه سالمة ولذا يلزم على الإنسان أن يستكثر العدو وان كان واحداً خصوصاً وان العداوة تسري ولا يبقى العدو واحداً بل تتسع دائرة العداوة وتشمل الآخرين وربما أودى هذا العداء بالإنسان، خصوصاً وانه يعرف أوقات الإنسان وعمده في تواقه الأمور ولذا ورد عن مولانا أمير المؤمنين قوله :

عليك بإخوان الصفاء فانهم ***      عماد إذا استنجد تهم وظهور

وليس كثيراً ألف خل وصاحب *** وان عدوا واحداً لكثير

وعن جعفر بن إبراهيم عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : ( أكثروا من الأصدقاء في الدنيا فانهم ينفعون في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فحوائج يقومون بها وأما في الآخرة فإن أهل جنهم قالوا (فمالنا من شافعين ولا صديق حميهم) ) وربما عبر عن أهل النار بالصديق الحميم أن الصديق وان لم يكن ينفع هناك من العذاب لكنه يخفف من الألم الروحي حيث المشاركة الوجدانية وهي توجب تخفيف الألم النفسي سواء في الدنيا والآخرة ولذا ورد المثل المعروف البلية لو عمت هانت وعن محمد بن الحسين الرضي في نهج البلاغة عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال : ( أعجز الناس من عجز عن اكتساب الأخوان واعجز منه من ضيع من ظفر به منهم ) وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده ( أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول (المؤمن غرّ كريم والمنافق خبّ لئيم) وخير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ) قال: ( وسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول شرار الناس من يبغض المؤمنين وتبغضه قلوبهم المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للناس العيب أولئك لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم يوم القيامة ) ثم تلا  (صلى  الله عليه وآله ) قوله هو الذي أيدك ينصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم ) والغر : من الغرور أي نفسه طيبة لا خداع له ولذلك يظهر الانخداع عند أصدقائه و أعدائه وهو على علم بالواقع مداراة ومحبة لهم حيث لا يريد الإساءة إليهم بمقابلتهم بالمكروه فمثلاً يأتي إليه صاحب الحاجة بظاهر يخفي خلافه لكنه يقضي حاجته كأنه مخدوع فيصدق من يدعي انه محتاج وانه فقير وان كان عالماً بأنه غني وليس بفقير مثلا وليس ذلك إلاّّ لطيب نفسه وكرمه بخلاف المنافق فانه يسيء إلى من طابت نفسه فيحمل الحسن على السيئ بخلاف المؤمن الذي يحل سيء النفس على الحسن أخذا بالظاهر ومن الواضح أنالغر الذي يأخذ بخير الدنيا وخير الآخرة بينها الخب هو الذي يذهب بشرهما وانه في الدنيا سيتعوض من قبل الناس وفي الآخرة محاسب من قبل الله عز وجل وعن أيوب بن نوح ( بعث علي بن محمد (عليه السلام) إلى بعض أصحابه عاتب فلاناً وقل له إذا أراد الله بعبد خيراً إذا عوتب قبل ) ولعله بلحاظ أن العتاب إذا كان صدقا لزم قبوله لان مقتضى الواقع مراعاة شؤون الواقع والقبول به و الاذعان به وان كان خلاف الواقع فإظهار قبوله يوجب بقاء الآلفة والمحبة بينهما وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أذنا مداراة ومراعاة للناس حتى قال فيه الله سبحانه وتعالى (قل آذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) وذلك تطييباً للخواطر وتقريباً للقلوب.

  •   المسألة الثالثة

 في استحباب صحبة خيار الناس مع المحاذرة

 عن ثابت بن أبي صقر عن أبي علي قال : ( قال أمير المؤمنين (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انظروا من تحادثون فانه ليس من أحد ينزل به الموت الا مثل له أصحابه إلى الله فإن كانوا خياراً فخيارا وان كانوا شراراً فشرارا وليس أحد يموت إلاّّ تمثلت له عند موته ) ولعل المقصود هنا هو الأموات من الأصحاب فإذا رأى نفسه محشوراً معهم ساءه ذلك كما يسوء الإنسان إذا كان مع جمع من اللصوص والفسقة إذا رآه أحد أو المراد هو الأحياء من الأصحاب حيث يمثلون له أو المراد الأعم منهما.

 وعن علي بن إسباط عن بعض أصحابه عن أبي الحسن (عليه السلام) قال ( قال عيسى (عليه السلام) أن صاحب الشر يعدي وقرين السوء يردي فانظر من تقارن ) وعن ابن عباس قال ( قيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أي الجلساء خير قال من يذكركهم الله رؤيته ويزيد في علمكم منطقه ويرغبكم في الآخره عمله ) ولعل وجه التذكير بالله سبحانه وتعالى من الرواية أما بمنطقه وصفا ته الحسنة الموافقة للشرع أو انه حيث يراه الإنسان متديناً وملتزماً بأيمانه يتذكر الله عز وجل والفضائل فيكون ذلك حافراً للإنسان نحو الفضيلة والإيمان لان الإنسان يحب الاقتداء بالصالحين كما هو مقتضى طبعه الأولي .

  •   المسألة الرابعة

 في استحباب مواساة الأخوان

عن الوصافي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ( قال لي أرايت من قبلكم إذا كان الرجل ليس عليه رداء وعند بعض إخوانه رداء يطرحه عليه قال قلت لا، قال فإذا كان ليس عنده أزار يوصل إليه بعض إخوانه بفضل إزاره حتى يجد له إزارا قال قلت : لا فضرب بيده على فخذه فقال ما هؤلاء باخوة ) وعن مفضل بن يزيد قال (  قال أبو عبدالله (عليه السلام) انظر ما أصبت فعد به على إخوانك فإن الله يقول أن الحسنات يذهبن السيئات) ( قال أبو عبدالله (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثة لا تطيقها هذه الأمة المواساة للاخ في حاله وأنصاف الناس من نفسه وذكر الله على كل حال وليس هو سبحانه الله والحمد لله ولا اله إلاّّ الله والله اكبر فقط ولكن إذا ورد على ما يحرم خاف الله ) ولعل قوله لا تطيقها هذه الأمة من قبيل التحريض وانه صعب يلزم الالتزام به غاية الجهد والطاقة وإلا لو لم تكن في طاقة الأمة لم يكن وجه لا ثباته عليها كما لا يخفى كما قال الله عز وجل (ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به) .

  •   المسألة الخامسة

 في كراهة الدخول في موضع التهمة

 عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) عن أبيه عن جده ( قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من وقف بنفسه موقف التهمة فلا يلومن من أساء به الظن وعن البديع العقيلي في وصية أمير المؤمنين (عليهم السلام) لولده الحسن (عليه السلام) انه قال فيها ( وإياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء فإن قرين السوء له جليسه ) ولعل موطن التهمة مثل المخمر والمقمر والملهى والمجلس المظنون به السوء كمجالس البطالين والفسقة والأسواق التي هي محل التهمة وكذلك الشوارع التي توجد في بعض البلدان والتي هي في معرض التهمة لارتكاب الفواحش والمنكرات فيها .

  •   المسألة السادسة

 استحباب مشاورة أصحاب الرأي واتباعهم

عن ابن القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) قيل: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما الحزم قال مشورة ذوي الرأي واتباعهم ) وعن السري بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ما أوصى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) قال لا مظاهرة أوثق من المشاورة ولا عقل كالتدبير ) والمراد من قوله لا مظاهرة أي لا ظهير للإنسان مما يوجب قوته وسداده في الأمر والتدبير بلحاظ أن الإنسان إذا شاور الآخرين شاركها في عقولها فلا حظ عواقب الأمور لا ظواهرها فقط ولذلك لم يقع في المحذور والعقل عبارة عما يوصل الإنسان إلى الحقائق ويوجب له اجتناب المفاسد ولذا قال لا عقل كالتدبير .

وعن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مشاورة العاقل الناصح رشد ويمن وتوفيق من الله فإذا أشار عليك الناصح العاقل فإياك والخلاف فإن في ذلك العطب ) ولعله قال رشد لأنه يوجب الرشد إلى الصواب كما أن اليمن في مقابل الشؤم وحيث أن بينهما عموماً من وجه من ناحية النسبة المنطقية ذكرهما معاً (عليه السلام) إذ من الممكن أن يكون الطريق موصلا ًولكنه شدة وعسر فالأول مربوط بالذات والثاني مربوط بالوصف وأما التوفيق فهو عبارة عن وفق الأسباب إلى الشيء حتى لا يكون تنافر بينهما ، مثلاً المعمل الذي لا تتوافق أدواته لا يعمل إطلاقاً أو بسلام وإنتاجا حقا فإن من استشار وفقه الله تعالى وهيء له الأسباب المتوافقة بعضها مع بعض حتى يتوصل إلى المراد عبر أسبابها عبر المشاورة .

وعن أحمد بن عائذ عن الحلبي(عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أن المشورة لا تكون إلاّّ بحدودها فمن عرفها بحدودها وإلا كانت مضرتها على المستثير أكثر من منفعتها له فأولها : أن يكون الذي تشاوره عاقلاً والثانية : أن يكون حراً متديناً ، والثالثة أن يكون صديقاً مؤاخياً الرابعة : أن تطلعه على سرك فيكون علمه به كعلمك بنفسك ثم يسرّ ذلك ويكتمه فانه أن كان عاقلاً انتفعت بمشورته وإذا كان حراً متديناً اجهد نفسه في النصيحة لك وإذا كان صديقاً مؤاخياً كتم سرك إذا أطلعته عليه وإذا أطلعته على سرك فكان علمه به كعلمك به تمت المشورة وكملت النصيحة ) .

ولعل المراد من الحر هنا هو حر الضمير وحر القلب من المساوئ والرذائل كما انه حر التصرفات في أموره فلم يخضع لمال أو جاه أو ما أشبه ذلك لأنه لو كان خاضعاً لمثل هذه الرذائل والمساوئ أعطى شوره بحسب ما يراه ويحبه هو لا ما تحبه أنت فمثلاً إذا استشرت أنساناً في الزواج من بنت مثلا أو في شراء دار مثلاً ولم يكن هذا المستشار حراً وأراده هو لنفسه أشار عليك بعدم الزواج منها أو بعدم الاشتراء للدار مثلاً .

وينبغي التنبيه هنا على أمرين:

الأول: أن الشورى في اصلها الأولي من الواجبات التي ينبغي العمل بها في جميع شؤون الحياة ومختلف مجالات المجتمع خصوصاً في القمة السياسية والحكومية والى الأسرة بين الزوج والزوجة وتربية الأولاد وكذلك ما بينها من مؤسسات كبيرة تعمل في المجتمع كالأحزاب السياسية والمؤسسات الاجتماعية والخيرية والمدارس الدينية وما أشبه ذلك وقد نص الكتاب العزيز على لزوم الشورى في العمل السياسي العام وفي القمة السياسية في قوله (تعالى) (وشاورهم في الأمر) وحيث أن الخطاب موجه إلى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) مع عصمته وتسديده من الغيب وهو واجب عليه بملاكات بحثها العلماء في مظانها فيكون على غير المعصوم من الواجبات بشكل أولى .

وأما وجوب الشورى على سائر المؤسسات والمرافق الاجتماعية فلقوله سبحانه (وأمرهم شورى بينهم) وهي جملة خبرية واردة في مقام الإنشاء ودلالتها على الوجوب اكثرمن صيغة الأمر كما ثبت في محله من الأصول، وعليه فإن الأصل في جميع التصرفات التي ينبغي على الإنسان أن يؤديها سواء في الأمور السياسية أو الاجتماعية العامة أو في أموره الأسرية الخاصة الأصل فيها أن يراعي فيها شأن الشورى وهذه مسألة تدخل غالباً في جوانب سياسية لا مجال لبيانها هنا، ولعلنا نتعرف إليها إن شاء الله في المستقبل في بحث فقه الدولة .

الأمر الثاني: وردت الأدلة المتظافرة بكراهة شورى المرأة فعن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي لعلي (عليه السلام) قال ( يا علي ليس على النساء جمعة ...إلى أن قال ولا تولى القضاء ولا تستشار يا علي سوء الخلق شوم وطاعة المرأة ندامة يا علي أن كان الشؤم في شي ففي لسان المرأة ) لكن لا يخفى أن هذا ليس من باب الذم للمرأة وينبغي أن تحمل أمثال هذه الروايات مع معاني تجتمع مع باقي مضامين الشريعة وباقي الأدلة في لزوم الشورى واحترام المرأة وما أشبه ذلك .

وقد ذكر العلماء هنا تفاسير وتوجيهات متعددة لمثل هذه الروايات :

منها : ما ذكره سماحة السيد الشيرازي دام ظله في الفقه حيث قال أن الرجال غالبا يميلون لإطاعة النساء لعواطفهن فلذلك ينبغي التحذير الشديد عن الانسياق للعاطفة حتى لا تختل موازين الحياة العائلية والاجتماعية وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ففي لسان المرأة تحذير عن هذه الجهة بهذه العبارة لا أن المراد الإطلاق كما هو واضح إذ لا يخفى أن الحمل الثقيل إذا مال وجب جذبه بقوة إلى الطرف الآخر حتى يعتدل فالجذب بشدة للاعتدال لا أن الأمر بحاجة إلى تلك الشدة في واقع الأمر إذ يحتاج كل من طرفي الحمل إلى تساوي الطرف الآخر من جهة الثقل لمن يريد وضع الحمل على الدابة وحاصل كلامه دام ظله أن هذه الروايات تحمل في التشديد على الرجال في اخذ الأمور بالمشورة خصوصاً مع النساء بالجوانب العقلية لا بالجوانب العاطفية إذ قد يتجاوز الرجل أو يغض الطرف عن موازين العقل انجذاباً لعواطف النساء أما إذا كانت المرأة تبدي رأيا وهو موافق للموازين العقلية ولم ينجذب الرجل لرأيها بطبق الموازين العاطفية فمتقضى القاعدة لزوم الأخذ برأيها .

وبهذا يظهر الجواب في مثل قوله (عليه السلام) الوارد عنه شاوروهن وخالفوهن فليس المراد انك بعد أن تنشير المرأة تخالف رأيها وإنما انك تشاور المرأة فإذا كان اتباعك لها اتباعاً للعواطف ينبغي المخالفة أما على هذا المعنى وأما على ما نستظهره من مثل هذه الروايات بحمل المخالفة على بعض مضاها اللغوي، ومن معانيها هو التعاطي من الاختلاف كما في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اختلاف أمتي رحمة أي اختلافهم إلى المساجد رواحاً ومجيئاً وعليه يظهر ما في هذه الرواية من قوله شاوروهن وخالفوهن أي تعاطوا معهن الرأي فيتضح إلامر عندهن وعندكم أيضاً وذلك لاحتياج المرأة في كثير من الأحيان للترشيد والتنضيج لقلة التجربة مثلاً أو لقلة الاطلاع أو لغلبة العاطفة .

وهذا الحكم من باب الغلبة لا من باب الكلية إذ قد تكون المرأة مطلعة بشكل كاف وكبيرة في شؤونها فحينئذ تكون من موارد الاستثناء ولذا إذا أشارت المرأة بالرأي الصحيح ينبغي الأخذ به كما اخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمشورة المرأة في زواجه بخديجة وبمشورة أم سلمة في حلق رأسه وفي قبول بعض الكفار الذين قالوا فيه لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً إلى غير ذلك مما جاء في السنة المطهرة .

ولهذه المسألة تفاسير وتوجيهات لا يسعنا المجال لبيانها هنا .

  • المسألة السابعة

 في استحباب التحبب إلى الناس

عن أبي بصير عن أبي جعفر انه قال ( إن أعرابيا من بني تميم أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له أوصني فكان مما أوصاه تحبب إلى الناس يحبوك ) وعن موسى بن بكر عن أبي الحسن (عليه السلام) قال التودد إلى الناس نصف العقل ولعل المستفاد من قوله نصف العقل بأن العقل عبارة عمّا يصلح أمر الإنسان بنفسه وأمره مع مجتمعه والتودد بهذا الاعتبار نصف والنصف الآخر الخدمات والكفاءات والإنجازات التي يصنعها الإنسان للآخرين أو المراد أن العقل عبارة عما يصلح دين الإنسان ودنياه والدنيا متوقفة على الارتباط بالناس لضرورة التكافل الاجتماعي بينهم.

  •   المسألة الثامنة

في استباب مجاملة الناس ولقائهم بالبشر

 عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( مجاملة الناس نصف العقل ) عن السكوني عن أبي عبدالله (عليهم السلام) قال : ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث يصفين ود المرء لأخيه المسلم يلقاه بالبشر إذا لقيه ويوسع له في المجلس إذا جلس إليه ويدعوه بأحب الأسماء إليه ) وعن محمد بن يحيى بسنده عن محمد بن سنان عن حذيفة ابن منصور قال سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : ( من كف يده عن الناس فإنما يكف عنهم يدأ واحدة و يكفون عنه ايد كثيرة ) والمراد من كف إليد : أي لم يساعدهم بالتعاون والخدمة لهم أو كف عنهم ولم يؤذهم ولا يبعد أن المراد كلاهما أيضاً فإن الإنسان إذا لم يتعاون مع الناس لم يتعاونوا معه و إذا لم يؤذ الناس لم يؤذوه وفي كلا الحالين هو الرابح لأنه يعطي قليلاً ويأخذ كثيراً ويؤذى كثيراً بحسب نسبة العلاقة والرابطة كما لا يخفى .

وعن هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ( إذا أحببت رجلاً فاخبره بذلك فانه اثبت للمودة بينكما ) ولعل جهة إثبات المودة بينها ناشئة من انه إذا قال لمن يحبه أني احبك يكون اطمئناناً بالسماع واثبت للمودة كما أن الاطمئنان قد يحصل بالرؤية أيضاً على الرغم من حصول اليقين والعلم به قبل الرؤية كما قال إبراهيم (عليه السلام) رب ارني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي فالتعبير بالحب مضافاً إلى حصوله بالنفس وان كان ظاهراً على الجوارح إلاّّ أن الكلام يثبته أكثر بينهما ويجعل الاطمئنان بين النفسين على دوام المحبة .

  •  المسألة التاسعة

 في استحباب السلام والابتداء به

 فعن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : البادي بالسلام أولى بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولعل المقصود من قوله أولى أي اقرب قرباً معنويا لان المسلم المبتدي بالسلام يحطم كبرياءه فانه نوع تواضع وحط النفس والله يحب المتواضعين خصوصاً إذا كان التواضع للمؤمنين لأجل أيمانهم ، وعن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليهما السلام ( قال من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر والإقتار والتوسع على قدر وأنصاف الناس وابتداؤه إياهم بالسلام عليهم ) وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)( من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه ) وقال : ( ابدؤا بالسلام قبل الكلام فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه )  ولعل المراد عدم الجواب من باب التأديب وذلك فيما إذا علم انه متكبر وإلا فالجاهل والغافل عن السلام يعلم وينبه في هذه الصورة خصوصاً وان رد السلام من الواجبات كما لا يخفى .

 وعن هارون بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ( من التواضع أن تسلم على من لقيت ) وعن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه : (في وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) يا علي ثلاث كفارات إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام ) وعن معاوية ابن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: (البخيل من بخل بالسلام ) وعن العباس بن هلال عن علي بن موسى الرضا عن آبائه (عليه السلام) قال : ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خمس لا أدعهن حتى الممات الأكل على الحضيض مع العبيد وركوبي الحمار موكفاً وحلبي العنز بيدي ولبس الصوف والتسليم على الصبيان لتكون سنة من بعدي ) وعن ابن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( إذا سلم أحدكم فليجهر بسلامه ولا يقول سلمت ولم يردوا علي ولعله يكون قد سلم ولم يسمعهم فإذا ردَّ أحدكم فليجهر برده ولا يقول المسلم سلمت فلم يردّوا علي ) وعن الحسن ابن المنذر قال سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : ( من قال السلام عليكم فهي عشر حسنات ومن قال السلام عليكم ورحمة الله فهي عشرون حسنة ومن قال سلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهي ثلاثون حسنة ) .

وعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( قال أمير المؤمنين (عليه السلام) يكره للرجل أن يقول حياك الله ثم يسكت حتى يتبعها بالسلام ) وعن عمار الساباطي انه (سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن النساء كيف يسلمن إذا دخلن على القوم قال المرأة تقول عليكم السلام والرجل يقول السلام عليكم) .

ولا يخفى أن سلام المرآة بهذه الكيفية من باب أحد المصاديق و ألا فإن المرأة تسلم أيضاً كسلام الرجل فإن فاطمة الزهراء سلام الله عليها سلمت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كسلام الرجال كما في حديث الرجال ، بالإضافة إلى إطلاق الأدلة في رد السلام وفي أصله وعن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ( أن ملكاً من الملائكة سأل الله أن يعطيه سمع العباد فأعطاه فليس أحد من المؤمنين قال (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّّ قال الملك وعليك السلام ثم قال الملك يا رسول الله أن فلانا يقرؤك السلام فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليه السلام ) ولعل المراد ملك واحد لا يشغله سمع عن سمع ولسان عن لسان بأذن الله (تعالى) فيسمع السلام والصلاة ويوصلها إلى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أوالمراد منه الجنس ولعل الثاني اقرب بقرينة المناسبات المماثلة على تفصيلات ذكرها العلماء في الآداب والسنن وفي شرح الروايات.

 وعن علي بن إبراهيم في تفسيره في قوله سبحانه وتعالى (وأمر أهلك بالصلاة واصطبرعليها ) قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجيء كل يوم عند صلاة الفجر حتى يأتي باب علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فيقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فيقولون وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فيقول الصلاة يرحمكم الله .

 وعن عبد الله بن رئاب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال من تمام التحية للمقيم المصافحة وتمام التسليم على المسافر المعانقة وعن جرّاح المدايني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال ليسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد والقليل على الكثير ولعل الوجوه في ذلك مقام احترام الكبير ولأن المار هو الداخل ولأن الأكثر أكثر احتراماً فلذا أمر (عليه السلام) الصغير والمار والقليل بالسلام على غيرهم وعن عنبسة بن مصعب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : القليل يبدأون الكثير والراكب يبدأ الماشي وأصحاب البغال يبدأون أصحاب الحمير وأصحاب الخيل يبدأون أصحاب البغال ) ولعل الوجه في ذلك هو أن أصحاب البغال و أصحاب الخيل يسلمون على الأدنى لأنه تواضع إزاء رفعتهم وهذا الحكم يجري حتى بالنسبة للسيارة وما أشبه ذلك في هذا الزمان كما لا يخفى .

وعن بكير عن بعض أصحابه قال سمعته يقول يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد وإذ القيت جماعة جماعة سلم الأقل على الكثير وإذا لقي واحد جماعة يسلم الواحد على الجماعة ) وعن عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ( إذا سلم الرجل من الجماعة أجزأ عنهم وعن غياث بن إبراهيم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال( إذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم وإذا ردّ واحد أجزأ عنهم) وعن أبي عبدالله (عليه السلام) قال ( كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسلم على النساء ويرددن عليه السلام وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يسلم على النساء وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن يقول أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل علي أكثر مما اطلب من الأجر ) .

ولا يخفى أن قول الإمام (عليه السلام) أما من باب التعليم فإن مجتمع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مجتمعا ريفياً ومجتمع الأرياف حاله حال العائلة الواحدة بينما مجتمع الكوفة كان مجتمعاً مدنياً وقد دخلتها ألوان من الناس فكان اللازم تعليمهم باجتناب مواضع التهمة وحتى لا يأخذ بعض المائعين ذلك ذريعة لقضاء مآربهم السافلة وان للجهات والحكم الأخرى التي ينبغي حمل الرواية عليها مع منافاة ظاهرها مع العصمة كما لا يخفى .

 هذا بالنسبة إلى السلام وكيفية السلام بين المسلمين نساء ورجالاً وأما في كيفية السلام بين المسلمين واليهود والنصارى فقد ورد عن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال ( تقول في الرد على اليهودي والنصراني سلام ) وعن محمد بن مسلم قال ( إذا سلم عليك اليهودي والنصراني والمشكوك فقل عليك ) وعن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال  ( دخل يهودي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعائشة عنده فقال اليهودي السام عليكم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليكم ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد عليه كما ردّ على صاحبه ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ردّ على صاحبيه فغضبت عائشة وقالت عليكم السام والغضب يا معشر يهود يا اخوة الفردة والخنازير فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا عائشة أن الفحش لو كان ممثلا لكان مثال سوء أن الرفق لم يوضع على شيء قط إلاّّ زانه ولم يرفع عنه قط ألا شانه قالت يا رسول الله أما سمعت إلى قولهم السام عليكم فقال بلى أما سمعت ما وردت عليهم قالت عليكم فإذا سلم عليكم مسلم فقولوا السلام عليكم فإذا سلم عليكم كافر فقولوا عليك ) والسام يعني الموت وكان اليهود يلوون السنتهم خدعة ومكراً.

وعن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال اقبل أبو جهل بن هشام ومعه قوم من قريش فدخلوا على أبي طالب فقالوا أن ابن أخيك قد آذانا فادعه فليكف عن ألهتنا ونكف عن ألهه قال فبعث أبو طالب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدعاه فلما دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم ير في البيت إلاّّ مشركاً فقال السلام على من اتبع الهدى والظاهر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يرد أن يسلم على أبي طالب وحده لان ذلك كان إزعاجاً لهم ولم يرد أن يسلم على المشركين ولذا تخلص (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الصيغة الجامعة التي تحفظ له كرامة أبي طالب ويقابل المشركين بما يليق بهم ) .

 وعن أبي الصباح ( قال سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قوله عز وجل إذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم قال هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل ثم يردون عليه فهو سلامكم على أنفسكم ) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إذا دخل الرجل منكم بيته فإن كان فيه أحد يسلم عليهم وان يكن فيه أحد فليقل السلام علينا من عند ربنا يقول الله تحية من عند الله مباركة طيبة.

  •  المسألة العاشرة

 فيما ينبغي الاختلاف إلى أبوابهم في أمور العبادة أوفى أمور المجتمع:

فعن  الأصبغ بن نباتة  قال ( قال أمير المؤمنين (عليه السلام) كانت الحكماء فيها مضى من الدهر يقولون يكون الاختلاف إلى الأبواب إلى عشرة اوجه أولها إلى بيت الله عز وجل لقضاء نسكه والقيام بحقه و أداء فرضه والثاني أبواب الملوك الذين طاعتهم متصلة بطاعة الله وحقهم واجب ونفعهم عظيم وضرهم شديد والثالث أبواب العلماء الذين يستفاد منهم علم الدين والدنيا والرابع أبواب أهل الجود والبذل الذين يبذلون أموالهم التماس الحمد ورجاء الآخرة والخامس أبواب السفهاء الذين يحتاج إليهم في الحوادث ويقرب إليه في الحوائج والسادس أبواب من يتقرب إليه من الأشراف لا لتماس الهبة والمروة والحاجة والسابع أبواب من يرتجي عندهم النفع في الرأي والمشورة وتقوية الحزم وأخذ الاهبة لما يحتاج إليه والثامن أبواب الأخوان لما يجب من مواصلتهم ويلزم من حقوقهم والتاسع أبواب الأعداء الذين يسكن بالمداراة غوائلهم وتدفع بالحيل والعطف والزيارة عداوتهم والعاشر أبواب من ينتفع بغشيانهم و يستفاد منهم حسن الأدب ويأنس بمحادثتهم ) ولا يخفى أن هذه المذكورات في باب المصاديق الجلية الظاهرة والآ فان الإنسان إذا رأى باباً من أبواب الخير والنفع الذي فيه صلاح الدين والدين بلا ضرر على الآخرين ولا ضر على الدين فانه في هذه الصورة أيضاً يدخل فيها

  •  المسألة الحادية عشرة

 في استحباب الإغضاء عن الأخوان وترك مطالبتهم بالإنصاف

عن أبي بصير قال ( قال أبو عبدالله (عليه السلام) لا تفتش الناس فتبقى بلا صديق ) وعن الضحاك ابن مخلد قال سمعت الصادق (عليه السلام) يقول ليس من الإنصاف مطالبة الأخوان بالإنصاف وذلك لان من الإنصاف إبقاء الأصدقاء ولا يبقى الأصدقاء غالباً مع طلب النصف منهم فيكون ذلك خلاف الإنصاف كما لا يخفى وعليه سيرة العقلاء في الخارج

  •  المسألة الثانية عشرة

 في استحباب إجلال ذي الشيبة المؤمن

عن عبدالله بن سنان قال ( قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) أن من إجلال الله عز وجل إجلال الشيخ الكبير ) وعن أبي بصير وغيره عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال من إجلال الله عز وجل إجلال ذي الشيبة المسلم ) وعن أبي نهشل عن عبد الله بن سنان قال ( قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) من إجلال الله عز وجل إجلال المؤمن ذي الشيبة ومن أكرم مؤمنا فبكرامة الله بدأ ومن استخف بمؤمن ذي شيبة أرسل الله إليه من يستخف به قبل موته ) وعن أبي الخطاب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال ( ثلاثة لا يجهل حقهم إلاّّ منافق معروف بالنفاق ذو الشيبة في الإسلام وحامل القرآن والإمام العادل ) .

  •  المسألة الثالثة عشرة

يستحب التفريج عن المهموم

وهو الذي يهم بأمر ولا يتمكن عليه أو هو بحاجة إلى من يعينه فيكون الإنسان عونه في أن يفرج همه وهذا من المستحبات الأكيدة ويدل عليه الروايات المتظافرة فإن الله سبحانه خلق الإنسان وجعل له حاجات واهتمامات روحية وجسمية فردية واجتماعية ولا يستطيع أن ينال كثيراً منها بمفرده فجاء الأمر الالهي بمساعدة الإنسان في الوصول إليها ، فمن ساعد كان له أجران أجر أخروي وأجر مساعدة الناس له في التفريح عن همومه أيضاً كأثر وضعي لعمله فمن كف يده عن الناس فإنما يكف يدا واحدة ويكفون عنه أيادي كثيرة كما ورد عن أمير المؤمنين ولا يخفى أن الحياة بالتعاون تتقدم إلى الإمام في مختلف أبعادها فلذا قال سبحانه وتعالى تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان والمقصود من التعاون هو إعانة كل واحد منهما الآخر .

  •  المسألة الرابعة عشرة

 يستحب تجمع المهمومين المغمومين وأصحاب الحوائج لأجل الدعاء لارتفاع الهموم والغموم وقضاء الحوائج ولعل إطلاق قولهم (عليه السلام) يد الله مع الجماعة يشمله وذلك لأن التجمع لأجل هذه الأمور أقرب إلى انكسار القلوب وأدنى للإجابة ولذلك لما دعي أصحاب يونس (عليه السلام) وتضرعوا وهم مجتمعين استجاب الله دعاءهم .

ولا يخفى أن الفرق بين الهم والغم يظهر في أمور منها أن الهم هو ما يهم ويهتم الإنسان بفعله مما هو لصالحه أو لصالح غيره وربما معهمّ كزواج ولده ولتأسيس معمل ومكتب له أو لنفسه وطلب العلم وما أشبه ذلك ومنه ما يهم بفعله للوصول إلى مقصده والغم  مايغمه كأنه غطاء على قلبه ويطلق على ما أبتلى الإنسان به من المشاكل كغم المريض وكغم الفقير وكغم المسجون وما أشبه ذلك ولا يخفى أن السيرة المتبعة التي انقضت عليها أيام السلف الصالح هو القيام بالمجالس العامة للدعاء والتضرع والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى لكشف الهموم والغموم وهو المتظافر عن سيرة العلماء الصالحين ولذا قال سماحة السيد الشيرازي دام ظله في كتابه من فقه الزهراء ولقد كان من المتداول سابقاً وكنا نرى كثيرا مجالس عامة تعقد للدعاء عند حلول بلية نازلة سماوية أو أرضية بحيث كان يظهر على البلاد ذلك كطابع عام وكان ذلك من أسباب انكشاف الهموم والغموم ولعل من أسباب زيادتها الآن قلت مجالس الدعاء والتضرع العامة وهو المستفاد أيضاً من سيرة الأنبياء كما لا يخفى .

  •   المسألة الخامسة عشرة

 يستحب قضاء حاجة المحتاج

فإذا قال الإنسان اسقني الماء وهو على المائدة كان سقيه قضاء للحاجة وان لم يسم تفريج الهم ولا كشف الغم ولا يخفى أن قضاء الحاجة أعم من الأمرين أي كشف الهم والغم ولا فرق في ذلك بين الحاجات الدنيوية والأخروية ولا يبعد أن يكون قضاء حاجة غير المسلم كإدخال السرور على قلبه أيضاً مندوباً وان كان الندب في المسلم أولى وأشد ويؤيده الاطلاقات .

أما التقييد بالمؤمن ونحوه في بعض الروايات الواردة في استحباب قضاء الحاجة فلا يقيدها بالمسلم أو بالمؤمن لأنهما مثبتان على الاصطلاح الأصولي والقيود المثبتة تحمل على أكملية المصاديق أو اشدية الطلب في المقيد كما ثبت في الأصول ويؤيده قضاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) حاجات غير المؤمنين كما ورد في تفسير سورة المنافقين من أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطى بعض ملابسه لعبد الله بن أبي لما طلب منه ذلك وفي موارد أخرى دلالة على ذلك ولو بتنقيح المناط .

هذه بعض الآداب والفضائل العامة التي ينبغي أن يراعيها الإنسان المسلم مع نفسه ومع زوجته وعياله وأصحابه وأقاربه وعشيرته ومع المجتمع بشكل عام في مختلف المجالات اليومية والمعاشرة الحيوية المستمرة ذكرناها اختصاراً فمن أراد التفاصيل في هذا المجال فعليه بمراجعة الكتب الخاصة التي ذكرت في الآداب والسنن وأحكام العشرة وما أشبه ذلك .

الأمر الثاني:

  •   في عوامل بناء المجتمع المتقدم

إذ لا أشكال في أن الحياة تبينها جهود الإنسان وجهاده والمجتمع الإنساني يتقوم بالتقدم والتنافس فالمجتمع كالإنسان إذا لم يتقدم فهو في تراجع بالقياس إلى إلآمال والطموحات والزمن و أيضاً بالقياس إلى الأغراض الإلهية من الخلق والتكوين وقد ورد عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) من تساوي يوماه فهو مغبون) ولعل التعبير بالغبن جاء من جهة أن الإنسان يبذل أكثر مما يأخذ فيها إذا تساوت أيامه، ولا يجد طعم التغيير فيها ولا يبذل جهده للوصول إلى الأفضل والأحسن لذا يعد بالقياس إلى المصالح الكلية والحكم والأغراض في تراجع وقد ورد عنهم (عليه السلام) من لم يكن في زيادة فهو إلى نقصان وهذه حقيقة واقعية لا تختص بالأفراد بل تشمل حتى المجتمعات وتتجلى في المجتمعات أكثر .

ولعل هذه إحدى المعاني الفارقة في المجتمعات المتطورة في مجالات التقدم والأخرى التي تحبو على سبيل التقدم وثالثة التي تراوح في مكانها والرابعة التي تطوي مسيرها في تراجع وتأخر في مختلف المجالات وبذلك أيضاً يظهر معنى قوله (عليه السلام) ومن كان أمسه افضل من يومه فهو ملعون ) أي مطرود من الرحمة فإن اللعنة هي الطرد لغة وكيف كان الوصول إلى مجتمع متقدم لابد من تطبيق طموحات المجتمع والعمل على تحقيق آماله ولكي يصل إلى ذلك لابد من مؤسسة الأعمال والمشاريع الاجتماعية وجمع الإنجازات الفردية في كتل وجماعات يحمي بعضها البعض ويحرك بعضها البعض وينافس بعضها البعض وتنسيق المواهب والقدرات والأعمال والمشاريع الخاصة في ضمن مؤسسات وهيئات عامة تحفظ للجميع حقوقهم وتلبي طموحاتهم كما قال سبحانه وتعالى وفي ذلك فليتنافس المتنافسون .

ولا يختلف الحال بين المؤسسات الدنيوية كالصحافة والفكر والأحزاب والتنظيمات والكتل النيابية وما أشبه ذلك والأخرى الدينية كالمشاريع الخيرية والصدقات الجارية والأوقاف ومؤسسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو التصدي للأمور الحسبية بل حتى الحقوق الفردية والأحوال الشخصية كرفع مشاكل الزواج والطلاق والأسرة والتعليم والسكن ونحوها إذا أصبحت ضمن مؤسسات ستكون انجح وأقدر على مواجهة أزماتها ويضمن الجميع حاجاته وحقوقه هذا في الحقوق والواجبات ونحوها وكذا الكلام في المحرمات و الاصلاح الاجتماعي فانه لا يكفي أن يجتنب الإنسان بمفرده عن المحرمات ويتخلص عن الزائل الأخلاقية والعادات السيئة مالم تصبح حالة اجتماعية عامة ويصبح الناس كاسرة واحدة في مواجهة ذلك ليحفظ الجميع مصالح الجميع ويبعدهم عن مضار السلوك المنحرف ومخاطره ويحثهم إلى المزيد من العمل والجد لبناء الدنيا والآخرة وتكوين مجتمع متقدم وسليم ولعل هذا ما يستفاد من مجموع الأدلة العقلية والنقلية..

 بل لعل قوله سبحانه وتعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) يشير الى بعض ذلك من حيث الغايات ومن حيث الحكم فإن جملة من الأعمال الفردية والاجتماعية التي يدعى فيها إلى الخير من الواجبات وبعضها من المستحبات لكن الظاهر أن المجموع من حيث المجموع من الواجبات بلا أشكال لان بها قوام الدين والخير وحفظ الحقوق ونشر المعروف ومنع المنكر والرذيلة وحفظ المظاهر الإسلامية والشعائر الدينية كما هو المستفاد من مثل قوله سبحانه وتعالى (ولتكن) الواردة بصيغة الأمر المؤكدة للام الأمر الدالة على تشديد الحكم ودليل العقل أيضاً الحاكم بوجوب حماية الناس روحاً وجسدا أفراداً أو أسراً وجماعات من كل ما يضر بذلك ويتنافي مع موازين الكون والحؤول دون الجهد والطاقات والأموال التي تبذل لأغراض ودواعي لا إنسانية لتحقيق ذلك .

وكيف كان فلبيان بعض الأمور المتعلقة ببناء المجتمع المتقدم نتعرض لأمرين :

  أحدهما : البحث شيئا ما في القدرة الإنسانية ببعديها الفردي والجماعي وسبل ترويضها لتتماشى مع خط الأهداف الإلهية العليا

ثانيهما: شرائط المجتمع المتقدم.

أما الأمر الأول: ففي القدرة الإنسانية وآثارها في مجالات الحياة الإنسانية المختلفة والقدرة تنقسم إلى إيجابية وسلبية فالقدرة السلبية هي القدرة على المقاومة وهذا ما يأتي من كل شيء يقاوم حياً كان كالإنسان والحيوان والنبات أو ميتاً  كالجماد بأقسامه المتنوعة فإن في كل هذه الأمور قدرة المقاومة واما القدرة الإيجابية فربما يعبر عنها التأثير في الأشياء بنحو التأثير الإرادي أو التأثير الحيوي غير الارادي أو التأثير غير الإرادي فالأول كتأثير الإنسان والحيوان والثاني كتأثير النبات والثالث كتأثير الجمادات ونحو ذلك والتأثير في القدرة الإنسانية التي هي مقصودة بهذه الإشارات يتجلى على حياة الإنسان في شؤونه الفردية والاجتماعية في بعدي الخير والشر،

والظاهر أن القدرة في الإنسان عبارة عن الأمر والطاعة فهي داخلة في قسم التأثير والتأثر فهما من قبيل المتلازمين أو من قبيل الكسر والانكسار حيث أن المتلازمين أمران أما الكسر والانكسار فهما وجهان لعمل واحد والمغايرة بينهما اعتبارية لأنه إذا نسب العمل إلى المؤثر سمي كسراً وإذا نسب إلى المتأثر سمي انكساراً والقدرة هذه أيضاً فوجهها في طرف المؤثر أمر ووجهها في جانب المتأثر إجابة واطاعة ولولا أحدهما لم تعط القدرة فهما اثنان في الذهن لا في الخارج ، والغالب أن الآمرين قلة والمطيعين كثرة إذ لا شك في وجود القدرة في جميع أفراد الإنسان بما هو هو كما لاشك في تفاوت أفراد الإنسان في هذه الصفة كتفاوتهم في الشجاعة والكلام وسائر الصفات كما انه لاشك في أن هذه الصفة الكامنة في الإنسان قابلة للظهور والنمو إلى حد ما كما قال سبحانه ( فسالت أودية بقدرها ) لان استقبال الفيض بقدر السعة والقابلية الأمر الذي يتطلب التعليم والتربية والترويض لاستثمار القدرة في مجالاتها الإيجابية فإن تصرفات البشر وانقيادهم للأشياء واستجابتهم لها ناشئة أما من جلب النفع أو دفع الضرر لكن تزايد القدرة في جنب الآمرين وتزايد  الإطاعة في جنب المطيعين ناشئ عن جهل المطيعين ولذا إن كان الآمرون أخياراً أفادوا الآخرين إلى الخيروان كانوا أشراراً قادوهم إلى الجحيم.

 كما قال الله (تعالى) في وصف أنبيائه ( وجعلنا هم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا و أوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ) بخلاف أئمة الضلالة حيث قال سبحانه وتعالى ( وجعلنا هم أئمة يدعون إلى النار يوم القيامة لا ينصرون) وفي صفة أمة الإسلام قال تبارك وتعالى ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاء هم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم )  حيث تشير الآية إلى خصوصية كلا الأمتين أنه الإيمان وأنه الضلالة .

وكيف كان فإن القدرة كالثروة فكما إنها مشتركة بين الجميع فالرأس مالي يظلم العمال في استيلاءه على أكثر من حقه في حقوق العمال وأنهم إنما يتركونه واستيلاءه لجهلهم بقدر حقهم وبقدر حقه إذ ليس حقه إلاّّ بقدر عمله سواء الفكري أو الجسدي أو تراكم المال كما ذكروا ذلك في الاقتصاد كذلك الكلام في القدرة فإنها مشتركة بين الجميع وإنما جهل المطيعين بان أي قدر منها حق الآمر وان أي قدر منها حق المطيع يسبب أن الآمر يستوي على قدراتهم بينما لو لم يكن هذا الجهل أعطوا الأمر بقدر حقه وكانت لهم باقي القدرات الأمر الذي يسبب التوازن بين الطموحات والقدرات ويمنع من قيادة أئمة الضلالة في سبيل الشر .

ولا يخفى أن القدرة تنقسم الي ذاتية أي أن الإنسان بنفسه يمتلك القدرة سواء كان هناك من يمده أو لم يكن ولا كلام في هذا القسم وإنما الكلام في القسم الثاني القدرة العرضية ـ وهي ما يستمده الإنسان من الخارج لأجل السيطرة على الآخرين وهذا أن توفرت شرائط قوته الإيجابية كان إيجابياً وإلا كان سلبياً لان القدرة تظهر محمود الخصال و مذمومها كما ورد عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا المجال ولذا كان لابد من التفكير في ترويض القدرة لان القدرة من طبيعتها الطغيان كما قال الله سبحانه وتعالى (إن الإنسان ليطغى أن رأه استغنى ) و( قال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) من ملك استأثر ) وعنه (عليه السلام) القدرة تنسي الحفيظة و لذا فكر عقلاء العالم منذ القديم في ترويض القدرة كما فكروا في الوقوف إمام طغيان البحر والكوارث الطبيعية لان الجميع من واد واحد سوى أن أحدهما في ظواهر الطبيعة والثاني في قدرة الإنسان .

وقد روض الشرع الأقدس قدرة الإنسان عبر عاملين

العامل الأول : هو الداخلي وذلك بتهذيب النفوس وتخويفها من عذاب الله سبحانه وتعالى وحثها على الالتزام بالواجبات واجتناب المحرمات وهذا مقدم على كل شيء ولذا قال سبحانه وتعالى يزكيهم ويعلمهم الكتاب الحكمة وهذه الرقابة الذاتية ناشئة من ضمير الإنسان ومن عقله وقلبه فهي من اشد الرقباء دقة ومحاسبة وضبطاً قال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) وكيف اظلم أحدا لنفس يسرع أم البلاء قفولها ويطول في الثرى حلولها .

وقال يوسف النبي (عليه السلام) (رب قد أتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً و الحقني بالصالحين) وبالعكس من ذلك قال فرعون ( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ) فالملك له ومبعث الخيرات من تحته بهذه العقلية وبهذا المنظار ينظر أئمة الضلالة إلى القدرة وأما أئمة الهدى كمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) ويوسف (عليه السلام) فملكه من الله وعلمه من الله والملك كله لله سبحانه وتعالى لانه فاطره وهو المشرف عليه في الدنيا والآخرة ومنتهى رغبته أن يبقى مسلما صالحا إلى حين الممات فيرضي ربه بذلك كما يرضي نفسه فضلاً عن بناء الحياة بالخيرات والمبرات.

العامل الثاني: هو عامل خارجي وذلك بالقوانين التي توقف الإنسان عند حده وقوانين عقوبات الجنايات وقوانين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرقابة الاجتماعية ولا يخفى أن عدم التزام الناس في الغالب بالعامل الأول والعامل الثاني هو الذي سبب طغيان قدرة الحكام عليهم وسبب تولي الظالمين لشؤونهم بما أهلك الحرث والنسل وخرب دنياهم وأخراهم .

وكيف كان فإن من ابرز عناصر قدرة الإنسان هي القدرة الاجتماعية وهي التي يحصلها الإنسان من ربط نفسه بالمجتمع وذلك لان الإنسان ضعيف غاية الضعف بل قد يكون في بعض شؤونه من اضعف الحيوانات بل والنباتات أيضاً إذا الحيوان مهما كان ضعيفاً يستطيع من تحصيل شؤون نفسه بنفسه بدون مساعدة من أحد وكذلك النبات بينما الإنسان لا يتمكن من تحصيل ذلك إلا بمساعدة الآخرين ، ولذا قالوا أن كل إنسان لابد له من ربط نفسه برابطتين:

 الأولى : الرابطة الاجتماعية حين يجتمع مع الآخرين من عائلته ونحوها وحتى إذا كان يعيش في الاكواخ وبيوت الطين والكهوف والجبال حيث يتعاون الجميع في تحصيل اللباس والمأكل والمسكن ونحوها.

الثانية: الرابطة السياسية فيما إذا كان هناك حكم وذلك لان الإنسان له مصالح عالية وتلك المصالح تؤمن بواسطة الدولة أو بواسطة الكتلة السياسية التي ينتمي إليها فيربط الإنسان نفسه بالدولة حيث يتفيء تحت ظلالها وفي قبال ذلك يطيع أوامرها كرها أو طوعاً ، وقد يكون الارتباط بجماعة سياسية ارتباطاً عضوياً كما إذا صار عضواً في حزب أو منظمة أو مؤسسة وما أشبه ذلك وقد يكون الارتباط بجماعة غير سياسية لأجل وحدة الهدف بين هذا الفرد وتلك الجماعة كجمعية ثقافية أو اقتصادية أو تربوية أو نحوها من الجماعات الكثيرة ذات الأهداف المختلفة والحاصل المجموع بها أن الإنسان يحصل بانتمائه إلى هذه التكتلات قدرة مضاعفة.

 وبهذا يتبين أن الارتباطات الإنسانية على أربعة أقسام :لأنها أما تلقائية أو تعمدية وعلى كل حال أما سياسية أو غير سياسية والنتيجة في الكل واحدة وهو كسب القدرة و مضاعفتها ،  ولا يخفى أن الجماعة كما تعطي للفرد المنضم إليها قدرة فوق قدرته الفردية ، تأخذ منه قسطاً من حريته أيضاً حيث أن الواجب عليه أن يترك بعض آرائه وقدراته الفردية أزاء رأي الجماعة وعملها ومصالحها فلو كان فرداً مثلاً استراح في أيام العطلة بينما إذا انضم لزم عليه أن يعمل وكذلك لو كان فرداً انتخب زيداً في مجلس الأمة بحسب رايه بينما حيث أنضم إلى الجماعة وصار رأي الجماعة انتخاب عمرو التزم انتخاب عمرو وان يترك رأيه لرأي جماعته لان الحفاظ على رأي الجماعة هو حفاظ على رأيه وصيانة قدرة الجماعة هو صيانة قدرته لذلك فإن الإنسان يوازن بين حريته الفردية وبين قدراته الاجتماعية ويرى أن الثانية أهم فلذلك يرجح الأهم على المهم وهي قاعدة عقلائية يتفق عليها العقلاء في مختلف الشؤون .

ثم انه كلما كان الانسجام بين أفراد الجماعة أكثر كان التقدم الخارجي والاطمئنان النفسي فيهم أكثر وبالعكس أيضاً كلما كان التخاصم وعدم الانسجام أكثر كانت النتائج عكسية أيضاً ولذا فالواجب على الجماعة أن يقرروا ضوابط للعمل تحد من نشاط التخاصم والنزاع أمثال الشورى بأخذ أغلبية الآراء والقرعة إن تعادل الجناحان وقرار الحلول الوسطى لو أمكن فيه ذلك أو أيجاد لجان التصالح إلى غير ذلك من وسائل وأساليب ، وفي الإسلام ضوابط كثيرة بهذا الصدد أمثال (وأمرهم شورى بينهم)  و(القرعة لكل أمر مشكل ) و( إنصاف الناس من نفسك ) و( أحب لغيرك ما تحب لنفسك ) و ( ورد عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) القدرة يزيدها العدوان وآفة القدرة منع الإحسان ) .

إلى غير ذلك من ضوابط أخلاقية واحكامية تروض القدرة وتصبها في الاتجاه الإيجابي وقد تعرض لذلك علماء الحديث في جملة من كتب الحديث ككتاب العشرة وكتب الأخلاق والسنن ونحو ذلك .

ولا يخفى عليك أن كلاً من الجماعة و الفرد ينقسم إلى أهوج ومعتدل فالأقسام المتصورة أربعة إذا مع كلي حالي الجماعة حالان للفرد وخير الأقسام ما كانا معتدلين فالجماعة الهوجاء هي التي تفرض رأيها على الفرد وإذا خالف في رأي أو عمل تجعله محل الضغط أو تفصله عنها ويكون الرأي فيها بيد فرد أو قلة يفرضون آراءهم على المجموع وكانت آراءها بدون الاستقاء من الشرائط والظروف فيعيش الجميع في أجواء مستبدة وقاهرة يعاني الكل فيها من الآم ومشاكل ، والفرد الأهوج هو الذي يدخل الجماعة بدون ملاك ويخرج منها بدون مبرر  ويكثر المخالفة ويستبد برأيه وإذا خالف الجماعة اشتغل بالتخريب و بالعكس من الجماعة والفرد الأهوجان  الجماعة والفرد المعتدلان فليس كل فرد يدخل في الجماعة أو يخرج عنها اعتباطأ وبدون رؤية وإذا كان في الجماعة أعمل رؤيته في القرارات ولا يغتر بالانتصارات ولا ييأس في الإنتكاسات بل يعمل رؤيته في الأمر بالواقعية والرؤية الرزينة سواء في صنع القرارات أو في مقابلة الانتصار والانكسار كما انه ليس كل جماعة تعمل الديكتاتورية في قبال الفرد .

نعم هناك بعض الجماعات تعمل بالديكتاتورية فلا تحترم رأي الفرد ولا تجنح إلى الاستشارة وتخلط الحق بالقوة الباطلة ومثل هذه الجماعة تكون خطراً على الفرد كما هي خطر على المجتمع أيضاً فيتحصل مما تقدم أن الإنسان قدرة كبيرة فإذا انضم إلى جماعة أو مؤسسة أو هينة تتضاعف هذه القدرة أضعافاً كثيرة ومالم نعمل على ترويض هذه القدرة بعناصرها الإيجابية سوف تطغى وتفسد أكثر مما تصلح في أي بعد من أبعاد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

ومن ابرز عناصر الترويض والتقنين جعل الضوابط للأفراد والعمل والتبصير والتوعية للأفراد لكي يعطوا ما يجب عليهم ويأخذوا ما هو حقهم بلا إفراط ولا تفريط.

وأما الأمر الثاني:

 فهو في عوامل بناء المجتمع المتقدم :

الشرائط العامة: التي تقدم المجتمع إذ لا يخفى أن المجتمع إنما يتركب من أفراد كما أن المجتمع الكبير إنما يتركب من الجماعات فإن صلح الفرد وكان بالمستوى اللائق في الإطار الفكري المناسب صلحت الجماعة لأنها ليست إلا أفراد وإذا صلحت الجماعات صلح المجتمع الكبير والعكس بالعكس أيضاً ولذا كان ينبغي التعرض إلى بعض خصوصيات الأفراد والناجحين لنصنع منهم جماعة ناجحة متقدمة لان الفرد علة المجتمع في اصله وفي خصوصياته وعليه فإنه إذا توفرت هذه المؤهلات في الإنسان كان اقرب إلى بلوغ أهدافه وطموحاته ومنها مضاعفة القدرة مما يقربه إلى المجتمع أكثر ويجعل المجتمع في القمة.

ومن أهم هذه المؤهلات هي ما يلي:

أولاً : الهدوء والتوازن ونعني بها الهدوء والصفاء والتوازن الفكري والعملي فإن من القلق والهياج والخلط فيها خليقة بان تجعل من الإنسان عضواً فاسداً مفسداً فهو لايبتعد عن القدرة فقط بهذه الصفات بل يسقط وتسقط قدراته أيضاً بالوصول إلى الأهداف وكما يلزم أن يكون الإنسان بنفسه متصفاً بتلك الصفات الحسنة المذكورة كذلك يلزم أن يكون له الإيحاء بهذه الصفات إلى غيره فإن للإيحاء تأثيراً كبيراً في عدوى الصفات بين الأفراد إيجابية كانت أو سلبية.

ثانيا: الصبر على المشاكل فإن من أقوى سمات القدرة هو الصبر على المشاكل وعلى السير نحو الهدف كما قال سبحانه وتعالى ( ولمن صبر وغفر أن ذلك من عزم الأمور ) والصبر ضمان لحفظ النظام وحفظ الهدوء والتبصر في العواقب ولمعرفة ارتباط الأشياء مع بعضها البعض ولذا ورد ( الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ) فان الصبر هو المسير والمسيطر على الأمور كما أن الرأس هو المسير للأعضاء والمسيطر عليها.

ثالثاً: معرفة الناس فإن النجاح يتطلب أول ما يتطلب معرفة الناس حتى يتمكن الإنسان أن يضع كل فرد موضعه ويعامل كل فرد وكل جماعة المعاملة اللائقة بها و ينبغي أن يعرف الإنسان أن الناس لا يطلبونه كل مشكلاتهم فقط و انما يريدون منه الاستماع الجيد لمشكلاتهم ثم حل الميسور من تلك المشكلات وهذا ما يقدر عليه أكثر الناس غالباً وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنكم لن تسعوا الناس با موالكم فسعوهم بأخلاقهم .

رابعاً: رعاية المستويات المختلفة إذ تختلف درجات الناس في المجتمع باختلاف فهمهم وحزمهم وهمهم بالنسبة إلى الأهداف والطموحات والغايات فقد يكون إنسان فاتر الهمة لا يؤمن بالهدف أيماناً كاملاً وقد لا يفهم الهدف حق فهمه وقد لا يكون حازماً في سيره نحو الهدف وكل ذلك يقلل من قيمة الإنسان ويجعله فاشلاً ولذا فاللازم أن يجتنب الإنسان عن الأهوال المثبطة والروح السلبية والفكرة التشاؤمية فإن الناجح هو الذي يكون إيجابياً ويخلق في نفسه مزيداً من القدرة وأما الحالة السلبية في الفكر والعمل وقول البعض أن هذا الأمر لا يفيد أو نحن لا نصل إلى الهدف وانه ليس هناك مخرج من المشكلة وان الإصلاح والنصيحة لا تنفع وغير ذلك من العبارات التشاؤمية لا تفيد الإنسان إلا تأخراً والمجتمع إلا انحطاطا فإن المجتمع الناجح هو الذي يتمتع بهمم عالية وروح وثابة وعقل مستنير ومتوقد وآمال عالية .

خامساً القدرة : والقدرة أمانة في ذمة الإنسان كما هو واضح لا يحق التبذير بها ولا تجميدها فالتبذير بها في أن يصرفها في غير مصرفها سواءً كان مصرفاً اقل من المصرف المقرر أو مصرفاً باطلاً حتى مع صرفها في المهم مع وجود الأهم فانه من مصاديق التبذير وأما تجميدها فهو لا يصرفها فضلاً عن كونها في موردها أو في غير موردها والإنسان القدير ليس ملكاً لنفسه كما هو واضح بل للمجتمع إذ القدرة مستمدة من الجمع فإذا لم يستعمل القدرة حق قدرها كان قد خان وظلم نفسه والآخرين كما قال سبحانه وتعالى ( إنَّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان انه كان ظلوماً جهولاً ) وعليه إذا لم يعط القدرة حق قدرها يكون قد ظلم نفسه والآخرين وجهل قدر نفسه والآخرين حيث لا يؤدي الأمانة أصلاً أولا يؤديها حق أدائها .

وعليه فإن القدرة كالشجرة كلما صرفها الإنسان نمت أكثر وأكثر وجاءت بقدرات وطاقات جديدة بينما إذا لم يصرفها أو لم يجعلها في المكان اللائق بها تقلصت وأذنت بالذبول حتى تنتهي قال سبحانه وتعالى ( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) وفي الحديث أن ملكاً ينادي ويدعو اللهم أعط كل منفق خلفاً وكل ممسك تلفاً مما يدل على أن قدرة المال إنما تنمو وتكبر بالإنفاق وإنما تتحجم وتتقلص بالبخل وعليه فإن اللازم على ذي القدرة أن ينمي قدرته فإن القدرة أيضاً قابلة للنمو نعم نمو كل شيء بحسبه وموازينه .

سادساً: الفكر المتكامل:

 الجامع للإحاطة بجوانب الأمور ودراسة عواقبها والجرأة والمبادرة واتخاذ القرار من الأمور اللازمة والمواكبة لكل قدرة عظيمة وعليه فاللازم على القدير ان لا يقدم دون تفكر في جوانب الأمور وإلا كان ما يفسده أكثر مما يصلحه ثم انه إذا فكر لكنه تردد لم ينفعه تفكره لان السابقين هم الذين يأخذون بزمام الأمور ويفوزون بالمبادرة كما قال سبحانه وتعالى ( والسابقون السابقون أولئك المقربون ) وإطلاقها يشمل الماديات والمعنويات وقال تعالى : (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) كما قال عز وجل ( واستبقوا الخيرات ) وقال سبحانه وتعالى ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) .

وعليه فإن الإنسان القدير يجب أن يكون دائماً على أهبة الاستعداد للعمل ويفكر لكل ظرف في رد فعل حسن وسريع فالحياة عبارة عن مجموعة قرارات وإنجازات وكل من كانت قراراته وإنجازاته أكثر كان أكثر حيوية واجدر بالاحترام والتقدير في الدنيا والآخرة فلذا لا يجوز انتظار الوقت الأفضل إلا في موارد خاصة للضرورات الخاصة .

سابعاً: الإرادة الحديدية

فإن الإنسان الناجح هو الذي يمتلك إرادة التنفيذ لان إرادة التنفيذ من ابرز علامات النجاح فإن المريد إذا أوصد أمامه الأبواب وغلق الطرق لا يصل إلى نتيجة واما إذا فتح أمامه الأبواب وسلك في الطرق مهما كان الجو خانقاً فانه لا بد وان يحصل على الفرج فليس الجو مهما كان خانقاً بدون فرج كما أن الجو لمن لا يريد التنفيس لا يوجد فيه منفذ واحد ، فالأعذار تلبد الأجواء وإذا أراد ذو القدرة أن يعالج معضلة مستعصية كان عليه أن يحللها لان المعضلات الصعاب عبارة عن أمور صعبة تجمعت في صورة واحدة وكلما كان الإنسان أكثر نفوذاً وعملًا وحلاً للصعاب كان اجدر بالحياة وبأن يكون ناجحاً فإن المجتمع كالبناء له أحجار توضع بعضها فوق بعض حتى يكون بناءً متكاملاً وإذا لم يقدر الإنسان من عمل كبير فخير له أن يعمل اعمالاً صغاراً فإن بتجميع القطرات تتكون البحار والصحاري الهائلة عبارة عن مجموعة ذرات .

ثامناً: التخطيط السليم

فإن من الواضح أن القدرة لا تأتى بالأماني وإنما بالتخطيط السليم ووضوح الرؤية المستقبلية وتجري الوسيلة التي تنتج الهدف بايسر الطرق واقربها وما من شك بان كل أسباب السعادة ليست بيد الإنسان بل منها ما بيد التقدير والاختيار الالهي ولذا قال عز وجل ( ءانتم تزرعونه أم نحن الزارعون) وقال سبحانه ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) وقال عز وجل ( ولنبلوكم بالخير والشر فتنة ) وإنما الكلام فيمن ينال السعادة هو الذي يهيء لها كل الأسباب الممكنة أم الذي يجلس ويلقي نفسه في المعاذير فمن سمع الإنسان ذو حق في التقدم لا بد وان يفهم السامع أن ماجناه من الثمرة الطيبة إنما كان نتيجة جهد وعمل طويلين قد يضرب بجذوره إلى ما قبل خمسين عاما فالما شي على الدرب باستمرار يصل كثيراً ما ، وإذا أصابه نوع من اليأس لما يجده من عدم المسرة فليعلم أن الأعمال وان كانت مضنية وثقيلة وبلا نتيجة في بعض الأحيان إلا أن الواقع غير ذلك فإن الجهد وان كان بسيطاً لا يكون ضائعاً والتعثر ليس دائما لان الدنيا مركبة بان كل سبب يعطي نتيجة وما دام سار في الدرب وهيء الأسباب والشرائط التي يمكن أن يهيئها فانه لابد وان يصل يوماً ما.

 نعم قد يتأخر وقد يتسارع في ذلك ولذلك ورد في الحديث الشريف مارام  أمريء شيئا ألا ناله أو دونه

 تاسعاً: اغتنام الفرص:

 فإن أهم ما ينتج القدرة اغتنام الفرصة فإن إضاعة الفرصة غصة ويكون انتهازها قوة فقد ورد في الحديث ( انتهزوا الفرص فإنها تمر مرّ السحاب ) ومن الواضح أن الفرصة لا تطرق أبواب كل أحد كما لا تستمر في طرق باب أحد فاللازم أن يكون الإنسان ذكياً ينتهز الفرصة أين وجدها كما أن انتهاز الفرصة يحتاج إلى يقظة دائمة واستشارة مستمرة وعمل واثب وتحر للأفضل في كل لحظة .

عاشراً: التواضع إذ يلزم أن تلازم القدرة التواضع والإنسان القدير هو الذي يعلم أن الأراضي المرتفعة محرومة من مياه الأنهار فالتواضع مصب القدرات لأن البحر محل التواضع يجمع مياه الأمطار المستعلية ، أما الربى فيزول عنها الماء حتى لا يبقى فيها قطرة والأعمال إنما تنجح بتجميعها قطرات القدرة حيث تتواضع للقدرات وبعض الحكومات المستبدة إنما تفشل لاستعلائها فتنحدر عنها القدرات حتى لا تبقى فيها قطرة فتسقط .

ومن طرق التواضع أن يحترم الإنسان آراء الآخرين ويستشيرهم فقد ورد في الحديث الشريف ( أعقل الناس من جمع عقل الناس إلى عقله ) فإذا فكر الإنسان القدير بأنه إنسان وكل إنسان باستثناء المعصومين معرض للخطأ لم يمتنع أن يتحرى الرأي الأقوى في أموره كما لم يمتنع أن يعترف بالخطأ إذا ظهر ذلك وفي المثل الاعتراف بالخطأ فضيلة وهذان الآمران الشورى والاعتراف بالخطأ يزيدان الإنسان قدرة كما يزيدان الناس به ثقة ويرفعان من شأن المجتمع ويجعلانه في قمم الحياة الإنسانية العامة .