المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 042.doc

بقيت بعض المسائل المتفرعة على المبحث السابق من هذه المسائل

 يستحب للولد أن يبر بخالته كما يبر بأمه كما يستحب له أن يبر بعمه كما يبر بأبيه فعن أبي خديجة سالم بن مكرم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ( رجل فقال له إني ولدت بنتاً وربيتها حتى إذا بلغت فانبتها وحليتها ثم جئت بها الى كليب فدفعتها إلى جوفه فكان آخر ما سمعته منها وهي تقول يا أبتاه فما كفارة ذلك قال: ألك أم حية؟ قال لا. قال فلك خالة حية قال نعم. قال: فابررها فإنها بمنزلة الأم يكفر عنك ما صنعت ) . قال أبو خديجة قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) متى كان هذا فقال كان بالجاهلية وكانوا يقتلون البنات مخافة أن يسبين فيلدن في قوم آخرين) .

والظاهر أن الجاهليين كانوا يقتلون الأولاد تارة لخشية الإملاق والفقر وتارة لخوف زنا البنت ولحوق العار بهم وتارة لأن البنات لا يقدرون على ركوب الخيل وجلب الغنيمة وتارة لما في الرواية الشريفة فما ورد في الرواية الشريفة من سبب القتل ليس من باب الحصر بل من باب المصداق أو اظهر المصاديق ، ولا يبعد أن يكون العم بمنزلة الأب أيضاً ولذا كان يقال له الأب ولولد أخيه الابن وفي القرآن الكريم ((وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ)) مع أن آزر كان عمه وليس أباه وفي زيارة علي بن الحسين الشهيد: السلام عليك يابن الحسن والحسين مع انه ابن الحسين والحسن عمه إلى غير ذلك من الأدلة وكيف كان فإنه يستحب البر بالخالة وبالعم زيادة على غيرهم من الأرحام والأقارب.

المسألة الثانية: ورد في بعض الروايات حق لكبير الأخوة على صغيرهم فيحسن مراعاة الأخ الأكبر وحفظه شداً لعرى التكاتف والتآزر داخل الأسرة الواحدة وضماناً لديمومتها قوية متماسكة في الظروف الاستثنائية التي ربما تمر بها فقد روي عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) حق كبير الأخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده كما أن الولد الأكبر عرفاً بمنزلة الأب أيضاً لكن لا يحق للولد الأكبر أن يضرب أخاه الصغير إلا إذا كان ولياً أو مأذوناً من قبل الولي والولي هو الأب أو الجد الأبي على تفصيل ذكرناه فيما تقدم كما لا يجوز ضرب الأخ البالغ لردعه عن فعل المنكر إلا وفق موازين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الاستئذان في ذلك من الحاكم الشرعي على الأحوط.

المسألة الثالثة: في حدود طاعة الأب والأم فإن من الواجب على الولد اتجاه أبويه أمران:

الأول: الإحسان إليهما والانفاق عليهما إن كانا محتاجين وتأمين حوائجهما المعيشية وتلبية طلباتهما فيما يرجع إلى شؤونهما في حدود المتعارف والمعمول به حسب العرف وحسب سيرة المتشرعة وارتكازاتهم ويعد ترك ذلك تنكراً لجميلهما على الولد وهو أمر يختلف سعة وضيقاً بحسب اختلاف الأحوال من القوة والضعف.

الثاني: مصاحبة الوالدين بالمعروف وعدم الإساءة إليهما قولاً أو فعلاً وإن كانا ظالمين له وقد ورد في النص الشريف وإن ضرباك فلا تنهرهما وقل غفر الله لكما.

هذا فيما يرجع إلى طاعة الأب والأم لكن إذا تزاحم شؤون الوالدين مع شؤون الولد فإنه يجوز للولد أن يناقش والديه فيما لا يعتقد بصحته في آرائهما ولكن عليه أن يراعي الحدود والأدب والاحترام في مناقشتهما فلا يحد النظر إليهما ولا يرفع صوته فوق صوتهما فضلاً عن استخدام الكلمات الخشنة ويراعي المداراة والآداب وتحصيل الرضا مهما أمكن. فإذا تعارضت مصالح الوالدين مع آراء الولد كما لو أراد الولد السفر للتجارة أو السفر إلى بلد للهجرة أو العمل ببعض الوظائف الخاصة التي يراها في مصلحته ولا يرى الوالدان ذلك فإن المسألة لها صور.

الصورة الأولى: أن يتأذى الوالدان من تصرف الولد وهذا التأذي ناشي من شفقتهما على الولد فيحرم التصرف المؤدي إلى ذلك.

الصورة الثانية: أن يكون تأذيهما ناشئاً من اتصاف الوالدين ببعض الخصال الذميمة كعدم حبهما لخير الولد دنيا أو آخرة كما لو أمراه بعصيان أو أمراه بعمل محرم كبيع الخمر أو العمل بالمراقص والملاهي أو العمل بالغناء والموسيقى وما أشبه ذلك من أعمال هي محرمة شرعاً فإنه في هذه الصورة لا اعتبار لتأذيهما كما لا يجوز للولد الطاعة لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

الصورة الثالثة: إذا أمراه بأمر يتنافي مع المصالح العرفية يتنافي مع المعروف الأخلاقي والاجتماعي كما إذا أمرت الوالدة ولدها بتطليق زوجته لمخالفتها لها فحينئذ لا يجب طاعة الأم في هذا المورد كما لا يجب طاعة الأب ولا اثر لقولها إذا قالت : إذا لم تطلق زوجتك فأنت ولد عاق أو حرمت حليبي عليك أو ما أشبه ذلك لكنه ينبغي للولد التجنب عن الإساءة إلى الأم أو الأب بقول وفعل وقد عرفت بما تقدم من المسائل بعض المسائل المتعلقة بهذه الأمور.

القسم الثاني: من الواجبات تجاه الأرحام هي الواجبات المالية قال الله تعالى ((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى)) وفي الآية الكريمة احتمال أن يكون المراد الأعم من الإعطاء الواجب لواجبي النفقة فالإيتاء في الآية الأعم من الواجب والمستحب واستعمل في الجامع بينهما ويحتمل في خصوص الواجب. فالإيتاء واجب إلا أن الأول أقرب ومنه يعرف الوجه في قوله سبحانه ((وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ)) أو ما في بعض الروايات من أن المراد من قوله أن القربى هو الإمام ومن قوله الإيتاء إعطاء الخمس فالظاهر انه من بابل المصداق وكيف كان فإن الواجبات المالية على الأرحام تتجلى في أمور:

الأمر الأول: في النفقة

الأمر الثاني: في الزكاة

الثالث: في الهبة

الرابع: في الصدقة

الخامس: في الإرث

ونتعرض إلى تفاصيل هذه المسائل في البحوث القادمة أما في النفقة فإنه يجب الإنفاق على الأبوين وآبائهما وأمهاتهما وإن علوا على الأولاد وأولادهم وإن نزلوا ذكوراً وإناثاً صغاراً كانوا كباراً مسلمين كانوا أو كفاراً إجماعاً من المسلمين بل وللضرورة من دينهم وللنصوص المتواترة ومن هذه النصوص عن الصادق (عليه السلام) في معتبرة حريز قال قلت من الذي أجبر عليه وتلزمني نفقته فقال الوالدان والولد والزوجة وفي صحيح محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) أيضاً (من يلزم الرجل من قرابته من ينفق عليه قال الوالدان والولد والزوجة) إلى غير ذلك من الروايات وظهور الاطلاقات والاتفاق بين الفقهاء عدم الفرق بين كونهم من المسلمين أو من الكفار لكن لا تجب النفقة على غير العمودين من الأقارب كالأخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وغيرهم للأصل والإجماع. نعم يستجب النفقة على هؤلاء خصوصاً الوارث منهم. أما الاستحباب فلمطلق الأرحام الوارد في قوله سبحانه وتعالى ((وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالأَرْحامَ)) ولقول نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله) (لا صدقة وذو رحم كاشح) مضافاً إلى الإجماع ويشهد له الاعتبار أيضاً وأما انه يتأكد هذا الاستحباب في الوارث منها ورد عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في المعتبر انه سئل عن قوله تعالى ((وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ)) (قال هو في النفقة على الوارث مثل ما على الولد) وفي معتبرة غياث ابن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام) قال أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بيتيم فقال خذوا بنفقته أقرب الناس منه من العشيرة كما يأكل ميراثه.  إلى غير ذلك من الروايات المحمولة على الأفضلية جمعاً كما مرّ وإجماعاً فلا إشكال في أن وجوب النفقة على الأقارب المذكورين من الأولاد والآباء إذا كانوا عن حلال وإذا كانوا عن شبهة لأن ولد الشبهة ولد حلال كما يظهر من الروايات التي تقدم بعضها في باب النكاح أما أولاد الحرام كالمولود من الزنا فهل تجب على الأبوين نفقتهم ؟. احتمالان من أنهم أولاد وآباء لغة وعرفاً وواقعاً تكوينياً بل وشرعاً ولذا قالوا بحرمة التزاوج بينهما وتحقق المحرمية وغير ذلك فتجب النفقة والاحتمال الثاني أن يقال بعدم الوجوب لأن المنصرف في الروايات في وجوب النفقة ما إذا كان ولداً من حلال إلا أن الظاهر أن الأول هو الأقرب كما ألمع إليه سماحة السيد الشيرازي (دام ظله) في الفقه فقال لم أجد من ذكره في المقام ولا يخفى انه لا ينبغي الإشكال في أن الأم كما تجب نفقتها على الأولاد كذلك تجب عليها نفقة أولادها لإطلاق الروايات والأدلة وقد ألمع إلى ذلك الجواهر والفقه أيضاً.

وهنا مسائل:

المسألة الأولى: يشترط في وجوب الإنفاق على القريب فقره واحتياجه بمعنى عدم وجدانه لما يتقوت به فعلاً لأن المناط في وجوب الإنفاق سد الخلة ورفع الحاجة والمفروض انه متمكن منهما وليس المناط صدق الفقر وعدمه إذ رب فقير يمكن رفع حوائجه من الصدقة عليه أو من الوصية المنطبقة عليه.

أو التبرعات أو الأوقاف أو نحو ذلك ورب غني لا يتمكن من ذلك كله هذا مضافاً إلى الإجماع فلا يجب إنفاق من قدر على نفقته فعلاً وإن كان فقيراً لا يملك قوت سنة وجاز له اخذ الزكاة ونحوها لصدق انه محتاج وغير قادر على سد خلته عرفاً والقدرة على الاقتراض أو السؤال والاستعطاف من الأمور غير المتعارفة لا يجعله قادراً على سد الخلة ورفع الحاجة عند المتعارف إذ المناط عند العرف على القدرة المتعارفة عليها إلا القدرة العقلية وأما غير الواجد للنفقة فعلاً والقادر على تحصيله فإن كان ذلك بغير الاكتساب كالاقتراض والاستعطاء والسؤال لم يمنع ذلك عن وجوب الإنفاق عليه بلا إشكال لصدق انه محتاج وغير قادر على سد خلته عرفاً وإن قدر عليه عقلاً. إلا أن المناط في مثل هذه الموارد هو القدرة العرفية لا العقلية الدقية

 وعليه فإذا لم يكن للأب ما ينفق على نفسه لكن يمكن له الاقتراض أو السؤال وكان بحيث لو اقترض يقرضونه وإذا سأل يعطونه وقد تركهما فالواجب على ولده الموسر نفقته لصدق انه محتاج وغير قادر وإن كان ذلك بالاكتساب فإن كان ذلك بالاقتدار على تعلم صنعة يمكن بها إمرار معاشه وكانت متيسرة ولائقة بشأنه. فالظاهر عدم وجوب الإنفاق عليه لفرض قدرته على الإنفاق على نفسه وإن كانت الفرصة المناسبة للعمل غير متوفرة أو كان العمل متوفر إلا انه لا يناسب حاله وشأنه الإنساني ففي هذه الصورة يجب الإنفاق عليه وإن كان كسولاً طالباً للراحة مع توفر العمل الكافي لذلك فإنه أيضاً لا يجب الإنفاق عليه وقد تقدم منا بعض التفاصيل في باب النكاح.

المسألة الثانية: يشترط في وجوب الإنفاق على القريب قدرة المنفق على نفقته بعد نفقة زوجته لو كانت له زوجة دائمة فلو حصل كفاية نفسه خاصة اقتصر على نفسه ولو فرض انه فضل منه شيء وكانت له زوجة فلزوجته فلو فضل منه شيء فللأبوين والأولاد على قول لبعض الفقهاء وعلى قول آخر فهو مخير بين أن ينفق على نفسه أو ينفق على زوجته أو على أبويه. نعم إذا دار الأمر بين النفقة على الزوجة أو النفقة على الأبوين فإن نفقة الزوجة مقدمة على ما بيناه سابقاً.

المسألة الثالثة: المراد بنفقة نفسه مقدار قوت يومه وليلته وكسوته اللائقة بحاله وكل ما اضطر إليه من الآلات لطعامه وشرابه وفراشه وغطائه فإن زاد على ذلك شيء صرفه لزوجته ثم لقرابته كل ذلك لأن هذا هو المنساق من الأدلة مضافاً إلى الإجماع.

المسألة الرابعة: لو زاد على نفقته شيء ولم تكن عنده زوجة فإن اضطر إلى التزويج بحيث يكون في ترك التزويج عسر وحرج شديد أو مظنة فساد ديني فله أن يصرف ما تبقى عنده في التزويج لصيرورة التزويج حينئذ أهم من نفقة القريب والنفقة على النفس لأدلة العسر والحرج والضرر وإن لم يبق لقريبه شيء وإن لم يكن كذلك ففي جواز صرفه في الزواج وترك إنفاق القريب تأمل واشكال ومنشأ الإشكال حينئذ إنه من المستحبات لا من الواجبات أما النفقة على القريب إن كان من العمودين فهو من الواجبات والمستحب لا يزاحم الواجب وإن كان من غير العمودين وكانت النفقة من غير صلة الأرحام فإن صلة الأرحام من الواجبات أيضاً والمستحب لا يزاحم الواجب.

المسألة الخامسة: لا تقدير  في نفقة الأقارب بل الواجب قدر الكفاية من الطعام والأدام والكسوة والمسكن مع ملاحظة الحال والشأن والزمان والمكان بحسب ما مرّ في نفقة الزوجة كل ذلك للأصل وظهور الإطلاق والاتفاق وللسيرة المستمرة قديماً وحديثاً بين المسلمين والمناط في ذلك كله هو العرف والعادة المختلفان باختلاف الأزمنة والحالات والأشخاص.

المسألة السادسة: إذا كان عنده زائداً عن نفقته ونفقة زوجته ما يكفي لإنفاق جميع أقاربه المحتاجين وجب عليه نفقة الجميع لوجود المقتضي وانعدام المانع فتشمله الأدلة وإن لم يكفي إلا للإنفاق على بعضهم فينفق على الأقرب فالأقرب منهم للإجماع ولإصالة تقديم الأقرب ما لم يدل دليل على الخلاف والدليل على الخلاف مفقود وعليه فإذا كان عنده ابن مع بنت مع ابن ابن وكان عنده ما يكفي للإنفاق على أحدهما فينفق على البنت أو الابن دون ابن الابن وإذا كان عنده ابوان مع ابن ابن أو ابن بنت أو مع جد وجدة لأب أو لأم أو كلاهما وكانا عنده ما يكفي للإنفاق على اثنين انفق على الأبوين وهكذا لما تقدم من الأدلة وأما إذا كان عنده قريبان أو أزيد في مرتبة واحدة كالأخوة وكان عنده ما لا يكفي الجميع فالأقرب أن يقيم بينهم بالسوية لأصالة التساوي بالنفقات إلا ما خرج بالدليل وهو مفقود واحتمال التخيير أو التقسيم إلى كل من سبق لا وجه له من عقل أو نقل ولا يتعدى عن مرتبة لمجرد الاحتمال لدى الفقيه الخبير المتتبع.

المسألة السابعة: لو ادعى الابن انه انفق على أبيه لشهرين فقال الأب بل لشهر كان الأصل مع المنكر ولو ادعى انه انفق عليه لشهرين فقال نعم لكنه صرف مقدار شهر لمرضه حيث أن العلاج من النفقة أيضاً احتاج الأب إلى الإثبات ولو كان هناك دار عجزة تقوم بنفقات الأب العاجز مثلاً فإن لم يكن فيها غضاضة وحرج وهتك وإهانة كان بحكم اليسار فلا تجب نفقته على ابنه وأما لو كانت عليه فيها غضاضة بقي وجوب النفقة على الابن وكذا الحال في كل من يقوم بنفقة المنفق عليه من جمعية خيرية أو مرجع ديني أو ما أشبه ذلك من مؤسسات ولو كان له مال يتمكن من صرفه ويكفيه لمدة ستة اشهر كما يتمكن من وضعه في المضاربة بحيث يكفيه دائماً فهو غني بالقوة أما إذا صرفه بدون وضعه في المضاربة ونحو ذلك كان على المنفق إذا افتقر لتحقق الحكم بتحقق الموضوع وكذا حال ما إذا كان مال يكفيه فوهبه الوالد أو صرفه في مسجد أو نحو ذلك أو عمل به المعاصي والمنكرات ولو اشترى بماله كفناً أو قبراً أو ما أشبه ذلك كان لولده حق منعه من النفقة بقدر ذلك فيبيعه فيما إذا أمكن البيع وينفق على نفسه فإذا افتقر حينئذ يكون على الولد النفقة لأن ما بعد الموت ليس من النفقة والأدلة منصرفة عن مثله وإن احتمل ذلك لما دل على استحباب أن يهيء الإنسان كفنه مما يدل على انه من النفقة لكن جماعة من علمائنا المعاصرين كانوا يأخذون الخمس من الكفن باعتبار عدم كونه من النفقة ولا يلزم في غنى المنفق عليه كونه غنياً بالاكتساب أو بيع الزائد بل يتحقق الغنى إذا تمكن من تحصيل المال بما عنده فلو كان عنده نسخة من المصحف الشريف يعطى بإزاء التخلي عنها هدية  مال كثير كان ذلك من الإمكان فتسقط نفقته عن قريبه وإن لم يصح بين المصحف الشريف ولو كان الأب مثلاً مريضاً تقبله المستشفى وتنفق عليه ما دام كونه في المستشفى كما هي العادة في المستشفيات المجانية لم يحقق للوالد عدم دخول المستشفى حتى إذا كان ذلك منافياً لشؤونه أو كان له وجه عقلائي في عدم الدخول ومدة إمكان الدخول يكون من القادر قوة ولو نشزت الأم عن طاعة زوجها فلم ينفق عليها الزوج فإن كان نشوزاً بالميزان الشرعي كان على الولد نفقتها وإلا كانت من الغنية بالقوة وكذا لو نشزت البنت عن زوجها بالنسبة إلى الأب أما لو نشز الرجل عن زوجة كانت تنفق عليه تبرعاً أو منع أبو الزوجة أو أخوها النفقة عند نشوزه عنها فالظاهر وجوب نفقته على ولده أيضاً لأن التبرع لا يجعل الإنسان غنياً مع احتماله في مثله إذا لم يكن نشوزه عن وجه شرعي.

المسألة الثامنة: إن التقاص في نفقة الأقارب جارٍ أيضا فإذا زعم المنفق عليه أن المنفق غني ولم يعطه أو لم يعطه عصياناً أو ما أشبه حق له التقاص وهل يحق له التقاص إذا كان يعتقد عدم استحقاقه اجتهاداً أو تقليداً لا يبعد ذلك لأن التقاص في نظر المنفق عليه صحيح فلا يضر عدم صحته في نظر المنفق والمسألة بحاجة إلى بعض التأمل والتدقيق.

ثم إنه يستحب الاقتصاد في النفقة وهو الوسط العرفي وإن لم يكن الزائد عليه والناقص عنه حرام والأمور الثلاثة عرفيات وتختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص والنظم الاجتماعية وغيرها ولو شك في الحرمة وعدمها كان الأصل عدم الحرمة الا إذا كان هناك استصحاب كما أن الاسراف مراتب بعضها حرام وبعضها مكروه وكذلك التقتير وعن أبان بن سالم قال سألت أبا الحسن عن النفقة فقال ما بين المكروهين الإسراف والتقتير ) ومن الواضح أن السرف والتقتير لا يجوز.

الأمر الثاني من الواجبات المالية هي الزكاة: والزكاة نوعان زكاة المال وزكاة الفطرة. أما زكاة المال لا إشكال في أنها لا تدفع لمن وجبت نفقته على الإنسان كالأبوين وإن علوا والأولاد وإن سفلوا وكذلك الزوجة قال في الجواهر بلا خلاف أجده فيه مع القدرة عليها والبذل لها واعترف به في السرائر بل يمكن تحصيل الإجماع عليه فضلاً عن محكيه في التذكرة والتحقيق والمنتهى صرح بأنها لا يجوز لكل من الوالد والولد أخذها إذا كان مكتفياً بإنفاق الآخر عليه إجماعاً كما لا يجوز للزوج دفعها إلى زوجته مطلقاً إذا كان ينفق عليها إجماعاً ويدل على ذلك الروايات الصحيحة أيضاً منها صحيح عبد الرحمن عن الإمام الصادق (عليه السلام) (خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً: الأب والأم والولد والمملوك والزوجة وذلك بأنهم عياله لازمون له) وفي خبر الشحاط (يعطى منها الأخ والأخت والعم والعمة والخال والخالة ولا يعطى الجد والجدة) وهو واضح لأن الجد والجدة ممن تجب نفقتهم على الإنسان وفي خبر أبي خديجة عن الصادق (عليه السلام) لا تعطي الزكاة أحداً ممن تعول وفي مرفوع العدة عن الصادق (عليه السلام) وهو مروي في العلل أيضاً قال (خمسة لا يعطون من الزكاة الوالدان والولد والمرأة والمملوك لأنه يجبر على النفقة عليهم) وذيل الرواية صريح في التعليل وهو انه من وجبت نفقته على الإنسان لا يجوز له أن يعطيهم من ماله من الزكاة لأن النفقة حينئذ واجبة. نعم يستثنى من ذلك سائر الأرحام فيجوز دفعها إلى من عدا هؤلاء من الأنساب وإن قربوا كالأخ والعلم والخال والخالة والعمة وما أشبه ذلك، بل في موثق إسحاق ابن عمار انهم افضل من غيرهم، من غير فرق بين الوارث منهم كالأخ والعم مع فقد الولد مثلاً وعدمه وخالف في ذلك بعض العامة فمنعوا منه في الأخ بناء على أن على الوارث نفقة الموروث إلا انه معلوم البطلان كما لا يخفى.

والقسم الثاني من الزكاة وهي زكاة الفطرة أي زكاة البدن وهي التي تدفع مقارنة بيوم الفطر وهي من متممات الصيام كما في صحيحي زرارة وابي بصير بأن من تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني الفطرة كما أن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) من تمام الصلاة لأن من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمداً ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) إن الله تعالى قد بدأ بها قبل الصلاة وقال ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)) إلى غير ذلك من الروايات وقد بين الفقهاء أحكام زكاة الفطرة في كتاب الزكاة وكيف كان فإن زكاة الفطرة واجبة على المكلف ولكنه يستحب للإنسان أن يختص بها ذوي القرابة كغيرها من الصدقة فيعطيها لأرحامه ولأقاربه كقوله (عليه السلام) (لا صدقة وذو رحم محتاج) ولقوله (عليه السلام) (أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح) ثم من بعد الأقرباء تعطى للجيران لقوله (عليه السلام) جيران الصدقة أحق بها ولا يخفى انه ينبغي ترجيح أهل الفضل في الدين والعلم قال عبد الله بن عجلان السكوني قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إني ربما قسمت الشيء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيه فقال أعطهم على الهجرة في الدين والفقه والعقل) والمقصود من ذلك بيان أن هذه ونحوها مرجحات ومع التعارض ينبغي ملاحظة الميزان كما أشار إليه في الجواهر والشرائع وفي العروة الوثقى أيضاً.

الثالث من الواجبات المالية: العطية والهبة قال في الجواهر ممزوجاً بالشرائع تستحب العطية لذي الرحم وإن لم يكن فقيراً بلا إشكال ولا خلاف في ذلك وتتأكد في الوالد والولد الذين هم أولى من غيرهم في الأرحام لأنها من صلة الرحم المعلوم ندبها كتاباً وسنة وإجماعاً بل لعله من الضروري بل في المسالك وإنما تستحب عطية الرحم حيث لا يكون محتاجاً إليها بحيث لا تندفع حاجته إلا بها وإلا وجبت كفاية أن تحققت صلة الرحم بدونها وإلا وجبت عيناً لان صلة الرحم واجبة عيناً على رحمه ولا يخفى أن المراد هنا مجرد اجتماع البدل في الصلة بل ما تصدق معه الصلة عرفاً وقد يتوقف ذلك على المعونة بالمال حيث يكون الرحم محتاجاً والآخر غنياً لا يضره بذل ذلك القدر الموصول به بل قد تتحقق الصلة بذلك وإن لم يسع إليه نفسه كما أن السعي إلى زيارته بنفسه غير كاف فيها مع الحاجة على الوجه المذكور من الفقر وما أشبه ذلك وتبعه على ذلك في الكفاية أيضاً وتستحب التسوية بين الأولاد في العطية بلا خلاف بين العلماء كما في محكي التذكرة بل محكي الخلاف والجواهر أيضاً لا فرق في ذلك بين الذكر والانثى بإجماع الفرقة وأخبارهم أيضاً مضافاً إلى الروايات الخاصة الدالة على كراهة التفضيل بين الأولاد والمنساق من التسوية هو جعل الانثى كالذكر وإن تفاوتوا من ناحية الإرث حيث أن الولد يرث ضعف الانثى لا كما يحكى عن شريح واحمد ومحمد بن الحسن من جعل الذكر ضعف الانثى ففي الخبر النبوي العامي انه (قال لبشير بن النعمان لما نحل ابنه النعمان غلاماً أكل ولدك نحلتهم مثل هذا فقال لا، فقال (صلى الله عليه وآله) اردده) هذا ما جاء في رواية وفي رواية أخرى قال ارجعه وفي رواية ثالثة اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم وفي رواية رابعة لا تشهدني على جور هذا مضافاً إلى الاعتبار فإن عدم التسوية بين الأولاد في العطية مثار للشحناء والبغضاء والحسد ولكن لا يخفى أن هناك روايات خاصة تدل على جواز التفضيل منها خبر إلى بصير عن الصادق (عليه السلام) وقد سأله عن الرجل يحض بعض ولده بالعطية قال إن كان موسراً فنعم وإن كان معسراً فلا) وموثقة سماعة سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن عطية الوالد لولده (فقال إذا كان صحيحاً فهو ماله يصنع به ما شاء) وأما في مرضه فلا يصلح وبالجمع بني هذه الأدلة يستفاد منه شدة الكراهة الواضح وجهها باقتضاء ذلك حرمان الوارث أو النقص به خصوصاً بعد إمكان حمل ما في نصوصهم (عليهم السلام) من وقوع التفضيل منه على المزية في الفضل وكيف كان فإنه يجوز تفضيل بعض الولد على بعض في العطية بلا خلاف معتد به بل الاجماع بقسميه عليه بل في الجواهر دعوى تواتر النصوص به والقطع به منها مضافاً إلى أصول المذهب وقواعده وعليه فإن مقتضى الجمع هو التفضيل بين الأولاد في العطية التي هي من المستحبات، على كراهة كما ذهب إليه المشهور من فقهائنا بل في محكي التذكرة نفي الخلاف فيه . هذا قبل القبض وأما إذا قبضت الهبة بالاذن فإن كانت للأبوين لم يكن للواهب الرجوع بها حينئذ إجماعاً محكياً مستفيضاً متواتراً ومحصلاً، وكذا لا يجوز الرجوع في الهبة إن كان الموهوب ذا رحم غير الوالد والولد وقد حكى الاجماع عليه في الجواهر وغيره بل عن التذكرة لا فرق بين الولد وولد الولد وإن نزل الذكور والإناث عند علمائنا لأصالة اللزوم وإطلاق ما دل من النصوص على عدم جواز الرجوع بالهبة بعد القبض المقتصر في تقييدها على غير المقام وأما باقي الأرحام فالمجموع نقلاً وتحصيلاً إنهم كذلك أيضاً ففي الرياض عليه عامة من تأخر من الفقهاء بل قيل قد يظهر من التحرير الإجماع عليه بل عن الغنية دعواه صريحاً وهو حجة، وقد دلت عليه النصوص الخاصة منها صحيح ابن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) الهبة والنحلة يرجع فيها صاحبها إن شاء حيزت أو لم تحز إلا لذي رحم فإنه لا يرجع فيها،) وصحيح عبد الرحمن بن عبد الله وعبد الله بن سليمان، قالا سألنا أبا عبد الله (عليه السلام) (عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن شاء أو لا فقال (عليه السلام) تجوز الهبة لذوي القرابة والذي يثوب عن هبته ويرجع في غير ذلك) هذا هو الأصل الذي عليه جمع من فقهائنا لكن هناك قولان آخران في مقابل هذا القول: القول الأول عن أبي علي وموضع من السرائر والسيد علم الهدى حيث جوزوا الرجوع فيها وفي محكي الخلاف والمبسوط إذا وهب لأجنبي أو لقريب غير الولد فإن الهبة تلزم بالقبض وله الرجوع واستدلوا أيضاً بروايات منها موثق داود عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأما الهبة والنحلة فإنها يرجع فيها حازها أو لم يحزها وإن كانت لذي قرابة ومثله صحيح المعلى بن خنيس ومرسل ابان وهناك قول ثالث عن الكفاية حيث حمل النصوص الدالة على جواز الرجوع حملها على الكراهة إلا أن في الجواهر حيث ذهب إلى القول الأول ردّ على الاستدلال بقوله أن مقتضى قواعد الفقه طرح هذه الروايات التي استدل بها أصحاب القول الثاني لعدم المكافأة من وجوه أو تأويلها بجعل قوله (عليه السلام) وإن كانت لذي قرابة حملها على معنى جواز الرجوع بها قبل القبض وإن كانت لذي قرابة أو غير ذلك من الوجوه وكيف كان فإن المراد بالرحم في هذا الباب وفي الصلة وغيرهما هو مطلق القريب المعروف بالنسب وإن بعدت لحمته وجاز نكاحه وفي المسالك انه موضع نص ووفاق مضافاً إلى آية اولي الأرحام والصدق العرفي وغير ذلك من الأدلة فما ذهب إليه بعضهم من اختصاصه بمن يحرم نكاحه شاذ محجوج بما عرفت من الأدلة.

الرابع من الأحكام المالية: الصدقة على ذي الرحم فإنه يتأكد الاستحباب في الصدقة على ذي الرحم وقد دلت على ذلك الروايات فعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي الصدقة أفضل قال على ذي الرحم الكاشح) والكشح ما بين الظهر والبطن المسامت  لمنبت العيدين فإن الإنسان إذا أراد أن يعرض بوجهه لوى كشحه ثم أدار ظهره حتى ينصرف والمراد من الكاشح هنا هو الكناية عن المغضب وهذا من باب انه حتى إذا كان ذو الرحم معرضاً عن الإنسان كانت الصدقة له افضل فكيف إذا لم يكن كاشحاً وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (قال الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر وصلة الإخوان بعشرين وصلة الرحم بأربعة وعشرين) ولعل زيادة القرض على الصدقة في الأجر والمثوبة لأن القرض من عنصر الاقتصاد في إدارة المجتمع والمجتمع بني عليه، وليست الصدقة كذلك إذ الصدقة فرع والاقتصاد الاجتماعي اصل. فله منزلة الجذر كما بين ذلك علماء الاقتصاد وعن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من وصل قريباً بحجة أو عمرة كتب الله له حجتين وعمرتين وكذلك من حمل عن حميم  يضاعف الله له الاجر ضعفين ولعل قوله (عليه السلام) من وصل أي حج عنه أو اعتمر وملاكه شامل للصلاة والصيام وغيرها من الأعمال كما لا يخفى، كما أن قوله (عليه السلام) من حمل عن حميم المراد منه هو الصديق ولكن من الواضح أن القريب اكثر ثواباً وسر الأمر أن من مثل هذا التأكيد يوجب تماسك المجتمع اكثر فأكثر قريباً ثم صديقاً والتماسك والتعاطف اصل المجتمع السليم المتقدم كما هو واضح وعن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث (قال: ومن مشى إلى ذي قرابة بنفسه وماله ليصل رحمه أعطاه الله عز وجل أجر مائة شهيد وله بكل خطوة أربعون ألف حسنة ومحى عنه أربعين ألف سيئة ورفع له من الدرجات مثل ذلك وكان كأنما عبد الله عز وجل مائة سنة صابراً محتسباً)، وعن عمرو بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن الصدقة على من يسأل من الأبواب أو يمسك ذلك عنه ويعطيه لذي قرابته قال لا بل يبعث بها إلى من بينه وبينه قرابة فهذا أعظم للأجر.

الخامس: من الأحكام المالية: استحباب رزق القربى في الإرث.

قال سبحانه وتعالى: ((وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً)) إذ المشهور بين الفقهاء استحباب ذلك ولعله ما يدل عليه السياق أيضاً كما قاله بعض فإن طبقات الإرث قد لا تصل النوبة إليها إذا كانت الطبقة الأولى موجودة فحينئذ إذا حضرت الطبقات الآخر من الورثة ولم ينلهم شيء من الإرث لعدم وصول النوبة إليهم فإنه يستحب أن يعطوا مقداراً من التركة وكذلك حال رزق اليتامى والمساكين الذي يحضرون قسمة الإرث والظاهر عدم جواز رزقهم من مال الصغار ونحوهم بل يرزقون من مال الكبار إذ لا يدل دليل على رزقهم من اصل التركة بحيث يوجب خللاً في مال الصغير ونحوه كما أن الثلث المعين لشؤون الميت ليس من شؤون الزرق الذي الذي يعطى منه إلى الورثة بل يعطي من حصص الكبار كما بينا.

الثالث من الواجبات تجاه الأرحام هو الدفاع والحماية عنهم ويتحقق ذلك في امرين.

الأمر الأول: في الدفاع والحماية بالنفس إذ لا خلاف ولا إشكال كما في الجواهر والفقه في الدفاع بان يدفع الإنسان انساناً آخر يريد الاعتداء على نفسه أو عرضه أو ماله ويدل عليه في الجملة الأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله سبحانه وتعالى: ((وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ)) والإجماع عليه واضح والعقل يدل على لزوم حفظ النفس وما يتعلق بالنفس من شؤون اجتماعية وعرضية كالزوجة والأهل بل هو من أولويات العقلاء وأما الروايات فهي مستفيضة ففي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قتل دون ما له فهو شهيد) والرواية تدل على أن من قتل دون عرضه فهو شهيد بالأولوية أيضاً وعن وهب عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) انه قال (إذا دخل عليك رجل يريد أهلك ومالك فابدره بالضربة إن استطعت فإن اللص محارب لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) فما تبعك منه من شيء فهو عليّ ) وقال (عليه السلام)(أفضل المروة صيانة الحرم) وربما يقرأ صيانة الحرم وكيف كان فإنه يدل على لزوم صيانة الأعراض إلى غير ذلك من الروايات التي ذكرها الفقهاء في الكتب المفصلة في الفقه وسيأتي الإشارة إلى بعضها .

 والظاهر انه ليس من المقام ما إذا كان اللص ضعيفاً كما إذا دخل طفل يريد سرقة شيء بسيط من الدار فإن النص عن مثله منصرف كما هو واضح فإذا قتله حينئذ كان ضامناً وعليه القصاص في صورة العلم كما أن عليه الدية إن كان جاهلاً وإن كان يحتمل عدم الضمان في صورة جهله، كما إذا رأى شبحاً في الظلام داخلاً عليه فإذا لم يبدره احتمل قتله أو هتك عرضه وما أشبه ذلك فرماه فظهر ضعف نكايته بعد الرمي للتبادر العرفي بين أمر الشارع بالدفاع وبين الهدر لدم اللص والمحارب بل صرح بالهدر في بعض الروايات وبعد شمول الإطلاق للمقام لو شك في الضمان فالأصل العدم هذا مضافاً إلى جريان السيرة بذلك فإن رمي اللص خصوصاً في البساتين والمزارع والبيوت الكبيرة شائع مع عدم علم الرامي غالباً بخصوصيات اللص وإنه يريد السرقة من الأشياء الرخيصة أو الأشياء  الكبيرة يريد القتل أو لا يريد القتل فلو أمر بعدم الرمي كان الخطر قريباً كما لا يخفى، والظاهر أن للإنسان المدافع أن يقتل اللص وإن كان اللص المحارب طفلاً أو مجنوناً ولم نر من شرط البلوغ والعقل في المقام وذلك لإنقاذ النفس والمال والعرض والحريم الذي لا مدخلية للبلوغ والعقل في الإنقاذ ويستوي كل من الدافع والمدفوع الرجل والمرأة والمسلم والكافر والصغير والكبير كما يستوي فيه حالة الليل أو حالة النهار وكيف كان فإنه لو قتل الدافع ولو دون ماله كان كالشهيد في الأجر وإن كان كسائر الأموات في إجراء المراسيم عليه من التغسيل والتكفين وما أشبه ذلك بلا إشكال ولا خلاف وقد تقدمت بعض الأحاديث بأنه شهيد أو كالشهيد وروي أبو مريم عن الإمام الباقر (عليه السلام) (انه قال يا أبا مريم هل تدري ما دون مظلمة مكث جعلت فداك الرجل يقتل دون أهله ودون ماله وأشباه ذلك فقال (عليه السلام) يا أبا مريم إن من الفقه عرفان الحق) ولعله (عليه السلام) أراد بعد إقراره على ما قال إضافة إلى غيرهما من الروايات والمدفوع يضمن كل ما أتلفه من الدافع بلا إشكال.

وهنا مسألتان: قد يكون المهاجم يريد النفس وقد يريد العرض وقد يريد المال وقد يريد الدين بمعنى يريد أن يظهر الإنسان الكفر كل ذلك قد يكون بالنسبة إلى نفس الإنسان وقد يكون بالنسبة إلى من يخصه كزوجته وولده وأقربائه وقد يريد بالنسبة إلى الغير فالأقسام متعددة:

الأول: أن يريد قتل الدافع ولا إشكال ولا خلاف في وجوب الدفاع وعدم الاستسلام له وإن أدى إلى قتل المهاجم ويدل عليه إلا الأدلة الخاصة التي تقدمت.

الثاني: أن يريد المهاجم نفس أقربائه وأرحامه فإن للإنسان أن يدافع في مثل هذه الصورة وجوباً لإطلاق الأدلة ويدل عليه بالخصوص ما رواه البرقي عن الرضا (عليه السلام) (عن الرجل يكون في السفر ومعه جارية له فيجيء قوم يريدون أخذ جاريته أيمنع جاريته من أن تؤخذ وإن خاف على نفسه من القتل قال نعم. قلت وكذلك إن كانت معه امرأته قال نعم. وكذلك الأخت والبنت وابنة العم والقرابة يمنعهن وإن خاف على نفسه القتل قال (عليه السلام) نعم وكذلك المال يريدون أخذه في سفر فيمنعه وإن خاف القتل قال نعم) والروايات متظافرة في هذا المعنى ولا فرق في لزوم الدفاع بين نفس الأقرباء وبين أموالهم فإنه إذا أراد اللص سرقة مال ولده أو مال زوجته فإنه ينبغي عليه الدفاع أيضاً للإطلاق إلا انه ولو بالمناط فإن العرف يفهم من نص المقتول دون ماله فهو شهيد وإذا دخل عليك اللص المحارب ونحوهما انه لا فرق في دخوله أن يسرق ماله أو مال ولده أو مال زوجته وكذا إذا كان عنده مال أمانة لإنسان ولذا ذكرها كاشف الثام وذكرها سماحة السيد الشيرازي (دام ظله) في الفقه ولا وجه بعد ذلك لإشكال الجواهر حيث منع من الدفاع عن الأموال التي هو أمين عليها مع خوف الضرر لعدم صدق التعدي والتفريط.

المسألة الثانية: من وجد مع زوجته أو ولده أو ابنته أو أحد الأرحام من البنين والبنات من يريد بهم الفاحشة وجب عليه دفعه فإن لم يندفع إلا بقتله فدمه هدر كما أن من وجد من يفعل بأحدهم كان عليه قتله بل قتلهما فيما إذا وجد من يتعدى على زوجته فيجامعها ونحو ذلك ولا فرق في ذلك بين رضاهما بالفاحشة أو إكراه الفاعل بالمفعول حيث يجوز قتل الفاعل فقط ولو وجد ولده يفعل لواطاً أو زنا وجب عليه دفعه بحسب مراتب النهي عن المنكر إذ لا دليل خاص في المسألة أما لو وجد بعض أقربائه يقبل أو يلمس أو يفعل سائر الاستمتاعات فله دفع ذلك بحسب مراتب الأمر بالمعروف والظاهر أن الأمر بالأقرباء  أغلظ لحق القرابة وإلا فاللازم الأمر والنهي بحسب مراتبهما في كل أفراد هذا الباب ولو كانا من الأجانب ولا فرق بين الزوجة بين الكافر والمسلمة وكذا في والأقرباء وغيرهم.