المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 055.doc

السابع من المحرمات السلوكية العامة: إشاعة الفاحشة والرذيلة والفساد في المجتمع

وهي من أشد المحرمات التي لها آثار وضعية خطيرة تتفسخ به العائلة والمجتمع وتؤدي بالتراجع في مختلف مجالات الحياة لأنها تؤدي إلى انصراف الطاقات الشابة عن المصالح العليا وانشغالها بالفساد كما تصرف خيرات المجتمع وموارده في طرق الرذيلة التي تؤخر المجتمع في مختلف الشؤون وهي أنحاء بعضها فردية وبعضها جماعية منظمة والثانية أشد حرمة من الأولى وهنا عنوانان: العنوان الأول إشاعة الفاحشة والعنوان الثاني الفساد ويدل على حرمتهما معاً الكتاب والسنة والإجماع والعقل أما الكتاب فيدل على حرمة إشاعة الفاحشة بآيات منها قوله سبحانه وتعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) والفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال وهي تشمل مصاديقها الفردية كالزنا والسب والشتم وتشمل الأعمال الجماعية والمؤسسية كنشر الصور الخليعة والإباحية والأفلام المنحلة والجماعات التي تمارس الإباحة ونحوها سواءً كانت هذه الفواحش في العمل أو في التجارة أو في الفكر والآية الشريفة تدل على أنها من الكبائر وذلك لقرينتين: الأولى: أنها موعود عليها النار كما قال سبحانه وتعالى: ((لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ)). والقرينة الثانية: الآيات التي تليها فإنها تدل على أنها من خطوات الشيطان ولا إشكال في أن من يتبع خطوات الشيطان مصيره إلى النار ولا يخفى عليك بأن الآية وعدت عليها العذاب الأليم في الدنيا والآخرة وربما هما يشيران إلى الانحلالات والمفاسد الكبيرة والأضرار الخطيرة التي تترتب عليها في الدنيا مضافاً إلى العقوبات الآخروية، وإشاعة الفاحشة هو نشرها وترويجها بين الناس فإن الشياع هو الانتشار والتقوية كما في مفردات الراغب وكيف كان فإن الآية صريحة في أن الله عز وجل يبغض هؤلاء الذين ينشرون الفاحشة أيضاً قوله سبحانه وتعالى: ((يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)) فهي بظاهرها دالة على أن السوء والفحشاء من نوازع الشيطان التي يأمر بها الناس ويدعوهم إلى العصيان .

وفي المجمع الفواحش جمع فاحشة وهو القبيح العظيم القبح والسوء كل فعل قبيح يزجر عنه العقل والشرع والفحشاء والفاحشة والقبيحة والسيئة نظائر والفحشاء هي المعاصي جارحية كانت أو جانحية والشيطان يأمر بالمعاصي وترك الطاعات وهو المروي أيضاً كما في مجمع البيان عن الصادق (عليه السلام) وكيف كان فإن الآيات الشريفة تدل على حرمة فعل كل قبيح من قول أو عمل والترويج لذلك القبيح لأنه من إشاعة الفاحشة المحرمة ويدل على حرمة ذلك أيضاً قوله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام: ((قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)) وقد ساقت الآية الشريفة الفواحش مساق المحرمات الكبيرة كقتل النفس وقتل الأولاد والإشراك بالله عز وجل ونحو ذلك من المحرمات كما أن قوله عز وجل: ((أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)) ليس له ظهور في الحرمة بل هو نص فيها فيدل على شدة الحرمة وغلظتها ولا يخفى أن قوله عز وجل: ((وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ)) يشمل الفواحش الفكرية كالضلالات والبدع والأفكار المنحرفة كما يشمل الفواحش الجسدية كالزنا واللواط ونحو ذلك ويشمل الفواحش التجارية كترويج أفلام الجنس والدعايات المشوهة للدين وللفضيلة في المجتمع ونحو ذلك، مما تعمله الصحف والمجلات وبعض الإذاعات ونحو ذلك من وسائل الدعاية والأفساد .

كما أن قوله عز وجل: ((وَلا تَقْرَبُوا)) شامل الاجتناب سواء بالمباشرة أو بالتسبيب مما قد يستفاد منها أن الآية كما تجعل تكليفاً في ذمة المؤمنين في لزوم القضاء عليها واجتثاث أصولها من المجتمع، وذلك واضح لأنه من مصاديق النهي عن المنكر أيضاً ولذلك حمل صاحب مصابيح البيان (رضوان الله عليه) قوله عز وجل: ((ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ)) أن ما ظهر أفعال الجوارح وما بطن أفعال القلوب فالمراد ترك المعاصي كلها على أي نحو من العمل وبذلك يظهر أن تفسير الفاحشة بالزنا أو قتل النفس والظلم هذا من باب المصداق وليس من باب الحصر .

كما أن قوله عز وجل: ((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)) فإن النهي وإن تعلق بالفحشاء والمنكر والبغي إلا أنه من مصاديق الفحشاء لأن الجميع منكر وفاحش لكنها من قبيل الفقير والمسكين الذين إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا وعليه فإن الفحشاء هنا قد يكون ما يفعله الإنسان في نفسه من القبيح ما لا يظهره والمنكر ما يظهره للناس مما يجب عليهم إنكاره، والبغي ما يتطاول به من الظلم لغيره وكيف كان فإن الآية أيضاً تدل على لزوم اجتثاث الفساد والفحشاء من المجتمع لما أمر الله عز وجل بذلك وأما نشر الفساد فيدل عليه قوله عز وجل: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ، وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ)) والفساد عرفاً كل قبيح ومنكر وعصيان والآية في مقام الذم كما أن ذيلها المصرح بأن الله عز وجل لا يحب الفساد يقوي الظهور في الحرمة كما أن هلاك الحرث والنسل في باب المصداق وليس من باب الحصر إذ أن المقصود كل منكر وعصيان يفعله الإنسان من قطيعة الرحم أو سفك الدماء، وما أشبه ذلك فإن ذلك من الفساد عرفاً ويدل على ذلك أيضاً قوله عز وجل: ((أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ، وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ، وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)) والعثي شدة الفساد في الأرض وقوله عز وجل: ((وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)) أي لا تشيعوا في الفساد ولا تبغوا بين الناس فتفعلون فيهم بالمعاصي والمنكرات والنهي في الآية يدل على الحرمة كما لا يخفى، ويدل على ذلك قوله عز وجل: ((وَقالَ مُوسى لأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)) وهي دالة على وجود سبيلين سبيل الطاعة وهو سبيل المؤمنين وسبيل العصيان وهو سبيل المفسدين لأن المجتمع فيه صنفان أيضاً فيه المطيعون والعاصون وسبيل الطاعة وسبيل العصيان معروفان لدى العرف بصفاتهما وآثارهما ولذا قال في المجمع وأصلح أي احملهم على الطاعة ولا تتبع سبيل المفسدين أي لا تسلك طريقة العاصين والنهي ظاهر في الحرمة في الآية وهذا مبني على حجية الشرائع السابقة بلا حاجة إلى الاستصحاب كما ذكرناه فيما تقدم إذ لو كانت الشرائع السابقة غير حجة علينا لكان على المعصوم بيان ذلك إلا أنه (عليه السلام) لم يبينه مما يكشف عن بقاء تلك الحجية فيما عليه وإنما استصحاب الشرائع السابقة يكون مؤيداً .

ولا يخفى عليك بأن طرق الإطاعة والمعصية عقلائية فسبيل المؤمنين معروف لدى العقلاء وسبيل المفسدين معروف أيضاً عند العقلاء فتحصل من ذلك بأن كل ما هو فيه إشاعة للفاحشة بين الناس أو فيه فساد وإفساد لهم فهو محرم بل ومن أشد المحرمات كما هو صريح الآيات مضافاً إلى الروايات بما يغني عن البيان أما الإجماع فدلالته واضحة على ما نحن فيه وأما العقل فلاستقلاله بقبح هذه الأفعال والصنائع وأضرارها الخطيرة على الأفراد والعوائل وعموم المجتمع وهنا مسائل:

المسألة الأولى:

كل ما صدق عليه عرفاً أنه من الفاحشة كالزنا واللواط والسب والشتم ونحو ذلك بأسلوبها الفردي أو بأسلوبها المنظم كنشر الصور الجنسية الخليعة وما أشبه ذلك فهي من المحرمات وكل مورد شك أنه منه لم يستبعد لزوم الاجتناب أيضاً احتياطاً لأنه من قبيل لا ضرر حيث قال الفقهاء فيه بأن احتمال الضرر كالضرر بل خوف الضرر قالوا أنه من مصاديق الضرر والا لزم الالقاء في الضرر كثيراً وعليه فكل فعل شك في أنه من الفواحش ومن المفاسد أولاً مقتضى القاعدة عدم العمل بالبراءة فيه بل مقتضى القاعدة لزوم الاجتناب دفعاً للوقوع في المفاسد وفي الفواحش الكبيرة.

المسألة الثانية:

نشر الصور الجنسية الخليعة كما يعتاد في بعض البلدان الغربية فإنه من أظهر مصاديق الإفساد والنظر إلى مثل تلك الصور من المحرمات أيضاً حتى للزوجين فيما إذا لم يكن النظر محرماً لأنه مثار الفساد وداخل في إطلاق بعض ما تقدم من الأدلة.

المسألة الثالثة:

مثل الصور التماثيل والمجسمات التي تصنع خليعة فهي من المحرمات صناعة ونظراً وأما التمثال المطاطي وغيره المصنوع لقضاء الشهوة فلا إشكال في حرمة المواقعة معه سواء من الرجال أو النساء وكذلك الأعضاء التناسلية المصنوعة وحال الحيوان كذلك في الحكم وحال تماثيل الجن والملائكة حال تمثال الإنسان في حرمة الوقاع معها وكذلك حال النظر إليها المثير لشهوة محرمة وإذا لم يأت منها إلا الفساد فيحرم صنعها وإجارتها ونحو ذلك من المعاملات أيضاً.

المسألة الرابعة:

الأفلام السينمائية التي تبث الخلاعة أيضاً من المحرمات وإذا استؤجر محل لدار السينما وعرض أفلامها فإن كان كل أفلامها كذلك بطلت الأجرة وحرمت الإجارة وإن كانت الدور تعرض الأفلام الصحيحة والأفلام الفضيحة فإن كان بنحو القيد بمعنى أن يؤجر المحل بقيد أن تعرض الأفلام الفضيحة بطل العقد أيضاً والا صح بالنسبة إلى الفيلم المحلل وبطل بالنسبة إلى المحرم وهو كاشتراء الماء والخمر وليس له خيار تبعض الصفقة في صورة العلم بذلك وأما مع الجهل بالحرمة أو الجهل بالموضوع بأنه يعرض أي قسم من الأفلام فلا يبعد ذلك لشمول دليل الخيار لمثله.

المسألة الخامسة:

لا إشكال في حرمة الصور والتصوير للأفلام الخلاعية أو الصور الخلاعية التي هي مثار شهوة سواء كانت بنحو التصوير الفوتوغرافي أو الرسم أو ما أشبه ذلك إذا أريد لها النشر والانتشار في المجتمع لأنها من مصاديق إشاعة الفاحشة كما يحرم حتى الصورة إذا قارنت حراماً كتجسيد المرأة أو الرجل العاريين إذا لم يرضيا لأنه من حقهما .

بل حتى لو رضيا إذا كان هتكاً أو إثارة شهوة أو نحو ذلك وهل يحق للرجل تصوير زوجته العارية أو يحق للمرأة تصوير زوجها العاري

 احتمالان في المسألة من أن كل منهما مباح للآخر وقال عز وجل: ((هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ)) ومن أنه منصرف عن الأدلة إلا أن مقتضى الاحتياط هو ما ذكرنا كما لا يخفى.

المسألة السادسة:

لا يجوز للفتيان اتخاذ الخليلات وإن كن كافرات ولا يجوز للفتيات اتخاذ الأخلاء بعنوان زمالة أو صداقة يختلون ببعضهم للمجاملات والفكاهة واللعب وما أشبه ذلك كما لا تجوز المغازلة والمعاشقة بواسطة الرسائل بين نفرين يحرم أحدهما على الآخر فإنه من التشبيب والتلذذ والريبة ومن مصاديق إشاعة الفاحشة أيضاً وكلها من المحرمات.

المسألة السابعة:

لا يجوز للمرأة الدلال والخضوع في القول مع الإجنبي حتى وإن كان بالهاتف أو اللاسلكي أو الراديو أو التلفزيون أو ما أشبه ذلك كما تصنعه بعض المذيعات أو العارضات أو البائعات في المحلات التجارية أو الموظفات في الدوائر فإن إطلاق قوله عز وجل: ((فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ)) يشمل كل هذه الوسائل وإن لم يتمكن الذي في قلبه مرض من الوصول إليها بسبب أنها تعمل في الإذاعة أو التلفزيون أو كان صوتها في شريط فيديو أو شريط مسجل أو نحو ذلك لإطلاق أدلة المنع فلا يقال أنه منصرف إلى إمكان الوصول إليها.

المسألة الثامنة: الظاهر أنه لا يجوز صنع المناديل وما أشبه ذلك الموجبة للفتنة كالمناديل التي كتبت عليها أبيات شعرية مثير للجنس أو مثيرة للعواطف بين الجنسين وصنع بعض الأوراق القرطاسية وما أشبه ذلك مما اعتاد الإنسان إهداؤها بعضهم إلى لأن ذلك مقدمة للإثارة والحرام ومن مصاديق إشاعة الفاحشة أيضاً.

المسألة التاسعة:

لا تجوز وكالة إثارة الجنس التي تفتح السينماءات والنوادي والأندية وتصنع الملابس والمساحيق وتخرج الأفلام وغيرها لأجل إشاعة الفساد والاختلاط والشذوذ الجنسي فإن هذه كلها ما بين حرام ذاتي وحرام غيري لأنه مقدمة الحرام والأدلة في ذلك واضحة وانطباق عموم أدلة إشاعة الفاحشة وعليه ظاهر الإفساد.

المسألة العاشرة:

انتخاب ملكة الجمال التي تتخذ بالأساليب المحرمة عبر اختلاط النساء بالرجال وما أشبه ذلك من مصاديق الفساد والفاحشة فهو لا يجوز كما لا يجوز كل ما يتعلق بذلك من الأمور المحرمة نعم إذا تمت حفلة انتخاب ملكات الجمال بين النساء بدون استلزام محرم أخر من المخالطة أو الاستماع إلى الموسيقى والغناء ونحو ذلك فالظاهر أن ذلك ليس محرم كل ذلك لما ذكرناه من الأدلة ويتفرع على ذلك الحفلات الراقصة والسهرات الحمراء والأفلام الخليعة والأندية المختلطة وما أشبه ذلك مما يختلط فيها الجنسان ويكون محلاً للفساد والموبقات فإن هذه من أشد المحرمات لاشتمالها على عناوين محرمة متعددة كما أن دفع الأموال لتهيئة البرامج أو للمشاركة والحضور أو للمشاهدة أو ما أشبه ذلك هذه كلها مشمولة لعناوين الفساد وإشاعة الفاحشة.

المسألة الحادية عشرة:

الرومانسية جائزة فإن أدلة الكذب منصرفة عن مثلها إذا أوجبت المفسدة لم تجز حينئذٍ كما لو كانت قصصاً غرامية تثير الشهوة أو تثير الحب وما أشبه وأما إذا لم تحتو على هذه العناوين المحرمة فالظاهر أنها جائزة ويدل عليها السيرة أيضاً ولذا نرى علماءنا وشعراءنا وما أشبه قد صنعوا ذلك لأغراض الهداية والإصلاح بين الناس نعم القصص الموجبة للمفسدة لا تجوز وإن كانت حقيقية كما لو نقل قصة غرامية حقيقية لكنها كانت فتنة ومثاراً للحرام وكذلك الشعر المثير فإن المستلزم للحرام والمفسدة والريبة وما أشبه ذلك حرام وفي هذه القصص كل ذلك من العناوين المحرمة فكما هي من مصاديق إشاعة الفاحشة والفساد هي من مصاديق المعاونة على الإثم والعدوان أيضاً.

المسألة الثانية عشرة:

التصاوير الجنسية الموجبة للفتنة وإثارة الحرام لا تجوز وإن لم تكن تصاوير واقعية بل كانت خيالية أما الواقعية منها فلها جهة حرمة ثانية مضافة إلى الفاحشة والفساد تلك هي حرمة النظر إلى النساء وعورات الرجال ولا يختلف الحال في ذلك بين التصوير الفوتوغرافي والتلفزيون أو الفيديو وغيره.

المسألة الثالثة عشرة:

لا تجوز المعاشقة مع الأموات أيضاً مضافاً إلى الأحياء حتى لو كان الميت زوجاً أو زوجة كما يصنع بعض الشباب بالغرب مع الميت فإنه غير جائز شرعاً وذلك لأنه خلاف قوله تعالى: ((وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ)) وأما قوله سبحانه: ((إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ)) فلا يشمل الميت لانصرافه إلى الحي .

مضافاً إلى أنه نوع هتك للميت ومنه يظهر أيضاً عدم الجواز في المعاشقة مع التماثيل سواءً كانت مطاطية أو غيرها كما لا تجوز المعاشقة مع الحيوانات لأن مطلق إثارة الشهوة من غير الزوج والزوجة الحيين غير جائز بل أدعى في الجواهر عليه الإجماع ويفهم من النصوص ذلك أيضاً ولا فرق في العاشق والمعشوق بين أن يكون ذكراً أو أنثى حتى ولو كان تمثال زوجته أو زوجها.

المسألة الرابعة عشرة:

لا يجوز فتح المواخير ونوادي العراة ومحلات الشذوذ الجنسي وغيرها من الأندية والاجتماعات المحرمة وذلك بديهي بالنسبة للمسلمين ولكن الكلام هل يجوز أن يفعل ذلك للكفار مثلاً أو لأهل الكتاب لمن دينهم الجواز استناداً إلى قاعدة الإلزام أم لا يجوز احتمالان في المسألة:

الأول: الجواز تمسكاً بقانون الإلزام.

والثاني: عدم الجواز لأن إطلاق دليل الإلزام منصرف عن مثل ذلك والاحتياط مثلها طريق النجاة كما لا يخفى وبه يظهر أن الأجرة التي تأخذها المومسة والمفعول به وصاحب نادي العراة حرام ويجب أن يرجعها إلى أهلها فإن لم يعرف أهلها احتسبت ردّ المظالم وصرفت للفقراء بإذن الحاكم الشرعي وذلك لأن حالها حال كل مال حرام لا يعرف صاحبه كما قال (صلى الله عليه وآله) (إذا حرم الله شيئاً حرم ثمنه)).

المسألة الخامسة عشرة:

لا يجوز استخدام الفتيات لأجل جذب المشتري وترويج البضاعة فإن فاعل ذلك آثم بالنسبة للمالك وبالنسبة للفتاة العاملة فيه .

نعم الثمن بالنسبة إليها غير محرم أما الحرمة فلأنه من مصاديق المنكر ومن مصاديق الفساد وأما حلية الثمن بالنسبة للبائع الذي يبيع بواسطة الفتاة فلعدم المنافاة بين الحرمة التكليفية والحرمة الوضعية فيها وكذلك بالنسبة إلى المثمن وسائر المعاملات المحللة كما لا يجوز استخدام الولد الأمرد الجميل لأجل جلب المشتري وحال الثمن فيه كحال ثمن الفتاة كما بينا.

المسألة السادسة عشرة:

لا يجوز ترك الرجل الأجنبي مع المرأة الواحدة أو مع النساء في الدار والمحل مما يكون معرضاً للفساد والانزلاق كما يعتاد بعض الناس لخدمة الدار شاباً ويتركونه مع زوجتهم الشابة أو ابنتهم الشابة في الدار من دون مبالاة وتحفظ فإن مثل هذا الاستخدام ولو لم يكن حراماً في بعض الصور إلا أنه حيث صار معرضاً ومقدمة للحرام غالباً لزم الاجتناب عنه .

أما صورة اجتماع الأجنبي والأجنبية فحرمته واضحة لما عرفته من دلائل ومنه يعرف عدم الجواز في استخدام النساء وما أشبه ذلك للرجال الأجانب فالاستخدام يكون من مقدمات الحرام وهو محرم بل وينطبق عليه عنوان التعاون على الإثم والفساد كما لا يجوز اتخاذ الرجل سكرتيرة مكشفة بالوظيفة أو العمل ولا يجوز للمرأة اتخاذ سكرتير تتكشف أمامه كما هو المعتاد عند الكفار والأناس الذين لا يبالون بالحلال والحرام وعليه فإن السكرتيرة إذا أرادت أن تعمل عملها الوظيفي وكان مديرها أو مسؤولها رجل فعليها التحجب وعليها أن تتحفظ في أقوالها وفي أفعالها وتقتصر فيه على مقدار الضرورة الوظيفية أما عنوان الخضوع بالقول أو الدلال أو الضحك وما أشبه ذلك الذي هو مثار للفتنة والفساد فهو حرام وكذا الكلام بالنسبة إلى الرجل.

المسألة السابعة عشرة:

لا يجوز تقسيم جسم المرأة باللمس لأجل خياطة ثوب لها أو صنع الذهب ليدها أو رجلها فإن لمس الأجنبي حرام بالإضافة إلى انه معرض للفتنة والانزلاق فلا يجوز للصائغ أو للخياط أن يلمس جسد المرأة كما لا يجوز للخياطة أو للصائغة أو ما أشبه ذلك أن تلمس جسد الرجل الأجنبي إلا إذا كان اللامس محرماً عليها أو عليه ولم يخف الفتنة

 ومنه يظهر أيضاً انه ينبغي عدم اتخاذ مخادع أو أماكن خاصة في الدكاكين أو المحلات حيث تذهب المرأة إليها لأجل اشتراء لباس أو ذهب أو كماليات أو ما أشبه ذلك فإن هذه المخادع غالباً تكون مثار فتنة وانزلاق أما اجتماع الأجنبي والأجنبية فيها وارتكابهما لأمر غير مشروع فذلك من المحرمات ولا يخفى عليك اننا قلنا انه ينبغي عدم اتخاذ هذه المخادع في المحلات لأنها غالباً ما تكون من مقدمات الحرام كما لا يخفى على من تتبع السيرة العرفية في ذلك.

المسألة الثامنة عشرة:

يحرم تصوير الرجل للمرأة أو المرأة للرجل مما يلازم النظر وما أشبه ذلك فكيف بذهابها إلى المخدع وانفراد الأجنبي مع الأجنبية أما حرمة التصوير فلأنه مستلزم للنظر المحرم وأما الانفراد بالأجنبية فهو محرم مستقل بذاته كما دلت عليه النصوص وانطبقت عليه العناوين المتقدمة.

المسألة التاسعة عشرة:

لا يجوز مراسلة الفتيات والتعرف إليهن وإلى أعمارهن وما أشبه ذلك بعنوان هواية وما أشبه فإن ذلك من أكبر مثارات الفتنة والانزلاق سواء كانت الفتيات في بلد واحد أو مدينة واحدة أو كانت في بلدان مختلفة لانطباق عناوين إثارة الفتنة والشهوة ومصاديق إشاعة الفاحشة والفساد كما لا يخفى وكذا الكلام بالنسبة لتعرف الفتاة على الشاب للدليل المذكور.

المسألة العشرون:

لا يجوز جعل برامج في الإذاعة أو فتح باب في الصحف والمجلات لنشر الأمور الجنسية المحرمة كما هو العادة بالنسبة إلى بعض الإذاعات والصحف والقنوات التلفزيونية والفضائية وكذلك تدريس الجنس الموجب فساداً أو ضرراً وكذلك حال التمثيليات والسينماءات والملاهي وما أشبه ذلك مما تشتمل على المحرمات والمضار وكذا الكلام بالنسبة إلى برامج المعلوماتية وشبكاتها كما قال تعالى: ((وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوانِ)).

ولا يجوز كذلك جعل برامج في الإذاعة أو فتح محور في الصحف للتعارف بين الفتيات والفتيان وبين الناس والراقصات أو المومسات وما أشبه ذلك، مما يثير الفتنة والفساد فإن كل مثير وفتنة محرم مضافاً إلى انه من مصاديق إشاعة الفاحشة والفساد كما لا يخفى.

المسألة الحادية والعشرون:

يجب على أهل كل بلد أو قرية الاهتمام لغلق المحلات المحرمة وتصفيتها عن الحرام كغلق حوانيت الخمور والبغي وكتصفية المدارس والأحواض المختلطة عن الاختلاط لوجوب النهي عن المنكر ودفعه والغلق والتصفية لا اشكال في أنهما من مصاديق النهي عن المنكر ودفعه.

 واختصاص ذكرنا بأهل البلد والقرية من باب أنهم القادرون غالباً، وإلا فإن الوجوب على جميع المؤمنين في صورة الامكان.

كما يجب ممارسة الضغوط الممكنة لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كأن يحتوش  الإنسان فاعل المنكر بإثارة أهله وأقرابائه وأصدقائه عليه بالحكمة لأجل نصحه وترشيده وما أشبه ذلك.

أو يرسل إليه مكاتيب من مختلف المناطق تتضمن النصيحة والإرشاد فإن هذه من أساليب التأثير وأسباب الردع والاقلاع وهذا الردع واجب عيني أو كفائي بحسب موازينهما كما قرره الفقهاء في الأصول وكذا الكلام بالنسبة إلى تبليغ الإسلام ونشر الفضيلة وترويج آدابها بين الناس.

وإذا امكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتشكيل هيئات وجماعات وجمعيات تتولى هذا الأمر وجب التشكيل المذكور أيضاً كما عرفته في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

المسألة الثانية والعشرون:

كل ما كان من شأنه الضلال والإضلال كتاباً كان أو صحيفة أو غير ذلك يحرم بيعه وشراؤه وحفظه وتعليمه ونسخه ومطالعته وقراءته إن لم يكن لغرض صحيح في البين والمراد بكتب الضلال كل ما وضع لغرض الاضلال واغواء الناس وأوجب الضلالة والغواية في الاعتقادات أو الفروع فيشمل كتب الفحش والهجر والسخرية وكتب القصص والحكايات المثيرة للشهوات وخداع الشباب والجرائد المشتملة على الضلالة .

وبعض الفقهاء أضاف كتب الحكمة والعرفان والسحر والكهانة ونحوها مما يوجب الاضلال لأن ما هو منشأ الضلال من أهم مناشيء الفساد بين العباد فيحرم جميع ما يتعلق به بالأدلة الأربعة:

فمن الكتاب اطلاق الآيات الدالة على النهي عن الفساد في الأرض الشامل للضلال والإضلال الديني قطعاً نحو قوله تعالى: ((وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)) وفي السنة أخبار متفرقة في أبواب مختلفة رواها الحر العاملي في الوسائل منها قوله (عليه السلام) في خبر تحف العقول (وما يجيء منه الفساد محضاً) بل الظاهر عدم اختصاص ذلك بشرعنا ، بل  من أهم أغراض جميع الشرائع الإلهية قلع الضلال والاضلال مطلقاً .

ومن العقل من أنه ظلم وأي ظلم أقبح منه ومن الإضلال خصوصاً في الدين وفي الفكر ومن الاجماع فهو اجماع المسلمين بل العقلاء .

نعم قد يختلف الضلال والاضلال في بعض المصاديق بين الأعراف وبين العقائد المختلفة كما أن الشريعة المنسوخة تصير ضلالاً بالنسبة إلى الشريعة الناسخة لها فالمنسوخ من التوراة والانجيل ضلال بخلاف ما قررته الشريعة الإسلامية منهما فأصل الضلال في الجملة مما اتفقت الأدلة على محوه بأي وجه امكن وقد تقدم منا بأن الفساد ما يشمل الظاهر والباطن بل دلت عليه الآيات الشريفة وكيف كان فإن حفظ هذه الكتب أو المجلات أو الجرائد ومطالعتها وما أشبه ذلك من المحرمات إذا لم يكن غرض صحيح في البين.

وإن كان فيه غرض صحيح يجوز ذلك كله حينئذٍ كما إذا كان لأجل النقض عليها بشرط أن يكون المطالع والحافظ من أهلها كأهل العلم وأهل الفضل وكذا مع الأمن من الضلال لأنه ليس من الفساد والضلال حينئذٍ بل من الخير والصلاح فيكون خارج تخصصاً مما دل على الحرمة فيها وأما مجرد الاطلاع على مطالبها فالظاهر أنه ليس من الاغراض الصحيحة المجوزة لحفظها لتحقق منشأية الاضلال بالنسبة اليه فيخشى عليه من الضلال .

وقد عرفت فيما تقدم أن هذه الموارد احتمال الفساد والضلال فيها يكفي في لزوم الاحتياط فيجب عليهم التجنب عن كل ما يخالف الإسلام بل يجب اغلاقها حينئذٍ لأنها من مادة الفساد ولابد من أن تتلف مادة الفساد كما مرّ، ومن ذلك يظهر أيضاً حكم المعاملة عليها وضعاً وتكليفاً كما يظهر حكم كتب المخالفين المدونة في الفقه والعقائد والأخبار وغيرها والكلام يجري أيضاً في الصنم والصليب وما أشبه ذلك من رموز الباطل والضلالة بيعاً وشراءً وصنعاً وإجارة وما أشبه ذلك.

الثامن من محرمات السلوك الاجتماعي: حرمة انتهاك المقدسات الدينية ووجوب تعظيمها والبحث فيه في أمرين:

الأمر الأول في حرمة إهانة محترمات الدين.

والأمر الثاني في وجوب تعظيم مظاهر الدين.

أما الأمر الأول: فيراد به حرمة إهانة ما هو المحترم شرعاً وله مكانة مقدسة في الدين كالكعبة المكرمة والمدينة المنورة والمساجد وقبور الأنبياء والأولياء والصالحين والصحف الشريف وغير ذلك.

والإهانة مصدر من باب الأفعال والفعل أهان يهين والمراد به الاستخفاف والاستحقار فقوله أهانه أي استخف به وحقره وعده ذليلاً والمقصود من الحرمات هو كل ما لا يحل انتهاكه كما ذكره في القاموس وكذلك الزمخشري في الكشاف.

وهو المستفاد من قوله عز وجل: ((ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)).

والمراد به فيما نحن فيه هو مطلق ما هو محترم في الدين وله شأن عند الله عز وجل على اختلاف المراتب في الفضيلة ودرجة الشرف كالكعبة المعظمة والمسجد الحرام وسائر المساجد والقرآن الكريم والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، والضرائح المقدسة، وقبور الشهداء والصالحين والعلماء والفقهاء العاملين أحياءً وأمواتاً وكذلك كتب الأحاديث النبوية المروية من طرف أهل البيت (عليهم السلام) ومن طرف غيرهم من الصحابة الأخيار إلى غير ذلك من ذوي الشؤون في الدين وشريعة سيد المرسلين.

ومن هذا القبيل التربة الحسينية التي شرفها الله عز وجل بدم الشهادة للحسين (عليه السلام) ريحانة النبي وأهل بيته الأطهار وكذلك كتب الأدعية والمنابر الموضوعة للوعظ في المساجد أو للخطبة في صلاة الجمعة ونحو ذلك.

 والحاصل أن مفاد حرمة انتهاك محترمات الدين المراد فيها أن كل ما هو من حرمات الله وله شأن في الدين لا يجوز هتكه ويحرم استحقاره وإهانته أيضاً، ولا يخفى عليك أن مصاديق الإهانة متعددة وأبرزها أمران هما:

الأول: الأعراض بالقلب وعدم الاعتناء به وصدور الفعل المنافي للتعظيم بذلك القصد فإن ذلك يسمى إهانة ويعد تخفيفاً عرفاً سواء كان ذلك الفعل الصادر أو الترك يعد إهانة بنفسه من دون حاجة إلى النية والقصد كالأفعال الشنيعة جداً غالبة الوقوع في الإهانة كالقاء المصحف الشريف على النجاسة والعياذ بالله أو القائه في مواضع تعد إهانة له عرفاً أو إهمال المساجد وجعلها محلاً للقاذورات ولأوساخ أو مجمعاً للحيوانات القذرة والنجسة أو مجمعاً للخمّارين والزمّارين والقمارين وما أشبههم من مرتكبي المعاصي ورذائل الأخلاقية والشرعية وهذه الأفعال تعد إهانة وإن لم يكن فاعلاً قاصداً للإهانة لتمحضه في الإهانة عرفاً .

وربما يكون مشتركاً إذ قابلاً لأن يكون إهانة وإن يكون غيرها وربما يصدق عليه أنه تعظيم أحياناً كالصراخ في المسجد أو وقت الصلاة أو مد الرجل إلى القرآن أو استدبار ضريح المعصوم (عليه السلام) فإنه يمكن أن يكون لعادة أو لغرض آخر وللاستعجال ويمكن كونه لإهانة فإن النية بالأعراض يجعله إهانة كما هو قاعدة المشترك أو كون مما ظاهره التعظيم كالمدح فإن ظاهره التعظيم لكن كون النية للتخفيف يجعل ذلك استهزاءً وتهكماً محرماً كمن قال لشخص أنه عالم أو انه شجاع أو أنه نابغة بقصد التخفيف والاستهزاء فإن المفاد وإن كان للتعظيم والمفردة مضمونها مدح إلا ان المقام والقصد لما كان للتخفيف يجعلها من المحرمات.

الأمر الثاني: كون الفعل متمحضاً في الإهانة بحيث لا يحتمل فيه غيرها عرفاً وعادة فإنه وإن عري عن النية لكنه محرم لأنه استخفاف إهانة كما مثلنا له وكذلك ما كان ظاهره الاستخفاف وإن احتمل فيه شيء آخر فإنه أيضاً محرم ما لم يعلم منه نية أخرى مخرجة له عن كونه إهانة فإن الظواهر تصرف إلى غيرها بالنية فإن من مسح ظهره أو النية مستدبراً بضريح الإمام ظاهر في الإهانة لو خلي ونفسها، ولكن لو قصد به الاستشفاء عن وجع خرج عن ذلك بل يعد تعظيماً وكذلك وضع صحائف من القرآن الكريم أو من تربة الحسين (عليه السلام) على بعض مواضع الجسد فإنه قد يعد إهانة بحسب الظاهر لكن لو قصد به الشفاء لا يعد إهانة ونظائر ذلك كثيرة في العرف وفي الاستعمال.

ومن هنا يعلم أن النية تغير الظواهر وتبدلها عن مقتضاها لكن لو جرد الفعل عن نية تعظيم أو إهانة فالمتبع هو الظاهر فيكون محرماً حينئذٍ، ويدل على ذلك أمور:

الأول: الإجماع فإنه قائم على حرمة هتك ما هو من حرمات الله ومن شعائر الدين وقد أدعى غير واحد من الفقهاء على حرمة تنجيس المساجد وإدخال النجاسة المسرية فيها معللاً بأنه مستلزم لهتكها كأنهم جعلوا حرمة الهتك أمراً مفروغاً عنه وأيضاً قالوا بجواز إدخال النجاسة غير المسرية في المساجد ما لم يستلزم هتكها فكأن حرمة ما يستلزم الهتك أمر مسلم عندهم .

ومن المعلوم إن اتفاقهم على حرمة الهتك ليس لخصوصية في المساجد بل تكون لأجل أنها من حرمات الدين وشعائر المسلمين وذلك لأن هتك ما هو من حرمات الله وشعائره تعالى يؤول إلى هتك حرمة الله عز وجل، وهذا شيء ينكره العقل ويقبحه كما ستعرفه من الدليل العقلي.

 بل ربما عدّ بعضهم هذا من ضروريات الدين ولعل الفقيه المتتبع يجزم بهذا الاتفاق في موارد كثيرة من صغريات هذه القاعدة من غير نكير من أحد.

الثاني: ارتكاز المتشرعة قاطبة حتى قال السيد المراغي (قدس سره) في العناوين بأن هذا شيء يعرفه الصبيان والنساء فضلاً عن العوام وهذا الارتكاز قائم على عدم جواز هتك هذه الأمور واهانتها واستحقارها.

كما أنهم يعترضون على من يهينها ويستحقرها وينكرونه أشد الانكار فمثلاً من دخل في المسجد الحرام أو في مسجد الصلاة والعبادة أو دخل في حرم المعصوم (عليه السلام) لابساً حذاءه مثلاً أو جلس هناك ودخن السيجارة أو أقام مأدبة هناك للطعام وجمع عليها جماعة وجلسوا يقهقهون ويضحكون فلا يخفى أن المتشرعة يصيحون عليه وينكرون ذلك أشد الانكار مما يكشف على أنه لا يمكن أن ينكر ثبوت مثل هذا الارتكاز في أذهان المتشرعة وإن محرمات الدين ومقدساته لا ينبغي أن تهتك وتهان ولو بهذا القدر من الإهانة والاستخفاف ولا يخفى أن هذا الانكار الناشيء من الارتكاز كاشف عن ثبوت هذا الحكم في الشريعة أيضاً.

نعم ربما تختلف مراتب الانكار بالنسبة إلى هذه الأمور فلو أهان شخص والعياذ بالله الكعبة المعظمة أو ضريح الرسول (صلى الله عليه وآله) أو القرآن الكريم فانكارهم ربما ينجر إلى الاضرار به إضراراً كبيراً كما هو كذلك الحكم الوارد في الشرع بالنسبة إلى تلويث الكعبة المعظمة بل القرآن الكريم وضريح الرسول الأعظم لأنه قد يستكشف منه بعض المتشرعة بأن هذا النوع من العمل كاشف قطعي عن كفره أو عن ارتداده إن كان مسلماً أو عدم مبالاته بالدين الدالة على أشد مراتب الفسق بخلاف ما لو أهان نعمة من نعم الله عز وجل كما لو سحق الخبز برجله متعمداً من غير عذر ولا ضرورة فإنهم ينكرون عليه ذلك بالصيحة بوجهه ولا تصل النوبة إلى الضرب والاضرار وما أشبه ذلك والحاصل أن أصل الانكار بالنسبة إلى إهانة المحترمات بالدين من مرتكزات المتشرعة وإن كانت مراتبه مختلفة بالنسبة إلى مراتب المحترمات وطريقة الإهانة والانتقاص نعم لعل عموم الناس كثيراً ما يشتبهون في تشخيص المحترمات فيختلط الأمر في طريقة معالجة هذا النوع من التصرف.

الثالث: حكم العقل بقبح إهانة ما هو محترم عند الله عز وجل واستحقار ما هو معظم عنده تبارك وتعالى لأن تعظيم ما هو محترم عنده سبحانه هو تعظيم له عز وجل وانتقاصه انتقاص منه عز وجل كما يحكم العقل أيضاً باستحقاق هذا المنتهك للذم والعقوبة.

ولا يخفى عليك أن استحقاق الذم والعقاب من اللوازم التي لا تنفك عن فعل الحرام أو ترك الواجب الذي هو أيضاً حرام فكل فعل كان موجباً لاستحقاق العقاب فلا محالة يستكشف منه انه حرام وذلك بالبرهان الاني الذي تستكشف فيه العلة من المعلول ومن الملزوم اللازم وبعبارة أخرى إذا حكم العقل بقبح شيء وذم فاعله واستحقاقه للعقاب يستكشف منه حرمة ذلك الشيء أيضاً لقاعدة الملازمة الحاكمة إن ما يحكم به العقل يحكم به الشرع والجارية فيما نحن فيه.

الرابع: الآيات الشريفة التي نزلت في تعظيم حرمات الله عز وجل منها قوله تبارك وتعالى ((ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)) فإن الحرمة هو ما لا يحل انتهاكه.

وعن الزّجاح الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه ولا يخفى أن تفسيرها هنا بالبيت الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام والمسجد الحرام هو من باب المصداق كما أن ورود الآية في مناسك الحج لا يخصص المعنى بذلك لأن المورد لا يخصص الوارد .

وظاهر الآية أنها وعد من قبل الله عز وجل للذين يعظمون حرمات الله وأنهم في الآخرة من الفائزين ولولا أن يكون تعظيم الحرمات الإلهية من مصاديق الطاعة الواجبة لما كان الوعد بالفوز في الآخرة ويدل على ذلك أيضاً قوله سبحانه وتعالى: ((ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)).

وفي مجمع البيان شعائر الله معالم دين الله والإعلام التي نصبها لطاعته وفي مفردات الراغب مشاعر الحج معالمه الظاهرة للحواس والواحد مشعر وسمي ما يهدي إلى بيت الله شعائر كما في قوله تعالى: ((لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ)). لأنها تشعر أي تدمى بشعيرة أي حديدة يشعر بها والظاهر أن التفسير هنا بالمصداق لا بالمعنى المنحصر.

وكيف كان فقد فسرت الشعائر هنا بمعاني أربعة محتملة:

أحدها: أن يراد بها علامات دين الله وطاعته عموماً فيشمل سائر المحترمات وهذا على كونه جمع الشعار وهو العلامة ويستفاد قدسية هذه العلامة من النسبة إلى الله عز وجل في الآيتين الشريفتين ولا يخفى أن النسبة إليه عز وجل نسبة تشريفية.

ثانيها: أن يراد به البدن خاصة كما فسره بها صاحب القاموس والصحاح على أن الشعيرة هي البدنة والجمع شعائر.

وما عن ابن عباس أن الشعائر جمع شعيرة وهي البدن إذا اشعرت وشقّ سنامها من الجانب الأيمن ليعلم أنها هديه وتعظيمه هو طلب الأسمى والأعظم وهذا ما ذكره جماعة من المفسرين أيضاً بل ولعله المروي أيضاً في تفسير البرهان وغيره.

ثالثها: أن يراد بها مناسك الحج وأعماله جميعاً.

ورابعها: أن يراد بها مواضع مناسكه ومعالمه كعرفات والمشعر وما أشبه ذلك.

ولا يخفى عليك أن الذي يمكن الاستدلال به على ما نحن فيه إنما هو المعنى الأول، وهو الأشمل لأن التفسير بالبدن ونحوها من باب المثال والمورد في الحج لا يخصص الوارد ولذا قال في العناوين والمراد بالشعائر جميع المعالم لا نفس البدن لأن كلمة (من) ظاهرة في التبعيض على أن ظاهر الآية مطلوبية التعظيم للشعائر من كل أحد بنحو الوجوب العيني ويؤيد ذلك أنه جمع مضاف ولو كان المراد هو البدن فإنه لا يراد من المحرم الواحد إلا بدنة واحدة غالباً وهذا مما يدل على أن المراد جميع المعالم لا خصوص البدن وبعبارة أخرى فإن هذه الآية تكون بمنزلة كبرى كلية نثبت بها مطلوبية تعظيم البدن أيضاً بعنوان أنها من المصاديق فإذا انتفى احتمال الاختصاص بالبدن فلا وجه لتخصيص بمناسك الحج وأعماله أيضاً لكونهما مخالفين لصدر الآية وذيلها فالحمل على العموم وكون الشعائر بمعنى العلامة أولى وأوفق معنى ولفظاً وهذا ما يظهر من كلمات السيد البجنوردي (قدس سره) في قواعده حيث قرب الاستدلال على ذلك بأن المراد من حرمات الله وشعائره مطلق ما هو محترم في الدين وتطبيقها على مناسك الحج وشعائره من قبيل تطبيق الكلي على بعض المصاديق.

 وعليه فإذا كان مفاد هذه الآيات وجوب تعظيم حرمات الدين فتدل على حرمة اهانتها بالأولوية وذلك من جهة أن الأمر بالشيء يدل على النهي عن ضده العام كما هو المشهور بين الأصوليين فيكون ترك التعظيم حراماً حينئذٍ.

الخامس: الروايات وهي قسمان :

منها ما يدل على حرمة إهانة بعض صغريات هذه المحترمات كحرمة إهانة المؤمن فحينئذٍ تدل على حرمة إهانة الشعائر والمحترمات الدينية بالأولوية فمن الروايات ما رواه في التهذيب  ( من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة) وفي الوسائل من أهان لي ولياً فقد أرصد لمحاربتي.

وبعض الروايات وردت بشأن تعظيم البدن وما أشبه ذلك من أضحية الحج ففي الكافي عن ابن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إذا رميت الجمرة فاشتر هديك إن كان من البدن أو من البقر وإلا فاجعل كبشاً سميناً فحلاً وإن لم تجد فما وجد من الضأن فإن لم تجد فما تيسر عليك وعظم شعائر الله) .

وفي الروايتين الأوليتين يستفاد حرمة إهانة المؤمن لأن من أهان المؤمن الولي فقد بارز الله عز وجل بالمحاربة وهو يدل على شدة الأهمية وتأكيد حرمة الإهانة فيه فيدل على حرمة انتهاك الحرمات الإلهية بشكل أولى كما لا يخفى.

كما أن الرواية الثالثة تدل على أن اختيار البدن أو البقرة أو الكبش السمين وإن يكون فحلاً وما أشبه ذلك هذا الاختيار التنزيلي من البدن إلى الضأن إلى ما تيسر يكشف عن لزوم التعظيم لهذه الموارد وإن المكلف كلما قدم إلى الله عز وجل هدياً سميناً كبيراً يكون تعظيمه أكثر هذا مضافاً إلى ذيل الرواية الوارد بصيغة الأمر حيث يقول بها (وعظم شعائر الله ) فإن الأمر بالتعظيم ظاهر في وجوبه كما لا يخفى .

وعليه فإن التعظيم إذا كان واجباً يكون تركه حراماً لما ذكر من أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام والظاهر أن الإهانة لا تنفك عن ترك التعظيم عرفاً فتكون ملازمة للحرام والمراد من التعظيم هنا هو المعاملة اللائقة بها ومعها من التقديس والاحترام والتكريم ولذا قال بعض الفقهاء بهذا المعنى يمكن الالتزام بوجوبها في جميع الموارد لعدم ورود التخصيص عليها ولذا قال في العناوين والحق أن يقال أن التعظيم الذي له مدخل في حفظ ذلك الشيء المحترم وله ربط في احترامه فهو واجب وتركه محرم وإليه ينصرف اطلاق التعظيم في الآية والرواية وما زاد على ماهية التعظيم فليس بواجب بل هو راجح بالعقل والنقل.

وهذا المقدار يكفي في استدلال الأصحاب في خصوص المساجد والمشاهد والتربة وسائر شعائر العبادة ومواقف الحج واحترام المؤمن والقرآن وكيفية الزيارات وعدم جواز بيع المصحف وغير ذلك من الفروع المنتشرة.

ولا يخفى على المتتبع الفقيه أن ما حكموا بوجوبه إنما هو ذلك القسم من التعظيم، وما حكموا بتحريمه إنما هو ترك ذلك القسم وما زاد على ذلك من التعظيمات فجعلوها من المستحبات كما لا يخفى على من راجع احكام المسجد والكعبة وكيفية الدخول والخروج فيها، وبقية المساجد .

 ولا يخفى عليك أن لهذه الكبرى الكلية الدالة على وجوب التعظيم وحرمة الإهانة مسائل كثيرة منتشرة في أبواب الفقه منها حرمة إهانة المسجد بأي نحو من انحاء التعامل كما بينا سابقاً كما لو يجعله مجمعاً للرذيلة أو مجمعاً للأوساخ والقاذورات أو يجعله القاص محلاً لبيان قصته والشاعر محلاً لبيان شعره المنحرف ففي رواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) رأى قاصاً في المسجد فضربه بالدرة وطرده بخلاف مجالس الوعظ والإرشاد وشعر الحكمة وقصص الاعتبار خصوصاً قصص السيرة النبوية وما أشبه ذلك فإنها من دلائل التعظيم والتقديس للمسجد .

 ومنها حرمة الإهانة لاموات المؤمنين ففي رواية صفوان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) ( أبى الله أن يظن بالمؤمن إلا خيراً وكسرك عظامه حياً وميتاً سواء ).

وأيضاً ورد عنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) من رجل كسر عظم ميت فقال حرمته ميتاً أعظم من حرمته وهو حي.

ولا يخفى عليك بأن كسر عظام الميت فيه إهانة وانتقاص من حرمته ويشمل هذا الحديث أيضاً المعنى الكنائي بحمل كسر عظام الميت عن كسر احترامه وانتقاص حرمته بالقدح فيه وما أشبه ذلك مما يوجب اهانة الميت فإن ذلك حرام لأنه انتهاك لحرمة المؤمن والروايات في هذا المجال متظافرة .

ومنها حرمة اهانة مكة المكرمة قولاً أو فعلاً فقد روى الكليني رضوان الله عليه رواية مفصلة ورد فيها (وروي أن معد بن عدنان خاف أن يدرس الحرم فوضع أنصابه وكان أول من وضعها ثم غلبت جرهم على ولاية البيت فكان يلي منهم كابر عن كابر حتى بغت جرهم بمكة واستحلوا حرمتها وأكلوا مال الكعبة وظلموا من دخلوا مكة وعتوا وبغوا وكانت مكة في الجاهلية لا يظلم ولا يبغى فيها ولا يستحل حرمتها ملك إلا هلك مكانه إلى آخر الحديث).

وقد ورد في الرواية باستحلال حرمة الكعبة مما يدل على ثبوت الحرمة وعدم جواز انتهاكها بل وتدل على أن المنتقص لحرمتها يلحقه العذاب وهو الهلاك هنا.

وحاصل الكلام فإن من راجع الأخبار الواردة في عدم جواز الاستخفاف بالقرآن الكريم والكعبة المشرفة والمسجد الحرام ومسجد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وضريحه المقدس وذاته الأقدس والمشاعر العظام المذكورة في كتاب الحج والأخبار الواردة في حرمة التربة الحسينية على مشرفها آلاف الصلوات والتحيات وغيرها من المحرمات يقطع بأن إهانة ما هو محترم وله مرتبة وشرف في الدين حرام بل تعظيمها بمعنى حفظ مرتبتها واجب شرعاً هذا بعض الكلام بالنسبة إلى الأمر والأول.

أما الأمر الثاني: وهو وجوب تعظيم مظاهر الدين والفرق بينهما أن الإهانة تنقيص اما التعظيم تبجيل. الأول سلبي والثاني إيجابي .

وربما يستفاد وجوب التعظيم من أمرين وردا في الآية الشريفة في قوله عز وجل: ((وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)).

الأول ما يستفاد من دليل الحرمة إن قلنا أنه لا واسطة بين التعظيم والإهانة بمعنى أن ترك التعظيم هو إهانة عرفاً فيكون التعظيم واجباً لحرمة تركه حينئذٍ وبيانه بأن يقال أن ما من شأنه التعظيم لو ترك ذلك بالنسبة إليه يعد تخفيفاً واستخفافاً به عرفاً إذ ليس الإهانة والتخفيف إلا تنزيل ذلك الشيء عن مرتبته وعدم ملاحظة شأنه وعدم معاملته المعاملة اللائقة بشرفه ومكانته فإن المؤمن العارف شأنه إذا ورد مجلساً أن يقام له ويجعل له ما يناسبه من المكان فإذا ترك ذلك له يعد إهانة بالنسبة إليه وتخفيفاًَ فيكون محرماً، حينئذٍ .

وكذا إذا واجهه بكلام لا يقال هذا الكلام إلا للأقران والزملاء ولا يقال للعالم المحترم أو للوالد أو للوالدة فإن ذلك يعد استخفافاً مثلاً ولا يخفى عليك أن هذا الكلام يصح إن قلنا بانعدام الواسطة بين التعظيم والإهانة وأما إن قلنا بوجود حالة ثالثة بينهما فالظاهر أنه ليس ترك التعظيم إهانة حتى ينتقل من حرمة الإهانة إلى وجوب التعظيم كما لا يخفى.

فإن التعظيم قسمان:

مراعاة مرتبة الشيء والسلوك معه على مقتضى شأنه ومرتبته عرفاً وعادة وشرعاً وترك هذا يطلق عليه إهانة عرفاً وحينئذٍ يكون من المحرمات وثانيها مراعاته زائداً على ذلك، فإنه وإن كان أمراً مطلوباً وراجحاً إلا أنه لا يصل هذا الرجحان إلى مرتبة الوجوب، فإنه لو جاء عالم فالقيام له وجعل مكان لائق له واجب لحفظ لمرتبته وأما تقبيل يده والقعود عنده في غاية التأدب والكلام معه في غاية الحياء ومشايعته وقت الذهاب زيادة تعظيم وتبجيل له وأمر راجح ومستحب ويعد من أرفع الآداب الاجتماعية، إلا أن تركه قد لا يسمى إهانة عرفاً، فهذا القسم من التعظيم لا يمكن القول بوجوبه لأن تركه يستلزم الإهانة لما عرفت من أنه لا يعتبر هذا النوع من السلوك من الإهانة إلا أن يقوم دليل على وجوب التعظيم فإنه حينئذٍ ينبغي التعظيم للدليل الخاص وليس لأن في الترك إهانة كما لا يخفى عليك.

الأمر الثاني: الذي يمكن استفادة الوجوب منه هو قوله سبحانه وتعالى: ((فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)) فإن الآية الشريفة دلت على أن تعظيم الشعائر من تقوى القلوب وحينئذٍ يمكن استفادة الوجوب بأحد أمرين:

أحدهما: أن نقول بأن التقوى إنما هو الحذر عن أمر مخوف وعلم من ذلك بأن هناك شيء يخاف منه فينبغي الحذر عنه بتعظيم الشعائر وكل ما هو كذلك فهو واجب إذ لا خوف من مخالفة المستحب فيحذر عنه فكونه من التقوى والحذر أمارة العقاب على تركه مما يدل على وجوب فعله.

ثانيهما: أن نجعل هذه الآية الشريفة صغرى ونثبت وجوب التقوى بقول مطلق بالاستفادة من الآيات الشريفة الأخرى الأمرة بالتقوى كقوله تعالى: ((وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ)). وقوله تعالى: ((فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)) إلى غير ذلك من الآيات الواردة في صيغة الأمر الدالة على الوجوب مضافاً إلى الآيات الأخرى الدالة على الذم بمخالفة التقوى والعتاب واللوم على غير المتقين كما هو متظافر الآيات والروايات فنقول حينئذٍ أن تعظيم الشعائر من التقوى لوجود الآية الشريفة وكل تقوى واجب للاطلاق في الأوامر الواردة في الآيات الأخرى فتكون النتيجة من هذا القياس المنطقي بأن تعظيم الشعائر واجب فيثبت المطلوب وهو أن التبجيل والتعظيم يكون من الواجبات الشرعية.

إن قلت: على فرض إفادة هذه الآية الوجوب فإنها لا تفيد إلا مطلق وجوب التعظيم لا جميع أفراد التعظيم والذي ينفع في مقام الاستدلال إنما هو إثبات عموم وجوب التعظيم لا في بعض الموارد فإنه يمكن أن يقال أن ظاهر الآية هو كون التعظيم مطلقاً من تقوى القلوب وعليه فإن كل فرد من أفراده نقول هو من التقوى لأنه من صغريات الآية وكل تقوى واجب فيفيد وجوبه حينئذٍ إلا في مقام دل الدليل على عدم الوجوب فإن ذلك يخرج عن عموم الآية وعن إطلاقها للدليل الخاص كما لا يخفى.

ثم أن تعظيم شعائر الله عز وجل هو تبجيل كل ما ينسب إلى الله عز وجل من آيات وعلامات كما عرفت ووجوب تعظيم الشعائر يختلف عن حرمة إهانتها فإن الأول إيجابي والثاني سلبي كما عرفت بعض موارده ومصاديقه وأما تعظيم الشعائر الإلهية له مظاهر سنتعرض إليها إن شاء الله في البحث القادم.