المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 006.doc

في الأحكام الشخصية التي تتعلق بالإنسان في دائرته الخاصة من المجتمع

وقد قسمنا هذا المقصد  الى فصول أربعة  

الفصل الأول: في أحكام الزواج وتشكيل الأسرة.

الفصل الثاني: في أحكام الأولاد والتربية.

الفصل الثالث: في أحكام الطلاق.

الفصل الرابع: في أحكام الإرث.

    أهداف الزواج:

الفصل الأول: لا إشكال أن الزواج والنكاح من أحد الغرائز التي جعلها الله تبارك وتعالى لإبقاء النوع بل من أهمها ليس فقط في الإنسان بل في كل الموجودات الحية لذلك فإنه ليس من الحقائق الشرعية بل من الفطرية حتى لدى الحيوانات كالأكل والشرب ونحوهما، لذلك جعل الإسلام ـ الزواج صاحب رسالة وله أهداف ـ تقوم على هذه الأهداف سعادة الإنسان وتكامله وتقدمه في الحياة ومن أهم الأهداف التي يتوخاها الإنسان من الزواج.

1-  تحقيق سعادة الحياة لكل من الزوجين وقد ورد في الحديث النبوي الشريف: (ما بني من بناء أحب إلى الله تعالى من التزويج).

2-  إنجاب الذرية الصالحة كما ورد عن مولانا الباقر (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلاً لعل الله أن يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلا الله).

و في حديث نبوي آخر أن النبي (صلى الله عليه وآله) يباهي بأمة المسلمين سائر الأمم إذ يقول (صلى الله عليه وآله): (تناكحوا تناسلوا فإني أباهي بكم الأمم ولو بالسقط).

3-  صيانة النفس عن المعاصي بل وإحراز نصف الدين كما ورد في الروايات الشريفة: (من تزوج فقد أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر) ومن الواضح إن العوامل المهمة التي تساهم في استقامة الإنسان أو انحرافه ثلاثة: هي اللسان والبطن والفرج ولذا ورد عن النبي الأعظم: (من وقي شرّ قبقبه ولقلقه وذبذبه فقد وقي الشر).أي الثلاثة المذكورة ومن المعلوم أن شهوة الجنس شديدة جداً فهي تعادل النصف والنصف الآخر الذي هو البطن واللسان ولذلك تقول الرواية الشريفة إن من تزوج فقد أحرز نصف دينه لأن الفرج له دور كبير في انحراف الإنسان كما إن صيانته بالحلال هو أيضاً له دور كبير في حفظ نفس الإنسان ودينه.

4-  الاستحباب الشرعي والقرب من الله سبحانه وتعالى فإن الزواج مستحب في نفسه محبوب للشارع مضافاً إلى أنه إقتداء بسنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وقد ورد في الحديث النبوي المروي بين الفريقين: (نكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني) كما ورد عن الصادق عن مولانا أمير المؤمنين تزوجوا قال: (فإن رسول الله قال (من أحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج).وعليه فأنه إذا قصد الرجل أو المرأة التزويج إقتداءً برسول الله (صلى الله عليه وآله) و بالأئمة الطاهرين عليهم الصلاة والسلام أو تطبيقاً لهذه السنة الشريفة فإنه يكون قد فعل المستحب ويستحق عليه الثواب.

كما قال تعالى ولكم في رسول الله أسوة حسنة.

5-  هذا مضافاً إلى الفوائد الروحية والجسدية والاجتماعية التي تترتب على الزواج وتشكيل الأسرة والتي لا ينالها الإنسان إلا بذلك.

6-  المستفاد من جملة من الأخبار استحباب حب النساء فقد ورد في الخبر عن الصادق (عليه السلام): (من أخلاق الأنبياء حب النساء). ومن الواضح إن الحب أمر فطري فإذا لم يشبع بالطريق الحلال فسوف يشبع بالطريق الحرام شأنه شأن سائر الحاجات الفطرية للإنسان إذا لم يلبها في الطريق المشروع تنحرف به إلى الطريق غير المشروعة والعياذ بالله.

ومن الواضح أن حب النساء تارةً يكون بنحو الموضوعية المحضة بمعنى أن يكون حب النساء لنفسه له موضوعية عند الرجل ومرة يكون بنحو الطريق إلى الاستمتاع أو إلى تكثير النسل أو إلى نصف الدين أو ما أشبه ذلك والمتفاهم العرفي في أمثال هذه الروايات التي تحث على حب النساء لا يرجع إلى القسم الثاني ولا مانع من القسم الأول إذا كان بطرقة المشروعة فقد ورد في الخبر: (ما أظن أن رجلاً يزداد في هذا الأمر خيراً إلا ازداد حباً للنساء) والمعاني المحتملة في قوله (هذا الأمر) عديدة لعل منها الإسلام أو الإيمان أو الولاية لأهل البيت عليهم السلام لما في حب النساء من تكثير من نسل وتوسعة الحال ثم إذا لم يكن إلا قول نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله): (حبب إليّ من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عيني الصلاة).

فكفى في الفضل والفضيلة بالنسبة إلى النكاح.

7-  هذا مضافاً إلى أن النساء للنطف البشرية كالأرض بالنسبة للبذور النباتية ولكل منها دخل وفضل في حدوث الإنسان وبقائه في الأرض وفي هذه الحياة الإنسان الذي سخر الله سبحانه وتعالى الليل والنهار والشمس والقمر خصوصاً وان  النوع الإنساني هو سيد المخلوقات لأن الإنسان أشرف المخلوقات وسيد الكون ومن الإنسان الأنبياء والأئمة والأولياء وبالإنسان تتم عمارة الأرض واستخلاف الباري عز وجل ومن الإنسان يخرج العابدون والصالحون والعباقرة والمفكرون وهكذا فالوسيلة لحفظ النوع الذرية المتولدة من الزواج ولو لم تكن هناك غاية أخرى من الزواج إلا هذه الغاية هي إنجاب النسل الصالح أي إنجاب الأنبياء والأئمة والأولياء الذين لأجلهم خلق الله سبحانه وتعالى الكون وانزل الشرائع والأديان وأوصل الإنسان إلى مرتبة الكمال أقول: لو لم تكن للنكاح غاية إلا هذه الغاية لكان في فضل الزواج ما يكفي من الغايات علوها وسموها.

8-  وأيضاً إن الزواج طريق إلى سعة الرزق والمستفاد من الآيات وبعض الأخبار إنه موجب لسعة الرزق ففي خبر إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الحديث الذي يرويه الناس إن رجلاً أتى النبي فشكى إليه الحاجة فأمره بالتزويج حتى أمره ثلاث مرات قال أبو عبد الله (عليه السلام): نعم هو حق ثم قال الرزق مع النساء والعيال).

وسر ذلك أيضاً واضح وهو أن الله سبحانه وتعالى إذا أعطى للإنسان الزوجة والذرية الصالحة يعطيه أيضاً رزقهم ويبارك عليهم لأن نسل الإنسان يكون موضع البركة وقد ورد أن المعونة على قدر المؤونه وقال سبحانه: ((إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)) كما هو المستفاد من بعض الأخبار فعن النبي (صلى الله عليه وآله): (رذّال موتاكم العزاب) وعلى هذا فإن أصحاب النفوس الكبيرة والأرواح القدسية والغايات السامية لا يتوخون من الزواج مجرد إشباع الغريزة بالحلال وإن كان هو من الغايات المهمة وإنما لتحقيق سعادة الحياة لكل من الزوجين وإنجاب الذرية الصالحة وصيانة النفس وحفظ الدين والاستحباب الشرعي والقربة إلى الله سبحانه وتعالى والاستنان بسنة النبي العظم والهروب من مبغوضية العزوبة مضافاً إلى كل ذلك فإن عملية التزاوج جزء من القانون الكوني العام الذي يربط كل الكائنات بنظام الزوجية العام ويجعل المخلوقات متسايرة مع نظام الكون فيحقق الجميع أهدافه وغاياته الخاصة والعامة كما قال سبحانه وتعالى: ((سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ)). يفيد أن الأشياء التي لا نعلمها نحن هي أيضاً مخلوقة على نحو زوجي سواء كانت في الكائنات الحية أو الجامدة ابتدأ من الذرة إلى المجرة.

وإذا تأملنا في قانون الزوجية العام في الكون وجدناه قائماً على العشق المتبادل بين الكائنات والتكامل بينها كل زوج هو مكمل للزوج الآخر فإذا انعدم هذا العامل اختل نظام الزوجية في الكائنات كافة وفيما يخص الإنسان من هذه الكائنات تطهر فيه ملامح القسوة والعداء والغلظة والتفكك إذا الأسر البشرية إنما تدوم ضمن الزواج بدوام التعاطف في جوها الذي رسمته الشريعة كما قال تبارك وتعالى: ((وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)). إذن الزواج فيه سكون النفس للزوجين وفيه راحة النفس وفيه كمال الزوجين وفي قوله سبحانه: ((وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)). إشارة إلى إن المودة والرحمة هما العنصران الأهم في ربط الأسر البشرية وربط العوائل لأن هذه الرحمة التي جعلها الله سبحانه وتعالى بين الزوجين في التزويج هي رشحة من فيض رحمته التي افاضها على الكون لتغمره بالمودة والسلام ولتغطيه بالحب والحنان (حيث كتب على نفسه الرحمة) ولولا ذلك لولا هذه المودة ولولا تشكيل الأسرة بالتزويج لسادت القسوة والأنانية ولأصبح الجنس بلا ضوابط ولا رسالة واضحة وبلا أهداف ولا معالم ولأدت بالحياة الإنسانية إلى الضياع المستمر كما هو ملحوظ في المجتمعات التي تعدّت على حدود الشريعة وأباحت لشبابها وشاباتها ما حرمته الشريعة فالأباء يتمردون على الرحمة ويتهربون من التزامات الأبوة الصادقة والمرأة تصبح سلعة رخيصة فاقدة للاحترام والرسالة والأولاد يقبعون في الشوارع والطرقات أو يعيشون مع الآباء أجواء قاسية فارغة من المحبة والوفاء والاحترام. فعلاً إن النكاح سرّ من أسرار الرحمة الإلهية في هذا الوجود ولذا جعله النبي العظم (صلى الله عليه وآله) سنته وجعل المعرض عن الزواج على غير سنته بل الأعراض عن الزواج موجب للفتن وللفساد الكبير الذي تعانيه البشرية اليوم بسبب تركها لحدود الشريعة وضوابطها.

ففي الخبر عن علي بن مهزيار قال: (كتب علي بن أسباط إلى جعفر (عليه السلام) في أمر بناته وإنه لا يجد أحداً مثله) أن يكون مثله بالكفاءة فكتب إليه أبو جعفر (عليه السلام) فهمت ما ذكر في أمر بناتك وانك لا تجد أحداً مثلك فلا تنظر في ذلك رحمك الله فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه) ثم علل ذلك، بأن الملاك هو الكفاءة فقط والمثلية ليست معتبرة بل هي الكفاءة بين البنت والولد فإذا جاء من يرضاه الناس بالدين والأخلاق ينبغي زواجه، وعلل الإمام ذلك قال: (ألا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

ورد في هذا المضمون أكثر من رواية واحدة كما في النكاح من الوسائل لذلك يقول الفقهاء بأن النكاح يستحب في نفسه وقد قام على ذلك الإجماع والكتاب والسنة المستفيضة بل المتواترة لا اختصاص برجحان النكاح بخصوص المسلمين لآن لكل ملة وقوم نكاح و سفاح أي لهم طريقان إلى الجنس وتشكيل الأسر طريق مشروع هو النكاح وطريق غير مشروع وهو السفاح والأول أي النكاح ممدوح لديهم بخلاف الثاني فإنه مذموم قال الله تبارك وتعالى: ((وَأَنْكِحُوا الأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)). بناءً على هذا فإن استحباب النكاح إنما يكون بالنظر إلى نفسه وطبيعته وأما بالنظر إلى الطوارئ والعناوين الأخر فينقسم بانقسام الأحكام الخمسة فربما يجب بواسطة النذر أو العهد أو الحلف أو أمر الوالدين إلزاماً بناءً على وجوب طاعة الوالدين وكذا فيما كان مقدمة لواجب مطلق أو كان في ترك النكاح مظنة الضرر كما لو يصاب غير المتزوج بأضرار كبيرة تؤدي إلى موته أو إسقاط قواه أو ما أشبه ذلك أو أدى إلى الوقوع في الزنا أو أدى إلى الوقوع في محرم آخر فبناً على هذا وحتى يقف الإنسان أمام هذه المفاسد الخطيرة يصبح الزواج عليه واجباً.

وقد يحرم كما إذا أفضى إلى الإخلال من تحصيل علم واجب مثلاً أو ترك حق من الحقوق مثلاً وكالزيادة على الأربعة الذي هو يحرم حرمة وضعية بمعنى إن النكاح لا يقع أصلاً على الزوجة الخامسة.

وقد يكره النكاح إذا كان فعله موجباً للوقوع في مكروه.

وقد يكون مباحاً كما إذا كان في تركه مصلحة معارضة لمصلحة فعله ومساوية لها هذا بالنسبة إلى الرجل.

وبالنسبة إلى المرأة فينقسم النكاح إلى الأحكام الخمسة أيضاً فالواجب لمن يقع في الضرر إذا لم يتزوجها أو يبتلى في الزنا معها لولا تزويجها فيجب عليها أن تزوج نفسها منه حفاظاً على نفسها من الزنا والمحرم أيضاً نكاح المحرمات عيناً أوجمعاً.

والمستحب المستجمع للصفات المحمودة في النساء والمكروه هو النكاح المستجمع للأوصاف المذمومة للنساء ونكاح القابلة والمربية ونحوهما والمباح ما عدا ذلك.

وبذلك يظهر إن النكاح من حيث هو هو مستحب في نفسه للغايات التي ذكرناها إلا أنه قد يطرأ عليه عنوان آخر فيصبح واجباً أو محرماً أو مباحاً بلا فرق بين الرجل والمرأة

آداب النكاح وسننه:

يستحب عند إرادة التزويج أمور: منها الخطبة ويجري فيها الحمد والثناء والصلاة على محمد وآله كل ذلك للتأسي والخطب المنقولة عنهم (عليهم السلام).

ومنها صلاة ركعتين عند إرادة التزويج قبل تعيين المرأة فإن هذه الصلاة والدعاء تكون من باب طلب الخير والتقدير الصالح لأن الإنسان لا يعلم بالمستقبل في الغالب ولا يعلم بأن هذه المرأة التي يريد الإقدام عليها هل هي امرأة صالحة لدينه ودنياه أو ليست بصالحة فيطلب من الباري عز وجل أن يقدر له ذلك.

ومنها الدعاء بعد الصلاة بالمأثور وهو أن يقول: (اللهم إن أريد أن أتزوج فقدر لي من النساء أعفهن فرجاً وأحفظهن لي في نفسها ومالي وأوسعهن رزقاً وأعظمهن بركة وقدر لي ولداً صالحاً تجعله لي خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي).

ونلاحظ أن فقرات هذا الدعاء تدعو إلى الغايات السامية في النكاح وان الغرض من النكاح ليس هو إفراغ الشهوة الجنسية وإنما لغايات أكبر وأعظم هي حفظ النوع وبناء الأسرة بناءً سليماً صحيحاً يحقق الغرض من خلق الإنسان على الأرض.

ويستحب أيضاً الوليمة بأن يقيم يوماً أو يومين لا أزيد فإنه مكروه وقد قام الإجماع بل والنصوص على استحباب الوليمة في النكاح وقد ورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): (الوليمة في أول يوم حق) أي من حق الزواج (والثاني معروف واليوم الثالث رياء وسمعة).

ومثله أيضاً ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) كما في الرواية التي رواها صاحب المسائل رحمه الله في مقدمات النكاح فبناءً على هذا فإن الوليمة تستحب في اليوم الأول وفي اليوم الثاني وأما في اليوم الثالث فتكون مكروهة.

ويدعى إليها المؤمنون والأولى أن يكونوا فقراء خصوصاً عشيرته وجيرانه وأهل حرفته وما أشبه ذلك وقد جرت السيرة على ذلك قديماً وحديثاً.

نعم وقت الوليمة يكون بعد العقد أو يكون عند الزفاف ليلاً أو نهاراً أما بعد العقد فلقول أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في خبر الوشا: (أن من سنن المرسلين الإطعام عند التزويج).

وأما عند الزفاف فلقول الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني: (زفوا عرائسكم ليلاً وأطعموا ضحىً).

وأما صحة كونها ليلاً أو نهاراً فلأنها خير محض يحسن كلما أوتي به وعليه فيحمل قوله (عليه السلام): (أطعموا ضحىً على الأفضلية) وقد ورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): (لا وليمة إلا في خمس في عرس أو خرس أو عذار أو وكار أو ركاز).

والعرس هو التزويج، و الخرس هو النفاس، والعذار هو الختان، والوكار شراء الدار، والركاز العودة من مكة.

وكأن الفضل في الوليمة يكون في هذه.

ومن مستحبات النكاح: الخطبة أمام العقد، بما يشتمل على الحمد والشهادتين والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة والوصية بالتقوى والدعاء للزوجين.

ومنها: الإشهاد في الدائم والإعلان.

ومنها: إيقاع العقد ليلاً فقد ورد عن مولانا الرضا (عليه السلام): (من السنة التزويج بالليل إن الله عز وجل جعل الليل سكناً والنساء إنما هن سكن).

بناءً على حمل التزويج على العقد وكان مقترناً بالدخول.

هذه بعض المستحبات التي يستحب العمل بها عند التزويج.

وهناك جملة من المكروهات التي يكره الإتيان بها عند التزويج.

منها إيقاع العقد والقمر في العقرب لقول أبي عبد الله (عليه السلام): (من تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى). كما رواه في الوسائل في باب النكاح ولعل المقصود منه أن يكون القمر في برج العقرب لا المنازل المنسوبة إليها كما صرح به جمع منهم صاحب الجواهر. وهذه المنازل المنسوبة هي القلب والإكليل والدبانه والشولة.

ومن مكروهات التزويج إيقاعه يوم الأربعاء لما ورد في الروايات من نحوستها خصوصاً أربعاء آخر الشهر والذي يراجع الروايات يجدها في كتاب الوسائل في آداب السفر.

ومنها أيضاً: إيقاع التزويج الأيام المنحوسة من الشهر وهي الثالث والخامس والثالث عشر والحادي والعشرون والثالث والعشرون والخامس والعشرون وهذه الأيام من الكوامل المعروفة بالمنحوسة كما ذكرها العلامة المجلسي رضوان الله عليه في كتاب البحار (الجزء التاسع والخمسون).

ومن الواضح إنه سواءً كانت هناك روايات تدل على كراهته في هذه الأيام المنحوسة بالخصوص أو لم تكن فأنه يجوز الأخذ بها من باب التسامح في أدلة السنن على ما فعله الفقهاء في محله.

ولا يخفى أن الله سبحانه وتعالى ربط بين بعض الأشياء وبعضها الآخر بالعلية فمن هذه الأشياء ما هو ظاهر للإنسان سببيته و مسببيته ، كإحراق النار وتبريد الثلج وما أشبه ذلك. فإن النار إذا جاورت الشيء فهي سبب ظاهر ومسببها ظاهر أيضاً، وبعضها بينها علاقة السببية إلا إنها غير ظاهرة والروايات الواردة في باب المعاشرة وغيرها الفتوى التي ذهب فيها الفقهاء إلى الكراهة تكشف عن وجود بعض الارتباطات وبعض السببية لهذه الأيام في نحوسة الزواج أو علاقات الأسرة فيما بعد وكأن ليوم الأربعاء، خصوصاً أربعاء آخر الشهر مدخلية في النحوسة حتى وان يعرفها الإنسان، ولذلك فلا استغراب في أن يكون وقوع العقد في زمان سبباً للشؤم في وقوع العقد أو أن يكون بين الزوجين ولو في زمان أو حال سبباً لنقص في الولد أو مشكلة أخرى فبناءً على هذا فإن عدم فهم الربط والسببية بين الشيئين لا يغير من الواقع شيئاً لأن الواقعيات تتحقق في الخارج بأسبابها وبعللها، وعلم الإنسان وجهله لا مدخلية له بها.

إن قلت: إذا كان لهذه الأشياء مدخلية في الشؤم أو بالمفاسد فلماذا لم يحرمها الشارع؟

نقول لأن هذه الأشياء لها مدخلية في المفاسد ليس من باب العلية التامة والسببية الكاملة وإنما من باب وجود المقتضي أو جزء العلة فالروايات التي تقول أن الجماع في حال كذا يورث جنوناً في الولد مثلاً أو الجماع ليلة النصف من شهر أو مع النظر إلى فرج الزوجة يورث العمى في الولد، كل ذلك هذه من باب المقتضي الذي لا يؤثر أثره دائماً إلا بعد انعدام الموانع، أو من باب جزء العلة الذي لو انضمت إليه الأجزاء الأخرى أثرت أثرها.

وبناءً على هذه لا تكون المذكورات في الروايات المقدمة عللا تامة ولا ينفك عنها المعلول وإنما من باب المقتضيات لا العلل كما يقولون وبناءً على هذا يدور أمر الشارع من أن يمنع الزواج في هذه الحالات أو الأوقات لوجود المقتضى وهذا يستلزم منع الكثير وقوفاً أمام المفسد والإضرار المترتبة عليه أو يبيحها وفي المقابل تتحقق بعض الأضرار إذا وجد المقتضى وإنعدم المانع أحياناً والتأمت أجزاء العلة كاملة في بعض الأوقات وهي نادرة في الغالب. ومن الواضح أنه إذا دار الأمر بين المصلحة الكبيرة والمفسدة القليلة، فإن المصلحة الكبيرة هي التي ينبغي الأخذ بها لذلك نرى إن سيرة العقلاء قائمة على ذلك فمثلاً لا يمنع العقلاء من السفر بالسيارة مع إن السفر بالسيارة قد يسبب الضرر أو الاصطدام أو الموت وكذلك لا يمنعون من ركوب الطائرة قد يسبب السقوط أحياناً ولا يمنعون من استخدام الأجهزة الكهربائية مع إنها قد تسبب الأذى أو ما أشبه ذلك فبناء على هذا فإن ما نحن فيه منطبق في المصلحة مع هذا  القانون العقلائي لأن مصلحة التسهيل على الناس بإباحة التزويج مطلقا مع وجود المصالح الكبيرة أهم من منعهم لأجل وقوع بعض الحوادث أو بعض الضرار النادرة..

والكلام في هذا الموضوع مفصل لا مجال لشرحه هنا.

ومن المكروهات: إيقاع العقد في محاق الشهر وهو الليلتين أو الثلاث من آخر الشهر وذلك لقوله (عليه السلام): (يكره التزويج في محاق الشهر وهو ليال في آخر الشهر لا يكاد يرى فيها القمر لخفائه) كما ورد عنهم (عليهم السلام): (من تزوج في محاق الشهر فليسلم لسقط الولد)

وقلنا أن هذه من باب المقتضيات وليست العلل).

هذه بعض الأحكام والآداب المتعلقة بأصل العقد.

ثم إن هنالك بعض الأحكام المتعلقة باختيار الزوجة أيضاً من المناسب الإشارة إليها..

من هذه المستحبات اختيار الفتاة الصالحة والمراد من الفتاة الصالحة أن تكون بكراً ولوداً ودوداً عفيفة كريمة الأصل.

وقد وردت في ذلك الروايات الشريفة والمقصود من كريمة الأصل أن تكون أن لا تكون من زنا أو من حيض أو شبهة أو ممن تنال الألسن آباءها أو أمهاتها أو مسهم رق أو كفر أو فسق معروف.

وان تكون أيضاً سمراء عيناء عجزاء مربوعة طيبة الريح ورقة الكعب جميلة ذات شعر.

صالحة تعين زوجها على الدنيا والآخرة عزيزة في أهلها ذليلة مع بعلها متبرجة مع زوجها حصاناً مع غيره، فعن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): (خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها المتبرجة مع زوجها الحصان على غيره) – أي المحتصنة من غيره – (التي تسمع قوله وتطيع أمره وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها ولم تبذل كتبذل الرجل) بمعنى أن يكون تبذلها مع زوجها مع الغنج والدلالة، بل وردت في عكس ذلك أيضاً  الأخبار حيث قال: (إلا أخبركم بشراء نسائكم، الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم، الحقود، التي تتبرع بالقبيح، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها الحصان معه إذا حضر لا تسمع قوله ولا تطيع أمره وإذا خلى بها بعلها تمنعت منه كما تمنع الصعبة من ركوبها لا تقبل منه عذراً ولا تغفر له ذنباً).

لذلك يكره اختيار المرأة العقيم في صورة العلم به وكذلك اختيار المرأة التي تتصف بهذه الصفات المذكورة والذي يراجع الروايات يجد ما ورد في هذا المعنى وفي الحكم والعلل في هذا المجال كثيرة.

وأما بالنسبة إلى الرجال فيكره تزويج سيء الخلق لخبر بشار الواسطي قال كتبت إلى الرضا (عليه السلام): (إن لي قرابة قد خطب إلي وفي خلقه سوء قال (عليه السلام) لا تزوجه إن كان سيء الخلق) وأيضاً يكره تزويج المخنث كما ورد في خبر علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: (سألته إني زوجت ابنتي غلام فيه لين وأبوه لا بأس به قال إذا لم يكن فاحشة فزوجه).

ومن المكروهات في التزويج أيضاً تزويج الفاسق وشارب الخمر لما ورد في الأخبار في ذلك وحكمة الكراهة ما تزويجها معلومة.

هذا وقد ورد في بعض الأخبار كراهة التزويج من بعض الأقوام إلا إن مقتضى العمومات من الكتاب والسنة صحة التزويج مع من تحقق فيه الكفوية الدينية خصوصاً مع قوله (صلى الله عليه وآله): (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوه تكن في الأرض فتنة وفساد كبير) فبناءً على هذا فإن ما ورد عن الأئمة الهداة (عليه السلام) من كراهة التزويج مع أقوام خاصة وبيان بعض الحكم فيه لعلّ ذلك كان في بدأ الإسلام وقبل شيوع معارفه ومكارم أخلاقه في الناس فكانت تلك الأقوام بعيدة عن الإسلام وتعاليمه القويمة فكانوا يتسمون ببعض الصفات والمزايا الرذيلة كما لا يخفى على من راجع التاريخ.

وأما بعد التخلي عن تلك الرذائل النفسانية ببركة الإسلام وانتشار الإسلام والتحلي بأضداد تلك الرذائل ونقائضها فلم يبق موضوع بعد إحراز الدين والخلق للكراهة ومنه يعرف إن الأمام (عليه السلام) لم يكن في مقام تنقيص قوم وتحقير طائفة وإنما هو في مقام بيان بعض ملاك الأخلاق التي كانوا عليها قبل تمكن الإسلام في قلوبهم واستيلاء معاني أخلاق الإسلام عليهم كما هو ظاهر مما تقدم من الروايات المتقدمة ومع تحقق تلك الصفات الدميمة لا اختصاص لما مر من الأقوام بل يعم سائر الأقوام حتى الأقوام العربية فبناءً على هذا يظهر التوجيه مطابقاً لما ورد في الآيات والروايات بأن ما ورد من كراهة تزويج البنت من الأكراد والخزر والأعرابي ناشئ من هذه الجهة (1)وهي عدم انتشار الإسلام بينهم في ذلك الزمان لكنهم إذا دخلوا في الإسلام فتشملهم اطلاقات عمومات الأدلة وان المسلم كفؤ المسلمة كما إن تلك الصفات الذميمة التي كانت قبل الإسلام وأوائله لا خصوصية لها بهم فإذا وجدت في أقوام أخرى أيضاً يشملها الكراهة كما أستظهر ذلك أيضاً سماحة السيد الأستاذ (دام ظله) في الفقه فراجع (1).

مستحبات الدخول على الزوجة:

بقي أن نشير بعض الشيء إلى بعض مستحبات الدخول على الزوجة فمضافاً إلى الوليمة وإن تكون ليلاً أن يكون الزوجان على وضوء ومن المستحبات أن يصلي ركعتين والدعاء بعد الصلاة بعد الحمد والصلاة على محمد وآله بالألفة وحسن الاجتماع بينهما والأولى الدعاء بالمأئور وهو أن يقول: (اللهم ارزقني إلفها وودها ورضاها بي وأرضني بها واجمع بيننا بأحسن اجتماع وأنفى في خلاف فأنت تحب الحلال وتكره الحرام).

وأما استحباب الدخول ليلاً فللسيرة المستمرة بين المتشرعة ولبناء الشرع على الستر في هذا الأمر مطلقاً إلا ما خرج بالدليل ففي الحديث كان علي بن الحسين (عليهما السلام): (إذا أراد أن يغشي أهله أغلق الباب وأرخي الستور وأخرج الخدم) وعن النبي (صلى الله عليه وآله) ( تعلموا من الغراب خصالاً ثلاثة استتاره بالسفاد وبكوره في طلب الرزق وحذره).

واستحباب الوضوء والصلاة لا يختص بالرجل بل يشمل المرأة أيضاً.

ومن المستحبات أيضاً أن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة ويقول: (اللهم بأمانتك أخذتها وبكلماتك استحللتها فإن قضيت لي منها ولداً فاجعله مباركاً تقياً من شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) ولا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً) ويقول أيضاً: (اللهم على كتابك تزوجتها وبأمانتك أخذتها وبكلماتك استحللتها فإن قضيت لي في رحمها شيءً فجعله مسلماً سوياً ولا تجعله شرك شيطان).

كما يستحب عند الجماع الوضوء والاستعاذة والتسمية وطلب الولد الصالح السوي والدعاء بالمأثور وهو أن يقول: (بسم الله وبالله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني).

كما يستحب ملاعبة الزوجة قبل المواقعة بإجماع الفقهاء بل جميع أهل الذوق من العقلاء والعرفاء والنصوص كثيرة منها قول أبي عبد الله (عليه السلام): (ليس شيء تحضره الملائكة إلا الرهان وملاعبة الرجل أهله). وعن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): (كل له المؤمن باطل إلا في ثلاث تأديبه الفرس ورميه عن القوس وملاعبة امرأته فإن لهنّ حق).

وعنه (صلى الله عليه وآله): (من الجفاء مواقعة الرجل أهله قبل الملاعبة) فيستحب فعلها ويكره تركها.

أما الآثار النفسية والاجتماعية والبدنية والمدخلية في اللذة التي تترتب على المداعبة فأمر واضح قد بينه أهل الاختصاص في موضوعه.

كما أنه يجوز لمن يريد تزوج امرأة أن ينظر إلى وجهها وكفيها كما أنه يجوز له النظر إلى محاسنها بالجملة بل ونصوصاً منها صحيح أبي مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): (في رجل يريد أن يتزوج المرأة أينظر إليها ؟ قال (عليه السلام): نعم إنما يشتريها بأغلى الثمن).

وكأن هذا من مستثنيات حرمة النظر إلى غير الوجه والكفين كما في صحيح أبن سنان: (الرجل يريد أن يتزوج المرأة أينظر إلى شعرها ؟ فقال (عليه السلام) نعم إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن). وعن علي (عليه السلام): (في رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها ؟ قال (عليه السلام) لا بأس).

وفي الموثق عن الصادق (عليه السلام): (الرجل يريد أن يتزوج المرأة يجوز أن ينظر إليها ؟ قال: نعم وترقرق له الثياب من سائر البدن لأنه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن).

ولا يبعد أن يراد بالثمن هنا هو نفس الرجل لأن الرجل يشتري المرأة وتكون نفسه ثمناً لها لأن العوضين في النكاح هما الرجل والمرأة، والمهر إنما هو حلاوة وأن كان قد كان يطلق على المهر بأنه ثمن البضع أيضاً إلا أن الظاهر أن لسان الرواية إنما يشتريها بأغلى الثمن يعني بالنفس والنفس أغلى شيء عند الإنسان. ولذا ورد في جملة من الأخبار: (أن المرأة قلادة للرجل) ومن العلوم أن القلادة كما أنها قد توجب مهانة الإنسان قد توجب كرامة الإنسان أيضاً لذا فإن النظر لأجل الاستحباب الأحسن يكون فيه عزة الإنسان وفيه كرامته.

نعم: يشترط أن لا يكون النظر لقصد التلذذ وإن علم بأن هذا التلذذ يحصل بنظرها قهراً مثلاً للإجماع وانصراف الأدلة المجوزة عن الصورتين قطعاً مع كثرة اهتمام الشارع بنفي التلذذ المحرم، وفي هذه الصورة يجوز تكرار النظر إذا لم يحصل الغرض من النظرة الأولى مثلاً وهو الإطلاع على حالها في النظر الأول للإطلاق والتعليل والأصل والإجماع.

ويشترط أيضاً أن لا يكون مسبوقاً بحالها وأن يحتمل إحتمالاً عقلائياً اختيار هذه الزوجة وإلا إذا لم يحتمل هذه الاحتمالات فمقتضى القاعدة عدم جواز النظر إليها للعمومات المانعة عن ذلك.

نعم: لا فرق بين أن يكون قاصداً لتزويجها بالخصوص أو كان قاصداً لمطلق التزويج وكان بصدد تعيين الزوجة بهذا الاختبار فينظر إلى وجه المرأة فإذا وجدها مصداقاً للمواصفات التي يريدها فحينئذ يجوز له النظر إليها.

ـــــــــــــــ

الهامش

 1- الفقه ج 62 الصفحة 73 - 74