المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 031.doc

المبحث الثامن في الإيلاء

والإيلاء مصدر آلى يؤلي وفي الأصل بمعنى القصر ولكنه شرعاً: هو الحلف على ترك وطي الزوجة الدائمة المدخول بها أبداً أو مدة تزيد على أربعة أشهر للأضرار بها.

ومن هنا يظهر أن الإيلاء لا يصح في المتعة كما أنه لو كان في الأقل من الأربعة أشهر أيضاً لا يصح على رأي المشهور إذ أنهم ذهبوا إلى وجوب وطي المرآة في كل أربعة أشهر فلو حلف الزوج على ترك وطي زوجته بالعقد الدائم المدخول بها أبداً أو حلف على ترك وطيها مدة تزيد عن أربعة أشهر أضراراً بها لكونه قصداً لترك الوطي في مدة خاصة والإيلاء ثابت بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى: ((لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)).

وقال الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (أن رجلا آلى من أمرآته والإيلاء أن يقول والله لا أجامعك كذا وكذا والله لأغيضنك ثم يغاضبها فيتربص به أربعة أشهر).

وكان الإيلاء طلاقاً فهي الجاهلية كالظهار إلا أن الشارع المقدس غيَّر حكمه وجعل له أحكاماً خاصة فمع تحقق شرائطه يكون إيلاءً وإذا لم تتحقق شرائطه فهو موضوعاً يمين فتجري عليه أحكام اليمين.

ولا يتحقق الإيلاء بالمتمتع بها لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح أبن أبي يعفور (لا إيلاء على الرجل من المرأة التي تمتع بها).

مضافاً إلى الإجماع وظاهر قوله تعالى (فإن عزموا الطلاق) والطلاق منفي في المستمتع بها كما هو واضح.

ولا يتحقق الإيلاء في المرأة التي لم يدخل بها إجماعاً ونصوصاً منها قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح أبن مسلم (غير المدخول بها لا يقع عليها إيلاء ولا ظهار) إلى غير ذلك من الروايات.

كما لا يتحقق الإيلاء بالحلف على ترك وطيها مدة لا تزيد عن أربعة أشهر وذلك لظهور الإجماع ولقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة (لا يكون إيلاءً حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر) كما لا يكون إيلاءً إذا كان ترك الوطي لملاحظة مصلحة خاصة كإصلاح لبن المرأة أو تكون المرأة مريضة أو لغير ذلك من الأسباب والأعذار لعدم تحقق الإضرار حينئذٍ مضافاً إلى إجماع الفقهاء عليه وقول مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في معتبرة السكوني (ليس في الإصلاح إيلاء).

فمن شرائط تحقق الإيلاء أن يكون الحلف على ترك الوطي لغرض الإضرار بالمرأة لا بغرض الإصلاح كما هو واضح.

وعليه إذا توفرت شرائط الإيلاء المذكورة بأن كانت المرأة دائمة وكان مدخولاً بها وحلف على ترك وطيها مدة تزيد على أربعة أشهر يكون إيلاءً إما لو حلف على ترك وطيها لأجل إصلاحها لا لأجل أضرارها ينعقد منه يمين فتشمله.

أحكام اليمين إلا أنه لا ينعقد إيلاء موضوعاً.

  • في صيغة الإيلاء.

وهنا مسائل: .

المسألة الأولى: لا ينعقد إيلاء كمطلق اليمين إلا باسم الله تبارك وتعالى الذي يختص به أو الغالب إطلاقه عليه عز وجل لأن الإيلاء يمين وكل يمين لا ينعقد إلا باسم الله تبارك وتعالى إجماعاً ونصوصاً ففي صحيح محمد بن مسلم (قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) قول الله تعالى ((وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها)) ((وَالنَّجْمِ إِذا هَوى)) وما أشبه ذلك فقال (عليه السلام) لله أن يقسم من خلقه بما يشاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به).

ولا يعتبر في الإيلاء العربية ولا اللفظ الصريح كل ذلك للأصل والإطلاق الشامل بجميع اللغات بكل الألفاظ.

نعم لا ينعقد إلا مع القصد إليه فلا يقع الإيلاء من الساهي والسكران ومن لا يكون له قصد لذا لا يعتبر فيه العربية ولا اللفظ الصريح في كون المحلوف عليه الوطي في القبل كإدخال الفرج في الفرج مثلاً بل المعتبر صدق كونه حالفاً على ترك ذلك العمل بلفظ له ظهور في ذلك عرفاً لحجية الظواهر مطلقاً في المحاورات العرفية فيكفي قوله (لا أطؤك) أو (لا أجامعك) أو (لا أمسكك ) بل قوله (لا جمعت رأسي مع رأسك وسادة) أو ( مخدة) إذا قصد بذلك ترك الجماع وذلك للإجماع في كل ذلك مضافاً إلى موثق يزيد بن معاوية (قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في الإيلاء إذا آلى الرجل أن لا يقرب إمرأته ولا يمسها ولا يجمع رأسه مع رأسها فهو في سعة ما لم تمض الأربعة أشهر).

وحينئذٍ فإذا تم الإيلاء بشرائطه فأن صبرت المرآة مع امتناع زوجها عن المواقعة فلا كلام للأصل والإجماع وقول الصادق (عليه السلام) (إذا آلى الرجل أن يقرب إمرأته فليس لها قول ولا حق في الأربعة أشهر ولا أثم عليه في كفه عنها في الأربعة أشهر فإن مضت الأربعة أشهر قبل أن يمسها فسكتت ورضيت فهو في حل وسعة فإن رفعت أمرها قيل له إما أن تفيء فتمسها وإما أن تطلق وعزم الطلاق أن يخلي عنها فإذا حاضت وطهرت طلقها وهو أحق برجعتها ما لم تمض ثلاثة قروء فهذا الإيلاء الذي أنزله الله تعالى في كتابه وسنة رسوله).

وإن لم تصبر فلها المرافعة إلى الحاكم الشرعي لأنه منصوب لإقامة الأمور الحسبية فيحضره الحاكم وينظره أربعة أشهر إجماعاً ونصوصاً منها موثق أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) (قال الإيلاء هو أن يحلف الرجل على أمرأته أن لا يجامعها إلى أن قال.. وإن رفعته إلى الإمام أنظره أربعة أشهر ثم يقول له بعد ذلك إما أن ترجع إلى المناكحة وإما أن تطلق فأن أبى حبسه أبداً).

والمقصود من الحبس أبداً هنا أن يحبسه حتى يختار أحد الحلين دفعاً للإضرار بالمرأة فعليه إذا أنظره الحاكم الشرعي أربعة أشهر فإن رجع الزوجة إلى زوجته وواقعها في هذه المدة فهو، و إلا أجبر على أحد الأمرين إما الرجوع أو الطلاق إجماعاً ونصوصاً، فإن فعل أحدهما فبها والا ضيق عليه الحاكم الشرعي وحبسه حتى يختار أحدهماوذلك للإجماع ولقول الصادق (عليه السلام) يجعل له حضيرة من قصب ويجعله فيها ويمنعه من الطعام والشراب حتى يطلق.

  • هل يجوز أجبار الزوج على الرجوع أو الطلاق؟.

وهل يجوز للحاكم أن يتولى طلاقها ؟ فيه قولان

الأول: عدم الجواز وفي الجواهر قال بلا خلاف أجده فيه واستدلوا لذلك بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الرواية المروية في كتب العامة والخاصة (الطلاق بيد من أخذ بالساق).

مضافاً إلى النصوص الدالة على حبسه والتضييق عليه كما ضيق على زوجته حتى يرجع أو يطلق باختياره.

والثاني: هو لبعض الفقهاء ومنهم السيد الشيرازي (دام ظله) في الفقه حيث ذهبوا إلى أن للحاكم التفريق بينهما إذا أصر الزوج على عدم الأمرين ـ أي عدم الرجوع وعدم الطلاق ـ كما أن الحاكم التفريق بينهما إذا لم ينفق عليها كما في متواتر الروايات في باب النفقات وهذا ما يستظهر من كلام السيد السبزواري (قده) أيضاً في مهذب الأحكام.

ويدل عليه بالإضافة إلى الأدلة العامة الدالة على أن الحاكم ولي الممتنع جملة من الروايات في خصوص المقام مما لا ينافي الروايات التي تدل على أن بيده التفريق بعد الفئة لأن هذه الروايات حاكمة على تلك وعليه يكون الحاكم في هذه الصورة مميزاً بين حبسه وبين الطلاق وإن كان الأولى تقديم الحبس لأنه مهما روعي قانون الطلاق وكونه بيد من أخذ بالساق كان أولى لكن بناءً على القول الأول الذي ذهب إلى عدم جواز تطليق الحاكم لها فأنه لا يجبره الحاكم على الرجوع أو على الطلاق تعييناً وذلك لوضوح إنه خلاف تسلط الناس على أنفسهم بعد أن جعل الشارع الإجبار على الجامع وهو أن يعود إليها أو يطلقها وخيره الشارع بين الخصوصيتين حسب دليل السلطنة فحينئذٍ لا مجال للحاكم أن يجبره على الطلاق حصراً أو الرجوع حصراً فإن كان في ذلك مصلحة أجبره الحاكم ـ على قول ـ ذهب إليه بعض الفقهاء وذلك كما إذا كان رجلاً معانداً إذا أجبره على الطلاق رجع أيضاً أو أجبره على الرجوع آلى أيضاً مما قد تحكم المصلحة الشرعية الإجبار على المعّين وقد ذكر الفقهاء أن الحاكم الشرعي كالحاكم العرفي منتهى الأمر أن الأول يعمل طبق القوانين الكلية الإسلامية بينهما الثاني يعمل طبق القوانين الموضوعة فما هو شأن العرفي في التطبيق شأن الشرعي أيضاً لأنه المستفاد من التنزيل في قوله (عليه السلام) (جعلته عليكم حاكماًَ) وغيره من الأدلة خصوصاً وإن الفقهاء القائلين بأن الحاكم يجبره على أحد الحلين إما الرجوع وإما الطلاق يرون إن الأجبار على الكلي أجبار على مصاديقه أيضاً لأن الكلي لا يتحقق في الخارج ما لم يتحقق مصداقه وعليه فإن  الإجبار على الكلي هو إجبار على الجزئي بالواسطة.

وكيف كان فإنها إذا رافعته إلى الحاكم الشرعي فإنه مخير بين أن يطلقها أو أن يرجع إليها فإن طلق فقد خرج من حقها ويقع الطلاق رجعياً على الأشهر بل في الجواهر قال هو المشهور بل لم يعرف المخالف بعينه وإن أرسله بعضهم.

ولعل ذلك لأن الأصل في الطلاق كونه رجعياً إلا ما خرج بالدليل ويدل على كون الطلاق رجعياً فيما إذا لم يكن سبب لكونه بائناً جملة من النصوص منها صحيح بريد بن معاوية عن الصادق (عليه السلام) (فإذا مضت الأربعة أشهر أوقف فإما أن يفيء فيمسها وإما أن يعزم على الطلاق فيخلي عنها حتى إذا حاضت وطهرت من محيضها طلقها تطليقة قبل أن يجامعها بشهادة عدلين ثم هو أحق برجعتها ما لم تمض الثلاثة أقراء).

وعن أبي مريم عن أبي جعفر (عليه السلام) (قال المولي يوقف بعد الأربعة الأشهر فإن شاء إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فإن عزم الطلاق فهي واحدة وهو أملك برجعتها) الى غير ذلك من الروايات.

  • لا إيلاء مع الطلاق البائن.

المسألة الثانية: يزول حكم الإيلاء بالطلاق البائن لانقطاع العصمة بينهما فتصير المرأة كالأجنبية بالنسبة إليه وحينئذٍ لا موضوع لإيلائها بعد الطلاق البائن وعليه فلو عقد عليها عقداً جديداً في العدة أو بعد العدة كانت كأن لم يؤل عليها وذلك لزوال الإيلاء بالطلاق واستئناف الزوجية مستقلة بعد الانقطاع ، كما تقدم بيانه في الظهار أيضاً بخلاف ما لو طلقها رجعياً لما هو المعلوم نصاً وفتوى من أن المطلقة رجعياً هي بمنزلة الزوجة بل لو آلى منها في زمان الرجعة يقع الإيلاء عليها أيضاً كما بيناه فإنه في الطلاق الرجعي وإن خرج بالإيلاء من حقها فليست لها المطالبة والترافع إلى الحاكم لفرض تحقق الطلاق الرجعي وأدنى أثره زوال حقها من هذه الجهة لكن لا يزول حكم الإيلاء إلا بانقضاء العدة لأنها في زمان العدة بمنزلة الزوجة فيترتب الحكم عليه وتكون بعد انقضاء العدة أجنبية فيزول الحكم حينئذٍ فلو راجعها زوجها في زمان العدة عاد إلى الحكم الأول فلها المطالبة بحقها والمرافعة إلى الحاكم لتحقق الموضوع حينئذ.

  • لا وطي إلاّ بعد الكفارة.

المسألة الثالثة: متى وطأها الزوج لزمته الكفارة وذلك لإطلاق كفارة حلف اليمين مضافاً إلى الاتفاق سواءً كان الوطي في ضمن مدة التربص أو بعدها أو قبلها أدناها من حين المرافعة لأنه قد حلف اليمين على كل حال فتشمله الإطلاقات وإن جاز له هذا الحلف بل وجب بعد انقضاء المدة ومطالبة المرأة وأمر الحاكم به تخييراً وبهذا يمتاز هذا اليمين عن سائر الأيمان فكما أنه يمتاز عن غيره بأنه لا يعتبر في غيره من كون متعلقه مباحاً تساوي طرفاه أو كان راجحاً ديناً أو دنيا لظواهر الأدلة وإجماع الأجلة في كل واحد من الامتيازين.

ولو أسقطت حقها من المطالبة ففي سقوطه وعدمه قولان: .

القول الأول ما ذهب إليه الشرائع وتبعه جمع من الفقهاء حيث صرح بعدم سقوط حق المطالبة وإن أسقطته لأنه حق يتجدد فيسقط العفو ما كان لا ما يتجدد واستدل له في المسالك بأن إسقاط الحق والعفو عنه والإبراء عنه واحد وشرط صحته سقوط متعلقه في الذمة فلا يحق إسقاط ما يتجدد وإن وجد سببه ولما كان حقها في المطالبة يسقط في كل وقت مادام الإيلاء باقياًفهو مما يتجدد بتجدد الوقت فإذا أسقطت حقها منها لم يسقط إلا ما كان منها ثابتاً وقت الإسقاط وذلك في قوة عدم إسقاط شيء لأن الواقع بعد ذلك بلا فصل يتجدد وفيه حق المطالبة فلم يسقط بالإسقاط فلها مطالبة متى شاءت.

والثاني: ذهب إلى أمكان السقوط وقد صرح بذلك سماحة السيد الشيرازي (دام ظله) في الفقه والسيد السبزواري (قدو) في مهذب الأحكام حيث ذهبا إلى إمكان السقوط وذلك لأن الحق موضوع عرفي قرره الشارع كسائر الموضوعات التي رتب عليها الأحكام فمن دون تغيير في الموضوع زيادة ونقيصة إذا رأى العرف سقوطه بالإسقاط ولو في المستقبل كان مقتضى القاعدة سقوطه فكما تصالح المرأة عن حقها المستقبلي مثلاً مع الزوجة الأخرى كالضرة في مسائل القسم وفي البيتوتة وما أشبه يسقط كذلك هنا أيضاً وهو كتجدد حق الإنسان في سكنى عمارته حيث يصح له إعطاؤه الآخر بما يسمى إجارة إلى غير ذلك ولذا قال السيد السبزواري (قده) لو اسقط الحق مطلقاً بالنسبة إلى ما كان ويتجدد بعوض صلح ونحوه فالظاهر السقوط.

  • لو كان معذوراً من الوطي.

المسألة الرابعة: لو كان عذر في البين من الوطي بعد انقطاع مدة التربص فإن كان هذا العذر من قبل المرأة كالحيض أو المرض أو السجن أو السفر أو نحو ذلك لم يكن لها المطالبة بالفئة للإجماع ولأنه معذور ولعدم المضارّة لها.

قال في المسالك إذا وجد مانع من الجماع بعد مضي المدة المحسوبة نظر أهو فيها أو في الزوج فإن كان فيها بأن كانت مريضة بحيث لا يتمكن من وطيها أو محبوسة لا يمكن الوصول إليها لم يثبت المطالبة بالفئة فعلاً إجماعاً لأنه معذور والحال هذه ولا مضارّة وكذا لو كانت محرمة أو حائضة أو نفساء أو صائمة أو معتكفة وهل يؤمر بالفئة كالعاجز؟ منعه الشيخ (قده) لأن الامتناع من جهتها فلذا لا يؤمر بالفئة.

وقال صاحب الشرائع (قده) وجماعة من المتأخرين يجب عليه فئة العاجز وذلك لظهور العجز في الجملة ولأنه لا مانع من طرف الزوجة بل هي ممكّنة من نفسها وإنما المانع من الله تعالى وهذا حسن.

والمراد من فئة العاجز إظهار العزم على الوطي مع القدرة على ذلك بأن يقول ذلك أو يكتب أو يشير أشارة مفهمة إذا كان أخرساً مثلاً في مقابل فئة القادر على الوطي، وهو الرجوع والوطي.

وعليه فإنه إذا كان العذر من قبل المرأة لم يكن لها المطالبة إما إذا كان العذر من الرجل فهناك قولان: .

الأول: أن لها المطالبة وذلك للأصل والإطلاق وإن الرجل مخير بين الفئة والطلاق فله أن يطلقها حينئذٍ.

الثاني: أن ليس لها حق المطالبة وذلك لكفاية إظهار العزم على الوطي مع القدرة عليه بأن يقول أويكتب أو يشير أشارة مفهمة إذ إن الفئة بالنسبة إلى المعذور عن الوطي فئة العاجز وليست فئة القادر.

ويدل على ذلك الروايات منها رواية دعائم الإسلام عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال في حديث (ومتى قامت المرآة بعد حين أوقف لها ولو كان ذلك بعد حين قال (عليه السلام) والفيء الجماع فأن لم يقدر عليه لمرض أو علة أو سفر فاقرّ بلسانه اكتفى بمقالته وإن كان يقدر على الجماع لم يجزه إلا بالفرج إلا أن يحال بينه وبين الجماع فلا يجد إليه سبيلاً فإذا قال بلسانه عند ذلك أنه قد فاء وأجهز جاز).

والرواية صريحة في أنه بالنسبة إلى القادر على إظهار الرجوع إلا أنه عاجز عن الوطي فاظهر الرجوع بلسانه وأقام الشهادة على ذلك يكفي فيه ذلك.

  • كفارة الإيلاء.

المسألة الخامسة: كفارة الإيلاء مثل كفارة اليمين أجتمع فيها التخيير والترتيب وهي عتق رقبة أو أطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فأن عجز صام ثلاثة أيام متواليات لأنه يمين خاص فتشمله أدلة كفارتها ومن الكتاب ما يدل على ذلك وهو قوله تعالى ((فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ)).

ومن السنة قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (في كفارة اليمين يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدّ من حنطة أو مدّ من دقيق وحفنة أو كسوتهم لكل إنسان ثوبان أو عتق رقبة وهو في ذلك بالخيار أيّ ذلك شاء صنع فأن لم يقدر على واحدة من الثلاث فالصيام عليه ثلاثة أيام).

إلى غير ذلك من الروايات.

في اللعان:

واللعان مباهلة خاصة بين الزوجين وقد ورد القرآن فيه في قوله تعالى ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ، وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ، وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)).

قال في المسالك هو لغة مصدر لاعن  يلاعن وقد يستعمل جمعاً للعن وهو الطرد والإبعاد.

وهو شرعاً كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه والحق العار به أو نفي ولد وسميت لعاناً لاشتمالها على كلمة اللعن وخصت بهذه التسمية لأن اللعن كلمة غربية في مقام الحجج من الشهادات والأيمان والشيء يشتهر بما يقع فيه من الغريب وعلى ذلك جرى تسميات سور القرآن ولم يسم بما يشتق من الغضب لأن لفظ الغضب يقع جانب المرأة وجانب الرجل أقوى وأيضاً فأن لعانه يسبق لعانها وقد ينفك عن لعانها.

أو لأن كلاً من المتلاعنين يبعد عن الآخر به إذ يحرم النكاح بينهما أبداً والظاهر أنه يقال لاعن الحاكم بين الزوجين إذا تولى الملاعنة و (لعنة الله) إلى الواردة في الآية الشريفة من مصاديقها سخطه سبحانه وتعالى والسخط في الآخرة عبارة عن عقوبة على فعل المعاصي في الدنيا والانقطاع من الفيض والتوفيق والرحمة في الدعاء على الخير في الدنيا أيضاً.

وهما من مصاديق اللعن بمعنى الطرد والإبعاد ومنه قول (عليه الصلاة والسلام) (اتقوا الملاعن) يعني اتقوا البول والغائط على ظهر الطرقات لأن من فعل ذلك لعنه الناس كما عن المبسوط.

وعلى أي حال فقد ورد اللعان شرعاً بين الزوجين بخصوصهما في حدّ الزنا والقذف حيث أنه قد يضطر الزوج إلى القذف ولا يتمالك الإغماض عن أمساك الزوجة وفي نفس الوقت لا بينة له تثبت مدعاه فشرع اللعان لدفع الحد عن نفسه والانفصال عنها.

ويدل عليه الكتاب والسنة والإجماع والعقل إما الكتاب فما عرفته من الآية المتقدمة.

وإما العقل فلوضوح إن الرجل إذا رأى إنساناً يزني بزوجته مثلاً ولا يملك البينة ولا هي تقر بذلك كان ولا بد له من الإظهار فإذا أظهر لا مجال للحاكم في أن يقبل قوله بمجرده لعدم توفر الشهادة الكاملة ولا يتمكن أن يرده فإن في الأول إضاعة حقوق الزوجة كثيراً ويصبح اللعان ألعوبة بيد الرجال غير الملتزمين فإنهم قد ينسبون إلى نسائهم الزنا تخلصاً منهن وهن بريئات فإذن لا مجال للحاكم في أن يقبل قول الزوج بمفرده فيلاعن الزوجة وفي الثاني أن إذا أراد أن يرده ولا يقبل قوله، إضاعة لحقوق الزوج فكثيراً من الأحيان يرى الزوج بأم عينه ولا يتمكن من الإشهاد عليه فأن لم يقبل قوله فهو تضيع أيضاً لحق وعليه فأن اللازم أن يشرع ما يظهر منه صدق أحدهما ولو في كثير من الأحيان إذ ما لا يدرك كله لا يترك جله وبناءً على هذا شرع الإسلام اللعان ليحفظ حق الزوجين معاً.

وإما الإجماع فواضح من كلمات الفقهاء في المسألة.

وإما الروايات فهي كثيرة منها ما في الكتب الأربعة عن عبد الرحمان أبن الحجاج (قال إن عبّاد البصري سأل أبا عبد الله (عليه السلام) وانا عنده حاضر كيف يلاعن الرجل المرأة؟ فقال أن رجلاً دخل منزله فرأى مع أمرآته رجلاً يجامعها فماذا يصنع؟ فأعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنصرف الرجل وكان ذلك الرجل هو الذي أبتلى بذلك من امرأته، قال فنزل الوحي من عند الله بالحكم فيها قال: فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ذلك الرجل فدعاه فقال أنت الذي رأيت مع امرأتك رجلاً فقال نعم، فقال له فأنطلق فأتي بامرأتك فأن الله عز وجل قد أنزل الحكم فيك وفيها، قال فأحضرها زوجها فوقفها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال للزوج أشهد أربع شهادات بالله أنك من الصادقين فيما رميتها به قال فشهد قال ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمسك ووعظه ثم قال له أتق الله فإن لعنة الله شديدة ثم أشهد الخامسة أن لعنة الله عليك أن كنت من الكاذبين قال فشهد فأمر به فنحي ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) للمرأة أشهدي أربع شهادات بالله إن زوجك لمن الكاذبين فيما رماك به قال فشهدت ثم قال لها أمسكي فوعظها ثم قال لها أتق الله فإن غضب الله شديد ثم قال لها أشهدي أن غضب الله عليك أن كان زوجك من الصادقين فيما رماك به قال ففرق بينهما وقال لهما لا تجتمعان في نكاح أبداً بعدما تلاعنتما).

وفي تفاسير العامة والخاصة عن أبن عباس أنه لما نزلت (والذين يرمون المحصنات) إلى آخر الآية قال سعد بن معاذ يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أني لأعلم أنه حق من عند الله تعالى شأنه ولكن تعجبت أن لو وجدت لكاعاً يفخذها لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه متى آتي بأربعة شهداء والله إني لا آتي بهم حتى يقضي حاجته فمالبثوا حتى جاء هلال أبن أمية فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أني جئت أهلي عشاءً فوجدت عندها رجلاً يقال له شريك بن سمحاء فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك فقال سعد الآن يضرب النبي هلال بن أمية وتبطل شهادته في المسلمين فقال هلال والله أني أرجو أن يجعل الله لي مخرجاً فبينما هم كذلك إذ نزل (والذين يرمون أزواجهم) إلى آخر الآية: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً).

ولكاع لعله أسم عبد أبق وفي النهاية  اللكع عند العرب العبد وأكثر ما يستعمل في البذاء وقد لكع الرجل لكعا فهو الكع وهو اللئيم وقيل الوسخ .. الروايات في هذا المجال متظافرة.

وربما انتهى اللعان إلى الفطرة في الجملة كما ذكره السيد السبزواري (قدس سره) في مهذب الأحكام وذلك لأن المتخاصمين في مقام التخاصم يقول أحدهما للآخر لعن الله الكاذب منا أو يساو قد هذا التعبير من المصطلحات المختلفة في الألسنة المتشبهة وكيف كان فأن اللعان مباهلة..

وفي مجمع البحرين: وأما قولهم للعبد واللئيم لكع فلعلهم ذهبوا فيه إلى صغر قدره (1) وكيف كان فإنه خاصة بين الزوجين أثرها دفع حد أو نفي ولد كما ستعرف تفصيله.

ويشرع اللعان في مقامين أحدهما فيما إذا رمى الزوج زوجته بالزنا.

ثانيهما: إذا نفى ولديَّة من ولد بفراشه مع إمكان لحوقه به إجماعاً ونصاً.

فعن أحدهما (عليهما السلام) في صحيح محمد بن مسلم (لا يكون اللعان إلا بنفي ولد وإذا قذف الرجل امرأته لاعنها).

وعليه فلا يترتب اللعان بالقذف إلا على رمي الزوجة المحصنة المدخول بها بالزنا قبلاً بل أو دبراً مع دعوى المشاهدة وعدم البينة فلو رمى الأجنبية تعين الحد ولا لعان وكذا لو قذف الزوجة ولم يدع المشاهدة فهو قذف ولا لعان.

ويدل على أن القذف موجب للعان الكتاب والسنة والإجماع.

وعليه فلا يجوز للرجل قذف زوجته بالزنا مع الريبة ولا مع غلبة الظن ببعض الأسباب المريبة بل ولا بالشياع ولا بأخبار شخص ثقة كل ذلك للأصل والإجماع والنصوص المستفيضة التي منها قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (إذا قذف الرجل أمرآته فأنه لا يلاعنها حتى يقول رأيت بين رجليها رجلاً يزني بها) إلى غير ذلك من الأخبار.

نعم يجوز له ذلك في صورة اليقين لأن اليقين حجة وحجيته ذاتية والإنسان مجبول على العمل بيقينه لكن في هذه الصورة لا يصدق إذا لم تعترف به الزوجة ولم يكن له بينة لأن حجية اليقين على المتيقن لأعلى غيره بل في هذه الصورة ـ أي صورة اليقين بالزنا وعدم حضور الشهادة عنده وكان يقينه ناشئاً من الظنون أو ناشئاً من الأسباب المريبة لا من المشاهدة ـ يحد حدّ القذف مع مطالبة المرأة بذلك أما الأول فلتحقق المقتضي وفقدان المانع فتشمله عمومات أدلة القذف وإما الثاني فلأن إقامة الحدود في حقوق الناس مشروطة بمطالبة أصحابها على ما ذكره الفقهاء في باب الحدود لكن إذا أوقع اللعان الجامع للشروط فيدرأ عنه الحد وتبين عنه زوجته في هذه الصورة كتاباً وسنة وإجماعاً.

أما الكتاب فما تقدم من الآية الشريفة من سورة النور.

وإما الروايات فهي مستفيضة بعضها تقدم ومنها صحيح الفضيل (قال سألته عز وجل أفترى على أمرأته؟ قال يلاعنها فأن أبى أن يلاعنها جلد الحد وردّت إليه امرأته وإن لاعنها فرق بينهما ولم تحل له إلى يوم القيامة والملاعنة أن شهد عليها أربع شهادات بالله أني رأيتك تزنين والخامسة يلعن نفسه أن كان من الكاذبين فأن أقرت رجمت وإن أرادت أن تدرء عنها العذاب شهدت أربع شهادات بالله أن كان من الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فإن كان انتفى من ولدها الحق بأخواله يرثونه ولا يرثهم  إلا أن يرث أمه فأن سماه أحد ولد زنا جلد الذي يسميه الحد).

إلى غير ذلك من الروايات التي تدل على أن الرجل إذا أوقع اللعان الجامع للشرائط يدرء عنه الحد.

  • شرائط اللعان.

وهنا مسائل: .

المسألة الأولى: يشترط في ثبوت اللعان بالقذف أن يدعي الرجل المشاهدة فلا لعان فيمن لم يدع المشاهدة كالأعمى مثلاً لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه مضافاً إلى الإجماع فحينئذٍ يختص لعان الرجل الأعمى بنفي الولد فقط وإما الزنا فلم يثبت فيه لعان بالنسبة إليه لعدم تحقق المشاهدة هذا ما عليه جمع من الفقهاء.

أما الشهيد (قده) في المسالك فقد حمل المشاهدة والرؤية على العلم فحينئذٍ فإن الرجل إذا حصل عنده العلم بزنا الزوجة فيجوز له اللاعنة وتبين عنه حينئذ ولا يحد.

وبناءً على هذا يصبح للأعمى مجال للملاعنة حتى في صورة الزنا وذلك إذا أدعى أنه يعلم بزناها.

وعليه فلا لعان في من  لم يدعها ومن لم يتمكن منها كالأعمى فيحدان مع عدم البينة لعمومات أدلة القذف.

مضافاً إلى الإجماع وإن لا يكون له بينة لقوله تعالى ((وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ)) مضافاً إلى الإجماع فأن كانت له بينة يتعين عليه أقامتها لنفي الحدّ ولا لعان لأن اللعان إنما هو حجة ضعيفة والبينة حجة قوية ولا تصل النوبة إلى الحجة الضعيفة مع وجود الحجة القوية مضافاً إلى ظهور الإجماع.

  • في وقوع اللعان مع العقد المنقطع.

المسألة الثانية: هل يشترط في ثبوت اللعان أن تكون الزوجة المقذوفة دائمة متى بالنسبة للزوجة المنقطعة؟ قولان: في المسألة وقد نسب إلى السيد والمفيد (قدهما) الوقوع في المنقطعة لإطلاقات الأدلة إلا أن جمعاً من الفقهاء ذهبوا إلى عدم وقوعه في المنقطعة وذلك لأن الأدلة منحرفة إلى الزواج الدائم لا المنقطعة كما لا لعان لمن لم يدخل بها وفي ثبوت اللعان في الزانية المشهورة وغير المشهورة قولان في المسألة: .

أشترط بعض الفقهاء في اللعان أن تكون المرأة غير مشهورة بالزنا مستدلين على ذلك بأن اللعان شرع لصون العرض عن الانتهاك والمشهورة بالزنا منتهكة فلا لعان فيها مضافاً إلى ظهور الإجماع وقوله سبحانه وتعالى ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)).

قال في الجواهر وفي المسالك أيضاً في التقييد بالإحصان المفسر بغير المشهورة بالزنا: .

لأن اللعان إنما شرع لصون عرضها من الانتهاك وعرض المشهورة بالزنا منتهك.

وقد يقال فيه بأن الشهرة بالزنا لا تخرج المراة عن الحرمة فأن الشهرة ليست من الأدلة الشرعية وإن أوجبت الظن بل القطع.

كيف و الزنا لا يثبت بالقطع بل يثبت بالموازين الشرعية و إلا فلا شك أن إقرار الرجل والمرأة ثلاثة مرات يوجب قطع الحاكم عادة ومع ذلك لم يجر النبي والوصي (صلوات الله عليهما) حداً على من أقر ثلاث مرات بل إنما أجريا الحد بعد الإقرار الرابع إلا أن الظاهر أن المستفاد من بعض الروايات المقيدة لحرمة القذف للمحصنة وهو ما أفتى به المشهور.

وعلى كل مال فالمشهورة بغير الزنا من المحرمات كالملامسة والمضاجعة والسباحة عارية مع الرجال العراة وغير ذلك فالظاهر أنه لا يخرجها عن موازين اللعان.

  • في عدم جواز إنكار الولد.

المسألة الثالثة: لا يجوز للرجل أن ينكر ولدية من تولد في فراشه مع أمكان لحوقه به إجماعاً بل ضرورة من الفقه بل ووجداناً من الناس فضلاً عن النصوص.

وذلك بأن دخل بأمه وقد مضى إلى زمان وضعه ستة أشهر فصاعداً ولم يتجاوز عن أقصى مدة الحمل حتى إذا فجر أحد بها فضلاً عما إذا أتهمها لشمول أطلاق دليلهم من الإجماع وغير لكل واحدة من الصورتين بل يجب عليه حينئذٍ الإقرار بولديته لما تقدم من الأدلة ولقاعدة الفراش.

فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه أحتجب الله عنه وفضحه على روؤس الخلائق).

نعم يجب عليه أن ينفيه ولو باللعان مع علمه بعدم تكونه منه للإجماع و إلا يلحق بنسبه من ليس منه وذلك من جهة علمه باختلال شروط الالتحاق به إذا كان بحسب ظاهر الشرع لحوقه به لولا نفيه ولا يلحق بنسبه من ليس منه فيترتب عليه حكم الولد في الميراث والنكاح والنظر إلى محارمه وغير ذلك لأنه باللعان ينتفي الولد منه شرعاً فلا تترتب عليه آثار الولدية عليه حينئذٍ.

  • إذا نفى الولد بعد الدخول.

المسألة الرابعة: إذا نفى ولدية من ولد في فراشه فإن علم أنه دخل بأمه دخولاً يمكن مع لحوق الولد به أو أقر هو بذلك ومع ذلك نفاه لا يسمع منه هذا النفي ولا ينتفي منه لا باللعان ولا بغيره لأنه كذب بفعله أو إقراره نفي الولد فلا يسمع مثل هذا النفي مطلقاً.

وإما لو لم يعلم ذلك ولم يقر به وقد نفاه مجرداً عن ذكر السبب بأن قال هذا ليس ولدي أو مع ذكر السبب بأن قال لأني لم أدخل بأمه أصلاً أو أنكر دخولاً لا يمكن تكونه منه حينئذٍ وإن لم ينتف عنه مجرد نفيه لكن باللعان ينتفي عنه.

أما عدم النفي عنه بمجرد النفي فلعدم اعتباره به إلا إذا كان ذلك بوجه شرعي وهو اللعان الشرعي وإما النفي باللعان فلتحقق المقتضي وفقد المانع فتشمله العمومات والأطلاقات بلا مانع هذا فيما إذا تحقق الدخول و إلا فلا لعان مطلقاً لما بيناه سابقاً.

  • في نفي ولد المتعة.

المسألة الخامسة: إنما يشرع اللعان لنفي الولد إذا كانت المرأة منكوحة بالعقد الدائم كما بينا أما ولد المتمتع بها فينتفي بنفيه من دون لعان للإجماع ولصحيح أبن أبي يعفور (لا يلاعن الرجل المرآة التي يتمتع منها).

نعم لا يجوز له نفيه ولم يعلم بالانتفاء لقاعدة الفراش مضافاً إلى الإجماع.

والحاصل فأن الأقسام هنا ثلاثة: .

الأول: العلم بكون الولد له فلا يجوز له النفي لا باللعان ولا بغيره بلا فرق بين الزواج الدائم والزواج المنقطع.

الثاني: العلم بأن الولد ليس له فيجب نفيه في الدائمة باللعان وفي المتمتعة ينفي بغير اللعان.

الثالث: التردد والشك في ذلك فينفي في الدائمة باللعان وفي المتمتعة ينفي بمجرد النفي ولا يحتاج إلى اللعان ففي صحيح أبي حنظلة (قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شروط المتعة (فقال يشارطها على ما أراد من العطية ويشترط الولد أن أراد) وقريب منه غيره.

نعم لو علم أنه قد دخل بها دخولاً يمكن تكون الولد منه وأقرّ بذلك ومع ذلك نفاه لم ينتف عنه بنفيه ولم يسمع منه نفيه كما هو في الدائمة لما مرّ من وقوع التكذيب بين اللعان وما أقرّ أو فعل فلا اعتبار بلعانه.

والمتمتع بها وهو فيها إذا كانت المراة تحته وولدت ولداً ولم يعلم دخول الرجل بها دخولاً يمكن تكون الولد منه ولم يقر الزوج بذلك وقد نفاه ويحتمل صدقه وكذبه نفي الدائمة لم ينتف الولد إلا بلعانه ويشرع اللعان لنفيه وفي المتمتع بها ينتفي عنه بمجرد نفيه بظاهر الشرع ولا يشرع فيه اللعان كما بينا.

  • أحكام اللعان.

المسألة السادسة: إذا وقع اللعان الجامع للشرائط منهما يترتب عليه أحكام أربعة: .

الأول: انفساخ عقد النكاح والفرقة بينهما للإجماع وللأدلة الخاصة.

الثاني: الحرمة الأبدية فلا تحل له أبداً ولو بعقد جديد نصاً وإجماعاً وهذان الحكمان ثابتان في مطلق اللعان سواءً كان اللعان للقذف أو لنفي الولد لإطلاق الأدلة الشامل لهما.

الثالث: سقوط حد القذف عن الزوج بلعانه وسقوط حدّ الزنا عن الزوجة بلعانها للآية المباركة وللإجماع وللنصوص المستفيضة فلو قذفها ولاعن ونكلت هي عن اللعان تخلص الرجل عن حدّ القذف وتحد المرأة حدّ الزانية لأن لعان الرجل بمنزلة البينة في أثبات زنا الزوجة فيكون المقتضي للحد موجود والمانع مفقود فتحد.

الرابع: انتفاء الولد عن الرجل دون المرأة إن تلاعنا لنفيه لفرض إقرارها بأن الولد منها ومن الرجل فاللعان اثبت نفيه عن الرجل دون المرأة.

وعليه فأنه لو نفاه وادعت الزوجة كون الولد له فتلاعنا لم يكن توارث بين الرجل والولد لانتفاء النسبة شرعاً فلا يرث كل منهما الآخر.

وكذا بين الولد وكل من انتسب إليه بالأبوة كالجد والأخ والأخت للأب وكذا الأعمام والعمات بخلاف الأم ومن انتسب إليه بها لتحقق النسبة الشرعية بينهما فيترتب عليه جميع أحكامها حتى أن الأخوة للأب والأم بحكم الأخوة للأم لصدق النسبة من جهتها فيثبت جميع أحكامها.

  • لا يقع اللعان إلاّ عند الحاكم.

المسألة السابعة: لا يقع اللعان إلا عند الحاكم الشرعي أو من نصبه لذلك وصورته أن يبدأ الرجل ويقول بعدما قذفها أو نفى ولدها.

أشهد بالله أني من الصادقين فيما قلت من قذفها أو من نفي ولدها يقول ذلك أربع مرات ثم يقول مرة واحدة لعنة الله عليّ أن كنت من الكاذبين ثم تقول الزوجة أنه لمن الكاذبين في مقالته من الرمي بالزنا أو نفي الولد ثم تقول مرة واحدة أن غضب الله عليّ أن كان من الصادقين.

ــــــــــــــ

الهامش

1ـ مجمع البحرين، ج4، 388، لكع.