المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 039.doc

المبحث الثالث: في ارث الحقوق فلا يخفى أن الفقهاء فرقوا بين الحق وبين الحكم من جهة الإرث فان الحكم لا يورث مطلقاً لأنه تكليف وإلزام من قبل الشارع جعله على المكلفين فكل مكلف ينبغي عليه أن يعمل بتكاليفه الخاصة كالصلاة والصيام والحج والزكاة والخمس ونحو ذلك فإذا امتثل المكلف تكاليفه عدّ مطيعاً وإلا كان عاصياً وهو المسؤول عما تركه من إلزامات وتكاليف شرعية، فلا يلزم الورثة بشيء من الأحكام الشرعية التي في ذمة البحث إلا فيما أوصى به الميت من قضاء الديون أو أداء الواجبات التي تركها من الصلاة والحج وما أشبه ذلك. أو كان التكليف الشرعي مما دل عليه الدليل الخاص بأنه على الورثة أن يؤدوه بعد وفاة الميت كأداء الصلاة والصيام على قول وكذا الحج، أما الحق فهو يختلف عن الحكم لأن الحق يمتاز بجملة من الخصوصيات التي تمتاز فيها عن الحكم منها: أن الحق قابل للإسقاط بينما الحكم لا يقبل الإسقاط.

ثانياً: الحق قابل للنقل والانتقال بينما الحكم لا يقبل النقل والانتقال.

وثالثاً: أن الحق يتوارث بين ورثة الميت بينما الحكم لا يتوارث.

وكلامنا فعلاً في القسم الثالث فبناءً على هذا، الحق إذا كان للميت فإن هذا الحق ينتقل الى ورثته بعد موته بخلاف الحكم على ما ستعرف على بعض التفاصيل القادمة إن شاء الله تعالى.

والحق يطلق تارة ويراد به مالكية العين كما في قولهم هذه الدار حق فلان أي ملكه وقد يطلق ويراد به مالكية المنفعة كما في قولهم هذه الدار حق فلان ـ أي منافع الدار ـ من إيجار ونحوه تكون له وقد يراد بالحق مقابل الملك والمنفعة وقد يراد بالحق صرف شيء جعله الشارع موجباً للثواب مثل حق المؤلف وحق الابن وحق الجليس وحق الجار وما أشبه ذلك كما ورد ذكره في رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام) وقد يراد بالحق ما يقبل التوارث كحق التحجير وحق الترميم والحقوق الأخرى التي ستعرف تفاصيلها إن شاء الله تعالى.

وقد اتفقت كلمة الفقهاء في أن الحق في الجملة مما يورث فإن الحق شيء قرره الشارع الأقدس وقال (عليه السلام): (فيه لا يتوى حق امرئ مسلم) ـ أي لا يهضم ـ وعن الرضوي كما في المستدرك (وأن لا يتوى حق امرئ مسلم) ويتوى أي يهضم ويغلب وعن الإمام الصادق (عليه السلام) (ولا يبطل حق مسلم) وعن الباقر (عليه السلام) (ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم) الى غير ذلك من الأدلة الخاصة الدالة على أن الحقوق لا ينبغي أن تظلم ولا يجوز هضمها ومن مثل هذه الروايات يستفاد أن الحق مما يورث في الجملة .

نعم: اختلفوا في بعض الحقوق أنها تورث أم لا ليس من جهة أن الحق فينقسم إلى قسمين بعضه يورث وبعضه لا يورث وإنما الخلاف من جهة الصغرى أن هذا حق أو ليس بحق وإلا إذا ثبت انه حق فإنه يورث والمرجع في تحديد الحق وعدمه هو الشرع والعرف فكلما رآه العرف حقاً ولم يمنع عنه الشارع فهو حق معتبر ومحترم كما أن كلما جعله الشارع حقاً ولم يره العرف حقاً لا يبطل لأن الشارع حاكم على العرف في مثل هذه الموارد فإن رأينا حقاً من الحقوق عيَّنه الشارع ولكن لم يبين لنا أن هذا الحق كيف يبطل فمقتضى القاعدة في الرجوع في بطلانه وعدم بطلانه إلى العرف إذ كل مفهوم عرفي كالحق والبطلان وغيرهما ترجع فيه إلى العرف إلا إذا تصرف الشارع فيه وعليه فإذا حدد الشارع للإنسان حق كحق التحجير في الصحراء أو حق الحيازة من الغابات أو الأنهار أو البحار وما أشبه ذلك بأن هذا الحق بموت صاحبه ينتهي ويبطل أم يتوارثه الورثة أيضاً فإننا نرجع في هذه الصور من انتهاء الحكم وبقائه إلى العرف ومن هنا نرى انه كما أن أصل الحق يلزم أن يثبت بواسطة الشرع أو العرف فإنه يلزم أن يثبت انتقاله اختياراً أو قهراً بواسطة الإرث أو إثبات انه يقبل النقل ولا يقبله يثبت ذلك بالشرع وبالعرف أيضاً فإذا كان هذا الحق كان قابلاً للسقوط أو التوارث أو ما أشبه ذلك فلا إشكال وإذا كان قابلاً عند العرف والشرع قد سكت على ما رآه العرف كفانا في ثبوته أيضاً وهذا النظر الشرعي والنظر العرفي يكون وارد على أصالة عدم النقل والانتقال في الحقوق وكذلك وارد على دليل تسلط الناس على أنفسهم وعلى أموالهم .

 ولا يخفى أن الفهم العرفي في تحديد الحق مرجعه إلى الشرع أيضاً إذ أن العرف قد يفهم من جعل الشارع شيئاً انه حكم كقوله تبارك وتعالى ((أَقِيمُوا الصَّلاةَ)) وقد يفهم انه حق  أو له بعض آثار الحق كقوله سبحانه وتعالى ((فَلَكُمْ رؤوس أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)) فإنه يفهم من الأول حكم بينما الثاني حق وفهم العرف أما من جهة ان غيره وارد في أعراف غير المتشرعة مما يستظهر من جعل الشارع انه مثل سائر المشرعين وأما من ناحية السيرة وتلقي عرف المتشرعة من الشارع ذلك فيحسبونه حكماً أو يحسبونه حقاً وكلا الفهمين حجة لأنه لسان القوم وقدر عقولهم الذي ورد به النص فقد قال سبحانه وتعالى ((وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ)) مما يكشف أن لسان القوم وفهمهم حجة في مثل هذه الموضوعات الخارجية وقد قال (صلى الله عليه وآله) (نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم) فإذن يفهم من هذا الحديث أن عقول الناس في تحديد الموضوعات حجة.

وعليه فإن فهم المتشرعة أو فهم الناس يكون ملاك في تحديد الحقوق أو في تحديد الأحكام ومنه يظهر أن الحق بما انه موضوع عرفي قرره الشارع وأمضاه في كثير من الأحيان فاذا كان شيء حقاً في زمان دون زمان تبعه الحكم أيضاً لأن الحكم يتبع تحقق الموضوع في كل زمان فإذا كان حقاً ثم سقط عن كونه حقاً ولم يعلم جعل الشارع إياه حقاً مطلقاً سقط حكمه أيضاً كما انه لو انعكس بأن لم يكن حقاً ثم صار حقاً تبعه الحكم فإن حال الحق حال سائر الموضوعات والحكم دائر مداره وجوداً وعدماً كما ستعرف تفاصيله إن شاء الله .

 وكيف كان فإن جملة من الحقوق التي ينبغي التعرض إليها من ناحية الإرث والتوارث ونحن نذكر بعض الحقوق لا جميعها بقدر ما يسعنا الوقت فنبينها في مسائل.

المسألة الأولى: في الخيار في المعاملات كافة فإنه حق يورث إذا لم يشترط في المعاملة عدم الإرث أو لم يشترط أن حق الأخذ به لشخص خاص كما لو باع رجل داره وجعل حق فسخ البيع لنفسه أو جعل حق فسخ البيع لأجنبي خاص فإن في هذه غير هذه الصورة – أي في غير صورت التشارط - فإن حق الخيار يورث وينتقل إلى ورثته إذا مات ولم يؤخذ به .

 أما قولنا انه يورث لأنه مما تركه الميت فيشمله دليل ما ترك وغيره من أدلة الإرث .

أما الثاني: أي فيما إذا اشترط عدم ثبوت الخيار أو اشترطه حق أخذ الخيار لإنسان خاص فلأن هذا مقتضى التشارط وتضييق المعاملة من أول الأمر.

ولا يلزم أن يكون الوارث هو الذي يعمل بالخيار مستفيداً من عمله وإنما المراد هو أن الخيار هو حق الوارث انتفع به أو انتفع به غيره كما لو كان للميت دين مستوعب وقد باع شيئاً بالخيار حيث انه إذا أخذوا بالخيار أمكن إعطاء مزيد من الدين للتضخم الحاصل في المبيع مثلاً كما لو باع داره بمائة بالخيار فإذا ارتجعوا الدار تساوي الآن مائة وخمسون فإن الفاسخ لا ينتفع وإنما الخمسون الزائدة تدخل في كيس الديان، إلا أن عدم انتفاع الوارث لا يوجب عدم أحقيته بالخيار لأنه من مواريثه التي تنتقل إليه.

كما إذا اشترى الميت الدار بمائة ولو فسخوا الآن كانت المائة أكثر من قيمة الدار للتنزل من قيمة الدار السوقية وغير ذلك من الأمثلة كل ذلك لإطلاق دليل ارث الخيار الشامل لنفع الورثة أو ضررهم ومنه يظهر أن للورثة إقامة الدعوى من قبل مورثهم إذا كان له ذلك لإثبات طلب أو لإثبات حق أو ما أشبه ذلك فمثلاً لو كان زيد يدعي أنه يطلب من عمرو وأتوا بالشهود فإن لهم ذلك وإن لم يصل لهم من المائة شيء لأن للميت ديناً مستوعباً وكذا لو كان الميت يدعي حق تحجير استولى عليه عمرو غصباً بناء على أن التحجير حق وليس بملك كما هو المشهور كما يظهر مما تقدم أيضاً حق الزوجة في الخيار وإن لم ترث هي سواء كان المنتقل من الميت أو إلى الميت الأرض أو كان طرفا الانتقال كلتاهما أرضاً إذ دليل عدم ارثها هو الأرض لكن لا يمنع من إطلاق دليل ما تركه الميت فلوارثه الشامل للزوجة أيضاً .

 وكذا الكلام في حق غير الولد الأكبر من الأولاد في الخيار بالنسبة إلى الحبوة فإن الحبوة وإن كانت من مختصات الولد الأكبر إذا كان ذكراً كما بيناه سابقاً إلا إنه يجوز لسائر الورثة أن يأخذوا بالحق فيها سواء كانت منتقلة من الميت أو عن الميت وسواء كان طرفا الانتقال حبوة كسيفه ومصحفه أو أحد الطرفين.

المسألة الثانية: الظاهر أن الحقوق المستجدة في الحياة الإنسانية الجديدة تورث كحق الطباعة والنشر والانتشار واختراع وإجازة الإصدار والاستيراد والحساب في المصرف والجائزة للمشارك في الاختراع والمسابقات الرياضية والمسابقات العلمية وما أشبه ذلك فيما كانت أصولها جائزة شرعاً فإن هذه تورث وذلك لأنها حقوق عرفية فيشملها أدلة ما تركه الميت فلورثته وإنما قلنا فيما إذا كانت أصولها شرعية فإن مثلاً حرية التجارة ونحوها حريات إسلامية فلا يجوز تقييدها إلا بأمر ثانوي من الفقيه العادل الجامع للشرائط على ما بينه الفقهاء في أبواب الحكومة الإسلامية وعليه فإذا أرادوا بناء مستشفى وجمعوا الأموال لأجل ذلك وكانت كيفية الجمع أن من ساهم بكذا أقرع بينهم فإذا خرج اسمه كانت له جائزة كذا فمات أحد المساهمين وخرج اسمه بعد ذلك كانت الجائزة لورثته على حسب الإرث فإذا كانت الجائزة أرضاً لم تكن لزوجته وإن كانت أبنية تعطى الزوجة من قيمتها وهكذا بحسب الحصص للإرث حسب ما بيناه سابقاً .

وأما حق التقاعد وحق بدل القتل في ساحة المعركة بين الدولة وبين دولة أخرى كما تصنعه بعض الحكومات في أثناء الحروب وبعض الامتيازات التي ينالها الموظفون عند الدولة فإن لم تكن الدولة شرعية تكون هذه الجوائز مجهولة المالك فحينئذ أخذها والتصرف فيها مرتبط بإذن الحاكم الشرعي وإن كانت الدولة شرعية تؤخذ بحسب قرار الدولة وهي لأهل الموظف والمقتول حسب تقسيم الإرث إذ الحق إما مجعول كمنحة وهدية أو حسب القرار والاتفاق والتعامل بين الدولة والموظف وكلاهما تابعان لقصد الواهب أو لقصد المتعاقدين فهو في الأول كالهبة المقيدة وفي الثاني كما إذا تعاقد شخص مع آخر في أن يعمل الثاني للأول بشرط انه إذا مات العامل أعطى المالك لورثة أقربائه بحسب موازين الإرث أو بحسب موازين خاصة غير موازين الإرث حتى إنها إذا كانت أرضاً حق لهما التعاقد بأن تكون لزوجته خاصة مثلاً أما إذا لم يعلم كيفية التعاقد أو الهبة هل هي بالتساوي أو حسب مراتب الإرث أو غيرهما فلا يبعد جريان قاعدة العدل والإنصاف في هذه الصورة لفرض انه لا دليل يعين لنا على أن تعاملهم كان على حسب تقسيمات الأرض أو حسب تقسيمات خاصة ففي صورة عدم العلم بالمسألة نرجع فيها إلى قاعدة العدل والإنصاف .

 ومن الحقوق المستجدة حق الأسبقية في الدور كحق السيارة المقدمة للحصول على السيارة المتأخرة فيه وحق المتقدم في الصف على المتأخر فيه وحق نصب مطبعة أو فتح مدرسة أو مستشفى أو مشاركة في مناقصة أو ما أشبه ذلك مما بينه الفقهاء في باب المعاملات فإن هذه إذا صدق عليها أنها حق فإن هذا الحق مما يورث.

المسألة الثالثة: حق التحجير إذا لم نقل انه ملك للمحجر كما يقوله المشهور فإنه يورث بحسب موازين الإرث ومنه إجراء نهر إلى أراضيه مثلاً ولم يصل النهر بعد إلى تلك الأراضي فإنه نوع من الحق وكذا حفر البئر أو حفر العين مثلاً .

وكيف كان فإن الإنسان إذا حجر أرضاً في الصحراء أو في الغابة أو ما أشبه ذلك في الأراضي الموات يكون له الحق فيه فإذا مات ينتقل هذا الحق إلى ورثته.

المسألة الرابعة: حق التأمين وهي معاملة جديدة مشمولة للأدلة العامة للوفاء بالعقود ونحوها فإذا آمن الإنسان طائرته أو باخرته أو نفسه أو ما أشبه ذلك ثم مات وعطبت تلك الآلات وأعطت شركة التأمين المبلغ المقرر قسم تقسيم الإرث أما إذا كانت أرضاً في قبال العطب فالزوجة لا ترث منها حيث أن الأرض للميت لا ترثها كسائر أراضيه ، وكذلك الحالة إذا أمن نفسه ثم مات فالمال ارث أما إذا أمن ولده فإن كان بدل التأمين من كيس نفسه وكان الولد مولى عليه فالبدل لنفسه .

المسألة الخامسة: حق تنفيذ العهد الذي أخذ في مقابله المال من الميت كقضاء ديونه أو قضاء عباداته كما إذا أعطى زيد لإنسان ألف دينار في قبال أن يحج بعده ويصلي عنه عشرة سنوات فإذا مات المعطي ولم يقم الآخذ بما عهد على نفسه حق لورثة الميت مطالبته بقيامه بما عهد فإن أبى أجبره الحاكم الشرعي من باب انه عقد بين الميت والمتعهد أو من باب انه شرط في ضمن الهبة وللورثة الحق الذي كان لمورثهم فإن لم يمكن الإجبار كان لهم استيفاء المال بالفسخ والقيام بما أراد الميت من باب ارتكازه أن المال يجب أن يصرف  في مورد الحج مثلاً أو مورد الصلاة .

 ولا يخفى أن الفسخ إنما يصح إذا لم يحصل تضخم وإلا لم يصح للورثة الفسخ إلا فيما إذا تداركوا الضرر فاذا كانت العبادتان الصلاة والحج بألف دينار مثلاً بحيث إذا قسموا المال تمكنوا من إعطائهما أما إذا صارت بألف وخمسمائة حيث أن الفسخ وأخذ الألف يوجب عدم التمكن من العبادتين وهم لا يستعدون لتدارك الضرر الحاصل أو لا يتمكنون من تدارك الخمسمائة الإضافية فاللازم مطالبة البدل بين العبادتين من المتعهد الآن وليس الفسخ لأن هذا مخالف لارتكاز الميت مضافاً للإضرار به .

ومن الحقوق للورثة حق مطالبة الوصي والولي أي القيم على الأطفال والناظر والمجعول متولياً على الوقف من قبل الميت فيما أن تكاسلوا عن مهماتهم ويرفع أمرهم إلى الحاكم الشرعي وإقامة الدعوى عليهم لأن ذلك يعد حقاً للميت فيرثه الورثة وليس ذلك من قبل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد ذكروا أن الوقف متعلق لحق الله سبحانه وتعالى ولحق الواقف ولحق الموقوف عليهم كالأسرة التي أوقفت عليها الوقف أو الجماعة أو الصنف الخاص كطلبة العلم مثلاً أو ما أشبه ذلك وإنما هذا من باب أن للوارث حقاً في هذا الوقف وما أشبهه فيجوز له المطالبة بالالتزام بمقتضيات الوصية والولاية.

المسألة السابعة: لا إشكال في ارث الملك وارث النفقة كمن استأجر الدار سنة فإذا مات ورث تلك المنفعة ورثته وكذا ينبغي الإشكال في عدم ارث حق الانتفاع مثل أن يأذن لإنسان في سكنى داره فإنه إذا مات لم يرثه ورثته ومثله حق المارة مثلاً حيث إذا مات لم يرثه وارثه إذ لو كان الوارث ماراً حق له الأكل من باب الحكم الشرعي وليس من باب الإرث وأما حق الارتفاق عن مكانه في الوقف فقد اختار جمع من الفقهاء انه مما يورث منهم سماحة السيد الشيرازي في الفقه وكذا في السكنى والعمرى والركب وكذا مثل الانتفاع الحال في الوقف على طائفة سكنى ونحوه حيث لا حق فيرثه الوارث وبذلك ظهر الفرق بين إباحة المنفعة لإنسان وبين ملك المنفعة .

كما أن هناك شيئاً آخر يملك ، مثل حق الإنسان بالنسبة إلى المباحات الأصلية وذلك أيضاً لا يورث وإنما يرجع إلى من حاز.

المسألة الثامنة: حق الحريم لا إشكال في انه مما يورث لأنه حق للميت فيشمله دليل ما تركه الميت لكن الظاهر انه ليس بتوزيع الإرث وللزوجة حق فيه بالأرض أيضاً مثلاً إذا كانت قرية وحولها فرسخ حريم لهذه القرية يلعبون بها أطفالهم وللاحتطاب والاصطياد وكانت مسمر كبارهم أيضاً بمعنى انهم يجلسون فيها ويتحدثون ويحلون فيها مشاكلهم ويتفقون على أمورهم وكانت مرعى أغنامهم ومحل رياضتهم وتدريبهم وتدربهم وبذلك لكل أهل القرية ذلك بما لا يوجد تعدي أحدهم على الآخر فإذا مات أحدهم انتقل حقه إلى ذريته الموجودين بتلك القرية بمقدار احتياجهم بلا تعد فلهم أن يجلسوا في المسامر ويرتاضوا في الملاعب ويلعبون في الأماكن المخصصة للعب أيضاً فإذا كان للميت ولدان في القرية صار أحدهما بقالاً والآخر صار صاحب غنم وكان له ولد في بلد آخر لم يحق لأهل القرية مزاحمة الراعي ولا يرث الأخ الثالث هذا الحق ولا يحق للبقال اخذ نصف الأجرة من الراعي بحجة أن نصف الإرث له وإنما قلت بهذا الحق وإنه له لأنه لا يحق للغريب أو لأهل القرية مزاحمته للسيرة التي قررها الشارع للسكوت عليها ولدليل من سبق وغيره من الأدلة كما بينها الفقهاء في كتاب إحياء الموات .

 فبالجمع بين الأدلة يستفاد الحكم المذكور الموجب لعدم سقوط حق الميت بموته ولا توزيعه كالإرث إذ لو سقط حقه كان لغيره استغلاله كأن يزيد أغنامه فيرعى في مرعى الميت والحال أن هذا لو كان من الإرث كان اللازم توزيعه وإعطاء حق الولد البقال وإعطاء الثالث منهما أيضاً الذي يقطن بالمدينة مع أن هذا خلاف المستفاد من الأدلة وعليه فإذا حصلت زوجته مائة من أغنامه وأخوه ثلاثمائة كان للزوج بقدرها وهكذا .

نعم في بعض الحريم يكون التوزيع بالإرث كما لو مات وكان له ثلاثة أولاد وبئر فإنهم يرثون البئر ويحق لكل واحد منهم ثلث حريمها فله أن يبيع ثلث بئره وينتقل تبعاً لهذا الثلث ثلث الحريم إلى المشتري وهكذا حريم النخلة وغيرها فإذا كان للميت بستان وحريم ومات يوزع الحريم بين ورثته غير الزوجة لأن الزوجة لا ترث من الأرض ولا من غير النخل وتبعاً لعدم ارثها منها لا ترث من الحريم أيضاً حسب توزيعات الإرث .

المسألة التاسعة: حق السبق إلى المسجد أو المدرسة والقنطرة والرباط والطريق النافذة والسوق فما عدّ منها حقا عرفاً فهي للورثة كما انه لو كان إنسان يبسط في مكان خاص من السوق أو جعل له كشكاً خاصاً في الرصيف فمات فإذا عده العرف حقاً ينتقل إلى الورثة وإلا فلا.

المسألة العاشرة: حق مطالبة الدين حيث أن الوارث يرث المال فيحق له مطالبة المال كما كان يحق للميت المطالبة به وكذا مثل حق مطالبة استرجاع العارية والوديعة والعين المستأجرة أو المرهونة واسترجاع المال في عقد المضاربة أو المزارعة أو المساقاة ويجوز للزوجة أيضاً المطالبة بمثل هذه الأمور مع أنها لا ترث من الأرض والبناء إلا أن عدم ارثها لا يوجب عدم حقها بالمطالبة فإن إطلاق ما تركه الميت يشملها وهي من الورثة كما يرث الوارث حق مطالبة الدعوى كما لو كان مورثه طرح دعوى في المحكمة وقبل إكمالها في المحكمة مات فإن الوارثة أن يتابع الدعوى تبعاً لحقه في ذلك المال المتعلق به الدعوى .

المسألة الحادية عشرة : ومن هذه الحقوق التي تورث حق نفقة الزوجة إذا لم يدفعها الزوج بل ونفقة الأقارب على ما يستظهر من أدلة نفقتهم ونفقة الزوجة خلافاً للمشهور الذين فرقوا بين نفقة الزوجة كحق وبين نفقة الأقارب حيث قالوا أنها حكم على تفصيل لا يسعنا تفصيله هنا ويؤيد ما ذكرناه إرداف الزوجة بالأقارب في الروايات مما يكشف عن عدم الفرق من ناحية الحقية بينهما منها صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله ع ( قال خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً الأب والأم والولد والمملوك والمرأة ذلك انهم عياله لازمون له ) وصحيح حريز أيضاً عن أبي عبد الله ع ( قال قلت له من الذي أجبر عليه وتلزمني نفقته قال الوالدان والولد والزوجة ) إلى غير ذلك من الروايات ومن الواضح أن الروايات جعلت الجميع في مساق واحد ما يفهم منها عدم الفرق بين نفقة الزوجة ونفقة الأقارب على تفصيل لا يسعنا بيانه هنا.

المسألة الثانية عشرة: حق إخراج الثلث فيما لو أوصى الميت ولده بإخراج ثلثه لمدة عشرين سنة مثلاً على أن تقدم في كل سنة منها على إطعام الفقراء أو على حضانة الأيتام أو المساعدة المساكين أو تشجيع الفقراء على طلب العلم وما أشبه ذلك فإنه إذا مات الولد قام وارثه مقامه إن لم يكن ارتكاز على الخلاف اللهم إلا أن يقال اللازم مراجعة الحاكم الشرعي في مثل هذه الموارد إذ لا دليل على انه من الحق الذي يرثه وارثه إلا أن الأحوط الضم إلى الوارث مضافاً إلى الحاكم الشرعي .

المسألة الثالثة عشرة: حق أداء النذر كما إذ انذر زيد بأن يعطي كذا الفقير ومات قبل الأداء يرثه ورثته وكذا إخراج الثلث وأداء ديونه لله أو للناس فإذا اختلفوا في الخصوصية كان المرجع في ذلك الحاكم الشرعي على قول أو القرعة على قول آخر أو لكل إنسان بقدر نصيبه من الإرث يدفع في ذلك على قول ثالث فمثلاً إذا كان له ولدان فيتصرف كل ولد في نصف ثلث ما له أو كان له ولد وبنت فيتصرف الولد في ثلثي الثلث والبنت في ثلثه وهكذا وكذا حق أخذ النذر وما أشبه، إذ نذر زيد أن يعطي عمرواً ديناراً ومات عمرو ولم يكن النذر على وجه التقييد بخصوصية عمرو قام وارث عمرو مقامه في أخذ النذر بحسب مراتب الإرث والزوجة لا ترث إذا كانت أرضاً لأنه حق لعمرو فيكون مما تركه حيث انه لورثته والزوجة لا ترث في الأرض.

المسألة الرابعة عشرة: لا يورث حق التولية على الأوقاف ولا حق النظارة ولا حق القيمومة على الصغار ولا حق الولاية ولا حق القضاء ولا حق الوكالة لا من طرف الموكل كما لو مات ولا من طرف الوكيل بأن يقوم ورثتهما مقامهما لعدم الدليل شرعاً على ذلك وعدم رؤية العرف بأنه حق قابل للبقاء .

 ولا حق الرجوع إلى المطلقة الرجعية مثلاً ولا حق القسمة كما في زوجتين قريبتين للأخرى فتموت إحداهما كما ولا حق الحضانة ولا حق الغيبة والإهانة والإيذاء والشتم وما أشبه ذلك مما لا يقابل بالمال فإن هذه لا تورث.

نعم لا يبعد ارث حق الضرب لما في رواية من أن فيه أيضاً دية على ما ذكره الفقهاء في كتاب الحدود وأما الهبة غير اللازمة هي للورثة حق الرجوع أم لا ؟ احتمالان وإن كان المشهور على ما نسب إليهم لا يرون الحق في ذلك.

المسألة الخامسة عشرة: ما يهدى إلى العروسين في وقت الخطبة أو العقد والزفاف أو إلى اليوم السابع ونحوه أو يهدى في وقت الولادة وفي وقت الختان وما أشبه ذلك فإن علم انه أهدي إلى أيّ منهما كان أيضاً من تركته فإذا مات يعامل به معاملته وإن لم يعلم وقال المهدي بأنه أهداه إلى أيهما ، كان كما قال لأنه لا يعرف إلا من قبله في مقام التنازع  فيؤخذ بقوله حيث يعمل فيه بموازينه الشرعية حينئذ فإن لم يكن أي من الأمرين ولم يكن ظاهر يعتمد عليه في العرف من عادة ونحوهما ولم تكن يد لأحدهما على هذا المال ولا حجة لأحدهما من بينة أو حلف مثلاً فالظاهر أن هذا المال يكون بينهما بالتناصف وورث ورثة كل منهما نصف تلك الهدايا سواءً قام كل واحد منهما البينة أو تحالف أو لم يكن لهما بينة ولم يحلف أيضاً . 

وهنا ملاحظة : لا يخفى أن قوانين البلاد المختلفة التي توجب زيادة أو نقيصة في المال أو حرمان قريب يموت في أحدهما أو تقول بحرمان بعض الورثة وما أشبه ذلك فإن هذا لا يغير في الحكم الشرعي . نعم  إثر التضخم والتنزل في بعض البلاد يظهر في الإرث أيضاً فإذا كان التضخم في بلد كالعراق على الضعف في بلد آخر كسورية مثلاً ومات القريب في العراق كان اللازم إعطاء النصف في سورية لأن المال إذا صار إلى سورية صار نصفاً مثلاً وبالعكس يعطى الضعف لأن المال إذا وصل إلى العراق صار ضعفاً والواضح أن التضخم والتنزل غير ربح التجارة وخسارتها وهما غير المكوس التي تأخذها الدول لأن الأولين بميزان الأموال الحلال والثالث محرم في الشريعة الإسلامية كما بينه الفقهاء في محله من الفقه . بقيت  هنا بعض المسائل الهامة نذكرها كالخاتمة لهذا الفصل.

المسألة الأولى: في ميراث المجوس وغيرهم من الكفار إذا ترافعوا إلى المسلمين أو أسلموا وذلك لأن الأحكام متوقفة على إسلامهم أو التزامهم بما يصدر عن الحاكم الشرعي من الحكم وإلا فهم على شريعتهم في الإرث لأن نكاحهم صحيح عندنا والنسب والسبب متفرعان عليه فعلى مذهبهم يصح نكاحهم وأرثهم ما لم يسلموا أو يطلبون الترافع إلينا ضمن أحكامنا فكيف كان الكفار قد ينكحون المحرمات عند المسلمين بمقتضى مذهبهم وقد ينكحون المحللات فلهم نسب ونسب صحيحان وفاسدان فيورثون بالنسب والسبب الفاسدين عندنا كما يورثون بالصحيحين منهما والأقسام المتصورة في النسب المتولد بالنكاح أو السبب نفسه أربعة .

الأول: أن يكون النكاح صحيحاً عندنا وعندهم فيرث كل منهما الآخر بلا شك وشبهة الأدلة الخاصة التي تقدم بعضها.

الثاني: أن يكون فاسداً عندنا وفاسداً عندهم أيضاً فلا يرث كل منهما الآخر لعدم تحقق النسب الصحيح أو السبب الصحيح. فلا مقتضي للإرث مضافاً إلى العمومات والإطلاقات المتقدمة كمثل قول نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله)( وللعاهر الحجر) فلا يورث ولد الزنا.

الثالث: صحيح عندهم وفاسد عندنا وهذا محل البحث فيرث كل منهما الآخر على المشهور من باب قانون الإلزام.

الرابع: أن يكون فاسداً عندهم وصحيح عندنا كالولد المتولد من النكاح المنقطع مثلاً فإنه فاسد عندهم كما لو كانت المرأة كافرة ولا ترى صحة نكاح المتعة مثلاً فيكون ولد زنا لفساد السبب عندهم فمقتضى الإطلاق جريان أحكام الصحيح والحكم بالإرث ولا يؤثر زعمهم الفاسد لأن المدار في الأحكام هو الواقع والمفروض إحرازه بالأدلة الشرعية ولكن مقتضى قاعدة الإلزام التي تقول ألزموهم بما ألزموا به أنفهسم هو عدم الإرث لأنهم ألزموا أنفسهم بالفساد وعدم ترتب أحكام الصحة وبها تخصص العمومات وتخصص الإطلاقات وان الصحة عندنا لا تؤثر في إلزامهم على أنفسهم فبناءً على هذا يكون الأثر عندنا صحيح فإذا كان عندهم غير صحيح فنلزمهم به.

وعليه فهم يورثون بالنسبة والسبب الفاسدين عندنا كما يورثون بالصحيحين منهما على المشهور والنصوص المستفيضة أيضاً. فعن الإمام علي (عليه السلام) في معتبرة السكوني انه كان يورث المجوسي إذا تزوج بأمه وأخته وابنته من جهة أنها أمه وأخته وأنها زوجته وفي صحيح عبد الله بن سنان ( قذف رجل مجوسياً عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال مه ؟ فقال الرجل : انه ينكح أمه وأخته فقال (عليه السلام) ذاك عندهم نكاح في دينهم ) . وفي رواية البختري عن الإمام علي (عليه السلام) ( انه كان يورث المجوس إذا أسلموا من وجهين بالنسبة ولا يورث على النكاح) . أي لا يورث على النكاح الشرعي الذي هو عندنا ويورثهم على النكاح الذي هو عندهم والحكم المذكور لا يختص بالمجوس بل يجري في كل أصحاب الأديان والمذاهب .

المسألة الثالثة: لو علم الوارث إجمالاً بان في التركة التي تركها الميت أموالاً ليست ملكاً له سواء كانت الأموال المشتبهة المحرمة كأموال السرقة أم الأموال المغصوبة أو الأموال الربوية وما أشبه ذلك . أو كانت هذه الأموال غير محرمة كالأموال المودعة لديه المشتبهة بالتركة أو أموال الوقف الأموال التي ليست محرمة فالأقسام في هذه الصورة أربعة :

الأول: أن هذه الأموال التي ليست للميت لم يعلم أصحابها، حينئذ لا يجوز للورثة التصرف فيها للعلم الإجمالي المنجز هنا سواء كان العلم الإجمالي قبل التقسيم أو بعده وطريق التخلص هنا الرجوع إلى الحكم الشرعي فإنه يرى تكليفه في القضية بمقتضى ولايته من القرعة أو المصلحة أو غير ذلك .

الثاني: أن يعلم أصحابها فيتوقف التصرف بالتركة على إرضائهم أو على رضائهم لأنه ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) وغيره من الأدلة سواء كان المال المشتبه مشاعاً أو كان مفروزاً ومحدداً لعدم الفرق بينهما في التكليف المنجز بالعلم الإجمالي .

الثالث: أن يعلم بعض الورثة بذلك دون بعضهم فلا يجوز التصرف للعالم في صحته لمكان علمه للعلم الإجمالي المنجز. 

نعم إذا أسقطه بإذن شرعي معتبر أو يرجع في ذلك إلى الحاكم الشرعي.

الرابع: فيما إذا حصل للورثة الشك في أن المورث في زمان حياته ردّ الأموال إلى أصحابها أو لا ، فلا يجوز لهم التصرف فيها لما مرّ من العلم الإجمالي الا إذا قامت عندهم حجة معتبرة على الرد أو على رضاء أصحابها.

نعم لو شك في التركة أن فيها مال للغير أولاً فحينئذ اليد تكون أمارة على الملكية ما لم تكن حجة أقوى على الخلاف ، والضمان  في جميع الأقسام مستقر كما لا يخفى لقاعدة من تلف المال الغير فهو له ضامن ولقاعدة اليد أيضاً إلا إذا تلف المال بلا تعد ولا تفريط لان التلف في هذه الصورة لم يكن باختيارهم لم يحصل منهم تسبيب بالتعدي وبالتفريط فيشمله قاعدة نفي الضمان عن الأمين .

المسألة الثالثة: تقسيم التركة واجب فوري لما تسالموا عليه من أن ردّ الحقوق والأموال إلى أصحابها واجب فوري في كتاب البيع والقرض من الفقه ، نعم لو كان في البين وصية أو كان التأخير برضا جميع الورثة وترتبت على ذلك عناوين أخرى من الضرر والحرج وغيرهما فحينئذ تسقط الفورية لوجود الأهم في البين ثم انه لا يختص شخص معين للتصدي في قسمة التركة فيجوز لكل أحد من الورثة أن يتكفل ذلك .

 نعم لو لم يتكفل أحد لجهة فيرجع إلى الحاكم الشرعي ويتصدى حينئذ الحاكم لها من باب الحسبة وعليه فتقسم التركة فوراً بعد إخراج الواجبات منها كتجهيز الميت وأداء ديونه والواجبات المالية الشرعية عليه فإنها تقسم قبل الإرث كما بينه الفقهاء في محله .

هذا في صورة ما إذا لم تكن منازعة في البين وإلا تؤخر حتى ترتفع المنازعة إذ يرجع في ذلك إلى الحاكم الشرعي لأنه مع المنازعة لا يتم التقسيم فلابد من فضها أولاً ثم التقسيم أو الرجوع إلى الحاكم الشرعي وأخذ رأيه في ذلك فإن للحاكم الولاية في مثل هذه الأمور من باب الحسبة .

المسألة الرابعة : لو كانت التركة من الأموال التي حصلت المعاملات التي كانت صحيحة بنظر المورث اجتهاداً أو تقليداً ولكن لم تكن صحيحة بنظر الوارث اجتهاداً أو تقليداً فهل يرثها الوارث أو لا ؟ وجهان في المسألة.

الأحوط هو الرجوع إلى أصحاب الأموال واسترضائهم إن أمكن وإلا فالرجوع إلى الحاكم الشرعي لأنه المنصوب شرعاً وعقلاً في هذه القضايا وله الولاية على مثل هذه الأموال التي لم يعرف أصحابها وكذا لو كان في التركة من الأموال التي حصلت من المعاملات التي كانت فاسدة بنظر المورث اجتهاداً أو تقليداً دون الوارث فإن مقتضى الاحتياط ما ذكرنا .

المسألة الخامسة: لو علم الورثة بعد تقسيم التركة بان على الميت ديناً وقد عرفوا مقداره وصاحبه ولم يخرج منها وزع الدين عليهم بحسب حصصهم لفرض الإشاعة وإن ذمة الميت تنتقل إلى الأعيان بالوفاة فيوزع الدين بحسب الحصص لتعلق الدين بالنسبة إليهم ولا يتوقف ذلك على رضائهم لان التركة متعلقة بحق الديّان ولابد من أداء الحق أولاً قبل القسمة سواء رضي الورثة أو لم يرضوا.

نعم لهم الولاية من بعض الخصوصيات أما لو علم يعرفوا مقداره وعرفوا صاحبه فلابد من استرضائه حينئذ لفرض أن الاشتغال اليقيني لابد فيه من الفراغ اليقيني ما لم يكن إجحاف في البين هذا إذا لم تصل إلى المنازعة وإلا فالمرجع هو الحاكم الشرعي لأنه المنصوب شرعاً في رفع المنازعات وحل المشكلات ولذلك يكون حكمه مطلقاً نافذاً على الجميع كما بينه الفقهاء في محله .

ولو عرفوا مقدار الدين ولم يعرفوا صاحبه يفرز مقدار الدين وتقسم بقية التركة ويرجع في المقدار المفروز إلى الحاكم الشرعي الجامع للشرائط للجمع بين الحقين وعدم تحقق الإجحاف على أحد سواء كان المقدار مشاعاً أم فرداً معيناً وذلك لانحصار الإشاعة في الكلي المعين حينئذ وإن الحاكم ولي على القصر والغيب ونحو ذلك.

المسألة الثالثة: ميراث الربوي على أقسام

الأول: إن الوارث يعلم مقدار الأموال الربا في التركة ويعرف أصحابها بالرجوع إلى المستندات مثلاً أو انهم محصورين بأشخاص معينين معلومين فيرجع إليهم مقدار الزيادة لأنها ليست من التركة فيشمله قوله (عليه السلام) لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه.

الثاني: لا يعلم أصحابه وإن علم مقداره فيرجع حينئذ إلى الحاكم الشرعي لأن ذلك المال يكون من مجهول المالك الذي للحاكم الولاية عليه وهو يرى رأيه وتكليفه المقرر شرعاً بلا فرق بين المال فيما لو كان بنحو الإشاعة أو المقدار المعين الخاص.

الثالث: لا يعلم أصحابه ولا يعرف مقداره وإن علم اصل الربا فيجب فيه الخمس حينئذ لما بينه الفقهاء في كتاب الخمس فإذا أعطي الخمس تحل بقية الأموال حينئذ هذا إذا كان جميع التركة محل ابتلائه وإلا فلا شيء عليه.