المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 028.doc

المبحث الخامس: في الرجعة واحكامها، والرجعة هي:

ردّ المرأة المطلقة في زمان عدتها إلى نكاحها السابق حسب المفهوم لغة وعرفاً بل وعقلاً أيضاً وهي من الإيقاعات تحصل بالقول والفعل كما ستعرف. ويدل على أصل تشريعها مضافاً إلى إجماع المسلمين وقوله تعالى: ((وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ)) أخبار كثيرة منها قول أبي جعفر (ع) في صحيح زرارة : ( يطلقها تطليقة من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ويراجعها من يومه ان أحب أو بعد ذلك بأيام قبل ان تحيض).

والروايات في هذا المجال مستفيضة وعليه فان الرجعة تختص بالطلاق الرجعي فلا رجعة في البائنة ولا في الرجعية بعد إنقضاء العدة أيضاً إجماعاً ونصوصاً في كل منهما فعن أبي جعفر (ع) في الصحيح ( ان مضت ثلاثة قروء قبل ان يراجعها فهي أملك بنفسها فان أراد ان يخطبها مع الخطاب خطبها ).

وقريب منه غيره من الأخبار فعلى هذا تكون الرجعة من مختصات الطلاق الرجعي قبل إنقضاء العدة وأما إذا إنقضت العدة وانتهت فحينئذ إذا أراد الزوج ان يرجع إليها يرجع بعقد جديد على ما بيناه سابقاً:

  • في كيفية الرجوع إلى الزوجة:

وتتحقق الرجعة بأمرين:

الأمر الأول: بالقول وهو كل لفظ دل على إنشاء الرجوع إليها كقوله (راجعتك) أو (رجعتك) أو (إرتجعتك إلى نكاحي).

أو دل على الإمساك بزوجيتها كقوله (رددتك على نكاحي) أو (أمسكتك في نكاحي) ويجوز في الجميع إسقاط قوله إلى نكاحي وفي نكاحي وذلك لأن المناط كله ظهور اللفظ في إفهام المعنى المقصود منه عرفاً بأي وجه حصل وإكتفى به في المحاورات العرفية فتشمله الأدلة والإطلاقات ولا إشكال من انفهام المقصود اللفظ ولو من دون قيد في نكاحي وإلى نكاحي وما أشبه ذلك.

وقد ورد الرد والإمساك في القرآن الكريم في مثل قوله سبحانه: ((وبعولتهن أحق بردهن)) وقال جل شأنه: ((فإذا بلغن أجلهن فإمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف)).

وعلى هذا لا يشترط في الرجعة لفظ خاص وإنما كل لفظ دل على ذلك عرفاً ولا يعتبر فيه اللفظ العربي لاطلاق الأدلة بل ويقع بكل لغة إذا كان بلفظ يفيد المعنى المقصود بتلك اللغة لصدق إبراز المعنى المقصود فيشمله إطلاق الدليل.

الأمر الثاني: في تحقق الرجعة بالفعل .

تتحقق الرجعة بالفعل الدالة على الرجوع أيضاً للإطلاق والاتفاق والنص الخاص قال أبو عبد الله (ع) في صحيح محمد بن القاسم: (من غشي امرأته بعد إنقضاء العدة جلد الحد وان غشيها قبل إنقضاء العدة كان غشيانه أياها رجعة لها).

وعليه فإنه إذا فعل بالمرأة في أيام العدة مايحل فعله بالزوجة كالوطي والتقبيل واللمس بشهوة أو بدون شهوة فإنه يحقق الرجوع كما هو مقتضى إطلاق الصحيح المتقدم مضافاً إلى الإتفاق.

وأما الآخرس فيتحقق الرجوع عنده بالإشارة المفهمة لفرض ان الشارع نزل أشارة الأخرس منزلة قوله كما بيناه سابقاً كما يصح الرجوع بالكتابة أيضاً لأن الكتابة إبراز للقصد فيحصل بها الرجوع ان كانت الكتابة معتبرة ومفهمة ولا يتوقف حلية الوطي والتقبيل واللمس على سبق الرجوع لفظاً كما لا يتوقف على قصد الرجوع به وإنما يكفي الفعل والعمل لأن المطلقة الرجعية زوجة أو بحكم الزوجة فيستباح منها للزوج مايستباح منها.

وهل يعتبر في كونه رجوعاً ان يقصد به الرجوع؟

قولان: أقواهما العدم لما مرّ في السابقه لأن علقة الزوجية مازالت باقية في الزوجة المطلقة طلاقاً رجعياً مادامت في العدة إذ لم تبن عن الزوجية بيتونة منفصلة بعد ولذا يصح الرجوع إليها من دون عقد جديد كما يصح لزوجها الرجوع إليها بالممارسات الخاصة التي يمارسها الزوج من اللمس والتقبيل ولايحتاج إلى قصد الرجوع بل يحتمل قوياً كونه رجوعاً وان قصد العدم لأنها من سنخ الوضعيات التي تدل على بقاء العصمة وعدم إنقطاعها بعد مضافاً إلى ظهور الإطلاقات والإتفاق.

وكيف كان فالاقسام هنا أربعة:

الأول: سبق قصد الرجوع على الفعل كما لو قصد الرجوع اولاً ثم بعد ذلك يتقدم إلى المرأة فيلامسها أو يقبلها أو يطأها فالفعل هنا متأخرعن القصد.

الثاني: الرجوع بنفس الفعل.

الثالث: عدمهما رأساً أي لم يقصد الرجوع لا مستقبلاً ولا بالفعل.

الرابع: قصد الخلاف كما إذا قصد الزنا بوطي المطلقة الرجعية في العدة

 والكل رجوع ويقع صحيحاً لظاهر الإطلاقات والمطلقة الرجعية زوجة وهذا نوع حرص من الشارع على بناء الحياة الزوجية بأي طريق أمكن في ذلك لآن الشارع يبغض الإنفصال والطلاق فلذا إذا طلقت المرأة طلاقاً رجعياً لأدنى الأسباب يريد الشارع ان يعيد العلاقات إلى طريقتها الأولية وإلى موضوعها الأولي.

نعم لا عبرة بفعل الغافل والساهي والنائم ونحو ذلك مما لا قصد فيه للفعل وذلك لأن قصد أصل الفعل من القبلة واللمس شيء وقصد الرجوع بالفعل شيء آخر لاربط لأحدهما بالآخر وعدم قصد الرجوع لا يستلزم عدم قصد الفعل بوجه وحينئذ يرجع إلى أصالة بقاء العدة وعدم تحقق الرجوع في الفعل الصادر من النائم والغافل.

وبعبارة أخرى السهو والغفلة ونحوها مانع عن الرجوع لا انّ قصد الرجوع شرطاً.

وكيف كان فلا عبرة بالفعل المقصود به غير المطلقة أيضاً كما لو واقعها بإعتقاد أنها غيرها لصدق عدم قصد الفعل بالنسبة إلى المطلقة فيكون من قبيل وقوع الفعل غير القاصد كالنائم والساهي والمعتبر هو قصد الفعل لا مجرد وقوعه.

والظاهر عدم إنحصار الرجوع بفعل الزوج فلو قبلّت الزوجة الرجعية زوجها المطلق لها أو لا مسته وأثارت شهوته وما أشبه ذلك ورضي الزوج بذلك فالظاهر كونه رجوعاً.

  • لو انكر الزوج الطلاق هل يعد رجوعاً:

المسألة الأولى: لو أنكر أصل الطلاق وهي بالعدة كان ذلك رجوعاً منه أجماعاً ونصاً ففي صحيح أبي ولاّد عن أبي عبد الله (ع):( سألته عن امرأة أدعت على زوجها أنه طلقها تطليقة طلاق العدة طلاقاً صحيحاً - يعني على طهر من غير جماع وأشهد شهود اً على ذلك - ثم أنكر الزوج بعد ذلك فقال (ع) ان كان إنكار الطلاق قبل إنقطاع العدة فإن إنكاره رجعة لها وان كان إنكار الطلاق بعد إنقضاء العدة فان على الأمام ان يفرّق بينهما بعد شهادة الشهود بعد أن تستحلف لأن إنكاره الطلاق بعد العدة وهو خاطب من الخطاب).

وكيف كان: إذا أنكر الرجل أصل الطلاق والمرأة بعد في عدتها كان ذلك رجوعاً منه، وان علم كذبه لظهور الإطلاق الشامل لهذه الصور أيضاً.

  • المطلقة الرجعية زوجة مادامت في العدة:

المسألة الثانية: المطلقة بالطلاق الرجعي زوجة أو بحكم الزوجة مادامت في العدة إجماعاً في المسألة وقد أرسل الإجماع في المطلقة الرجعية وإنها زوجة كما أرسل الفقهاء ذلك إرسال المسلمات الفقهية للنصوص الكثيرة الواردة فيها في الأبواب المتفرقة.

ويصرحون فيها بالكتب الفقهية بعدم إنقطاع العصمة بينها وبين زوجها مادامت في العدة وربما يمكن إستفادة ذلك من إطلاق قوله تعالى: ((وبعولتهن أحق بردهن)).

وعليه فإن المرأة ما دامت في العدة تترتب عليها أثار الزوجية وترتب الأحكام عند ثبوت الموضوع حقيقة قهري كما عرفته سابقاً فحينئذ تستحق الزوجة المطلقة رجعياً النفقة والسكن والكسوة والإرث أيضاً إذ لا معنى لبقاء أحكام الزوجية إلا ذلك مضافاً إلى الإجماع والنصوص التي منها موثق سعد:( قال: سألت أبا الحسن موسى (ع) عن شيء من الطلاق فقال: (ع) إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلقها إلى ان قال والمرأة التي يطلقها الرجل تطليقة ثم يدعها حتى يخلو أجلها هذه أيضاً تقعد في منزل زوجها ولها النفقة والسكن حتى تنقضي عدتها).

والروايات في هذا المجال كثيرة وقد تقدمت أحكام النفقات بعض ذلك.

نعم إنما تستحق المطلقة رجعياً النفقة والكسوة إذا لم تصر ناشزة لما تقدم في باب النكاح في النفقات من اشتراط وجوب النفقة بالتمكين ومع النشوز ينتفي هذا الشرط فيسقط وجوب النفقة وعن نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله) في خطبة حج الوداع:

(إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق ـ إلى أن قال ـ فإذا انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف).

كما يترتب على المرأة وعلى الرجل في الطلاق الرجعي التوارث لو مات أحدهما في أثناء العدة وذلك لما ذكرناه من تحقق الزوجية بينهما موضوعاً بل ونصوصاً أيضاً فمن الروايات ما عن أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح محمد بن قيس: (أيما امرأة طلقت ثم توفي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدتها ولم تحرم عليه فإنها ترثه ثم تعتد عدة المتوفى عنها زوجها وإن توفيت وهي في عدتها ولم تحرم عليه فإنه يرثها).

إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على التوارث بينهما.

كما لا يجوز للزوج نكاح أخت زوجته المطلقة رجعياً ما دامت العدة لم تنقض عن أختها كما لا يجوز له نكاح المرأة الخامسة  لما تقدم في باب النكاح من حرمة الجمع بين الأختين وحرمة المرأة الخامسة نكاحاً دائماً مضافاً إلى الروايات الدالة على ذلك.

وكذلك يكون على الزوج في أيام العدة قيمة كفن المرأة وزكاة فطرتها عليه أيضاً لبقاء الزوجية فإن وجوب ثمن الكفن وإعطاء زكاة الفطرة أو ما أشبه ذلك من الأحكام المترتبة على الموضوع الذي هو النكاح وما زال النكاح باقياً والزواج باقياً في العدة فيشمله حكمه وقد بين الفقهاء في أحكام الجنائز أن كفن الزوجة على الزوج فلا مجال هنا لتفصيله كما بين الفقهاء في كتاب الزكاة ما يتعلق بوجوب فطرة الزوجة على الزوج.

  • نفقة البائن

هذا بالنسبة إلى المطلقة طلاقاً رجعياً وأما بالنسبة إلى المطلقة طلاقاً بائناً كالمختلعة والمباراة والمطلقة ثلاثاً فلا يترتب عليها آثار الزوجية أصلاً لا في زمن العدة ولا بعده وذلك لانقطاع العصمة بينهما بالمرة إجماعاً ونصوصاً وقد علل الحكم في كثير من النصوص بقوله (عليه السلام) (برئت عصمتها منه وليس له عليها رجعة).

وبذلك علل المسألة كثير من الفقهاء في جملة من كلماتهم أيضاً.

  • في نفقة الحامل أيام العدة

نعم إذا كانت المرأة حاملاً من زوجها فإنه وإن كان طلاقاً بنحو الاختلاع أو المباراة أو المطلقة ثلاثاً أو البائنة وما أشبه ذلك، فإنها تستحق النفقة والسكنى والكسوة على الزوج حتى تضع حملها وذلك للإجماع والنصوص فعن أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح محمد بن قيس (الحامل أجلها أن تضع حملها وعليه نفقتها بالمعروف حتى تضع حملها) وفي معتبرة سماعة  (قال: قلت له المطلقة ثلاثاً لها سكنى أو نفقة؟ فقال (عليه السلام) حبلى هي؟ قلت لا، قال ليس  لها سكنى ونفقة).

ويحمل عليه صحيح ابن سنان (قال سألت ابا عبد الله عن المطلقة عن العدة لها سكنى ونفقة قال نعم).

ففي الجمع بين الخبرين يفهم أن الرواية الثانية التي قالت نعم تحمل على صورة الحمل.

أما الرواية الأولى فتحمل على صورة عدم الحمل وقد مرت بباب النفقات من بحث النكاح ما بيناه تفصيلاً.

ونفقة المطلقة رجعياً أو البائنة الحامل كنفقة الزوجة بالكمية والكيفية على التفاصيل التي ذكرناها سابقاً بلا فرق فيها بين أن تكون المرأة المطلقة مسلمة أو غير مسلمة كل ذلك للإطلاقات والإجماع.

  • لا توارث في الطلاق البائن

المسألة الثالثة: قد عرفت انه لا توارث بين الزوجين في الطلاق البائن مطلقاً كما لا توارث بينهما في الطلاق الرجعي بعد انقضاء العدة لما عللناه من انقطاع العصمة بينهما في الطلاق البائن بمجرد الطلاق مطلقاً ومن انقضاء العدة في الرجعي الذي تنقضي معه العصمة الزوجية فلا توارث لكنه لو طلقها في حال المرض فإن كان موته بعد سنة من حين الطلاق ولو يوماً أو أقل لا ترثه للعمومات والإطلاقات الدالة على انقطاع العصمة بينهما حينئذ مضافاً إلى الاجماع وظاهر الأدلة الخاصة مثل قوله (عليه السلام) (ما بينه وبين سنة) وغيره من الروايات وإن كان بمقدار سنة وما دونها ترثه سواءً كان الطلاق رجعياً أو بائناً لظاهر الإطلاق والاتفاق.

  • في شروط التوارث بعد الطلاق

وقد ذكروا في باب التوارث انه إنما يكون بشروط ثلاثة:

الأول: ان لا تتزوج بعد طلاق.

الثاني: أن لا يبرأ الزوج من مرضه الذي طلقها فيه وإنما يشترط أن يكون قد مات بهذا المرض الذي طلقها فيه.

الثالث: أن لا يكون الطلاق بالتماس منها لأنه إذا كان بالتماس منها لا توارث بينها وبينه على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى في بحث الطلاق والارث.

  • الرجوع، حكم شرعي لا حق

المسألة الرابعة: الظاهر أن جواز الرجوع في الطلاق الرجعي حكم شرعي فلا يقبل الإسقاط كما انه ليس حقاً يقبل الإسقاط أيضاً وقد فرّق الفقهاء بين الحق والحكم.

وقالوا أن الحق قابل للإسقاط في الجملة وان الحكم غير قابل للإسقاط إلا أن بعض الحقوق لها شبه الحكمية أولها مقاربة بالحكمية فهذه الحقوق لا تقبل الإسقاط أيضاً لذا قالوا أن الرجوع في الطلاق الرجعي حكم شرعي غير قابل للإسقاط وحتى من يراه حقاً فإنه يرى بأنه حق متشبه بالحكم فلا يقبل الإسقاط كالخيار في البيع الخياري فإنه لو قال الزوج أسقطت ما كان لي من حق الرجوع لم يسقط عنه ذلك وكان له الرجوع بعد ذلك لأنه مقتضى الإطلاق من الأدلة ولأصالة عدم السقوط والإسقاط وعدم ترتب اثر الصلح ونحوه وقوله تعالى ((وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ)) لا يستفاد منه الحقية الصرفة.حتى يقال بقبوله الإسقاط.

إذ المراد منه مجرد الأولوية التي تناسب الحكم، وعليه فإذا صالح عن الرجوع بعوض أو بغير عوض لا يسقط عنه حق الرجوع.

  • لا رجعة مع الفسخ

الظاهر اختصاص الرجعة بخصوص الطلاق فلا تجري في الفسخ مطلقاً للأصل وظواهر الأدلة فيها الطلاق وتقسيمه إلى الرجعي والبائن وأما الفسخ فلا. فلذا لا يشمله هذا الحكم.

  • لا يصح العقد على المطلقة الرجعية في العدة

المسألة السادسة: لا يصح العقد على المطلقة الرجعية مطلقاً أما بالنسبة إلى زوجها فلنفرض أنها بحكم الزوجة لأن المطلقة الرجعية زوجة فلو أراد الرجوع إليها في العدة جاز له الرجوع بلا حاجة إلى عقد جديد. نعم يمكن أن يقال انه بالنسبة إلى الزوج يعتبر رجوعاً منه ـ أي العقد ـ لو كان متوجهاً إلى هذه الجهة. أما إذا كان غافلاً بالمرة فلا يتحقق به الرجوع فيتحصل اذن أن المطلقة طلاقاً رجعياً وهي في أثناء العدة لا يصح أن يعقد عليها عقداً جديداً لا من الزوج لأنها زوجة في العدة ولا من غيره لأنها لا زالت في ذمة هذا الزوج.

  • في سكنى المطلقة رجعياً

وهنا فرعان:

الفرع الأول: لا يجوز لمن طلق رجعياً أن يخرج الزوجة المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها وذلك للكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: ((لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)).

وفي رواية أبي بصير عن أحدهما (عليه السلام) قال: (المطلقة أين تعتد ؟ قال في بيتها إذا كان طلاقاً له عليها رجعة ليس له أن يخرجها ولا لها أن تخرج حتى تنقضي عدتها).

وفي موثق عمار عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: (سألته عن المطلقة أين تعتد؟ قال في بيت زوجها).

وأما البائن فتعتد حيث شاءت وإن كانت حاملاً وتجب نفقتها على الزوج لانقطاع العصمة بينهما.

وفي موثق سعد بن أبي خلف قال: (سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن شيء من الطلاق فقال إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلقها وملكت نفسها ولا سبيل له عليها وتعتد حيث شاءت ولا نفقة لها قال قلت له أليس الله تعالى يقول ((لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)) قال إنما عنى بذلك الذي يطلق تطليقة فتلك التي لا تخرج حتى تطلق الثالثة، فإن طلقت الثالثة ولا نفقة لها والمرأة التي يطلقها الرجل تطليقة ثم يدعها حتى يغدو أجلها فهذه أيضاً تعتد في منزل زوجها ولها النفقة والسكنى حتى تنقضي عدتها).

وعلى أي حال فلا يجوز لمن طلق رجعياً أن يخرج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا أن تأتي بفاحشة مبينة كما هو نص الآية الشريفة والسنة والإجماع.

وأعلى هذه الفاحشة المبينة ما أوجب الحد إجماعاً ونصوصاً. قال الامام الصادق (عليه السلام) في قول الله عز وجل ((لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ))أي إلا أن تزني فتخرج ويقام عليها الحد.

وعن الإمام الحجة المهدي (عجل الله تعالى فرجه) في خبر سعد بن عبد الله قال: (سألته عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت بها حل للزوج أن يخرجها من بيته قال (عليه السلام) الفاحشة المبينة هي السحق دون الزنا فإن المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك عن التزويج بها لأجل الحد وإذا سحقت وجب عليها الرجم والرجم خزي ومن قد أمر الله عز وجل برجمه فقد أخزاه ومن أخزاه فقد أبعده ومن أبعده فليس لأحد أن يكرمه).

فلابد من حمل ذيله على سائر الأخبار أو ردّ علمه إلى أهله.

وعليه فلا يشمل الفاحشة في قوله تعال مطلق معصيتها في نفسها وهل يشمل قوله (عليه السلام) (يقام عليها الحد) مطلق ما فيه الحد كحد شرب الخمر مثلاً؟

مقتضى الطلاق التعليل المذكور في ذلك فأعلى الفاحشة أن تأتي بمعصية تستحق فيها الحد وأدناها أن تؤذي أهل البيت بالشتم وبذاءة اللسان كما في النصوص أيضاً ففي رواية محمد بن علي بن جعفر: (قال: سأل المأمون الرضا (عليه السلام) عن قول الله عز وجل ((لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)) قال (عليه السلام) يعني بالفاحشة المبينة أن تؤذي أهل زوجها فإذا فعلت فإن شاء أن يخرجها من قبل أن تنقضي عدتها فعل).

وقد روي عنه (عليه السلام) أيضاً (الفاحشة أن تؤذي أهل زوجها وتسبهم).

كما ورد انه البذاء أيضاً وعن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أيضاً فيما تقدم من قوله تعالى قال (أذاها لأهل زوجها وسوء خلقها).

مضافاً إلى الإجماع والظاهر أن الفاحشة تشمل الزنا والسحق إلى البذاءة واذية الأهل ولو بغير اللسان كضربهم أو كسر أوانيهم أو توسيخ دارهم أو حرق ملابسهم أو ما أشبه ذلك كما تشتمل مثل شرب الخمر ولعب القمار ومراودة الأجانب والضحكات العالية التي توجب فضيحة الأهل عند الجيران وغير ذلك.

وشمل الكل إطلاق بعض الروايات والمناط في بعضها الآخر كما استفاده بعض الفقهاء ومنهم سماحة السيد الشيرازي (دام ظله) في الفقه.

ولا يخفى أن إيذاءها الموجب لجواز إخراجها إذا كان بتجاوز وتعدي منها وأما إذا كانت مستحقة للإيذاء كما لو كانت تقابل بالمثل فلا يشملها دليل الإخراج كما قال سبحانه وتعالى ((فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)).

  • هل ترجع إلى بيت الزوج بعد إقامة الحد؟

وهنا مسائل:

الأولى: لو أخذت لإقامة الحد وأقيم عليها الحد ففي الرجوع إلى بيته وعدمه وجهان:

من إطلاقات وجوب البقاء في محلها والشك في أن المخصص دائمي أو لأجل خصوص إقامة الحد فقط فعليها الرجوع والبقاء في بيتها ومن احتمال أن البقاء في البيت محدود بحد اتيان الفاحشة فبعد إتيانها يرتفع الوجوب فلا يجب عليها الرجوع إلا أن الأحوط هو الأول.

 

المسألة الثانية: لو أمكن إقامة الحد عليها في منزلها فالظاهر عدم وجود منشأ للخروج والإخراج عن بيتها لما هو المستفاد من الأخبار.

 

  • لا يجوز للمرأة المعتدة الخروج بلا إذن الزوج

المسألة الثالثة: لا يجوز للمرأة الخروج بدون إذن زوجها للإجماع ولما تقدم من الآية الشريفة ((لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)).

والنصوص الخاصة كرواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام): (ليس له أن يخرجها ولا لها أن تخرج حتى تنقضي عدتها).

ولا يخفى أن الخروج والإخراج يتصور على قسمين:

القسم الأول: فيما إذا كان لكل واحد منهما مصلحة متعارفة لا توجب التباغض والبغضاء والنفرة والتنافر كما لو يأذن الزوج رغبة منه وتشويقاً في ذهابها لزيارة ارحامها أو للأماكن المتبركة وهي تخرج أيضاً رغبة منها كذلك.

القسم الثالث: أن يكون الخروج بعنوان المراغمة والعناد وإظهار الخلاف كما لو كان الزوج لا يرضى بخروجها من البيت وهي رغما ً له وتباغضاً تخرج منه فإنه لا ريب في عدم جواز الثاني بالنسبة لكل منهما ، لا يجوز لها الخروج كما لا يجوز له الإخراج كذلك لأنه القدر المتيقن من النهي.

وأما في مثل الأول من الظاهر جوازه مع الإذن كما هو المفروض ببقاء جهة التعارف والتودد بينهما.

وعليه تحمل الأدلة الدالة على الجواز ففي موثق معاوية بن عمار (المطلقة تحج في عدتها إن طابت نفس زوجها).

 

  • أقسام سكنى الزوجة

ولا يخفى أيضاً أن السكنى على أقسام:

الأول: ما كانت من حقه عليها.

الثاني: ما كانت من حقها عليه مثل سكنها الزوجة وسائر نفقاتها.

الثالث: ما يكون حكماً شرعياً كسكنى المطلقة في عدتها الرجعية.

فإن فيها شائبة الحكمية كما بينا مضافاً إلى جهة الحقية في الجملة.

فتكون برزخاً بينهما وبذلك يمكن الجمع بين الروايات الواردة في المقام.

وعلى أي حال فإنه لا يجوز للمرأة الخروج بدون إذن زوجها إلا لضرورة أو لأداء واجب مضيّق نصاً وإجماعاً.

ففي مكاتبة محمد بن أبي الحسن الصفار إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) (في امراة طلقها زوجها ولم يجر عليها النفقة في العدة وهي محتاجة هل يجوز لها أن تخرج وتبيت عن منزلها للعمل أو الحاجة ؟ فوقّع (عليه السلام) لا بأس بذلك إذا علم الله الصحة منها).

بل قاعدة تقديم الأهم على المهم تقتضي ذلك والضرورة التي تكفيها في هذا الواجب لأن الضرورات تقدر بقدرها.

  • لو احتاجت المعتدة للخروج.

المسألة الرابعة: لو احتاجت إلى الخروج فالأحوط أن تخرج بعد انتصاف الليل أو قبل الفجر إذا أمكنها ذلك ولم تكن موانع كما في موثق سماعة.(قال سألته عن المطلقة أين تعتد؟ قال (عليه السلام) في بيتها لا تخرج إن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل ورجعت بعد نصف الليل ولا تخرج نهاراً).

وحيث أن سياق هذه الرواية سياق مطلق الرجحان والتستر لها فلا يستفاد منها الوجوب ولذلك فإن ما جزم به في المسالك من الوجوب، إن كان سنده هذه الرواية فقط ففيه إنه مخالف للظاهر كما انه يستفاد العود قبل الفجر من إطلاق قوله (عليه السلام) فيها (ولا تخرج نهاراً).

ومع ذلك فإن الوجوب المذكور إنما يقال به إذا لم يترتب عليها ضرر أو تمكنت من دفع الضرر بخروجها ليلاً وعودها قبل الفجر وكذا إذا لم يترتب عليها حرج أو ما أشبه ذلك.

أما إذا ترتب على خروجها بعد انتصاف الليل وقبله حرج أو ضرر أو لم تتمكن من دفع ضرورتها خرجت متى شاءت لأن أدلة نفي الضرر ونفي الحرج حاكمة على الأدلة الأولية كما ثبت في محله.

  • في الاشهاد على الرجعة وموارد الاختلاف بين الزوجين

وهنا مسائل

المسألة الأولى: لا يعتبر الاشهاد على الرجعة للأصل والاطلاق والاتفاق إضافة إلى نصوص خاصة منها صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام): (في الذي يراجع ولم يشهد قال (عليه السلام) يشهد أحب اليّ ولا أرى بالذي صنع بأساً).

والروايات أكثر من واحدة.

ولعل استحباب الاشهاد دفعاً لوقوع التخاصم والنزاع وحفظ الحقوق كما في النصوص ففي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): (قال سألته عن رجل طلق امرأته واحدة قال (عليه السلام) هو أملك برجعتها ما لم تنقض العدة قلت فإن لم يشهد على رجعتها قال (عليه السلام) فليشهد قلت فإن غفل عن ذلك قال فليشهد حين يذكر وإنما جعل ذلك لمكان الميراث).

والتعليل في الرواية صريح في أن من حكمة الاشهاد هو حفظ الحقوق والروايات في هذا المجال متعددة مضافاً إلى الإجماع وعلى أي حال فكما لا يعتبر الاشهاد في الرجعة كذا لا يعتبر فيها اطلاع الزوجة عليها للإطلاق والاتفاق والأصل فإن راجعها عند نفسه من دون اطلاع احد صحت الرجعة وعادت المرأة إلى النكاح السابق واقعاً لوجود المقتضي وفقدان المانع مضافاً إلى الإجماع.

لكن لو ادعاها بعد انقضاء المدة ولم تصدقه الزوجة لم تسمع دعواه لأصالة عدم ترتب الأثر إلا بحجة معتبرة من بينة عادلة أو يمين قاطعة وشهد لذلك خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام): (إنه قال في رجل طلق امرأته ثم اشهد شاهدين ثم اشهد على رجعتها سراً منها واستكتم الشهود ولم تعلم بذلك إلا بعد انقضاء عدتها قال تخير المرأة إن شاءت زوجها وإن شاءت غيره وإن تزوجت قبل أن تعلم بالرجعة التي اشهد زوجها عليها فليس للذي طلقها عليها سبيل وزوجها الأخير اًحق بها).

غاية الأمر له عليها يمين نفي العلم لو ادعى العلم بذلك لأن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.

وحيث أن موضوع الدعوى هنا علمها بالرجعة فتحلف على نفي العلم مع انكارها لذلك كما لو ادعى عن الرجوع بفعل كالوطي وأنكرته كان القول قولها ببينتها لأصالة عدم وقوع الفعل فيقدم قولها مع اليمين لكنه على البت لا على نفي العلم لفرض أن مورد الدعوى وقوع الوطي عليها كما يكون من فعله أيضاً فإن الوطي متقدم بالطرفين بالإضافة فيصح الحلف على البت.

  • إذا اتفقا على الرجوع واختلفا في المقدم

المسألة الثانية: إذ اتفقا على الرجوع وانقضاء العدة واختلفا في المتقدم منهما هل العدة انقضت قبل الرجوع أو الرجوع تحقق قبل انقضاء العدة ؟

فادعى الزوج أن المتقدم هو الرجوع وادعت المرأة أن المتقدم انقضاء العدة فإن تعين زمان الانقضاء وادعى الزوج أن الرجوع قبله ووقع في محله وادعت هي وقوعه بعده فوقع في غير محله فالأقرب أن القول قوله مع يمينه لأن النزاع في الواقع يرجح إلى صحة الرجوع وعدمه فمقتضى أصالة الصحة صحة الرجوع ما لم يثبت الخلاف بدليل معتبر واليمين إنما تكون لقطع الخصومة وإن كان بالعكس بأن تعين زمان الرجوع وإنه يوم الجمعة مثلاً وادعى أن انقضاء العدة كان في يوم السبت وادعت انه كان يوم الخميس فالقول قولها بيمينها لأن النزاع يرجع في الواقع إلى العدة وعدمها وقولها معتبر في العدة إجماعاً ونصاً ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام):(الحيض والعدة إلى النساء إذا ادعت صدقت)(33).واليمين إنما تكون لقطع الخصومة كما بينا.

  • لو انكرت الدخول بعد الطلاق

المسألة الثالثة: لو طلق وراجع فانكرت هي الدخول بها قبل الطلاق لئلا تكون له عليها عدة وتكون له الرجعة وادعى هو الدخول كان القول قولها مع يمينها لأصالة عدم الدخول ما لم يثبت بحجة معتبرة مع قوله (صلى الله عليه وآله) (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه).

نعم: بالنسبة إلى سائر الأحكام يؤخذ بإقراره كتزويج أختها والخامسة أو المهر على ما بيناه سابقاً في مباحث النكاح.