المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 030.doc

المبحث السابع:في الظهار والايلاء واللعان:

وهي تتفرع على مباحث الطلاق وهي صيغ ثلاثة توجب التحريم بين الزوجين والزوجة.

الأولى: الظهار.

الثاني: الايلاء.

الثالث: اللعان.

وسنأتي إلى بيان تفصيلها مع أحكامها واحدة واحدة.

أما الظهار فهو من الظهر في مقابل البطن لغة وعرفاً وشرعاً ، سمي ظهاراً لقول الزوج لزوجته (أنت علي كظهر أمي) وتعد هذه صيغة للتحريم ولقد كان الظهار طلاقاً في الجاهلية وموجباً للحرمة الأبدية بين الزوجين ففي صحيح أبان عن علي (عليه السلام) (فإن العرب كانت إذا ظاهر الرجل منهم امرأته حرمت عليه إلى آخر الأبد إلا أن الإسلام غيّر حكمه وجعله موجباً لتحريم الزوجة المظاهرة ولزوم الكفارة بالعود) فالإسلام لم يغير الحرمة بل جعله محرماً وإنما يصح العود إلى الزواج فيما إذا دفع الزوج كفارة وسنأتي إلى تفصيله.

وقد أورد ذلك في الكتاب والسنة والاجماع قال تعالى: ((وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ))، (والآية صريحة في أن الظهار إذا وقع من الرجل يتمكن من العود إلى عش الزوجية إذا دفع في ذلك كفارة قبل أن يلامس زوجته.

وأما السنة ففيها روايات متظافرة في هذا الجمال منها ما رواه الفريقان عن نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله) كما عن الصادق (عليه السلام) في صحيح ابان (دخل رجل على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقال له أوس بن الصامت وكان تحته امرأة يقال لها خولة بنت المنذر فقال لها ذات يوم أنت عليّ كظهر أمي ثم ندم فقال لها أيتها المرأة لا أظنك إلا وقد حرمت عليّ فجاءت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالت يا رسول الله إن زوجي قال لي أنت عليّ كظهر أمي، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ما أظنك إلا وقد حرمت عليه فرفعت المرأة يدها إلى السماء وقالت أشكو إلى الله فراق زوجي فأنزل الله يا محمد (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) ثم أنزل الله الكفارة بعد ذلك فقال اللذين يظاهرون من نسائهم إلى آخر الآية).

ويستفاد منه أن المرأة كانت من المؤمنات لأنها جاءت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وقد اعتنى الله تعالى بها ورحمها لترتب الأثر على شكواها وقدم كلامها على قول رسوله (صلى الله عليه وآله) فقال (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما).

وهذا أول ظهار وقع في الإسلام.

وفي صحيح حمدان عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال أن امرأة من المسلمين أتت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت يا رسول الله أن فلاناً زوجي قد نثرت له بطني وأعنته على دنياه وآخرته ولم ير مني مكروهاً وأنا أشكوه إلى الله وإليك قال (صلى الله عليه وآله) فما تشكينه أنه قال لي اليوم أنت عليّ حرام كظهر أمي وقد أخرجني من منزلي فانظر في أمري فقال (صلى الله عليه وآله) ما أنزل الله علي كتاباً أقضي فيه بينك وبين زوجك وأنا أكره أن أكون من المتكلفين فجعلت تبكي وتشتكي إلى الله وإلى رسوله وانصرفت فسمع الله محاورتها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) و ما أشتكت إليه فانزل الله بذلك قرآنا بسم الله الرحمن الرحيم ((قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما)) يعني محاورتها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في زوجها (إن الله سميع بصير إن الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وأنهم ليقولوا منكراً من القول وزورا وإن الله لعفو غفور) فبعث رسول الله إلى المرأة فأتته فقال لها جيئيني بزوجك فأتته به فقال له أنت قلت لامرأتك هذه أنت علي حرام كظهر أمي فقال قد قلت ذلك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أنزل الله لك قرأناً فقرأ عليه قوله قد سمع الله إلى آخر الآية فضم امرأتك إليك فإنك قد قلت منكراً من القول وزورا قد عفى الله عنك وغفر لك فلا تعد فانصرف الرجل وهو نادم على ما قال لامرأته وكره الله ذلك للمؤمنين بعد فأنزل الله عز وجل: ((الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا)) يعني: (ما قال الرجل الأول لامرأته أنت على حرام كظهر أمي فمن قالها بعدما غفر الله للرجل الأول فعليه تحرير رقبة من قبل أن يتماسا لحين مجامعتهما) والحديث طويل رواه الحر العاملي (رضي الله عليه) في الوسائل في أبواب الظهار الباب الأول حديث رقم1.

ولا يبعد أن الرواية الأولى والرواية الثانية متحدة وكيف كان فإن الظهار كان من طلاق الجاهلية وقد أقره الإسلام مع بعض التعديلات إذ كان في الجاهلية يورث الحرمة المؤبدة إلا أن الإسلام حيث لاحظ العسر والحرج الذي يترتب على الزوجين وعلى الرجل بسبب قول الرجل هذا الكلام وجعله الظهار في ساعة غضب أو ساعة تأثر وما أشبه ذلك جعل الإسلام مجالاً للرجوع إلا أنه حيث أن الرجوع يحتاج إلى بعض التأديب للرجل لكي لا يرتجل ويتعجل في مثل هذه الأمور جعل عليه كفارة في الرجوع..

 

  • صيغة الظهار:

وهنا مسائل:

المسألة الأولى: صيغة الظهار أن يقول الزوج مخاطباً للزوجة (أنت علي كظهر أمي) أو يقول بدل أنت هذه مشيراً إلى زوجته أو زوجتي فلانة ويجوز تبديل قوله (عليّ ) بقوله مني أو عندي أو لدي وما أشبه ذلك لتحقق الظهور العرفي الذي هو المدار في الافادة والاستفادة في الجميع مضافاً إلى الاجماع والظاهر عدم اعتبار ذكر لفظ (عليّ ) وأشباهه أصلاً لما بيناه من تحقق الموضوع قصداً وشمول إطلاق الدليل له عرفاً فيجزي ذلك شرعاً كما لو يقول كظهر أمي.

ولو شبهها بشيء آخر من اجزاء الأم غير الظهر كرأس الأم أو يد الأم أو بطنها ففي وقوع الطلاق قولان أحوطهما وقوع الظهار وذلك لخبر يونس عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (سألته عن رجل قال لامرأته أنت علي كظهر أمي أو كيدها أو كبطنها أو كفرجها أو كنفسها أو ككعبها أيكون ذلك ظهاراً ؟ وهل يلزمه ما يلزم المظاهر؟ قال (عليه السلام) المظاهر إذا ظاهر من امرأته فقال هي علي ظهر أمي أو كيدها أو شعرها أو كشيء منها ينوي بذلك التحريم فقد لزمه الكفارة في كل قليل منها أو كثير).

إلى غير ذلك من الأخبار.

ولو قال أنت كأمي أو أنت أمي قاصدا به التحريم لا علو المنزلة والتعظيم أو كبر السن وغير ذلك لم يقع وإن كان الأحوط الوقوع إذ لا يترك هذا الاحتياط أما من جهة الأولوية فإذا حرمت بالتنزيل بالظهر فيكون التنزيل بالكل أولى بالتحريم أو لشمول اطلاق قول الصادق (لزمه الكفارة في كل قليل منها أو كثير).

فإذا قال لها أنت علي ظهر أمي يوجب التحريم فكيف إذا قال لها أنت كأمي إلا أن جمعاً من الفقهاء ومنهم المحقق الحلي رضوان الله عليه في الشرائع اشكلوا على الحرمة وذلك توقفاً على مورد النص.

ولو شبه زوجته بإحدى المحارم النسبية غير الأم كالبنت والأخت والعمة والخالة فمع ذكر الظهر بأن قال مثلاً (أنت علي كظهر أختي) يقع الظهار على الأقوى وذلك للنصوص التي منها صحيح زرارة (قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) فقال هو من لكل ذي محرم أم أو أخت أو عمة أو خالة ولا يكون الظهار في يمين قلت كيف يقول ؟ قال يقول الرجل لامرأته وهي طاهر في غير جماع أنت عليّ حرام مثل ظهر أمي أو أختي وهو يريد بذلك الظهار).

إلى غير ذلك من الروايات وبدون ذلك كما إذا قال أنت عليّ كأختي أو كرأس أختي لم يقع على اشكال أدعى صاحب الشرائع (رضوان الله عليه) القطع بعدم الوقوع فإن كان مستنده الاجماع فالظاهر أن الاجماع غير متحقق وإن كان مدركه الأصل فهو محكوم بالاطلاقات ومقتضى ما تقدم من صحيح زرارة وإن الظهار حقيقة واحدة وهو الوقوع إلا أن يخالف الوقوع الاجماع بأن يكون القول بوقوع الظهار في صيغة (كرأس أختي) أو (كأختي) مخالفاً للإجماع ففي هذه الصورة نمنع من وقوعه.

 

  • المسألة الثانية: الظهار الموجب:

للتحريم ما كان من طرف الرجل فلو قالت المرأة لزوجها أنت عليّ كظهر أبي أو أخي لم يؤثر شيئاً لما تقدم من الأصل والاجماع وظواهر الأدلة.

 

  • شروط الظهار:

المسألة الثالثة: يشترط في الظهار وقوعه بحضور شاهدين عدلين يسمعان قول المظاهر كالطلاق اجماعاً ونصوصاً منها ما عن قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح حمدان (لا يكون ظهار إلا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين).

ويشترط في المظاهر البلوغ والعقل والاختيار ولأنها في الشرائط العامة لكل انشاء عقداً كان أو ايقاعاً فلا يقع الظهار في الصبي ولا من المجنون ولا من المكره ولا من الساهي اجماعاً ونصوصاً منها ما عن الصادق (عليه السلام) لا يكون الظهار إلا ما كان على موضع الطلاق وقد بينا فيما تقدم شرائط المطلق فيشمل شرائط المظاهر أيضاً كما لا يقع الظهار في صورة الغضب السالب للقصد أما اعتبار القصد في وقوعه فللاجماع وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبيد بن زرارة (لا طلاق إلا ما أريد به الطلاق ولا ظهار إلا ما أريد به الظهار) وهو صريح في القصد .

وعن أبي جعفر (عليه السلام) في الخبر الموثق (لا يكون ظهار في يمين ولا في اضرار ولا في غضب).

وذلك لعدم تحقق القصد والارادة الجدية في أمثال هذه الصورة.

وأما المرأة المظاهرة فيشترط خلوها من الحيض والنفاس وكونها في طهر لم يواقعها فيه على التفصيل الذي تقدم في الطلاق اجماعاً ونصوصاً فيكفي في ذلك اطلاق قوله (صلى الله عليه وآله) (لا يكون ظهار إلا في مثل موضع الطلاق).

وفي اشتراط كون المرأة مدخولاً بها قولان:

اصحهما ذلك لما عن الصادق (عليه السلام) في الصحيح: لا يكون ظهار ولا ايلاء حتى يدخل بها).

وفي صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (في المرأة التي لم يدخل بها زوجها قال (عليه السلام) لا يقع عليها ايلاء ولا ظهار).

لكن خالف ذلك جمع من القدماء منهم الشيخ المفيد والسيد المرتضى رضوان الله عليهما فقالا بعدم اعتبار الدخول وذلك لاطلاق الآية ولقوله (عليه السلام) لا يكون ظهار إلا على موضع الطلاق وفي الطلاق لا يشترط الدخول وعدمه فكذا في الظهار.

 

  • هل يشترط الظهار بالعقد الدائم؟

المسألة الرابعة: الأقوى عدم اعتبار دوام الزواج في المظاهر فيقع على المتمتع بها أيضاً وذلك للاطلاق الشامل لهما في الآية وفي الروايات ولا يحتاج الظهار إلى اتباعه بالطلاق للأصل وظهور الأدلة والاتفاق لأن الظهار بنفسه موجب للتحريم فلو ظاهر ونوى الطلاق لم يقعا أما عدم وقوع الظهار فلعدم القصد إلى تحقق مفهومه وأما عدم وقوع الطلاق فلعدم ظهوره فيه كما تقدم في الفاظ الطلاق فيكون قول الصادق (عليه السلام) (لا يقع طلاق عن ظهار ولا ظهار عن طلاق) مطابقاً للقاعدة.

ولو ظاهر واردفه بالطلاق وقع الطلاق أن قصده دون الظهار أما عدم وقوع الظهار فلأنه لم يقصد به مفهومه وأما وقوع الطلاق فلفرض وقوع القصد به فيقع إن تحققت سائر الشرائط الأخرى.

ولا يخفى أن الظهار حرام لقوله تعالى: ((وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً)) ولا ريب أن المنكر والزور محرمان هذا مضافاً إلى ما ورد في بعض النصوص لكن قد يقال أن حرمة الظهار هي من المحرمات المعفو عنها كالصغائر التي تكفر بأتيان ما يزيلها أما العفو لما قد يقال لتعقبه بالآية بقوله جل شأنه (وإن الله لغفور رحيم).

ولكنه أعم نعم اطلاق قوله تعالى: ((إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً)). فإن هذه الآية من الآيات الامتنانية المعدودة التي يدل سياقها على العفو والرحمة ومحبة العباد وهبة العفو منه تعالى لخلقه مضافاً إلى أن ذكر الكفارة يؤيد هذا وهذا مبني على أن الظهار من الصغائر ولم يثبت أنه من الكبائر.

نعم: إلا أن يقال أن كل معصية كبيرة إلا ما خرج بالدليل ولكن هذا أول الكلام على ما ذهب إليه جمع وأما لسقوط الحرمة بالكفارة فمسلم للآية الشريفة ولما يأتي من النصوص القادمة إن شاء الله.

وكيف كان فإذا تحقق الظهار بشرائط حرم على المظاهر وطأ المظاهرة ولا يحل له حتى يكفر كتاباً وسنة وإجماعاً.

أما الكتاب فلقوله تعالى: ((وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا)).

وأما السنة فما عن الصادق (عليه السلام) في الموثق (متى تجب الكفارة على المظاهر؟ قال إذا أراد أن يواقع).

والروايات في هذا المجال متظافرة.

وعليه فإنه إذا كفر حل له وطؤها لظواهر الأدلة التي ذكرناها ولا تلزم كفارة أخرى بعد وطئها للأصل ولما مرّ من الأدلة ولو وطأها قبل أن يكفر لزمته كفارتان وذلك لحصول سبب الكفارة الأولى بإرادة العود إليها كزوجة وسبب الكفارة الثانية بالوطي قبل التكفير فيتعدد السبب فتعدد الكفارة ولعدم التداخل مضافاً إلى الاجماع والنصوص أيضاً التي منها قول الصادق (عليه السلام) في معتبرة حسن الصقيل  ( قلت له رجل ظاهر من امرأته ولم يكفر قال (عليه السلام) عليه الكفارة قبل أن يتماسا قلت فإن أتاها قبل أن يكفر قال (عليه السلام) بئس ما صنع قلت عليه شيء؟ قال اساء وظلم قلت فيلزمه شيء قال رقبة أيضاً).

وهل يحرم على الزوج قبل التكفير غير الوطي من سائر الاستمتاعات كالقبلة مثلاً والملامسة والمعانقة وما أشبه ذلك؟ فيه اشكال من جهة أصالة الحلية فيجوز مطلقاً إلا الوطي لأنه أخرجه الدليل فلذا تجوز له سائر الإستمتاعات الا الوطي هذا هو الاحتمال الأول.

والاحتمال الثاني أن نقول بعدم الجواز حتى في الاستمتاعات وذلك لأن المراد بالمس في الآية الشريفة مطلق المس فيحرم مطلقاً كالمطلقة سواء كان هذا المس وطيأ أو كان ضمّا أو ملامسة ويعضده ما ورد من أن الظهار مثل الطلاق.

إلا أن الظاهر أن المنصرف والمنساق من الآية الشريفة هو الجماع بقرينة سائر استعمالات كلمة المس في آيات القرآن.

وأما الرواية التي نزَّلت الظهار منزلة الطلاق فتريد أن تنزله منزلة الطلاق في اعتبار الشرائط لا في سائر الجهات.

  • إذا طلقها ثم راجعها:

المسألة الخامسة: إذا طلقها رجعياً ثم راجعها لم يحل له وطؤها حتى يكفر لاطلاق قولهم الرجعية بمنزلة الزوجة فتشملها أحكام الزوجة مطلقاً إلا ما دل الدليل على الخلاف وهو مفقود كما بيناه في باب الطلاق.

هذا مضافاً إلى قول الصادق (عليه السلام) الموثق (إذا ظاهر المطلق ثم راجع فعليه الكفارة) يحمل هذا الخبر على ما بيناه بخلاف ما إذا تزوجها من جديد بعد انقضاء العدة أو في العدة إذا كان الطلاق بائناً فإنه يسقط حكم الظهار حينئذٍ ويجوز له وطأها بلا تكفير وذلك لانقطاع العصمة بينهما بانقضاء العدة في الأول وبمجرد الطلاق في البائن هذا هو مقتضى القاعدة مضافاً إلى النصوص التي منها صحيح محمد بن مسلم: قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل ظاهر من امرأته ثم طلقها قبل أن يواقعها فبانت منه هل عليه كفارة؟ قال لا ومنها معتبرة الكناسي (قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل ظاهر من امرأته ثم طلقها تطليقة قال إذا طلقها تطليقة فقد بطل الظهار وهدم الطلاق الظهار قلت فله أن يراجعها؟ قال نعم هي امرأته فإن راجعها وجب عليه ما يجب على المظاهر من قبل أن يتماسا قلت فإن تركها حتى يخلو أجلها وتملك نفسها ثم تزوجها بعد هل يلزمه الظهار قبل أن يمسها؟ قال لا بانت منه وملكت نفسها).

  • وهناك روايات مخالفة في هذا المجال فهي محمولة على محامل أخرى خصوصاً مع قصور سند بعضها.
  • في كفارة الظهار:

المسألة السادسة: كفارة الظهار كما بينه الفقهاء في كتاب الكفارات هي عتق رقبة وإذا عجز عن العتق فصيام شهرين متتابعين وإذا عجز عنه فإطعام ستين مسكيناً وذلك لما ورد في الكتاب والسنة وقام عليه الاجماع أما الكتاب بقوله تعالى ((وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكيناً ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله ولتؤمنوا بالله وللكافرين عذاب أليم).

وواضح من الآية أن الفاء للتفريع وفي الكفارات أنها على نحو الترتيب لا على نحو التخيير، هذا مضافاً إلى ما ورد في السنة من الأخبار التي منها موثق أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) (قال جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله ظاهرت من امرأتي قال (صلى الله عليه وآله) اذهب فاعتق رقبة قال ليس عندي قال اذهب فصم شهرين متتابعين قال لا أقوى قال اذهب وأطعم ستين مسكيناً قال ليس عندي، قال فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا أتصدق عنك فأعطاه تمراً لاطعام ستين مسكيناً قال اذهب فتصدق بها قال والذي بعثك بالحق ما أعلم ما بين لا بيتها أحوج مني ومن عيالي قال اذهب فكل وأطعم عيالك) إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة.

  • لو عجز عن الكفارة

المسألة السابعة: لو عجز عن الكفارة ولم يقدر عليها ولو بالاستدانة يجزيه الاستغفار وذلك لعموم قوله (عليه السلام) في موثق داود بن فرقد (الاستغفار توبة وكفارة لكل من لم يجد السبيل إلى شيء من الكفارة).

وفي موثق اسحاق بن عمار عن الصادق قال: (أن الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر ربه ثم لينوي أن لا يعود قبل أن يواقع وليواقع وقد اجزأ ذلك عنه من الكفارة فإذا وجد السبيل إلى ما يكفر به يوماً من الأيام فليكفر وإن تصدق بكدّه فأطعم نفسه وعياله فإنه يجزأه إذا كان محتاجاً وإلا فليستغفر الله ربه وينوي أن لا يعود فحسبه بذلك والله كفارة).

إلى غير ذلك من الأخبار التي باطلاقها وعمومها تشمل كل من لا يجد في حاله من القدرة على التكفير فإن الاستغفار يكفيه سواءً كان في الظهار أو في غيره.

  • يجب الانفاق على الزوجة المظاهرة

المسألة الثامنة: يجب على الزوج الانفاق على الزوجة المظاهرة وإن حرم عليه وطيها وذلك لاستصحاب جميع آثار الزوجية التي منها حتى الانفاق إلا ما خرج بالدليل والذي خرج بالدليل هو خصوص الوطي فإن المانع من الوطي جاء من قبل الزوج بسبب المظاهرة أما باقي أحكام الزوجية من الانفاق وما أشبه ذلك فباقية على ذمته.

 

  • إذا لم تصبر المرأة عن الوطي رفعت أمرها للحاكم

المسألة التاسعة: إذا صبرت المرأة المظاهرة على ترك وطيها فلا اعتراض للأصل والاجماع وانحصار الحق بينهما ولا وقع للاعتراض بعدما رضيت المرأة وهي مسلطة على نفسها وإن لم تصبر عن الوطي رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي لأن الحاكم الشرعي منصوب لمثل هذه الأمور فيحضره ويخيّره بين الرجعة بعد التكفير وبين طلاق المرأة فإن اختار أحدهما فبها وإلا انتظره الحاكم ثلاثة أشهر من حين المرافقة فإن انقضت المدة ولم يختر أحد الأمرين حبسه وضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يختار أحدهما ولا يجبره على خصوص أحدهما ولا يطلق عنه الحاكم الشرعي.

والظاهر أن هذا ما أرسله الفقهاء وجعلوه من المهمات الفقهية وأدعى البعض عليه الاجماع وإن ذلك من الأمور الحسبية التي لم ينصب الحاكم إلا لأجلها ومضافاً إلى ذلك يدل عليه موثق الكناني عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قلت له فإن ظاهر منها ثم تركها لا يمسها إلا أن يراها متجردة من غير أن يمسها هل عليه من ذلك شيء قال (عليه السلام) هي امرأته وليس يحرم عليه مجامعتها ولكن يجب عليه ما يجب على المظاهر قبل أن يجامع وهي امرأته قلت فإن رفعته إلى السلطان وقالت هذا زوجي وقد ظاهر مني فتركني فلا يمسني مخافة أن يجب عليه ما يجب على المظاهر فقال (عليه السلام) ليس عليه أن يجبر على العتق والصيام والإطعام إذا لم يكن ما يعتق ولم يقو على الصيام ولم يجد ما يتصدق به، قال : فإن كان يقدر أن يعتق  فإن على الإمام أن يجبره على العتق أو الصدقة من قبل أن يمسها ومن بعدما يمسها).

وفي معتبرة أبي بصير قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل ظاهر من امرأته قال إن أتاها فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً وإلا ترك ثلاثة أشهر فإن فاء وإلا أوقف حتى يسأل ألك حاجة في امرأتك أو تطلقها فإن فاء فليس عليه شيء وهي امرأته وإن طلق واحدة فهو املك برجعتها) إلى غير ذلك من الأخبار.

 

المسألة العاشرة: الظاهر اعتبار العربية في الظهار كما مرّ في الطلاق لأنه المنساق من الأدلة.

لو اختلفا  في وقوع الظهار وعدمه

المسألة الحادية عشرة: لو اختلف الزوجان في وقوع الظهار وعدمه فادعاه الرجل وأنكرته المرأة يقدم قولها مع اليمين أما تقديم قولها فللأصل الموضوعي وهو بقاء حلية الوطي وللأصل الحكمي وهو أصالة عدم وقوع الظهار الآ اذا كان للرجل بينة فيقدم قوله حينئذٍ لعموم ما دل على حجية البينة ولو انعكس الأمر يقدم قوله فلو قالت المرأة تحقق الظهار وقال الرجل لم يتحقق الظهار وقدم قول المنكر في مثل هذه الصورة.

 

  • يعتبر التنجيز في وقوع الظهار

المسألة الثانية عشرة: يعتبر في تحقق الظهار التنجيز فلو علقه بانتهاء الشهر أو دخول الشهر لم يقع وذلك للاجماع ولما تقدم من الطلاق في البطلان لو علقه على الوقت بخلاف ما لو علقه على شرط غير مناسب للايقاع للاجماع والعمومات بل للنصوص الخاصة التي منها قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن الحجاج (الظهار ضربان أحدهما فيه الكفارة قبل المواقعة والآخر بعدها، فالذي يكفر قبل المواقعة الذي يقول أنت علي كظهر أمي ولا يقول أن فعلت بك كذا وكذا، والذي يكفر بعد المواقعة الذي يقول أنت عليّ كظهر أمي أن ضربتك).

وعن صحيح حريز عن الصادق (عليه السلام) أيضاً: (الظهار ظهاران أحدهما أن يقول أنت علي كظهر أمي ثم يسكت فذلك الذي يكفر قبل أن يواقع فإذا  قال أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا ففعل فحنث فعليه الكفارة حين يحنث).

إلى غير ذلك من الروايات وواضح في هذين الضربين أن بعضها  مشروط وبعضها منجز، وكيف كان فلو جعل الظهار موقتاً بزمان أو مكان بأن يظاهر منها شهراً ثم يزول الظاهر أنه لا يصح منه الظهار وذلك للأصل وإن المنساق من الأدلة أنه كما كان في زمن الجاهلية فالشارع أوجد فيه الكفارة وما كان فيها أنها هو الحرمة الأبدية لا الموقتة.

 

  • في ظهار الكافر والمجبوب ونحوهما

المسألة الثالثة عشرة: يقع الظهار صحيحاً سواء كان الزوج كافراً أو كان خصياً أو كان مجبوباً وكذا غيره كل ذلك لظهور الاطلاق والاتفاق. هذا بالنسبة إلى نفس الظهار أما الكفارة من الكافر فصحتها مبتينة على تحقق قصد القربة منه على ما يراه جمع من الفقهاء بناء على أن التكفير في مثل هذه الموارد من الأحكام التكليفية وأما من يرى قصد القربة فالظاهر أنه يلزم عليه الكفارة وإن كان كافراً. نعم لو كان في دينه الكفارة على كل حال فيمكن الالتزام بقانون الالزام ونحكم عليه بالكفارة حسب مقتضيات ما يلتزم به في دينه على ما بيناه سابقاً من قاعدة الالزام.

 

  • لو ظاهر مراراً هل تتعدد الكفارة ؟

المسألة الرابعة عشرة: لو ظاهر من واحدة مراراً تعددت الكفارة وذلك لتعدد السبب المقتضي لتعدد المسبب مضافاً إلى النصوص التي منها صحيح أبي مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) الباقر: (قال سألته عن الرجل ظاهر من امرأته خمس مرات أو أكثر ما عليه؟ قال عليه عن كل مرة كفارة).

منها صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام): (رجل ظاهر من امرأته ثلاث مرات قال (عليه السلام) يكفر ثلاث مرات). إلى غير ذلك من الروايات وكذا لو كان عنده أكثر من زوجة وظاهرهن بلفظ واحد فالظاهر في هذه الصورة لكل ظهار كفارة وذلك للاجماع ولانحلال اللفظ في الواقع إلى إلا ربع فتتعدد الكفارة بذلك ويدل على ذلك الأخبار منها موثق صفوان: (قال سأل الحسن ابن مهران أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن رجل ظاهر من اربع نسوة قال لكل واحدة كفارة وسئل عن رجل ظاهر من امرأته وجارية ما عليه قال تجب لكل واحدة منهما كفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً).