المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 024.doc

حكم الطلاق الثلاثي بين الشيعة والسنة

ورد عن إسماعيل بن عبد الخالق: (قال سمعت أبا الحسن (عليه السلام) وهو يقول طلق عبد الله بن عمر امرأته ثلاثاً فجعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) واحدة فردها إلى الكتاب والسنة).

وعن دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) إنه قال: (من طلق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد وأشهد فهي طالق واحدة).

وقد عرفت فتوى فقهائنا مما تقدم وهي مخالفة لفتوى العامة حيث إنهم يرون إن من طلق زوجته ثلاثاً في مجلس واحد يقع ثلاثة طلقات فيتبن منه زوجته ولا يصح الرجوع إليها حتى تنكح زوجاً غيره لكن الشيخ المفيد (قده) في المسائل الصارانية قال: (والعلماء بالآثار يتفقون إن الطلاق بالثلاث على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وطول أيام أبي بكر وقدراً من أيام عمر بن الخطاب كان هذا الطلاق الثلاث واحدة حتى رأى عمر إن يجعله ثلاثاً وتبين به المرأة بما فرق على ذلك قال وإنما لم أجره على السنة مخالفة أن يتتابع فيه السكران).

والرواية مشهورة عن عبد الله بن عباس إنه كان يفتي في الطلاق الثلاث في الوقت الواحد بأنه واحدة ويقول لا تعجبون من قوم يحلون المرأة وهي تحرم عليهم ويحرمونها على آخر وهي والله تحل له.

فقيل من هذا يا أبن عباس؟ فقال هؤلاء الذين يبينون المرأة عن الرجل إذا طلقها طلاقاً ثلاثا بفم واحد ويحرمونها عليه ومن أمثال هذه الروايات يفهم إن فتوى العامة جاءت من كلام لعمر في هذا المجال و إلا فإنه على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي عهد أبي بكر وفي مدة من أيامه كان الطلاق ثلاثاً يقع واحدة، مضافاً إلى ما سمعته عن ابن عباس وورد في الغوالي عن ابن عباس أيضاً قال: (طلق ابن كنانة امرأته في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً فسأله رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف طلقتها قال طلقتها ثلاثاً في مجلس واحد فقال إن تلك واحدة إن شئت فراجعها).

ولا يخفى إن نفس العامة رووا حديث ابن كنانة في جعل الثلاث واحدة، وهناك بعض الكلمات بل بعض المؤلفات قد ألفت في هذا المجال مما توافق ما ذهب إليه الشيعة من أن الطلاق ثلاثاً يقع واحدة إذا وقع في مجلس واحد.

فقد ذكر عبد الرحمن الصابوني في كتاب: (مدى حرية الزوجين في الطلاق في الشريعة الإسلامية) وقد قدم لهذا الكتاب الدكتور (مصطفى أبو زهرة) و (الأستاذ مصطفى السباعي) من مصر وسورية ما هذا لفظه روى طاووس عن ابن عباس قال: (كان الطلاق في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم) وفي رواية عن ابن طاووس إن أبا الصهباء قال لأبن عباس: (هنات من هناتك ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله وأبي بكر ولعدة؟ قال قد كان ذلك فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم) وقد ورد في الكتاب المذكور إن الحديثين المذكورين في صحيح مسلم بشرح النووي وأيد رواية ابن عباس بقول الجصاص ولولا قيام الأدلة في إباحة إيقاع الثلاث في وقت السنة وإيقاع الواحده لغير المدخول بها لاقتضت الآية حصره وقال ابن العربي: (وقد كنا نقول إن غيره ليس بمشروع لولا تظافر الأخبار والآثار وانعقاد والإجماع من الأمة بأن من طلق طلقتين أو ثلاثاً كان ذلك لازم له) وبعد ذلك علق المؤلف الصابوني قال: والذي أفهمه ما هذين النصين أي الجصاص وابن العربي إن الخلاف في الطلاق الثلاث ليس منشأه ما جاء في القرآن الكريم لأنه صريح بما فيه بل بما ورد في السنة الشريفة بأقوال الصحابة وبعد كلام طويل في حديث ابن عباس قال الصابوني: (واستدل أيضاً من أوقع الثلاث واحدة بالحديث التالي: (روى الإمام أحمد في مسنده عن محمد بن إسحاق قال حدثني داود بن الحسين عن عكرمة عن ابن عباس قال طلق وكأنه بن عبد يزيد أخو بني المصطلق امرأته ثلاثة في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً فسأله رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف طلقتها قال طلقتها ثلاثاً قال في مجلس واحد قال نعم قال فإنما تلك واحدة فأرجعها إن شئت قال فرجعها قال فكان ابن عباس يرى إنما الطلاق عند كل طهر) ثم قال الصابوني هذا الحديث صحيح في أسناده واضح في معناه لا يحتمل التأويل وهو إن من طلق امرأته ثلاثاً فهي واحدة، قال الإمام أحمد إنه الصواب وقال ابن حجر وهذا الحديث نص في مسألة لا يقبل التأويل الذي في غيره من الروايات وقال ابن القيّم ورواه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في مختاراته التي هي أصح من مختارات الحاكم ثم قال واحتج أصحاب هذا الرأي بأن هل الطلقات الثلاث طلقة واحدة هو مذهب بعض الصحابة وبعض التابعين وها نحن نذكر بعضهم:

مذهب ابن عباس وذلك للحديث الذي ذكرناه بعد أن ناقشنا جميع الردود عليه.

مذهب ابن طاووس لما رواه عبد الرزاق أخبرنا ابن جريح عن ابن طاووس عن أبيه إنه كان لا يرى طلقاً ما خالف وجه الطلاق ووجه العدة وإنه كان يقول يطلقها واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها فأفتى بالوقوع واحدة.

وعكرمة رواه إسماعيل ابن إبراهيم عن أيوب عنه وأفتى به علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير.

مذهب الحسن البصري الذي استقر عليه وهناك جمع غفير من الصحابة والتابعين على ذلك.

وعن يحيى بن سعيد عن بكير عن يعمر بن عياش قال: (سأل رجل عطاء بن يسار عن الرجل يطلق البكر ثلاثاً فقال إنها طلاق البكر واحدة).

ومذهب سعيد ابن جبير كما حكاه ابن المنذر وغيره عنه.

مذهب سعيد ابن المسيب وجده في كتاب من الكتب إن الواقع واحدة هو مذهب سعيد بن المسيب وبعض الكتب ذكرت إن مذهبه عدم الوقوع مطلقاً لأن الطلقات الثلاثة مجتمعة بدعة والبدعة لا تقع وقد نقل هذا المذهب عن سعيد بن المسيب الزمخشري في تفسيره والقرطبي في أحكام القرآن والآلوسي في تفسيره أيضاً.

ثم قال في هامش الكتاب: عطاء بن أبي رباح مولى قريش ولد في خلافة عمر وسمع من كبار الصحابة.

قال أبو حنيفة ما رأيت أفضل من عطاء توفي سنة مائة وأربعة عشر وقال في سعيد بن جبير حدث عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما قال ابن عباس لأهل الكوفة حينما سألوه في مسائل فقهية أليس فيكم سعيد بن جبير؟ .

قتله الحجاج في فتنة ابن الأشعث سنة 95 هجرية.

وسعيد ابن المسيب المخزومي من كبار التابعين واحد الفقهاء السبعة للمدينة ولد قبل خلافة عمر بسنتين وروى عن الصحابة قال قتادة ما رأيت أحداً أعلم من سعيد بن المسيب وكانت أكثر رواياته عن أبي هريرة.

ثم قال الصابوني بعد كلام طويل: مهما قيل في الروايات التي رواها الجمهور ومخالفوهم فلدينا حديثان صحيحان عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حديث في صحيح مسلم وحديث في مسند أحمد في إن الطلاق المتعدد لا يقع إلا واحدة ثم قال إن عمر لم يقصد بعمله هذا تحريم الطلاق الرجعي وحاشا لله أن يفكر عمر بوضع العقبات في طريق الحياة الزوجية وعودها إلى صفائها إنما كان القصد من عمر إن يمنع الناس عن الطلقات الثلاث فجعل هذه العقوبات درعاً واقياً لا سهماً نافذاً ثم قال: إذا كان حرص عمر على إن لا يرتكب الناس في عصره المحرم ديانة بإيقاعهم الثلاث مجموعة فحرمهم من الرجعة وهي أمر مباح أفلا يكون حرص المسلمين اليوم أشد على أن لا يرتكب الناس جريمة التحريم حين نحرم عليهم الطلقات الثلاث لتعود زوجاتهم إليهم؟ إن في الرجوع إلى اعتبار الطلقات الثلاث طلقة واحدة رجوع إلى ما كان عليه النبي (صلى الله عليه وآله) وعصر أبي بكر وبداية عهد عمر وإن بالعدول عن إلزام بالثلاث تحقيق إلى ما رمى إليه عمر باجتهاده من جلب المصلحة ودفع المفسدة لأن السياسة الشرعية تدور حولهما.

ثم قال:

والخلاصة إن الإجماع انعقد على وقوع الثلاث واحدة قبل عصر عمر ولم ينعقد على الوقوع ثلاثاً حتى الآن فالطلاق الثلاث كان لا يقع إلا واحدة في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) وعصر أبي بكر وسنتين من خلافة عمر ولم يخالف أحد في ذلك من الصحابة فانعقد الإجماع على ذلك وهو من طلق زوجته ثلاثاً لم يقع إلا واحدة وقد استمر الإجماع على ذلك ولم ينقرض عصر المجمعين  حتى جاء عمر فالزم الناس بوقوع الثلاث.

وخالفه بذلك ابن عباس وغيره واستمر الخلاف بين فقهاء الصحابة والتابعين وفقهاء المذهب حتى عصرنا هذا.

ثم وجّه الصابوني اجتهاد عمر بأنه لولي الأمر في الإسلام حق التدخل في شؤون النكاح والطلاق فله أن يزوج من يعضلها وليها عن الزواج وهو ولي من لا ولي له كما له إن يفرق بين الزوجين في حالات نص عليها الشارع ولهذا بدأ عمر يؤدب من يطلق ثلاثاً بضربه بينما لم نجد إلا القليل جداً في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) من طلق ثلاثاً وكان النبي (صلى الله عليه وآله) سيتنكر هذا ولم ينقل لنا أنه عزر أحداً بفعله حتى جاء عمر فبدأ يعزر من يخالف شرع الله بالطلاق وتواترت الروايات عنه إنه كان إذا أتى برجل طلق امرأته ثلاثاً ضربه وحلق رأسه وعزره، ولما لم تفد هذه العقوبة في ردع الناس عن ارتكاب المحرم في طلاقهم قرر عمر إن يزيد العقوبة ولم يجد وسيلة لردع الناس عن هذه المخالفة في طلاقهم إلا حرمانهم من مراجعة زوجاتهم إذا ما وقع الطلاق على غير ما شرع الله فطلق ثلاثاً فعقوبته عدم مراجعة زوجته حتى تنكح زوجاً غيره فاجتهاد عمر فيما خالف به سلفه ليس جديداً في تاريخنا فقد خالف الصحابة في تقسيم أراضي العراق وفي عقوبة شارب الخمر وعمر أمر غيلم ابن سلمة الثقفي حين طلق زوجاته ليمنعهن من الميراث حين وزع ماله على بنيه فأمره أن يراجعهن وأرسل إليه (وأيم الله لتراجعن نساءك ولترجعن في حالك ما أولوا وتورثهن منك أو لأمرن بقبرك فيرجم) وقد فرق عمر بين لكل من طلحة وحذيفة وزوجتيهما الكتابيتين وقال لا أحرمه وإنما أخشى الأعراض عن الزواج بالمسلمات فزواج المسلم بالكتابية مباح على ما ذهب إليه جمهور المسلمين ومع هذا فقد رأى عمر إن من المصلحة منع مثل هذه الزيجات بل وفسخها إن حدثت فإذا كان من تملك حق التفريق دون طلاق بين الزوجين إلا يملك التفريق بعد الطلاق المحرم فيجعله ثلاثاً؟

وقال بعد ذلك وهنا نتساءل عن عمل عمر هل هو عمل تشريعي له صفة الدوام أو هو من قبيل السياسة الشرعية تدور حول المصلحة؟

وأجاب بالثاني.

وروى النسائي عن أحمد بن لبيد قال. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً فغضب (صلى الله عليه وآله) وقال أيلعب بكتاب الله عز وجل وأنا بين أظهركم حتى قام رجل وقال يا رسول الله ألا أقتله؟ قال الصابوني بعد ذكره هذا الخبر.

إن الطلاق بالثلاث لا يجوز لأنه تلاعب بكتاب الله وفهم غير صحيح لما أراده الشارع وأمر به من وجوب التفريق بين الطلقات) انتهى كلام الصابوني وقد نقلناه بطوله مقتطعاً مقتضباً لما فيه من الفوائد نقلاً عن كتاب الفقه لسماحة السيد الشيرازي (دام ظله) ج 69/178-184

وكيف كان فحيث إن هذه المسألة محل ابتلاء يومي بين الناس وفي مختلف الأسر والمجتمعات تعرضنا إليها بطولها.

والحاصل إن عندنا إذا أوقع الزوج ثلاث طلقات في مجلس واحد لا يقع إلا واحدة وهو الذي وردت فيه الروايات وأما عند العامة فأنه يقع ثلاثاً وتبين منه زوجته وتحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره وهنا مسألة جديدة:

  • إذا اختلف الزوجان في المذهب:

وهي إن الزوج لو كان من العامة ممن يعتقد وقوع الثلاث بثلاث مرسلة كانت أو مكررة واوقع الطلاق ثلاثاً بأحد النحوين أي مرة يقول (هي طالق ثلاث مرات) من دون تخلل رجعة في البين ويقصد الطلاق وتعدده وقد يقول (هي طالق ثلاثاً) في هذه الصورة الزم به إجماعاً ونصوصاً منها ما عن أبي جعفر (عليه السلام): (سألته عن الأحكام قال يجوز على أهل كل دين ما يستحلون) وفي رواية عبد الله ابن طاووس ( قلت له امرأة طلقت على غير السنة قال تتزوج هذه المرأة لا تترك بغير زوج) إلى غير ذلك من النصوص والمقام من موارد قاعدة الإلزام، وحيث إن هذه المسألة من المسائل الهامة التي يقع فيها المسلم في كثير من الأحيان في وقوع الزواج ين الشيعي والعامي وبين العامي وبين الشيعية فتختلف فيه الأحكام من حيث قاعدة الإلزام رأينا من المناسب هنا التعرض إلى قاعدة الإلزام في الجملة لنعرف جملة من الأحكام التي تترتب في باب النكاح وفي باب الطلاق وفي باب الإرث وغيره وذلك من الأحكام المختصة بالمجتمع.

  • البحث في قاعدة الإلزام بين المذاهب والأديان وبعض تفريعاتها الهامة:

قاعدة الإلزام هي من القواعد المسلمة بين الفقهاء وقد بحثوها في باب الطلاق وفي باب النكاح بشكل مستوعب وشامل وقد دلت عليها الأدلة اللفظية واللبية والظاهر إنها من القواعد التسهيلية النظامية في جميع الملل والأديان فتعتبر ما لم يردع عنها الشرع فإذا دفع أهل ملة إلى أهل ملة أخرى مالاً مثلاً وقال الدافع إن ديني وملتي يقتضي أن أدفع إليك هذا المال مع وجود المقتضي وفقد المانع عن القبول يجوز له القبول.

وهذا في الجملة مسلم في المرتكزات لآن الإقرارات العقلائية تعتبر نافذة ويأخذ بها العقلاء وإنما البحث في تعميم هذا الحكم لكل مورد أو تخصيصه ببعض الموارد وقد قام الإجماع على اعتبار قاعدة الإلزام بل هو ما قامت عليه الأخبار المتظافرة منها صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): (يجوز على أهل كل حين ما يستحلون).

ومنها قول أبي الحسن (عليه السلام)  في رواية عبد الله بن جبلة (في المطلقة على غير السنة أيتزوجها الرجل فقال (عليه السلام)  ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم وتزوجوهن فلا بأس بذلك).

ومنها قول الصادق (عليه السلام): (خذوا منهم كما يأخذون منكم في سنتهم).

وعنه (عليه السلام)  أيضاً في حديث آخر (خذهم بحقك في أحكامهم وسنتهم وكما يأخذون منكم فيه).

ومنها ما ورد في تقرير نكاحهم مثل قوله (عليه السلام): (لكل قوم نكاح).

إلى غير ذلك من الأدلة.

والحاصل إن من دان بدين قوم لزمته أحكامهم ولولا ذلك لما استقر للمسلمين سوق ولا قام لهم عمود خصوصاً في أمثال هذه  الأعصار التي صارت الدنيا بأسرها كبلد واحد اختلط أبناء شرقها بغربها وجنوبها بشمالها ولعل المنطقة الواحدة يختلط بها مختلف الأسر من مختلف المذاهب والأديان فهذه القاعدة من أحسن القواعد النظامية التي قررها الشارع تسهيلاً على الأمة وتخفيفاً عليهم ومراعاة للتعارف والاندماج بين الشعوب وبين المجتمعات.

وخلاصة ما في سياق تلك الأخبار المتقدمة هو تقرير المذاهب الفاسدة أو التي هي في نظرنا خطأ في ترتيب آثار الصحة الملتزمة عندهم تسهيلاً وامتناناً من الشارع الأقدس على الأمة وتأليفاً بينهم مهما أمكن السبيل إليه.

ومفاد هذه القاعدة إنها تشمل جميع الموارد إلا ما خرج بالدليل المخصوص وما ذكر من الموارد المتقدمة من باب النكاح والطلاق وإنما هو من باب المثال والغالب وليس من باب الحصر فيكون مفاد القاعدة من الأحكام المجاملية ومن تلك الأحكام الثانوية الاضطرارية التي يكون الاضطرار النوعي حكمة للجعل لا علة المجعول فتعم القاعدة جميع ما ألزموا أنفسهم إلا ما خرج بالدليل وهذا ما قامت عليه سيرة العقلاء أيضاً ومن الواضح إن القاعدة لا تختص بخصوص المخالفين من المسلمين على اختلاف فرقهم ومذاهبهم بل قد يقال لعموميتها لجميع الملل غير المسلمة كما هو مقتضى الإطلاقات والعمومات بل صريح بعض الروايات التي تقول إنه (من دان بدين قوم لزمته أحكامهم) بلا خصوصية للمسلم وغير المسلم وقوله (عليه السلام): (لكل قوم نكاح) لم تحدد الخصوصية في المسلم وغير المسلم فتشمل حتى الأديان المختلفة كالنصرانية واليهودية والمجوسية وما أشبه ذلك.

والظاهر إنه لا يعتبر أن يكون مفاد القاعدة (أي ألزموهم بما ألزموا أنفسهم) متفق عليه بين جميع المذاهب الأربعة المشهورة وغيرهم بل يصح جريانها ولو كان الإلزام عند مذهب واحد دون غيره من المذاهب للعموم والإطلاق الشامل لكل من القسمين.

هذا بعض الشيء عن هذه القاعدة فيتحصل إذن إنه إذا كانت زوجة الإنسان من الشيعة وكان زوجها من العامة فيمكن إلزام الزوج بمذهبه العامي ولو كان العكس أيضاً فيجوز إلزام الزوجة العامية بمذهبها العامي كل يراعي فيه أحكامه والتزامه بأي مذهب كان.

  • في وقوع الطلاق مع اختلاف المذهب:

ومن هنا قلنا سابقاً لو كان الزوج من العامة ممن يعتقد وقوع الطلاق الثلاثي بثلاث مرسلة أو مكررة واقع الطلاق ثلاثاً بأحد النحويين ألزم به سواءً كانت المرأة شيعية أو كانت مخالفة لإطلاق الدليل الشامل لكل واحدة منهما مضافاً إلى ظهور الإجماع على عدم الفرق بينهما من هذه الجهة وحينئذ نرتب نحن عليها آثار المطلقة ثلاثاً لفرض إن الصحة في دينهم تلازم الصحة عندنا كما في سائر أمورهم الدينية كما مرّ في القاعدة فلو رجع إليها فحكم ببطلان رجوعه وبطلان الرجوع إليها قبل أن تنكح زوجاً آخر ويصح لها أن تتزوج بعد انقضاء العدة لوجود المقتضي وفقد المانع فتشملها عمومات صحة التزويج واطلاقاتها بلا محذور دافع. وكذلك الزوجة إذا كانت شيعية جاز لها التزويج بالغير لما مرّ من القاعدة ولا فرق في ذلك بين الطلاق ثلاثاً بلا تخلل الرجوع وغيره مما هو صحيح عندهم فاسد عندنا. كالطلاق المعلق والحلف بالطلاق والطلاق في طهر المواقعة والحيض وبغير شاهدين فإن هذه من المزبورات وإن كانت فاسدة عندنا لكنها إذا وقعت من رجل منا لا نرتب على زوجته آثار المطلقة لأنها باطلة عندنا والزوج ملتزم بمذهبنا ولكن إذا وقعت من أحد المخالفين القائلين بصحتها نرتب على طلاقه بالنسبة إلى زوجته آثار الطلاق الصحيح فيتزوج بها بعد انقضاء العدة كل ذلك لإطلاق الأدلة وإجماع فقهاء الملة على ذلك وعدم الفرق بين جميع ما ذكر وهذا الحكم جار في غير الطلاق أيضاً فنأخذ بالعول والتعصيب في الميراث منهم - مثلاً – مع إنهما باطلان عندنا للإجماع ولقاعدة الإلزام ولو كان المطلق من الخاصة فطلق زوجته بطريقة العامة أي فاقداً لشرط من شرائط الصحة عند الشيعة لم يصح الطلاق لما مرّ من انعدام الحكم بانعدام الموضوع ولو كان بالعكس فحصل من الزوج قصد الإنشاء جامعاً للشرائط صح لوجود المقتضي وفقدان المانع.

  • إذا استبصر المخالف:

ولو كان من العامة فطلق زوجته على حسب مذهبه صحيحاً وباطلاً عندنا ثم استبصر بعد ذلك بعد العدة فهل له الرجوع إليها حينئذ؟

احتمالان:

مقتضى الأصل بقاء علقة الزوجية بعد فرض إن الطلاق لم يكن جامعاً للشرائط عنده حالاً وعدم الأثر له وكذا مقتضى العمومات والإطلاقات الدالة على بطلان الطلاق الفاقد للشرائط كما تقدم بعضها فحينئذ يجوز له الرجوع نعم لو طلق زوجته حسب مذهبه جامعاً للشرائط فتزوجت المرأة كذلك وبعد زمان كثير استبصر الرجل فحينئذ لا معنى لبطلان الطلاق.

  • إذا استبصر الزوجان أو أحدهما:

ويمكن أن تبين الأقسام المتصورة في الطلاق هنا وهي أربعة.

القسم الأول : لو طلق رجل امرأته في حال استبصاره طلاقاً جامعاً للشرائط وبقي على استبصاره كذلك لا ريب في صحة هذا الطلاق ويترتب عليه جميع آثار الصحة لوجود المقتضى وفقد المانع فتشمله الإطلاقات والعمومات المتقدمة.

القسم الثاني: لو طلق المخالف زوجته على طبق مذهبه وبقي على هذا المذهب ولم يعدل عنه فهذا الطلاق كما هو صحيح عندهم صحيح عندنا لقاعدة الإلزام على ما تقدم.

القسم الثالث: رجل شيعي طلق زوجته طلاقاً صحيحاً على مذهبه ثم بعد ذلك اختار مذهباً من مذاهب المسلمين فهو صحيح أيضاً لشمول عمومات أدلة الصحة وإطلاقاتها له بلا محذور.

القسم الرابع: لو طلق العامي زوجته على حسب مذهبه وكان صحيحاً عنده وباطل عندنا ثم استبصر بعد ذلك فمقتضى الأصل بناء عقدة النكاح وعدم الأثر للطلاق.

  • في طلاق الهازل حسب مذهبه:

ثم إنه لو كان الزوج من العامة ويصح عنده طلاق الهازل والزوجة كانت شيعية وطلقها الزوج هزلاً ألزم الرجل بما التزم به وتزوجت المرأة بعد انقضاء العدة أو فوراً إذا لم يكن عليها عدة.

ولو انعكس الأمر فكان الزوج شيعياً لا يصح عنده الهزل وطلق هزلاً بقيت زوجته السنية على نكاحها به لأن الهزل باطل عند الزوج نعم إن أصرت الزوجة على الفراق لأنها ترى صحة الهزل ولم يجد الرجل بداً حينئذ من إخضاعها أو الطلاق الجدي، ومما تقدم يعرف حال الصور المختلفة ديناً كالمسلم الذي كانت تحته كافرة أو مذهباً كالسني والشيعي أو كالسنيين المختلفين مذهباً وكذلك حال الكافرين الذين يرجعون الينا وحال الكافرة تحت السني لدى مراجعتهما لنا أو اختلاف التقليد بين الشيعيين سواء بالنسبة إلى الزوجين أو إلى أحدهما والثالث يريد الخامسة أو أخت الزوجة تريد الزواج بزوج آخر أو بالنسبة إلى من يريد إيقاع العقد أو إن يشهد بالطلاق أو العقد الجديد أو غير ذلك.

  • ولو تزوجها السنّي قبل المحلل:

ثم لو طلق السني زوجته ثلاثاً حيث يرى الاحتياج إلى المحلل ثم تزوجها من جهة عدم الاعتناء بدينه يحق لنا الزواج بها إذا لم يكن عمله عن شبهة لأنه يعد زنا حينئذ ولا حرمة للزنا وأما إذا كان عن شبهة فلا يحق لنا لاحترام وطي الشبهة في العدة فيما كانت لها عدة لا كاليائسة والصغيرة كما حقق في النكاح ولو طلق السني ثلاثاً أو بغير الشرائط المقررة عندنا فهل يحق لنا أن نفتيه بما عندنا إذا استفتانا حتى يرجع إلى زوجته ؟ لا يبعد ذلك لأن الواقع لا يتغير إلا بالتزامه وحيث لا التزام له يطبق عليه الواقع نعم لو التزم بدينه وذهبت الزوجة وتزوجت أو تزوج هو بالخامسة أو تزوج بأختها أو ما أشبه لم يحق له الرجوع حينئذ ولعل قصة العلامة الحلي رحم الله مع الشاه خدا بنده كانت من هذا القبيل.

  • في صحة الرجوع إلى علماء المذهب:

أما إذا أفتاه عالمه بصحة اتباع المذهب الشيعي كما أفتى بذلك جملة من العلماء السنة في زماننا فالأمر أوضح ولذا أفتى بعض علماء العصر في رجل سني سأله عن ذلك بأنه يرجع إلى زوجته إتباعاً لمذهب عالمه لأنه لم يتحقق الطلاق عندنا إلا مرة واحدة ولو طلق السني زوجته ثلاثاً أو بدون الشرائط ثم صار شيعياً فهل يحق له الرجوع إليها؟ الظاهر ذلك إلا إذا تزوجت أو تزوج بالأخت ونحوها كما تقدم.

ولو طلق الشيعي ثلاثاً من جهة جهله بالمذهب مثلاً وإنه واحد في دينه ثم صار بعد ذلك سنياً فالظاهر الحلية له إن لم يكن الطلاق في الواقع إلا واحداً فيتبع الواقع.

  • إذا حكموا بحكمنا:

ولو قبلت السنة طلاق الثلاث واحد كما قبل جماعة منهم في عصرنا وكان الرجل يقلدهم كان محكوماً بحكمنا أما إذا كان يقلد من يقول إن الثلاثة ثلاث فهو محكوم بحكمهم ولو قلد الشيعي من يقول إن الثلاث باطل إطلاقاً فطلقها ثلاثاً بطل وهي زوجته وإذا قلد من يقول بصحتها واحداً لم تخرج عن حبالته لما ذكر في محله (من أن الواقعة الواحدة لا تتحمل اجتهادين).

ولو قلد من يقول بأن الثلاثة واحدة ثم قلد من يقول بأنها باطلة نفذ فيه حكم الواحدة للقاعدة المذكورة.

  • الإشهاد على الطلاق:

الشرط الرابع: من شرائط صحة الطلاق الإشهاد عليه وذلك للأدلة الثلاثة أما الكتاب فلقوله تعالى: ((وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ للهِ)) وأما النصوص فهي متواترة قال أبو جعفر (عليه السلام)  في معتبرة محمد بن مسلم: (إن طلقها في استقبال عدتها طاهراً من غير جماع ولم يشهد على ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه إياها بطلاق).

وعن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)  في رواية أبي نصر البزنطي: (يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشاهدين عدلين كما قال الله عز وجل في كتابه: (فأن خالف ذلك ردّ إلى كتاب الله عز وجل).

وقول أبي جعفر (عليه السلام): (وإن طلقها للعدة بغير شاهدي عدل فليس طلاقه بطلاق ولا يجوز فيه شهادة النساء).

وأما الإجماع فهو من المسلمات لدى الإمامية بل الحكم من ضروريات فقههم.

  • شرائط الشهادة:

ويشترط في الإشهاد أمور أربعة الأمر الأول السماع: فيعتبر في صحة الطلاق إيقاعه بحضور شخصين يسمعان الصيغة للإجماع أو يريانه كما في إشارة الأخرس أو كتابة العاجز عن الإسماع سواءً قال لها أشهد أو لم يقل.

الشرط الثاني: العدالة للكتاب والسنة المتقدمة كقوله بشاهدين عدلين أو رجلين عدلين أو غير ذلك.

الشرط الثالث: الاجتماع حين سماع الإنشاء لظواهر الأدلة وإجماع فقهاء الملة وأصالة عدم ترتيب الأثر في غيره وقول أبي الحسن الرضا (عليه السلام)  في موثق البزنطي: (إنما أمرا أن يشهدا جميعاً).

وفي صحيح إسماعيل بن بزيع: (لا يجوز حتى يشهدا جميعاً).

الرابع: الذكورة والتعدد لقول أبي جعفر (عليه السلام): (رجلين عدلين أو شاهدين عدلين) إلى غير ذلك كما مرّ فلو شهد أحدهما بالطلاق وسمع في مجلس ثم كرر اللفظ وسمع الآخر في مجلس آخر بانفراده لم يقع الطلاق، ولو شهدا بإقراره بالطلاق لم يعتبر اجتماعهما في تحمل الشهادة ولا في أدائها لأنه ليس من نفس الطلاق في شيء والاجتماع معتبر في نفس الطلاق لا في الإقرار به، فتشمله حينئذ إطلاق اعتبار الشهادة حينئذ تحملاً وأداءً ولا اعتبار بشهادة النساء ولا بسماعهن في الطلاق لا منفردات ولا منضمات إلى رجل إجماعاً ونصاً كما عن أبي جعفر (عليه السلام)  في الصحيح: (ولا يجوز فيه شهادة النساء كما لا يعتبر علم المطلّق بشخص العادلين بل يكفي وقوع الطلاق عندهما وسماعهما ولو في ضمن جمع لإطلاق الأدلة.

ولا يعتبر علم الشاهدين أيضاً بالمطلّق ولا المطلقة بل يكفي سماعهما للطلاق جامعاً للشرائط للإطلاق والسيرة المستمرة عند الفقهاء.

ولصحيح أبي بصير قال: (سألت أبا جعفر (عليه السلام)  عن رجل تزوج أربعة نسوة في عقد واحد أو قال في مجلس واحد ومهورهن مختلفة قال جائز له ولهن قال قلت ارأيت إن هو خرج إلى بعض البلدان فطلق واحدة من الأربع وأشهد على طلاق أهل تلك البلاد وهم لا يعرفون المرأة ثم تزوج امرأة من أهل تلك البلاد وبعد انقضاء عدة المطلقة ثم مات بعدما دخل بها كيف يقسم ميراثه؟ قال إن كان له ولد فللمرأة التي تزوجها من أهل تلك البلاد ربع ثمن من كل ما ترك وإن عرفت التي طلقها بعينها ونسبها فلا شيء لها من الميراث وليس عليها العدة وتقسم لثلاث نسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بينهن جميعاً وعليهن جميعاً العدة).

وهذه الرواية صريحة فيما ذكرنا.

ولو طلق الوكيل عن الزوج لا يكفي به مع عدل واحد في الشاهدين كما إنه لا يكفي بالموكل مع عدل آخر للأصل في كل منها والإجماع وإن المنساق من الأدلة اختلاف الوكيل وكل من الشاهدين.

ولا يخفى إن المراد بالعدل في هذا المقام ما هو المراد به في غير المقام أيضاً أي العدالة بمعنى الاستواء والاستقامة في الدين.

وهي تارة حالة زائلة وأخرى حالة راسخة ويعبر عن الثانية بالملكة فهي عبارة عن العدالة في الأحكام التي تثبت في الفقه من أوله إلى آخره أينما ذكرت العدالة موضوعاً لحكم من الأحكام كما فصله الفقهاء من بحث الاجتهاد والتقليد وعدالة إمام الجماعة في الصلوات ولذا فإن المراد بالعدل في المقام ما هو المراد منه في غير المقام أي ما رتب عليه بعض الإحكام وهو من كانت له حالة راسخة مانعة عن ارتكاب الكبائر وعدم الأصرار على الصغائر وهي التي تسمى بالملكة والكاشف عنها حسن الظاهر بمعنى كونه عند الناس حسن الأفعال كما هو في صحيح ابن أبي يعفور الوارد في بيان العدالة بحيث لو سألوا عن حاله قالوا في حاله إنه رجل خّير لم نر منه إلا خيراً.

ومثل هذا الشخص ليس عزيز المنال في العرف والمجتمع.

وإذا كان الشاهدان عادلين في الاعتقاد المطلق أصيلاً كان أو وكيلا فاسقين في الواقع يشكل ترتيب آثار الطلاق الصحيح لمن يطلع على فسقهما وذلك لأن حسن الظاهر الكاشف عن العدالة إنما هو معتبر لمن لا يعلم بالخلاف أما في صورة العلم بالخلاف فكيف يصح الاكتفاء بالفاسق بل الظاهر انصراف الدليل عنه أيضاً إلا أن يدل دليل على الخلاف وهو مفقود.

نعم ربما لقائل أن يقول إن التسهيل في هذا الأمر العام البلوى يقتضي القول بكفاية إحراز العدالة عند المتعارف حتى لمن يعتقد بالخلاف تسهيلاً وتيسيراً وتخطئة لمن يعتقد بالخلاف لئلا يتسرع كل أحد إلى المناقشة في عدالة كل عادل وكيف كان فإذا كانا عادلين باعتقاد الوكيل دون الموكل فإنه يشكل ترتيب آثار الطلاق على طلاقه بل الأمر فيه أشكل من سابقه لدعوى ظهور الأدلة في إحرازه بالخصوص لعدالة الشاهدين ولكنه ممنوع لوحدة السياق في الجميع.

 

  • هل الإشهاد واجب:

ثم إنه اختلفت كلمات الفقهاء في وجوبه وندبه مضافاً إلى المفسرين وهذا الاختلاف ناشيء من الاستفادة من قوله تعالى في سورة الطلاق: ((يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً * فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ)).

وقد اختلف المفسرون والفقهاء في قوله تعالى: ((وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)) هل المراد منها وجوب الإشهاد على الطلاق؟ وهذا ما يراه الشيعة.

أم الإرشاد والندب إليه كما يراه غيرهم قال الفخر الرازي: ((وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)) أي أمروا أن يشهدوا عند الطلاق وعند الرجعة وقيل فائدة الإشهاد أن لا يقع بينهما التجاحد فلا يتهم في إمساكها وإن لا يموت أحدهما فيدعي الباقي بقاء الزوجية ليرث وقال أبو السعود قال الله تعالى: ((وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)). عند الفرقة والرجعة قطعاً للتنازع وقال القرطبي أمر للإشهاد على الطلاق وقيل على الرجعة والظاهر رجوعه إلى الفرقة والرجعة جميعاً.

وقال البيضاوي: ((وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)).

على الرجعة والفرقة تبرياً من الريبة وقطعاً للنزاع إلى آخر ذلك من الأقوال والآراء في المسألة.

وقال ابن عباس الإشهاد على الرجعة وعلى الطلاق يرفع عن النوازل إشكالات كثيرة.

ونقل الطبري عن السيد في قوله: (واشهدوا) قال على الطلاق والرجعة وهو قول ابن عباس أيضاً كما جاء في تفسير الطبري.

قال إذا أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها أشهد رجلين ثم قال كما قال تعالى: ((وَأَشْهِدُوا)) عند الطلاق وعند الرجعة.

وجاء في سنن ابن ماجة عن عمران إن بن الحصين سأل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال عمران طلقت بغير سنة وراجعت بلا سنة ليشهد على طلاقها وعلى رجعتها وقد اختلف الفقهاء والمفسرون في الأمر في قوله سبحانه وتعالى: ((وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ)) هل هذا وجوبي أو ندبي فالشيعة ذهبوا إلى الوجوب وقد أيدهم في ذلك جمع من العلماء المتأخرين من العامة يقول الأستاذ أحمد شاكر في كتابه: (الطلاق في الإسلام) يقول (الأمر للوجوب لأنه مدلوله الحقيقي ولا ينصرف إلى غير الوجوب كالندب إلا بقرينة ولا قرينة هنا تصرفه الى غير الوجوب بل القرائن هنا تؤيد حمله على الوجوب لأن الطلاق عمل استثنائي يقوم به الرجل وهو أحد طرفي القضية وحده سواء وافقته المرأة أولا، فإشهاد الشهود يرفع احتمال الجحد ويثبت لكل منهما حقه قبل الآخر فمن أشهد على الطلاق فقد أتى بالطلاق على وجه مأمور به فمن لم يفعل فقد تعدى حدّ الله الذي حدّه له فوقع عمله باطلا لا يترتب عليه أي أثر من آثاره وأما من ناحية المعقول فإننا نرى في اشتراك الإشهاد على الطلاق تضييق من دائرة الطلاق في حدود الشرع الذي حرص أن يكون الطلاق علاجاً حيث لا علاج سواه وليس اشتراط الإشهاد تضييق من إرادة الزوج أو اختياره لأن الزوج حرّ في التعبير عن مقصده وإرادته ولا دخل لأحد فيه ضمن حدود الشرع وإنما الإشهاد يؤخر الطلاق وربما يعيق التسرع من الرجل الذي ربما يرتجل أو يتهور في قراره فحتى يتبين له الرشد والصواب لأن الشاهدين قد ينصحاه إذا لم يزل الغضب حتى تلك اللحظة من نفس الرجل المطلق وعليه فإن فوائد الإشهاد عديدة في هذا المجال فهي أولاً ينسجم الإشهاد حين الطلاق مع الإشهاد حين الزواج وثانياً يؤدي إلى التقليل من حوادث الطلاق المتسرع فإن حضور الشاهدين إن لم يصلا إلى عودة الحياة الزوجية إلى ما كانت عليه فعلى الأقل يخففان من حوادث كثيرة، وبهذا تتحقق المبادئ الإسلامية في الطلاق حيث نقضي بالإشهاد على الطلاق المنبعث عن هيجان النفس وثورة الغضب ولا يبقى لدينا إلا الطلاق المنبثق عن تفكير وتصميم ودون انفعال وبعدالة ودون ظلم وبذلك تقل حوادث الطلاق وتضيق دائرته وكما يقول العلامة القاسمي إن الأمر بالإشهاد في الطلاق يدل على إن الحلف بالطلاق أو تعليق وقوعه بأمر كله مما لا يعد طلاقاً بالشرع لأنه ما طلب فيه الإشهاد لابد أن ينوي إيقاعه ويعزم عليه ويتهيأ له وقال القاسمي: يقول شيخنا الأستاذ محمد أبو زهرة بعد أن ذكر رأيه في المذاهب التي تقول بالإشهاد وإن ذلك معقول المعنى يوجبه التنسيق حين إنشاء الزواج وإنهائه فإن حضور الشاهدين شرط في الطلاق وإنه لو كان لنا أن نختار للعموم به في عصر لاخترنا ذلك الرأي فيشترط لوقوعه حضور شاهدين عدلين يمكنهما مراجعة الزوجين فتضيق الدائرة كي لا يكون الزوج فريسة لهواه ولكي يمكن إثباته في المستقبل فلا تجري فيه المشاحنة وينكره المطلق إذا لم يكن له دين والمرأة على علم به ولا تستطيع إثباته فيكون في حرج شديد ويقول أستاذنا فضيلة الشيخ علي الخفيف وفي رأيي إن اشتراط الإشهاد على الطلاق هو أقرب الآراء إلى تحقيق المصلحة وإبعاده من أن يكون نتيجة غضب أو انفعال وقتي وبذلك تضيق دائرة الطلاق ويقول الدكتور يوسف موسى بعد أن ذكر وجهة نظر من قال بالإشهاد وعنده وجهة نظر يجب عدم التغاضي عنها فإن في الأخذ بهذا الرأي ما يمهد السبيل للصلح في كثير من الحالات حقاً، ولذا فإننا نقترح أن لا يقع الطلاق إلا أمام شاهدين عدلين تخفيفاً لحوادث الطلاق وتقليلاً لوقوع كثير من حالاته التي منشأها الغضب والانفعال الوقتي، ونرى وضع المادة التالية مع ما نقترحه من مواد: لا يقع الطلاق إلا أمام شاهدين عدلين يسمعان صيغة الطلاق انتهى إقتضاباً ويقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه الأحوال الشخصية جمهور: الفقهاء على إن الطلاق يقع من غير حاجة إلى إشهاد فحضور الشهود شرط في صحّة الزواج وليس شرطاً في إنهائه.

ولقد قال فقهاء الشيعة الإمامية الإثني عشرية والإسماعيلية:

إن الطلاق لا يقع من غير إشهاد عدلين لقوله تعالى في أحكام الطلاق وإنشائه في سورة الطلاق  (وأشهدوا ذوي عدل منكم) إلى أن قال:

وإن ذلك معقول المعنى يوجبه التنسيق بين إنشاء الزواج وإنهائه، فإن حضور الشاهدين شرط في الإنشاء فيجب أن يكون شرطاً في الإنهاء، فإنه لو كان لنا أن نختار للعموم به في مصر لاخترنا ذلك الرأي فيشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدين عدلين، إلى آخرك