المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 053.doc

محرمات السلوك الاجتماعي العام

المبحث الثاني: فـي محرمات السلوك الاجتماعي العام وفيه أمور، الأول في القمار واحكامه وفيه موضوعان:

الموضوع الأول: فـي معنى القمار وفـي حكم اللعب به.

الموضوع الثاني: فـي بيع الاته.

أما الموضوع الأول: فلا اشكال فـي أن القمار من المحرمات ولا خلاف بين الفقهاء من الشيعة والسنة فـي حرمة اللعب بالآلات المعدة للقمار مع المراهنة والقمار كلما سمي به ولا أعرف منه عرفاً حتى يفسر به وما شك فـي التسمية لديهم فالأصل عدم الحرمة حتى يثبت بالدليل ويسمى القمار فـي لسان الآيات والروايات الميسر أيضاً من اليسر من باب تسمية الشئ باسم ضده كالمفازة والبسيط ما أشبه ذلك والمراد من القمار هو اللعب به كما لا يخفى ويدل على حرمته الأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) .

ومن السنة روايات متواترة بل هو ضروري الدين بين المسلمين ولا يعلم وجه لما ذهب إليه بعض العامة من حلية لعب الشطرنج مع انه لا شك فـي كونه قماراً وإذا لم يكن قماراً فماذا يكون القمار  بعد ذلك ؟  لذا ورد فـي فقه المذاهب الأربعة وكذلك نهت الشريعة الشريعة نهياً شديداً عن الميسر وحرمته بجميع انواعه وسدت فـي وجه المسلمين سبله ومنافذه وحذرتهم من الدنو إلى أي ناحية من نواحيه إلى أخر كلامه فـي هذا المجال ) .

وكيف كان ففـي خبرابن سيابة عن الصادق (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الملائكة تحضر الرهان فـي الخف والحافر والريش وما سوى ذلك فهو قمار حرام ) وفـي خبر أبي الحسن (عليه السلام) فـي خبر معمر بن خلاّد ( كل ما قومر عليه فهو ميسر ) وعن أبي جعفر (عليه السلام) فـي رواية جابر ( قيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما الميسر فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) كل ما تقومر به حتى الكعاب والجوز ) ولا ريب فـي ظهور هذه الاخبار فـي الحرمة والفساد فلا وجه لما عن بعض من الفساد دون الحرمة فـي هذا القسم .

وأما الاجماع فعليه اجماع الامامية بل المسلمين فـي الجملة كما عرفت وأما العقل فلانه منشأ للفساد والافساد وتضييع المال والعرض وتهديم الاسر والعوائل هذا مضافاً إلى اشارة الآيات الشريفة إلى الجهة العقلية فقي قوله عز وجل ( انما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فـي الخمر واليسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون ) ومن الواضح أن أخذ مال الناس بغير تجارة ومشقة موجب لإلقاء العداوة والبغضاء والاشتغال بلعب القمار يصد عن ذكر الله وعن امتثال الأحكام الإلهية كما هو مشهود وملحوظ فـي حياة المقامرين والبغضاء والعداوة تؤثر فـي تفرقة المجتمع نفسياً وجسدياً وفـي كليهما صد عن ذكر الله حيث يرتكب فاعلهما المنكرات ويتلهى عن ذكر الله والصلاة أما أن يتلهى عن ذلك عن شعور كما فـي المقامر أو لا عن شعور كما فـي المخامر الذي يشرب الخمر هذا اضافة إلى أن كل واحد من الخمر والقمار يوجب تأثيراً بالغا فـي هدم الاعصاب واثارة الامراض الجسدية والنفسية وذلك لان المقامر والمخامر مريضان  نفساً والمريض النفسي يسري إلى الجسد مرضه فيؤثر فـي سلوكه العام ولعل فـي قوله سبحانه وتعالى ((يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما)) ويشير إلى هذه الجهات من المفاسد ولعل المراد من كونه أكبر أكبر الى حد المنع من النقيض أي إلى درجة الحرمة فهما فـي درجة شديدة من الأثم والفساد حتى تعد المنافع بالنسبة إليهما لا شئ اصلاً وكيف كان فإن لعب القمار على أربعة اقسام.

الاول: اللعب بغير آلات القمار وبدون رهان وهذا لا ينبغي الأشكال فـي جوازه ويدل عليه من الكتاب قوله سبحانه وتعالى (( قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ)) فكانوا يستبقون بأن يشتدون بالعدو على الأقدام ينظروا أيهم أعدى وأسبق من صاحبه وقيل انهم كانوا يرمون النصل ويرامون فينظرون أي السهام اسبق إلى الغرض إلى غير ذلك من تفاسير تبين معنى الاستباق هنا ووجه الدلالة هو أن الشرائع السابقة حجة بالنسبة لنا من غير جهة الأستصحاب بل أن المعصوم (عليه السلام) بسكوته عنها بل باستدلاله فـي جملة من الموارد بها ولو كانت الشرائع السابقة غير حجة للزم الإنكار .

ويدل على ذلك أيضاً مسابقة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فـي المصارعة والرمي ومسابقة الحسنين (عليهما السلام) فـي الكتابة والخط ويؤيد ذلك السيرة بالاضافة إلى الأصل وهو الجواز المركوز فـي اذهان المتشرعة وربما يدل عليه العقل أيضاً لانه موجب لتقوية الذهن والبدن وكلاهما مطلوبان لدى العقلاء بل فـي بعض الأحيان يو جبان الترفيه عن النفس وتحقيق الأغراض الأهم لانه للنفس اقبالاً وادباراً على ما فصلته الروايات فـي مكانها .

وقد ذهب إلى الجواز جمع من الفقهاء منهم الشهيد الثاني والسبزواري وصاحب الحدائق وصاحب الجواهر ومن المعاصرين سماحة السيد الشيرازي (دم ظله) فـي الفقه ويقابله قول آخر بالمنع ذهب إليه جمع من الفقهاء منهم العلامة فـي التذكرة والمحقق الكركي فـي جامع المقاصد ومن المعاصرين السيد السبزواري قدس سره فـي مهذب الأحكام واستدلوا للمنع بروايات منها خبر أبن سنان عن الصادق (عليه السلام) لا سبق الا فـي خف أو حافر أو نصل واستدلوا أيضاً باطلاقات حرمة القمار ، والقمار مطلق المغالبة فيشمل هذا القسم من اللعب أيضاً مضافاً إلى انه لهو وقد دلت الأدلة على حرمة اللهو مثل ماورد فـي علة تحريم اللعب بالنرد والشطرنج فعلل الحرمة بأنه من اللهو والباطل .

مضافاً إلى ما ورد فـي أن كل لهو باطل إلا فـي ثلاث وقد استثنتها الروايات وربما استدل بالاجماع المنقول فـي كلام بعضهم على ذلك أيضاً إلا أن الظاهر إمكان المناقشة فيه من جهات .

 منها: إن أفعال هذا اللعب ليس بقمار قطعاً لعدم الصدق موضوعاً فيه لغة ولا عرفاً ولا عند المتشرعة فهل يقال عن متسابقان فـي الزورق أو يتسابقان على الخيل أو فـي سفينة أو ما أشبه انهما يقامران الظاهر أن العرف لا يقول عليه انه قمار وقلنا سابقاً بأن القمار معروف لدى العرف.

ومنها: انهم قالوا انه لهو حرام والظاهر انه لا دليل على أن مطلق اللهو حرام بل الدليل على خلافه بالاضافة إلى أن النسبة المنطقية بين اللهو وبين المغالبة هي العموم من وجه فليس دائماً ينطبق على القمار انه لهو أو بالعكس واما الاجماع المدعى فالظاهر انه مقطوع العدم وعلى فرض وجوده فهو محتمل الاستناد ومثله ليس بحجة على المشهور ويؤيد ذلك قيام السيرة القطعية على الجواز كمثل السباحة والمصارعة والكاتبة والمشاعرة وغيرها خصوصاً إذا كان العقل أمراً قربياً كبناء المساجد والمدارس والقناطر فان قوله عز وجل (وفـي ذلك فليتنافس المتنافسون ) الظاهر أنه يشمله ولا دليل على حرمة مطلق اللهو كما عرفت لان كثيراً من الأمور لهو عرفاً إلا انه ليس بحرام كاللعب بالاحجار أو الأشجار أو اللعب بالسبحة أو اللحية وازرار الثوب وغير ذلك وفـي بعض الاحيان تكون المسابقات للاغراض العقلائية كتربية البدن ومعالجة والتنزه والترويح كما هو واضح بل عنوان راجح ومستحب.

القسم الثاني: المراهنة على اللعب فـي غير الآلات المعدة للقمار ولا اشكال فـي حرمته وعليه الإجماع المقطوع به مضافاً إلى الروايات الدالة عليه والمراهنة على اللعب فـي غير آلات القمار يجري فـي مثل حمل الحجر الثقيل والمصارعة ونطاح الكباش وصراع البقر ومهارشة الديكة والمراهنة على الطيور وعلى الوثب والقفز ونحو ذلك مما عدوها فـي باب السبق والرماية فـي غير موارد الاستثناء فـي جواز اللعب والسبق ونحو ذلك .

والظاهر انه لا خلاف فـي الجملة بين الشيعة واكثر العامة فـي حرمة ذلك ففـي فقه المذاهب لا تصح المسابقة بجعل رهان فـي غير الخيل والجمال والرمي الاعن الشافعية فانهم قالوا تصح المسابقة بالرهان أيضاً عن البغال والحمير والفيلة .

نعم يظهر من الجواهر التفصيل بين الحرمة وبين الوضع فانه ذهب إلى اختصاص الحرمة فـي ما إذا كان اللعب باللآلات المعدة للقمار وأما مطلق الرهان المغالبة بغير الأب القمار فلا حرمة فيه ولكن المعاملة فيه فاسدة ولا يملك الراهن الجعل حينئذٍ فيحرم عليه التصرف فـي المال وليس يحرم عليه اللعب وعليه فقد فصل بين الحرمة وخصصها بآلات القمار وأما المغالبة على اللعب بغير آلات القمار فلا حرمة تكليفية فيها إلا أن المعاملة الرهنية تكون فاسدة وباطلة فحينئذٍ لا يجوز للمراهن أن يتصرف بهذا المال لكن جمعاً من الفقهاء كالمحقق الانصاري رضوان الله عليه صرح بالحاقه بالقمار بالحرمة والفساد بل العلامة الطباطبائي فـي مصابيحه أيضاً صرح بعد الخلاف فيه وهو ما ذهب إليه جمع من الفقهاء المعاصرين أيضاً كسماحة السيد الشيرازي (دام ظله) والمرحوم السيد السبزواري قدس سره والسيد الخوئي قدس سره كما يظهر من الفقه ومهذب الاحكام ومصباح الفقاهة واستدلوا عليه بالاضافة إلى ما تقدم بالروايات كما فـي رواية الصادق (عليه السلام) إن الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ماخلا الحافر والخف والريش والنصل) وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الملائكة تحضر الرهان فـي الخف والحافر والريش وما سوى ذلك فهو قمار) وسأل ابن خلاد عن الحسن (عليه السلام) فقال (عليه السلام) النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة وكل ما قومر عليه فهو ميسر) والأربعة عشر نوع من اللعب وله آلات خاصة إلى غير ذلك من الروايات .

هذا مضافاً إلى صدق القمار على اللعب بالرهان وان كانت الآلات الملعوب بها غير معدة للقمار ويصدق عليه هذا العنوان بغير عناية وعلاقة وقد عرفت بان الظاهر عن أهل العرف واللغة أن القمار هو الرهن على اللعب على باي شيء كان وهذا يفهمه العرف كما بيناه ولذا أشكل بعض الفقهاء على تفسير القمار باللعب بالآلات المعدة للقمار وحصر التعريف بالرهن ووجه اشكاله أن يفسر القمار باللعب بآلات القمار دور ظاهر .

وكيف كان فإذا صدق على مثله مفهوم القمار شملته المطلقات الدالة على حرمة القمار والميسر والازلام وحرمة ما اصيب به من الأموال غاية الأمر أن الموارد المنصوصة فـي باب السبق والرماية قد خرجت عن هذه المطلقات والرهان فـي اللعب بغير آلات المعدة للقمار مع المراهنة ولا خلاف بين الفقهاء من الشيعة والسنة فـي حرمة اللعب هذا وهو المتيقن بل المتفق عليه من الادلة اللفظية واللبية .

القسم الرابع : وهو اللعب بآلات القمار بدون الرهن كما قد يكون مرسوما كثيراً بين الأمراء والسلاطين ونحوهم ممن يرفهون عن انفسهم بواسطة اللعب بآلات القمار بدون رهن والظاهر أيضاً انه لا اشكال فـي حرمته بل فـي المستند بلا خلاف فيها وقد وقع الخلاف فيما بين العامة كما يظهر من الفقه على المذاهب الأربعة وكيف كان فان الظاهر انه لا خلاف فـي الحرمة لصدق القمار عليه عرفاً فتشمله العمومات والاطلاقات بل والروايات الخاصة أيضاً فعن أبي جعفر (عليه السلام) فـي تفسير الآية ( وأما الميسر فالنرد والشطرنج وكل قمار ميسر إلى أن قال (عليه السلام) كل هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من الله محرم وهو رجس من عمل الشيطان ) فإنه فـي ظهوره فـي مطلق القمار بالآلات المعدة مما لا ريب فيه مضافا إلى مطلق قول مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) كل ما ألهى عن ذكر الله فهو من الميسر) .

وفـي خبر الفضيل قال( سألت أبا جعفر عن هذه الأشياء التي يلعب بها الناس النرد والشطرنج حتى انتهيب إلى السدر فقال (عليه السلام) إذا ميز الله الحق من الباطل مع أيهما يكون قلت: مع الباطل قال (عليه السلام) فما لك وللباطل ) وقريب منه ما عن الصادق (عليه السلام) فـي موثق زرارة ولا ريب بظهورها فـي الاطلاق أيضاً ويظهر مما تقدم حلية القسم الأول وحرمة الأقسام الثلاثة الاخر من غير فرق فـي أقسام الحرام من العلم بحلية احدهما أو الشك أو الظن ومن غير فرق فـي اللعب من أن يكون باليد أو الرجل أو بواسطة الآلات الكهربائية كما يتعارف الأن ولا أن يكون على نحو المعاملة أو الشرط لفظاً أو ارتكازاً بل الظاهر حرمة حتى النذر وضعاً وتكليفاً كان ينذر أحدهما أو كلاهما أنه أن غلب صاحبه أعطاه كذا فانه مثل نذر الزنا حرام بنفسه لان النذر لا ينعقد إلاّ مع الرجحان فهو لا ينعقد لانه حرام لا انه لهو ولم ينعقد فقط وذلك لارتكاز المتشرعة كما ذكر الفقهاء نظيره من العقد على المحارم ليس فقط لا ينعقد بل يحرم أيضاً .

ولا فرق فـي الحرمة أيضاً ولا فرق فـي الحرمة أيضاً فـي المراهنة بالمال فـي القسمين الذين فيهما مراهنة على المال بين أن يضع السابق منهما مال الرهان فـي أمر خيري أو غيره لانه لا طاعة لمخلوق فـي معصية الخالق إذا قصد من وضع هذا المال طاعة الله سبحانه وتعالى الاستحبابية أو الوجوبية .

وهنا مسائل:

المسألة الأولى: المراجع فـي الآلات المعدة للقمار هم أهل الخبرة بهذا العمل وهي تختلف باختلاف الاعصار والأمصار لعدم وجود تحديد خاص لذلك من الشرع وما ذكر فـي الروايات من الشطرنج والنرد وما أشبه إنما هو من باب المثال لما تصادف منها فـي تلك الازمنة فكل ما صدق عليه الاسم عند العرف يتعلق به الحكم أيضاً ومنه يظهر أن ما كان اصله من آلات القمار لكنه هجر بحيث زال الموضوع وزال الصدق العرفـي بالنسبة إليه فانه لا يصدق عليه القمار حينئذٍ ولا يلحقه حكم آلات القمار لغرض زوال الموضوع بالهجران كما يظهر حكم ما كان عكسه اذا لحقه الحكم حينئذٍ لان الحكم يدور مدار تحقق الموضوع والمفروض تحققه نعم مع الشك فـي الهجران وعدمه يجري الأصل الموضوعي والحكمي أيضاً حينئذٍ ولو كان ألة قمار فـي بلد دون بلد فالظاهر أن لكل بلد حكمه فـي غير صورة الجهل كما ذكروا نظيره فـي الربا .

المسألة الثانية: القمار العنوان خاص يكون اخص من حرمة اللعب واللهو بشهادة الشرع والعرف بذلك ولا ريب فـي صحة اطلاق اللهو واللعب عليه أيضاً كما فـي كل خاص بالنسبة إلى العام لما ذكرناه من أن النسبة بينهما العموم من وجه وكيف كان فهو من الأمور المتقومة بالطرفين كما هو المعهود فـي الخارج والأدلة منصرفة إلى ما هو المعهود فـي الخارج كما لا يخفى فلو فعل ذلك شخص واحد فـي نفسه ولنفسه لا يكون من القمار وان حرم من جهة أخرى وكذا يتقوم بالقصد من الطرفين بهذا العنوان الخاص فلو لم يكن قصد منهما أو قصد أحدهما دون الأخر فلا حرمة من هذه الجهة لظواهر الادلة واصالة عدم الحرمة الا فيما هو المتيقن من العنوان المخصوص .

المسألة الثالثة: لا حرمة مع الجهل بالموضوع أو النسيان أو الاضطرار أو الإكراه أو التقية لحديث الرفع الشامل لمثلها نحو هذا الحديث أيضاً الدال على رفع الأحكام الأولية     بالاضطرار والاكراه والتقية.

المسألة الرابعة: يحرم التصرف بالعوض المأخوذ فـي القمار وبالقمار لأصالة بقائه على ملك مالكه وعدم انتقاله إلى غيره كما فـي جميع الانتقالات الفاسدة الا برضاء جديد بعد إلغاء الشارع رضاءه الحاصل حين المقامرة نعم لو كان رضاؤه الأول مطلقاً من كل جهة ولم يكن مقيداً بالمقامرة اصلاً صح الاكتفاء به فـي التصرف حينئذٍ إلا انه مخالف للاحتياط فعليه لو تصرف المقامر بالعوض المأخوذ من القمار فأنه يضمن عينه مع بقائها ويضمن عوضها مثلاً أو قيمة فـي صورة التلف لقاعدة اليد واصالة الاحترام فـي الأموال التي هي من الأصول العقلائية النظامية فحينئذٍ لابد من احراز الرضا أو إعطاء العوض .

المسألة الخامسة: الحضور فـي مجلس القمار حرام أيضاً لما عرفته غير مرة من حرمة حضور كل مئكر والسؤال هو هل يحرم إذا كانا كافرين أو مخالفين يستحلان القمار احتمالات فـي المسألة يحتمل العدم لقاعدة الالزام ويحتمل الحرمة لصدق الاعانة على الاثم فيه .

المسألة السادسة: الظاهر أن المباريات المتعارفة اطلاقها فـي هذا الزمان على مثل مباراة كرة القدم أو السلة أو الطائرة أو كرة اليد أو كرة المضرب وما أشبه ذلك أن كانت مجاناً لا وجه للقول بحرمتها إذ العمل فيها حلال والعقد أيضاً لازم فتشمله إطلاقات ادلة الوفاء بالعقد بالشرائط العامة التي ذكرت فـي محلها وأما أن كانت لجائزة أو جعالة من حكومة محرمة أو ناد أو شركة أو شخص أو اتحاد رياضي فالظاهر جوازها تكليفاً ووضعاً أيضاً لانها ليست من القمار ولا من السبب المحرم حينئذٍ ولا ينطبق عليه عنوان ثالث محرم حتى يقال بحرمتها    وإذا كانت باجرة فتدخل حينئذٍ فـي ضمن المسابقات المذكورة فـي كتاب السبق والرماية فربما تحل فـي بعض الشروط وربما تحرم على بعض الشروط الأخرى على ما ذكره الفقهاء فـي كتاب السبق والرماية من الفقه .

المسألة السابعة: سباق السيارات أو الطيارات أو الدراجات أو السفن أو غير ذلك مما هو متداول فـي عالم اليوم لا يعد قماراً لغة واصطلاحاً فان القمار ونحوه إذا كان العطاء من المغلوب ونحوه والظاهر انه ليس من ذلك وليس مسابقة محرمة فتكون جائزة ما لم ينطبق عليها عنوان محرم أخر من جهة ثانية ،  وعليه فانها إذا كانت جائزة يكون الجعل الموضوع لها كالمال والهدايا جائزاً أيضاً ويجوز التصرف فيه.

المسألة الثامنة: أوراق اليانصيب المتعارفة فـي هذا الزمان إن كانت من أجل بناء خيري كالمستشفى والميتم وما أشبه ذلك لا اشكال فـي جوازها فأن الجهة المؤسسة أو الفرد كذلك قد يطبع أوراقا يعطيها فـي قبال الأموال لأفراد يحبون الخير ويكون الناتج للمشروع وليس للأفراد ولا فرق بين أن يكون المعطي معيناً أو عدة اشخاص ويكون العطاء فـي مثل هذه الصورة تشويقاً للمساهمة فيجعل شيئاً من المال سواء من نفسه أو من صندوق خيري أو من بعض أفراد المساهمين للفائزين أو يوزع للفائزين فـي مراتب متدرجة بعض الهدايا تشويقاً لاشتراء هذه البطاقات الخيرية وذلك برضا الكل الذين أخذ منهم المال فـي أن يكون جزءًَ من أموالهم للفائز الواحد أو المتعدد فان هذا جائز لانه لامناف له شرعاً أو عقلائياً ، كما إن أن هذه الأوراق حيث أن لها مالية عرفية باعتبار الربح المحتمل يصبح بيعها من الآخذ لإنسان أخر وليس من المسابقة المحرمة فيكون البيع فيها صحيحاً فـي شيء فيكون البيع فيها صحيحاً وضعا وتكليفاً والمال إلحاصل للفائز ملكاً له أيضاً وليس من مصاديق الأكل للمال بالباطل.

وأما إذا كانت أوراق اليانصيب لأشخاص المساهمين أو لشخص واحد فعلها لاجل الربح بأن يعطي بعض المال للفائز أو الفائزين ويأخذ البقية له ،فإن هذا من مصاديق القمار المحرم لصدق عنوان القمار عليه حينئذٍ وعليه فالأموال تبقى على ملك أصحابها ولو فرض انه فعله وحصل على المال واختلط عليه فيكون من مجهول المالك وتجري عليه احكامه من الخمس ونحو ذلك .

الموضوع الثاني: فـي بيع آلات القمار

وقد اختلفت الأصحاب فـي حرمة بيع آلات القمار ففـي المستند دعوى الاجماع عليه وفـي الفقه انه من المحرم تكليفاً ووضعاً بيع آلات القمار والادلة الأربعة فـي المقام قائمة على ذلك منها قوله سبحانه وتعالى ((إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ)) وذلك بضميمة الاجماع المقطوع به والعقل ويدل عليه ذلك أيضاً رواية أبي الجارود عن الباقر (عليه السلام) فـي تفسير الآية وكل قمار ميسر وفـي صحيح معمر عن أبي الحسن (عليه السلام) (وكل ما قومر عليه فهو ميسر ) إلى غير ذلك مضافاً إلى أن حرمتها من الضروريات لانها مما يجيئ منها الفساد محضا ) ويجب قطع مادة الفساد شرعاً وعقلاً ومن عمومات الأدلة والروايات الخاصة يعلم حال الشطرنج والنرد ونحوها ففـي رواية أبي الجارود المتقدمة وأما الميسر فالنرد والشطرنج وكل قمار ميسر وفـي صحيح ابي بصير عن الصادق (عليه السلام) بيع الشطرنج حرام واكل ثمنه سحت) وعن الحسن بن زيد عن الصادق (عليه السلام) نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الشطرنج والنرد) إلى غير ذلك من الروايات .

ولا يخفى عليك أن المحرم فـي الفتوى ما يعد قماراً عرفاً لا ما يقامرون عليه احياناً ولا يعد قماراً كالجوز والبيض والخاتم ونحوها من الامور المعدنية والورقية وغيرها وعليه فلو اضيف إلى شيء مما جعله قماراً ولم يكن قماراً سابقاً صار صغرى لتلك الكلية كما ذكرنا كما أنه فـي عكسه يخرج عن كونه قماراً  ولو شك فـي الدخول أو الخروج فالاستصحاب هو المحكم وعليه ففـي المقام عنوانان للتحريم.

العنوان الأول: هو القمار وأن لم يكن برهان.

العنوان الثاني: هو الرهان وأن لم يكن بقمار لما دل على حرمة كل مسابقة ورهان ما عدا الموارد الخاصة التي ذكرناها ولا تجوز المقامرة مع الكفار ولانصراف دليل الالزام عنها وكذا مع المخالفين ممن يرون ذلك حلالاً بينما نراه نحن حراماً ومنه يعلم عدم جواز صنع آلات القمار لهم أو الوكالة فـي ذلك إلى غير ذلك من المسائل.

ولو اشترى قماراً فان كانت القيمة للمادة فقط صح ولزم ازالة الصورة أو كانت القيمة للصورة بطل العقد حينئذٍ أو كانت القيمة للمادة والصورة معا فكان من قبيل تبعض الصفقة فيكون كبيع مايملك وما لا يملك وحينئذٍ يكون للبائع حق تبعض الصفقة ويجوز له فسخ المعاملة ولو كان كافراً وله قمار فأسلم فان كانت القيمة للمادة بقي على وصفه من القيمة المادية أو كانت لها صورة خرج عن ملكه وأن كانت لهما بقي بقدر المادة وخرج قدر عن الصورة .

وكذلك بالنسبة إلى المخالفين فيما يرونه حلالاً كبعض أقسام القمار والفقاع وما اشبههما فلو انعكس الأمر بأن كان مسلماً فكفر انعكس الأمر به أيضاً ولو اختلف فـي شيء انه قمار ام لا كان الأصل هو العدم .

ولو باع الخشب ونحوه لمن يعلم انه يصنعه قماراً لم يكن به بأس للتصريح بمثله فـي الروايات الشريفة ولو باع الخشب بشرط أن يعمله ذلك بطل الشرط ولو عكس فعمله كان له حق الفسخ فان نقصت قيمته بذلك كان له التفاوت ثم انه قد ورد فـي جملة من أحاديث العامة الأمر بكسر النرد واحراقها كما يظهر فـي سنن البيهقي وغيره فتدل على حرمة بيعها أيضاً لانهم يلتزمون بأن مالا يجوز الانتفاع به لا يجوز بيعه أيضاً فيجري فيهم قانون الالزام فـي المعاملة هذه بعض التفريعات المرتبطة بالقمار وهناك تفريعات أخرى نرجئها إلى الكتب المفصلة.

الثاني: فـي هجاء المؤمن

والهجاء فـي اللغة عد معائب الشخص والوقيعة فيه وشتمه من غير فرق بين كونه فـي الشعر أو فـي النثر أو فـي الكتابة أو بالكناية أو الإشارة انشاء أو اخباراً من غير فرق بين أقسام المؤمنين إلا المتجاهر بالفسق على ما ستعرفه .

فلا خلاف بين المسلمين فـي حرمة هجاء المؤمن وان اختلفت الأقوال فـي تعيين المراد بالمؤمن هنا وأنه هل المراد منه هنا المؤمن بالمعنى الأخص أو بمعنى المسلم وفـي المسألة قولان نعم فـي كلام بعض العامة إلى تعميم الحرمة إلى هجاء أهل الذمة أيضاً كما يظهر من الفقه على المذاهب الأربعة ويدل على حرمته الأدلة الأربعة لانه اعتداء وظلم مضافاً إلى ما يدل على الفحوى من أدلة حرمة الغيبة مضافاً إلى انه من مصاديق الهمز واللمز والسخرية والاهانة والهتك والاذلال وما أشبه ذلك مما وردت الفاظها فـي الكتاب والسنة وتنطبق عليه العناوين من المحرمات .

هذا مضافاً إلى قيام الأجماع والعقل عليه وفـي المكاسب ذهب المحقق الانصاري (قدس سره) إلى انه ينطبق عليه عنوان الهمز واللمز واكل اللحم والتعيير واذاعة السر وكل ذلك كبيرة موبقة وجريمة مهلكة فـي الكتاب والسنة والعقل والاجماع ، ولا يخفـي عليك أن الهجو قد يكون بالجملة الانشائية وقد يكون بالجملة الاخبارية أما الأول فلا شبهة فـي حرمته لكونه من اللمز و الاهانة والهتك وقد دلت الروايات المتواترة على حرمة هتك المؤمن واهانته ونطق القرآن الكريم بحرمة الهتك وهو لا يتحقق إلا إذا كان العمل من المحرمات كما لا يخفى .

وأما إذا ما كان بالجملة الخبرية فان كان الخبر مطابقاً للواقع كهجو المؤمن بما فيه من المعائب كان حراما من جمع المغيبة والهتك والإهانة والتعيير والهمز واللمز وإن كان الخبر مخالفاً للواقع كان حراما أيضاً من نواح شتى لكونه حينئذ من مصاديق الكذب والإهانة والظلم والهمز واللمز أيضاً، والظاهر أن لا فارق بين أفراد المؤمن بين العالم وبين الفاسق غير المعلن بالفسق كما بيناه فـي مباحث الغيبة ، نعم يستثني من ذلك المبتدع تقدم جواز بهتهم  بل أحيانا يجب لقول النبي (صلى الله عليه وآله) ( إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم ) كما يجوز ذلك بالنسبة للكافر وإلى غير المؤمن ويؤيد الجواز في غير المؤمن خبر أبي حمزة عن الباقر (عليه السلام) قال: قلت له أن بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم فقال (عليه السلام) ( الكف عنهم أجمل  ) فان مساقه مساق ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ومساق قوله (عليه السلام) وإني أكره لكم أن تكونوا سبابين .

نعم إذا كانت حرمة خارجية كما قال سبحانه ((فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ)) فحينئذ يحرم وعليه فان هجو غير المؤمن جائز وإن كان إذا ترتبت عليه بعض المفاسد أو بعض الأضرار حينئذ لا يجوز سبهم وكيف كان فهنا مسائل :

المسألة الأولى: يجوز هجو الفاسق المتجاهر بالفسق إذا ترتبت على هجوه مصلحة أهم من من مصلحة احترامه أو كان ممن لا يبالي بما قيل فيه.

المسألة الثانية: يجوز هجو المبدعين في الدين كما بينا وكذا يجوز هجو المخالفين على قول من حمل المؤمن على معناه الأخص وهو القائل بأمرة الأئمة الاثني عشر من آل محمد (عليهم السلام) وهل يجوز هجو المبدع في الدين أو المخالف بما ليس فيه من عيب أو ينبغي الاقتصار فيه على ذكر العيوب الموجودة فيه أما هجوهم بذكر المعايب غير الموجودة فيهم من الأقاويل الكاذبة فالظاهر أنها محرمة بالكتاب والسنة لما عرفته من مباحث حرمة الكذب إلا أن قد تقتضي المصلحة الملزمة جواز بهتهم والازراء عليهم وذكرهم بما ليس فيهم افتضاحا لهم والمصلحة في ذلك هو استبانة شؤونهم لضعفاء المؤمنين حتى لا يغتروا بآرائهم الباطلة وأغراضهم المرجفة وبذلك يحمل قوله (عليه السلام) وباهتوهم كي لا يطمعوا في الإسلام وكل ذلك إذا فيما لم تترتب على هجوهم فتنة ومفسدة كما لا يخفى وإلا حرم هجوهم حينئذ حتى في المعائب الموجودة فيهم فقد ظهر مما بيناه إذن أن هجو المخالفين قد يكون مباحا وقد يكون مستحبا وقد يكون واجبا وقد يكون مكروها وقد يكون حراما كل ذلك يرجع إلى مقتضيات المصالح وتزاحمات الاهم والمهم في مثله.

المسألة الثالثة: إن جواز الاستماع إلى الهجو وعدمه يدور مدار جواز الهجو وعدمه وذلك لما تقدم في مباحث الغيبة وفي الهجو الجائز وعدمه ما إذا كان كافرا فأسلم أو بالعكس فانه لا يجوز ذكر نواقص الأول في السابق لأنه ايذاء له كما يجوز ذكر نواقص الثاني في السابق أو حالا حيث لا احترام له الآن فالأدلة لا تشمله حينئذ ، وحيث أن حرمته ميتا كحرمته حيا لا فرق في العدم بعد موته أيضا كما لو قال بعد موته كان كذا في زمان الحياة أو ما قبل توبته أو ما قبل إسلامه ونحو ذلك.

المسألة الرابعة: لو هجا حراما فالاستغفار توبة له ولا حاجة إلى الاستحلال منه لعدم الدليل بعد كون الأصل عدمه لما عرفته في مباحث الغيبة ولو هجا الكافر المسلم أو المخالف المؤمن ثم أسلم وآمن فالإسلام والإيمان يجبان ما قبلهما على ما ثبت في محله في قاعدة الجب.

الثالث من المحرمات هو الهجر والهجر بفتح أو بضم الهاء.

والهجر والهجران هو مفارقة الإنسان غيره أما بالبدن أو باللسان أو بالقلب قال تعالى: ((وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ)) وهو كناية عن عدم قربهن وقوله تعالى: ((إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً)) وهذا هجر بالقلب أو بالقلب واللسان وقوله عز وجل: ((وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً)) يحتمل الثلاثة وكذا قوله تعالى: ((وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا)) وقوله تعالى: ((وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)) هو حث على المفارقة بالوجوه كلها أي مفارقة الرجز بالبدن وباللسان وبالقلب سواء فسرنا الرجز بالأصنام والأوثان كما عن ابن عباس أو فسرناه بالمعاصي كما عن جمع من المفسرين أو فسرناه بجانب الفعل القبيح والخلق الذميم كما عن جمع آخر كما عن مجمع البيان ومن الهجر أيضا المهاجرة وهي في الأصل مفارقة الغير ومتاركته كما في قوله عز وجل: ((وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا)) أي خرجوا من دار الكفر إلى دار الإيمان كمن هاجر من مكة إلى المدينة ومقتضى ذلك أيضا هجران الشهوات والأخلاق الذميمة والخطايا والذنوب والعبادات لغير الله عز وجل والأفكار الخرافية الجاهلية وتركها ورفضها والهجر بالضم هو الكلام القبيح المهجور لقبحه وفي الحديث ولا تقولوا هجرا وأهجر فلانا إذا أتى بهجر من الكلام عن قصد وهجر المريض إذا أتى ذلك من غير قصد ، وكيف كان فإن الظاهر أن مرجع الهجر بالضم إلى الهجر بالفتح أيضا لما عرفته من التفسير بالمفارقة البدنية واللسانية والقلبية وبذلك يظهر أن الهجر له مصاديق ثلاثة :

الأول: هو القبيح من القول.

الثاني: هو الهذيان: ولذا قال الثاني والنبي الأعظم وهو على فراش الموت إنه ليهجر والعياذ بالله.

والثالث: هو الاعتزال والمفارقة البدنية، كما قال عز وجل: ((وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا)) هذا والذي تعرض له الفقهاء في الغالب هو الأول: ففي مصباح الفقاهة الهجر بالضم هو الفحش والقبيح من القول ولا خلاف بين المسلمين بل بين العقلاء في مبغوضيته وحرمته وفي مهذب الأحكام متنا وشرحا الهجر أي الفحش من القول وما استقبح التصريح به .

نعم يظهر من تعريف سماحة السيد الشيرازي دام ظله في الفقه إن الهجر على وجه قفل ورد تارة بمعنى القبيح من القول وبمعنى الهذيان أخرى وبمعنى الاعتزال ثالثا.

وكيف كان فان الهجر أو الهجر بمعناه الأول لا اشكال في حرمته بالنسبة إلى من لا يستحقه ويدل على ذلك الأدلة الا ربعة من غير فرق بين كونه إنشاء أو إخبارا أو غير ذلك فمن الأخبار قوله (صلى الله عليه وآله) ( ان الله حرم الجنة على كل فحاش بذيء قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل له فإنك إن فتشته لم تجده إلا لوثة أو شرك شيطان، قيل يا رسول الله: وفي الناس شرك شيطان فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أما تقرأ قول الله عز وجل وشاركهم في الأموال والأولاد إلى آخر الحديث) وعن الصادق (عليه السلام) في خبر أبي عبيدة (البذاء من الجفاء والجفاء في النار) وعن النبي (صلى الله عليه وآله) (أن من أشر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه) وفي خبر سماعة قال دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي مبتدء يا سماعة ما هذا الذي كان بينك وبين جمالك إياك أن تكون فحاشا أو سخابا  أو لعانا فقلت له والله لقد كان ذلك أنه ظلمني فقال (عليه السلام) إن كان قد ظلمك لقد أوتيت عليه إن هذا ليس من فعالي ولا أمر به شيعتي استغفر ربك ولا تعد قلت استغفر الله ولا أعود) وفي صحيحة عبد الله بن سنان ( ومن خاف الناس لسانه فهو في النار) وفي بعض الروايات (من فحش على أخيه المسلم نزع الله منه بركة رزقه ووكله إلى نفسه وأ فسد عليه معيشته) وفي أصول الكافي بسند صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال (كان في بني إسرائيل رجل فدعى الله أن يرزقه غلاما ثلاث سنين فلما رأى أن الله لا يجيبه فقال يا رب أبعيد أنا منك فلا تسمعني أم قريب أنت مني فلا تجيبني قال فأتاه آت في منامه فقال إنك تدعوالله منذ ثلاث سنين بلسان بذيء وقلب عات غير تقي ونية غير صادقة فأقلع عن بذائك وليتق الله قلبك ولتحسن نيتك قال ففعل الرجل ذلك ثم دعا الله فولد له غلام ) وفي وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (يا علي أفضل الجهاد ومن أصبح لا يظن بظلم أحد يا علي من خاف الناس لسانه فهو من أهل النار يا علي شرّ الناس من باع أخرته بدنياه وشر منه من باع أخرته بدنيا غيره) .

وقد عرفتم مما تقدم من التوجيهات بأن أمثال هذه الروايات الواردة في ذكر الآثار الوضعية أما تنشأ من الأسباب الغيبية الماورائية فيكذب فيكون تأثيرها تأثيرا حقيقيا واقعيا من باب الفعل والجزاء وأما إن هذه الأفعال بذاتها لها آثار من هذا القبيل كما تظهر الآثار بالنسبة إلى الأفعال الخاصة بالإنسان كتأثير كلامه إيجابا أو سلبا على الآخرين وتأثير نظراته إيجابا أو سلبا على الآخرين وتأثير فعله إيجابا أو سلبا على الآخرين وهكذا بالنسبة إلى هذه الأعمال وحيث قد ذكرنا بعض ذلك فيما تقدم لا نفصل المسألة هنا .

 وهنا مسائل:

المسألة الأولى: كما لا يجوز سب الفرد المعروف كذلك لا يجوز سب المجهول والفرد المردد بين نفرين أو بين جماعة لأنه إهانة بالنسبة إليهم وكذلك لا يجوز سب أهالي بلد أو قرية كما ذكرناه فيما تقدم لأن الملاك واطلاقات الأدلة تجري فيه.

المسألة الثانية: الظاهر أن الفحش موضوعا هو ما يفهم من الكلام بحسب ظاهره لا ما يقصد وإن لم يظهر قصده منه بحيث يصرف عن كونه فحشا عرفا كما بيناه سابقا في مباحث التورية فمثلا لا يجوز أن يقول للمسلم يا كافر مريدا به الكفر بالجبت والطاغوت كما ورد في زيارة ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسين بن علي (عليه السلام) وكفرت بالجبت  والطاغوت بل وكذا لو قال يا كافرا بالطاغوت ولم يفهم في العرف منه إلا السب وكذا إذا استعمل المستقبل اعتبار الماضي أي قال له يا كافر باعتبار كفره الذي عليه سابقا وهل يجوز باعتبار المستقبل باعتبار علمهم به كقولهم لآبن سعد يا قاتل الحسين وربما يتساءل هل مثل ذلك حرام في حال إيمانه إذا علم فرضا ارتداده احتمالان في المسألة من الانصراف عنه ومن أنه الآن مؤمن فيشمله اطلاقات الحرمة .

المسألة الثالثة: لم يعرف وجه لاستثناء بعض الفقهاء الفحش على الزوجة فان الإطلاق في الحرمة يشمله إلا في موارد الاستثناء وهو لا يختص بالزوجة فان الاستثناء عام يجري في كل موضوع من مواضيعه.

المسألة الرابعة: الإشارة إلى الفحش فحش أيضا كذكر المبتدأ دون الخبر وهكذا فإنها عرفا من الفحش أما ذكر القبيح من الكلام بدون توجيهه إلى أحد وإلى مجهول فالظاهر أنه ليس من المحرمات وإنما من منافيات الأخلاق.

المسألة الخامسة: الظاهر أن الفحش مما يختلف باختلاف العادات والأقوام والأشخاص ومورد الشك في الشبهة الموضوعية أو المفهومية هو البراءة إلا أن الاحتياط حسن على كل حال .

في مواجهة بعض المنافقين بكلمة يا لكع أو يا حائك أبن حائك أو يا منافق ابن كافر وثكلتك أمك ونحو ذلك فان صحة النسبة كان لردع عن المنكر أو التنبيه عليه أو لغير ذلك من جهات المصالح الأهم مع أن الظاهر أنه قد يشك في صحة بعض ذلك كما يشك في ما نسب إلى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) من القول لبعض اليهود يا اخوان القردة أو الأمر باغتيالهم مما هو منقول منها مربوط باليهود وبالإسرائيليات ومن الواضح أنهم من أكثر الناس غرورا قديما وحديثا والذي يؤيد هذا الشك أن مثل الأمرين غير مسبوق في كلماته وأفعاله (صلى الله عليه وآله) بالنسبة إلى غيرهم من الأعداء والخصوم حتى أنه لا يجد المتتبع سندا واحدا صحيحا في تلك التواريخ التي تذكر الأمرين .

كما أن نسبة بعض العامة الأمر بالتعذيب لبعض اليهود إلى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) مقطوع العدم وآثار الكذب لائحة عليه بل أنه (صلى الله عليه وآله) لم يجب اليهودي القائل السام عليك بلفظ السام ونهى عائشة عن لعنهم كما نهى أصحابه عن ذلك فكيف يمكن أن يصدر منه مثل هذا الفعل .

وكيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا أن هجو غير المؤمن من الكافر والمخالف قد يجوز وقد لا يجوز بحسب العناوين المختلفة، هذا بالنسبة إلى الهجر القولي وأما الهجر بمعنى الهذيان فقد عرفت أن الثاني نسبه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو من أشد المحرمات لأنه (صلى الله عليه وآله) قال عنه القرآن ((وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى)) فبناء عن هذا لا إشكال أيضا في حرمة نسبته إلى المؤمن فإنه من الهجر أيضا وفيه الإيذاء والظلم والهجر والهتك والنقيصة للمؤمن .

وأما الهجر بمعناه الثالث: أي الاعتزال والمفارقة – فقد وردت فيه أخبار مشددة والظاهر أن اطلاقات الأدلة تشمله إلا ما خرج بالدليل كبعض الموارد التي قام النص والفتوى على جوازها كهجر الزوجة المستحقة لذلك كما قال سبحانه وتعالى: ((وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ)) فهو جائز بالنسبة للزوج إذا كان من مراتب النهي عن المنكر وقد عرفت من هذا بأن دخول المسألة في عنوان النهي عن المنكر يخرجها موضوعا عن المحرم وأما إذا انطبق عليه عنوان الهجر المحرم فلا إشكال في حرمته حينئذ.

الرابع من المحرمات هو القيادة:

 وهي في اللغة السعي بين اثنين لجمعهما على الوطي المحرم ذاتا ويعبر عنها بكلمة الدياثة وقد يطلق الأول على الأعم من الثاني لاختصاصه بجمعه بين زوجته ورجل أجنبي أو الأعم منه كالجمع بين إحدى محارمه والأجنبي ، ولا شبهة في حرمتها وضعا وتكليفا بل ذلك من ضروريات الإسلام وهي من الكبائر الموبقة والجرائم المهلكة ويدل على ذلك بالإضافة إلى العقل الحاكم بقباحة هذا الصنيع الذي فيه تضييع النطف والأنساب وتنهدم الأسر والعوائل وكذلك بالإضافة إلى الإجماع القائم على حرمته وبالإضافة إلى أنه من مصاديق التعاون على الحرام الذي لا شك في حرمته يدل عليه متواتر الروايات فعن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) عن جبرائيل قال أطلعت في النار فرأيت في جهنم واديا يغلي فقلت يا مالك لمن هذا؟ فقال الثلاثة المحتكرين والمدمنين الخمر والقوادين) وفي رواية الساباطي عن الصادق (عليه السلام) في تفسير حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعن الله الواصلة والمواصلة والفاجرة والقوّادة) وفي رواية ابن سنان عن حدّ القواد قال يضرب ثلاثة أرباع حدّ الزاني خمسة وسبعين سوطا وينفى من المصر الذي هو فيه) وفي رواية أخرى لا يدخل الجنة عاق ولا منّان ولا ديوث) وفي رواية الكرخي قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الواصلة والمستوصلة يعني الزانية والقوّادة وعن عيون الأخبار وأما التي كانت تحرق وجهها وبدنها وهي تجر أمعائها فإنها كانت قوّادة وفي عقاب الأعمال عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) (ومن قاد بين رجل وامرأة حراما حرم الله عليه الجنة ومأواه جهنم وساءت مصيراً ولم يزل في سخط الله حتى يموت) .

والظاهر أن هذا وإن لم يشمل من يجمع بينهما لا للزنا بل لمقدماته كالملامسة خصوصا إذا كان أحدهما غير قابل بالحب والعفل ونحوهما من موانع الوطيء إلا أنه محرم أيضا لأنه من مصاديق التعاون على الحرام ومثله من يجمع بين رجلين أو امرأتين للواط أو المساحقة  وكذلك في غير البالغين من الثلاثة لأنها محرمات لهم أيضا وكذلك بالنسبة إلى الحرام العرضي إذا كان بهذا القصد كالحائض وفي حالة الإحرام كلاهما أو أحدهما أو في عدة وفي الشبهة أو ما أشبه ذلك وهنا مسائل:

المسألة الأولى: الجمع بين الكافر والكافرة اللذين يستحلان ذلك أو يجمع بين كافرين أو كافرتين كذلك لأنهم يستحلون ذلك في دينهم فيه احتمالان:

الاحتمال الأول الجواز لقاعدة الإلزام وأنه موضوعهم ليس من قبيل القيادة المحرمة عندنا إلا أنه خلاف الاحتياط .

 والاحتمال الثاني هو الحرمة لأنه المدار في الأحكام على الواقع وهذا واقعا معين على وقوع الحرام مضافا إلى إمكان القول بشمول إطلاقات الأدلة لمثله أيضا كما يفهمه المتشرعة بل يمكن أن يقال مثله بقيام الإجماع عليه أو ينطبق عليه عنوان إشاعة الفاحشة والمسألة بحاجة إلى مزيد تأمل.

نعم لا فرق في الحرمة في الانسانين بين أن يكون كلاهما أو احدهما معتقدا بالحرمة نعم فيما إذا كان كلاهما يعتقدان بالحرمة فيها أشد كما لا فرق بناءً على احتمال الجواز المتقدم بين الكافر والمخالف إذا أجاز كما في اللواط للمسافر على ما ذكر بعضهم .

المسألة الثانية: الظاهر أن القيادة وكل شيء مرتبط بها حرام من التكلم مع الطرفين والإتيان بأحدهما على الآخر أو الإتيان بهما إلى محل ثالث أو العقد مع أحد الطرفين أو معهما لهذا الأمر وكذا أخذ المال من أحدهما أو منهما والعقد حرام وضعا أيضا وليس فقط تكليفا كما أن المال محرم يضمنه من يأكله وإن رضي الطرف وربما يزاد على حرمة ذلك فيما إذا كان من أحد الطرفين اكراه كما تمارسه بعض وكالات البغاء في الغرب حيث يعطي المريد منهما شيئا للوكالة في قبال الإتيان بالآخر فيجبر أو يكره أو يلجأ إلى القبول وربما يخدّر بواسطة المخدرات ويسرق ويأتى به إلى الطالب فيصحو من غفلته ويرى أن الأمر قد انقضى والعياذ بالله.

المسألة الثالثة: إذا كانت المرأة ذات زوج فالحرمة أشد وتشتد الحرمة في المحارم وكذا في المحرمين أو المحرمين أبديا.

المسألة الرابعة: إن ما ذكر من حد القيادة إنما هو إذا لم يشدد بواسطة حرام آخر كالإكراه والتخدير وإلا أضيف تعزيره إلى حده أيضا والظاهر أن جمعهما للواط له التعزير لا حد القيادة إلا إذا فهم الملاك .

المسألة الخامسة: لا فرق في الساعي للجمع الحرام بين الرجل والمرأة ومنه بل من أشده من يجلب الرجال إلى المبغى أو يجلب النساء إلى محل الرجال وكذلك جذب الرجال إلى مراكز الجنس كما يقاد في بعض البلاد الغربية كما لا فرق في حرمة القيادة بين كون المرأة عفيفة أو فاجرة وإن لم يستبعد بأن تكون في الأول أشد حرمة فقد روى الكليني (رضوان الله عليه) إلى ابن سنان قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أخبرني عن القوّاد ما حده قال لا حد على القواد أليس إنما يعطى الأجر على أن يقود قلت: جعلت فداك إنما يجمع بين الذكر والأنثى حراما قال المؤلف بين الذكر والأنثى حراماً قلت هو ذاك قال يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة وسبعين سوطاً وينفى من المصر الذي هو فيه) ولو لم يكن انصراف كانت الرواية أعم من ان يقع الجماع بينهما أم لا وتفصيل الكلام حول هذه المسألة مرتبط بباب الحدود فنرجئها إلى محلها.

المسألة السادسة: التعارف بين الزانين واللائطين والمتساحقتين بسبب الإعلام كالجرائد والانترنت والبريد الالكتروني وما أشبه ذلك كما هو متداول في بعض بلاد الغرب محرم أيضا وموجب للتعزير وأخذ المال بالنسبة إلى التعريف بينهما بواسطة الأجهزة المتطورة والمؤسسات والمنظمات المقيمة لذلك حيث يعطي الطالب أو الطالبة مالاً لشخص أو صندوق فيخرج أسامي المطلوبين وأعمالهم وصورهم من ذلك الجهاز تلقائياً أو يقدمها الأخذ إذا كان شخصا أو مؤسسة ويحصل التعارف بينهما حينئذٍ فيذهبان إلى الحرام والعياذ بالله.

المسألة السابعة: لو تاب القوّاد فالأموال التي استحصلها إن عرف أصحابها وجب ردّها عليهم حتى وإن دفعوها إليه بالرضا وذلك لما عرفت من أن الشارع حرم هذا المال فحاله حال مال الزانية والمقامر حيث الحرمة المقطوع بها واما إن جهل أصحابها كان من مجهول المالك وحينئذ تترتب عليه أحكامه كما ذكره الفقهاء في باب الخمس ، ولو أسلم القوّاد وكان كافراً وكان من دينهم الجواز فالأموال له لجب الإسلام عما قبله وإن كان من دينهم الحرمة فالأموال له أيضا كما ذكرناه من الجب وضعاً وتكليفاً حيث أنه كيفية أموالهم على ما فصله الفقهاء في قاعدة جب الإسلام عما قبله.

المسألة الثامنة: الجمع بين الرجل والمرأة لأجل النكاح دواماً أو متعة من المستحبات الأكيدة وقد تظافرت الروايات بالنسبة إلى النكاح الدائم ولعل الثاني يفهم منها بالإطلاق أو بالملاك أو من باب أنه إعانة على الطاعة.