المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 045.doc

المبحث الثالث: في حريم الجار

 سواءً كان في البيت أو في الأسواق والمحلات التجارية أو في القرى والأرياف ولا يخفى أن في كل ذلك بل وحتى في العيون والآبار فضلاً عن المحلات التجارية وحتى المساجد والحسينيات والدوائر الرسمية وما أشبه ذلك والمقصود من الحريم ما يرتبط بها من الجوانب الأربعة لسور الدار والمنافذ المحيطة به فإن حريم الدار حقوقها وحريم البئر وغيره ماحولها من مرافقها وحقوقها التي يلقى فيها التراب أي البئر التي يحفرها الرجل في مواسم ليس لأحد أن ينزل فيها ولا ينازعه عليها وكيف كان فإن ما يحيط بالدار أو يحيط بالمحل أو يقاربه من الأراضي كالمنطقة المشارفة على باب المحل أو المحيطة به إذا كان له جوانب ثلاثة أو أربعة مفتوحة كما في مثلث بين شارعين أو بين شوارع أربع فإن هذه المناطق المحيطة به تعد حريماً له فيجوز له أن يتصرف فيه بأن يلقي فيها ترابه أو غير ذلك على تفصيلات تتعرض لها إن شاء الله والحريم قد يكون في الأراضي الموات ومثل القرى والأرياف بشرائط الأرض الموات .

فالأرض على نحوين أرض عامرة وأرض موات فالأرض العامرة هي ملك لمالكها ولا يجوز لأحد التصرف فيها إلا بإذنه عدا ما يجوز للمسلمين تملكه من مال الحربي تفصيلات ذكرها وأما الأرض التي لا ينتفع بها أما لانقطاع الماء عنها أو لاستيلاء الماء عليها أو لاستأجارها أو غير ذلك من موانع الانتفاع على وجه يكون به ميتاً فهو للإمام (عليه السلام) لا يملكه أحد وإن أحياه ما لم يأذن له الإمام على شروط لسنا في محلها وعلى أي حال فإن الأرض الموات هي التي لا مالك لها ولا ينتفع بها أحد وفي النهاية أنها الأرض التي لم تزرع وله تعمر ولا جرى عليها ملك أحد فإن هذه لله ولمن عمرها فعن الباقر (عليه السلام) عنه في صحيح الكابلي وجدنا في كتاب علي (عليه السلام) أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله تعالى الأرض ونحن المتقون والأرض كلها لنا فمن أحب أرضاً من المسلمين فليعمرها ويؤدي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها وإن تركها أو خربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها فليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي.

إلى غير ذلك من الروايات وكيف كان فإن من أحيا أرضاً مواتاً فإن له في هذا الأحياء طريق وأساليب بأن يجعلها داراً أو يجعلها بستاناً أو حائطاً أو ما أشبه ذلك فهو أحق بها ويكون لها حينئذٍ حريم وهذا الحريم هو حقوقها بأن يلقي فيها ترابه أو يجعلها مرعى لأغنامه مثلاً أو ما أشبه ذلك وتتجلى هذه الفوائد في مثل القرى والأرياف على ما ستعرفه .

 والقسم الثاني من الحريم في الأراضي التي تكون في المدن أو في الأحياء السكنية أو في الأسواق والمحلات التجارية أما القسم الأول فلا إشكال في أن الأراضي أو المزرعة أو الحريم تختص بأهلها ولا يجوز لأحد أن ينازعهم أو يتصرف فيها بدون إذنهم سواء كانت الأرض المحياة داراً أو بستاناً أو بحراً أو بئراً أو ما أشبه ذلك مما يتوقف الانتفاع بالأرض عليه فإن الأدلة الخاصة كقولهم (عليه السلام) من أحياء أرضاً فهي له ومن سبق من الى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحق به وما أشبه ذلك تجري في مثل الحريم وقد استدل الفقهاء على حرمة التصرف في الحريم إلا بإذن أهله بجملة أمور:

الأمر الأول: عدم الخلاف فيه كما في الجواهر بل في التذكرة بعدم العلم بوجود مخالف بين قدماء الأصحاب وعن جامع المقاصد الاجماع عليه والأمر الثاني قاعدة لا ضرر تدل على أن الشيء الضرري حكماً كان أو وضعاً لم يجعله الشارع فلا ملكية وضعية لعامر في حريم العامر.

الثالث أن حريم العامر مشمول بسبق المسلم فلا يشمله من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم.

الرابع: أن الحريم محيى إذ كل شيء إحياؤه بحسبه فلا يشمله من أحيا أرضاً فيه له.

الخامس: السيرة القطعية حيث أنها قامت على ملكية أو حقية من كان حريماً له.

السادس: أنه حق للسابق عرفاً فيشمله لا يتوى حق امرئ مسلم.

السابع: بعض الروايات مثل صحيح أحمد بن عبد الله (عليه السلام) سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل تكون له الضيعة وتكون لها حدود تبلغ عشرين ميلاً وأقل وأكثر يأتيه الرجل فيقول له أعطني من حدود ضيعتك بكذا وكذا درهماً قال (عليه السلام) إذا كانت الضيعة له فلا بأس، بناءً على صدق كونها أرضه بمجرد كونها حريماً كما هو كذلك عرفاً فيقال أرض فلان إذا كانت حريماً له ومرعى لأبله أو يدل عليه ما دل على أن الشفعة في الدار تثبت في الشركة في الطريق المشترك المصرح به بالخصوص ببيعه معها ثم أن هل أن الحريم يملك كما قال به بعض أم أنه لا يملك بل هو حق كما قال به الآخرون احتمالان في المسألة .

 الاحتمال الأول أن نقول بأنه حق لعدم تصريح الروايات بالملك فيؤخذ فيها بالقدر المتيقن والقدر المتيقن هو الحق وليس الملك.

والاحتمال الثاني: أن نقول أنها ملك لظاهرالرواية من أن الإمام أجاز له البيع فيما إذا طلب منه أن يبيعه مقداراً من المراعي بدرهم أو ما أشبه ذلك على ما بيناه مضافاً إلى صحيح ادريس بن زيد عن أبي الحسن (عليه السلام) ( قال سألته وقلت جعلت فداك أن لنا ضياعاً ولها حدود وفيها مرعى وللرجل منا غنم وإبل ويحتاج إلى تلك المراعي لأبله وغنمه إيحل له أن يحمي المراعي لحاجته إليها قال إذا كانت الأرض أرضه فله أن يحمي من ذلك ما يحتاج إليه قال فقلت له الرجل يبيع المراعي قال إذا كانت الأرض أرضه فلا بأس ) ومن الواضح أن تصريح الإمام بجواز البيع كاشف عن الملكية إلا أن الأقرب هو الأول كما اختاره الجواهر وسماحة السيد الشيرازي في الفقه وفي المسالك بأنه الأشهر ولا يخفى أن حق المالك في الحريم للحريم ليس مثل حقه في داره فليس له أن يمنع الناس الذين لا يزاحمون في المرور بحرية أو النزول فيه بخلاف حقه في عرصة داره حيث له المنع ولذا أرسله الجواهر إرسال المسلمات واستدل له بالسيرة ولربما يستدل له بإنه لم يجعل له الشارع أكثر من الحق الذي لا يمكن مزاحمته لأصالة عدم جعل الشارع لأزيد من ذلك فهو ملك لا يقتضي أكثر من ذكر للأصل والسيرة المذكورين وهنا تفريعان.

 

التفريع الأول: لو صنع بعض الناس في الأرض المباحة داراً في صف مثلاً ثم أراد آخرون أن يصنعوا في قبال دورهم صفاً آخر من الدور بما يحتاجون جميعاً إلى الطريق فما هو قدر سعة ذلك الطريق فيه أقوال ثلاثة:

القول الأول: أن يكون بين الدور مسافة خمسة أذرع وهذا ما ذكره الشرائع قال وحدّ الطريق لمن استتر ما يحتاج إليه في الأرض المباحة خمسة أذرع وهذا هو المحكي عن العلامة في بعض كتبه بل عن الفخر نسبته إلى كثير وقد استدلوا له بأصالة عدم لزوم الأوسعية كستة أذرع مثلاً ولبقاء قاعدة الإباحة في مثل السادسة: وفي الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا تشاح قوم في طريق فقال بعض سبع أذرع وقال بعضهم أربع أذرع فقال أبو عبد الله (عليه السلام) بل خمس أذرع.

وهذه الرواية في مقام التحديد كما لا يخفى لأنها ردّت السبعة والأربعة.

القول الثاني: هو سبع أذرع كما عن الشيخ والشهيدان والكركي وغيرهم واستدل له بخبر مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الطريق إذا تشاح عليه أهله فحده سبعة أذرع.

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) والطريق يتشاح فيه أهله فحده سبع أذرع وفي النبوي الشريف إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبع أذرع.

والثالث: في المسالك حيث قال يمكن حمل اختلاف الروايات على اختلاف الطرق فإن منها ما يكفي فيه الخمس كطرق الاملاك والتي لا تمر عليها القوافل ومنها ما يحتاج إلى السبع وقد يعرض احتياج بعضها إلى أزيد من السبع كالطريق التي يمر عليها الحاج ونحوها مراعاة قدر الحاجة بالنسبة الىالطريق زيادة أو نقصاناً والمحكي عن الكفاية نفي البعد عنه وعن المفاتيح الميل إلى هذا القول وفي الفقه قال سماحة السيد الشيرازي دام ظله وهو الأقرب فإن تعارض الروايات المتقدمة وإن سبب الجمع بينهما القول بالتخيير أو الترجيح بحسب الموازين الأصولية إلا أنها بضميمة قاعدة نفي الضرر والعسر والحرج وبسبب أن الروايات في مورد التنازع والتشاح بين القوم فلا عمومية لها إلا بالمناط ، والمناط غير معلوم فحينئذٍ يجب أن تنزل على الحاجة والحاجة هي المعيار فإن اتفق الجيران مع بعضهم على التباعد بالمقدار الذي اتفقوا عليه فهو المنزل .

 هذا بالإضافة إلى ما دل على الحريم فإن بعض أدلة الحريم يشمل المقام فإذا بني جمع صفاً من الدور في الأرض الموات وأراد بعض بناء صف آخر قبالهم وكانت تلك الدور محتاجة إلى مائة ذراع لكثرة دوابهم وحوائجهم لا يحق للآخرين التضييق عليهم حتى بالزرع إذ الشارع قد صار حريمهم ويؤيده دليل ( لايتوى حق  امرئ مسلم ) ونحوه  .

ولا يخفى عليك أن الحق أمر عرفي فإذا رأى العرف الحق لا يجوز للآخر أن يتوي هذا الحق ويهضمه من صاحبه إذ لا يتوى حق أمريء مسلم فإذا تعارف بناء الدور ذات شارعين من طرفيها لم يحق للمحدث جديداً الصاق داره بدار جاره مثلاً مما يسبب ذهاب شارع من أحد طرفيها وكذلك إذا تعارف كون ثلاثة أطراف شوارع كما إذا تعارف بناء دارين أو تعارف بناء على أربع شوارع وكما إذا تعارف بناء دار وهكذا إذا تعارف بناء ثمانية ثمانية أو ما أشبه حيث لبعضها شارع أو شارعان أو ثلاثة فإن المرجع فيها إلى الحق والحق يحدده العرف ومما تقدم ظهر الحال فيها إذا كانت الدار في عقد المدينة بينهما أقل من خمس أو ست أو سبع واحتيج إلى أزيد فإنه يؤخر إحداهما أو كلتاهما بدليل العسر وما أشبه والظاهر أنه يلزم على بيت المال الدفع للمتأخر من باب الجمع بين الحقين إذ أن بيت المال معد لمصالح المسلمين العامة كما بينه الفقهاء في باب الديات ويؤيده ما ورد في قصة الإمام (عليه السلام) حيث أجاز هدم الدور المحيطة بالبيت الحرام كما يؤيد أصل توسسعة الطريق ما ورد من توسعة مولانا الحجة بن الحسن العسكري عجل الله فرجه الشريف الطريق .

 ومما تقدم يعلم أنه إذا احتاج إلى توسعة الطريق العام أو الطريق الخاص سواءًَ كان في المدينة أو في الصحراء إذا كان في طرف من الشارع الدور وفي طرف الهوة في الجبال أو البحر فإنه يحق للدولة المشروعة أن تجعل الطريق المقرر إذا لم يكن احيتاج عاجل بأن تقرر أن أية دار أو بستان أو ما أشبه ينبغي أن تهدم مكان عليه تأخرها بقدر الاحتياج أو يمكن أن تشرع الدولة بالهدم إذا كان احتياج عاجل لكن مع اعطاء التعويض لأربابها جمعاً بين الحقين.

  ثم أنه إذا بنى إنسان دوراً للبيع في أرضه أو في أرض مباحة له أن يجعل الطريق بينهما أقل من خمسة أذرع ومن لم يشأ لم يشتر أو لم يستأجر من تلك الدور ولذا قال في الجواهر بالنسبة إلى ما إذا أراد أهل الطريق الخاص اختصاره بأن الملك أو الحق لهم دون غيرهم والناس مسلطون على أموالهم نعم ينبغي أن يقال أنه لو اشترى الناس دور ذلك الباني وضاقت عليهم الطرق حق لهم مراجعة الحاكم لتوسعة الطريق فتوسع عليهم على ما ذكر من خراب أحد الطرفين الضار أو كليهما مع الاحتياج إلى خراب كليهما أو أحدهما المعين اخراجه بالقرعة على ما بيّنه الفقهاء في مضائه هذا إذا اتفق العرف أما إذا اختلف حيث أن العرف قد يرى الشيء حقاً بينما لا يرى مثل ذلك الشيء حقاً في مكان آخر لاختلاف الاعتبار مثلاً إذا بنى حائطاً في الطريق لأجل الاستفادة من ظله صباحاً بطرف المغرب وعصراً في طرف المشرق لاسكان العابرين لبيع الطعام والشراب صار ذا حقاً في فيئه بدليل من سبق ولا يتوى حينئذٍ فلا يحق لأحد مزاحمته في ظله بأن له الجلوس هناك وإن حق له الجلوس في غير وقت حاجته كما بيناه في مثل الحريم حيث لا يحق أحد مزاحمة الحريم وإن حق له ما ليس مزاحماً كالمرور ونحوه بينما لا يحق لصاحب الدار أن يمنع إنساناً عن الاستفادة من ظل حائطه حيث لا يعد ذلك حقاً له وكذا لو أنار مصباحه لأجل استفادته من نوره في بساطه حيث يجلس المشترون منه في نوره فإنه لا يحق لأحد بمزاحمته في الاستفادة من نوره بينما إذا أنار مصباحه في دكانه حق للآخرين الاستفادة من نوره بما لا يعد مزاحما له وكيف كان فإنه إن اتفق الجيران على طريق من الطرق في مقدار المسافة أو في طوله أو في عرضه فلا بأس أما في مورد التشاح وما أشبه ذلك فيمكن الرجوع إلى الحاكم لرفع تلك الخصومة للجمع بين الحقين.

 

التفريع الثاني: الدار قد تكون في البلد ونحوه وقد تكون في أرض مباحة ففي البلد قد يكون للدار حريم واحد وقد يكون لها حريمان وقد يكون له ثلاث حريمات إذا كان في طريقها أو ثلاثة أطرافها الشارع ونحوه وكان يستفيد من جميعها مثل أنه شرع الباب في الجميع أو يستفيد منها لطرح التراب والقمامة والرماد وما أشبه ذلك أو السلوك وربط الدابة ووضع السيارة وفي الأرض المباحة قد يكون لها أربع حريمات حيث تكون كل أطرافها تحت استفادته والحريم حق لذي الحريم كما بيناه لاطلاقات من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به ومن أحيا   أرضاً فهي له وإطلاقات لاضرر ولا ضرار ولا يتوى حق أمريء مسلم ألا بطيب نفسه إلى غير ذلك  ، وتعيين هذا الحريم يرجع إلى تعيين الدار إذ أنه قد يجعل للدار حريماً واحداً أو يجعل الأكثر وقد يجعل البعض إذ قد تكون الدار واسعة كبيرة فيكون حريمها أكبر وقد تكون صغيرة فيكون حريمها أقل كما أن الحريم أيضاً معتبر بما تحت الدار إذا كان ضاراً أو كان مناسباً للحق العرفي كالسبق ونحوها فلا يحق لأحد أن يثقب تحت الدار بقدر يراه العرف خلاف حق صاحب الدار أو يلحق ضرراً عليه كما أن الحكم كذلك يجري بالنسبة إلى جوانب الدار في الفضاء فلا يحق لأحد أن يتصرف في الفضاء المسامت للدار من جوانبها بأحد الأمرين مما يضر أو ينافي سبقه وحقه وكذلك بالنسبة إلى ما فوق الدار ولو شك في المنافاة أو الضرر كان الأصل العدم إلا إذا كان مورد قاعدة العدل أو القرعة وكيف كان فإنه يظهر مما تقدم أن من أراد أن يفتح باباً أو ما أشبه فإن أضر بالطريق أو كان ذلك حقاً للغير عرفاً لم يجز له والاجاز له ويؤيده جملة من الروايات المروية في دعائم الإسلام فعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال من أراد أن يحول باب داره عن موضعه أو يفتح معه باباً غيره في شارع مسلوك نافذ فذلك له إلا أن يتبين أن في ذلك ضرراً بيناً وإن كان في رائقة غير نافذة لم يفتح فيها باباً ولم ينقله عن موضعه إلا برضا أهل الرائقة ، وعنه (عليه السلام) أنه قال ليس لأحد أن يغير طريقاً عن حاله إذا كان سابلاً يمر عليه عامة المسلمين وإن كان لقوم بأعيانهم فاتفقوا على نقله إلى موضع آخر لا يضرون فيه من أحد وفي ملك من أباحهم ذلك فذلك جائز.

وكذلك إذا أراد أن يقصروا الطريق أو يجعلوا عليه غلقاً فذلك لهم إذا كان الطريق لقوم بأعيانهم واتفقوا على ذلك وليس لأحد أن يفعل ذلك بالسابلة.

وغير ذلك من الروايات المتفيضة ومهما تقدم يظهر حال القرية بالنسبة إلى حريمها قال في محكي الدروس أن حريم القرية مطرح القمامة والوحل و مناخ الإبل ومرابط الخيل والنادي وملعب الصبيان ومسيل المياه ومرعى الماشية ومحتطب أهلها مما جرت العادة يرصد لهم إليهم وليس لهم المنع فيما بعده من المرعى والمحتطب حيث لا يطرقونه إلا نادراً ولا المنع مما يضرهم مما لا يطرقونه ولا يتقدر حريم القرية من كل جانب ولا فرق بين قرى المسلمين وأهل الذمة والظاهر أن حريم القرية يعتبر به أمران:

الأول: أن لا يكون بعيداً نادر الاحتياج مما لا يعد بالنسبة إلى القرية من إحياء من سبق ومن أحيا وما أشبه كل ذلك لاطلاقات الأدلة الدالة على الحريم.

الثاني: أن لا يكون قريباً غير ضار كمرور القافلة ورعي النبت الزائد عن دوابهم فإن ذلك لا يعد ضرراً ولا سبقاً واحياءً مانعاً ونحوهما ولذا أجازوا الشرب من الأنهر والمشي في الموات إذا كان ملكاً مما لا يضر ولا يعد منافياً لحق المالك كما ذكروه في باب الوضوء إذ أدلة الملك لا تنفي مثل هذه التصرفات.

ثم إذا كانت قريتان بينهما مرعى أو أرض أو ما أشبه كان لهما بالنسبة إذا كان إحياؤهما دفعة أو لم يعلم بالسبق والتقارن وإنما قلنا بالنسبة لأن نسبة كل واحد إلى ذلك الوسط يعد سبقا له وإحياءً، ولو كان اختلاف في كبر القرية وصغرها كان اللازم ملاحظة الاحتياج ونحوه لا الحجم إذا كانتا متساويتين مساحة لكن في إحداهما ألف إنسان وكان في الثانية مائة كان للأولى عشرة أضعاف الثانية وكذا ما لو كان لأحدهما ألف شاة وللآخرى مائة وإن كانت النفوس متساوية وإذا تبدل وضع القرية بأن كان لأحدهما نفس الأخرى نفوساً أو حاجة فتساويا بعد ذلك لم يتوسع حق التي قد زادت لأن الأخرى قد سبق إلى ما تريد الثانية التوسع إليه على مابينه الفقهاء في مضانه.

 

التفريع الثالث: حريم المزارع قال في الشرائع لو أحيا أرضاً وغرس في جانبها غرساً تبرز أغصانه إلى جاره أو تسري عروقه إليه لم يكن لغيره إحياؤه ولو حاول الإحياء كان للغارس منعه وعلل الحكم في الجواهر بكونه من الحريم التابع للملك الذي يرجع بمثله إلى العرف ويؤيد ذلك أيضاً دليل من سبق ومن أحيا ولا يتوى حق امريء مسلم وقاعدة الضرر فإنها باطلاقاتها تشمل هذه المسألة إذ قد يحيى الإنسان مكاناً فعلاً وقد يكون بقوة قريبة وقد يكون بقوة بعيدة لكنها عرفية وقد يكون بقوة بعيدة غير عرفية وفي الثلاث الأولى يكون من الاحياء والسبق وتصرف الغير اكلاً لحق الغير وضرراً فتشمله اطلاقات الأدلة فالأول كما إذا بنى داراً والثاني كما إذا شتل نخلاً وبعد سنة أو ستة أشهر يمتد سعفه فبقدر مدّ السعف كان حريماً للشاتل والثالث كما إذا شق الأرض يريد شتل النخل فاطراف تلك الأرض تكون محياة بالقوة البعيدة أما الرابع فكما لو كانت له أغنام يكفي لها مقدار جريب في أطراف أرضه لكنها إلى بعد عشر سنوات تكون قطيعاً كبيراً فلا يكفي لها الامتداد عشرة جريبات حيث لا يصدق عليها من الآن أنه أحياها أو سبق إليها ولو شك في القوة البعيدة العرفية وغير العرفية كان الأصل البقاء على الإباحة الأصلية لأنها موات ولذا الذي ذكرناه من الحريم في القوة القريبة أو البعيدة عرفاً قال في الجواهر وإن لم يكن بعد قد برزت الأغصان أو سرت العروق فإن الاستعداد كاف بلا خلاف أجده بين من تعرض له ومثل الأغصان في الحكم العروق لوحدة الملاك فيهما وكذلك بالنسبة إلى ما يضر الشجر ونحوه من الدخان والرائحة الكريهة وحجب الشمس والمطر وما أشبه لصدق السبق المانع من كل ذلك فلا يحق لإنسان أن يحفر سرداباً قرب أرض في بستان الغير بحيث يكون مانعاً عن وصول العروق الموجب لموت أو ضعف الشجر أو أن ينصب معملاً يؤذي أشجاره بالدخان أو يسبب الرائحة الكريهة المنبعثة من الدباغة بما يخل بالشجر أو يسبب موته أو ضعفه أو يحجبه عن المطر وكذا لا يحق إيجاد الأمطار الاصطناعية الضارة بأشجاره أو تقليل السحاب المؤدي لعدم المطر الضار به لأن كل ذلك خلاف أدلة السبق والاحياء وينطبق عليه دليل الضرر ولا يتوى حق امريء مسلم أيضاً.

ومما تقدم يظهر أن بعض التحديدات في الروايات إنما هو من باب الغالب مثل ما رواه الصدوق وقرب الاسناد حيث الأول رواه مرسلاً والثاني رواه عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما السلام عن علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال حريم النخلة طول سعفها وروى الكافي والتهذيب عن عقبة بن خالد أن النبي (صلى الله عليه وآله) قضى في حوائر النخل أن تكون النخلة والنخلتان للرجل في حائط الآخر فيختلفون في حقوق ذلك فقضى أن لكل نخلة من أولئك النخل من الأرض بذل جريدة من جرائدها حين يعدها.

 ولا يخفى أن المكان الذي يقطع فيه الثمار من الشجر يسمى هوراً فلذا يقال في العراق في مثل تلك الأماكن الأهوار فإذا كان حوائر فهو جمع حائر المكان الذي يحير فيه الماء لانخفاضه ، ومنه حائر الحصين (عليه السلام) .

فإن البستان غالباً تنخفض لأن الشجر يأخذ من التراب فيتحول إلى جذع وأغصان ونحوهما وكيف كان فإنه يظهر مما تقدم الفرق بين وجود الحريم وعدمه بحسب النية فلو سطح ارضا للعب لم يكن لها حريم أما لو سطح أرضاً للزرع كان لها حريم بقدر طول السعف وذلك لعدم صدق السبق في الأول وصدقه في الثاني.

ومن هنا يختلف الحريم فلو أراد غرس أشجار طول أغصانها ذراع كان الحريم بقدر ذلك ولو كان أغصانها أكثر كان الحريم يتبع ذلك وقد تقدم أن طول الأغصان من باب المثال لا من باب الحصر ولو باع البستان واستثنى شجرة فإنه يتبع مدى أغصانها في الهواء والمدخل والمخرج وغيرهما من الحقوق التي تتبع الحريم كما بيناه، ثم أنه إذا كان حريم لشجر في أرض موات ثم يبست الشجرة وأعرض عن الأرض مالكها أو حصل له الأعراض القهري خرجت الأرض من حقه لأنها موات وكانت من حقه بالإحياء فإذا خرج عنها الإحياء وخرجت عن حقه أما إذا لم يحصل أي من الأمرين ولم يرد غرس أخرى مكانها أو الاستفادة منا عملياً وإنما يريدها لنفسه فهل صارت من حقه أم لا: احتمالان في المسألة هذا بالنسبة إلى حريم الشجر والمزارع ونحوها.

 

التفريع الرابع: في حريم البحر فإنه إذا سبق الإنسان إلى مكان من البحر كان أحق به وصار له حريم لصدق من سبق ولا يتوى وما أشبهه من الاطلاقات من غير فرق بين أن يكون سبق البحر حيث يزرع لتكثير الأسماك أو يكون سبق لإيقاف سفينة هناك أو لا يقاف  زورقه أو سبق لالقاء شبكة فيه لأجل صيده أو سبقه لبناء داره هناك حيث الدور المصنوعة من الخشب يتعارف جعلها في اماكن من البحر لأجل ضيق المكان في البر كما في الهند وغيرها فيكون صاحب الدار أحق بذلك المكان ويكون هناك الطريق بين الدور النافذة وغير النافذة ويكون لتلك الطرق أحكام الطرق في اليابسة ويكون لصاحب الدار أن يبادل مكان داره بمكان دار آخر كما يحق له أن يبيع ويهب ويصالح عن مكان داره لأنه أحق به وقد ذكر الفقهاء في كتاب البيع صحة بيع الحق لاطلاق أدلة ذلك وكذلك يكون مكان الدار المنتقلة حكم الدور المتحركة في اليابسة كما يتعارف الآن في بعض البلاد لأنه أحق بالمكان الواقف فيه من الموات أما تحت تلك الدار في البحر وفوقها فلهما أيضاً حريم كما في اليابسة.

وإذا أوقف شخص جسماً وجعل عليه علامة أو مصباحاً لأجل هداية السفن صار أحق بذلك المكان وله حق أخذ الأجرة من السفن لأجل هدايتها لاحترام عمل المسلم وكذلك إذا جعل العلائم في الصحراء فيما لو كان السائر يستفيد من علائم البر والبحر فإنه حقه ولا يتوى حق امريء مسلم والبيوت إذا صنعت تحت البحر بالنسبة للمستقبل القريب أو البعيد بالنسبة لضيق الأرض بالسكان وللانفجارات السكانية الهائلة فيكون لها حق السبق وحق الحريم أيضاً كما يحق للإنسان أيضاً صنع الميناء لاستقبال السفن ويكون له الحريم فلو أجرى إنسان تجاربه على الروبيان أو الأسماك أو ما أشبه في مكان خاص من البحر لا يحق لأحد مزاحمته إلا أن يكون أخذ أكثر من حقه.

هذا بالنسبة إلى الأراضي الموات وأما بالنسبة إلى المدن والاحياء السكنية فيها والأسواق التجارية والمحلات فهل لها حريم أو لا ؟ .

لا يخفى عليك أن صاحب الدار في الحي السكني قد يملك الأرض التي عليها داره أو دكانه أو حديقته وما أشبه ذلك ويملك الحريم المحلق بها أيضاً فإنه قد يجعل مقداراً من الأرض التي يملكها حريماً فعندئذ هذا الحريم مملوك له ولا يحق لأحد أن يتصرف فيه إلا بإذنه كما يحق له أن يمنع الغير من التصرف فيه وقد يكون الحريم من المنافع العامة الذي هو بين الجيران بنحو الإشاعة فحينئذٍ يكون الحريم لصاحب الدار إذا سبق إليه فهذا حق به ويختص به:

الثالث أن يكون الحريم من المرافق العامة التي لا ملكية لأحد فيها بل هي مباحة للجميع كالشوارع العامة والأسواق ونحو ذلك فإنها تعود أيضاً إلى دليل من سبق فتحصل مما تقدم أن المنافع العامة الحريم فيها يرجع إلى من سبق إذ لا اختصاص فيها لأحد بل لكل أحد أن يختص بموضع سيارته أو وضع كشكه أو المحل الذي يريد أن يبيع فيه أو ما أشبه ذلك بلحاظ أنه سبق غيره إليه: وأما بالنسبة إلى المحلات التجارية في السوق أو بالنسبة إلى البيوت السكنية في المجمعات السكنية أو الاحياء وما أشبه ذلك فالبحث في الأمر الأول واضح لأن من ملك الأرض وملك الحريم فهو مختص به بل وهو ملكه فلا يجوز لأحد أن يتصرف فيه وأما الكلام في الأمر الثاني وهو محل البحث هنا أي ما كانت من المنافع العامة من المشتركات بين أهل المنطقة أو المشتركات بين أهل السوق فهل لصاحب المحل مثلاً أن يمنع غيره أن يقف أمام محله ويبيع شيئاً وهل يحق لصاحب الدار أن يمنع أحداً أن يقف أمام داره أو يوقف سيارته هناك أو يقف ويبيع شيئاً أو يستظل بظل الدار أو ما أشبه ذلك هل يحق له ذلك أو لا ؟  .

الظاهر أن هذه المسألة تتبع إلى الفهم العرفي لأن الحريم ليس من الحقائق الشرعية بل هو مفهوم عرفي يرجع في أصله وفي مقداره إلى العرف أيضاً والعرف في مثل هذه الموارد إذا يقول أن لصاحب الدار حق في الحريم فحينئذٍ هو يختص به ولا يجوز لأحد أن يزاحمه فيه أما إذا لم ير العرف حقاً لصاحب الدار ولصاحب المحل في المناطق المحيطة به وبداره فحينئذٍ لا يحق له أن يزاحم غيره في ذلك بل ترجع المسألة إلى عمومات من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم ولا يتوى حق امريء مسلم وما أشبه ذلك فقد ثبت في محله أن العرف مرجع في أمرين الأول في الفاظ الموضوعات سعة وضيقاً مثل في الماء مطهر فهل الماء يشمل المياه الغازية أو الكبريتية أو لا أو الوطن الموجب لتمام الصلاة والصيام فهل يشمل الوطن من سكن مكاناً وبقي فيه شهرين مثلاً أو لابد أن يبقى فيه ستة أشهر حتى يصدق عليه الوطن إلى غير ذلك من الأمثلة.

الثاني في معنى ألفاظ الأحكام بقوله الخمر حرام فهل الحرام الممتنع الذي فيه العقاب أو أعم من المكروه الذي فيه الحزازة حيث أن الحرام لغة الممتنع قال سبحانه ((وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ)) أي ممتنع.

وكذا في لفظ الأوامر والنواهي الواردة في الآيات الشريفة هل هي مفهومة عرفاً بنحو اللزوم أو مفهومة عرفاً بنحو الكراهة والمقصود به من العرف الذي يؤخذ به في الموضوع والحكم هو عرف زمان المعصومين لا عرف اللغة ولا العرف العام عند الناس وذلك لأنهم الذين نزل عليهم التشريع ومصب كلام الشارع على مفهومهم العرفي لا على الأعراف التي جاءت بعدهم لأنهم (عليهم السلام) تكلموا بلسان القوم ولذا قالوا لو قال الإمام لرجل مدني يجب لأمر كذا رطل من الماء فهم منه رطل المدينة ولو قيل لرجل كوفي ذلك فهم منه رطل الكوفة إذا كان هناك رطلان مثلاً وكيف كان فإذا علمنا بعرفهم كان هو المحكم أما لو لم نعلم بعرفهم كان علينا العمل بما عندنا من العرف في حالة عدم النقل وأصالة عدم النقل أصل عقلائي يعتمد عليه في فهم العقلاء في كل زمان ومكان فإن العرف إذا رأى أن المنافع هي من المشاعات بين أهل المحلة الواحدة أو أهل البناية الواحدة أو أهل السوق الواحدة وما أشبه ذلك فيتبع فيه الحكم العرفي أما إذا اختلف العرف في أنه حق أو ليس بحق فالأصل عدم الحق لأنه شيء جديد لا يعلم به وفي مورد التنازع يرجع فيه إلى الحاكم الشرعي وحينئذٍ فالحاكم عليه أن يتقيد بالحق إذا كان وإذا لم يكن فلا تقييد فالمرجع حينئذٍ إلى المصالحة أو ما أشبه ذلك ولو اختلفت الأعراف من بلد فبعضها تقول أنه حق وبعضها لا تقول به فلكل بلد حكمه كما قال الفقهاء في مثل ذلك في باب المكيل والموزون والمعدود بالنسبة إلى الربا ونحوه .

وهنا تفريعات:

التفريع الأول في طرق الحارات والأسواق وفيه مسائل.

الأولى: التوسعة والتضييق في الطرق جائز برضا جميع من له حق فيه ولا يجوز بعدم رضا أي منهم.

الثاني: مد الأنابيب والأسلاك وحفر الحفر ونحوها في المحلة السكنية بالقياس للبيوت المجاورة والمحيطة بها فالظاهر أن للإنسان ذلك إذا لم يضر بالطريق أو يضر بالجار إذ لا دليل على المنع غير ذلك فادلة  الحلية العامة شاملة له فكيف إذا كان لمصلحة الطريق كجر المياه أو مد أنابيب المياه أو أسلاك الكهرباء وما أشبه ذلك لكن لا يخفى أن المد الذي فيه تخريب الشارع موقتاً يجب أن يلاحظ فيه تقدير الضرورة بقدرها فإذا امكن تنصيف الشارع وإصلاح كل نصف نصف قدم على سد الطريق كما أن الحفر وما أشبه إذا كان لمصلحة واحد من الجيران فإنه ينبغي عليه أن يردم تلك الحفر ويبني تلك الثقوب التي فتحها للأنابيب أو ما أشبه ذلك وأما إذا كان لمصلحة الجميع فإنه ينبغي أن يساهم فيه الجميع.

الأمر الثالث: الاستطراق المتعارف في طرق المحلة وما أشبه ذلك لا اشكال في جوازه بل الطريق وضع لذلك قال في الشرائع أما الطرق ففائدتها الاستطراق والناس فيها شرّع ولا يجوز الانتفاع بها لغير ذلك إلا ما لا تفوت به منفعة الاستطراق كالجلوس غير المضر بالمارة وقد قال في الجواهر: لاجماع الناس عليه في جميع الأمصار .

ولا يخفى أن المراد بالاستطراق أعم من المشي والركوب باقسامهما وأن زاحم مشيه مشي غيره مثل مشي الأعرج والمقعد سواءً بالنسبة إلى نفسه أو دابته وأثاثه وما أشبه ذلك.

الأمر الرابع: الاستطراق غير المتعارف مثل الركض والسير البطيء الضارين بالمارة وما أشبه ذلك من حيث الكم كما إذا كان الجار أو أهل القرية يمرون من ثلاث شوارع فصار بناءهم أن يمروا من شارع واحد مما سبب ازدحامهم فالظاهر أنه لا يجوز لأنه ضرر وليس مثل ذلك مما يستفاد من الدليل ولا يقاس فيما إذا كان الازدحام طبيعياً فإن الازدحام الطبيعي الناشيء من ازدحام المنطقة أو ازدحام الشارع أو لحدوث حادث سبب ذلك كنزوح جماعة من المهجرين أو متضرري الحرب إلى المدينة أو إلى الحملة السكنية فإن وضع الطرق كذلك فحالها حال ما إذا ازدحم على الدكاكين والحمامات الناس فإنه في هذه الصورة يكون الحق لمن سبق كما لا يخفى.

الخامس: الارتفاق بالطريق غير الضار بالمارة كالوقوف والجلوس كما في الشرائع ولذا قال العلامة في القواعد وفائدة الطرق الاستطراق والجلوس غير المضر بالمارة ومثله يقال لمثل إقامة المسمر أو النادي أو المقهى على الطريق.

السادس: الارتفاق غير المتعارف ثابتاً كإخراج السقف الموجب لمنعه الهواء والنور ونحوهما ولو كان المنع قليلاً أو غير الثابت كالوقوف الضار واخراج دكة من إليه أو وضع أثاثه حيث يكون فوق المتعارف كوقوف السيارات على الطرق بما يزاحم المارة أو السيارات العابرة وما أشبه ذلك فهذا غير جائز أيضاً لأن الطريق لم يبن عليه فيشمله لا ضرر ولا حرج وما أشبه والظاهر أن من ذلك الوقوف أمام الدكاكين مما يضر بهم مما لم تجر به العادة فلهم الحق في المنع حينئذٍ بخلاف ما لو جرت العادة حيث أن دليل لا ضرر لا يشمله والطرق لم توضع على خلافه فالمرجع في ذلك إلى العرف كما قلنا فإن كان العرف يرى لصاحب المحل حقاً في ذلك فيها وإلا فلا.

السابع: في القسم المحرم من الارتفاق يمنع عنه الحاكم الشرعي كما يحق للافراد والنهي عن المنكر فيه والظاهر أنه إذا لم ينفع مجرد المنع حتى بالتعزير صح للحاكم جعل عقوبة الغرامة ونحوها من باب النهي عن المنكر كما بينه الفقهاء في كتاب الحدود والتعزيرات لكن ينبغي ملاحظة الضرورات التي تقدر بقدرها والحدود التي تدرء بالشبهات بالنسبة إلى الجاهلين.

الأمر الثامن: لو أفرط في وضع شيء في الطريق أو جلس أو حفر بئراً أو وقف فعثر به أعمى أو في الليل المظلم أو سقط فيه فانكسر أو مات كان ضامناً لأنه سبب وإن كان فعله قد صدر عن جهل أو غفلة لأن الضمانات لا تتوقف على العلم حيث أن اطلاقات الأدلة شاملة للعلم والجهل أو الغفلة أو أن من اتلف مال الغير فهو له ضامن وفي المسألة أيضاً روايات خاصة وأقوال للفقهاء كما لا يخفى على من راجع الجواهر ومفتاح الكرامة والمسالك.

الأمر التاسع: لو سبب المار كالسيارة خراب الطريق لثقلها مثلاً فإن كان التخريب بالقدر المتعارف لم يضر حيث أن الطريق يخرب تدريجياً فلا يشمله أدلة الضمان لانصرافها عنه ومثله ما يستلزم خراب الدار الموقوفة والمسجد من العبور والمرور والكتاب الموقوف على الطلاب وغير ذلك وأما إذا كان ذلك بغير المتعارف كان عليه الضمان لدليل من اتلف.

المسألة الثانية: الظاهر أنه يجوز الانتفاع بالطريق بالمنافع التي لا تنافي طريقيته ولا تضيق على المارة بمختلف وسائلهم كالعربية والسيارة وغيرهما وعدم المنافاة ليس بالنسبة للمرور فقط بل بالنسبة للهواء والضوء وعدم تجمع العفونة والزبالة ونحو ذلك لأن ذلك كله من حق الطريق.

المسألة الثالثة: يجوز فرش الشارع والقير وما أشبه ذلك مما ينفع المارة أو لا يضرهم لاطلاق أدلة البراءة وعدم شمول أدلة المنع له ولذا قال في الجواهر لو بنى بعض أرض الطريق بالآجر بوجه لا يخرجه عن أصل الاستطراق لم يكن بذلك بأس وكذا السقف ولا ينافي ذلك ثبوت حق الاستطراق بعدما سمعت من جواز الارتفاق بغير المضر نعم لا حق له بمنع الناس عن العبور على آجره أو المرور من تحت سقفه إذ بذلك لا يخرج الطريق عن كونه طريقاً ويجوز سقف الطريق أو رفع سقفه برضا المارة المرتبطين بذلك الطريق ورضا أصحاب الدور والدكاكين الموجودين في ذلك الطريق أما الطريق الخاص فواضح وجه رضاهم وأما الطريق العام فلأنه وضع لهم حق فيه فلا يجوز بغير رضاهم وإذا كان في رفع السقف أو جعله مصلحة ملزمة صح ونحوها ما إذا فعله الحاكم الشرعي وإن لم يرض الناس لأن الحاكم مكلف بفعل المصلحة بل الظاهر أن للحاكم أن يقوم بذلك ويأخذ المال منهم بالنسبة إذا لم يكن لبيت المال مورد يمكنه ذلك وكذا الكلام في جعل الحديقة في الشارع في طرفيه أو في الساحات العامة للمصلحة الملزمة وكذلك في جعل السواقي للمياة القذرة ومياه الأمطار والثلج النازل وكذا يحق له جبرهم في قدر حصصهم أو جعل المنظف على نفقتهم إذا لم يكن في بيت المال ما يسد ذلك.

المسألة الرابعة: لو جلس شخص في الطريق للبيع أو الشراء فالوجه المنع إلا في المواضع المتسعة كالرحاب نظراً إلى العادة وقد أيد ذلك في الشرائع وفي القواعد والشرائع ولو جلس للبيع في الاماكن المتسعة فالأقرب الجواز للعادة في مفتاح الكرامة والجواهر نقل مثل ذلك عن التحرير إلا أنه احتمل الملك .

ولكن الظاهر أن مقتضى القاعدة أنه إذاضيق الجالس الطريق لم يجز الا في المواضع المتسعة وغيرها إذ الطريق لم يوضع إلا للاستطراق والارتفاق والبيع والشراء المزاحم لهما تصرف في حق المسلمين بغير وجه أما لو لم يضيق الطريق جاز لعدم الدليل على المنع والأصل الجواز ولعل بذلك يجمع بين هذا القول وقول الشرائع والقواعد إذ ذكروا المواضع المتسعة لعله من جهة عدم التأذي غالباً ومنعوا عن غيرها لعدم التأذي غالباً لا أنهما أراد التفصيل بالدقة وقد أشار إلى ذلك المسالك حيث قال والمشهور التفصيل وهو المنع.

من ذلك في الطريق المسلوك الذي لا يأمن تأذي المارة به غالباً ومرادهم من العادة السيرة من غير نكير وإلا فإن العادة ليست من الأدلة كما هو واضح ومنه يظهر أنه لو أضر الجلوس بعض الوقت دون بعضه الآخر لم يجز الجلوس في الأول دون الثاني سواءً كان الاختلاف في الفصول أو في الليل والنهار أو بالصباح والمساء إلى غير ذلك.