المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 052.doc
  • الخامس من محرمات السلوك الاجتماعي الشخصي هو الغناء

ولا خلاف في حرمته في الجملة بين الشيعة وأما العامة فقد التزموا بالحرمة لجهات خارجية وإلا فهو بنفسه أمر مباح عندهم أو عند أكثرهم ففي فقه المذاهب الأربعة قال فالتغني من حيث كونه ترديد الصوت بالالحان لا شيء فيه ولكن قد يعرض له ما يجعله حراماً أو مكروهاً وعلى هذا المنهج تفصيل المذاهب الأربعة .

ثم قال فما عن أبي حنيفة إنه يكره ويجعل سماعه من الذنوب فهو محمول على النوع الحرام منه ونقل الغزالي فـي الاحياء عن الشافعي قوله لا اعلم أحد من علماء الحجاز كره السماع وقد استدل الغزالي على الجواز برقص الحبشة والزنوج فـي المسجد النبوي يوم عيد واقرهم الرسول ثم ذكر أن حرمة الغناء من جهة المحرمات الخارجية كما فـي فقه المذاهب الأربعة أيضاً وقد تظافرت الاحاديث من طرقهم حول الغناء اثباتاً ونفياً كما في سنن البهيقي .

 وكيف كان فقد اجمعت الشيعة على حرمته قال فـي المستند بعد أن ذكر موضوع الغناء فلا خلاف فـي حرمة ما ذكرناه أنه غناء قطعاً ولعل عدم الخلاف بل الاجماع عليه مستفيض بل هو اجماع محقق قطعاً بل ضرورة دينية وفـي متاجر الرياض بل عليه اجماع العلماء كما حكاه بعض الاجلة وهو الحجة.

وكيف كان فان الغناء حرام بلا فرق بين استعماله فـي كلام حق كآيات القرآن الكريم أو الدعاء أو غيره شعراً أو نثراً بل يتضاعف عقابه فيما يطاع به الله تعالى كقراءة القرآن ونحوها ويستثني من ذلك بعض الاستثناءات كما ستعرفه وقد قامت الادلة الثلاثة بل الأربعة عن حرمته كما يظهر من الجواهر فانه الباعث على الفجور وكلما كان باعثاً على الفجور فتحريمه عقلي أيضاً ويشهد له تعريف الغناء كما عن بعض اهلة الخبرة بأن الغناء داعية الزنا وانه ينوب مناب الخمر ويفعل فعله وينقص من الحياء ويزيد بالشهوة .

أما الكتاب فجملة من الآيات الشريفة التي فسرتها الروايات الواردة عن المعصومين عليهم الصلاة والسلام بالغناء منها قوله سبحانه وتعالى ( واجتنبوا قول الزور ) ففـي رواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) (قال هو الغناء) ومن المعلوم ان مراده (عليه السلام) بالغناء هنا بيان المصداق لا الانحصار كما بيناه غير مرة من أن الأحاديث المذكورة فـي تفسير القرآن مسوقة لتنقيح الصغريات وبيان المصاديق فلا تدل على الانحصار بوجه حتى يمكن حصر الدلالة بها .

ومن الآيات قوله عز وجل (ومن الناس من يشتري لهوالحديث ليضل عن سبيل الله والمراد بالاشتراء بقرينة المفعول اعطاء المال ونحوه لأجله فعن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) الغناء مما وعد الله عليه النار ثم تلا هذه الآية ) ومثله غيره من الروايات ومن هذه الرواية يفهم أن الغناء من الكبائر أيضاً لانه الله وعد عليه النار وقد نسب الطبرسي هذا إلى اكثر المفسدين أيضاً .

ومنها قوله سبحانه وتعالى فـي صفات المؤمنين ((وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)) وفـي تفسير القمي ورد فـي معنى الاعراض أي عن الغناء والملاهي وكونه صفة المؤمنين معناه أن ما عداه ليس من صفتهم ومن المعلوم إنه لا يكون الذم إلا للحرمة وإلا فالكراهة بحاجة إلى القرينة وهي مفقودة فـي المقام وأما من السنة فمتواتر الروايات منها رواية الشحام عن علي (عليه السلام) ( بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة ولا تجاب فيه الدعوة ولا يدخل فيه الملك) وعنه أيضاً (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل ((وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)) قال قول الزور يعني الغناء قد ورد عنه (عليه السلام) عدة روايات تقرب من العشرة فـي تفسير الآية الكريمة بالغناء وعنه (عليه السلام) تفسير لهو الحديث بالغناء فـي عدة روايات أخرى كما ذكر الروايات الحر العاملي رضوان الله عليه فـي الوسائل فـي الباب التاسع والتسعين من أبواب مايكتسب به وفـي صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله وهو من قال الله عز وجل (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ) ومنه (عليه السلام) الغناء عش النفاق) (وعنه (عليه السلام) فـي رواية حسن بن هارون الغناء مجلس لا ينظر الله إلى اهله) وعن الصادق (عليه السلام) أيضاً (شر الاصوات الغناء) وفـي رواية حسن بن هارون قال(سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول (الغناء يورث النفاق ويعقب الفقر) ومنها ما فـي الوسائل من انه حرام نشره وتعليمه وتعلمه واستماعه والتكسب به وانه يورث القساوة وينزع الحياء ويرفع البركة وينزل البلاء كما نزل البلاء على المغنين من بني اسرائيل وإنه مما وعد الله عليه النار وبئس المصير وإن صاحب الغناء يحشر من قبره أعمى واخرس وأبكم وأن من ضرب فـي بيته شيئاً من الملاهي أربعين يوماً فقد باء بغضب من الله فان مات فـي الأربعين مات فاسقاً فاجراً ) إلى غير ذلك من المضامين المدهشة التي اشتملت عليها الاخبار المتوائرة والروايات الواردة فـي حرمة الغناء الدالة أيضاً على أثاره الوضعية فضلاً عن أحكامه التكليفية كالحرمة .

وأما الإجماع فقد عرفت تواتره فـي كلامهم ولا يضر بعد ذلك احتمال مخالفة الارد بيلي والفيض والخراساني فان كلامهم محتمل لا مقطوع به كما لا يخفى على من لا حظ كلماتهم فـي إلا ستثناءات التي ذكروها فالا ستثناء كاشف عن الحرمة الأولية فـي الجملة لكن خرج من الحرمة موارد وحيث لا يسعنا المقام تفصيل كلماتهم والنظر فيما ذكرناه نوكل المسألة الى المفصلات .

وأما العقل فما ثبت بالعلم الحديث من إنه يؤثر تأثيراً شديداً على الاعصاب ويفقدها توازنها ومن المعلوم أن اختلال الاعصاب منشأ لكثير من الامراض وقد ابتلي بها المسلمون وغيرهم ولا يبعد أن تكون هذه الأمراض الشديدة التي تصيب العالم من هنا وهناك على رغم تقدمه العلمي وتطوره التكنولوجي بعض آثارها من هذه الأفعال والصنائع التي يصنعونها فـي الغناء ونحوه وأن كانت الارتباطات بينها وبين هذه الأمراض والمآسي خفية ولعل المستقبل سيكشف لنا بعض هذه الارتباطات ولربما لا يكشفها لقصور فـي العلم أوفـي العالم ولذا قال (عليه السلام) بيت الغناء لا يؤمن فيه الفجيعة ) هذا مضافاً إلى المفاسد الاجتماعية والنفسية التي يسببها الغناء ومحافله فـي المجتمع هذا مضافا إلى السيرة المستمرة المركوزة فـي اذهان المتشرعة من حرمة الغناء فيشمله قوله سبحانه وتعالى أيضاً ((وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ)) وهنا مسائل:

المسألة الأولى: فـي تعريف الغناء فقد عرفوه بتعاريف مختلفة إلا أن الظاهر أنها ليست تعاريف حقيقية لعدم الأطراد والانعكاس فيها وعدم جامعتيها للافراد وما نعيتها للاغيار ففـي لسان العرب الغناء من الصوت ما طرب به وفـي المجمع البحرين الغناء ككساء الصوت المشتمل على الترجيع المطرب أو ما يسمى فـي العرف غناء وإن لم يطرب سواءً كان فـي شعر أو قرآن أو غيرهما .

وعن المصباح إنه مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب وعن الشافعي إنه تحسين الصوت وترقيقه كما فـي المصباح وفـي فقه المذاهب إنه ترديد الصوت بالالحان وقد ذكر فـي المستند وأشار إلى كل ما قيل فـي معنى الغناء وقال أن كلمات العلماء من اللغويين والأدباء والفقهاء مختلفة فـي تفسير الغناء وهذا كاشف عن كونها تعاريف غير حقيقية ولذا عرفه سماحة السيد الأستاذ دام ظله فـي الفقه بأنه الصوت المطرب وفـي مصباح الفقاهة أن المستفاد من مجموع الروايات بعد ضم بعضها إلى بعض أن الغناء المحرم عبارة عن الصوت المرجع فيه على سبيل اللهو والباطل والإضلال عن الحق سواء تحقق في كلام باطل أو في كلام حق وسماه في الصحاح بالسماع ويصدق عليه فـي العرف إنه قول زور وصوت لهوي فإن اللهو المحرم قد يكون بآلة لهو من غير صوت كضرب الأوتار وقد يكون بالصوت المجرد وقد يكون بالصوت فـي آلة اللهو كالنفخ بالمزمار والقصب وقد يكون بالحركات المجردة كالرقص وقد يكون بغيرها من موجبات اللهو وعلى هذا فكل صوت كان صوتاً لهوياً وكان معدوداً في الخارج من الحان أهل الفسوق والمعاصي فهو لهو محرم ومن اظهر مصاديقه الأغاني الشائعة فـي الراديوات ونحوها وما لم يدخل فـي المعيار المذكور فلا دليل على كونه غناء فضلاً عن حرمته وإن صدق عليه بعض التعاريف المتقدمة ولا يبعد ارجاع المسألة إلى العرف فـي تشخيص مصداق الغناء أو أرجاع المسألة إلى أهل الخبرة أولى فان العرف يميز فـي مسموعاته ما كان غناء أو ليس بغناء  فان مايسمعه أهل الفسوق والعصيان واضح عند الناس جمعاً وما يقرأ فـي الإندية وفـي المجالس للتلهي وللطرب وما أشبه ذلك يتميز كثيراً عند الناس بين ما يقرأ فـي الأناشيد مثلاً وما يقرأ فـي المدائح أو الأشعار المشتملة على الحكم والمواعظ والزيارات أو مدح الأوصياء والأعاظم من العلماء ونحوهم كما انهم يميزون بينما يقرأ للطرب والفرح وما أشبه ذلك وما يقرأ فـي المراثي فإيكال المسألة إلى العرف فـي تشخيص مصداق الغناء ربما يكون أولى .

خصوصاً وإن لذائذ القوى الجسمانية جميعها مما تدرك ولا توصف فكما أن لذ ائذ البصر والشم والذوق وغيرها من سائر القوى الجسمانية يتعذر تحديدها بحد جامع مانع كذلك لذائذ السمع أيضاً وكلما قرب التحديد من جهة بعد من جهات ولعل لهذه الجهة لم نعثر على تحديد جامع ومانع للمسألة فان تمكن أحد مثلاً على تفسير ملاحة الجميل بتفسير جامع مانع يتمكن على تفسير الغناء كذلك إلا أن الظاهر انه أمر متعسر ومتعذر فان الجميل كل يعرفه بتعريف قد لا يعرفه الآخر به فتتداخل التعاريف من بعض الجهات وقد تفترق ولذا فإن القول بان هذه التعاريف من قبيل الشروح الاسمية أولى وقد أتى كل واحد منهم بشيء من التعريف خصوصاً فـي هذه الازمان الذي صار مفهوم الغناء والاغنية من الامور الشائعة عند الناس عامة وجعل تعليمها وتعلمها من الفنون التي يدرسها الأساتذة للطلاب فـي بعض الجامعات والمعاهد والمدارس وما أشبه ذلك ولذا فان الإيكال إلى أهل الخبرة وإلى العرف فـي تحديد معنى الغناء وخصوصياته أولى من التعرض له.

المسألة الثانية: النسبة المنطقية بين مجرد تحسين الصوت والغناء المحرم هي العموم من وجه اذ ربَّ صوت حسن لا ينطبق عليه الغناء المحرم كالمدائح والمراثي ونحو ذلك ورب غناء محرم لا ينطبق عليه الصوت الحسن كأغاني أهل الفسوق والعصيان فـي مجالس الطرب اللهو وما أشبه ذلك إذا كان الصوت غير حسن لانه لحسن الصوت مراتب كثيرة جداً وكذا الكلام بالنسبة إلى الطرب والترجيع أيضاً له مراتب كثيرة على ما يشهد له الوجدان وفصله أهل الخبرة بالمعاهد الخاصة لهذا العمل.

المسألة الثالثة: أن المرجع فـي تشخيص هذا الموضوع هو أهل الخبرة ومتعارف الناس كما ذكرنا وهو ما صرح به فـي الجواهر أيضاً ومع الشك فـي الصدق فمقتضى الأصل الموضوعي والحكمي عدم الغناء وعدم الحرمة من حيث الصوت وأما من حيث الآلات اللهوية المحفوفة به أو من حيث تهييج الشهوة المحرمة أو من حيث اختلاط الرجال بالنساء أو ما أشبه ذلك فيكون محرماً أيضاً من تلك الجهات أي من جهة اقترانه بآلات للهو أو من جهة تهييجه للشهوة أو من جهة الاختلاط لكن الأحوط الإجتناب فـي الشبهة الموضوعية أيضاً خصوصاً مع الالتفات إلى الأثار الوضعية الكبيرة التي تترتب عليه كما عرفته مما تقدم.

نعم على المكلف أن يفحص فـي تشخيص الموضوع انه من الغناء على ما ارتضيناه تبعاً لجمع من الفقهاء في لزوم الفحص حتى فـي الشبهات الموضوعية خلافاً لمشهور الفقهاء والأصوليين حيث اجازوا عدم الفحص فـي الشبهات الموضوعية وأوقفوا لزوم الفحص فـي الشبهات الحكمية .

وكيف كان فان المكلف إذا أشتبه عليه الأمر وإن هذا الصوت الذي يسمعه هو من قبيل الغناء أو لا ، يجب عليه الفحص ليتميز الموضوع ولو فحص ولم يتوصل إلى حل فيبقى فـي صورة الشك وحينئذ يجوز له العمل بالبراءة واصالة الحل .

ويتفرع على هذا بان المؤمن إذا سمع الغناء فـي منزل المؤمنين أو فـي ديارهم أو ما أشبه وجب عليه النهي عن ذلك لما عرفته من قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإذا كان فـي بلد الكفر أو فـي بلد اهل الخلاف الذين يرون حلية ذلك فانه لا يجب عليه ذلك لقاعدة الإلزام كما لا يجب النهي عن الفقاع أو عن المسكر فـي بلد الكفار وفـي بلاد أهل الخلاف إذا استحلوا على ما عرفته مما تقدم .

كما يجب ازالة الغناء من آلات لتسجيل الخاصة كاشرطة الكاسيت أو افلام الفيديو أو الأقراص اليزرية ونحو ذلك إذا امكن كماهو الغالب والا وجب كسر آلته فانه مثل القمار والصليب والصنم وما أشبه ذلك يجب إزالتها لأنها من مواد الفساد ويجب اجتثاث أصول الفساد من المجتمع المسلم كما لا يخفى .

المسألة الرابعة: فـي مستثنيات الغناء

اذ أن الادلة استثنت من الغناء المحرم موارد منها:

المراثي سواء كانت لسيد الشهداء (عليه السلام) أو لسائر المعصومين (عليهم السلام) وفـي استثنائها أقوال ثلاثة: القول الأول للمحقق الاردبيلي كما فـي محكي شرح الارشاد حيث استثنى مراثي الحسين (عليه السلام) وأيده بأن البكاء مطلوب ومرغوب فيه وثوابه عظيم والغناء معين على ذلك وانه متعارف دائماً فـي بلاد المسلمين فـي زمن المشائخ إلى زماننا هذا من غير نكير وهو يدل على الجواز غالباً ثم أيد رأيه هذا بما دل على جواز النياحة فـي الشريعة المقدسة وبأن التحريم إنما هو للطرب وليس فـي المراثي طرب بل ليس فيها الا الحزن وأيد ذلك بعض متأخري المتأخرين بعمومات ادلة البكاء والرثاء أيضاً.

القول الثاني: وهو للسيد الخوئي قدس سره كما فـي مصباح الفقاهة حيث قال بان المراثي خارجة عن الغناء موضوعاً فلا وجه لذكرها من مستثنيات الغناء ولو سلمنا اطلاق الغناء عليها لشملتها اطلاقات حرمة الغناء المتقدمة فلا دليل على الاستثناء ووجود السيرة على الرثاء واقامة التعزية على المعصومين (عليهم السلام) فـي بلاد المسلمين وإن كان مسلَّماً ولكنها لا تدل على جواز الغناء فيها الذي ثبت تحريمه بالآيات والروايات وأما مادل على ثواب البكاء على الحسين (عليه السلام) وما دل على جواز النوح على الميت فلا يعارض بما دل على حرمة الغناء وردَّ ما ذكره الإردبيلي بانه معين على البكاء بانه ممنوع فان الغناء على ما حققناه من مفهومه لا يجتمع البكاء والتفجع وقال أن ما ذكره من أن التحريم إنما هو للطرب وليس فـي المراثي طرب فهو يدل على خروج المراثي موضوعاً لا حكماً.

القول الثالث: هو للسيد السبزواري قدس سره والسيد الشيرازي دام ظله فـي الفقه حيث تمسكا بعمومات الادلة واطلاقاتها الدالة على حرمة الغناء مطلقاً والسيرة التي أدعيت وادعي فـي مقابلها سيرة أيضاً تدل على المنع بل قال سماحة السيد الشيرازي دام ظله فـي الفقه وجدنا أن أي خطيب يميل فـي صوته إلى ذلك يمنعه المتدينون بل العلماء والربانيون وأما الاستدلال للجواز بحديث من بكى أو ابكى أو تباكى وجبت له الجنة ونحو ذلك فهو استحباب والاستحباب لا يعارض الادلة إلا قتضائية وإلا لقيل فـي مثله بكل محرم عارض مستحباً كالقمار وقضاء الحاجة والزنا وادخال السرور إلى غير ذلك .

وكيف كان فان الظاهر ان المرجع فـي ذلك إلى المفهوم العرفـي فإذا صدق على المراثي بانها من قبيل الغناء الذي يغنى فـي مجالس أهل الفسوق والعصيان وما أشبه ذلك فانه موضوعاً يكون من الغناء وحينئذٍ تشمله اطلاقات الادلة.

الثاني: من الاستثناء هو القرآن والأدعية والزيارات والمناجاة ونحو ذلك وقد اشتهر بين المتأخرين نسبة استثناء الغناء فـي القرآن إلى صاحب الكفاية حيث قال فـي تجارة الكفاية أن غير واحد من الأخبار يدل على جواز الغناء فـي القرآن بل استحبابه بناء على دلالة الروايات على استحباب حسن الصوت والتحزين والترجيع به والظاهر انه لا شيء فيها يوجد بدون الغناء علة ما استفيد من كلام أهل اللغة وغيرهم على ما فصلناه فـي بعض رسائلنا إلا أن الظاهر هو أن مفاد هذه الروايات خارج عن الغناء موضوعاً فلا دلالة فيها جواز الغناء بالقرآن .

بل وردت الروايات الصريحة بالنهي عن قراءة القرآن بالحان أهل الفسوق والكبائر الذين يرجعون القرآن ترجيع الغناء وفي رواية ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اقرؤوا القرآن بالحان العرب واصواتها واياكم ولحون أهل الفسق واهل الكبائر فأنه سيجيء اقوام من بعدي يرجعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة وقلوب من يعجبه شأنهم ) كما رواه الوسائل بسند ورواه المستدرك بسندين وعلى الجملة فان قراءة القرآن بالصوت الحسن وان كان مطلوباً للشارع فانها محدودة بانها إذا لم ينطبق عليها عنوان الغناء والاكانت من المحرمات لإطلاقات

الأدلة الدالة على حرمتها ولا فرق فـي ذلك بين قراءة القرآن وقراءة الأدعية أو الزيارات وغيرها.

الأستثناء الثالث: هو الحداء لسوق الأبل

 وقد ذكر جوازه غير واحد من الفقهاء بل عليه جمع من فقهائنا المعاصرين كالسيد الخوئي والسيد السبزواري وسماحة السيد الشيرازي دام ظله أيضاً وقد استدل عليه بتقرير النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) من ابن رواحة فإنه كان جيد الحداء وكان مع الرجال وكان أنجشة مع النساء فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لابن رواحة حرك بالقوم فاندفع يرتجز فتبعه أنجشة فأعنفت الابل فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنجشة رويدك رفقاُ بالقوارير - اي النساء - وكأنه كان يحدو بهن سريعاً لكن الإشكال على هذا الحديث بضعف السند لانه مرسل إلا أن الظاهر أن الحداء يخرج موضوعاً عن الغناء لانه نحو صوت تتلزذ منه الابل ويوجب حثها على السير وأما أن هذا هو من الغناء المعروف المبحوث عنه فلم يدل عليه دليل من عقل أو نقل .

بل فـي الحديث عن الصادق (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زاد المسافر الحداء والشعر ما كان منه ليس فيه خناء) والخناء نحوترنم يشغل المسافر نفسه به يحث ابله على السرعة فـي السير فلا وجه لكونه مستثنى من الغناء المحرم للشك فـي كونه منه موضوعاُ أصلاً .

 ولهذا قال سماحة السيد الشيرازي دام ظله بان جمعاً من المجوزين من امثال العلامة والشهيد قدس سره وهما من العرف العربي المبتلى بأسفار الأبل بعد استصحاب عدم التغير مثل استصحاب عدم النقل يقوي جانب المشهور وهو الجواز لكن اللازم الاقتصار على أن يكون الحادي رجلاً أما المرأة فانه يكون من الخضوع بالقول إذا كان معها رجال غير محرم كما هو المنساق من الآية أيضاً فحينئذٍ لا يجوز لها لا لحرمة الحداء بل لحرمة الخضوع بالقول بالنسبة إليها وقد قال إلى هذا صاحب الجواهر رضوان الله عليه أو قال وربما أدعي أن الحداء قسيم للغناء بشهادة العرف وحينئذ يكون خارجًا عن الموضوع لا عن الحكم .

  • الرابع: من المستثنيات زف العرائس

 فان المشهور هو استثناءه لجملة من الأخبار منها خبر أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن كسب المغنيات فقال (عليه السلام) التي يدخل عليها الرجال حرام والتي تدعى إلى الاعراس ليس به بأس) وفـي خبره الثاني قال ابو عبد الله (عليه السلام) (المغنية التي تزق العرائس ليس به بأس وليست بالتي يدخل عليها الرجال ) ومن الواضح أن حلية الاجرة ملازم لحلية العمل شرعاً كما أن حرمتها ملازمة لحرمة العمل شرعاً لان الله إذا حرَّم شيئاً حرم ثمنه .

كما أن من الواضح التلازم بين فعل الغناء وسماعه بالنسبة إلى العرائس وكذلك بالنسبة إلى الزف وإلى المجلس الذي يقع فيه الاحتفال فلا يقال أن الاستثناء منحصر فـي الزف فقط

 نعم الاستثناء فـي الغناء فقط من التكلم بالباطل واستعمال الألة الملاهي ودخول الرجال على النساء أو استعال آلات الموسيقى كما لابد من الاقتصار على المغنية دون المغني وعلى الاعراس دون الأفراح وأن كان الحضور كلهم من المحارم .

المسألة الخامسة: الظاهر حلية التصفيق مطلقاً اذ لا دليل على التحريم فيه والظاهر أيضاً أن الرقص بالنسبة  الى النساء للنساء لا دليل على حرمته إلا أن رعاية الاحتياط فـي كل مورد مشكوك سبيل النجاة وفـي صورة الشك فإن الأصل الحل إذا لم يقارن بحرام كما بيناه ومما تقدم يعلم حرمة غناء الزوجين احدهما للآخر إلا فـي ليلة الزفاف ونحوها للملاك الموجود فـي المسألة بل ربما يقال بالاستثناء فـي سائر الاوقات بينهما إلا أن الظاهر إنه لا قائل به كما يظهر من تتبع كلمات الفقهاء فيه كما أشار إليه سماحة السيد الشيرازي دام ظله خصوصاً وهو خلاف اطلاق الادلة وخلاف الاحتياط أيضاً , كما أن استثناء الغناء فـي الأعراس لا تختص الإباحة فيه بليلة الدخلة بل لا يبعد شمول الملاك للايام والليالي التي تحف بها لكن مراعاة الاحتياط أولى .

المسالة السادسة: الظاهر انه ليس فـي ادلة التحريم لفظ موسيقى فإذا كانت بآلة الهو كآلات الموسيقى المتعارفة حرم وإلا فإن لفظة موسيقى تستعمل عند مطلقيها حتى على مثل خرير المياه واصوات الطيور والبلابل وما أشبه ذلك فان الموسيقى لفظة يونانية تطلق على فن الغناء والتطريب وتصطلح على الانغام التي تنبعث من آلات اللهو كالناي وما شابهه من آلات قديمة وحديثة متطورة ترافق غناء المغنين مما تداول استعمالها اليوم فـي مجالس اللهو والطرب ومسرحيات الغناء والرقص وما أشبه ذلك.

المسألة السابعة: لا يبعد أن يكون تعليم غناء الزفاف وتعلمه حلالاً للملازمة العرفية بين حلية الشيء وحلية لوازمه إلا أن يقال بعدم التلازم والاصل هو الحرمة أو يلزم أن يكون لمجلس الزفاف فقط أما التعليم والتعلم مطلقاً فـي غير شأن العرائس فلا اشكال فـي الحرمة إذا كان بالتغني والاستماع وكذلك التعلم من شريط ونحوه أو التغني فـي شريط ونحوه اذ لا دليل على أن الحرام خاص على كون طرفيه كذلك بل يشمل حتى الطرف الواحد أما بدونهما كالا شارة والكتابة والقراءة منها فقد يقال أن مقتضى الاصل الجواز لانه لا يصدق عليه انه غناء أو تغني عرفاً نعم فـي رواية الدعائم ورد حرمة التعلم فقد روي عن الصادق (عليه السلام) انه قال ( لا يحل بيع الغناء ولا شراؤه واستعماله نفاق وتعلمه كفر ) إلا أن المنصرف منها هو المتعارف لا بدون التغني والسماع كما هو محل الكلام .

ولا فرق فـي الحرمة بين أن يغني من يرى الجواز كالكافر والمخالف وان يسمع من يرى الحرمة أو بالعكس فلا يقال أن قانون الالزام يشمله كبيع الميتة والمحرم لمن يستحله          فلا يقال اذ ليس المقام منه بل من قبيل تعاطي الزنا إذا كان طرف منه يحلله وهو يحرمه    كما لا يخفى.

المسألة الثامنة: لا يجوز استماع الغناء حتى فـي صورة الاستشفاء من المرض كما يفعله بعض الاطباء كما فـي صورة الاضطرار إليه وإذا جاز له اللازم الاكتفاء بأقل قدرممكن كماً وكيفاً كما هو كذلك بالنسبة إلى كل اضطرار واكراه لان الجواز فـي هذه الصورة يكون من قبيل الضرورات تقدر بقدرها كما أن القدر المسلم من الجواز فـي الغناء هو الاعراس فلا يجوز الغناء أيضاً لاجل الاصطياد وكما هو المتعارف عند اصطياد بعض الحيوانات حيث ينهار الحيوان بسماع صوته فيصطاده الصياد إلا إذا كان الصياد مضطراً للحمه ونحوه وما أشبه فانه فـي هذه الصورة يكون أيضاً جائزاً لكنه بقدر الضرورة .

السادس من المحرمات السلوكية هو التشبيب بالمرأة الأجنبية

ولا شبهة في حرمة ذكر النساء الأجنبيات واتشبيب بهن كحرمة ذكر الغلمان والتشبيب بهم بالشعر أو النثر وغيره إذا كان التشبيب لتمني الحرام وترجي الوصول إلى المعاصي والفواحش كالزنا واللواط ونحوهما فان ذلك حرام لانه هتك لاحكام الشارع وجرأة على معصيته واما التشبيب بذكر محاسن المرأة أو الغلام واظهار الحب لهما بالشعر سواء كان انشاءً أن انشاداً ونثراً أيضاً وان كان الغالب هو فـي الشعر ففـي حرمته وعدمها قولان في المسألة :

القول الأول وهو للمشهور حيث ذهبوا إلى حرمته لما علم من مذاق الشرع مرجوحية ذلك ويستفاد ذلك أيضاَ من نصوص كثيرة فـي ابواب متفرقة مثل ماورد من النهي عن الخلوة مع الاجنيية لان ثالثهما الشيطان وكراهة جلوس الرجل فـي محل المرأة حتى يبرد وما ورد فـي التستر من الصبي المميز وكذا ما ورد فـي تستر المرأة عن نساء أهل الذمة فانهن يصفن لا زواجهن وان لا يخضعن بالقول فيطمع الذي فـي قلبه مرض إلى غير ذلك مما يمكن استفادة الحرمة منه في التشبيب أيضاَ أما من جهة الأولوية أو من جهة عموم التعليل   ( فيطمع الذي فـي قلبه مرض ) ولا شك ان التشبيب بالمرأة نوع طمع ممن فـي قلبه مرض .

والظاهر انه فـي التشبيب بين المحرم والزوجة والمخطوبة وغيرها إذا كان هناك مخاطب فـي البين اجنبي أو كان هناك سامع اجنبي يسمع الكلام وكما يحرم التشبيب يحرم استماعه أيضاً لانه المنساق من ادلة حرمته وأما لو شك المستمع فـي تحقق شرط الحرمة فمقتضى الاصل عدم الحرمة وأما لو لم يكن سامع فـي البين اصلاً أو كان هناك سامع وكانت المرأة معروفة عند القائل دون السامع ففـي الحرمة اشكال لا حتمال انصراف الادلة عنه .

 كما أن الظاهر شمول الادلة لما إذا كان المشبب بها ميتة بعد تحقق شائر الشرائط أما التشبيب الذي هو عنوان خاص مشهور عند أهل القول من الشعراء فالظاهر الجواز العدم شمول الادلة له هذا بالنسبة إلى قول المشهور ويقابله قول آخر ذهب إليه بعض الفقهاء المعاصرين كسماحة السيد الشيرازي فـي الفقه والمرحوم السيد الخوئي (قدس سره) فـي مصباح الفقاهة حيث ذهبا إلى عدم الحرمة وأن كان اللازم اتباع المشهور فـي المسالة لان الروايات لم يظهر منها لفظ التشبيب بل قال سماحة السيد الشيرازي لم أجد فـي الروايات لفظ التشبيب وعليه فانه لا دليل عليه بنفسه إلا إذا صادف حراما حينئذٍ يكون من المحرمات ولذا استدل الشيخ الانصاري (رض) وغيره بوجوه للحرمة ولم يستدلوا بنصوص الروايات الخاصة فـي هذا المجال ككونه من اللهو ومن الباطل وككون التشبيب هتكاً وتفضيحاً وايذاء وموجباً للاغراء وانه تنقيص ومناف للعفة المأخوذة فـي روايات العدالة وللملاك فـي بعض الآيات والروايات .

فإذن التشبيب بما هو لم يرد فيه نصوص خاصة وانما استفادوا الحرمة من ملاك الروايات كما عرفت وقد قرأت لك مضمون بعض الروايات وأما العامة فالظاهر أن جمعاً منهم ذهب إلى حرمة مطلق التشبيب ففي فقه المذاهب الأربعة بعد أن حكم باباحة الغناء قال فلا يحل الغناء بالالفاظ التي تحتوي على وصف امراة معينة باقية على قيد الحياة لان ذلك يهيج الشهوة إليها ويبعث على الافتتان بها ومثلها فـي ذلك الغلام الامرد كما فـي نفس المصدر السابق عن الغزالي لا اعلم احداً من علماء الحجاز كره السماع ما كان فـي الأوصاف وعن الحنفية التغني المحرم ما كان مشتملاً على اوصاف لا تحل كوصف الغلمان والمرأة المغنية التي على قيد الحياة وكيف كان فان الظاهرانه لا فرق بان يصدر التشبيب عن رجل أو إمرأة حول امرأة أو حول رجل مسلم أو كافر الا إذا كان من مصاديق قانون الالزام عفيفة كانت المرأة أو الرجل أو غيرهما متزوجة أو متزوج أو أعزبين محرم أو غير محرم بالنثر أو بالشعر لرجل أو إمرأة حقيقيين أو خياليين معروفين أو غير معروفين فرداً أو جماعة كالتشبيب حول نساء أو غلمان أو كليهما من أهل بلد فلان أو محلة فلان أو ما أشبه ذلك سمع التشبيب إنسان أو يسمعه فـي المستقبل ولا فرق فيه بين اللفظ والإشارة والكتابة والتصوير فـي الراديو   أو التلفزيون أو جهاز التسجيل أو الفيديو أو ما أشبه ذلك .

 هذا إذا قطعنا بالتشبيب وأما فـي صورة الشك فـي إنه صدر كلام من متكلم وشككنا فـي إنه من قبيل التشبيب أو لا  فالأصل هو الحلية كما أن الاصغاء إليه واستماعه إذا لم يدخل عنوان المحرم لم يكن من التشبيب

ومما تقدم يعرف حال اشعار الغرام حرمة واباحة وحال ما إذا اكتسب وحال ما يعطي له أو لها من ثمن أو اجرة فربما يكون التشبيب جائزاً كالتشبيب بالزوجة لكن يعرض محرم عليه كما إذا كان يسمعه الغير و كان هتكا لها أو اهانة أو ما اشبه ذلك جائزا إذا لم يلستزم محذورا آخر كاشاعة الفاحشة ليس بمحرم لقاعدة الالزام إلا أن الأحوط هو الترك فاتخاد ذلك صنعة كما يعتاده بعض صحفهم أو مجلاتهم أو برامجهم التلفزيونية إذا كان المسلم يتولى بعض بللا البرامج أو بعض المقدمات قد لا يكون داخلاً فـي الباب من باب الالزام لكنه إذا صدق عليه عنوان آخر كالاشاعة للفاحشة أو ترويج الفساد وغير ذلك من عناوين حرمها الشارع مطلقاً من أي احد صدرت وفـي أي زمان ومكان.

السابع. تشبه الرجل بالمرأة وتشبه المرأة بالرجل باللباس

والظاهر عدم حرمة تشبههما إذا لم يكن هناك محذور شرعي خارجي لا طلاق ادلة الجواز إلا أن المشهور من الفقهاء ذهبوا للحرمة فـي ذلك واستدلوا لذلك بالنبوي المشهور ( لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ) واللعن مع عدم القرينة منصرف إلى الحرمة إلا أن جمعاً من الفقهاء منهم السيد السبزواري (قدس سره) فـي مهذب الاحكام والسيد الخوئي (قدس سره) فـي مصباح الفقاهة والسيد الشيرازي (دام ظله) فـي الفقه ذهبوا إلى الجواز وقالوا أن هذا الحديث الذي استدلوا به قاصر سنداً ودلالة لاحتمال أن يكون المراد به الزي التجملي أو تأنث الذكر أو تذكر الانثى أو خصوص اللواط والمساحقة أو الكراهة فـي الجملة فـي غير ما نص فيه على تحريم .

ويشهد لذلك خبر سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن رجل يجر ثيابه قال (عليه السلام) أن لأكره أن يتشبه بالنساء ) وذلك لان الكراهة اعم من الحرمة كما أن جر الثياب ليس من المحرمات بل مكروه قطعاً وعن الصادق عن ابائه (عليهم السلام) (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يزجر الرجل أن يتشبه بالنساء) وينهي المرأة أن تتشبه بالرجال فـي لباسها والزجر يستعمل فـي غير الحرام كما لا يخفى .

ويؤيد ذلك ما صنعه علي (عليه السلام) بعد حرب البصرة حيث أرسل مع عائشة نساء لبسهن لباس الرجال لحمايتها الظاهر إنه (عليه السلام) لم يكن مضطراً فـي هذا العمل حتى يقال أن التشبه محرماً ذاتاً إلا أنه جاز من باب الأضطرار وذلك عدم صدق الاضطرار إليه (عليه السلام) لامكان ارسال غير النساء كما لا يخفى.

 وعليه فأن مقتضى الجمع بين الأدلة هو القول بكراهة التشبه لا حرمته وربما يتفرع على هذا الموضوع إجراء العمليات الجراحية فـي تغيير أعضاء جسم الإنسان كزرع عضو الرجل عند المرأة وعضو المرأة عند الرجل أو أن تقوم المرأة بعملية جراحية توجد التحاءها أو الرجل يقوم بعملية بحيث يسقط شعر لحيته فالظاهر الحرمة فـي هذا لأنه يدخل فـي تغيير خلق الله وأولى منه إذا جعل أحدهما لنفسه بعملية جراحية فرج الآخر مضافاً إلى فرجه أو بديلاً له .

والظاهر أن المسألة بها فروع متعددة فما صدق عليه انه تغيير لخلق الله سبحانه وتعالى فهو حرام وأما فـي غيره كتبديل الأعضاء العادية فـي البدن للضرورات وما أشبه ذلك فإنه يخرج موضوعاً عن التشبه ويتفرع على هذا التمثيليات والمراسم التي يقام فـيها بالتشبيه اذ لا شك فـي جواز لبس الرجل لباس المرأة لاظهار الحزن وتجسم واقعة الطف وأقامة التعزية لسيد شباب أهل الجنة (عليه السلام) بشرط أن لا يكون ذلك هتكأ لهم فإن ذلك خارج موضوعاً عن التشبه .

وفي مصداق التشبه يرجع فيه إلى العرف ويختلف الحكم بحسب الازمان وألعادات والامكنة ويتفرع على هذا الموضوع موضوع التزيين بالذهب والحرير فان الظاهرحرمة تزين الرجل بالذهب سواء لبسه أو لم يلبسه ويحرم على الرجل لبس الحرير وإن لم يكن زينة كما إذا لبسه تحت ثيابه ولذا افتوا بحرمة كليهما وإن كان بينهما العموم من وجه وذلك للنصوص الخاصة منها قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (لا تختم بالذهب فانه زينتك فـي الآخرة) وقوله (عليه السلام) ( جعل الله الذهب فـي الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه ) أما الحرير فالحرم لبسه فقط وقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ( مشيراً إليهما أن هذان محرمان على ذكور أمتي ) وقد اتفق فقهاؤنا وفقهاء العامة بل واستفاضت الأخبار من طرقنا ومن طرقهم أيضاً على حرمة لبس الرجل الحرير والذهب إلا فـي موارد خاصة ففـي فقه المذاهب ، الشافعية قالوا يحرم على الرجال لبس الحرير فلا يجوز للرجل أن يجلسوا على الحرير ولا أن يستندوا عليه من دون حائل ويحرم ستر الجدران به فـي أيام الفر ح والزينة إلا لعذر والحنابلة قالوا بحرمة استعمال الحرير مطلقاً وإن كان بطانة لغيره ومثل الرجل الخنثى وكذلك الصبي المجنون فيحرم إلباسهما الحرير.

 وفيه أيضاً الحنفية قالوا يحرم على الذكور البالغين لبس الحرير وفـي الصغار خلاف وقد رووا فـي هذا المجال أيضاً روايات ووسع بعض فقها ئنا الحرمة حتى بالنسبة إلى زنجير الساعة حيث ذهب صاحب العورة رضوان الله عليه فـي مسألة لباس المصلي بأنه إذا كان زنجير الساعة من الذهب وعلقه على رقبته أو وضعه فـي جيبه ولكن علق رأس الزنجير يحرم لانه تزين بالذهب ولا تصح الصلاة به أيضاً وقد ناقش فـي ذلك بعض فقهائنا أيضاً كما لا يخفى.

هذا وقد ثبت علمياً بأن الذهب يؤثر على الكريات الحمر فـي الرجل دون المرأة وأما إذا كان الذهب أو الحرير فـي جيبه فلا حرمة ولا بطلان لانه لا يصدق عنوان التزين أو اللباس ولا يحرم على الأطفال الذهب والحرير للأدلة الخاصة بالإضافة إلى رفع القلم ولم يستثن منه إلا ما خرج بنص أو فتوى والظاهر أن هذا لم يخرج.

والظاهر أن الذهب إذا طلي بالبياض أو اضيفت إليه مادة غيرت لونه مما هو باق على ذهبيته بعد لم يخرج عن الحرمة إذ ليس الأعتبار باللون لأن الإطلاق يشمله أما الذهب الأبيض الذي يصطلح عليه بالبلاتين وهو من معدن آخر فلا بأس به وإن كان أغلى منه قيمة  لإطلاق الادلة.

الثامن : من المحرمات السلوكية حلق اللحية للرجال

 على الأحوط وجوبا فإن المعروف بين الفقهاء حرمة حلق اللحية للرجال فقد وضعت لذلك رسائل شتى واستدل عليها بأدلة كثيرة إلا أن الظاهر أن عمدة الأدلة واهمها هو التمسك بالسيرة قديماً وحديثاً المعلوم وجودها فـي زمن المعصوم وتقريره لها فان المتشرعة بارتكازاتهم المتشرعية يعدون حلق اللحية قبيحاً ومحرما شرعياً ويفسقون من فعل ذلك من غير ضرورة ويشهد للتقرير وقدم السيرة تفسير علي (عليه السلام) ( جند بني مروان هم أقوام حلقوا اللحية وفتلوا الشارب) وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (إن المجوس جزوا لحاهم ووفروا شواربهم واننا نحن نجز الشوارب ونعفـي اللحى وهي الفطرة )  فأصل المرجوحية مسلمة من زمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا واستفادة الحرمة من هذا النحو من الإهتمام الظاهر انه لا بأس به وان امكن الإشكال فيه .

ويمكن أن يستدل على الحرمة أيضاً بصحيح أبي نصر عن أبي الحسن (عليه السلام) قال ( وسألته عن الرجل هل يصح له أن يأخذ من لحيته فقال (عليه السلام) أما من عارضيه فلا بأس وأما من مقدمها فلا)  وفـي استفادة الحرمة منها قولان:

 الأول : عدم الحرمة وهو ما استفاده السيد السبزواري قدس سره حيث استفاد من قوله (عليه السلام) لا يصح بأنه أعم من الحرمة على ما هو المعروف بين الفقهاء .

والقول الثاني : للسيد الخرئي قدس سره فـي مصباح الفقاهة حيث جعل الرواية عمدة الادلة الدالة على حرمة حلق اللحية وأخذها ولو بالنتف ونحوه ويمكن تأييد ذلك بدعوى الاجماع عليه كما فـي كلمات جملة من الأعلام وعدم نقلهم للخلاف بين الاعلام من الشيعة والسنة أما من أعلامنا فواضح وأما من السنة ففي فقه المذهب الحنفـي قالوا يحرم حلق لحية الرجل ، والمالكية قالوا يحرم حلق اللحية والحنابلة قالو يحرم حلق اللحية والشافعية قالوا وأما اللحية فانه يكره حلقها والمبالغة فـي قصها وفـي سنن البيهقي باب سنة المضمضة رووا عن عائشة قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشر من الفطرة واعفاء اللحية وفـي المصدر ذاته رووا روايات وانما متعددة فـي هذا المجال .

والظاهر أن حرمة الحلق من المسلمات وانما الكلام فـي مقدار اللحية التي لا يجوز حلقها فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن موضوع حرمة حلق اللحية هو اعدامها وعليه لا يفرق ذلك بين الحلق والنتف مما يوجب ازالة الشعر عن اللحية أما مقدار اللحية فـي جانب القلة  فلم يرد فـي تحديده نص خاص فيكون المرجع فيه والمدار هو الصدق العرفـي وعلى هذا فإذا اخذت بالمكينة أو المقراض أو غيرها بحث لم تصدق اللحية على الباقي كان حراما نعم جهة الكثرة منبوذة شرعاً بل البعض ذهب إلى حرمتها أيضاً لورود الروايات أن ما زاد على القبضة ففـي النار والقبضة من الأمور التشكيكية ويمكن أن يراد بها الأخذ من منتهى الذقن ويمكن أن يراد بها مطلق القبض ولو برؤوس الأصابع إلا أن يناقش فـي هذه الرواية من ناحية السند كما ناقش بها بعض .

وكيف كان فانه ينبغي على الرجل أن يبغي لحيته ويكفي فيه مقدار اللحية عرفاً ولو بالشيء القليل الذي يقول عنه العرف بأنه ملتح اذ لا يجب تطويلها كما لا يجوز تطويلها على اكثر من القبضة .

التاسع: من المحرمات هو السب

اذ يحرم سب المؤمن لانه ايذاء وظلم فتدل على حرمته الادلة الأربعة والظاهر أن قبيح بين جميع العقلاء بلا اختصاص بملة دون أخرى فمن الكتاب قوله تعالى (واجتنبوا قول الزور) ومن الواضح أن سب المؤمن من أجلى مصاديق الزور أيضاً وكذا قوله تعالى ( ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالالقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب  فأولئك هم الظالمون) ومن السنة روايات مستفيضة بين الفريقين ففـي موثق ابي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية وحرمة ماله كحرمة دمه) وفـي صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) فـي رجلين يتسابان قال (عليه السلام) (البادي منهما أظلم ووزره ووزر صاحبه عليه مالم يعتذر إلى المظلوم ) .

وأما العقل فقد تقدم إنه ظلم وايذاء للغير فيحكم بقبحه وممنوعيته ، وأما الأجماع فان عليه اجماع المسلمين كما لا يخفى، ولا فرق فـي حرمة السب بين حضور المسبوب وغيبته للاطلاق الشامل لكل منهما والنسبة بين وبين الغيبة هي العموم من وجه فمع قصد الاهانة والنقص وحضور المسبوب فهو سب وليس بغيبة ومع عدم قصدهما وغيبة الطرف وكونه ذكراً له بما يكره غيبة وليس بسب وتتأكد الحرمة فـي مادة الأجتماع لتداخل العنوانين وانطباقه عليهما حينئذٍ والمرجع فيه هو العرف وكلما صدق عليه عرفاً انه سب فيحرم لعدم ورود تحديد شرعي إليه فيكون المرجع هو العرف لا محالة ويختلف بحسب الأزمنة والامكنة والأشخاص فربما يكون لفظ سباً عند قوم ولا يكون سباً عند آخرين والحكم يتبع الموضوع كما ذكرنا .

وكلما شك فيه فليس بحرام لاصالة البراءة النقلية والعقلية عن الحرمة كما لا فرق بين جميع اللغات كما لو سب أهل لغة خاصة بلغة أخرى لا يفهمها المسبوب حرم أيضاً لا طلاق الأدلة الشامل لذلك ولا فرق فـي حرمته أيضاً بين أفراد المسلمين إلا إذا تجاهر المسبوب بمخالفة الشرع بحيث القى الشارع احترامه فلا حرمة له حتى يجري حكم السب بالنسبة إليه كما يجوز سب المتبدع أيضاً لقوله (عليه السلام) فـي خبر ابن سرحان قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم واكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كي لا يطمعوا فـي الفساد فـي الإسلام ) وقد تقدم الكلام فـي موضوع الغيبة وفـي مستثنياتها وأن هذا يدخل فـي باب الاهم والمهم للمصالح الإجتماعية العامة فـي مقابل مصلحة الفرد ويعتبر فـي السب القصد الجدي فإذا كان من المزاح واللهو واللعب فلا يحرم من حيث السب وإن حرم من جهة أخرى كالايذاء والظلم مثلاً لانه ذلك هو المنساق من الأدلة كما فـي كل كلام يترتب عليه حكم شرعي وضعياً كان الحكم أو تكليفياً اذ يعتبر فيه القصد والارادة الجدية .

ولو شك فـي انه هل اراد الجد أو الهزل فمقتضى اصالة الصحة فـي قول المسلم وفعله هو الحمل على الأخير كما لا يخفى ولا فرق فـي حرمة السب بين البالغ وغيره ولا بين الوالد والولد ولا بين الزوج والزوجة ولا المعلم والمستعلم ونحوهما لشمول الإطلاق لجميع ذلك وقد يدعى الانصراف عن الولد غير المميز أو عن الوالد بالنسبة إلى ولده إلا انه مشكل خصوصاً فـي الثاني إلا إذا ثبتت سيرة معتبرة بين المتدينين متصلة بزمان المعصوم بحيث يكون مقيداً لهذا الاطلاق .

ويتفرع على هذه المسألة جواز المقاصة فمن سب احداً فيمكن أن يقال بجواز رده أيضاً بالسب لقوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل اعتدى عليكم) وباطلاق قوله تعالى (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم) ولا اشكال بأن المسبوب مظلوم فيجوز له أن يجهر بالسوء اقتصاصاً لظلامته، وهذا لا خلاف فيه وانما الخلاف فـي جواز الدفاع والرد بالمثل بأن يرده بمثل ما سبه فيه أو يجوز له التعدي إلى الأكثر إذا سب شخص شخصاً وقال له يا حمار أو يا زناء يجوز رده بهذه العبارة فقط أو يجوز له أن يرد قوله يا حمار بقوله يازمّار مثلاً بحيث لا يجوز الرد بالاكثر كما وكيف كما أن يرد على المقامر بقمار أو يسبه أمام واحد فيسبه رداً أمام عشرة أو سبه فـي صورة اختلاف بعضهما أو فـي صورة الانفراد وهو يسبه فـي الملأ العام .

فـي المسألة احتمالان :

مقتضى الاحتياط هو التوقف على المثلية .

ولا يخفى عليك أن السب اعم من سبه الانسان أو متعلقه فلو قال أن ولده أو زوجته أو الهه كذا كان سباً ولذا قال سبحانه وتعالى ((وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ)) وذلك لا يجوز إذا سبب مالا يجوز وان كان في نفسه جائزاً ولا فرق في الحرمة بين الميت والحي كما لا فرق بين اللفظ والاشارة المفهمة ولا بين الكتابة ونحوها فـي الصدق العرفـي بأنه سب.

 العاشر : من المحرمات هو حرمة النظر إلى المرأة الأجنبية

 اذ لا يجوز النظر إلى المرأة الأجنبية ولا يجوز للمرأة النظر إلى الرجل الأجنبي من غير ضرورة للأجماع المدعى فـي المسألة ، بل فـي الجواهر ضرورة المذهب قائمة عليه ويشهد له الأدلة الثلاثة أما الكتاب فقوله عز وجل ( قل للمؤمنين بغضوا من أبصارهم ويحفظوا وجوههم ذلك ازكى لهم والله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو أبا ئهن أو آباء بعولتهن أو ابناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني اخوانهن أو بني اخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الاربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعكم تفلحون) فإن المنساق من الآية عرفاً هو ترك نظر كل من الرجل والمرأة إلى الأخر مطلقاً لا خصوص النظر إلى الفروج خصوصاً بعد قول النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) الى بعض ازواجه حين دخل ابن ام مكتوم وكان أعمى ادخلا البيت فقالت انه اعمى فقال أن لم يكن يراكما فانكما تريانه ) والمستفاد من جميع ما وصل الينا من النصوص بعد ارجاع بعضها إلى بعض وظهور الاطلاق والاجماع هو المساواة بين الرجل والمرأة فـي الأحكام الا ماخرج بالدليل وهذا هو الذي تقتضيه مرتكزات المتشرعين والمتشرعات قديماً وحديثاً وأما استثناء الضرورة فلأدلة نفـي العسر والحرج وخصوص بعض الأخبار الواردة فـي هذا الشأن .

أما العقل فانه يرى أن النظر يؤدي إلى المفاسد التي منها انهدام العائلة ولذا نرى عقلاء الغرب والشرق الذين أباحوا السفور اخذوا ينادون بضرورة الاحتشام وضرورة الرجوع إلى الملابس المحتشمة وستر المرأة مما يكشف أن العقل يلتفت إلى جهات القباحة الموجودة فـي التكشف مضافاً إلى ما فـي النظر إلى المرأة الأجنبية ونظر المرأة الأجنبية إلى الرجل الاجنبي من أثار كبيرة على اعصاب الشباب وعلى انصرافهم للامور التي لا تهم الحياة كثيراً فان الذي يشغل نفسه بالنظر ويمتع النظر للاجنبيات والأجنبيات بالاجانب فانه فـي الغالب يصرفهم إلى المفاسد ويبعدهم عن الاعمال الاهم التي تبني الحياة وتبني مستقبل الانسان أيضاً وهذه مفاسد كبيرة يحكم العقل بلزوم الاجتناب عنها .

هذا مضافا إلى الروايات الخاصة المانعة من ذلك منها رواية محمد بن ابي نصر قال      ( سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يحل له أن النظر إلى شعر أخت امرأته قال لا الا أن تكون من القواعد قلت له أخت امرأته والغريبة سواء قال نعم  ) بل ربما يستدل بجملة من الروايات الدالة على أن النظر سهم من سهام ابليس وان زنا العين وهو النظر وما أشبه ذلك بتقريب أن أحد الإحتمالات فـي هذه الروايات هو النظر إلى الاجنبية فاللازم هو الاحتياط هنا للعلم الاجمالي والشبهة المحصورة كما لا يخفى ولعل مما يشير إلى الجهات العقلية فـي حرمة ذلك خبر محمد بن سنان عن الرضا (عليه السلام) فيما كتب إليه من جواب مسائله وحرم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالازواج وإلى غيرهن من النساء لما فيه من تهييج الرجال وما يدعو إليه التهييج من الفساد والدخول فيما لايحل ولا يجوز وكذلك فيما أشبه الشعور إلا التي قال الله تعالى (والقواعد من النساء آلاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن زينتهن غير متبرجات بزينة) أي الجلباب فلا بأس بالنظر إلى شعورهن .

 ومن الواضح أن استثناء القواعد هو قرينة على حرمة غير القواعد كما لا يخفى واستثني جماعة من الفقهاء من حرمة النظر الوجه والكفين فقالوا بجوازه مع عدم الريبة والتلذذ وهذه المسألة مورد خلاف بينهم فالمنسوب إلى شيخ الطائفة وجماعة منهم صاحب الحدائق والمستند والشيخ الانصاري رضوان الله عليه اختاروا الجواز واستدلوا لذلك بادلة منها صحيح مسعدة ابن زياد ( قال سمعت جعفراً عليه السلام وقد سئل ما تظهر المرأة من زينتها قال الوجه والكفين ) وموثقة علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه (عليه السلام) قال سألته عن الرجل ما يصلح له أن ينظر إليه من المرأة التي لا تحل له قال (عليه السلام) الوجه والكفين ) والخبر المروي عن الصادق (عليه السلام) قلت له ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرماً ، قال الوجه والكفين والقدمين ) إلى غير ذلك من الروايات المستفيضة وربما يؤيد الجواز جملة من المؤيدات .

منها ماذكره الجواهر بقوله مضافا إلى ما يشعر به كثرة السؤال عن الشعر والذراع دون الوجه والكف مع شدة الابتلاء بهما من معلومية الجواز فيهما ويؤيده أيضاً السيرة فـي جميع الاعصار والأمصار فـي عدم معاملة الوجه والكفين من المرأة معاملة العورة وإلى العسر والحرج فـي اجتناب ذلك لمزاولتهن البيع والشراء وسائر التصرفات اليومية التي يعسر على المرأة أن تغطي وجهها أو تغطي كفها أو قدميها وما أشبه ذلك وربما قوله سبحانه وتعالى ((وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها)) يدل الاستثناء فـي الآية إن ما ظهر من الزينة جائز لان الآية قسمت الزينة إلى ما هو ظاهر وما هو غير ظاهر فحرمت ما هو غير ظاهر واجازت ما هو ظاهر الزينة وكذ لك قوله تعالى ((وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)) كاشف عن أن تخصيص الجيوب بوجوب الستر يدل على عدم وجوب ستر الوجه و إلا كان ذكر الوجه أولى لان الخمار يستر الحبيب غالباً ولا يستر الوجه فان الخمار قماش معمول إلى يومنا هذا يلف حول الرأس دون الوجه .

 كما يفهم منه الفرق بين أجزاء جسم المرأة فان الخمار يسد الرأس والرقبة والوجه خارج عنه ولا يخفى عليك ان الاستثناء فـي الجواز على رأي هؤلاء الجمع من الفقهاء هو في صورة ما إذا لم يكن النظر بريبة وتلذذ الا فهو محرم قطعاً حتى فـي الوجه والكفين .

 ويقابل هذا القول قول آخر اختاره جمع من الفقهاء منهم العلامة فـي التذكرة وفـي الارشاد وفـي كشف اللثام وفـي الجواهر أيضاً حيث اختاروا المنع عن النظر إلى الوجه الكفين واستدلوا لذلك بأدلة الأربعة أيضاً أما الكتاب فاستدلوا بقوله تعالى (ولا يبدين زينتهن) وأما العقل فقد قيل أن جمال المرأة فـي وجهها فكيف يمنع غيره ولا يمنع هو وكلما حكم به العقل حكم به الشرع أيضاً .

وأما الاجماع فقد ادعى فـي كنز العرفان اطلاق الفقهاء على أن بدن المرأة عورة الا على الزوج والمحارم هذا مضافاً إلى الروايات فقد استدلوا بقائمة منها والتي منها مادل على أن الزنا العين هو النظر وما تضمن أن النظر سهم مسموم من سهام ابليس وما دل على انه رب نظرة أوردت حسرة يوم القيامة وأنه يدق في عين الناظر يوم القيامة مسامير من نار ) إلى غير ذلك من الروايات والفقهاء المعاصرون انقسموا إلى القولين أيضاً فبعض منهم كسماحة السيد الشيرازي (دام ظله) ذهبوا إلى جواز النظر إلى الوجه والكفين واستدلوا بنفس الادلة التي ذكرها القوم ورد أدلة القائلين بالمنع بأن الآية التي استدلوا بها تحرم الزينة والوجه والكفان خارجان عن الزينة عرفاًَ .

وأما العقل فانه استحسان هنا وليس بدليل عقلي فـي سلسلة العلل حتى تشمله القاعدة هذا بالاضافة إلى أن بعض الحسن أو أقله فـي االوجه فمصلحة التسهيل للمرأة وعلى من هو فـي طرف المعاملة مع المرأة تتقدم على مثل هذا الاستحسان على فرض تحققه .

وأما الإجماع فلم يعلم مورده لانه إذا اراد كل بدن المرأة فلا إجماع قطعاً وأن أراد بعض بدنها لم ينفع الإجماع على ذلك لمحل النزاع .

واما الروايات التي استدلوا بها فاضافة إلى انها غير ظاهرة فـي الحرمة فهي معارضة بالأدلة والروايات التي تقول بالجواز .

ومن القائلين بالحرمة المرحوم السيد السبزواري (قدس سره) كما فـي مهذب الاحكام فانه صرح بعدم الجواز مطلقاً واستدل بما استدل به القوم المانعون ثم قال وببالي أن بعض الفقهاء قال لبعض العوام من المتشرعة أن الوجه مستثنى من حرمة النظر قال ذلك الشخص أن كمال المرأة وجمالها فـي وجهها أن قبل قبل ما سواه و أن ردّ ردّ ما سواه ، فمقتضى الأصل المستفاد من الأخبار والارتكاز عدم الجواز إلا ما دل الدليل على جوازه وأيد ذلك بامور منها ملازمة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة الهداة والتابعين لهم بالاجتناب عن ذلك نحو اجتنابهم عن سائر المحرمات ومنها أن أرباب سائر الأديان السماوية وغيرهم يعرفون المسلمين والمسلمات بهذه الخصيصة فـي الإعصار السابقة ويجعلون ذلك من شعائر الإسلام .

ومنها الملازمة العرفية بين جواز النظر إلى الوجه والكفين وما يقع في الفتن والفساد كما نرى ذلك بحيث لا يخفى ذلك عن الناس فضلاً عن رب العباد ومنها صحة التوبة بالنسبة إلى الناظرين والناظرات إلى الوجه والكفين فيعلم بذلك أن عكسه من المعصية كان مرتكزاً فـي الأذهان .

ومنها قصور ما استدل به على الجواز عن الدلالة عليه فانه مضافاً إلى قصور اسناد جملة من هذه الروايات لعل المراد من مثلها هو عدم وجوب التحفظ عليهن لكون موجوباً للعسر والحرج عليهن وحكم الظهور الاتفاقي لا الإظهار العمدي الاختياري فإن الإظهار الإختياري بعيد عن مذاق الشرع المجد على سترهن والتحفظ عليهن مهما امكنه ذلك فان ذلك بعيد عن مذاق المتشرعين والمتشرعات وذلك لان إظهار الوجه والكفين تارة يكون لأجل أن ينظر الاجانب إليها وتارة يكون اتفاقياُ وتارة يكون لبعض الاغراض الصحيحة غير الملازمة للحرمة ولا يرضى أحد بأن يقول بالجواز فـي الأول وكذا النظر تارة التفاتي وتارة أختياري عمدي إجمالي وثالثة تفصيلي تعمقي يميز بين الخصوصيات ومقتضى المرتكزات استقباح الاخير واستنكاره وفـي الشمول على فرض صحة الدلالة منع وكذا الثاني أيضاً فيبقى الأول مشمول للحرمة .

نعم فـي صورة الضرورة يجوز النظر إليهما مرة واحدة ولا يجوز تكرار النظر ويشهد له استنكار المتشرعة للأولى فضلاً عن الثانية وعن الصادق (عليه السلام) أول نظرة لك والثانية عليك ولا لك والثالثة فيها الهلاك ) وبالجملة حتى الفساق يستنكرون ذلك من أهل العقل والدين فضلاً عن المتشرعات والمتشرعين وربما يمكن أن يجعل التلذذ والريبة من الحكمة للحرمة الفعلية لا العلة فحينئذٍ يحرم النظر مطلقاً لاجل هذه الحكمة .

واحتمال الجواز مشكل وأشكل منه المتسرع إلى الفتوى بالجواز هذا ما قرره السيد السبزواري (قدس سره) وهنا مسائل :

الأول: يستثني من عدم جواز النظر من الاجنبي و الأجنبية مواضع منها مقام المعالجة الطبية للإجماع وقاعدتي نفـي الحرج والضرر وللروايات الخاصة فـي هذا المقام وما يتوقف على المعالجة أيضاً من معرفة نبض العروق والجرح والكسر و الفصد والحجامة ونحو ذلك أيضاً من المستثنيات إذا لم يمكن بالمماثل بأن تكون طبيبة فتراجعها المرأة أو يكون طبيب فيراجعه الرجل لانه مع وجود الطبيب المماثل لا يصدق عليه انه اضطرار فـي مراجعة المرأة للرجل والرجل للمرأة والمراد بالامكان هو العرفـي العادي منه لا الدقي العقلي لعدم ابتناء الشرع عليه كما لا يخفى وحينئذٍ يجوز المس واللمس فـي حورة المعالجة الطبية كما لا يخفى .

ومن الموارد المستثناة :

مقام الضرورة كما عرفت من سابقه ومنها المعارضة بكل ما هو أهم للقاعدة المرتكزة فـي الأذهان من قديم الأزمان المبتنية عليها جملة من الفروع ولابد من تقديم الاهم على المهم عند الدوران ولا بد في تشخيص الأهم والمهم من الرجوع أي فقهائنا الاعاظم أن لم يكن من الوضوح بحيث لا يخفى على العوام .

  • ومن المستثنيات القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً

بالنسبة إلى ما هو المعتاد له من بعض الشعر والذراع ونحو ذلك لا مثل الثدي والبطن ونحوهما مما يعتاد سترهن له وذلك للآية المباركة والاجماع والسيرة وفـي صحيح حريز عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال يضعن ثيابهن قال (عليه السلام) الجلباب والخمار إذا كانت المرأة مسنة ومثله غيره أيضاً.

المسألة الثانية: لا بأس بسماع صوت الاجنبية ما لم يكن تلذذ وريبة للاجماع عليه الجواز حينئذٍ وهو المقطوع من مذاق المتشرعة من غير فرق بين الاعمى والبصير وان كان الاحوط الترك فـي غير مقام الضرورة ويحرم على المرأة اسماع صوتها الذي فيه تهييج للسامع بتحسينه وترقيقه كما قال عز وجل( ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي فـي قلبه مرض ) فالذي يحرم من صوت المرأة هو الخضوع فـي القول وأما الصوت العادي المتعارف فيجوز ويدل على ذلك أيضاً السيرة المستمرة من زمان المعصومين إلى زماننا بل السيرة القطعية فـي جميع الأعصار والامصار من الفقهاء الابرار والمتدينين الاخيار وسؤال النساء من الأئمة الاطهار مع عدم الضرورة والاضطرار نعم نسب إلى المشهور أن صوت المرأة عورة لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (النساء عي وعورة فاستروا عليهن بالسكوت واستروا عورتهن بالبيوت) إلا أن النسبة إلى المشهور غير متحققة والعمل بهذه الرواية معرض عنه عند جمع من الفقهاء .

والاشكال على عدم الخضوع بالقول بان الآية مختصة بنساء النبي غير وارد بعد أن كان الحكم عاماً لكل الناس وتخصيص نساء النبي بالخطاب من باب شدة الأهمية ، ولا يخفى أن المراد بـ (يطمع الذي فـي قلبه مرض ) بمزيد من اللذة بسماع أو نظر أو لمس أوزناً .

وقد عرفت غير مرة أن هذه من قبيل الحكم وليست من قبيل العلل فيشمل الحكم من يطمع ومن فـي قلبه مرض ومن ليس كذلك .

ويتفرع على هذه المسألة حرمة ضرب المرأة رجلها على الأرض مما يوجب صوتاً أو ظهور صوت الخلخال أو المعاضد أو القلادة وغيرها من الزينة بل قيل حتى لو كان ذلك يورث رجة فـي ظاهر الجسم مما يكون مهيجاً و مثيراً فقوله تعالى ( ليعلم ما يخفين من زينتهن ) كلمة بالاضافة إلى أن كل الاقسام تسبب العلم بها يخفى من زينة الجسم أو النشاط أو صوت الذهب ونحوه ولا يبعد شمول مناط الايات كما لو أشارت مما أو جب تهييجاً أو اظهار صوت الزينة فأن المرتكز فـي اذ هان المتشرعة حرمة ذلك أيضاً.

المسألة الثالثة: لا يجوز مصافحة الاجنبية نعم لا بأس به من وراء الثوب كما لا بأس بلمس المحارم أما الأول للاجماع وللنصوص منها خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قلت له هل يصافح الرجل المرأة ليست بذات محرم فقال (عليه السلام) إلا من وراء الثوب والروايات فـي هذا مستفيضة .

المسألة الرابعة: يكره اختلاط النساء بالرجال إلا للعجائز ولهن حضور الجمعة والجماعات أما كراهة الاختلاط فيدل عليه الوجدان والاجماع والنصوص الكثيرة